الســـــلام عليـــكم و رحمة الله
بســـــم الله الرحمــن الرحـــيم
فإن الحياء صفة من الصفات الكريمة، و صفة من صفات الرحمن قال صلى الله عليه و سلم " إن الله ستير حي يحب الحياء و الستر " ،وخصلة من خصال الإيمان و شعبه ، قال عليه السلام " دعه فالحياء شعبة من شعب الإيمان " ، ، و خــلق من أخــلاق الإســلام لقوله عليه السلام " إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء "،أَي الْغَالِب على أهل كل دين سجية سوى الْحيَاء وَالْغَالِب على ديننَا الْحيَاء لِأَنَّهُ متمم لمكارم الْأَخْلَاق الَّتِي بعثت بهَا [ صلى الله عليه و سلم ] قَالَه النَّوَوِيّ . و هذا الخــلق أصبـح جــريمة و ذمــا و تخــلفا لمن اتصــف بــه من المسـلمين رجالا كانوا أو نساءً و هذا كــله سببه التشبه بالكفــار و تتبعهم حذو القذة بالقذة ، فمن هنــا و جب عــلينا التكلم عن هذا الخلق العظيم و شيء فضائله
معنى الحياء و حقيقتــه :
فالحــياء قد ذكره الحافظ ابن حجر بقوله:
قال الراغب: الحياء انقباض النفس عن القبيح، وهو من خصائص الإنسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي فلا يكون كالبهيمة، وهو مركب من جبن وعفة، فلذلك لا يكون المستحيي فاسقا، وقلما يكون الشجاع مستحيا. انتهى.
و قال العلماء : إن حقيقة الحياء: هي خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.
- فانظر يا عبد الله ! في حقيقة الحياء لئلا تكون من الكاذبين و المنافقين الذي يدعون الحياء و هم في أصلهم قد نحروه نحرا
و الحياء حياءان :
* حياء مع الخالق ،* حياء مع المخلوق
و إن كنا نجد ابن القيم رحمه الله قسم الحياء في كتابه مدارج السالكين إلى [[ عشرة أقسـام ]]
لكن بالنظر إلى كـلامه رحمه الله
تجد أن الحياء إما من الخالق أو المخلوق .
* و قد قال المحاسبيي رحمه الله " وعلامة الْحيَاء من الله الا تنسى الْوُرُود على الله وان تكون مراقبا لله فِي جَمِيع امورك على قدر قرب الله تَعَالَى مِنْك واطلاعه عَلَيْك "[ آداب النفوس ]
و لهذا الخلق أهمــية و فضل عــظيم :
*) للحياء أهمية كـبيرة و مكانة عظيمة في الإسلام لذلك ذكر في الكتاب و السنة فقد ذكر الله سبحانة و تعالي تمني مريم عليه السلام الموت " {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} تَمَنَّتِ الْمَوْتَ اسْتِحْيَاءً مِنَ النَّاسِ وَخَوْفَ الْفَضِيحَةِ، {وَكُنْتُ نَسْيًا}أَيْ: مَتْرُوكًا ".
أنظر يا رعاك الله ... مع عــلمــها أن هذا من آيات الله و معجزاته و أمره لــكن الحياء جعلها تتمنى هذا و هو حياء من المخلوقين ، و نحن نسا ء و بنات المسلمين يرتكبن الرذيلة دون حياء و لا حشمة و لا خوف من الله ، بــل فتح لهذه ـ القحة ـ بيوت الدعارة بتصريحات حكومية و بعض الدولة جعلوها من حرية المرأة و لا حول و لا قوة إلا بالله ...
*) و انــظر أيــضا لتــلكم الفتاة الذي ذكرها الله سبحانه {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص: 25] فوصف مشيتها قَالَ عُمَرُ، «جَاءَتْ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَائِلَةً بِثَوْبِهَا عَلَى وَجْهِهَا لَيْسَتْ بِسَلْفَعِ خَرَاجَةٍ وَلَّاجَةٍ»
(تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ)، أي: تمشي مشي من لم يخالط الناس على، التستر والتغطية.
[...] مائلة عن الرجال رافعة كمها على وجهها قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا مواشينا
روي أن موسى عليه السلام أجابها، فانطلقا وهي أمامه فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لها: امشي خلفي وانعتي لي الطريق،
تمشي مشية الفتاة المؤمنة التي لبست جلباب الحياء ،
و أين بنتات المسلمين الآن من هذا الخلق العظيم ، ترى الواحدة منهن تمشي و قد ملكت الطريق و تلاصقت مع الرجال تضاحكهن و تعاكسهن و تتمايل تمايل النشوان متبرجات و قد طلسنا كل أنواع الألوان على وجهوههن و لا حول و لا قوة إلا بالله .... فأي عيش و حياة إسلامية هذه ..
فلا وأبيك ما في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
*)- و من زينتنا و لبسانا معاشر المسلمين التقــوى قال الله {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} سورة الأعراف فقد جاء عن معبد الجهني في قوله: قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً قال:
هو ما تلبسون ورياشاً قال المعاش وَلِباسُ التَّقْوى هو الحياء ذلِكَ خَيْرٌ أي لباس التقوى وهو الحياء خير من الثياب، لأن الفاجر إنْ كان حسن الثياب فإنه بادي العورة ألا ترى إلى قول الشاعر حيث يقول:
إني كأني أرى من لا حياء له ... ولا أمانة وسط القوم عريانا[ بحر العلوم / أبو الليث السمرقندي/1-509]
فيا ليت قــومي يعــلمون و يعقلون و يتذكرون .. و يتفكرون أي لباس هم يَلْبَسونه هم و يُـلبِسـونه " بناتهم و بنيهم " إنا لله و إنا إليه راجعون
*) – و الله عزوجل قد بين خسران من لم يمنه الحياء و الحشمة ، فخوفهم سبحانه و تعالى {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)}التوبة
خوّفهم برؤيته- سبحانه- لأعمالهم، فلمّا علم أنّ فيهم من تتقاصر حالته عن الاحتشام لأّطلاع الحقّ قال: «وَرَسُولُهُ» ، ثم قال لمن نزلت رتبته: «وَالْمُؤْمِنُونَ» . وقد خسر من لا يمنعه الحياء، ولا يردعه الاحتشام، وسقط من عين الله من هتك جلباب الحياء، كما قيل:
إذا قلّ ماء الوجه قلّ حياؤه ... ولا خير فى وجه إذا قلّ ماؤه
ومن لم يمنعه الحياء عن تعاطى المكروهات فى العاجل سيلقى غبّ ذلك، وخسرانه عن قريب فى الآجل.[ لطائف الإشارات = تفسير القشيري2/61 لتوبة ]
*)- و جعل النبي عليه السلام الحياء من الإيمان فقال عليه السلام " الحياء من الإيمان " لأنه يحجز صاحبه عن المعاصي، إذا الحييّ يخاف فضيحة الدارين فينزجر عن كل معصية
ويمتثل كل طاعة، وأرفع الحياء الحياء من الله وهو ألا يراك حيث نهاك"[دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين // محمد لبكري الشافعي [ ت 1057 ]2/365 ]
*)- و المتصف بالحياء الحقيقي سينال الخيرالعظيم لقــوله عليه السلام (الحياء لا يأتي إلا بخير) "حتى ولو فاتك شيء من الدنيا، ولكن الثواب الذي في الحياء عظيم عند الله سبحانه وتعالى، فمن أعظم أخلاق المؤمن اتصافه بالحياء، وكان حياء النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يمنعه أن يقول للإنسان: أنت شرير، فكان يدخل عليه الإنسان فيقول النبي صلى الله عليه وسلم قبل دخوله: (بئس أخو العشيرة)، فإذا دخل وجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا به يتبسم ويتكلم صلوات الله وسلامه عليه، فيقولون: تبسمت له وقد قلت عنه كذا وكذا؟! فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (متى عهدتني فحاشاً؟) أي: إنني لا أفحش في الكلام، ولا أقع في خطأ في الكلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم تبسط وتبسم مع الرجل ولم يزجره لكون الحياء يمنعه من أن يقول له ذلك. "[[ شرح رياض الصالحين ابن العثيمين /باب الحياء و فضله ]] .
فأين نحن من أخلاق المصطفى الحيي عليه السلام
*) ـ و أهميــته و فضله يظهر أيــضا في بعض القضايا و الأشياء التي يكون فيها الحياء صاحب دور عظيم قــول النبي عليه السلام "مَا كَانَ الفُحْشُ فِي شَيْءٍ إلاَّ شَانَهُ، وَمَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إلاَّ زَانَهُ " أي زينـــه ،
قال الطيبي: فيه مبالغة أي لو قدر أن يكون الفحش أو الحياء في جماد لشانه أو زانه فكيف بالإنسان؟ وأشار بهذين إلى أن الأخلاق الرذلة مفتاح كل شر بل هي الشر كله والأخلاق الحسنة السنية مفتاح كل خير بل هي الخير كله قال ابن جماعة: وقد بلي بعض أصحاب النفوس الخبيثة من فقهاء الزمان بالفحش والحسد والعجب والرياء وعدم الحياء اه. وأقول: ليت ابن جماعة عاش إلى الآن حتى رأى علماء هذا الزمان[فيض القدير شرح الجامع الصغير/ المناوي /5/461]
فيه : استحباب الحياء وذم الفحش؛ لأن صاحب الحياء يدع ما يلام على فعله،[ فلا يلابس المعايب ](*) والفاحش لا ينظر لذلك [تطريز رياض الصالحين ] فيصل آل مبارك [باب النهي عن الفحش وبذاء اللسان] ، [فلا يزال ملابساً لها واقعاً فيها] (*)[ هذا من كتاب «دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين "
وقالو: مقدمة المحمودات الحياء، ومقدمة المذمومات القحة.
*و من أهميته و عظمه أن من من لم يستحي قارف كل خطيئة لِأَنَّهُ لَا يَحْجِزُهُ عَنْ ذَلِكَ دِينٌ، وَلَا حَيَاءٌ فعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»أي : أَن الْحيَاء لم يزل ممدوحا على ألسن الْأَنْبِيَاء الْأَوَّلين، ومأمورا بِهِ لم ينْسَخ فِي شرع [كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي 2/202] وَالْغَالِب على ديننَا الْحيَاء لِأَنَّهُ متمم لمكارم الْأَخْلَاق الَّتِي بعثت بهَا [ النووي ] و قوله [ فاصنع ما شئت ] أَيِ: الرَّادِعُ عَمَّا لَا يَنْبَغِي هُوَ الْحَيَاءُ،
إِذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي ... وَلَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا تَشَاءُ
فَلَا وَاللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ ... وَفِي الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الْحَيَاءُ
[مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح علي القا ري ]
و هنا أختلف أهل العلم في تأويل الحديث :
ـ منهم من قال أنه أمر بالتهديد ، و معناه الخبر أي من لم يستح صنع ما شاء
ـ و منهم من قال أنه أمر بالمباح أي انظر إلى الفعل الذي تريد ان تفعله ، فإن كان مما لا يُستحيا منه فافعله
و رجح ابن القيم رحمه الله القول الاول [[ كما في المدارج 2/18 ]]
و نحن للأسف الشديد هذا الحديث يعتبر عند بعض الناس إن لم يكن أكثره ، أنه من العادات و أنه لا يناسب وقتنا الحاضر ، و أن من أعمــله يعتبر جبانا متخــلفا ، فلا هم نظروا إلى الفعل أهو مباح و لا ردعهم عن الفعل القبيح أو المحرم ... "و منــها ما يفعله بعض الناس الآن في الأسواق من الكلام البذيء السيئ أو الأفعال السيئة أو ما أشبه ذلك فلذلك يجب على الإنسان أن يكون حييا إلا في أمر يجب عليه معرفته فلا يستحي من الحق"[ قاله في العثيمين في رياض الصالحين ] ومما يجانب الحياء مشــاهدة الأفلام و المسلسلات مع العائلات فلا تأملوا في قبح ما يشاهدون و لا خشوا ربهم و استحوا منه ، تراهم مجتمعين على فلم قد خلع كل قيم الحياء عن رقبته ، ماتت القيم و لا حول و لا قوة إلا بالله .
*) و الحياء نوع غريزي طبيعي، ونوع آخر مكتسب.:
النوع الأول: فإن بعض الناس يهبه الله عزّ وجل حياءً، فتجده حيياً من حين الصغر، لا يتكلم إلا عند الضرورة، ولا يفعل شيئاً إلا عند الضرورة، لأنه حيي.
النوع الثاني: مكتسب يتمرن عليه الإنسان، بمعنى أن يكون الإنسان غير حيي ويكون فرهاً باللسان، وفرهاً بالأفعال بالجوارح، فيصحب أناساً أهل حياء وخير فيكتسب منهم، والأول أفضل وهو الحياء الغريزي. ]] عطية سالم شرح الأربعين ]]
و الحــياء على نوعــين :
1)- حـياء محمود
2)- حياء مذموم
(1) الحياء الممدوح :هو الذي يأمرك بالخير ويمنعك من التبجح
و قال عطية سالم هو " أنك تستحي أن تأكل وأنت تمشي في الطريق، ما الذي منعك؟ الحياء، ويذكر بعض العلماء أن شخصاً دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب ماء يشرب، فستره النبي صلى الله عليه وسلم حتى يشرب، قالوا: (ما هذا يا رسول الله؟! قال: هؤلاء قوم يستحون) إلى هذا الحد .." [ شرح الأربعين ـ عطية سالم ]
(2)ـ الحياء المذموم : :" هو الذي يمنعك من فعل واجب عليك.
فبعض الناس يخرج عن بلده ويأتي إلى بلد غير مسلم ويرى الساعة في يده، ويعلم أنه قد حان وقت الصلاة، وهو عنده زملاؤه في منتزه أو في بيت أو في مكان وعنده الآخرين يستحي أن يؤذن ويقيم ويصلي.."[ عطية سالم شرح الأربعين ]
تنبــيه:
يجدر التنبـيه هنـــا إلى الفــرق بــين " الخجل " و " الحــياء "
و هــو : فالخجل فإنه أخص من الحياء الذي هو أعم، فالخجل يكون من أمر معين، أما الحياء فإنه خصلة في الذات، وهو إحدى شعب الإيمان ،
والخجل الحياء من كل شيء والأكثر ما يكون للنساء، ولذا الخجل للرجال ليس ممدوحاً [[ قاله عطية سالم رحمه الله شرح الأربعين ]]
تنبــيهه :
مع أن الحياء خلق عظيم يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ و مأمور بـــه لــكن هذا الحياء[..] حَيَاءُ فِيمَا شُرِعَ الْحَيَاءُ فِيهِ فَأَمَّا حَيَاءٌ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ تَعَلُّمِ الْعِلْمِ فَلَيْسَ بِمَشْرُوعٍ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ «، وَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» .[ المنتقى شرح الموطأ للباجي 7/213 ]
و قال ابن باطال في شرحه للبخاري "إنما أراد البخارى بهذا الباب ليبين أن الحياء المانع من طلب العلم مذموم"
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ لَا يَتَعَلَّمُ مُسْتَحٍ وَلَا مُتَكَبِّرٍ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَرِدْ شَرْعٌ بِالْحَيَاءِ الْمَانِعِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِهِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَاتِ. [ و روي عن مجاهد رحمه الله ]
وأما إذا كان الحياء على جهة التوقير والإجلال فهو حسن اهـ. ابن بطال [ شرح البخاري 1/210]
أقــوال مأثورة في الحيــاء :
قال السري (( إن الحياء و الأنس يطرقان القلب ، فإن وجدا فيها الزهد و الورعو إلا رحلا ))[ مدارج السالكين /2 /19]
و في آثر ( أوحة الله إلى عيسى عليه السلام ، عظ نفسك فإن اتعظت ، و إلا فاستحي مني : ان تعظ الناس )) [ مدارج السالكين /2 /19]
*قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه «اسْتَحُوا مِنَ اللَّهِ فَإِنِّي لأَدْخُلُ الْكَنِيفَ فَأُغَطِّي عَوْرَتِي حَيَاءً مِنَ اللَّهِ»
* قال وهب بن منبه:الإيمان عريان لباسه التقوى وزينته الحياء وفاله [الفقه] وجماله العفّة، وثمره العمل الصالح.
* ابن عمر، قال:" الحياء والإيمان مقرونان جميعا فإذا رفع أحدهما ارتفع الآخر[العقد الفريد ابن عبد ربه الاندلسي ]
قال عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَيْرٍ، يَقُولُ: «آثِرُوا الْحَيَاءَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْحَيَاءِ مِنَ النَّاسِ»
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ مَنْ لا يَسْتَحْيِ مِنَ النَّاسِ لا يَسْتِحْيِ مِنَ اللَّهِ [ روضة العقلاء لابن حبان البستي ]
قال عون بن عبد الله: الحياء والحلم والصمت من الإيمان. [العقد الفريد ابن عبد ربه الاندلسي ]
وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : قرنت الهيبة بالخيبة، والحياء بالحرمان. [العقد الفريد ابن عبد ربه الاندلسي ]
وقال بعضهم:
إذا حرم المرء الحياء فإنّه ... بكل قبيح كان منه جدير
له قحة في كلّ أمر وسرّه ... مباح وجدواه جفا وغرور «2»
وسئل: أيما أحمد في الصبا: الحياء، أم الخوف؟ قال: الحياء، لأن الحياء يدل على العقل والخوف يدل على المقة1 والشهوة .
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ سَمِعْت أَعْرَابِيًّا يَقُولُ مَنْ كَسَاهُ الْحَيَاءُ ثَوْبَهُ لَمْ يَرَ النَّاسُ عَيْبَهُ
الخاتمة :
ينبغي علينا أن نلازم الحياء و ان نربي عليه الأبناء ، و نكثر من الحث عليه و إحيائه في بيوتنا و مجتمعاتنا ، لنحوز تلكم الفضائل العظيمة و الخير الكثير و تصبح العفة و الحشمة سائدة في اوطاننا فتتستر نساءنا و يقلع ابناءنا عن الرذائل ... و نبطل مخططات و كيد الأعداء ... و هكذا نحافظ على معدن أخلاقنا و قيمنا التي هي سبب من اسباب النصر و التمكين
و صلى الله و سلم على سيدنا محمد
جــمع
أبو سعيد عزالدين غربي البرجي
بســـــم الله الرحمــن الرحـــيم
فإن الحياء صفة من الصفات الكريمة، و صفة من صفات الرحمن قال صلى الله عليه و سلم " إن الله ستير حي يحب الحياء و الستر " ،وخصلة من خصال الإيمان و شعبه ، قال عليه السلام " دعه فالحياء شعبة من شعب الإيمان " ، ، و خــلق من أخــلاق الإســلام لقوله عليه السلام " إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء "،أَي الْغَالِب على أهل كل دين سجية سوى الْحيَاء وَالْغَالِب على ديننَا الْحيَاء لِأَنَّهُ متمم لمكارم الْأَخْلَاق الَّتِي بعثت بهَا [ صلى الله عليه و سلم ] قَالَه النَّوَوِيّ . و هذا الخــلق أصبـح جــريمة و ذمــا و تخــلفا لمن اتصــف بــه من المسـلمين رجالا كانوا أو نساءً و هذا كــله سببه التشبه بالكفــار و تتبعهم حذو القذة بالقذة ، فمن هنــا و جب عــلينا التكلم عن هذا الخلق العظيم و شيء فضائله
معنى الحياء و حقيقتــه :
فالحــياء قد ذكره الحافظ ابن حجر بقوله:
قال الراغب: الحياء انقباض النفس عن القبيح، وهو من خصائص الإنسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي فلا يكون كالبهيمة، وهو مركب من جبن وعفة، فلذلك لا يكون المستحيي فاسقا، وقلما يكون الشجاع مستحيا. انتهى.
و قال العلماء : إن حقيقة الحياء: هي خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.
- فانظر يا عبد الله ! في حقيقة الحياء لئلا تكون من الكاذبين و المنافقين الذي يدعون الحياء و هم في أصلهم قد نحروه نحرا
و الحياء حياءان :
* حياء مع الخالق ،* حياء مع المخلوق
و إن كنا نجد ابن القيم رحمه الله قسم الحياء في كتابه مدارج السالكين إلى [[ عشرة أقسـام ]]
لكن بالنظر إلى كـلامه رحمه الله
تجد أن الحياء إما من الخالق أو المخلوق .
* و قد قال المحاسبيي رحمه الله " وعلامة الْحيَاء من الله الا تنسى الْوُرُود على الله وان تكون مراقبا لله فِي جَمِيع امورك على قدر قرب الله تَعَالَى مِنْك واطلاعه عَلَيْك "[ آداب النفوس ]
و لهذا الخلق أهمــية و فضل عــظيم :
*) للحياء أهمية كـبيرة و مكانة عظيمة في الإسلام لذلك ذكر في الكتاب و السنة فقد ذكر الله سبحانة و تعالي تمني مريم عليه السلام الموت " {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} تَمَنَّتِ الْمَوْتَ اسْتِحْيَاءً مِنَ النَّاسِ وَخَوْفَ الْفَضِيحَةِ، {وَكُنْتُ نَسْيًا}أَيْ: مَتْرُوكًا ".
أنظر يا رعاك الله ... مع عــلمــها أن هذا من آيات الله و معجزاته و أمره لــكن الحياء جعلها تتمنى هذا و هو حياء من المخلوقين ، و نحن نسا ء و بنات المسلمين يرتكبن الرذيلة دون حياء و لا حشمة و لا خوف من الله ، بــل فتح لهذه ـ القحة ـ بيوت الدعارة بتصريحات حكومية و بعض الدولة جعلوها من حرية المرأة و لا حول و لا قوة إلا بالله ...
*) و انــظر أيــضا لتــلكم الفتاة الذي ذكرها الله سبحانه {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص: 25] فوصف مشيتها قَالَ عُمَرُ، «جَاءَتْ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَائِلَةً بِثَوْبِهَا عَلَى وَجْهِهَا لَيْسَتْ بِسَلْفَعِ خَرَاجَةٍ وَلَّاجَةٍ»
(تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ)، أي: تمشي مشي من لم يخالط الناس على، التستر والتغطية.
[...] مائلة عن الرجال رافعة كمها على وجهها قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا مواشينا
روي أن موسى عليه السلام أجابها، فانطلقا وهي أمامه فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لها: امشي خلفي وانعتي لي الطريق،
تمشي مشية الفتاة المؤمنة التي لبست جلباب الحياء ،
و أين بنتات المسلمين الآن من هذا الخلق العظيم ، ترى الواحدة منهن تمشي و قد ملكت الطريق و تلاصقت مع الرجال تضاحكهن و تعاكسهن و تتمايل تمايل النشوان متبرجات و قد طلسنا كل أنواع الألوان على وجهوههن و لا حول و لا قوة إلا بالله .... فأي عيش و حياة إسلامية هذه ..
فلا وأبيك ما في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
*)- و من زينتنا و لبسانا معاشر المسلمين التقــوى قال الله {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} سورة الأعراف فقد جاء عن معبد الجهني في قوله: قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً قال:
هو ما تلبسون ورياشاً قال المعاش وَلِباسُ التَّقْوى هو الحياء ذلِكَ خَيْرٌ أي لباس التقوى وهو الحياء خير من الثياب، لأن الفاجر إنْ كان حسن الثياب فإنه بادي العورة ألا ترى إلى قول الشاعر حيث يقول:
إني كأني أرى من لا حياء له ... ولا أمانة وسط القوم عريانا[ بحر العلوم / أبو الليث السمرقندي/1-509]
فيا ليت قــومي يعــلمون و يعقلون و يتذكرون .. و يتفكرون أي لباس هم يَلْبَسونه هم و يُـلبِسـونه " بناتهم و بنيهم " إنا لله و إنا إليه راجعون
*) – و الله عزوجل قد بين خسران من لم يمنه الحياء و الحشمة ، فخوفهم سبحانه و تعالى {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)}التوبة
خوّفهم برؤيته- سبحانه- لأعمالهم، فلمّا علم أنّ فيهم من تتقاصر حالته عن الاحتشام لأّطلاع الحقّ قال: «وَرَسُولُهُ» ، ثم قال لمن نزلت رتبته: «وَالْمُؤْمِنُونَ» . وقد خسر من لا يمنعه الحياء، ولا يردعه الاحتشام، وسقط من عين الله من هتك جلباب الحياء، كما قيل:
إذا قلّ ماء الوجه قلّ حياؤه ... ولا خير فى وجه إذا قلّ ماؤه
ومن لم يمنعه الحياء عن تعاطى المكروهات فى العاجل سيلقى غبّ ذلك، وخسرانه عن قريب فى الآجل.[ لطائف الإشارات = تفسير القشيري2/61 لتوبة ]
*)- و جعل النبي عليه السلام الحياء من الإيمان فقال عليه السلام " الحياء من الإيمان " لأنه يحجز صاحبه عن المعاصي، إذا الحييّ يخاف فضيحة الدارين فينزجر عن كل معصية
ويمتثل كل طاعة، وأرفع الحياء الحياء من الله وهو ألا يراك حيث نهاك"[دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين // محمد لبكري الشافعي [ ت 1057 ]2/365 ]
*)- و المتصف بالحياء الحقيقي سينال الخيرالعظيم لقــوله عليه السلام (الحياء لا يأتي إلا بخير) "حتى ولو فاتك شيء من الدنيا، ولكن الثواب الذي في الحياء عظيم عند الله سبحانه وتعالى، فمن أعظم أخلاق المؤمن اتصافه بالحياء، وكان حياء النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يمنعه أن يقول للإنسان: أنت شرير، فكان يدخل عليه الإنسان فيقول النبي صلى الله عليه وسلم قبل دخوله: (بئس أخو العشيرة)، فإذا دخل وجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا به يتبسم ويتكلم صلوات الله وسلامه عليه، فيقولون: تبسمت له وقد قلت عنه كذا وكذا؟! فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (متى عهدتني فحاشاً؟) أي: إنني لا أفحش في الكلام، ولا أقع في خطأ في الكلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم تبسط وتبسم مع الرجل ولم يزجره لكون الحياء يمنعه من أن يقول له ذلك. "[[ شرح رياض الصالحين ابن العثيمين /باب الحياء و فضله ]] .
فأين نحن من أخلاق المصطفى الحيي عليه السلام
*) ـ و أهميــته و فضله يظهر أيــضا في بعض القضايا و الأشياء التي يكون فيها الحياء صاحب دور عظيم قــول النبي عليه السلام "مَا كَانَ الفُحْشُ فِي شَيْءٍ إلاَّ شَانَهُ، وَمَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إلاَّ زَانَهُ " أي زينـــه ،
قال الطيبي: فيه مبالغة أي لو قدر أن يكون الفحش أو الحياء في جماد لشانه أو زانه فكيف بالإنسان؟ وأشار بهذين إلى أن الأخلاق الرذلة مفتاح كل شر بل هي الشر كله والأخلاق الحسنة السنية مفتاح كل خير بل هي الخير كله قال ابن جماعة: وقد بلي بعض أصحاب النفوس الخبيثة من فقهاء الزمان بالفحش والحسد والعجب والرياء وعدم الحياء اه. وأقول: ليت ابن جماعة عاش إلى الآن حتى رأى علماء هذا الزمان[فيض القدير شرح الجامع الصغير/ المناوي /5/461]
فيه : استحباب الحياء وذم الفحش؛ لأن صاحب الحياء يدع ما يلام على فعله،[ فلا يلابس المعايب ](*) والفاحش لا ينظر لذلك [تطريز رياض الصالحين ] فيصل آل مبارك [باب النهي عن الفحش وبذاء اللسان] ، [فلا يزال ملابساً لها واقعاً فيها] (*)[ هذا من كتاب «دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين "
وقالو: مقدمة المحمودات الحياء، ومقدمة المذمومات القحة.
*و من أهميته و عظمه أن من من لم يستحي قارف كل خطيئة لِأَنَّهُ لَا يَحْجِزُهُ عَنْ ذَلِكَ دِينٌ، وَلَا حَيَاءٌ فعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»أي : أَن الْحيَاء لم يزل ممدوحا على ألسن الْأَنْبِيَاء الْأَوَّلين، ومأمورا بِهِ لم ينْسَخ فِي شرع [كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي 2/202] وَالْغَالِب على ديننَا الْحيَاء لِأَنَّهُ متمم لمكارم الْأَخْلَاق الَّتِي بعثت بهَا [ النووي ] و قوله [ فاصنع ما شئت ] أَيِ: الرَّادِعُ عَمَّا لَا يَنْبَغِي هُوَ الْحَيَاءُ،
إِذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي ... وَلَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا تَشَاءُ
فَلَا وَاللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ ... وَفِي الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الْحَيَاءُ
[مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح علي القا ري ]
و هنا أختلف أهل العلم في تأويل الحديث :
ـ منهم من قال أنه أمر بالتهديد ، و معناه الخبر أي من لم يستح صنع ما شاء
ـ و منهم من قال أنه أمر بالمباح أي انظر إلى الفعل الذي تريد ان تفعله ، فإن كان مما لا يُستحيا منه فافعله
و رجح ابن القيم رحمه الله القول الاول [[ كما في المدارج 2/18 ]]
و نحن للأسف الشديد هذا الحديث يعتبر عند بعض الناس إن لم يكن أكثره ، أنه من العادات و أنه لا يناسب وقتنا الحاضر ، و أن من أعمــله يعتبر جبانا متخــلفا ، فلا هم نظروا إلى الفعل أهو مباح و لا ردعهم عن الفعل القبيح أو المحرم ... "و منــها ما يفعله بعض الناس الآن في الأسواق من الكلام البذيء السيئ أو الأفعال السيئة أو ما أشبه ذلك فلذلك يجب على الإنسان أن يكون حييا إلا في أمر يجب عليه معرفته فلا يستحي من الحق"[ قاله في العثيمين في رياض الصالحين ] ومما يجانب الحياء مشــاهدة الأفلام و المسلسلات مع العائلات فلا تأملوا في قبح ما يشاهدون و لا خشوا ربهم و استحوا منه ، تراهم مجتمعين على فلم قد خلع كل قيم الحياء عن رقبته ، ماتت القيم و لا حول و لا قوة إلا بالله .
*) و الحياء نوع غريزي طبيعي، ونوع آخر مكتسب.:
النوع الأول: فإن بعض الناس يهبه الله عزّ وجل حياءً، فتجده حيياً من حين الصغر، لا يتكلم إلا عند الضرورة، ولا يفعل شيئاً إلا عند الضرورة، لأنه حيي.
النوع الثاني: مكتسب يتمرن عليه الإنسان، بمعنى أن يكون الإنسان غير حيي ويكون فرهاً باللسان، وفرهاً بالأفعال بالجوارح، فيصحب أناساً أهل حياء وخير فيكتسب منهم، والأول أفضل وهو الحياء الغريزي. ]] عطية سالم شرح الأربعين ]]
و الحــياء على نوعــين :
1)- حـياء محمود
2)- حياء مذموم
(1) الحياء الممدوح :هو الذي يأمرك بالخير ويمنعك من التبجح
و قال عطية سالم هو " أنك تستحي أن تأكل وأنت تمشي في الطريق، ما الذي منعك؟ الحياء، ويذكر بعض العلماء أن شخصاً دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب ماء يشرب، فستره النبي صلى الله عليه وسلم حتى يشرب، قالوا: (ما هذا يا رسول الله؟! قال: هؤلاء قوم يستحون) إلى هذا الحد .." [ شرح الأربعين ـ عطية سالم ]
(2)ـ الحياء المذموم : :" هو الذي يمنعك من فعل واجب عليك.
فبعض الناس يخرج عن بلده ويأتي إلى بلد غير مسلم ويرى الساعة في يده، ويعلم أنه قد حان وقت الصلاة، وهو عنده زملاؤه في منتزه أو في بيت أو في مكان وعنده الآخرين يستحي أن يؤذن ويقيم ويصلي.."[ عطية سالم شرح الأربعين ]
تنبــيه:
يجدر التنبـيه هنـــا إلى الفــرق بــين " الخجل " و " الحــياء "
و هــو : فالخجل فإنه أخص من الحياء الذي هو أعم، فالخجل يكون من أمر معين، أما الحياء فإنه خصلة في الذات، وهو إحدى شعب الإيمان ،
والخجل الحياء من كل شيء والأكثر ما يكون للنساء، ولذا الخجل للرجال ليس ممدوحاً [[ قاله عطية سالم رحمه الله شرح الأربعين ]]
تنبــيهه :
مع أن الحياء خلق عظيم يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ و مأمور بـــه لــكن هذا الحياء[..] حَيَاءُ فِيمَا شُرِعَ الْحَيَاءُ فِيهِ فَأَمَّا حَيَاءٌ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ تَعَلُّمِ الْعِلْمِ فَلَيْسَ بِمَشْرُوعٍ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ «، وَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» .[ المنتقى شرح الموطأ للباجي 7/213 ]
و قال ابن باطال في شرحه للبخاري "إنما أراد البخارى بهذا الباب ليبين أن الحياء المانع من طلب العلم مذموم"
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ لَا يَتَعَلَّمُ مُسْتَحٍ وَلَا مُتَكَبِّرٍ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَرِدْ شَرْعٌ بِالْحَيَاءِ الْمَانِعِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِهِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَاتِ. [ و روي عن مجاهد رحمه الله ]
وأما إذا كان الحياء على جهة التوقير والإجلال فهو حسن اهـ. ابن بطال [ شرح البخاري 1/210]
أقــوال مأثورة في الحيــاء :
قال السري (( إن الحياء و الأنس يطرقان القلب ، فإن وجدا فيها الزهد و الورعو إلا رحلا ))[ مدارج السالكين /2 /19]
و في آثر ( أوحة الله إلى عيسى عليه السلام ، عظ نفسك فإن اتعظت ، و إلا فاستحي مني : ان تعظ الناس )) [ مدارج السالكين /2 /19]
*قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه «اسْتَحُوا مِنَ اللَّهِ فَإِنِّي لأَدْخُلُ الْكَنِيفَ فَأُغَطِّي عَوْرَتِي حَيَاءً مِنَ اللَّهِ»
* قال وهب بن منبه:الإيمان عريان لباسه التقوى وزينته الحياء وفاله [الفقه] وجماله العفّة، وثمره العمل الصالح.
* ابن عمر، قال:" الحياء والإيمان مقرونان جميعا فإذا رفع أحدهما ارتفع الآخر[العقد الفريد ابن عبد ربه الاندلسي ]
قال عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَيْرٍ، يَقُولُ: «آثِرُوا الْحَيَاءَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْحَيَاءِ مِنَ النَّاسِ»
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ مَنْ لا يَسْتَحْيِ مِنَ النَّاسِ لا يَسْتِحْيِ مِنَ اللَّهِ [ روضة العقلاء لابن حبان البستي ]
قال عون بن عبد الله: الحياء والحلم والصمت من الإيمان. [العقد الفريد ابن عبد ربه الاندلسي ]
وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : قرنت الهيبة بالخيبة، والحياء بالحرمان. [العقد الفريد ابن عبد ربه الاندلسي ]
وقال بعضهم:
إذا حرم المرء الحياء فإنّه ... بكل قبيح كان منه جدير
له قحة في كلّ أمر وسرّه ... مباح وجدواه جفا وغرور «2»
وسئل: أيما أحمد في الصبا: الحياء، أم الخوف؟ قال: الحياء، لأن الحياء يدل على العقل والخوف يدل على المقة1 والشهوة .
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ سَمِعْت أَعْرَابِيًّا يَقُولُ مَنْ كَسَاهُ الْحَيَاءُ ثَوْبَهُ لَمْ يَرَ النَّاسُ عَيْبَهُ
الخاتمة :
ينبغي علينا أن نلازم الحياء و ان نربي عليه الأبناء ، و نكثر من الحث عليه و إحيائه في بيوتنا و مجتمعاتنا ، لنحوز تلكم الفضائل العظيمة و الخير الكثير و تصبح العفة و الحشمة سائدة في اوطاننا فتتستر نساءنا و يقلع ابناءنا عن الرذائل ... و نبطل مخططات و كيد الأعداء ... و هكذا نحافظ على معدن أخلاقنا و قيمنا التي هي سبب من اسباب النصر و التمكين
و صلى الله و سلم على سيدنا محمد
جــمع
أبو سعيد عزالدين غربي البرجي
نقلا عن منتديات التصفية و التربية.