- إنضم
- 14 جويلية 2011
- المشاركات
- 5,234
- نقاط التفاعل
- 5,403
- النقاط
- 351
- العمر
- 110
الهادي الحسني
لو قلنا: وإن تعدوا جرائم فرنسا في الجزائر لا تحصوها لما كنا مبالغين، ولو قال قائل: لوجمعنا مداد العالم لتسجيل جرائم فرنسا في الجزائر لنفد المداد قبل أن تنفد جرائم فرنسا في الجزائر لما كان لفرنسا من الظالمين، ولو قال آخر: لو تحولت أشجار العالم إلى أقلام لتكتب جرائم فرنسا في الجزائر لانتهت الأشجار قبل أن تنتهي من كتابة تلك الجرائم.
إذا كانت جرائم الأشخاص والدول لها حدّ تنتهي إليه، ويزول أثرها؛ فإن جرائم فرنسا في الجزائر لا تزال متواصلة منذ ضربت حصارها الإجرامي على مدينة الجزائر في 1827 إلى يوم الناس هذا.
وإذا كانت جرائم الأشخاص والدول تصيب ميادين محدودة معدوة، فإن جرائم فرنسا في الجزائر قد شملت جميع الميادين من سياسية وعسكرية وتعليمية وثقافية وصحية واجتماعية وبيئية..
وهاهي اليوم تحل علينا الذكرى السبعون لإحدى أكبر جرائم فرنسا في الجزائر، ألا وهي جريمة 8 ماي 1945، التي أرادت فرنسا من خلالها أن تظهر قوتها وبأسها أمام شعب جهّلته وأمرضته؛ وهي التي لم تصمد إلا بضعة أيام أمام الجيش الألماني، ثم مُلئت منه رعبا وتولّت مدبرة، ولولا جيش الولايات المتحدة الأمريكية والجنود الجزائريون وأبناء المستعمرات لصارت فرنسا مقاطعة ألمانية ولو إلى حين.
إننا في هذا التذكير بهذه الجرائم الفرنسية في الجزائر لا نستثني أحدا من الفرنسيين، ولا نميز بينهم إلا في دركة الانحطاط وشدة الإجرام والوحشية التي تعجز جميع اللغات عن وصفها. ومما حفظناه ونحن لم نبلغ الحلم، وسنحفظه لأبنائنا وأحفادنا، مع توصيتهم بتحفيظه لأبنائهم قول إمامنا البشير الإبراهيمي:
"وإلى الآن لم يرزقنا الله حاسة ندرك بها الفرق بين فرنسي وفرنسي.. بل الذي أدركناه وشهدت به التجارب القطعية أنهم نسخ من كتاب، فالعالم، والنائب، والجندي، والحاكم، والموظف البسيط، والفلاح، كلهم في ذلك سواء، وكلهم جار فيه على جبلّة كأنها من الخلقيات التي لا تتغير، ومن زعم فيهم غير هذا فهو مخدوع أو مخادع". (آثار الإمام الإبراهيمي. ج3. ص95)، "تجمهرت فرنسا أو تدكترت أو اختلفت عليها الألوان بياضا وحمرة". (المرجع نفسه 3 / 165).
ألم يأمر المجرم شارل تيون الشيوعي، مدّعي الإنسانية، وزير الطيران طيرانه بقصف 44 قرية من "الڤرابى"؟ وهو الذي لم يصمد ساعة أمام الطيران الألماني.
ألم يأمر جنرالهم "النبيل" شارل دوغول الليبرالي بإيقاف اللجنة التي شكلها للتحقيق في جرائم 8 ماي بعد 48 ساعة؟ منها مدة السفر، والاستراحة وكان عدد أفراد اللجنة ثلاثة. ولم تلتق جزائريا واحدا.
ألم يأمر هذا المجرم بتجريب قنابله الذرية في الجزائر؟ ولا يزال الناس يعانون من آثارها إلى اليوم.
ألم يقل أديبهم "الإنساني" ألبير كامي عندما قيل له عما يفعله "أبناء الحضارة": أحب الحرية ولكن حبي لوالدتي (يقصد فرنسا) أكبر؟ ألا يدل هذا على ما سماه كلود ليفي ستراوس "la pensée sauvage"؟
يقول سفيههم "عقيم الإنسانية": "إن الأحفاد لا يعتذرون عن أفعال آبائهم"، فلماذا تعتذرأيها الكذاب الأشر لليهود؟ ولماذا تطلب أيها السفيه الأحمق من الأتراك الحاليين أن يعتذروا للأرمن عمن تزعمون أن آباءهم فعلوه بهم؟
وهل يساوي- أيها الأبله- عمل بضعة أيام، إن صح، بعمل استمر عشرات السنين؟ لقد صدق شاعرنا النبيل محمد العيد آل خليفة إذ يقول:
وشهادة التاريخ أوثق حجة تجلو الأمور وتكشف الأحوالا.
ولهذا فشهادة التاريخ قد سجلت كما قال الشاعر نفسه:
فظائع ماي كذبت كل مزعم لهم ورمت ما رجوه بإفلاس
ديار من السكان تخلى نكاية وعسفا، وأحياء تُساق لأرماس
فيالك من خطب تعذّر وصفه فلم تجر أقلام به فوق أطراس
وقل للذي آذاك لا وصل بيننا ومودعنا العقبى فما أنا بالناسي.
ولهذا أختم بالقول لمن سيزور الجزائر في الشهر القادم: إذا كانت المقتضيات الخاصة والعامة من وراء هذه الزيارة؛ فإن الغالبية العظمى من الشعب الجزائري في أعماقها تهتف ولو من غير صوت: "لا مرحا بك"، وهيهات أن ننسى جرائم فرنسا حتى نُوسّد في التّرب.