ولدت جميلة من أب جزائري مثقف وأم تونسية من القصبة وكانت البنت الوحيدة بين أفراد أسرتها فقد كان لها 7 اخوة شبان، كان لوالدتها التاثير الأكبر في حبها للوطن فقد كانت أول من زرع فيها حب الوطن وذكرتها بأنها جزائرية لا فرنسية رغم سنها الصغيرة آنذاك واصلت جميلة تعليمها المدرسي ومن ثم التحقت بمعهد للخياطة والتفصيل فقد كانت تهوى تصميم الأزياء. مارست الرقص الكلاسيكي وكانت بارعة في ركوب الخيل إلى أن اندلعت الثورة الجزائرية عام 1954 حيث انضمت إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية للنضال ضد الاحتلال الفرنسي وهي في العشرين من عمرها ثم التحقت بصفوف الفدائيين وكانت أول المتطوعات لزرع القنابل في طريق الاستعمار الفرنسي،
.كان الطلاب الجزائريون يرددون في طابور الصباح فرنسا أُمُنا لكنها كانت تصرخ وتقول: الجزائر أًمُنا، فأخرجها ناظر المدرسة الفرنسي من طابور الصباح وعاقبها عقاباً شديداً لكنها لم تتراجع وفي هذه اللحظات ولدت لديها الميول النضالية.
انضمت بعد ذلك الي جبهة التحرير الجزائرية للنضال ضد الاستعمار الفرنسي ونتيجة لبطولاتها أصبحت الأولى على قائمة المطاردين حتى أصيبت برصاصة عام 1957 وألقي القبض عليها.
من داخل المستشفى بدأ الفرنسيون بتعذيب المناضلة، وتعرضت للصعق الكهربائي لمدة ثلاثة أيام كي تعترف على زملائها، لكنها تحملت هذا التعذيب، وكانت تغيب عن الوعي وحين تفيق تقول الجزائر أُمُنا. حين فشل المعذِّبون في انتزاع أي اعتراف منها، تقررت محاكمتها صورياً وصدر بحقها حكماً بالإعدام عام 1957، وتحدد يوم 7 مارس 1958 لتنفيذ الحكم، لكن العالم كله ثار واجتمعت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بعد أن تلقت الملايين من برقيات الاستنكار من كل أنحاء العالم. تأجل تنفيذ الحكم، ثم عُدّل إلى السجن مدى الحياة، وبعد تحرير الجزائر عام 1962، خرجت جميلة بوحيرد من السجن، وتزوجت محاميها الفرنسي جاك فيرجيس الذي دافع عن مناضلي جبهة التحرير الوطني خاصة المجاهدة جميلة بوحيرد والذي أسلم واتخد منصور إسما له.
من الأشعار التي قيلت فيها: قالو لها بنت الضياء تأملي ما فيك من فتن ومن انداء
سمراء زان بها الجمال لونه واهتز روض الشعر للسمراء
جميلة بوحيرداسم اشهر من نار على علم احدى جميلات الجزائر الثائرات على المستدمر الفرنسي وعلى الظلم و الذل والقهر. استسمحك اختي نور ان اضيف مايلي من صفحة موضوعي : وعقدنا العزم ان تحيا الجزائر وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر.
***********
دور المرأة الجزائرية في الثورة التحريرية
شكلت المرأة الجزائرية عنصرا أساسيا فيالثورة التحريرية ، ووقفت إلى جانب شقيقها الرجل في تحمل المسؤولية تجاه الثورة المباركة وبالتالي كانتالمرأة الجزائرية سندا قويا للأب و الأخ والزوج والابن و الأهل والجار الذين حملوا السلاح ضد الاستعمار الفرنسي وقد أبلت بلاء منقطع النظير أظهرت من خلاله أنها النفس الثاني للثورة التحريرية المباركة.
لقد لعبتالمرأة الجزائرية دورا رياديا من خلال مشاركتها الفعالة فيالثورة التحريرية سواء في الأرياف أو المدن على حدّ سواء، وأدت واجبها الوطني إلى جانب أخيها الرجل.
المرأة الجزائرية في الأرياف
استطاعتالمرأة الريفية الجزائريةأن تكون عنصرا فعالا في كسر الحصار الذي حاول الجيشالاستعماريضربه علىالمجاهدين، فكانت مساهمتها قوية في تقديم الخدمات الكبيرة التي كانتالثورةبأمس الحاجة إليها
المرأة الجزائرية في المدن
إذا كانت المرأة الريفية الجزائرية قد تحملت أعباء الثورة التحريرية فيالجبال و القرى و المداشر فإن المرأة الجزائريةفي المدن هي الأخرى قامت بواجبها الوطني و كانت السند القوي للمجاهدين من فدائيينومسبلين داخل المدن حيث تكثر أجهزة القمع البوليسي ،وحيث المراقبة المستمرة على كل ما هو متحرك داخل المدن لذا حلّت محلّ أخيها الفدائيفي العديد من المهام المعقدة و الجد خطيرة .
المسؤوليات الملقاة على عاتق المرأة الجزائرية خلال الثورة
لم تتوان المرأة الجزائرية ولم تهاون أو تترددفي تحمل المسؤولية اتجاهالثورة التحريرية المجيدة لذا أخذ نشاط المرأةالجزائرية خلالالثورة التحريرية المباركة عدة أشكال و أنماط من أهمها ما يلي:
المناضلات المدنيات
وهن مناضلات المجاهدات في المنظمة المدنية لـجبهة التحرير الوطنيوهن المناضلات التي أعطيت لهن مسؤوليات في اللجان السياسية و الإدارية كفدائيات وجامعات أموال .
المناضلات العسكريات
هن النساء التابعات لجيش التحرير الوطني ولا يشكلن إلا نسبة قليلة جدا ومن مهامهن الأساسية التمريض و العناية والطبخ .
لقد كانت المرأة الجزائريةفيالريف و المدينة على سواء مناضلةومجاهدة وفدائية ومسبلة لتتنوع بذلك مهامها وهو ما جعل العدو الفرنسييدرك قيمتها داخلالثورة وفي المجتمع الجزائري فكانت عرضة للعديد من أنواع القمع والتعذيب وقد حددت الإدارية الاستعمارية السجون الخاصة بالمرأة الجزائرية، حتى تقلل من قيمةالثورة وتضرب التماسك الاجتماعي المبني على المرأةفي الصميم إلا أنها لم تتمكن من ذلك ، فكانت النتيجة سقوط العديد من النساء الجزائرياتشهيدات أمثال حسيبة بن بوعلي ومليكة قايد و مريم بوعتورةو وريدة مداد والقائمة طويلة جدا...
إن المسؤوليات الجسام و المهام الكبيرة التي ألقيت على كاهل المرأةالجزائرية خلال الثورة التحريرية جعلها تخرج من الأدوار الثانوية لتنتقل إلى الأدوار الأساسية التي كان المجاهدون بأمس الحاجة إليها رغم الصعاب التي واجهتها لكونها امرأة .
السجون الخاصة بالمرأة الجزائرية
لم تكن السجون في الجزائر وخارجها مخصصة للرجال فقط إنما شملت النساء كذلك, ومع ذلك فإن السجون الخاصة بالمرأة الجزائرية خطيرة إلى درجة رهيبة من الصعب على المرأة احتمال أعمال زبانيته, والملاحظ أن عدد السجينات الجزائريات اللواتي تم اعتقالهن وصل إلى نسبة 16 بالمائةعام 1956 لتبقى هذه النسبة في الارتفاع.
الآثار السلبية الناجمة عن معاناة المرأة الجزائرية
لقد نتج عن معانات المرأة الجزائرية من القمع و السجن جملة من الآثار السلبية العميقة وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال تقدير الوضعية المأساوية التي ألمت بها فقد قاست المرأة الجزائرية من عمليات التمشيطفي الجبال والقرى و المداشر وحتى المدن مما كوّن لها هاجسا وكابوسا مرعبا، مازالت أثاره إلى اليوم, ومنهن من اعتقلت وعذبت وحبست ، لذلك رسخت في ذهن الأحياء هذه الذكريات الأليمة التي انعكست سلبا على حياتهن اليومية بعد الاستقلال.
مجموعة من النساء والأطفال في الجزائر 1880
تحمل السلاح مع شقيقها الرجل ابان الثورة
التعرض للمرأة الجزائرية
قتل امرأة فدائية وتركها على قارعة الطريق
تعذب وتدفن وهي حية
************
جميلات الجزائر الثائرات.
المجاهدة جميلة بوباشا
المجاهدة جميلة بوحيرد اثناء التحقيق العسكري لما قبض عليها
سجل تاريخ الجزائر بأحرف من نور اسم الشهيدات البطلات أمثال : وريدة مداد ، وهيبة قبايلي ، مريمسعدان وفضيلة سعدان ، حسيبة بنبوعلي ،مريم بوعتورة ، عويشة حاج سليمان ، ومئات ممن سقطن في ساحة المعارك وحققن النصر المبين .
الشهيدة البطلة وريدة مدّاد
الشهيدة البطلة حسيبة بن بوعلي
وبرز اسم جميلة بوعزة ، وجميلة بو باشا ، وجميلة بوحيرد . فإذا بالجميلات الثلاث تبرز كمثال لصمود المرأة الجزائرية ، وتحديها لوسائل التعذيب الفظيع والاضطهاد والقمع .
جميلة بوعزة جميلة بوباشا جميلة بوحيرد
أما جميلة بوعزة ، فقد ولدت عام 1939 في مدينة العفرون ؛ إحدى المدن الصغيرة القريبة من العاصمةالجزائرية ، وانتقلت مع والدها إلىالجزائرالعاصمة وعمرها لم يتجاوز الثانية عشر .
عاشت هذه الفتاة في بيت وطني عريق ؛ لم يكن يخلو الحديث فيه من السياسة . تعلمت اللغة العربية وهي في مدينة العفرون على مشايخ حزب الشعب الجزائري ، إلى أن أغلق المستعمر تلك المدارس ورمى بأصحابها في غياهب السجون .
جميلة بوعزة التي هي داخل الدائرة مع الفدائيات ابان الثورة
ربيت الفتاة جميلة بوعزة على حب الوطن وكره المستعمر الفرنسيوأعوانه . وكانت دائمة الذكر لمناضلات بارزات في الحركة الوطنية ؛ سبقنها وسبقن جميلات جيلها إلى العمل السياسي والفدائي ، وهن القدوة الحسنة لكل بنات وحرائر الجزائر ، مثل : نفيسة حمود ، ومريمبلميهوب. وأول من ضم جميلةبوعزة إلى الثورة والعمل الفدائي صديقتها جميلة بوحيرد ، في صيف 1956 حيث كانت سبقتها إلى ذلك ، ولم تكن تعرف أحدا غير تلك الصديقة ، وحتى ياسف سعدي / قائد معركة الجزائر لم تتعرف عليه إلا بعد الاستقلال . ولم يكن يتجاوز عمر الفتاة آنذاك سبعة عشر سنة حينما انضمت إلى العمل الفدائي ، وكانت حينها تلميذة تحضر لشهادة التعليم المتوسط . ثم انضمت إليها زهرة ظريف التي قدمت نفسها على أنها ستعمل في سبيل الوطن وتضحي من أجله ، وثلاثتهن كن يعملن تحت القيادة المباشرة للقائد ياسف سعدي .
قائد عمليات معركة الجزائر البطل الشجاع : ياسف سعدي
وأول عملية كلفت بتنفيذها جميلة بوعزة ونفذتها ، كانت في البناية رقم11 مكرر من شارع ميشلي / شارع ديدوش مراد حاليا ، وذلك في شهر نوفمبر من عام 1956 ، حيث تلقت قنبلة كبيرة من زميلتها جميلةبوحيرد في شارع لالير ، وقطعت بها العديد من الحواجز ، لتضعها كما هو مخطط في ذلك المبنى بجانب المصعد . تسبب انفجارها فيما بعد في أضرار مادية كبيرة جدا ؛ بالإضافة إلى الهلع الذي دام أثره أسابيع . بهذه العملية بدأت الفدائية امتحانها ، ومن يومها تأكد ضمها لفرق العمل الفدائي في مدينة الجزائر العاصمة ومحيطها . وكان الاعتماد عليها كبيرا ، ومن يومها كذلك بدأ إعدادها للعمليات الخطر . في بداية شهر جانفي1957 قامت جميلة بوعزة مع زهية خلف الله ؛ بتفجير المناطق التاليةكالكوك هاردي ، الأوتوماتيك .
كانت جميلة بوعزة تتلقى دوما تموينها من القنابل من جميلة بوحيرد ، التي كان منزل ذميها في حي القصبة مصنعا متقدما لها ، وكانت تهربها عبر الحواجز بأساليب مختلفة . في فترة الإضراب الشهير الذي دعت إليهجبهة التحرير الوطني عام 1957 ، حيث شلت المدن والقرىالجزائريةبالكامل ، وكذلك خفت الاتصالات بشكل ملحوظ بين الفدائيين في المدن اتقاء للاعتقالات ، التي زادت حدتها في تلك الفترة .
و راح ضحيتها فيما بعد الشهيد ( عبد الرحمن طالب ) ، الشاب ذي 26سنة ، وخريج قسم الكيمياء وصانع القنابل آنذاك . في تلك الفترة واتقاء لأية شبهة وتغييرا في أسلوب العمل ، أمرت القيادة جميلةبوعزة بأن تبحث عن عمل ما فكان ذلك بالفعل . حيث عملت في قسم الصكوك البريدية بالقرب من ساحةالجمهورية / ساحة الشهداء حاليا كموظفة بسيطة .
الشهيد البطل : طالب عبد الرحمان
لكن التحريات والمتابعات أوقعتاها في كمين صائب ، مما أدى إلى مداهمتها في العمل ، حيث قيل لها ان أباها في الخارج ينتظرها ، ولما خرجت وجدت النقيب ( غرازياني ) الشهير مرفوقا بستة عساكر . حيث أقتيدت مباشرة إلى منطقة الأبيار وأدخلت عمارة كبيرة كان في طور الإنجاز ، وهناك وجدت زميلتها جميلة بوحيرد وشقيقها الذي لم يكن يتجاوز عمره الاثنى عشر عاما ، هالها منظر صديقتها التي كانت تقطر دما من كامل وجهها ورأسها . وفي نفس المكان تلقت هي الأخرى من الضرب والتعذيب ما أفقدها وعيها ، وحينها اعترفت بانتسابها إلى جبهة التحرير الوطني . واعترفت لمعذبيها بأنها كانت واحدة من اللائي زرعن الرعب في مقهى أو شارع أو بناية . وأن بنات الجزائر كلهن جميلة ، وهن جاهزات في كل حين لزرع المزيد من الذعر .
وبالرغم من أن هذه الجرأة والشجاعة جلبتا لها الكثير من التعذيب ، لم يحصل المحققون من جميلة بوعزة على شيء يفيدهم . ومن ذلك البناء / السجن حيث بقيت هناك خمسة عشر يوما ، كانت فيها عرضة للتحقيقات والإهانات والتعذيب من كل لون . ثم نقلت بعدها إلى سجن بربروسالشهير ، وكانت جميلة بوحيرد والعديد من الفدائيات والفدائيين قد سبقوها إلى هناك .
في سجن بربروس قضت جميلة بوعزةأربعة أشهر كاملة ، إلى أن جاءت المحاكمة الشهيرة لها ولزميلتها في الكفاح جميلة بوحيرد ، ومعهماالشهيد عبد الرحمن طالب ، والشهيد عبد العزيز مرسلي ، والتي كانت نتيجتها الحكم بالإعدام على الجميع . وكان قد أنشيء في السجن العتيق /بربروس زنازن جديدة خاصة بالمحكوم عليهم بالإعدام ، هي عبارة عن أقبية غائرة .
تسعة أشهر كاملة قضتها جميلة بوعزة وأخواتها بعد المحاكمة في سجن بربروس ، إلى أن جاء الجنرال شارل ديغول إلى الحكم . ونتيجة للضغط العالمي آنذاك على كل استفزازات المستعمر ، واحتجاج المنظمات الإنسانية في الكثير من البلدان ، وعلى محاكمته غير العادلة اضطرالجنرال شارل ديغول إلى إلغاء الإعدام بالنسبة للنساء الجزائرياتوتعويضه بالسجن المؤبد .
كانت فترة الاعتقال حوالي أربعة أشهر ، نقلت بعدها جميلة بوعزة في طائرة عسكرية إلى سجن بومات الشهير في مدينة مارسيليا جنوبي فرنسا، ثم نقلت بعدها إلى سجن آخر الذي قضت فيه أطول فترة . وكانت أيامها فيه أشد مرارة وأقسى ، حيث تعرضت إلى ألوان شتى من التعذيب النفسي والجسدي المريرين .
كانت وحيدة هناك مرتهبة في زنزانتها الكئيبة ، تعد الليالي والأيام وطولها . وفي هذه الوضعية القاسية وغير المحتملة كتبت جميلة بوعزة رسالة مطولة إلى ( ميشلي ) وزير العدل الفرنسي آنذاك ؛ محتجة وشارحة حالة القهر التي تعيشها .
وبعدها صدر قرار جديدة ينقلها إلى سجن بو ، في منطقة البيرينيه السفلى على الحدود الفرنسية الإسبانية . وبعد فترة نقلت جميلة بوعزة إلى سجن يقع في منطقة بروتان ، وهناك ظلت إلى أن أطلق سراحها في أفريل عام1962 .
أما جميلة بوباشا فهي تنتمي إلى عائلة معروفة بنضالها المتواصل ضد المحتل ، فكل أفرادها منخرطون في العمل السياسي . سكنت عائلة بو باشا منطقة ( سانت أوجان ) بالعاصمة والمعروفة حاليا بمدينة بولوغينفي الفترة التي سبقت الثورة . وكان الوالد يستقبل دائما في منزلهالمناضلين بنشيد حزب الشعب . في عام 1953 أكملت جميلة بوباشاعامها الخامس عشر ، ونتيجة لتطلعاتها الوطنية المبكرة وجدت نفسها ، وبفضل مدرستها الجديدة السيدة ( خيرة أبو بكر ) تنضم إلى إحدى الخلايا النسائية التابعة للحركة الوطنية ، إلى جانب نفيسة حمود ، ونسيمة حبلال، ومامية شنتوف ، وغيرهن من الرائدات المناضلات البطلات . ثم انضمت إلى حركة حزب الشعب ، ثم انتسبت بعد ذلك إلى حركة الكشافة الإسلاميةالجزائرية عام 1954 ، تحت قيادة محمود بوزوزو الوطنيالمعروف بتبحره في علوم الدين وعلوم العربية .
وفي بداية عام 1955 كانت جميلة بوباشا عنصرا نسائيا مهما في الثورة الجزائرية ، تحت قيادة الشهيد البطل سويداني بوجمعة . حتى بداية1957 لم تتعرف جميلة بوباشا على أية مجاهدة ، كانت فقط تسمع عنزهرة ظريف مثلا وجميلة بوحيرد بعد أن قبض عليها . ورغم أنها كانت تعمل مع الشهيدةحسيبة بوعلي ، إلا أنهما لم تتعرفا على بعض نتيجة السرية السائدة آنذاك . وهكذا كانت المجاهدات في كامل التراب الوطني ، لم تتعرف الواحدة منهن على الأخرى ، إلا نادرا وبالأخص فدائيات المدن، أما في الجبال فيختلف الأمر .
وظلت جميلة بوباشا تؤدي مهماتها بنجاح ، إلى أن جاءت ليلة العاشر من فيفري عام 1960 ، عندما هوجم منزل بوباشا وألقي القبض على ابنتهم ؛ بتهمة الانتساب إلى العمل الثوري . وكتهمة مباشرة وضع قنبلة في أحد المقاهي التي يرتادها الفرنسيون ، وقيدت إلى السجن والتحقيق . والتقت بالعديد من الأخواتالمجاهدات في سجن سركاجي لدى إقامتها فيه .
وكتب المحامية الفرنسية جيزيل حليمي كتابا هاما ؛ عن محاكمة وتعذيب (جميلة بوباشا ) بعنوان " قصة بطلة " ، وقدمت له المفكرة الأدبيةسيمون دوبوفوار . وجيزيل حليمي هي المحامية التي دافعت في منتصف عام 1960 عن البطلة في محاكم الجزائر آنذاك .
وتقول سيمون دوبوفوار في تقديمها :" فتاة جزائرية لها من العمر ثلاثة وعشرون عاما ، تعمل في خدمة جبهة التحرير الوطني كوسيط ارتباط ، يعتقلها عسكريون فرنسيون ، ويفضون بكارتها بقارورة ذلكم حادث تافه . فمنذ 1954 ونحن جميع الفرنسيين شركاء في جريمة قتل جماعي ؛ أتت تارة باسم القمع وتارة باسم إشاعة السلام على اكثر من مليون ضحية ، رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا حصدوا بالرشاش ؛ خلال عمليات المداهمة والتفتيش أو أحرقوا أحياء في قراهم ، أو جندلوا أو ذبحوا أو بقرت بطونهم أو عذبوا حتى الموت . قبائل برمتها أسلمت للجوع والبرد والوباء في مراكز التجمع ، التي ما هي في الواقع إلا معسكرات استئصال ، ومواخير عند الاقتضاء للنخبة من فرق الجيش ." هذا ما شهدت به شاهدة منهم ، إلى أن تقول : " في باريس وعلى طول انسياب نهر السينجثث الجزائريين تعد بالعشرات ، تتدلى من الأشجار في غابة بولونيا ، أيد مهشمة وجماجم محطمة ، أفبعد كل هذا يمكن أن نتأثر لدم فتاة ؟ ولا تنسى دوبوفوار التطرق إلى مقتل موريس أودان ، وكيف كوفئ من اغتاله بوسام الشرف ، وإلى حكاية انتحار علي بومنجل .. " ثم تتحدث عن أساليب كم الأفواه والتآمر وعن خرافة العدالة في التحقيق .
تروي جيزيل حليمي في كتابها هذا القصة ، قصة البطلة جميلة بوباشا ، منذ اتصال بين جميلة بوباشا شقيقها والمعتقل في سجن ( بوسوي ) المعروف ، وهو معتقل جماعي للوطنيين يقع بالقرب من مدينة وهران . يرجوها ان تتكفل بالدفاع عن شقيقته المعتقلة بسجن سركاجي بتهمة وضع قنبلة في مقهى .. وهي التهمة المباشرة ، دون أن يعطيها معلومات دقيقة عن أخته . وجيزيل حليمي كانت وقتها في مدينة الرباط بالمغرب ، حيث استدعيت للدفاع عن مناضلين ينتسبون إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية .
تقول جيزيل حليمي أنها أبرقت فورا إلى البطلة جميلة بوباشا بتاريخ 14أفريل عام 1960 بالنص التالي : ( جميلة بوباشا المعتقلة في سجنمدينة الجزائر المدني ، إني مكلفة من قبل عائلتك بالدفاع عنك، أرجو أن تكتبي إلى القاضي لإعلامه بهذا الاختيار ، كما أرجو أن تكتبي لي ، مع أصدق عواطفي ) .
وفي يوم 26 من نفس الشهر تلقت المحامية رسالة من البطلة جميلة بوباشا على ورقة رسمية ، كان السجن يزود بها نزلاءه تبلغها فيها بتسلم البرقية وتتمنى زيارتها . ثم تروي المحامية / الكاتبة جيزيلحليميقصتها مع الدولة وأساليب العرقلة المختلفة لمنعها من مغادرة باريس ، والتضييق عليها بشتى الوسائل حتى لا تتم مرافعتها بشكل نظامي ومريح . وتكشف عن لقائها في الجزائر بالمحامي الذي كلفته السلطات قبلها وتفضح تآمره .
وعن ملف القضية وأسلوب استنطاق السجينة البطلة جميلة بوباشا التي أبدت إعجابها بشجاعتها حين وضعت تلك القنبلة في مقهى الكليات ، ثم تتحدث عن أول لقاء لها بالبطلة الشجاعة جميلة بوباشا ، حين ذهبت إلىسجن بربروس وانتظرتها في فنائه ، فتقول : " .. لم أكن بعد قد تبينت السجينة الشابة التي تقف على استحياء وراء مراقبة السجن ، وخاطبتها أتكونين جميلة بوباشا ؟ .. أنا جيزيل حليمي محاميتك " . وتصفها قائلة:" لها شعر أسود غزير وعينان حالكتان ، وقليلة الكلام ، وحشمة في المظهر خلال بلوزتها الزاهية القصيرة الكمين .. وسمعتها تقول بهدوء الذي يقارب البرودة عن بقية السجينات : " الأخوات رغبن في أن يلمحنكوكان يومذاك أحد الأخوة المجاهدون قد أعدم عند الفجر ، واستيقظ لهالسجن برمته وراح الرجال والنساء يرددون الأناشيد الدينية والوطنيةطيلة ساعات . قالت جميلة بوباشا : إن الأخ منا حين يقتلونه لا يكون وحده ، إننا نرافقه حتى الدقيقة الأخيرة " . وتتابع المحامية :" ولأول مرة تتكلم جميلة بصوت متهدج ، فقالت وهي تلف ساقا على ساق ، ولاحظت على الفور كدمة شديدة الزرقة على أحد كعبيها ، قالت : " أتعرفين أني من جنود جبهة التحرير الوطني ،وأموت من أجل استقلالالجزائر بلدي وبلد أجدادي ، يجب أن تعرفي ذلك . وتتابع جميلة بوباشا : " لقد سببوا لي آلاما شديدة في مدينة " الأبيار " في خاصرتي .. أنظري لقد رأتني أمي وأنا لا أستطيع المشي مستقيمة لكثرة ما اعتراني من ألم ". ثم استطردت قائلة : "أما أبي فقد سلطوا عليه الكهرباء ، وهم يقولون له لا إنسانية مع العرب . كانوا يضحكون علي ، بصقوا علي ، كنت عارية . كانوا يبصقون علي خمرة البيرة التي يشربونها ويصبونها على جسدي ، والأسلاك الكهربائية كانوا يلصقونها أتعرفين كيف ؟ بعصابات من الورق المصنوع على حلمتي صدري ، تأملي .. أوه إني لا أقوى أن أقول في كل مكان ." .
وهكذا أصبحت تتغنىبجميلات الجزائرالقصائد وتؤلف الملاحم من أجلهن ... وجميلة بوباشا ..نعم جميلة بوباشا، الحديث عنها صعب فالحجم الذي تحتله في الذاكرة العربية الجماعية كبيرا جدا . إنها أسطورة والأساطير مغلفة دائما بهالة كثيفة من الغموض .. وفوق ذلك فالأسطورة تنتمي إلى الماضي ، إلى المخيلة الشعبية المتراكمة .. الفتيات الصغيرات اللواتي حملن صورها في مطلعالستينات أصبحن أمهات ، والأمهات اللواتي روين حكايتها أصبحن جدات .. لجيال عدة كانت جميلة بوحيرد رمز الأمل .. وطريق العطاء وعنوان حلم جميل ؛ لمرحلة ناصعة من تاريخنا العربي الحديث لم يتحقق منه إلا القليل.
وتدريجيا لاحظ الفيلسوف الفرنسي الشهير بول سارتر بأن المشكلة ليست اقتصادية أو سياسية فقط ، بل تطورت وأصبحت استغلالية ووحشية ، حيث طبق الجيش الفرنسي طرقا وأساليب التعذيب على الشعب الجزائريالمقاوم الصابر المرابط. والتعذيب عند بول سارتر أثناء الثوة الجزائرية كما وصفه قائلا : " ليس التعذيب مدنيا أو عسكريا ولا فرنسيا على وجه التخصيص ، أنه وباء يكتسح العصر كله ، ولكنه يطبق بانتظام خلف ستار المشروعية الديمقراطية ، يمكن تعريفه بأنه مؤسسة نصف سرية ، فهل أسبابه واحدة في كل مكان ؟" .
حيث أدرك الفيلسوف بول سارتر بأنه أصبح معظم مناصريالثورة الجزائرية العادلةمن ضحايا التعذيب من مثل :هنري علاقمحررجريدة الجزائر الجمهورية، الذي ألقي عليه القبض من قبل جلادي الجنرال " جاك ماسو"- وموريس أودين أستاذ بجامعة الجزائر ، الذي ألقي القبض عليه وعذب بأبشع أنواع طرق التعذيب . و السيدة جاكلين غاروج ، التي كانت طالبة في سيمون دي بوفوار ، وهي الطالبة الممتازة التي جاءت إلى الجزائر كمعلمة ، وتزوجت مع أحد أعضاء جبهة التحرير الوطني ، تعذبت مثل الجزائريين .
وفعلا لقد حطم الاستعمار الفرنسي كل شيء في الجزائر ، وذلك من أجل إخماد الثورة التحريرية التي اشتعلت كالانار في الهشيم اكلت الأخضر واليابس و زادت من هيجان الشعب الجزائري وبسالته واستماتته في الدفاع عن أرضه وعرضه ، حيث قام الاستعمار بالانتقام من النساء وذلك باغتصاب الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 19 و25 سنة ، ومنهن : البطلة جميلة بوباشا ، والتي كانت لها صلة وثيقة مع جبهة لتحرر الوطني ، سجنت بطريقة غير شرعية وتعذبت بأبشع طرق التعذيب . لقد بقيت المجاهدة جميلة بوباشة أكثر من شهر في أحد معتقلات جلاديالخمسينات ، وتعرضت للضرب والشتم والإهانة والاعتداء ، ولا أحد يحميها من وحشية وهمجية البرابرة . وفي الأخير اكتفت الضحية بقولها لمحاميها : بأنها واحدة من بين الآف المحتجزين الآخرين .
كان التعذيب أثناء الثورة التحريرية ضربات بالدبوس على النقرة ، لكمات ، ماء يبتلع بالقوة ، تعليق بالأذرع والأرجل ، كهرباء في الأصابع وعلى الأذن ، المغطس ، ضرب بالسياط على أخمص القدمين وعلى الأجزاء الجنسية ، كهرباء في الأجزاء الجنسية . وحين ينتهون من ذلك يغرسون سكينا بين الكتفين .
وأمام هذه الأوضاع المأساوية التي يعاني منها الشعب الجزائري ، قرربول سارتر أن يقوم بتنديده العنيف ضد وحشية الاستعمار الفرنسي فيالجزائر ، وذلك بكتاباته ونشاطاته السياسية ، حيث كتب روايته المسرحية " سجناء الطونا " عام 1959 ، وهي تعالج أساليب التعذيب المفروضة على الشعب الجزائري والمطبقة بطرق حديثة .
وهذه المسرحية قدمت بأحد مسارح باريس ، وتهتم بطرق التعذيب التي يمارسها الجيش الفرنسي في الجزائر ، وكتب بول سارتر فيما بعد أن موضوعي هو أن رجلا شابا عاد إلى الجزائر ، شاهد بعض الأشياء هناك ويمكن أنه شارك معهم والتزم السكوت .
وتجدر الإشارة إلى أن شخصية البطل في المسرحية " فرانس " ، كان رمزيا فقط للنقاد والمشاهدين . وفي الواقع كان بول سارتر يتكلم للرأي العام والضمير الإنساني عن الجرائم ، التي ارتكبتها النازية في حق الإنسانية ، وكذلك على تعذيب الجزائريين من قبل الفرنسيين .
حقيقة أن الفكرة الأساسية التي تهتم بها مسرحية بول سارتر ، هي التعذيب ، وشخصية البطل فرانس في المسرحية كرجل تعذب وعذب أثناءالحرب العالمية الثانية والثورة الجزائرية . والآن أصبح فرانس يعيش على أوهام ذاكرته ، ويعتقد بول سارتر بأنه لا يمكن لفرانس ، أن يتقبل شخصيته في هذه الظروف . اهتم بول سارتر بروايته المسرحية ، التي تعالج التعذيب والجرائم المرتكبة في الجزائر ، حيث ركز على العدو الفرنسي والمتعاون مع الاستعمار و أوروبا المستعمرة . والمشاهدون لهذه المسرحية يكتشفون بأن البطل فرانس ، هو وصفا حقيقيا لسياسةفرنسا الاستعمارية .
وعلى هذا الأساس نعتقد أن بول سارتر كان على حق ، عندما كان يبحث عن الحرية في شبابه ، وقال : " الجحيم هم الآخرون " . يعتبر اهتمامبول سارتر بأهم الحوادث التاريخية للثورة الجزائرية ، كدعم ومساندة للقضية العادلة ، التي يناضل من أجلها الشعب الجزائري المقاوم الأبي أكثر من قرن .
وكتب الأديب والمؤرخ الفرنسي إتيان بورنو عن " جان دارك / جميلة بوحيرد " ؛ متسائلا : " من هو الفرنسي الذي لم يهتز حين يذكر اسم " جان دراك " ؟ فهي ملهمة ثائرة مناضلة بطلة ، محررة . إنها كل المعني التي نجدها في امرأة أو بالأحرى في فتاة استشهدت في سبيل وطنها .
أما في الجزائر في نوفمبر عام 1957 ، وفي سجن برباروس وفي زنزانة المحكوم عليهم بالإعدام . كانت فتاة جزائرية بين الحياة والموت ، تنتظر اليوم تلو الآخر أشنع الإعدام ، أعني بذلك الإعدام بالمقصلة . سوف يأتيها خدام أشقياء وجلادون يحملونها ليلا ؛ حتى لا يفتضح الأمر ثم يقيدونها ، ويجزون شعرها ويفعلون بها ما تعلمون .
تبلغ سنها 22 عاما ؛ لقد قالت في نفسها أصابت أم أخطأت إن لها وطنا : " الجزائر " . أقنعت نفسها أن هذا الوطن ، قد اغتصبته مجموعة من القوات تدعى الاستعمار . فهي تحب وطنها الذي تراءى لها ، ولا يستطيع أحد أن ينازعها حقها في الثورة . لقد كانت للآن مكافحة وقبض عليها لأنها جرحت برصاصة ، هب أن الجنود الذين قبضوا عليها ، اضطروا أن يقوموا بواجبهم " الشرطي " الجديد ".
جميلة بوحيرد رفقة رفيقات السلاح والكفاح
رحم الله شهداء الجزائر الأبرار فهم فخر لنا مدى الحياة
جميلة بوحيرداسم اشهر من نار على علم احدى جميلات الجزائر الثائرات على المستدمر الفرنسي وعلى الظلم و الذل والقهر. استسمحك اختي نور ان اضيف مايلي من صفحة موضوعي : وعقدنا العزم ان تحيا الجزائر وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر.
***********
دور المرأة الجزائرية في الثورة التحريرية
شكلت المرأة الجزائرية عنصرا أساسيا فيالثورة التحريرية ، ووقفت إلى جانب شقيقها الرجل في تحمل المسؤولية تجاه الثورة المباركة وبالتالي كانتالمرأة الجزائرية سندا قويا للأب و الأخ والزوج والابن و الأهل والجار الذين حملوا السلاح ضد الاستعمار الفرنسي وقد أبلت بلاء منقطع النظير أظهرت من خلاله أنها النفس الثاني للثورة التحريرية المباركة.
لقد لعبتالمرأة الجزائرية دورا رياديا من خلال مشاركتها الفعالة فيالثورة التحريرية سواء في الأرياف أو المدن على حدّ سواء، وأدت واجبها الوطني إلى جانب أخيها الرجل.
المرأة الجزائرية في الأرياف
استطاعتالمرأة الريفية الجزائريةأن تكون عنصرا فعالا في كسر الحصار الذي حاول الجيشالاستعماريضربه علىالمجاهدين، فكانت مساهمتها قوية في تقديم الخدمات الكبيرة التي كانتالثورةبأمس الحاجة إليها
المرأة الجزائرية في المدن
إذا كانت المرأة الريفية الجزائرية قد تحملت أعباء الثورة التحريرية فيالجبال و القرى و المداشر فإن المرأة الجزائريةفي المدن هي الأخرى قامت بواجبها الوطني و كانت السند القوي للمجاهدين من فدائيينومسبلين داخل المدن حيث تكثر أجهزة القمع البوليسي ،وحيث المراقبة المستمرة على كل ما هو متحرك داخل المدن لذا حلّت محلّ أخيها الفدائيفي العديد من المهام المعقدة و الجد خطيرة .
المسؤوليات الملقاة على عاتق المرأة الجزائرية خلال الثورة
لم تتوان المرأة الجزائرية ولم تهاون أو تترددفي تحمل المسؤولية اتجاهالثورة التحريرية المجيدة لذا أخذ نشاط المرأةالجزائرية خلالالثورة التحريرية المباركة عدة أشكال و أنماط من أهمها ما يلي:
المناضلات المدنيات
وهن مناضلات المجاهدات في المنظمة المدنية لـجبهة التحرير الوطنيوهن المناضلات التي أعطيت لهن مسؤوليات في اللجان السياسية و الإدارية كفدائيات وجامعات أموال .
المناضلات العسكريات
هن النساء التابعات لجيش التحرير الوطني ولا يشكلن إلا نسبة قليلة جدا ومن مهامهن الأساسية التمريض و العناية والطبخ .
لقد كانت المرأة الجزائريةفيالريف و المدينة على سواء مناضلةومجاهدة وفدائية ومسبلة لتتنوع بذلك مهامها وهو ما جعل العدو الفرنسييدرك قيمتها داخلالثورة وفي المجتمع الجزائري فكانت عرضة للعديد من أنواع القمع والتعذيب وقد حددت الإدارية الاستعمارية السجون الخاصة بالمرأة الجزائرية، حتى تقلل من قيمةالثورة وتضرب التماسك الاجتماعي المبني على المرأةفي الصميم إلا أنها لم تتمكن من ذلك ، فكانت النتيجة سقوط العديد من النساء الجزائرياتشهيدات أمثال حسيبة بن بوعلي ومليكة قايد و مريم بوعتورةو وريدة مداد والقائمة طويلة جدا...
إن المسؤوليات الجسام و المهام الكبيرة التي ألقيت على كاهل المرأةالجزائرية خلال الثورة التحريرية جعلها تخرج من الأدوار الثانوية لتنتقل إلى الأدوار الأساسية التي كان المجاهدون بأمس الحاجة إليها رغم الصعاب التي واجهتها لكونها امرأة .
السجون الخاصة بالمرأة الجزائرية
لم تكن السجون في الجزائر وخارجها مخصصة للرجال فقط إنما شملت النساء كذلك, ومع ذلك فإن السجون الخاصة بالمرأة الجزائرية خطيرة إلى درجة رهيبة من الصعب على المرأة احتمال أعمال زبانيته, والملاحظ أن عدد السجينات الجزائريات اللواتي تم اعتقالهن وصل إلى نسبة 16 بالمائةعام 1956 لتبقى هذه النسبة في الارتفاع.
الآثار السلبية الناجمة عن معاناة المرأة الجزائرية
لقد نتج عن معانات المرأة الجزائرية من القمع و السجن جملة من الآثار السلبية العميقة وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال تقدير الوضعية المأساوية التي ألمت بها فقد قاست المرأة الجزائرية من عمليات التمشيطفي الجبال والقرى و المداشر وحتى المدن مما كوّن لها هاجسا وكابوسا مرعبا، مازالت أثاره إلى اليوم, ومنهن من اعتقلت وعذبت وحبست ، لذلك رسخت في ذهن الأحياء هذه الذكريات الأليمة التي انعكست سلبا على حياتهن اليومية بعد الاستقلال.
مجموعة من النساء والأطفال في الجزائر 1880
تحمل السلاح مع شقيقها الرجل ابان الثورة
التعرض للمرأة الجزائرية
قتل امرأة فدائية وتركها على قارعة الطريق
تعذب وتدفن وهي حية
************
جميلات الجزائر الثائرات.
المجاهدة جميلة بوباشا
المجاهدة جميلة بوحيرد اثناء التحقيق العسكري لما قبض عليها
سجل تاريخ الجزائر بأحرف من نور اسم الشهيدات البطلات أمثال : وريدة مداد ، وهيبة قبايلي ، مريمسعدان وفضيلة سعدان ، حسيبة بنبوعلي ،مريم بوعتورة ، عويشة حاج سليمان ، ومئات ممن سقطن في ساحة المعارك وحققن النصر المبين .
الشهيدة البطلة وريدة مدّاد
الشهيدة البطلة حسيبة بن بوعلي
وبرز اسم جميلة بوعزة ، وجميلة بو باشا ، وجميلة بوحيرد . فإذا بالجميلات الثلاث تبرز كمثال لصمود المرأة الجزائرية ، وتحديها لوسائل التعذيب الفظيع والاضطهاد والقمع .
جميلة بوعزة جميلة بوباشا جميلة بوحيرد
أما جميلة بوعزة ، فقد ولدت عام 1939 في مدينة العفرون ؛ إحدى المدن الصغيرة القريبة من العاصمةالجزائرية ، وانتقلت مع والدها إلىالجزائرالعاصمة وعمرها لم يتجاوز الثانية عشر .
عاشت هذه الفتاة في بيت وطني عريق ؛ لم يكن يخلو الحديث فيه من السياسة . تعلمت اللغة العربية وهي في مدينة العفرون على مشايخ حزب الشعب الجزائري ، إلى أن أغلق المستعمر تلك المدارس ورمى بأصحابها في غياهب السجون .
جميلة بوعزة التي هي داخل الدائرة مع الفدائيات ابان الثورة
ربيت الفتاة جميلة بوعزة على حب الوطن وكره المستعمر الفرنسيوأعوانه . وكانت دائمة الذكر لمناضلات بارزات في الحركة الوطنية ؛ سبقنها وسبقن جميلات جيلها إلى العمل السياسي والفدائي ، وهن القدوة الحسنة لكل بنات وحرائر الجزائر ، مثل : نفيسة حمود ، ومريمبلميهوب. وأول من ضم جميلةبوعزة إلى الثورة والعمل الفدائي صديقتها جميلة بوحيرد ، في صيف 1956 حيث كانت سبقتها إلى ذلك ، ولم تكن تعرف أحدا غير تلك الصديقة ، وحتى ياسف سعدي / قائد معركة الجزائر لم تتعرف عليه إلا بعد الاستقلال . ولم يكن يتجاوز عمر الفتاة آنذاك سبعة عشر سنة حينما انضمت إلى العمل الفدائي ، وكانت حينها تلميذة تحضر لشهادة التعليم المتوسط . ثم انضمت إليها زهرة ظريف التي قدمت نفسها على أنها ستعمل في سبيل الوطن وتضحي من أجله ، وثلاثتهن كن يعملن تحت القيادة المباشرة للقائد ياسف سعدي .
قائد عمليات معركة الجزائر البطل الشجاع : ياسف سعدي
وأول عملية كلفت بتنفيذها جميلة بوعزة ونفذتها ، كانت في البناية رقم11 مكرر من شارع ميشلي / شارع ديدوش مراد حاليا ، وذلك في شهر نوفمبر من عام 1956 ، حيث تلقت قنبلة كبيرة من زميلتها جميلةبوحيرد في شارع لالير ، وقطعت بها العديد من الحواجز ، لتضعها كما هو مخطط في ذلك المبنى بجانب المصعد . تسبب انفجارها فيما بعد في أضرار مادية كبيرة جدا ؛ بالإضافة إلى الهلع الذي دام أثره أسابيع . بهذه العملية بدأت الفدائية امتحانها ، ومن يومها تأكد ضمها لفرق العمل الفدائي في مدينة الجزائر العاصمة ومحيطها . وكان الاعتماد عليها كبيرا ، ومن يومها كذلك بدأ إعدادها للعمليات الخطر . في بداية شهر جانفي1957 قامت جميلة بوعزة مع زهية خلف الله ؛ بتفجير المناطق التاليةكالكوك هاردي ، الأوتوماتيك .
كانت جميلة بوعزة تتلقى دوما تموينها من القنابل من جميلة بوحيرد ، التي كان منزل ذميها في حي القصبة مصنعا متقدما لها ، وكانت تهربها عبر الحواجز بأساليب مختلفة . في فترة الإضراب الشهير الذي دعت إليهجبهة التحرير الوطني عام 1957 ، حيث شلت المدن والقرىالجزائريةبالكامل ، وكذلك خفت الاتصالات بشكل ملحوظ بين الفدائيين في المدن اتقاء للاعتقالات ، التي زادت حدتها في تلك الفترة .
و راح ضحيتها فيما بعد الشهيد ( عبد الرحمن طالب ) ، الشاب ذي 26سنة ، وخريج قسم الكيمياء وصانع القنابل آنذاك . في تلك الفترة واتقاء لأية شبهة وتغييرا في أسلوب العمل ، أمرت القيادة جميلةبوعزة بأن تبحث عن عمل ما فكان ذلك بالفعل . حيث عملت في قسم الصكوك البريدية بالقرب من ساحةالجمهورية / ساحة الشهداء حاليا كموظفة بسيطة .
الشهيد البطل : طالب عبد الرحمان
لكن التحريات والمتابعات أوقعتاها في كمين صائب ، مما أدى إلى مداهمتها في العمل ، حيث قيل لها ان أباها في الخارج ينتظرها ، ولما خرجت وجدت النقيب ( غرازياني ) الشهير مرفوقا بستة عساكر . حيث أقتيدت مباشرة إلى منطقة الأبيار وأدخلت عمارة كبيرة كان في طور الإنجاز ، وهناك وجدت زميلتها جميلة بوحيرد وشقيقها الذي لم يكن يتجاوز عمره الاثنى عشر عاما ، هالها منظر صديقتها التي كانت تقطر دما من كامل وجهها ورأسها . وفي نفس المكان تلقت هي الأخرى من الضرب والتعذيب ما أفقدها وعيها ، وحينها اعترفت بانتسابها إلى جبهة التحرير الوطني . واعترفت لمعذبيها بأنها كانت واحدة من اللائي زرعن الرعب في مقهى أو شارع أو بناية . وأن بنات الجزائر كلهن جميلة ، وهن جاهزات في كل حين لزرع المزيد من الذعر .
وبالرغم من أن هذه الجرأة والشجاعة جلبتا لها الكثير من التعذيب ، لم يحصل المحققون من جميلة بوعزة على شيء يفيدهم . ومن ذلك البناء / السجن حيث بقيت هناك خمسة عشر يوما ، كانت فيها عرضة للتحقيقات والإهانات والتعذيب من كل لون . ثم نقلت بعدها إلى سجن بربروسالشهير ، وكانت جميلة بوحيرد والعديد من الفدائيات والفدائيين قد سبقوها إلى هناك .
في سجن بربروس قضت جميلة بوعزةأربعة أشهر كاملة ، إلى أن جاءت المحاكمة الشهيرة لها ولزميلتها في الكفاح جميلة بوحيرد ، ومعهماالشهيد عبد الرحمن طالب ، والشهيد عبد العزيز مرسلي ، والتي كانت نتيجتها الحكم بالإعدام على الجميع . وكان قد أنشيء في السجن العتيق /بربروس زنازن جديدة خاصة بالمحكوم عليهم بالإعدام ، هي عبارة عن أقبية غائرة .
تسعة أشهر كاملة قضتها جميلة بوعزة وأخواتها بعد المحاكمة في سجن بربروس ، إلى أن جاء الجنرال شارل ديغول إلى الحكم . ونتيجة للضغط العالمي آنذاك على كل استفزازات المستعمر ، واحتجاج المنظمات الإنسانية في الكثير من البلدان ، وعلى محاكمته غير العادلة اضطرالجنرال شارل ديغول إلى إلغاء الإعدام بالنسبة للنساء الجزائرياتوتعويضه بالسجن المؤبد .
كانت فترة الاعتقال حوالي أربعة أشهر ، نقلت بعدها جميلة بوعزة في طائرة عسكرية إلى سجن بومات الشهير في مدينة مارسيليا جنوبي فرنسا، ثم نقلت بعدها إلى سجن آخر الذي قضت فيه أطول فترة . وكانت أيامها فيه أشد مرارة وأقسى ، حيث تعرضت إلى ألوان شتى من التعذيب النفسي والجسدي المريرين .
كانت وحيدة هناك مرتهبة في زنزانتها الكئيبة ، تعد الليالي والأيام وطولها . وفي هذه الوضعية القاسية وغير المحتملة كتبت جميلة بوعزة رسالة مطولة إلى ( ميشلي ) وزير العدل الفرنسي آنذاك ؛ محتجة وشارحة حالة القهر التي تعيشها .
وبعدها صدر قرار جديدة ينقلها إلى سجن بو ، في منطقة البيرينيه السفلى على الحدود الفرنسية الإسبانية . وبعد فترة نقلت جميلة بوعزة إلى سجن يقع في منطقة بروتان ، وهناك ظلت إلى أن أطلق سراحها في أفريل عام1962 .
أما جميلة بوباشا فهي تنتمي إلى عائلة معروفة بنضالها المتواصل ضد المحتل ، فكل أفرادها منخرطون في العمل السياسي . سكنت عائلة بو باشا منطقة ( سانت أوجان ) بالعاصمة والمعروفة حاليا بمدينة بولوغينفي الفترة التي سبقت الثورة . وكان الوالد يستقبل دائما في منزلهالمناضلين بنشيد حزب الشعب . في عام 1953 أكملت جميلة بوباشاعامها الخامس عشر ، ونتيجة لتطلعاتها الوطنية المبكرة وجدت نفسها ، وبفضل مدرستها الجديدة السيدة ( خيرة أبو بكر ) تنضم إلى إحدى الخلايا النسائية التابعة للحركة الوطنية ، إلى جانب نفيسة حمود ، ونسيمة حبلال، ومامية شنتوف ، وغيرهن من الرائدات المناضلات البطلات . ثم انضمت إلى حركة حزب الشعب ، ثم انتسبت بعد ذلك إلى حركة الكشافة الإسلاميةالجزائرية عام 1954 ، تحت قيادة محمود بوزوزو الوطنيالمعروف بتبحره في علوم الدين وعلوم العربية .
وفي بداية عام 1955 كانت جميلة بوباشا عنصرا نسائيا مهما في الثورة الجزائرية ، تحت قيادة الشهيد البطل سويداني بوجمعة . حتى بداية1957 لم تتعرف جميلة بوباشا على أية مجاهدة ، كانت فقط تسمع عنزهرة ظريف مثلا وجميلة بوحيرد بعد أن قبض عليها . ورغم أنها كانت تعمل مع الشهيدةحسيبة بوعلي ، إلا أنهما لم تتعرفا على بعض نتيجة السرية السائدة آنذاك . وهكذا كانت المجاهدات في كامل التراب الوطني ، لم تتعرف الواحدة منهن على الأخرى ، إلا نادرا وبالأخص فدائيات المدن، أما في الجبال فيختلف الأمر .
وظلت جميلة بوباشا تؤدي مهماتها بنجاح ، إلى أن جاءت ليلة العاشر من فيفري عام 1960 ، عندما هوجم منزل بوباشا وألقي القبض على ابنتهم ؛ بتهمة الانتساب إلى العمل الثوري . وكتهمة مباشرة وضع قنبلة في أحد المقاهي التي يرتادها الفرنسيون ، وقيدت إلى السجن والتحقيق . والتقت بالعديد من الأخواتالمجاهدات في سجن سركاجي لدى إقامتها فيه .
وكتب المحامية الفرنسية جيزيل حليمي كتابا هاما ؛ عن محاكمة وتعذيب (جميلة بوباشا ) بعنوان " قصة بطلة " ، وقدمت له المفكرة الأدبيةسيمون دوبوفوار . وجيزيل حليمي هي المحامية التي دافعت في منتصف عام 1960 عن البطلة في محاكم الجزائر آنذاك .
وتقول سيمون دوبوفوار في تقديمها :" فتاة جزائرية لها من العمر ثلاثة وعشرون عاما ، تعمل في خدمة جبهة التحرير الوطني كوسيط ارتباط ، يعتقلها عسكريون فرنسيون ، ويفضون بكارتها بقارورة ذلكم حادث تافه . فمنذ 1954 ونحن جميع الفرنسيين شركاء في جريمة قتل جماعي ؛ أتت تارة باسم القمع وتارة باسم إشاعة السلام على اكثر من مليون ضحية ، رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا حصدوا بالرشاش ؛ خلال عمليات المداهمة والتفتيش أو أحرقوا أحياء في قراهم ، أو جندلوا أو ذبحوا أو بقرت بطونهم أو عذبوا حتى الموت . قبائل برمتها أسلمت للجوع والبرد والوباء في مراكز التجمع ، التي ما هي في الواقع إلا معسكرات استئصال ، ومواخير عند الاقتضاء للنخبة من فرق الجيش ." هذا ما شهدت به شاهدة منهم ، إلى أن تقول : " في باريس وعلى طول انسياب نهر السينجثث الجزائريين تعد بالعشرات ، تتدلى من الأشجار في غابة بولونيا ، أيد مهشمة وجماجم محطمة ، أفبعد كل هذا يمكن أن نتأثر لدم فتاة ؟ ولا تنسى دوبوفوار التطرق إلى مقتل موريس أودان ، وكيف كوفئ من اغتاله بوسام الشرف ، وإلى حكاية انتحار علي بومنجل .. " ثم تتحدث عن أساليب كم الأفواه والتآمر وعن خرافة العدالة في التحقيق .
تروي جيزيل حليمي في كتابها هذا القصة ، قصة البطلة جميلة بوباشا ، منذ اتصال بين جميلة بوباشا شقيقها والمعتقل في سجن ( بوسوي ) المعروف ، وهو معتقل جماعي للوطنيين يقع بالقرب من مدينة وهران . يرجوها ان تتكفل بالدفاع عن شقيقته المعتقلة بسجن سركاجي بتهمة وضع قنبلة في مقهى .. وهي التهمة المباشرة ، دون أن يعطيها معلومات دقيقة عن أخته . وجيزيل حليمي كانت وقتها في مدينة الرباط بالمغرب ، حيث استدعيت للدفاع عن مناضلين ينتسبون إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية .
تقول جيزيل حليمي أنها أبرقت فورا إلى البطلة جميلة بوباشا بتاريخ 14أفريل عام 1960 بالنص التالي : ( جميلة بوباشا المعتقلة في سجنمدينة الجزائر المدني ، إني مكلفة من قبل عائلتك بالدفاع عنك، أرجو أن تكتبي إلى القاضي لإعلامه بهذا الاختيار ، كما أرجو أن تكتبي لي ، مع أصدق عواطفي ) .
وفي يوم 26 من نفس الشهر تلقت المحامية رسالة من البطلة جميلة بوباشا على ورقة رسمية ، كان السجن يزود بها نزلاءه تبلغها فيها بتسلم البرقية وتتمنى زيارتها . ثم تروي المحامية / الكاتبة جيزيلحليميقصتها مع الدولة وأساليب العرقلة المختلفة لمنعها من مغادرة باريس ، والتضييق عليها بشتى الوسائل حتى لا تتم مرافعتها بشكل نظامي ومريح . وتكشف عن لقائها في الجزائر بالمحامي الذي كلفته السلطات قبلها وتفضح تآمره .
وعن ملف القضية وأسلوب استنطاق السجينة البطلة جميلة بوباشا التي أبدت إعجابها بشجاعتها حين وضعت تلك القنبلة في مقهى الكليات ، ثم تتحدث عن أول لقاء لها بالبطلة الشجاعة جميلة بوباشا ، حين ذهبت إلىسجن بربروس وانتظرتها في فنائه ، فتقول : " .. لم أكن بعد قد تبينت السجينة الشابة التي تقف على استحياء وراء مراقبة السجن ، وخاطبتها أتكونين جميلة بوباشا ؟ .. أنا جيزيل حليمي محاميتك " . وتصفها قائلة:" لها شعر أسود غزير وعينان حالكتان ، وقليلة الكلام ، وحشمة في المظهر خلال بلوزتها الزاهية القصيرة الكمين .. وسمعتها تقول بهدوء الذي يقارب البرودة عن بقية السجينات : " الأخوات رغبن في أن يلمحنكوكان يومذاك أحد الأخوة المجاهدون قد أعدم عند الفجر ، واستيقظ لهالسجن برمته وراح الرجال والنساء يرددون الأناشيد الدينية والوطنيةطيلة ساعات . قالت جميلة بوباشا : إن الأخ منا حين يقتلونه لا يكون وحده ، إننا نرافقه حتى الدقيقة الأخيرة " . وتتابع المحامية :" ولأول مرة تتكلم جميلة بصوت متهدج ، فقالت وهي تلف ساقا على ساق ، ولاحظت على الفور كدمة شديدة الزرقة على أحد كعبيها ، قالت : " أتعرفين أني من جنود جبهة التحرير الوطني ،وأموت من أجل استقلالالجزائر بلدي وبلد أجدادي ، يجب أن تعرفي ذلك . وتتابع جميلة بوباشا : " لقد سببوا لي آلاما شديدة في مدينة " الأبيار " في خاصرتي .. أنظري لقد رأتني أمي وأنا لا أستطيع المشي مستقيمة لكثرة ما اعتراني من ألم ". ثم استطردت قائلة : "أما أبي فقد سلطوا عليه الكهرباء ، وهم يقولون له لا إنسانية مع العرب . كانوا يضحكون علي ، بصقوا علي ، كنت عارية . كانوا يبصقون علي خمرة البيرة التي يشربونها ويصبونها على جسدي ، والأسلاك الكهربائية كانوا يلصقونها أتعرفين كيف ؟ بعصابات من الورق المصنوع على حلمتي صدري ، تأملي .. أوه إني لا أقوى أن أقول في كل مكان ." .
وهكذا أصبحت تتغنىبجميلات الجزائرالقصائد وتؤلف الملاحم من أجلهن ... وجميلة بوباشا ..نعم جميلة بوباشا، الحديث عنها صعب فالحجم الذي تحتله في الذاكرة العربية الجماعية كبيرا جدا . إنها أسطورة والأساطير مغلفة دائما بهالة كثيفة من الغموض .. وفوق ذلك فالأسطورة تنتمي إلى الماضي ، إلى المخيلة الشعبية المتراكمة .. الفتيات الصغيرات اللواتي حملن صورها في مطلعالستينات أصبحن أمهات ، والأمهات اللواتي روين حكايتها أصبحن جدات .. لجيال عدة كانت جميلة بوحيرد رمز الأمل .. وطريق العطاء وعنوان حلم جميل ؛ لمرحلة ناصعة من تاريخنا العربي الحديث لم يتحقق منه إلا القليل.
وتدريجيا لاحظ الفيلسوف الفرنسي الشهير بول سارتر بأن المشكلة ليست اقتصادية أو سياسية فقط ، بل تطورت وأصبحت استغلالية ووحشية ، حيث طبق الجيش الفرنسي طرقا وأساليب التعذيب على الشعب الجزائريالمقاوم الصابر المرابط. والتعذيب عند بول سارتر أثناء الثوة الجزائرية كما وصفه قائلا : " ليس التعذيب مدنيا أو عسكريا ولا فرنسيا على وجه التخصيص ، أنه وباء يكتسح العصر كله ، ولكنه يطبق بانتظام خلف ستار المشروعية الديمقراطية ، يمكن تعريفه بأنه مؤسسة نصف سرية ، فهل أسبابه واحدة في كل مكان ؟" .
حيث أدرك الفيلسوف بول سارتر بأنه أصبح معظم مناصريالثورة الجزائرية العادلةمن ضحايا التعذيب من مثل :هنري علاقمحررجريدة الجزائر الجمهورية، الذي ألقي عليه القبض من قبل جلادي الجنرال " جاك ماسو"- وموريس أودين أستاذ بجامعة الجزائر ، الذي ألقي القبض عليه وعذب بأبشع أنواع طرق التعذيب . و السيدة جاكلين غاروج ، التي كانت طالبة في سيمون دي بوفوار ، وهي الطالبة الممتازة التي جاءت إلى الجزائر كمعلمة ، وتزوجت مع أحد أعضاء جبهة التحرير الوطني ، تعذبت مثل الجزائريين .
وفعلا لقد حطم الاستعمار الفرنسي كل شيء في الجزائر ، وذلك من أجل إخماد الثورة التحريرية التي اشتعلت كالانار في الهشيم اكلت الأخضر واليابس و زادت من هيجان الشعب الجزائري وبسالته واستماتته في الدفاع عن أرضه وعرضه ، حيث قام الاستعمار بالانتقام من النساء وذلك باغتصاب الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 19 و25 سنة ، ومنهن : البطلة جميلة بوباشا ، والتي كانت لها صلة وثيقة مع جبهة لتحرر الوطني ، سجنت بطريقة غير شرعية وتعذبت بأبشع طرق التعذيب . لقد بقيت المجاهدة جميلة بوباشة أكثر من شهر في أحد معتقلات جلاديالخمسينات ، وتعرضت للضرب والشتم والإهانة والاعتداء ، ولا أحد يحميها من وحشية وهمجية البرابرة . وفي الأخير اكتفت الضحية بقولها لمحاميها : بأنها واحدة من بين الآف المحتجزين الآخرين .
كان التعذيب أثناء الثورة التحريرية ضربات بالدبوس على النقرة ، لكمات ، ماء يبتلع بالقوة ، تعليق بالأذرع والأرجل ، كهرباء في الأصابع وعلى الأذن ، المغطس ، ضرب بالسياط على أخمص القدمين وعلى الأجزاء الجنسية ، كهرباء في الأجزاء الجنسية . وحين ينتهون من ذلك يغرسون سكينا بين الكتفين .
وأمام هذه الأوضاع المأساوية التي يعاني منها الشعب الجزائري ، قرربول سارتر أن يقوم بتنديده العنيف ضد وحشية الاستعمار الفرنسي فيالجزائر ، وذلك بكتاباته ونشاطاته السياسية ، حيث كتب روايته المسرحية " سجناء الطونا " عام 1959 ، وهي تعالج أساليب التعذيب المفروضة على الشعب الجزائري والمطبقة بطرق حديثة .
وهذه المسرحية قدمت بأحد مسارح باريس ، وتهتم بطرق التعذيب التي يمارسها الجيش الفرنسي في الجزائر ، وكتب بول سارتر فيما بعد أن موضوعي هو أن رجلا شابا عاد إلى الجزائر ، شاهد بعض الأشياء هناك ويمكن أنه شارك معهم والتزم السكوت .
وتجدر الإشارة إلى أن شخصية البطل في المسرحية " فرانس " ، كان رمزيا فقط للنقاد والمشاهدين . وفي الواقع كان بول سارتر يتكلم للرأي العام والضمير الإنساني عن الجرائم ، التي ارتكبتها النازية في حق الإنسانية ، وكذلك على تعذيب الجزائريين من قبل الفرنسيين .
حقيقة أن الفكرة الأساسية التي تهتم بها مسرحية بول سارتر ، هي التعذيب ، وشخصية البطل فرانس في المسرحية كرجل تعذب وعذب أثناءالحرب العالمية الثانية والثورة الجزائرية . والآن أصبح فرانس يعيش على أوهام ذاكرته ، ويعتقد بول سارتر بأنه لا يمكن لفرانس ، أن يتقبل شخصيته في هذه الظروف . اهتم بول سارتر بروايته المسرحية ، التي تعالج التعذيب والجرائم المرتكبة في الجزائر ، حيث ركز على العدو الفرنسي والمتعاون مع الاستعمار و أوروبا المستعمرة . والمشاهدون لهذه المسرحية يكتشفون بأن البطل فرانس ، هو وصفا حقيقيا لسياسةفرنسا الاستعمارية .
وعلى هذا الأساس نعتقد أن بول سارتر كان على حق ، عندما كان يبحث عن الحرية في شبابه ، وقال : " الجحيم هم الآخرون " . يعتبر اهتمامبول سارتر بأهم الحوادث التاريخية للثورة الجزائرية ، كدعم ومساندة للقضية العادلة ، التي يناضل من أجلها الشعب الجزائري المقاوم الأبي أكثر من قرن .
وكتب الأديب والمؤرخ الفرنسي إتيان بورنو عن " جان دارك / جميلة بوحيرد " ؛ متسائلا : " من هو الفرنسي الذي لم يهتز حين يذكر اسم " جان دراك " ؟ فهي ملهمة ثائرة مناضلة بطلة ، محررة . إنها كل المعني التي نجدها في امرأة أو بالأحرى في فتاة استشهدت في سبيل وطنها .
أما في الجزائر في نوفمبر عام 1957 ، وفي سجن برباروس وفي زنزانة المحكوم عليهم بالإعدام . كانت فتاة جزائرية بين الحياة والموت ، تنتظر اليوم تلو الآخر أشنع الإعدام ، أعني بذلك الإعدام بالمقصلة . سوف يأتيها خدام أشقياء وجلادون يحملونها ليلا ؛ حتى لا يفتضح الأمر ثم يقيدونها ، ويجزون شعرها ويفعلون بها ما تعلمون .
تبلغ سنها 22 عاما ؛ لقد قالت في نفسها أصابت أم أخطأت إن لها وطنا : " الجزائر " . أقنعت نفسها أن هذا الوطن ، قد اغتصبته مجموعة من القوات تدعى الاستعمار . فهي تحب وطنها الذي تراءى لها ، ولا يستطيع أحد أن ينازعها حقها في الثورة . لقد كانت للآن مكافحة وقبض عليها لأنها جرحت برصاصة ، هب أن الجنود الذين قبضوا عليها ، اضطروا أن يقوموا بواجبهم " الشرطي " الجديد ".
جميلة بوحيرد رفقة رفيقات السلاح والكفاح
رحم الله شهداء الجزائر الأبرار فهم فخر لنا مدى الحياة
وعقدنا العزم ان تحيا الجزائر
رحم الله جميع شهداءنا الابرار واسكنهم فسيح جناته
بارك الله فيك اخى كمال وفى هذه الاظافة القيمة والمستفيضة
شكرا جزيلا لردك العطر والباذخ
لك كل التقدير والاحترام
تقبل تحياتى الخالصة