ضحية معاكسة - للشيخ : ( سالم العجمي )
إن الانحراف والشهوات والملذات من الأمور التي يجب أن يحذر منها الشباب المسلم، ومن أهم صور هذا الانحراف : المعاكسات التي أودت بكثير منهم إلى الهاوية، وإلى أن يكونوا ضحايا الرذيلة والفاحشة، وخاصة الفتيات، فهن أكثر الشرائح تضرراً من انتشار هذه الظاهرة. ولهذا الأمر الواقع الكثير الكثير من القصص التي يجب على المسلم أن يتعظ بها ويتخذ منها عبرة.
أسباب سقوط ضحايا المعاكسات
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليماً كثيراً.أما بعد: فإن عنوان هذه المحاضرة هو: (ضحية معاكسة) هذه الضحية التي كانت يوماً من الأيام كغيرها من النساء؛ تتمتع بالشرف العالي، والمنـزلة الرفيعة, ثم لم تلبث حتى تغيَّر كل هذا, بسبب رجل اعترض طريقها فغير مسارها, أو نزوة شيطانية تحركت في قلبها, أو أطراف أخرى في مجتمعها المتهالك.لم تولد فاجرة، أو ماجنة.. بل كانت درة مصونة, فغفل عنها الأب، ولهت عنها الأم, وفقدت المربي, فسارت مع صحبة السوء، ومجلات الإعلام الهابط، ولم تجد من يحذرها الخطر فسقطت.كانت قبل سقوطها تطمع أن تصبح زوجة صالحة, وأماً مربية، تضم طفلها إلى صدرها, وتحترم زوجها, وتبادله الحب والشعور، وبعد سقوطها خسرت كل ذلك.كانت حيية مُحتشمة, تغض بصرها، وتخفي صوتها، وتطأطئ رأسها, ثم سقطت فأصبح بصرها يتأمل وجوه الشباب الغادين والرائحين, وصوتها الخافت جهورياً وقحاً, وتحول الحياء إلى قمة الاستخفاف والجرأة.كانت تحب أخواتها العفيفات من النساء, تفرح إذا رأت المحتشمة, وتُسر إذا رأت العفيفة, وبعد سقوطها أصبحت تتضايق من مناظر العفاف والحِشْمة, وتود أن تكون هذه العفيفة مثلها ماجنة، ساقطة لاهية عابثة, وتحقد على النساء المستقيمات؛ لأنها ترى أنهن عفيفات وهي ليست كذلك, وأنهن شريفات وهي على غير ذلك, وأنهن مربيات وزوجات صالحات يحببن أزواجهن, ويحبهن أزواجهن، وهي تفتقد ذلك كله. قال عثمان رضي الله عنه : [ودت الزانية لو أن النساء كلهن زوانٍ].قصصٌ وعبر، مآسٍ وصور، ووقائع لم تنته فصولها، بدايتها كلمة طائشة من لهو وعبث ، ونهايتها جرح غائر ودمعة حارة, ودواء لا سبيل إلى الوصول إليه.
غفلة المرأة عن مكر الذئاب بها
أبواب متفرقة، في كل باب تقطن مأساة مؤلمة, واعترافات مليئة بالحزن، والتحسر والحنين إلى حياة العفة.يجب أن تعرف المرأة أنها حينما تخرج من بيت أهلها, أو بيت زوجها, فإنها تحمل معها شرفها وشرف أهلها, فعليها ألا تفرط في هذا الكنـز الثمين تحت نزوةٍ شيطانيةٍ, وألا تقدم على أي عمل يخدش هذه السمعة, وهذه الحقيقة ليست غائبة عن الكثيرات, ولكن بعض النساء تتغافل أو تتجاهل هذه الحقيقة, فما إن تسمع داعي الرذيلة من أهل المعاكسات إلا استجابت له, ونسيت أمراً مهما وهو: أنه لا بد في هذا الطريق من ضحية, والضحية ستكون هي؛ لأنها ستجد أن الوعد بالزواج الذي سمعته من ذلك المعاكس لم يكن إلا استدراجاً لسذاجتها, وللحصول على مبتغاه منها, فإذا أخذ منها ما يريده ألقاها وقد تلوثت سمعتها, وهذا ليس بمستغرب؛ لأن العلك يمضغ حتى إذا ما ذهبت حلاوته ألقي في أقرب صندوق قمامة.يهاجم الرجل المرأة ويعد لمهاجمتها ما شاء الله أن يعده من وعد كاذب, وقول خالب, وسحر جاذب, حتى إذا ما خدعها عن نفسها، وغلبها على أمرها، وسلبها أثمن ما تملك في يدها، نفض يده منها وفارقها فراقاً لا لقاء بينهما من بعده.هناك تجلس في داخل بيتها جلسة الكئيب الحزين, مسبلة دمعها على خدها, ملقيةً رأسها على كفها, تلعن أناملها التراب, لا تدري أين تذهب ولا ما تصنع ولا كيف تعيش! تطلب العيش من طريق الزواج فلا تجد من يتزوجها؛ لأن الرجل يسميها ساقطة, ولا يعرف الناس جريمة واحدة تعد سلسلة جرائم لا تنتهي.فهي جريمة مجنونة كالإعصار الثائر يلفها لفاً, إذ تتناول المرأة في ذاتها، وترجع على أهلها وذويها، وتتعدى إلى مستقبلها ونسلها, فيهتكها الناس هي وسائر أهلها من جاءت منهم ومن جاءوا منها, والمرأة التي لا يحميها الشرف لا يحميها شيء.وكل شريفة تعرف أن لها حياتين: إحداهما العفة، وثانيهما: السقوط، وكما تدفع عن حياتها الهلاك تدفع عن حياتها السقوط.
تساهل المرأة في أمر عفتها
إن أساس الفضيلة في الأنوثة الحياء, فيجب أن تعلم أن الأنثى متى خرجت من حيائها، وتبذلت استوى عندها أن تذهب يميناً أو شمالاً, وتهيأت لكل منهما، ولأيهما اتفق, وصاحبات اليمين في كنف الزوج وظل الأسرة وشرف الحياة, وصاحبات الشمال ما صاحبات الشمال؟ يجب ألا يفتح قلب الفتاة لأحد من الناس قبل أن يفتح لزوجها؛ لتستطيع أن تعيش معه سعيدة هانئة, لا تنغصها ذكريات الماضي، ولا تختلط في مخيلتها الصور والألوان, وقلَّما تبدأ الفتاة حياتها بغرام, ثم تستطيع أن تتمتع بعد ذلك بحب شريف.لقد أصيب بعض الشباب في إيمانهم بالله, فأصيبوا بإيمانهم بكل فضيلة, وذهبوا يحققون المدنية فحققوا كل شيء إلا المدنية, ترى أحدهم شريفاً، يأنف أن يكون لصاً وأن يسمى لصاً, ثم لا يعمل إلا عمل اللصوص كاستلاب العفاف, وسرقة الفتيات من تاريخهن! وتجده يستنكف أن يكون في أوصاف قاطع الطريق, ثم يأبى إلا أن يقطع الطريق في حياة العذارى وشرف النساء!
إهمال أولياء الأمور لمن وكلت إليهم رعايتهن
تلك المرأة أو الفتاة التي تقع في حبال الشباب العابث. هل هي دائماً السبب الرئيسي في سقوطها في مستنقع الرذيلة، أم أن هناك أطرافاً أخرى تتحمل المسئولية معها؟ لاشك أن هناك أطرافاً أخرى فعالة في هذه القضية، ولعلها في أحيان كثيرة تكون هي السبب المباشر، وهذا المعني بالذكر هو الأب، أو الأخ، أو الزوج أو المسئولون عن هذه المرأة.ولعل سائلاً يسأل: وهل يتصور أن يوقع الرجل ابنته أو أخته أو زوجته في هذه الرذائل؟!نقول: نعم! عندما يهمل هذا الرجل مراقبة سلوك المرأة التي استرعاه الله إياها يكون سبباً في انحرافها, وتردي أحوالها؛ لأن المرأة ضعيفة وناقصة عقل ودين، ولذلك جعل الله أمرها بيد الرجل فقال تعالى : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ... [النساء:34] وهذه حكمة الله جل وعلا في خلقه.فهذا الرجل الذي يترك نساءه يعملن بين الرجال, أو ذاك الآخر الذي جعلها تقود السيارة تمرح يميناً وشمالاً, أو ذلك الآخر الذي أدخل مجلات الخلاعة المليئة بالصور العارية, والقصص الغرامية والأشعار التي تهيج الغرائز, وذاك الآخر الذي أدخل الفيديو والتلفزيون في بيته, ويُدخل الأفلام التي تعلّم الخيانة والسفور والفاحشة، كل هؤلاء شاركوا في تحطيم المرأة، وزجوا بها في بحار الرذيلة, ومستنقع الفاحشة. شعروا بذلك أم لم يشعروا!قالت إحدى النساء : ما من امرأة تفرط في فضيلتها, إلا وهي ذنب رجل قد أهمل في واجبه.وقالت إحدى الضحايا تحكي قصتها : أنا فتاة أبلغ من العمر [22] عاماً, لم أكمل دراستي علماً أني من المتفوقات، ولكن عند مرحلة المراهقة ودخول الثانوية تغير كل شيء, وأصبحتُ من المستهترات، لا أهتم بدراسة ولا بزيارة أهل, ولا حتى بالخروج للتنـزه بسبب الهاتف ، لقد تعلمت من صديقاتي الكثير, ولكن للأسف تعلمت أشياء ضارة, منها: أني أصبحت من المدخنات, وشربت الخمر, وتعلمت الخروج في آخر الليل, والذهاب إلى الشقق, والسهر هناك حتى الصباح, لدرجة أني فقدت أعز ما تملك أي فتاة في سني، أو حتى لو كانت في غير سني، أرجوك لا تقل: أين والدك؟ وأين إخوانك؟ فالكل له مشاغله.. لا أحد يعلم ما يحصل في البيت! أو أين أذهب، أو من أين آتي؟فها هي بعد أن وقعت في الحضيض، تلقي باللائمة على أهلها الذين لم يلتفتوا إليها ولم يلقوا لها بالا، وكأنها غريبة عنهم ولا تمت لهم بصلة, فأي حال نحن فيه؟ وإلى أي مستوىً وصلنا إليه من الانحدار واللامبالاة، حتى صار المرء لا يعلم عن أحوال أهل بيته، فإلى الله نشكو سوء أحوالنا وما وصلنا إليه من التدهور والانحدار.
عدم تصور النتائج المترتبة على الفضيحة
قد لا تتصور إحدى الفتيات وهي تنـزلق في مزالق المعاكسات مع بعض الشباب العابث، ما قد يصل إليه أمرها من السوء والخطر الجسيم, حيث تجد نفسها يوماً من الأيام في مأزق عظيم لا مفر منه ولا مناص, ولو أنها تصورت ونظرت إلى هذه الخطوة الجريئة من جميع جوانبها لما أقدمت عليها، لأن مصير ومآل العلاقات المحرمة -المسماة زوراً وبهتاناً بالحب- معروف، فإما فضيحة وخزي وعار يلحق بهذه الفتاة وأهلها, وقد يصل الحال إلى أن يقوم أهلها بقتلها -وهذا قد حدث وليس بدعاً من القول- وإما أن يصرف عنها المعاكس نظره، لأنه إذا حصل على مطلوبه فإنه ليس بحاجة إلى أن يتزوج امرأة خائنة، خانت أهلها وثقتهم بها, ولو حدث وتزوجها فإنه مع ذلك لا يحس بطمأنينة؛ لأنه غالباً ما يعيش خائفاً أن تكرر ذات الفعل مع غيره ، على حد قول القائل:من أطلعوه على سر فباح به لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا يجب أن تعرف الفتاة المعاكسة أن الأصل فيها أنها مرحلة عبور, ووسيلة لقضاء وقت الفراغ, فلا تطمع بأكثر من هذا, ولو تصورت نفسها بغير هذه المنـزلة فهي مخطئة, وهذا قول الشباب أنفسهم الذين مروا بهذه التجربة.
دهاء وخبث الماكرين بالمرأة
الحقيقة أن هناك أمراً يفعله بعض الشباب المعاكس الذين لا يرجون الله واليوم الآخر، وتغفل عنه الفتيات الساذجات، لأنهن لا يحطن علماً بما يراد بهن, ولا يعلمن بما وصل إليه هؤلاء الشباب من المكر والكيد والخديعة, وهذا الأمر خطير: هو أن بعض الشباب وأثناء مكالمته الهاتفية مع صديقة الغفلة يقوم بتسجيل شريط كاسيت بما يدور بينهما من الحديث الغرامي، والكلام الفاحش, بل وأحياناً يكون الكلام من أشنع الكلام وأقبحه وخالياً من الحياء والعفة, ثم يحتفظ هذا الوغد بذلك الشريط معه، فإذا فكرت هذه الفتاة أن تنهي هذه العلاقة معه وأخبرته بذلك أظهر ذلك الشريط وهددها به ، وهنا تنقلب حياتها رأساً على عقب, وتصطدم بجدار الحقيقة, وتصحو من سباتها العميق، ويحيط بها الخوف والخزن من كل جانب ، وتعض أصابع الندم على قبيح فعلتها، ولكن حين لا ينفع الندم.فتعيش صراعاً مريراً وهي لا تعرف كيف الخلاص؟! فإذا أرادت الزواج هددها بالشريط إن تزوجت أخبرت زوجك بالشريط, والأدهى من ذلك إذا كانت متزوجة فإذا فكرت بإنهاء علاقتهما معه هددها بأن يفضح أمرها أو أن تبقى صديقة له لتلبي غرائزه البهيمية، وإن أرادت التوبة وترك هذا الطريق الموُحش, والرجوع إلى الله, والاستغفار عما كان منها هددها بالشريط، حتى إنه ليقف حائلاً بينها وبين التوبة, فتتعالى منها الصرخات المدوية من أعماقها: نعم. أنا أذنبت. ولكن لماذا تقف بيني وبين التوبة؟وتمر هذه الصرخات على مسامعه وكأنه لا يسمع شيئاً: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] ولعلها في ساعة يأس، وضعف إيمان, وملل من حياة الخوف والهم والحزن من أي حركة تدور بجانبها، لا تجد حلاً إلا أن تتخلص من حياتها ، فتقدم على قتل نفسها لتستريح من هذا الجحيم الذي لم تطقه, وهذا ليس حلاً، بل إنه لا يزيد الأمر إلا سوءاً وتعقيداً, وقد توعد الله جل وعلا فاعله بالعذاب والخلود في النار, كما جاء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قال : (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً, ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) فتأمل جيداً ما يمكن أن تتسبب به مكالمة هاتفية هي -في نظر كثير من الناس وبالأخص الفتيات- شيء تافه ووسيلة لقضاء وقت الفراغ ، نعم هي أخطأت وارتكبت فعلاً فاحشاً ومعصيةً عظيمةً، ووثقت بمن هو ليس أهلاً بالثقة, ولكن هل يعني ذلك أن يقف هذا المعاكس عثرةً في طريقها، ويغلق في وجهها أبواب التوبة والندم؟!ثم لتفكر هذه المرأة: هل ستبقى أسيرة لهذا الشريط طوال حياتها وتستجيب لنزوات هذا الفاجر كلما أشهر سلاحه في وجهها وهددها به أو ماذا تفعل؟!يجب أن تعرف تلك المرأة التي وقعت في ذلك المأزق العظيم أن الذي يلزمها فعله بادئ ذي بدء هو التوبة إلى الله تعالى والإنابة إليه, وأن تعرف أن هذه الخطيئة لا تكون حائلاً بينها وبين التوبة, فإنَّ كثيراً من الناس كان لهم ماض بئيس مليء بالمعاصي والآثام, فرجعوا إلى ربهم وأنابوا إليه، ولم يحجبهم ذلك الماضي عن التوبة, ثم لعلَّ الله جل وعلا إن علم منها إخلاصاً وصدقاً في التوبة أن يخلصها من مشاعر الخوف والقلق الذي تعيش فيه، ويُسَهِّل لها طريق الخلاص من ذلك الفاجر، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً [الطلاق:2-3] ولعل الله أن يُلقي في قلبه الخوف والرعب، أو يهدي قلبه, فيُتْلِف ذلك الشريط الذي يهددها به.وتعلم أنه مهما ضاقت بها السبل، وأغلقت في وجهها الأبواب, فإن هناك باباً لا يغلق أبداً وهو باب الله سبحانه وتعالى فعليها بصدق اللجوء إلى الله، والبكاء بين يديه, فهو سبحانه القادر على تذليل الصعاب، وإزالة العقبات, وعليها بالدعاء في جوف الليل إذا نام النائمون وغفل الغافلون, فإنه سلاح لا يخطئ. قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له, ومن يسألني فأعطيه, ويستغفرني فأغفر له).أتهزأ بالدعاء وتزدريه وما تدري بما فعل الدعاء سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمد وللأمد انقضاء
قصص ونتائج وعبر من الواقع
حدثني أحد الشباب فقال: كان لي أحد الأصدقاء، وهو من الشباب العابث, ومن أصحاب العلاقات المشبوهة مع النساء, وأذكر أنني بعد أن أنهيت دراستي جلست في البيت لفترة, وفي أحد الأيام من العام الدراسي جاءني هذا الصديق في الصباح -أي في وقت الدوام المدرسي- فأجلسته في المجلس وذهبت لأقوم بواجب الضيافة, ولما نظرت إلى الخارج لم أجد سيارته قلت: يا فلان! أين سيارتك؟ فقال: أخفيتها بجانب منزلك، فاستغربت من هذا الفعل، قلت: ولِمَ لَمْ توقفها أمام بيتي مباشرة؟ قال: معي صديقة جديدة, قلت: ولم جئت بها إلى هنا؟ قال: إنها طالبة في المدرسة، وقد أخذتها في بداية الدوام, وأنا أنتظر حتى يحين وقت الانصراف, ويرن الجرس فأنزلها أمام المدرسة, فتركب الباص وكأنها خرجت من المدرسة، قال: فاستأذنت منه وكأني داخل إلى المنزل, فخرجت من جانب المنزل متوجهاً إلى السيارة، فلما جئت فإذا بداخلها فتاة في عمر الزهور, لم تبلغ الخامسة عشرة, فقلت لها وقد رققت لحالها لصغر سنها ولجهلها، وما يراد منها من وراء هذه اللعبة الدنيئة: ما الذين جاء بك إلى هنا؟ قالت: إن فلاناً يحبني ووعدني بالزواج، قلت لها: تأملي جيداً ما أقول لك رغم أن هذا صديقي وتربطني به صداقة قوية, إلا أن ذلك لا يمنعني أن ألقي إليك النصيحة, فإن قبلتِ وإلا فأنت وشأنك ، تذكري الثقة التي أولاك إياها أهلك، وأنهم لم يشددوا عليك بالرقابة, وتذكري شناعة الأمر الذي تقومين به, واعلمي جيداً أنك على خطر وأن صاحبي لا يفكر أدنى تفكير في أن يتزوجك؛ لأننا نحن الشباب إذا وجدنا من هي مثلك لا نفكر بها زوجة؛ لأنَّ التي خرجت مع شاب غريب عنها، وخرقت ستر أهلها, ليست بأهل أن تكون زوجة, بل لعلَّها تمارس هذا الفعل مع شخص آخر, هذه كلمات فَكِّري بها جيداً وأنت وشأنك.قال : وبعد فترة من الزمن تكرر الموقف نفسه وجاءني صاحبي فقلت: هل هي معك هذه المرة أيضاً؟ قال : نعم! فخرجت لها فقلت: إنك لم تفهمي ما قلته لك في المرة الأولى، إني أحذرك للمرة الأخيرة من الطريق التي تسيرين فيها؛ فإنك على خطر، وإذا كنت نجوتِ من صاحبك هذه المرة, فلا نجاة لك في المرة المقبلة، سيأخذ منك ما يريد وسيلقيك على حافة الطريق, تتأوهين من الألم والفضيحة، والعار الذي ستلبسينه طوال عمرك. قالت: إنه يحبني وسيتزوجني، قلت : أنت غبية، ولست أهلاً بأن تكوني زوجة وستذكرين.قال: ومضى على ذلك الموقف فترة طويلة ونسيتُ تلك الفتاة, بل إنني نسيت الموضوع بالكلية ولا أدري ماذا حصل لها بعد ذلك اللقاء؟وذات يوم جاء ابن جيراننا وقال: هذه رسالة جاءت بها أختي من إحدى زميلاتها في الباص, وقالت: أعطها لفلان, فاستغربت هذا الفعل, واستنكرت ذلك الموقف, ولكن بطل عجبي عندما فتحت الرسالة, فإذا هي رسالة من تلك الفتاة تقول فيها:إنني أشكرك على النصيحة الغالية التي قدمتها لي, وفعلاً كاد أن يحصل ما قلته لي، ففي المرة الأخيرة وعندما خرجت مع ذلك الوغد، حاول أن يأخذ مني أعز ما أملك, فبكيت وتوسلت أن يعيدني وبعد الإلحاح والبكاء والتوسلات أرجعني إلى مدرستي التي أخذني منها، نعم! كدت أن أفقد شرفي وأن أقع ضحية تلك اللعبة الدنيئة, وأضع رأسي ورءوس أهلي في الوحل، ولكن الله سلِّم.ليس منكراً من القول -ولا نضيف معلومة جديدة- عندما نقول: إن العلاقة التي لا يقرها الشرع الحنيف بين الرجل والمرأة مهما توخى أصحابها الحذر, وحاولوا أن تبقى علاقة شريفة -كما يزعمون- لا بد وأن تقع الفاحشة بين طرفيها, وذلك في أغلب الأحيان!والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يمكن أن يحدث؟ ومن هو المتضرر الأكبر بعد وقوع الخطأ؟!
الآثار والنتائج المرة للمعاكسات
قال أحد الشباب: نشأت كنباتٍ شيطاني في أسرة متدينة طيبة, بادئ الحياة في السهر, ومطاردة الفتيات, مهملاً الدراسة, تاركاً الصلاة, وكان والدي دائم الغضب عليَّ دون اكتراث مني, فبينما أنا أعيش حياة ماجنة بكل صخبها وآثامها، تعرفت على فتاة وجرت بيننا علاقة غرامية، مضت السنة الأولى من عمر علاقتنا وكل منا يزداد هياماً بالآخر, إلى أن كان ذات يوم والتقينا معاً, فكان الشيطان ثالثنا ولم نشعر بما فعلنا إلا بعد فوات الأوان، لا أدري ماذا أفعل أأهرب وأتركها لمصيرها أم أتزوجها؟ وماذا سيكون موقفي أمام الأهل والأصدقاء؟ تأمل هذه الحادثة وتلك العبارات الأخيرة, وسوف تجد فيها خلاصة الموضوع! فبعد أن فعل هذا المعاكس فعلته، أول ما فكر به هو الهرب, وعندما فكر أن يتزوجها تردد كثيراً وذلك خوفاً من موقفه أمام أهله وأصدقائه.إذاً: من الضحية والمتضرر الأكبر من جراء هذه الفاحشة العظيمة؟!لا شك أنها الفتاة.ولك أن تتصور حالها, وما وصلت إليه من السوء: كيف لو كانت حاملاً؟ ما الذي ستفعله؟! هل ستسعى إلى قتل الجنين الذي في بطنها؟! أو أنها تتركه يعيش وينمو في بطنها وهي تشعر بالكراهية والبغض له؛ لأنه غير شرعي؟! وإذا ولد يولد معه إحساسها بالذنب، كلما نظرت إليه وهو يشعر بالكراهية لها، تذكرت فعلتها السيئة التي كانت سبباً في وجوده!إنه مما لا شك فيه أن المرأة المحتشمة العفيفة، عندما تلد من زواج شرعي فإنها تحتضن ابنها وتضمه إلى صدرها، وتحس بالفخر والاعتزاز أن أباه فلان وخاله فلان وهي مرفوعة الرأس, ولكن هذه المرأة صاحبة الخطيئة هل تستطيع أن تحمل ابنها وتضمه إلى صدرها، وتفتخر به في أوساط النساء عندما يذكرن أبناءهن، وهو ابن غير شرعي؟!هل تستطيع أن تذكر أفعاله الطيبة وصفاته الحسنة؟!هل تستطيع أن تذكر بره وإحسانه؟!بالتأكيد لا تستطيع؛ لأنها كلما أرادت أن تذكر تلك الصفات, تغص بالكلمات، وتتذكر قبيح فعلتها وتسكت.. بل وربما خنقتها العبرات, وقامت من المجلس, بل ولعلها ستسعى إلى ما هو أشد من ذلك وأقبح, وذلك أنها إذا ولدت ألقته على باب أحد المساجد أو في مكان ما، ليجده المارة فيحملوه إلى دار اللقطة, فيعيش هناك ويكبر ويترعرع وهو لا يعرف أماً ولا أباً, يحمل حقداً وكراهيةً لمجتمعه وللناس الذين يعيش بينهم ، يعيش وقد عصفت بقلبه الهموم والأحزان، بسبب ذنب ارتكبته تلك المرأة اللاهية مع ذلك الرجل الفاجر في ساعة لهوٍ وعبثٍ, فكانت النتيجة طفلاً مسكيناً يتحطم قلبه في اليوم آلاف المرات, يتمنى أن يكون كالأطفال. يريد أن يعرف معنى كلمة أمي.. أبي.. التي حُرم منها ، يبحث عن حنان الأمومة وعطف الأُبوة ولكنه لا يجدهما, لم تكتف هذه المرأة بارتكابها تلك الفاحشة الآثمة، بل إنها زادت عليه ذلك الفعل المنكر والإثم العظيم، حين ألقت بذلك الطفل ظناً منها بأنها ستتخلص من آثار فعلتها. وهناك جانب آخر لهذه المرأة: فلو أنها لم تحمل في أحشائها ذلك الطفل، فهل يعني أنها نجت وكأن شيئاً لم يحدث؟! كلا! وذلك أن كثيراً من النساء، وبعد أن تقع في فاحشة الزنا, فإنها تخاف أن يفتضح أمرها، لأنها لم تعد بكراً كما كانت, فيؤدي بها ذلك بأن ترفض كل من يتقدم لطلب الزواج منها خوفاً من الفضيحة، فيثير ذلك استغراب أهلها ممِّن يعيشون حولها وهي تتقطع من الداخل, لأنها ترى أن البنات اللاتي في سنها، واللاتي هن أصغر منها تزوجن, وهي لا تزال جليسة البيت, رغم أنها في الظاهر لا ينقصها شيء مما عند النساء.ولكن هذه آثار الفاحشة التي جنتها على نفسها, وآثار تلك العلاقات المحرمة الكاذبة اللابسة لباس الحب كذباً وزوراً وبهتاناً, فكانت نتيجتها وقوع مثل هذه الضحايا.فأصبح الذل يمشي بين أظهرهم مشي الأمير وهم من حوله خدم كل ذلك بسبب فاحشة الزنا التي لا يعرف مرتكبها أبعادها، إلا حين الوقوع في مغبة أمره, وسوء فعله, فإذا سقط عرف أبعاد جريمته الشنيعة التي جرت الويلات عليه وعلى غيره ولات ساعة مندم ، كل ذلك كان بسبب فاحشة الزنا التي هي حقاً من أعظم الجرائم. فسبحان الله القائل: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32].
إن الانحراف والشهوات والملذات من الأمور التي يجب أن يحذر منها الشباب المسلم، ومن أهم صور هذا الانحراف : المعاكسات التي أودت بكثير منهم إلى الهاوية، وإلى أن يكونوا ضحايا الرذيلة والفاحشة، وخاصة الفتيات، فهن أكثر الشرائح تضرراً من انتشار هذه الظاهرة. ولهذا الأمر الواقع الكثير الكثير من القصص التي يجب على المسلم أن يتعظ بها ويتخذ منها عبرة.
أسباب سقوط ضحايا المعاكسات
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليماً كثيراً.أما بعد: فإن عنوان هذه المحاضرة هو: (ضحية معاكسة) هذه الضحية التي كانت يوماً من الأيام كغيرها من النساء؛ تتمتع بالشرف العالي، والمنـزلة الرفيعة, ثم لم تلبث حتى تغيَّر كل هذا, بسبب رجل اعترض طريقها فغير مسارها, أو نزوة شيطانية تحركت في قلبها, أو أطراف أخرى في مجتمعها المتهالك.لم تولد فاجرة، أو ماجنة.. بل كانت درة مصونة, فغفل عنها الأب، ولهت عنها الأم, وفقدت المربي, فسارت مع صحبة السوء، ومجلات الإعلام الهابط، ولم تجد من يحذرها الخطر فسقطت.كانت قبل سقوطها تطمع أن تصبح زوجة صالحة, وأماً مربية، تضم طفلها إلى صدرها, وتحترم زوجها, وتبادله الحب والشعور، وبعد سقوطها خسرت كل ذلك.كانت حيية مُحتشمة, تغض بصرها، وتخفي صوتها، وتطأطئ رأسها, ثم سقطت فأصبح بصرها يتأمل وجوه الشباب الغادين والرائحين, وصوتها الخافت جهورياً وقحاً, وتحول الحياء إلى قمة الاستخفاف والجرأة.كانت تحب أخواتها العفيفات من النساء, تفرح إذا رأت المحتشمة, وتُسر إذا رأت العفيفة, وبعد سقوطها أصبحت تتضايق من مناظر العفاف والحِشْمة, وتود أن تكون هذه العفيفة مثلها ماجنة، ساقطة لاهية عابثة, وتحقد على النساء المستقيمات؛ لأنها ترى أنهن عفيفات وهي ليست كذلك, وأنهن شريفات وهي على غير ذلك, وأنهن مربيات وزوجات صالحات يحببن أزواجهن, ويحبهن أزواجهن، وهي تفتقد ذلك كله. قال عثمان رضي الله عنه : [ودت الزانية لو أن النساء كلهن زوانٍ].قصصٌ وعبر، مآسٍ وصور، ووقائع لم تنته فصولها، بدايتها كلمة طائشة من لهو وعبث ، ونهايتها جرح غائر ودمعة حارة, ودواء لا سبيل إلى الوصول إليه.
غفلة المرأة عن مكر الذئاب بها
أبواب متفرقة، في كل باب تقطن مأساة مؤلمة, واعترافات مليئة بالحزن، والتحسر والحنين إلى حياة العفة.يجب أن تعرف المرأة أنها حينما تخرج من بيت أهلها, أو بيت زوجها, فإنها تحمل معها شرفها وشرف أهلها, فعليها ألا تفرط في هذا الكنـز الثمين تحت نزوةٍ شيطانيةٍ, وألا تقدم على أي عمل يخدش هذه السمعة, وهذه الحقيقة ليست غائبة عن الكثيرات, ولكن بعض النساء تتغافل أو تتجاهل هذه الحقيقة, فما إن تسمع داعي الرذيلة من أهل المعاكسات إلا استجابت له, ونسيت أمراً مهما وهو: أنه لا بد في هذا الطريق من ضحية, والضحية ستكون هي؛ لأنها ستجد أن الوعد بالزواج الذي سمعته من ذلك المعاكس لم يكن إلا استدراجاً لسذاجتها, وللحصول على مبتغاه منها, فإذا أخذ منها ما يريده ألقاها وقد تلوثت سمعتها, وهذا ليس بمستغرب؛ لأن العلك يمضغ حتى إذا ما ذهبت حلاوته ألقي في أقرب صندوق قمامة.يهاجم الرجل المرأة ويعد لمهاجمتها ما شاء الله أن يعده من وعد كاذب, وقول خالب, وسحر جاذب, حتى إذا ما خدعها عن نفسها، وغلبها على أمرها، وسلبها أثمن ما تملك في يدها، نفض يده منها وفارقها فراقاً لا لقاء بينهما من بعده.هناك تجلس في داخل بيتها جلسة الكئيب الحزين, مسبلة دمعها على خدها, ملقيةً رأسها على كفها, تلعن أناملها التراب, لا تدري أين تذهب ولا ما تصنع ولا كيف تعيش! تطلب العيش من طريق الزواج فلا تجد من يتزوجها؛ لأن الرجل يسميها ساقطة, ولا يعرف الناس جريمة واحدة تعد سلسلة جرائم لا تنتهي.فهي جريمة مجنونة كالإعصار الثائر يلفها لفاً, إذ تتناول المرأة في ذاتها، وترجع على أهلها وذويها، وتتعدى إلى مستقبلها ونسلها, فيهتكها الناس هي وسائر أهلها من جاءت منهم ومن جاءوا منها, والمرأة التي لا يحميها الشرف لا يحميها شيء.وكل شريفة تعرف أن لها حياتين: إحداهما العفة، وثانيهما: السقوط، وكما تدفع عن حياتها الهلاك تدفع عن حياتها السقوط.
تساهل المرأة في أمر عفتها
إن أساس الفضيلة في الأنوثة الحياء, فيجب أن تعلم أن الأنثى متى خرجت من حيائها، وتبذلت استوى عندها أن تذهب يميناً أو شمالاً, وتهيأت لكل منهما، ولأيهما اتفق, وصاحبات اليمين في كنف الزوج وظل الأسرة وشرف الحياة, وصاحبات الشمال ما صاحبات الشمال؟ يجب ألا يفتح قلب الفتاة لأحد من الناس قبل أن يفتح لزوجها؛ لتستطيع أن تعيش معه سعيدة هانئة, لا تنغصها ذكريات الماضي، ولا تختلط في مخيلتها الصور والألوان, وقلَّما تبدأ الفتاة حياتها بغرام, ثم تستطيع أن تتمتع بعد ذلك بحب شريف.لقد أصيب بعض الشباب في إيمانهم بالله, فأصيبوا بإيمانهم بكل فضيلة, وذهبوا يحققون المدنية فحققوا كل شيء إلا المدنية, ترى أحدهم شريفاً، يأنف أن يكون لصاً وأن يسمى لصاً, ثم لا يعمل إلا عمل اللصوص كاستلاب العفاف, وسرقة الفتيات من تاريخهن! وتجده يستنكف أن يكون في أوصاف قاطع الطريق, ثم يأبى إلا أن يقطع الطريق في حياة العذارى وشرف النساء!
إهمال أولياء الأمور لمن وكلت إليهم رعايتهن
تلك المرأة أو الفتاة التي تقع في حبال الشباب العابث. هل هي دائماً السبب الرئيسي في سقوطها في مستنقع الرذيلة، أم أن هناك أطرافاً أخرى تتحمل المسئولية معها؟ لاشك أن هناك أطرافاً أخرى فعالة في هذه القضية، ولعلها في أحيان كثيرة تكون هي السبب المباشر، وهذا المعني بالذكر هو الأب، أو الأخ، أو الزوج أو المسئولون عن هذه المرأة.ولعل سائلاً يسأل: وهل يتصور أن يوقع الرجل ابنته أو أخته أو زوجته في هذه الرذائل؟!نقول: نعم! عندما يهمل هذا الرجل مراقبة سلوك المرأة التي استرعاه الله إياها يكون سبباً في انحرافها, وتردي أحوالها؛ لأن المرأة ضعيفة وناقصة عقل ودين، ولذلك جعل الله أمرها بيد الرجل فقال تعالى : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ... [النساء:34] وهذه حكمة الله جل وعلا في خلقه.فهذا الرجل الذي يترك نساءه يعملن بين الرجال, أو ذاك الآخر الذي جعلها تقود السيارة تمرح يميناً وشمالاً, أو ذلك الآخر الذي أدخل مجلات الخلاعة المليئة بالصور العارية, والقصص الغرامية والأشعار التي تهيج الغرائز, وذاك الآخر الذي أدخل الفيديو والتلفزيون في بيته, ويُدخل الأفلام التي تعلّم الخيانة والسفور والفاحشة، كل هؤلاء شاركوا في تحطيم المرأة، وزجوا بها في بحار الرذيلة, ومستنقع الفاحشة. شعروا بذلك أم لم يشعروا!قالت إحدى النساء : ما من امرأة تفرط في فضيلتها, إلا وهي ذنب رجل قد أهمل في واجبه.وقالت إحدى الضحايا تحكي قصتها : أنا فتاة أبلغ من العمر [22] عاماً, لم أكمل دراستي علماً أني من المتفوقات، ولكن عند مرحلة المراهقة ودخول الثانوية تغير كل شيء, وأصبحتُ من المستهترات، لا أهتم بدراسة ولا بزيارة أهل, ولا حتى بالخروج للتنـزه بسبب الهاتف ، لقد تعلمت من صديقاتي الكثير, ولكن للأسف تعلمت أشياء ضارة, منها: أني أصبحت من المدخنات, وشربت الخمر, وتعلمت الخروج في آخر الليل, والذهاب إلى الشقق, والسهر هناك حتى الصباح, لدرجة أني فقدت أعز ما تملك أي فتاة في سني، أو حتى لو كانت في غير سني، أرجوك لا تقل: أين والدك؟ وأين إخوانك؟ فالكل له مشاغله.. لا أحد يعلم ما يحصل في البيت! أو أين أذهب، أو من أين آتي؟فها هي بعد أن وقعت في الحضيض، تلقي باللائمة على أهلها الذين لم يلتفتوا إليها ولم يلقوا لها بالا، وكأنها غريبة عنهم ولا تمت لهم بصلة, فأي حال نحن فيه؟ وإلى أي مستوىً وصلنا إليه من الانحدار واللامبالاة، حتى صار المرء لا يعلم عن أحوال أهل بيته، فإلى الله نشكو سوء أحوالنا وما وصلنا إليه من التدهور والانحدار.
عدم تصور النتائج المترتبة على الفضيحة
قد لا تتصور إحدى الفتيات وهي تنـزلق في مزالق المعاكسات مع بعض الشباب العابث، ما قد يصل إليه أمرها من السوء والخطر الجسيم, حيث تجد نفسها يوماً من الأيام في مأزق عظيم لا مفر منه ولا مناص, ولو أنها تصورت ونظرت إلى هذه الخطوة الجريئة من جميع جوانبها لما أقدمت عليها، لأن مصير ومآل العلاقات المحرمة -المسماة زوراً وبهتاناً بالحب- معروف، فإما فضيحة وخزي وعار يلحق بهذه الفتاة وأهلها, وقد يصل الحال إلى أن يقوم أهلها بقتلها -وهذا قد حدث وليس بدعاً من القول- وإما أن يصرف عنها المعاكس نظره، لأنه إذا حصل على مطلوبه فإنه ليس بحاجة إلى أن يتزوج امرأة خائنة، خانت أهلها وثقتهم بها, ولو حدث وتزوجها فإنه مع ذلك لا يحس بطمأنينة؛ لأنه غالباً ما يعيش خائفاً أن تكرر ذات الفعل مع غيره ، على حد قول القائل:من أطلعوه على سر فباح به لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا يجب أن تعرف الفتاة المعاكسة أن الأصل فيها أنها مرحلة عبور, ووسيلة لقضاء وقت الفراغ, فلا تطمع بأكثر من هذا, ولو تصورت نفسها بغير هذه المنـزلة فهي مخطئة, وهذا قول الشباب أنفسهم الذين مروا بهذه التجربة.
دهاء وخبث الماكرين بالمرأة
الحقيقة أن هناك أمراً يفعله بعض الشباب المعاكس الذين لا يرجون الله واليوم الآخر، وتغفل عنه الفتيات الساذجات، لأنهن لا يحطن علماً بما يراد بهن, ولا يعلمن بما وصل إليه هؤلاء الشباب من المكر والكيد والخديعة, وهذا الأمر خطير: هو أن بعض الشباب وأثناء مكالمته الهاتفية مع صديقة الغفلة يقوم بتسجيل شريط كاسيت بما يدور بينهما من الحديث الغرامي، والكلام الفاحش, بل وأحياناً يكون الكلام من أشنع الكلام وأقبحه وخالياً من الحياء والعفة, ثم يحتفظ هذا الوغد بذلك الشريط معه، فإذا فكرت هذه الفتاة أن تنهي هذه العلاقة معه وأخبرته بذلك أظهر ذلك الشريط وهددها به ، وهنا تنقلب حياتها رأساً على عقب, وتصطدم بجدار الحقيقة, وتصحو من سباتها العميق، ويحيط بها الخوف والخزن من كل جانب ، وتعض أصابع الندم على قبيح فعلتها، ولكن حين لا ينفع الندم.فتعيش صراعاً مريراً وهي لا تعرف كيف الخلاص؟! فإذا أرادت الزواج هددها بالشريط إن تزوجت أخبرت زوجك بالشريط, والأدهى من ذلك إذا كانت متزوجة فإذا فكرت بإنهاء علاقتهما معه هددها بأن يفضح أمرها أو أن تبقى صديقة له لتلبي غرائزه البهيمية، وإن أرادت التوبة وترك هذا الطريق الموُحش, والرجوع إلى الله, والاستغفار عما كان منها هددها بالشريط، حتى إنه ليقف حائلاً بينها وبين التوبة, فتتعالى منها الصرخات المدوية من أعماقها: نعم. أنا أذنبت. ولكن لماذا تقف بيني وبين التوبة؟وتمر هذه الصرخات على مسامعه وكأنه لا يسمع شيئاً: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] ولعلها في ساعة يأس، وضعف إيمان, وملل من حياة الخوف والهم والحزن من أي حركة تدور بجانبها، لا تجد حلاً إلا أن تتخلص من حياتها ، فتقدم على قتل نفسها لتستريح من هذا الجحيم الذي لم تطقه, وهذا ليس حلاً، بل إنه لا يزيد الأمر إلا سوءاً وتعقيداً, وقد توعد الله جل وعلا فاعله بالعذاب والخلود في النار, كما جاء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قال : (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً, ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) فتأمل جيداً ما يمكن أن تتسبب به مكالمة هاتفية هي -في نظر كثير من الناس وبالأخص الفتيات- شيء تافه ووسيلة لقضاء وقت الفراغ ، نعم هي أخطأت وارتكبت فعلاً فاحشاً ومعصيةً عظيمةً، ووثقت بمن هو ليس أهلاً بالثقة, ولكن هل يعني ذلك أن يقف هذا المعاكس عثرةً في طريقها، ويغلق في وجهها أبواب التوبة والندم؟!ثم لتفكر هذه المرأة: هل ستبقى أسيرة لهذا الشريط طوال حياتها وتستجيب لنزوات هذا الفاجر كلما أشهر سلاحه في وجهها وهددها به أو ماذا تفعل؟!يجب أن تعرف تلك المرأة التي وقعت في ذلك المأزق العظيم أن الذي يلزمها فعله بادئ ذي بدء هو التوبة إلى الله تعالى والإنابة إليه, وأن تعرف أن هذه الخطيئة لا تكون حائلاً بينها وبين التوبة, فإنَّ كثيراً من الناس كان لهم ماض بئيس مليء بالمعاصي والآثام, فرجعوا إلى ربهم وأنابوا إليه، ولم يحجبهم ذلك الماضي عن التوبة, ثم لعلَّ الله جل وعلا إن علم منها إخلاصاً وصدقاً في التوبة أن يخلصها من مشاعر الخوف والقلق الذي تعيش فيه، ويُسَهِّل لها طريق الخلاص من ذلك الفاجر، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً [الطلاق:2-3] ولعل الله أن يُلقي في قلبه الخوف والرعب، أو يهدي قلبه, فيُتْلِف ذلك الشريط الذي يهددها به.وتعلم أنه مهما ضاقت بها السبل، وأغلقت في وجهها الأبواب, فإن هناك باباً لا يغلق أبداً وهو باب الله سبحانه وتعالى فعليها بصدق اللجوء إلى الله، والبكاء بين يديه, فهو سبحانه القادر على تذليل الصعاب، وإزالة العقبات, وعليها بالدعاء في جوف الليل إذا نام النائمون وغفل الغافلون, فإنه سلاح لا يخطئ. قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له, ومن يسألني فأعطيه, ويستغفرني فأغفر له).أتهزأ بالدعاء وتزدريه وما تدري بما فعل الدعاء سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمد وللأمد انقضاء
قصص ونتائج وعبر من الواقع
حدثني أحد الشباب فقال: كان لي أحد الأصدقاء، وهو من الشباب العابث, ومن أصحاب العلاقات المشبوهة مع النساء, وأذكر أنني بعد أن أنهيت دراستي جلست في البيت لفترة, وفي أحد الأيام من العام الدراسي جاءني هذا الصديق في الصباح -أي في وقت الدوام المدرسي- فأجلسته في المجلس وذهبت لأقوم بواجب الضيافة, ولما نظرت إلى الخارج لم أجد سيارته قلت: يا فلان! أين سيارتك؟ فقال: أخفيتها بجانب منزلك، فاستغربت من هذا الفعل، قلت: ولِمَ لَمْ توقفها أمام بيتي مباشرة؟ قال: معي صديقة جديدة, قلت: ولم جئت بها إلى هنا؟ قال: إنها طالبة في المدرسة، وقد أخذتها في بداية الدوام, وأنا أنتظر حتى يحين وقت الانصراف, ويرن الجرس فأنزلها أمام المدرسة, فتركب الباص وكأنها خرجت من المدرسة، قال: فاستأذنت منه وكأني داخل إلى المنزل, فخرجت من جانب المنزل متوجهاً إلى السيارة، فلما جئت فإذا بداخلها فتاة في عمر الزهور, لم تبلغ الخامسة عشرة, فقلت لها وقد رققت لحالها لصغر سنها ولجهلها، وما يراد منها من وراء هذه اللعبة الدنيئة: ما الذين جاء بك إلى هنا؟ قالت: إن فلاناً يحبني ووعدني بالزواج، قلت لها: تأملي جيداً ما أقول لك رغم أن هذا صديقي وتربطني به صداقة قوية, إلا أن ذلك لا يمنعني أن ألقي إليك النصيحة, فإن قبلتِ وإلا فأنت وشأنك ، تذكري الثقة التي أولاك إياها أهلك، وأنهم لم يشددوا عليك بالرقابة, وتذكري شناعة الأمر الذي تقومين به, واعلمي جيداً أنك على خطر وأن صاحبي لا يفكر أدنى تفكير في أن يتزوجك؛ لأننا نحن الشباب إذا وجدنا من هي مثلك لا نفكر بها زوجة؛ لأنَّ التي خرجت مع شاب غريب عنها، وخرقت ستر أهلها, ليست بأهل أن تكون زوجة, بل لعلَّها تمارس هذا الفعل مع شخص آخر, هذه كلمات فَكِّري بها جيداً وأنت وشأنك.قال : وبعد فترة من الزمن تكرر الموقف نفسه وجاءني صاحبي فقلت: هل هي معك هذه المرة أيضاً؟ قال : نعم! فخرجت لها فقلت: إنك لم تفهمي ما قلته لك في المرة الأولى، إني أحذرك للمرة الأخيرة من الطريق التي تسيرين فيها؛ فإنك على خطر، وإذا كنت نجوتِ من صاحبك هذه المرة, فلا نجاة لك في المرة المقبلة، سيأخذ منك ما يريد وسيلقيك على حافة الطريق, تتأوهين من الألم والفضيحة، والعار الذي ستلبسينه طوال عمرك. قالت: إنه يحبني وسيتزوجني، قلت : أنت غبية، ولست أهلاً بأن تكوني زوجة وستذكرين.قال: ومضى على ذلك الموقف فترة طويلة ونسيتُ تلك الفتاة, بل إنني نسيت الموضوع بالكلية ولا أدري ماذا حصل لها بعد ذلك اللقاء؟وذات يوم جاء ابن جيراننا وقال: هذه رسالة جاءت بها أختي من إحدى زميلاتها في الباص, وقالت: أعطها لفلان, فاستغربت هذا الفعل, واستنكرت ذلك الموقف, ولكن بطل عجبي عندما فتحت الرسالة, فإذا هي رسالة من تلك الفتاة تقول فيها:إنني أشكرك على النصيحة الغالية التي قدمتها لي, وفعلاً كاد أن يحصل ما قلته لي، ففي المرة الأخيرة وعندما خرجت مع ذلك الوغد، حاول أن يأخذ مني أعز ما أملك, فبكيت وتوسلت أن يعيدني وبعد الإلحاح والبكاء والتوسلات أرجعني إلى مدرستي التي أخذني منها، نعم! كدت أن أفقد شرفي وأن أقع ضحية تلك اللعبة الدنيئة, وأضع رأسي ورءوس أهلي في الوحل، ولكن الله سلِّم.ليس منكراً من القول -ولا نضيف معلومة جديدة- عندما نقول: إن العلاقة التي لا يقرها الشرع الحنيف بين الرجل والمرأة مهما توخى أصحابها الحذر, وحاولوا أن تبقى علاقة شريفة -كما يزعمون- لا بد وأن تقع الفاحشة بين طرفيها, وذلك في أغلب الأحيان!والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يمكن أن يحدث؟ ومن هو المتضرر الأكبر بعد وقوع الخطأ؟!
الآثار والنتائج المرة للمعاكسات
قال أحد الشباب: نشأت كنباتٍ شيطاني في أسرة متدينة طيبة, بادئ الحياة في السهر, ومطاردة الفتيات, مهملاً الدراسة, تاركاً الصلاة, وكان والدي دائم الغضب عليَّ دون اكتراث مني, فبينما أنا أعيش حياة ماجنة بكل صخبها وآثامها، تعرفت على فتاة وجرت بيننا علاقة غرامية، مضت السنة الأولى من عمر علاقتنا وكل منا يزداد هياماً بالآخر, إلى أن كان ذات يوم والتقينا معاً, فكان الشيطان ثالثنا ولم نشعر بما فعلنا إلا بعد فوات الأوان، لا أدري ماذا أفعل أأهرب وأتركها لمصيرها أم أتزوجها؟ وماذا سيكون موقفي أمام الأهل والأصدقاء؟ تأمل هذه الحادثة وتلك العبارات الأخيرة, وسوف تجد فيها خلاصة الموضوع! فبعد أن فعل هذا المعاكس فعلته، أول ما فكر به هو الهرب, وعندما فكر أن يتزوجها تردد كثيراً وذلك خوفاً من موقفه أمام أهله وأصدقائه.إذاً: من الضحية والمتضرر الأكبر من جراء هذه الفاحشة العظيمة؟!لا شك أنها الفتاة.ولك أن تتصور حالها, وما وصلت إليه من السوء: كيف لو كانت حاملاً؟ ما الذي ستفعله؟! هل ستسعى إلى قتل الجنين الذي في بطنها؟! أو أنها تتركه يعيش وينمو في بطنها وهي تشعر بالكراهية والبغض له؛ لأنه غير شرعي؟! وإذا ولد يولد معه إحساسها بالذنب، كلما نظرت إليه وهو يشعر بالكراهية لها، تذكرت فعلتها السيئة التي كانت سبباً في وجوده!إنه مما لا شك فيه أن المرأة المحتشمة العفيفة، عندما تلد من زواج شرعي فإنها تحتضن ابنها وتضمه إلى صدرها، وتحس بالفخر والاعتزاز أن أباه فلان وخاله فلان وهي مرفوعة الرأس, ولكن هذه المرأة صاحبة الخطيئة هل تستطيع أن تحمل ابنها وتضمه إلى صدرها، وتفتخر به في أوساط النساء عندما يذكرن أبناءهن، وهو ابن غير شرعي؟!هل تستطيع أن تذكر أفعاله الطيبة وصفاته الحسنة؟!هل تستطيع أن تذكر بره وإحسانه؟!بالتأكيد لا تستطيع؛ لأنها كلما أرادت أن تذكر تلك الصفات, تغص بالكلمات، وتتذكر قبيح فعلتها وتسكت.. بل وربما خنقتها العبرات, وقامت من المجلس, بل ولعلها ستسعى إلى ما هو أشد من ذلك وأقبح, وذلك أنها إذا ولدت ألقته على باب أحد المساجد أو في مكان ما، ليجده المارة فيحملوه إلى دار اللقطة, فيعيش هناك ويكبر ويترعرع وهو لا يعرف أماً ولا أباً, يحمل حقداً وكراهيةً لمجتمعه وللناس الذين يعيش بينهم ، يعيش وقد عصفت بقلبه الهموم والأحزان، بسبب ذنب ارتكبته تلك المرأة اللاهية مع ذلك الرجل الفاجر في ساعة لهوٍ وعبثٍ, فكانت النتيجة طفلاً مسكيناً يتحطم قلبه في اليوم آلاف المرات, يتمنى أن يكون كالأطفال. يريد أن يعرف معنى كلمة أمي.. أبي.. التي حُرم منها ، يبحث عن حنان الأمومة وعطف الأُبوة ولكنه لا يجدهما, لم تكتف هذه المرأة بارتكابها تلك الفاحشة الآثمة، بل إنها زادت عليه ذلك الفعل المنكر والإثم العظيم، حين ألقت بذلك الطفل ظناً منها بأنها ستتخلص من آثار فعلتها. وهناك جانب آخر لهذه المرأة: فلو أنها لم تحمل في أحشائها ذلك الطفل، فهل يعني أنها نجت وكأن شيئاً لم يحدث؟! كلا! وذلك أن كثيراً من النساء، وبعد أن تقع في فاحشة الزنا, فإنها تخاف أن يفتضح أمرها، لأنها لم تعد بكراً كما كانت, فيؤدي بها ذلك بأن ترفض كل من يتقدم لطلب الزواج منها خوفاً من الفضيحة، فيثير ذلك استغراب أهلها ممِّن يعيشون حولها وهي تتقطع من الداخل, لأنها ترى أن البنات اللاتي في سنها، واللاتي هن أصغر منها تزوجن, وهي لا تزال جليسة البيت, رغم أنها في الظاهر لا ينقصها شيء مما عند النساء.ولكن هذه آثار الفاحشة التي جنتها على نفسها, وآثار تلك العلاقات المحرمة الكاذبة اللابسة لباس الحب كذباً وزوراً وبهتاناً, فكانت نتيجتها وقوع مثل هذه الضحايا.فأصبح الذل يمشي بين أظهرهم مشي الأمير وهم من حوله خدم كل ذلك بسبب فاحشة الزنا التي لا يعرف مرتكبها أبعادها، إلا حين الوقوع في مغبة أمره, وسوء فعله, فإذا سقط عرف أبعاد جريمته الشنيعة التي جرت الويلات عليه وعلى غيره ولات ساعة مندم ، كل ذلك كان بسبب فاحشة الزنا التي هي حقاً من أعظم الجرائم. فسبحان الله القائل: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32].