و ها نحن نتعايش من خلال تلك السطور مع قصة الصبر على البلاء .
إنها قصة تتكرر كل يوم ..إنه الصراع الدائم بين الايمان و الكفر .
إننا على موعد مع أول شهيدة في الاسلام ..تلكم المرأة الطاهرة التي خلد التاريخ ذكرها و
أعلى الاسلام قدرها و منزلتها .
إنها سمية بنت الخياط رضي الله عنها التي بشرها الحبيب صلى الله عليه و سلم بالجنة ,و يا
لها من بشرى يستعذب العذاب من أجلها.
فتعالوا بنا لنفتح الصفحة التي تحكي لنا قصة صبرها .
موعد مع السعادة
و تبدأ القصة عندما قدم ياسر – والد عمار- من اليمن إلى مكة ليبحثوا عن أخ لهم , و عندما لم يجدوه عادوا (الحارث و مالك) إلى مكة أما ياسر فلم يعد ..و قد حالف ياسر أبا حذيفة بن المغيرة المخزومي_كما تسنه عادة العرب_ و قد أحبه الرجل من أعماق قلبه فزوجه من أمة له تدعى "سمية بنت خياط".
و هي بطلة قصتنا التي لم يكن لها ذكر في مكة لكنها لم تكن تعلم أن الكون كله سيذكر اسمها بعد ذلك و أنها ستكون أول شهيدة في الاسلام و أنها ستكون من أهل الجنة ببشارة تخرج من فم الصادق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه و سلم.
و لما تزوج ياسر من سمية أنجبت له غلاما مباركا كان قرة عين لهما و هو عمار بن ياسر رضي الله عنهم جميعا.
شمس الاسلام..جنة الدنيا و الآخرة
وبعد قرون طويلة عاشتها البشرية في ظلمات الشرك و الجاهلية, وإذا بشمس الاسلام تشرق على أرض الجزيرة لتخرج الناس من ظلمات الجاهلية إلى أنوار التوحيد و الايمان ..و ما إن سمع عمار رضي الله عنه عن تلك الرسالة المحمدية حتى انفتح قلبه لنداء الايمان وسابقت أقدامه الرياح إلى دار الأرقم لينطق بقلبه و لسانه :أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله.
وعاد عمار إلى أبويه ليأخذ بأيديهما إلى جنة الدنيا التي ستثمر لهم النعيم في جنة الآخرة ..فعرض عليهما الاسلام و قرأ عليهما القرآنو إذا بتلك القلوب النقية الطاهرة تعتنق ديانة الهادي محمد عليه الصلاة و السلام.
سمية أول من أظهرت إسلامها من النساء .... صبر و احتساب
سمية رضي الله عنها أول من أظهرت إسلامها و استعذبت العذاب في سبيل الله جل و علا فقد كانت في طليعة المؤمنات الصادقات السابقات إلى الاسلام , فنالت السبق و فازت بالبشارة العظمى - الجنة-.
و ماهي إلا ساعات معدودة حتى طار خبر إسلام آل ياسر إلى "بني مخزوم" , فاستشاطوا غضبا و صبوا عليهم أشد العذاب.
فكانوا إذا حميت عليهم الظهيرة يأخذونهم إلى بطحاء مكة و يلبسونهم دروع الحديد , و يمنعون عنهم الماء و يصهرونهم في الشمس المحرقة و يصبون عليهم من جحيم العذاب ألوانا, حتى إذا بلغ منهم الجهد مبلغا أعادوا الكرة في اليوم الذي يليه .
و قد امتدح ابن عبد البر رحمه الله سمية و ذكر صبرها و ثباتها فقال:
"كانت سمية ممن عُذبت في الله و صبرت على الأذى في ذات الله و كانت من المبايعات الخيرات الفاضلات رحمها الله".
البشرى بالجنة
و ظل المشركون يعذبون سمية و زوجها ياسر و ابنها عمار رضي الله عنهم و هم يستعذبون العذاب في سبيل الله, و إذا بالحبيب صلى الله عليه و سلم يمر عليهم و يقول لهم :"أبشروا آل عمار فإن موعدكم الجنة"...لقد هبت رياح الجنة على قلوبهم فأطفأت نار العذاب في غمضة عين.
أول شهيدة في الإسلام
و كان أبو جهل الفاسق - الذي يغري بهم في رجال قريش – إن سمع برجل قد أسلم له شرف ومنعة, أنبه و خزاه, و قال: تركت دين أبيك و هو خير منك ,لنسفهن حلمك و لنفلين رأيك و لنضعن شرفك.و إن كان تاجرا قال: و الله لنكدسن تجارتك و لنهلكن مالك , و إن كان ضعيفا ضربه و ظظارى به.لعنه الله و قبحه.
و ظلت الصحابية الكريمة سمية رضي الله عنها تتحمل العذاب و تصبر على أذى أبي جهل صبر الأبطال, فلم تصبأ و لم تهن عزيمتها أو يضعف إيمانها الذي رفعها إلى مستوى الخالدات من النساء .
و بدأت المحنة تتحول إلى منحة ربانية بعد أن بشرهم النبي صلى الله عليه و سلم بالجنة, و هنا تقوم – أم عمار – سمية رضي الله عنها لتكتب بدمها سطورا من النور على جبين التاريخ لتكون أول شهيدة في الإسلام . و ذلك تعرض لها الهالك أبو جهل – عليه من الله ما يستحقه – موطن عفتها فقتلها.
قال مجاهد رحمه الله أول شهيدة في الإسلام أم عمار سمية طعنها أبو جهل بحربة في قُبلها.
و كان استشهاد سمية رضي الله عنها في السنة السابعة للهجرة فيا ليت نساء المسلمين يتخذن من سيرة الصحابية الجليلة مثلا يحتذيه في التضحية و الفداء, و الصبر و الصمود.
رضي الله تعالى عن سمية أم عمار, و رحم الله أول شهيدة في الإسلام , و أم أول من بنى مسجدا يُصلى فيه (عمار) و سلام عليك أيتها الأسرة الياسرية الصامدة , و الله تعالى المسؤول أن يعوضهم على صبرهم و جهادهم بجنة عرضها السماوات و الأرض , أعدت للمتقين, و ما ذلك على الله بعزيز.
العبر المستخلصة من قصة الصحابية سمية رضي الله عنها:
*ايمان بالرسالة و دخول التاريخ من الباب الواسع...
*صبر و احتساب على عذاب الكفار .. و النتيجة البشرى بالجنة..
*نيل شرف الشهادة
في أمان الله ... وجازاكم الله كل الخير ....
آخر تعديل: