الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد..
فقد قال النبي : "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".
وهذه جائزة كبرى؛ لأن من لا ذنب له فلا عقوبة عليه وقد سلمت له حسناته، ومن جاء يوم القيامة ولا ذنب عليه فهو السعيد حقًّا، قال تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185].
ولما كان قيام الليل والتهجد من أشق العبادات، ومن أعظمها أجرًا؛ فإنني جمعت -بحمد الله- مجموعة من التنبيهات التي تيسر لك القيام، بل قد تجعلك تقوم وأنت فرح مسرور سعيد، لا ترى أنك قد أُعطيت من قرة العين وفرحة القلب مثله.
1- تذكر أنك بحضرة الملك:
تذكر وأنت تقوم في الصلاة أنك بحضرة الملك الذي تناجيه ويناجيك، ويذكرك حال ذكرك له، فإن الله I قد قسم الصلاة بينه وبين عبده، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى عليَّ عبدي. وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي. وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
وتذكر أنك عندما تذكر الله في نفسك فإن الله يذكرك في نفسه، وتذكر أنك أقرب ما تكون من الله عندما تكون ساجدًا، وإذا تذكرت ذلك كله علمت أنك في مقام القرب، ومن كان في مقام القرب تنزلت عليه الرحمات والبركات. فأيُّ سعادةٍ هذه من يستشعر هذا الشعور!!
2- الصلاة أحسن عملك:
لا عمل للإنسان قط أشرف وأنفع من الصلاة، فأما عمل الدنيا فركعتان يركعهما العبد خير له من الدنيا كلها وما فيها، وهذه على الحقيقة واليقين. فقدِّر أنك لو كنت في عمل دنيوي يدر عليك ألف ألف (أي مليونًا) في عشر دقائق، فإنك بصلاة ركعتين قد حزت أكبر من ذلك وأفضل آلاف الآلاف من المرات، ولتكن موقنًا بذلك.
وأما عمل الآخرة فالصلاة أفضل العمل؛ لقوله : "الصلاة خير موضوع".
3- اتعب في الصلاة.. فالنصب مقصود:
النصب في الصلاة مقصود ومحبوب للرب فانصب في صلاتك: طولَ قيامٍ، وطولَ ركوعٍ وسجود؛ فإن الله لما أمر رسوله وأصحابه بقيام الليل قال لهم: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل: 5، 6].
فالتهجد وترك النوم ثقيل على النفس، والقيام الطويل متعب، ولكن اعلم أن هذا مقصود ومحبوب عند الله.
فلتحب ما يحب الله، وقد قال الله لرسوله: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7] أي: إذا فرغت من عمل الدنيا فانصب في العبادة، والنصب هو (التعب)؛ ومن أجل ذلك قام رسول الله حتى تفطرت قدماه.
4- إذا نصبت في الصلاة فاذكر الأسوة:
إذا نصبت في صلاتك فتذكر رسول الله الذي كان يقوم حتى تتفطر قدماه، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وتذكر قيام الصحابة والسلف الصالح فقد أتوا في هذا الباب من العجائب، فكان منهم من يقرأ القرآن كله في ثلاث ليالٍ فقط ويعيش على ذلك عمره كله، ومن يختم في سبع، ومن يختم في عشر... وكانوا كما قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17، 18].
وقال I أيضًا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16].
5– تفكر فيما تقول:
يجب أن تصلي وأنت حاضر القلب تفكر فيما تقول، وتتدبر ما تقرأ من القرآن، وما تسمع منه، وكان رسول الله عند قراءته لا تمر عليه آية فيها رحمة إلا وقف عندها وسأل الله، ولا تمر عليه آية فيها عذاب إلا وقف عندها واستعاذ بالله.
فتدبر معاني التسبيح والتحميد والتكبير، وكلمات تعظيم الرب وتمجيده وذكره.
6- أكثر من الطلب والدعاء:
أنت بحضرة الملك وتناجي الرب الذي لا ينقصه عطاء ولا يثقله دعاء، والذي كلما سألته ازددت منه قربًا، ولك حبًّا، فادع متضرعًا راجيًا حاضر القلب موقنًا بالإجابة.
7- لا تنتظر آخر السورة، ومتى يركع الإمام؟
عش مع القراءة، واحيا مع القرآن، وتدبر ما تقرأ أو تسمع، وعند ذلك يسهل عليك الصلاة ولو بقيت الليل كله، ولا تنتظر آخر السورة أو حتى يركع الإمام، فإنك إن فعلت ذلك ثقلت عليك الصلاة.
8- لا تلتفت إلى شيء خارج الصلاة:
فرغ قلبك من شغل الدنيا، ومن كل شيء سوى الصلاة، واشتغل وأنت في الصلاة بالصلاة وحدها، وكلما نزعك الشيطان من الصلاة إلى شيء خارجها فذكرك أمرًا ما، فاستعذ بالله من الشيطان وعد إلى صلاتك ثانية. وجاهد نفسك في هذا جهادًا؛ فإن الشيطان حريص كل الحرص أن يشوش عليك صلاتك، ويذكرك ما لم تكن تذكره، ويأخذك بعيدًا عنها.
9– طهر فاك.. ونظف ثيابك.. وتعطر.. وخذ أحسن زينتك:
لا تأت صلاة الليل إلا وأنت في أكمل الزينة، وأتم الطهارة والنظافة وأطيب رائحة تقدر عليها، بدءًا بتنظيف الفم بالسواك أو ما يقوم مقامه من فرشاة ومعجون، وإياك أن تصلي بفم ينبعث منه رائحة كريهة، فإنك بهذا تؤذي المؤمنين وتؤذي الملائكة التي تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم. وبهذا تكون محل السخط لا محل الرضا والقبول. وخذ أحسن ما عندك من الثياب، وقد كان السلف يحتفظون بأفضل ما يقدرون عليه من الثياب لقيام العشر من رمضان. وتطيب بأحسن ما قدرت عليه من الطيب، واعلم أن هذا كله محبوب لله، محبوب لملائكته، والله جميل يحب الجمال، طيب لا يقبل إلا طيبًا.
واعلم أن الاغتسال ونظافة الفم والثياب والطيب يشرح النفس ويبعث النشاط، وبالتالي يسهل عليك الصلاة ويطيب لك القيام.
10- لا تصل وأنت حاقن أو حاقب أو جائع تشتهي الطعام أو ناعسًا يغلبك النوم:
لا تأت الصلاة وهناك ما يشوش ذهنك ويصرف فكرك، وأعظم ما يشوش الذهن ويذهب الفكر أن تكون حاقنًا يدافعك البول، أو حاقبًا تدافع الغائط، أو جائعًا بحضرة طعام تشتهيه، وقد قال : "لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان". والأخبثان هو البول والغائط.
فيستحسن أن يستعد لصلاة القيام بالفراغ التام مما يشوش ذهنك، وبأن تتناول شيئًا من طعام يقيتك ولا يثقلك، وقد أخذت قسطًا من النوم استعدادًا للقيام، واحتسب نومتك كما تحتسب قومتك.
11- اخشع في صلاتك:
والخشوع يكون بسكون القلب وسكون الجوارح، فاحبس قلبك في الصلاة واحبس جوارحك على حركة الصلاة فقط قيامًا وركوعًا وسجودًا. ولتكن يداك حيث علمنا رسول الله في القيام والركوع والجلوس والسجود والتشهد، ولتكن عيناك ناظرة إلى موضع سجودك وفي جلوسك لا تتعدى ركبتك.. ولا تلتفت؛ فإن الالتفات سرقة يسرقها الشيطان من صلاتك، فلا تجعل للشيطان حظًا من صلاتك.
12- رتل القرآن وصلِّ خلف القارئ المجيد:
أمر الله رسوله أن يرتل القرآن في صلاة الليل، فقال I: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 1-4].
وترتيل القرآن بتجويده وإحسان قراءته وتحسين الصوت به.. وقد بينه النبي بقوله: "من لم يتغن بالقرآن فليس منا"، وقال: "الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا"، وقال: "ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن". فتغن بالقرآن في صلاة الليل، أو صل عند من يحسن القراءة ويتغنى بالقرآن ويضبط أحكام قراءته؛ فإن هذا أبهج للنفس وأقوى على القيام.
13- أخلص عملك لله:
واعلم أن ملاك ذلك كله أن تقوم لله لا مرائيًا بعملك؛ فإن المرائي لا يقدر من عمله على شيء، ولا يناله منه حسنة واحدة، ولم يستفد إلا نصبه وتعبه.
14- من كانت تنبعث منه رائحة كريهة فانصح له بالخروج من المسجد:
قال : "من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئًا فلا يقربَنَّ مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس"، وكانوا يُخرجون من المسجد من تُشم منه رائحة خبيثة.
فإذا رأيت من هو كذلك فانصح له بالخروج من المسجد؛ حتى لا يأثم ويؤذي عباد الله وملائكته.
15- ليلة القدر فرصة عُمر فلا تضع منك:
قيام ليلة القدر وحدها خير من قيام ليالي ألف شهر، أي أنها أفضل من أن تقوم ليالي ثلاث وثمانين سنة وشهرين. وهذا فضل عظيم عظيم لا يتصور مقداره، وقد تضاعفت فيه الحسنات ثلاثين ألف مرة.. فإياك وإضاعة ذلك.
وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان حتمًا، وفي لياليها الوتر (21- 23- 25- 27- 29) كما جاء به الحديث، وقد أعلم الله بها نبيه في المنام، ثم لما خرج ليخبر الناس بها كان هناك رجلان يتلاحيان (يستبان سبًّا شديدًا)، فانشغل النبي بذلك فنسيها، ثم قال : "هي في الليالي الوتر من العشر الأواخر".
فاستيقظ لها وأيقظ أهلك، وحتى أولادك المميزين، واخرج لصلاة الليل فيها في أحسن ثيابك وأكمل هيئتك، وأحسن عطرك، وكأن هذا يوم عرسك، فإن السموات كلها محتفلة والملائكة فيها نازلة، وجبريل في الأرض مع المؤمنين، قال تعالى :{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1- 5]. والروح هو جبريل.
فادخل هذا الحفل العظيم المشهود، وفز بالجائزة الكبرى.
ولا رثاء ولا عزاء للضائعين والضائعات والغافلين والغافلات، الذين أثروا الحياة مع الشهوات والتفاهات.
16- صل صلاة مودع كأنك تراه:
من جوامع كلمه : "صل صلاة مودع كأنك تراه". والمعنى: صلِّ وأنت تظن أن هذه الصلاة هي آخر عهدك بالدنيا، وأنت مرتحل بعدها إلى الآخرة، وصل كأنك ترى الله أمامك!!
17- صل قاعدًا أو على جنبك إن كنت لا تستطيع القيام ولك أجر القائم:
وذلك لقوله : "صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنبك".
18– صل قاعدًا في النفل وإن كنت تستطيع القيام ولك نصف أجر القائم:
إذا كنت تستطيع القيام وأحببت أن تصلي قاعدًا فلك نصف أجر القائم... قال : "من صلى قائمًا فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائمًا فله نصف أجر القاعد".
19- لا تخجل أن تصلي قاعدًا:
فإن هذا الخجل يحرمك أجرًا عظيمًا، فإن كنت معذورًا لا تستطيع القيام فلك الأجر كاملاً، وإن كنت تستطيع القيام وصليت في النفل جالسًا فلك نصف الأجر، فلا تحرم نفسك، ولا يمنعك الخجل من الناس من الأجر العظيم.
20- اجلس في المسجد وإن لم تستطع الصلاة:
إذا لم تستطع أن تصلي قائمًا ولا قاعدًا ولا مضطجعًا، فاشهد المسجد ودعوة المسلمين؛ فإن المكث في المسجد ولو بغير صلاة عبادة عظيمة، فإن الملائكة تصلي على من جلس في المسجد بعد الصلاة تدعو له وتقول: "اللهم اغفر له اللهم ارحمه".
فقد قال النبي : "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".
وهذه جائزة كبرى؛ لأن من لا ذنب له فلا عقوبة عليه وقد سلمت له حسناته، ومن جاء يوم القيامة ولا ذنب عليه فهو السعيد حقًّا، قال تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185].
ولما كان قيام الليل والتهجد من أشق العبادات، ومن أعظمها أجرًا؛ فإنني جمعت -بحمد الله- مجموعة من التنبيهات التي تيسر لك القيام، بل قد تجعلك تقوم وأنت فرح مسرور سعيد، لا ترى أنك قد أُعطيت من قرة العين وفرحة القلب مثله.
1- تذكر أنك بحضرة الملك:
تذكر وأنت تقوم في الصلاة أنك بحضرة الملك الذي تناجيه ويناجيك، ويذكرك حال ذكرك له، فإن الله I قد قسم الصلاة بينه وبين عبده، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى عليَّ عبدي. وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي. وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
وتذكر أنك عندما تذكر الله في نفسك فإن الله يذكرك في نفسه، وتذكر أنك أقرب ما تكون من الله عندما تكون ساجدًا، وإذا تذكرت ذلك كله علمت أنك في مقام القرب، ومن كان في مقام القرب تنزلت عليه الرحمات والبركات. فأيُّ سعادةٍ هذه من يستشعر هذا الشعور!!
2- الصلاة أحسن عملك:
لا عمل للإنسان قط أشرف وأنفع من الصلاة، فأما عمل الدنيا فركعتان يركعهما العبد خير له من الدنيا كلها وما فيها، وهذه على الحقيقة واليقين. فقدِّر أنك لو كنت في عمل دنيوي يدر عليك ألف ألف (أي مليونًا) في عشر دقائق، فإنك بصلاة ركعتين قد حزت أكبر من ذلك وأفضل آلاف الآلاف من المرات، ولتكن موقنًا بذلك.
وأما عمل الآخرة فالصلاة أفضل العمل؛ لقوله : "الصلاة خير موضوع".
3- اتعب في الصلاة.. فالنصب مقصود:
النصب في الصلاة مقصود ومحبوب للرب فانصب في صلاتك: طولَ قيامٍ، وطولَ ركوعٍ وسجود؛ فإن الله لما أمر رسوله وأصحابه بقيام الليل قال لهم: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل: 5، 6].
فالتهجد وترك النوم ثقيل على النفس، والقيام الطويل متعب، ولكن اعلم أن هذا مقصود ومحبوب عند الله.
فلتحب ما يحب الله، وقد قال الله لرسوله: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7] أي: إذا فرغت من عمل الدنيا فانصب في العبادة، والنصب هو (التعب)؛ ومن أجل ذلك قام رسول الله حتى تفطرت قدماه.
4- إذا نصبت في الصلاة فاذكر الأسوة:
إذا نصبت في صلاتك فتذكر رسول الله الذي كان يقوم حتى تتفطر قدماه، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وتذكر قيام الصحابة والسلف الصالح فقد أتوا في هذا الباب من العجائب، فكان منهم من يقرأ القرآن كله في ثلاث ليالٍ فقط ويعيش على ذلك عمره كله، ومن يختم في سبع، ومن يختم في عشر... وكانوا كما قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17، 18].
وقال I أيضًا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16].
5– تفكر فيما تقول:
يجب أن تصلي وأنت حاضر القلب تفكر فيما تقول، وتتدبر ما تقرأ من القرآن، وما تسمع منه، وكان رسول الله عند قراءته لا تمر عليه آية فيها رحمة إلا وقف عندها وسأل الله، ولا تمر عليه آية فيها عذاب إلا وقف عندها واستعاذ بالله.
فتدبر معاني التسبيح والتحميد والتكبير، وكلمات تعظيم الرب وتمجيده وذكره.
6- أكثر من الطلب والدعاء:
أنت بحضرة الملك وتناجي الرب الذي لا ينقصه عطاء ولا يثقله دعاء، والذي كلما سألته ازددت منه قربًا، ولك حبًّا، فادع متضرعًا راجيًا حاضر القلب موقنًا بالإجابة.
7- لا تنتظر آخر السورة، ومتى يركع الإمام؟
عش مع القراءة، واحيا مع القرآن، وتدبر ما تقرأ أو تسمع، وعند ذلك يسهل عليك الصلاة ولو بقيت الليل كله، ولا تنتظر آخر السورة أو حتى يركع الإمام، فإنك إن فعلت ذلك ثقلت عليك الصلاة.
8- لا تلتفت إلى شيء خارج الصلاة:
فرغ قلبك من شغل الدنيا، ومن كل شيء سوى الصلاة، واشتغل وأنت في الصلاة بالصلاة وحدها، وكلما نزعك الشيطان من الصلاة إلى شيء خارجها فذكرك أمرًا ما، فاستعذ بالله من الشيطان وعد إلى صلاتك ثانية. وجاهد نفسك في هذا جهادًا؛ فإن الشيطان حريص كل الحرص أن يشوش عليك صلاتك، ويذكرك ما لم تكن تذكره، ويأخذك بعيدًا عنها.
9– طهر فاك.. ونظف ثيابك.. وتعطر.. وخذ أحسن زينتك:
لا تأت صلاة الليل إلا وأنت في أكمل الزينة، وأتم الطهارة والنظافة وأطيب رائحة تقدر عليها، بدءًا بتنظيف الفم بالسواك أو ما يقوم مقامه من فرشاة ومعجون، وإياك أن تصلي بفم ينبعث منه رائحة كريهة، فإنك بهذا تؤذي المؤمنين وتؤذي الملائكة التي تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم. وبهذا تكون محل السخط لا محل الرضا والقبول. وخذ أحسن ما عندك من الثياب، وقد كان السلف يحتفظون بأفضل ما يقدرون عليه من الثياب لقيام العشر من رمضان. وتطيب بأحسن ما قدرت عليه من الطيب، واعلم أن هذا كله محبوب لله، محبوب لملائكته، والله جميل يحب الجمال، طيب لا يقبل إلا طيبًا.
واعلم أن الاغتسال ونظافة الفم والثياب والطيب يشرح النفس ويبعث النشاط، وبالتالي يسهل عليك الصلاة ويطيب لك القيام.
10- لا تصل وأنت حاقن أو حاقب أو جائع تشتهي الطعام أو ناعسًا يغلبك النوم:
لا تأت الصلاة وهناك ما يشوش ذهنك ويصرف فكرك، وأعظم ما يشوش الذهن ويذهب الفكر أن تكون حاقنًا يدافعك البول، أو حاقبًا تدافع الغائط، أو جائعًا بحضرة طعام تشتهيه، وقد قال : "لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان". والأخبثان هو البول والغائط.
فيستحسن أن يستعد لصلاة القيام بالفراغ التام مما يشوش ذهنك، وبأن تتناول شيئًا من طعام يقيتك ولا يثقلك، وقد أخذت قسطًا من النوم استعدادًا للقيام، واحتسب نومتك كما تحتسب قومتك.
11- اخشع في صلاتك:
والخشوع يكون بسكون القلب وسكون الجوارح، فاحبس قلبك في الصلاة واحبس جوارحك على حركة الصلاة فقط قيامًا وركوعًا وسجودًا. ولتكن يداك حيث علمنا رسول الله في القيام والركوع والجلوس والسجود والتشهد، ولتكن عيناك ناظرة إلى موضع سجودك وفي جلوسك لا تتعدى ركبتك.. ولا تلتفت؛ فإن الالتفات سرقة يسرقها الشيطان من صلاتك، فلا تجعل للشيطان حظًا من صلاتك.
12- رتل القرآن وصلِّ خلف القارئ المجيد:
أمر الله رسوله أن يرتل القرآن في صلاة الليل، فقال I: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 1-4].
وترتيل القرآن بتجويده وإحسان قراءته وتحسين الصوت به.. وقد بينه النبي بقوله: "من لم يتغن بالقرآن فليس منا"، وقال: "الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا"، وقال: "ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن". فتغن بالقرآن في صلاة الليل، أو صل عند من يحسن القراءة ويتغنى بالقرآن ويضبط أحكام قراءته؛ فإن هذا أبهج للنفس وأقوى على القيام.
13- أخلص عملك لله:
واعلم أن ملاك ذلك كله أن تقوم لله لا مرائيًا بعملك؛ فإن المرائي لا يقدر من عمله على شيء، ولا يناله منه حسنة واحدة، ولم يستفد إلا نصبه وتعبه.
14- من كانت تنبعث منه رائحة كريهة فانصح له بالخروج من المسجد:
قال : "من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئًا فلا يقربَنَّ مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس"، وكانوا يُخرجون من المسجد من تُشم منه رائحة خبيثة.
فإذا رأيت من هو كذلك فانصح له بالخروج من المسجد؛ حتى لا يأثم ويؤذي عباد الله وملائكته.
15- ليلة القدر فرصة عُمر فلا تضع منك:
قيام ليلة القدر وحدها خير من قيام ليالي ألف شهر، أي أنها أفضل من أن تقوم ليالي ثلاث وثمانين سنة وشهرين. وهذا فضل عظيم عظيم لا يتصور مقداره، وقد تضاعفت فيه الحسنات ثلاثين ألف مرة.. فإياك وإضاعة ذلك.
وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان حتمًا، وفي لياليها الوتر (21- 23- 25- 27- 29) كما جاء به الحديث، وقد أعلم الله بها نبيه في المنام، ثم لما خرج ليخبر الناس بها كان هناك رجلان يتلاحيان (يستبان سبًّا شديدًا)، فانشغل النبي بذلك فنسيها، ثم قال : "هي في الليالي الوتر من العشر الأواخر".
فاستيقظ لها وأيقظ أهلك، وحتى أولادك المميزين، واخرج لصلاة الليل فيها في أحسن ثيابك وأكمل هيئتك، وأحسن عطرك، وكأن هذا يوم عرسك، فإن السموات كلها محتفلة والملائكة فيها نازلة، وجبريل في الأرض مع المؤمنين، قال تعالى :{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1- 5]. والروح هو جبريل.
فادخل هذا الحفل العظيم المشهود، وفز بالجائزة الكبرى.
ولا رثاء ولا عزاء للضائعين والضائعات والغافلين والغافلات، الذين أثروا الحياة مع الشهوات والتفاهات.
16- صل صلاة مودع كأنك تراه:
من جوامع كلمه : "صل صلاة مودع كأنك تراه". والمعنى: صلِّ وأنت تظن أن هذه الصلاة هي آخر عهدك بالدنيا، وأنت مرتحل بعدها إلى الآخرة، وصل كأنك ترى الله أمامك!!
17- صل قاعدًا أو على جنبك إن كنت لا تستطيع القيام ولك أجر القائم:
وذلك لقوله : "صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنبك".
18– صل قاعدًا في النفل وإن كنت تستطيع القيام ولك نصف أجر القائم:
إذا كنت تستطيع القيام وأحببت أن تصلي قاعدًا فلك نصف أجر القائم... قال : "من صلى قائمًا فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائمًا فله نصف أجر القاعد".
19- لا تخجل أن تصلي قاعدًا:
فإن هذا الخجل يحرمك أجرًا عظيمًا، فإن كنت معذورًا لا تستطيع القيام فلك الأجر كاملاً، وإن كنت تستطيع القيام وصليت في النفل جالسًا فلك نصف الأجر، فلا تحرم نفسك، ولا يمنعك الخجل من الناس من الأجر العظيم.
20- اجلس في المسجد وإن لم تستطع الصلاة:
إذا لم تستطع أن تصلي قائمًا ولا قاعدًا ولا مضطجعًا، فاشهد المسجد ودعوة المسلمين؛ فإن المكث في المسجد ولو بغير صلاة عبادة عظيمة، فإن الملائكة تصلي على من جلس في المسجد بعد الصلاة تدعو له وتقول: "اللهم اغفر له اللهم ارحمه".