نشأة الدساتير

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

ريحانة الجزائر2

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
14 نوفمبر 2007
المشاركات
3,790
نقاط التفاعل
7
النقاط
157
تنشأ الدساتير بأساليب مختلفة ومتعددة، وقبل التعرض لأساليب نشأتها يتوجب علينا بحث تاريخ، مكان وأسباب ظهورها والتطور الذي عرفته بفعل تزايد مهام الدولة.
1. تاريخ ومكان ظهور أول دستور:
إذا رجعنا لتاريخ العالم الإسلامي نجد أن أول دستور عرف بالمفهوم الفني الحديث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ويعرف "بالصحيفة"، تلك الوثيقة التي أعدها رسول الإسلام لتنظيم أحوال دولة المدينة بعد أن انتقل إليها من مكة.
البعض يرى بأن الحركة الدستورية أو أول بداية لظهور الدستور تعود إلى القرن الثالث عشر وبالتحديد سنة 1215 عندما منح الملك جان ستير الميثاق الأعظم للنبلاء الإنجليز الثائرين عليه. والبعض الآخر يؤكدون بأن تاريخ ظهور الحركة الدستورية الأولى بدأت تظهر معالمها في القرن السابع عشر عندما وضع الجناح المؤيد لكروم ويل في المجلس العسكري دستورا، وان كان البرلمان وكروم ويل ذاته لم يساندا ذلك المشروع فبقي كذلك بحيث لم يعرض على الشعب، وان كانت بعض نصوصه اعتمدت فيما بعد لتنظيم السلطة وعادت فيما بعد مصدرا لتنظيم السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية(1).
أما أول الدساتير المكتوبة ظهرت في المستعمرات البريطانية بأمريكا الشمالية كرد فعل للانفصال عن إنكلترا، فأول دستور عرفه العالم الغربي في ولاية فرجينيا دستور جوان 1776، وقد سابقه الإعلان للحقوق الذي يعتبر القاعدة الأساسية لأي حكومة في فرجينيا، ثم تلى ذلك في عام 1781 صدور دستور الاتحاد التعاهدي، وفي عام 1787 صدر الدستور الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية. فالمثل الأمريكي كان سببا لإقتداء العديد من الدول به كفرنسا مثلا، عرفت أول دستور مكتوب عام 1791، وقد سبقها قبل ذلك إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي صدقت عليه الجمعية الوطنية في أوت 1789. فقد أصبحت الدساتير المكتوبة من خصائص الدول الحديثة، نتيجة لرواج الأفكار الديمقراطية والحركات السياسية التي نادت بمبدأ السيادة الشعبية، وبلورة فكرة العقد الاجتماعي، ومبدأ الفصل بين السلطات...أمام هذه المزايا العديدة انتقات فكرة الدساتير المكتوبة إلى العديد من الدول الأوروبية، فصدر دستور السويد سنة 1809، والنرويج وبلجيكا سنة 1831، وعلى إثر الحرب العالمية الأولى، زاد انتشار الدساتير المكتوبة كنتيجة منطقية للحد من التعسف في استعمال السلطة فصدر دستور روسيا يوم 10 يوليو 1918، فدستور تركيا 1924ودستور النمسا 1 أكتوبر 1920 (1).
2. أسباب ودوافع وضع الدساتير:
إن انهيار الحكم الملكي المطلق بعد الثورات الأوربية وسيطرة البرجوازية على السلطة إلى جانب ظهور فكرة القومية وانحسار الاستعمار كانت من الأسباب والدوافع الرئيسية في دسترة أنظمة الحكم، وكان غرض شعوب تلك الأنظمة إثبات سيادتها الداخلية واستقلاليتها، وذلك بواسطة تنظيم الحياة السياسية بوضع دستور يبين السلطات وعلاقاتها في الدولة الجديدة وعلاقاتها بالمحكومين والدول الأخرى. وأن هذه الدول بوضع الدستور تؤهل نفسها لإقامة حوار بين السلطة والحرية فكأنها تعلن للغير بأنها وصلت إلى مرحلة النضج السياسي، ولها الحق في الانضمام للمجتمع الدولي(2). وكما أشرنا سابقا على إثر الحرب العالمية الأولى، زاد انتشار الدساتير المكتوبة كنتيجة منطقية، بحيث حددت اختصاصات الحكام ومدى السلطات التي تحت أيديهم والواجبات المفروضة عليهم حتى لا تتكرر نفس التجربة (التعسف في استعمال السلطة)، كما أن حركة التحرر، ساهمت بشكل فعال في انتشار هذه الظاهرة، بالأخص إذا علمنا أن أغلب هذه الدول تفتقر إلى رصيد دستوري، كانعدام حياة دستورية سابقة..أو عدم وجود أعراف سابقة..كل هذا كان سببا مباشرا لوضع دستور مكتوب الى جانب ضرورة اقتناء وتدوين وثيقة دستورية للإنضمام في المجتمع الدولي مثل غينيا قد اعلن عن استقلالها يوم 02 أكتوبر 1958، وفي ذلك الوقت كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة منعقدة، ولكي يضمن الرئيس سيكوتوري الحصول على الموافقة، أصدر دستور في 10 نوفمبر 1958، واعلنت الأمم المتحدة عن قبولها كعضو في 12 نوفمبر 1958. وفي الكويت دستور 1962 إذ كانت قد قبلت في جامعة الدول العربية في 30 يوليو 1961 بمجرد اعلان استقلالها في 19 يونيو 1961، فإنها لم تقبل في المم المتحدة ولم تنظم الى المجتمع الدولي إلا في 14 مايو 1963 أي بعد صدور دستورها في 11 نوفمبر 1962، وإذا كانت حركة الدساتير المكتوبة قد سادت الدول العربية، إلا أن بعض دول الخليج تفتقر إلى دستور مكتوب ولا يوجد فيها دستور مدون على نسق الدساتير المعاصرة(3).

أساليب وضع الدساتير:
ليس هناك قواعد مسلم بها لوضع دستور دولة ما ، فتختلف الطرق المتبعة باختلاف الدولة ودرجة النضج السياسي لدى الرأي العام فيها. وقد يلعب الأسلوب الذي يتبع في وضع الدستور دوراً هاما في كشف المذهب السياسي الذي ينطوي عليه. وقد أجمع فقهاء القانون الدستوري على أن الدساتير تنشأ بأساليب أربعة على التفصيل التالي:
أولا: أسلوب المنحة:
في المراحل الأولى من حياة الدول كان الحكام أياً كانوا ملوكاً أو غير ذلك ينفردون وحدهم بتملك وممارسة السلطة وفي مستهلها السلطة التأسيسية سواء من الناحية القانونية أو من الناحية الفعلية ، فقد يحدث أن يخشى هؤلاء الحكام وفقاً لما يستشفونه من اتجاهات التغيير والتيارات السياسية السائدة في مجتمعاتهم من أن يسـتأثروا بالسلطة التأسيسية وينفردوا بها في المجتمع ، ولذا قاموا بإصدار دساتير من جانبهم تتضمن في ظاهرها نصوصاً تحد من سلطاتهم وترسم قيوداً عليها لصالح شعوبهم، ليظهروا بمظهر المتفضل عليها، حتى وإن كانت تيارات التغيير قد أجبرتهم بحكم الواقع على اتباع مثل هذا المنهج تفادياً للضغوط السياسية والاضطرابات الشعبية والثورات، فينزلون عند إرادة الشعب مكرهين ، ولذا أطلق على هذا الأسلوب لنشأة الدستور أسلوب المنحة.

والجدير بالذكر هنا أن اسلوب نشأة الدساتير عن طريق المنحة قد عفى عليه الزمن واندثر تماما،ً لما فيه من عيوب، أولها أنه من حق صاحب السلطان إلغاء ما أصدره ومنحه من حق دستوري لشعبه لاعتقاده القوي في القول السائد بأن من يملك المنح يملك المنع ، وثانيها ما ينطوي عليه أسلوب المنحة من تجريح وإهانة واستخفاف للشعوب المخاطبة بهذا الأسلوب . وقد أحيا القذافي هذا الأسلوب ولكن بشكل مختلف تماماً وبأدوات غير شرعية تجعل ما أراد إحياءه قد كتب له الممات العاجل، كما سيأتي شرحه وبيان أسبابه.
هذا ويعتبر من قبيل المنحة الدستور المؤقت الذي تصدره حكومة فعلية أو حكومة قانونية، فقد يحدث أن يصدر إعلاناً دستورياً مؤقتاً يسري تطبيقه إلى أن يتم وضع دستور دائم من قبل الهيئة المخولة بذلك، ثم إقراره من الشعب في استفتاء عام، وهدف ذلك هو عدم جحود مبدأ السيادة الشعبية وتحقيق نوع من الضبط لأداء وممارسة السلطة القائمة، ويعتبر هذا الترتيب جزء من ترتيبات مرحلة انتقالية. وبغض النظر عن شرعية قيام انقلاب سبتمبر 1969م فقد أصدر مجلس قيادة الانقلاب بتاريخ 11 سبتمبر 1969م ، إعلانا دستورياً مؤقتاً ، نص في افتتاحيته على العمل به مؤقتاً حتى يتم إعداد دستور دائم يحدد أهداف " الثورة" وقد نصت على ذلك أيضاً المادة 37 من الإعلان الدستوري المؤقت لعام 1969م. التي أوجبت سريانه حتى إصدار الدستور الدائم . ولكن لم يكتب ميلاد أي دستور دائم ينظم أساس الحكم وأدوات السلطة في ليبيا لأسباب سيأتي بيانها.
ثانيا: أسلوب التعاقد:
يمثل هذا الأسلوب خطوة إلى الأمام في الطريق نحو الحرية والديمقراطية والتقدم الديمقراطي، وهذا الأسلوب أملته الاعتبارات الجديدة التي ظهرت في مرحلة تالية من نضال الشعوب من أجل الحقوق والحريات العامة، وتحطيم شوكة الحكم المطلق والوقوف ضد استبداد السطلة المطلقة ومحاربتها المتمثلة في استبداد الملوك والأمراء وأصحاب السلطان المطلق وقادة الانقلابات العسكرية. ووفقاً لأسلوب التعاقد كمنشأ للدستور يظهر الشعب كعنصر مكافئ في عقد أو تعاقد ينتج نصا دستوريا. فالمرجع الأساسي دائماً للتغيرات السياسية في الحكم لبلد ما هو الشعب . فهو المحرك والمناضل من أجل المناداة بحقوقه المقررة بغية التمتع بها في جو ديمقراطي حر. هذا التحرك على مستوى القاعدة الشعبية إذا ما صاحبه وعي سياسي لديها، غالباً ما يكون مدعاة لإذعان الحاكم -لسبب أو لآخر- لتيارات التغير واتجاهات الشعب لتمثيل حريته والمشاركة في حكم نفسه بنفسه وإقرارً بالحاجة الماسة إلى التغيير. ويرى أصحاب هذا الرأي بوجود اتفاق بين الحاكم ورعيته على صدور الدستور بهذا الأسلوب التعاقدي، وبذلك تضمن الرعية عدم إقدام الحاكم على إلغائه أو تعديله، والسبب في ذلك يرجع إلى أن الدستور ولد نتيجة لتلاقي إرادتين واتفاقهما في صورة عقد، والعقد – وفقاً للقاعدة الثابتة – شريعة المتعاقدين لا يجوز نقضه أو إلغاؤه أو تعديله إلا بإرادة طرفيه.
وتعد نشأة الدستور استناداً على هذا التصور السياسي المخالف للواقع أمراً غير مقبول، إذ يفترض أن كلا طرفي العقد قد منح فرصة لمناقشة شروطه، ولذا فإنه يملك حرية توقيعه أو رفض جزء منه أو رفضه بالكامل. ولذا يمكن أن يفسر قبول الحاكم للدستور الذي تجلت فيه إرادة الشعب، أنه ليس له -أي الحاكم- الخيار في قبوله أو عدم قبوله، وإنما وجب عليه الالتزام به وفق ما أعده ممثلي الشعب، واحترامه والعمل بموجبه، لقضاء ما تبقى له من سلطه ولضمان استمراره في السلطة.
ثالثا: أسلوب الجمعية التأسيسية:
تعد نشأة الدساتير وفقاً لهذا الأسلوب منطلقة من مبدأ السيادة الشعبية ، كما ينظر إليه أيضاً على أنه من الأساليب الديمقراطية لخلق الدساتير حيث يمثل مرحلة أكثر تقدماً في نضال الشعوب ضد الحاكم المطلق.
ويصدر الدستور وفقاً لأسلوب الجمعية التأسيسية من مجلس أو جمعية تنتخب بصفة خاصة من الشعب ونيابة عنه، يعهد إليها بمهام وضع وإصدار دستور جديد يصبح واجب النفاذ. ولذا فإن هذه الجمعية التأسيسية أو كما يطلق عليها البعض اسم الجمعية النيابية التأسيسية هي في الواقع تجمع كل السلطات في الدولة فهي سلطة تأسيسية تشريعية وتنفيذية . وهذا الأسلوب في وضع الدساتير هو الذي تم اتباعه في وضع معظم الدساتير التي ظهرت عقب الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. وقد اعتمد رجال الثورة الفرنسية هذا الأسلوب الذي نشأ لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية عقب استقلالها من إنجلترا عام 1776م كما اتخذته أمريكا أسلوباً في وضع وإقرار دستورها الاتحادي.
رابعا: أسلوب الاستفتاء الشعبي أو الاستفتاء الدستوري.
ينشأ الدستور وفقاً لهذا الأسلوب من خلال الإرادة الشعبية الحرة ، إذ يفترض أن يقوم الشعب أو يشترك بنفسه في مباشرة السلطة التأسيسية، الذي يحقق غرضين رئيسين هما:

أولاً : أخذ رأي الشعب في مسألة جوهرية يترتب عليها وضع الدستور.
ثانيا: أخذ رأي الشعب في إقرار أو عدم إقرار مشروع الدستور الذي قامت بوضعه جمعية تأسيسية نيابة عنه. فالدستور إذن لا يستكمل وجوده قانونا ويصبح نافذاً إلا إذا عرض على الشعب واقترن بتصديقه، علماً بأنه ليس بلازم أن تقوم بوضع الدستور -المراد الاستفتاء عليه- جميعة تأسيسية نيابية ، وإنما يفترض أن تكون هناك هيئة أو جمعية أو لجنة أو شخصية ، قد أسند إليها وقامت بالفعل بإعداد مشروع الدستور، كما حدث بالنسبة لبعض دساتير العالم. ولا يختلف الأمر إذا كانت هذه الجمعية أو اللجنة التحضيرية للدستور منتخبة أو معينة، إذ تقتصر مهمتها على مجرد تحضير الدستور فحسب تمهيداً لعرضه على الشعب للاستفتاء عليه بالموافقة أو بالرفض ، ويعتبر تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء هو الفيصل في بدء سريان الدستور والعمل بأحكامه.

من هذا العرض الموجز لأساليب نشأة الدساتير يمكننا التعليق عليها بالتالي أن نشأة الدساتير قد تتباين وفقاً للظروف التي يوجد فيها كل دستور ، وهذا بالتالي يعتمد على النظام السياسي القائم ونوع الحكم السائد في البلاد . ويجب الأخذ بعين الاعتبار عند البدء في وضع مسودة الدستور تجنب الاعتماد على أسلوب أو اصطلاحات معينة ومحددة مثل أساليب العقد أو التعاقد أو المنحة، وينبغي أن ينصب جهد اللجنة التأسيسية على دراسة حقائق نشأة الدستور في ضوء الظروف السياسية التي صاحبت نشأته في المجتمع. والثابت فقهاً أن أسلوب الاستفتاء الشعبي لا يكون إلا بشأن موضوع محدد لإقراره، ومثاله الاستفتاء بشأن تغيير شكل نظام الحكم أو الاستفتاء على مشروع الدستور. أما الاستفتاء على شخص معين ، فقد أجمع فقهاء القانون الدستوري على أن يقع باطلا وهو تصرف غير جائز قانوناً، كما حدث في مصر وبعض الأنظمة العربية حول الاستفتاء على شخص رئيس الجمهورية . إذ ينبغي قانوناً أن يكون الانتخاب المباشر من الشعب هو الأداة الشرعية لاختياره حتى يكون حكمه للبلاد شرعياً غير مزيف، وكذلك لتصرفاته القانونية المتعلقة بتسيير سياسة البلاد وحكمها. وتتحقق شرعية انتخاب رئيس الجمهورية بطبيعة الأمر ظهور أكثر من مرشح للرئاسة حتى تتاح للشعب فرصة الاختيار. أما استحواذ شخص واحد على سلطة الحكم في البلاد والاستفتاء عليه بنعم أو لا ، فهو من جهة يعد استفتاء غير مشروع كأداة لانتخاب رئيس الدولة ، وبه أيضاً تنعدم إرادة الشعب في الاختيار الحر بالانتخاب
طرق وضع الدساتير الجزائرية
بعد أن تناولنا في هذه الدراسة أساليب نشأة الدساتير بصفة عامة، يصبح لزاماً أن نقدم نبذة موجزة عن تطور الدساتير الجزائرية ونشأته التي بدأت مراحلها عقب انتهاء الاستعمار الفرنسي الغاشم للجزائر، وجلاء قواته عن أراضيها. خلال ثلاثين سنة من الاستقلال عرفت الجزائر حياة دستورية مضطربة بين المشروعية والشرعية ازدادت تأزما بعد الثمانينات، ففكرة إنشاء المجلس الدستوري الجزائري تعود إلى ما بعد الاستقلال مباشرة، حيث تبناها المؤسس الدستوري في أول دستور للجمهورية الجزائرية، وهو الدستور الصادر في 08 سبتمبر 1963 وذلك تأثرا بالنظام القانوني الفرنسي، الذي يتبنى نظام الرقابة على دستورية القوانين عن طريق المجلس الدستوري. أما في الجزائر فقد عرفت دستورين برامج مشحونين بالإيديولوجية الاشتراكية سنة (1963 – 1976) ودستور قانون سنة (1989) وتعديل لهذا الأخير سنة (1996)، ويرجع ذلك إلى تباين الأوضاع السياسية والاقتصادية والقانونية لكل مرحلة من مراحل التجربة الدستورية الجزائرية، وخاصة في الفترة الممتدة بعد أحداث أكتوبر 1989. سنحاول التعرض لكل مرحلة.
1. دستور 08 سبتمبر 1963:
دستور 1963 كان دستور برنامج، أي ذلك الدستور الذي يغلب عليه الطابع الإيديولوجي على الجانب القانوني، ويعرف في الأنظمة الاشتراكية، فالدستور في هذه الحالة يكرس الاشتراكية ويحددها هدفا ينبغي تحقيقه، كما يحدد وسائل تحقيقها ويكرس أيضا هيمنة الحزب الحاكم، ومع ذلك كله فإنه يتناول الجوانب القانونية المتعلقة بتنظيم السلطة كما يبين حقوق وحريات الأفراد ومجالاتها.
وضع دستور 1963 كان من اختصاصات المجلس التأسيسي المنشئ بحكم اتفاقية افيان، إلا أن الرئيس "أحمد بن بلة" تملص عن هدا المبدأ بإعطاء الضوء الأخضر للمكتب السياسي في مناقشة وتقويم مشروع دستور في جويلية 1963، وعرضه على المجلس التأسيسي للتصويت عليه، ثم تقديمه للاستفتاء الشعبي في سبتمبر 1963، وإصداره في 08 سبتمبر 1963، فرغم أن المشرع الجزائري أخذ بالطريقة الديمقراطية (الجمعية التأسيسية والاستفتاء) إلا أن هذه الطريقة يشوبها العديد من المخالفات، كمناقشة الدستور على المستوى الحزبي، مما تبعه سلسلة من الاستقالات على مستوى المجلس التأسيسي (فرحات عباس، حسين آيت أحمد...) (1).
بالرجوع إلى دستور 1963 نجد أن المادة 63 منه تنص على مايلي: "يتألف المجلس الدستوري من الرئيس الأول للمحكمة العليا ورئيس الغرفتين المدنية والإدارية في المحكمة العليا وثلاث نواب يعينهم المجلس الوطني الشعبي وعضو يعينه رئيس الجمهورية". ومن المعلوم أن هذا المجلس لم يشكل ليمارس نشاطه، وذلك نظرا لما عرفته الجزائر آنذاك من أحداث وعدم الاستقرار، حيث أن الصراع من أجل السلطة كان على أشده مما لم يسمح بتشكيل هذا المجلس، وما أحداث الانقلاب الذي عرفته الجزائر في 19 جوان 1965 والذي أطلق عليه اسم التصحيح الثوري، حيث جمد الدستور فور استيلاء الثورة على السلطة وحل محله أمر: 10 جويلية 1965، وما ينبغي معرفته من خلال نص المادة السالفة الذكر هو طريقة التشكيل العضوي لهذا المجلس، حيث نلاحظ أنه مزيج بين رجال السياسة ورجال القانون، أي أن المجلس الدستوري الجزائري آنذاك كان ذو طبيعة مختلطة قضائية وسياسية، تضم رجالا تابعين لسلك القضاء وأعضاء آخرين بالتمثيل السياسي.
2. دستور 22 نوفمبر 1976:
حاولت جماعة 19 جوان 1965 تأسيس نظام سياسي مدستر، فأصدرت نصين، إحداهما ذو طابع سياسي إيديولوجي هو "الميثاق الوطني"-أعتبر بمثابة عقد بين الحاكم والمحكومين، إذ تضمن المحاور الكبرى لبناء المجتمع الاشتراكي وحدد الحزب الواحد، ووحدة القيادة السياسية للحزب والدولة- والثاني يعتبر تكريسا قانونيا للأول وهو "الدستور"(1). وضع دستور 1976 جاء بعد إصدار القيادة في الجريدة الرسمية –المرقمة 58 والمؤرخة في 13 جويلية 1965- عزمها على استصدار دستور فتشكلت لجنة حكومية لصياغة نص الدستور وتقديمه للاستفتاء الدستوري يوم 19 نوفمبر 1976، وتمت الموافقة عليه و أصدر في 22 نوفمبر 1976. وكان إقرار الميثاق الوطني سابق له، فقد تم إعداد المشروع التمهيدي على مستوى مجلس الثورة والحكومة، وفتحت المناقشة العامة خلال شهري ماي وجوان.
إن الرقابة على دستورية القوانين تعد أهم وسيلة لضمان احترام الدستور، غير أن دستور 1976 لم يعتمد على هذا النظام بالرغم من المطالب العديدة أثناء مناقشته الدستور والميثاق الوطني، وإثرائه في مؤتمرات حزب جبهة التحرير الوطني بشأن إحداث هيئة دستورية تتولى السهر على احترام أحكام الدستور، إلا أن البعض قد رأى عدم إنشاء تلك الهيئة وهذا تجنبا للإكثار من مؤسسات الرقابة حتى يمكن تفادي تداخل اختصاصاتها وعدم فاعليتها، كما أن وجودها قد يؤدي لا محالة إلى عرقلة أعمال السلطة في ذلك الوقت لم يكن يؤخذ بمبدأ الفصل بين السلطات، وإنما بوحدة السلطة ولذلك فإنشاء مثل هذه الهيئة يحد من حرية المشروع وينازعه في أعماله، كما أن هناك من لا يعترف بوجود هذه الهيئة للاختفاء وراء السلطة الثورية لتبرير تصرفاتهم غير الشرعية وهذا ما يجعل من القانون أداة في يد فئة تستخدمه لتغطية تصرفاتها.
3. دستور 23 فيفري 1989:
بالنسبة لهذا الدستور فإنه لم يكن وليد ظروف عادية، وإنما لتلبية مطالب عديدة جسدتها أحداث أكتوبر التي جاءت كرد فعل لأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية مزرية، أدت فقد أغلبية الشعب الثقة في السلطة ولأجل ذلك وحفاظا على مؤسسات الدولة فقام رئيس الجمهورية بفتح باب الحوار وطرح القضايا الأساسية على الشعب للفصل بكل ديمقراطية كما وعد بالقيام بإصلاحات سياسية ودستورية، ومنها دستور 23 فيفري 1989 الذي كرس مبدأ التعددية الحزبية، واقتصر على ذكر الجوانب القانونية المتعلقة بتنظيم السلطة وتحديد صلاحياتها وتكريس نظام الحريات وحقوق الأفراد، هذا الدستور الذي تبنى فكرة الرقابة بعد أن أهملها الدستور السابق أي 1976 وهو بذلك يتفق مع دستور 1963.
تم الإعلان عن المشروع الدستوري، مما تبعته مناقشات على مستوى الإعلام المكتوب والمرئي، وتحضير العديد من الموائد المستديرة بمشاركة مختلف الاتجاهات (الإسلاميين، الأحرار، الديمقراطيين، أعضاء جبهة التحرير الوطني)، وقد تم إقرار الدستور من خلال استفتاء دستوري يوم 23 فيفري 1989 وكانت النتائج نعم 78.98% ، وهكذا فإن الدستور أقر عن طريق الاستفتاء(1
4. دستور 28 فيفري 1996:
إن هذا الدستور الأخير ما هو إلا نتيجة للظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد و الأوضاع المزرية على كل الأصعدة، خاصة منذ استقالة رئيس الجمهورية السابق وتعطيل المسار الانتخابي وما ترتب عن ذلك من أعمال هددت الأمن العام والاستقرار السياسي والمؤسساتي للبلاد، وهذا مما دفع إلى إنشاء بعض المؤسسات وصفت بالمؤسسات الانتقالية منها المجلس الأعلى للدولة انتهت مهامه بتنظيم ندوة الوفاق الوطني في جانفي 1994. ثم أول انتخابات رئاسية تعددية شهدتها الجزائر، وذلك في 16 أفريل 1995، كما تم إنشاء المجلس الوطني الانتقالي والذي تولى مهام السلطة التشريعية منذ 18 ماي 1994 إلى غاية تنظيم الانتخابات التشريعية في جوان 1997، حيث ضم هذا المجلس ممثلي بعض الأحزاب بالإضافة إلى أغلبية ممثلي الحركة الجمعوية وبعض المنظمات الوطنية والنقابات التي لها ثقل على المستوى الوطني. كما كان هذا الهدف من هذا الدستور سد مجموعة من الثغرات التي تضمنها دستور 1989 وخاصة فيما يخص حالة تزامن شغور منصب رئيس الجمهورية مع حل المجلس الشعبي الوطني كما كان الحال في جانفي 1992. ونظرا للأسباب السالفة الذكر تم اقتراح تعديل الدستور بمشاركة مجموع الطبقة السياسية بمختلف تياراتها وخاصة في مرحلة إعداد الوثيقة المعدلة للدستور التي تمت المصادقة عليها من طرف الأمة في استفتاء 28 نوفمبر 1996. وقد جاء هذا الدستور بعدة تعديلات كإنشاء مجموعة من المؤسسات الدستورية منها مجلس الأمة والمحكمة العليا للدولة، ومجلس الدولة، كما كرس الرقابة الدستورية وذلك من خلال الدور الفعال للمجلس الدستوري، هذا الأخير الذي ارتفع عدد أعضائه إلى تسعة كما جاء في نص المادة 164 من دستور 1996، أما مدة العضوية فلم تتغير أي ست سنوات غير قابلة للتجديد ولا يمكن لأي عضو أن يمارس أية وظيفة أو تكليف آخر.
 
رد: نشأة الدساتير

مشكوووووووووووووووورة
 
رد: نشأة الدساتير

بارك الله فيك جزاك الله خير
 
رد: نشأة الدساتير

كله في ميزان أعمالك بإذن الله
بارك الله فيك
 
رد: نشأة الدساتير

merci.jpg
 
رد: نشأة الدساتير

كفيت ووفيت الاخت الفاضلة جزاك الله خيرا و نفع الله بك إخوانك
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top