ظاهرة خطيرة تنادي على الأمة بالهلاك والدمار .......كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه!

فتحون

:: عضو مُتميز ::
إنضم
29 نوفمبر 2013
المشاركات
717
نقاط التفاعل
583
النقاط
31
بسم الله الرحمن الرحيم
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه!


لا نزال بخير ما كان في الناس من ينكر علينا

الإمام أحمد (1)


ظاهرة خطيرة تنادي على الأمة بالهلاك والدمار، وفاجعة أليمة تُفتّتُ بنيان أهل السنّة وتنسف دَعَائم عزّهم، أكَلَة أصابت كبد وحدتهم، وجائحة مسحت معالم فخرهم
وهم نائمون على أسرّة الغفلة، فما الذي وقع؟! وكيف وقع؟!.

لِفرط جهلنا جئنا على مصدر قوّتنا فخربّناه! ولشدّة تعلقنا بالعاجلة أهملناه ونبذناه! ونسينا قول الله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون
عن المنكر وتؤمنون بالله}
(2).
إي والله! إنها غشاوة الانتكاسة التي تعمي القلوب عن إدراك مسالك النجاة! وسَكَر الشهوة الذي يذهب العقول ويهدم الأعمار.
ألم ندرك بعد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو سياج الخيرية الذي مُنح لنا من ربّ السماء؟! وتاجّ الكرامة الذي توّجت به أمّة النبيّ صلى الله عليه وسلم
ففُضّلت به على اليهود والنصارى؟!
فكيف تطمئن نفوس عرفت موضع هذا الأصل من الدين وهي تشاهد ركام هدمه قد غطّى بيضة الأمة الإسلامية! وكيف يطيب لأمّة قد رُفعت أعلام فضلها على أعمدة الأمر
والنهي ثم يأتي أبناء هذه الأمة ليزيحوا الأعمدة عن أماكنها وينزلوا أعلامها العالية؟!

يا أهل السنة الشرفاء!
إذا لم تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر فمن ذا الذي يفعل ذلك؟! وإذا لم تحيوا هذه الفريضة العظيمة في الأمّة المحمدية فمن الذي سيقوم بهذا الواجب الخطير نيابة
عنكم؟!
فأنتم معدن ذلك! وغيركم تبع لكم! فاتقوا الله فإن الخطب جلل، والمُصاب عظيم، وكيف لا يكون كذلك؟! وفي ترك فريضة الأمر والنهي فساد الدين والدنيا، وذهاب
الخيرات والبركات، وهي والله من أعظم الموبقات التي يكفي في بيان خطرها أن الله جلّ جلاله وصف المنافقين باقترافها، فقال سبحانه: {المنافقون والمنافقات بعضهم
من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون}
(3)

يا أهل السنة الشرفاء!
لا تنزلنّ عليكم لعنة الله وأنتم لا تشعرون! لا تفرحوا بما منّ عليكم من العزّ والتمكيين، ولا تغتروا بصلاحكم وتقواكم، فالله سبحانه قصّ عليكم في كتابه العظيم نبأ من لعنهم
بسبب تركهم ما أُمرتم به! فقال سبحانه {لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر
فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}
(4)، وقد ذكر المفسرون(5): أن هؤلاء كانوا ينكرون على أهل العاصي، ومع ذلك لعنوا، لأنهم جالسوهم ولم يهجروهم في ذات الله سبحانه!
فلعنوا على لسان داود عليه السلام! فتأمله جيدا أيها المؤمن الغيور حتى تُحل عنك عقد الضعف والهوان.

فلا تنظروا يا أهل السنة إلى صلاحكم وتقواكم، {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} (6)، فكم من أقوام غرّتهم فضائل الله عليهم فأتتهم صنوف العقاب وهم لا يشعرون!
جلس أبو الدرداء وحده يبكي يوم فتح قبرص، فقيل له: ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ قال: «ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره
بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى»
(7)، فاعتبروا يا أولي الأبصار!

يا أهل السنة الشرفاء!
والله لن تجتمع كلمتكم ولن تأتلف قلوبكم إلاّ إذا أقمتم شعيرة الأمر والنهي في الناس، فهي الحلقة الواصلة بين أفئدتكم، والأرض التي تبنى عليها أخوتكم، فمن الحُمق أن
نشتكي اليوم كثرة الخلاف والفرقة بين الإخوان، وقد ضيّعنا شرطا أساسيا في عقد الأخوة الإيمانية! يقول الله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم}
(8). فهذا هو حال عباد الله! لم تجمعهم
دنيا عاجلة، ولا مصلحة فانية! بل جمعتهم هذه الغاية الشريفة! وجمع الأمر بالمعروف شتات قلوبهم، وتوافقت أفئدتهم على نشر الفضيلة وقمع الرذيلة، ويوم أن غابت عنّا
هذه الحقيقة، تنافرت قلوبنا واشتدّت أحقادنا والله المستعان {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم
القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون}
(9)، قال المفسرون(10): (حرشنا بعضهم على بعض!)، فلا حول ولا قوة إلا بالله! كم من زلازل ومحن وقعت بيننا ونحن لم
ندرك أسبابها بعد؟! أو بالأحرى تعمدنا إخفاءها وكتمانها، حتى صار حالنا كحال من قال فيهم سبحانه: {ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك
وما أولئك بالمؤمنين، وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون ، وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين، أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون
أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون}
(11).
اللهم إنّا نبرأ إليك من سوء صنائعنا فلا تجعلنا من القوم الظالمين.

يا أهل السنة الشرفاء!
أنتم تعاشرون صنوف العصاة في مجتمعكم -في كلّ وقت وحين- من شاربي الخمور ومقترفي الفواحش، ومنهم من يَقربكم ويعيش معكم في بيوتكم! فالله الله فيهم!
أقيموا واجب الأمر والنهي معهم، فالله سائلكم عنهم.
فمن ذا الذي شُغل ذهنه بأهل بيته ممن جاهر بترك الصلاة؟! ورب العزة والجلال يوصي نبيّه صلى الله عليه وسلم ويقول {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها}(12)
ومن ذا الذي فتّت الحزن كبده على أهله ممن أشرك بالله في الزيارة والقسم والتطير؟! والله تعالى يخبرنا عن خليل الرحمن عليه السلام كيف كان مهتمّا بأقرب الناس إليه
فقال سبحانه {واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا، إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك
فاتبعني أهدك صراطا سويا، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا، قال أراغب أنت
عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا، قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا
} (13)!

انظروا رحمكم الله إلى نداء هذا المشفق! وحرص هذا الابن على نجاة والده! ولنقارن هذا الموقف بما نعايشه اليوم من مواقفنا مع أهلنا وأقاربنا.
وهذا نبي الله نوح عليه السلام أخبر عنه رب العزة والجلال فقال {ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين}(14)
وجاء في كتاب الله عن الرجل الصالح لقمان أنه كان حريصا رحيما بأقرب الناس إليه فقال سبحانه: {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}
(15)
فخيركم يا أهل السنة خيركم لأهله! وأنصح الخلق من ابتدأ بأهله وجيرانه، فلا تكونوا رحمكم الله كالشمعة التي تضيء لغيرها وتحرق نفسها!

يا أهل السنة الشرفاء!
لا تشاركوا أبناء الدنيا في دنياهم! فما هي بأُمّكم وما أنتم بأبنائها! أنكروا عليهم ما هم فيه من غفلة قصمت ظهورهم، ولا تزيدوهم -يرحمكم الله- غفلة بمزاحمتهم على دنياهم
فَصَمْتُكم يُؤنسهم، وسكوتكم يخدعهم! كونوا متبعين لنبيّكم صلى الله عليه وسلم الذي كثيرا ما كان يحذر أصحابه من الدنيا وزخرفها، ويخاف عليهم من شرّها وفتنتها، مع أنّهم
أفضل الخلق بعد الأنبياء، عن عمرو بن عوف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين، يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
هو صالح أهل البحرين، وأمَّر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافَوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: «أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم
بشيء من البحرين؟»
فقالوا: أجل يا رسول الله قال: «فأبشروا وأمّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم، كما بُسطت على من
كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم»
(16).

انظروا رحمكم الله إلى صفاء القلوب وصدقها! فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرتكبوا منكرا، فهم محتاجون فقراء، أرادوا حقهم من الغنائم فقصدوا الرحمة المهداة
صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يبخلهم بالنصح والتذكير -بأبي هو وأمّي-.
فما بالنا نخالف هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونداهن أصحاب الترف واللهو؟! ونخونهم وهم غارقون غافلون، ونخشاهم وكأن مفاتيح الحياة بأيديهم؟! قال أبو
عبد الرحمن العمري الزاهد: «إن من غفلتك عن نفسك إعراضك عن الله، بأن ترى ما يسخطه فتجاوزه لا تأمر فيه ولا تنهى خوفا ممن لا يملك لك ضرا ولا نفعا» (17).

يا أهل السنة الشرفاء!
لقد عمّ الفساد وعُصي الله فوق أرضه، ونحن ننظر إلى الناس والصمت يقتل ضمائرنا، نمرّ على شارب الخمر فلا نتكلم، نرى التبرج في نساء المؤمنين من الأقارب وغيرهم
ولا نتجرأ على إنكار ما هم عليه من فساد، ويصلنا خبر فلان وهو يبيع المخدرات أمامنا ولا ننكر عليه! وكم من تارك صلاة لم نكترث له حتى لقي الله وهو على تلك الحالة!
إنها والله قاصمة الظهر التي خربّت دورنا، ورفعت عنا رحمة الله ونحن لا نشعر!
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «والذي نفسي بيده لَتَأْمُرُنَّ بالمعروف ولَتنْهَوُنَّ عن المنكر أو لَيُوشكَنَّ الله أن يبعث عليكم عقابا من
عنده ثم لَتدْعُنَّه فلا يستجيب لكم»
(18)، رحماك ربّي.

يا أهل السنة الشرفاء!
ما بالنا ندعي الاتباع ثم ننقلب على أعقابنا عند محطات الامتحان؟!
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى رجل يجرّ إزاره، فيسرع إليه، ويهرول قائلا: (ارفع إزارك واتق الله)!، ويمرّ -بأبي هو وأمّي- على الجازعة على ابنها وينصحها
وينهاها، ويستمع للخطيب فينكر عليه ويُصوّب كلامه، ويشدد على أصحابه فيقول لأحدهم: أفتان أنت يا معاذ! ويقول للآخر: إنك امرؤ فيك جاهلية!، وينظر إلى أحدهم وهو يلبس
خاتما من حديد فينكر عليه حتى طرحه من يده، وينكر على من صلى أمامه ولم يتمها!
ويصيح على من قصر في وضوئه قائلا: ويل للأعقاب من النار، وينكر على عائشة رضي الله عنها قولها في حفصة ويقول: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته
وينتصر لأصحابه ويقول: هل أنتم تاركوا لي صاحبي.. لا تسبوا أصحابي..، ويرى الماشي بين القبور بحذائه فيقول له: يا صحب السبتيتين اخلع سبتيتيك!، وينكر على حكيم
الإلحاح في المسألة ويقول: يا حكيم إن هذا المال خضر حلو..! ويقول لأبي ذر رضي الله عنه مشفقا عليه بعدما طلب الإمارة: «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم
القيامة خزي وندامة..).. وينصح الغلمان فيقول للذي طاشت يده في الطعام: يا غلام إذا أكلت فقل: بسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك، ويقول للآخر: احفظ الله يحفظك
وجوانب نبويّة كثيرة لا يتسع المجال لسردها.

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر! الذي أُمرنا باتباعه في هذا الأصل العظيم وخوطبنا بقوله تعالى {لقد كان لكم في رسول الله
أسوة حسنة}
(19)، وجاء الوعيد الشديد على مخالفة هديه ومجانبة أمره في قوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}(20).

ويحك يا عبد الله! كيف تأمن عذاب الله، وفتنة ستذهب بدينك ود**** وأنت قابع تحت سقف الصمت الذي سينهدم على رأسك آجلا أم عاجلا! فبالله عليك قم وألق عن عنقك قيد
الكسل والعجز فأنت والله مقترف لجرم عظيم أَدْرَك حجم خطورته المصلحون، وصاح على أصحابه الأئمة والمتقون، ومنهم على سبيل المثال الإمام ابن القيم رحمه الله حيث
قال نصاحا صادعا بالحق (وليس الدين بمجرد ترك المحرمات الظاهرة بل بالقيام مع ذلك بالأوامر المحبوبة لله وأكثر الدَيّانين لا يعبأون منها إلا بما يشاركهم فيه عموم الناس
وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والنصيحه لله ورسوله وعباده ونصرة الله ورسوله وكتابه ودينه، فهذه الواجبات لا تخطر ببالهم فضلا عن أن يريدوا أفضلها
فضلا عن أن يفعلوه وأقل الناس دينا وأمقتهم الى الله من ترك هذه الواجبات وإن زهد فى الدنيا جميعها وَقَلَّ أن ترى منهم من يُحمّر وجهَه ويُمعّره في الله ويغضب لحرماته
ويبذل عرضه فى نصرة دينه وأصحاب الكبائر أحسن حالا عند الله من هؤلاء)
(21)

فهذا قول إمام من أئمة التوحيد والسنة، وليس هو بقول جاهل أو طالب علم طائش متحمس! رضينا بأقواله في أصول الدين والعقيدة! فهل سَنَنْصَاعُ لكلمته التي تعتبر
عند من تأمل كلمة تقويمية من واحد من أهل بيتنا؟! وهل سنُرَحّب بها، وننقاد لنصيحته الشديدة القاسية؟!

يا أهل السنة الشرفاء!
لستم على شيء حتى تقيموا فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر! فهي فريضة تَحُثُّ على عبادة الله العزيز الجبار! وتنهى العباد عن معصيته سبحانه، فَتَضْييعُها
دليلٌ على مرض في النفس وعدم مُبالاة بحرمات الله.

وإن من أعظم صنوف المعاصي التي انتشرت في هذه الأزمنة الأخيرة جريمة الظلم وكبيرة البغي! ومن أخسّ أنواعها البغي على عباد الله وظلمهم، والتقاعس عن نصرة
المظلوم فيهم!! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي بكر الصدّيق: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابه»(22)
نسأل الله العافية.
ولما عاد مهاجروا الحبشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن أعجب ما رأوه بأرض بالحبشة،فقالوا: بينما نحن جلوس، إذ مرت عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على
رأسها قُلَّةً من ماء، فقام إليها فتىً من فتيانهم فوضع إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها، فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت، التفتت إليه فقالت: سوف تعلم يا غُدر
إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف يكون أمري وأمرك عنده غداً، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
صدقت.. صدقت، كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟!)
(23)
إي والله! صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟!

وإن خذلان المظلوم، مقام ذل ينبغي على كل عاقل أن يترفع عنه! وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه
من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته،وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب
فيه نصرته)
(24)، وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار»(25).

يا أهل السنة الشرفاء!
أصلحوا بين الناس فإن فضل ذلك والله عظيم، وإياكم يا طلبة العلم و يا دعاة الهدى أن تستثقلوا هذا العمل، فإنه ما انتشر الخلاف والشقاق بين المسلمين إلا بسبب صمت
أهل الحق، وكم من جريمة قتل ما كانت لتقع لو أننا تدخلنا بكلمة حق تؤلف بين القلوب! وتخمد نار الحقد والانتقام! وكم من طلاق خربّ بيوتا ما كان ليحدث لو تدخل
المصلحون حينما سمعوا بالخلاف الواقع بين فلان وفلانة!

فهذا كعب بن مالك تقاضى ابن أبي حدرد دينا له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو في بيته، فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كشف سجف حجرته، ونادى كعب بن مالك قال: «يا كعب» قال: لبيك يا رسول الله، فأشار بيده أن ضع الشطر
من دينك، قال كعب: قد فعلت يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم فاقضه»
(26).

فتأملوا كيف خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتخاصمين وكيف نادى عليهما، وهي المبادرة التي ينبغي أن يأخذها كل مخلص في دعوته، وكل مشفق من الوقوف بين
يدي الله سبحانه!
فوا حسرتاه! كم سمعنا من أصوات وصيحات للإخواننا وهم يتعاركون من أجل فتات المال، ويتقاتلون من أجل حطام الدنيا، وقد بلغت بهم النزاعات إلى مراحل لا تخطر على بال
ومع ذلك نخالف الهدي النبوي الذي ندّعي اتباعه في مواطن غير هذه المواطن، ونسهم في إشعال نار الفتنة بصمتنا وسكوتنا، ونحن جالسون على كراسي الشرف
والرئاسة ننتظر رفع الخصومات لنا، ولا نهرول لها كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يا أهل السنة الشرفاء!
لاشكّ أن فئام من أبناء الدنيا سينصبونكم العداء الشديد وأنتم تقومون بهذا الواجب العظيم فلا تكترثوا لهم، وامضوا في سبيل الله فاتحين لقلوب العصاة، فوالله {لن يضروكم
إلا أذى}
(27)، وكونوا مستعدين لحملات المغرضين وهجمات الحاقدين، وقد قال أويس القرني رحمه الله: «إن قيام المؤمن بحق الله لم يبق له طريقا، والله إنا لنأمر
بالمعروف وننهى عن المنكر، فتتخذونا أعداء، ويجدون على ذلك من الفساق أعوانا، حتى رموني بالعظائم، والله لا يمنعني ذلك من أن أقوم لله بحق»
(28).

يا أهل السنة الشرفاء!
إن أنتم تقاعستم عن هذه الفريضة فلا أقل من نصرة القائم بها! ، فكونوا بجنبه، واشكروا صنيعه، فهو –والله- من صنيع الصادقين، وإن العاقل ليخشى أن يأتي علينا يوم
يصير القائم بهذا الفرض المؤكّد غريبا في وسط أهله، تصفعه ألسنة إخوانه قبل أعدائه!! فقد اعتدنا المكابرة في أخطائنا، وَتعوَّدنا تَبرير مصائبنا، وإعطائها الصبغة لاشرعية!
وهو الأمر الذي يخاف المخلص أن يقع في هذا الباب، فيصير الضعف والخور والجبن حكمة لابد أن تسلك، والجرأة والشجاعة والإقدام تهورا لابد أن يزجر صاحبه!
ولا ريب أن معالم هذا الواقع المرير يطفو على السطح، ويظهر في الأفق! والله المستعان.

يا أهل السنة الشرفاء!
ارحموا عباد الله من المذنبين، فما أصدق قول القائل: الحق ثقيل على نفوس الناس فلا تزيدوه ثقلا بأسلوبكم! فالله الله في الرفق بالعصاة، فهم عبيد الله، وأصل الخوف من
عذاب الله قائم في نفوسهم، فإيّانا أن ننظر إليهم باحتقار وازدراء، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، ولا نأمن على إيماننا أن يرفع في أي لحظة، ولْنكن
جميعا كالعبد الصالح الذي قتله قومه ورجموه وهو يدعوهم إلى الله، وبعد أن رأى موعود الله ونعيمه وعاينت روحه جنات عدن: {قال يا ليت قومي يعلمون، بما غفر لي
ربي وجعلني من المكرمين}
(29).

وإذا اشتكينا قلة الناصحين وكثرة العصاة والمخالفين فلا يعني أن العاطفة وحدها تكفي في تغير المنكرات، وأن القصد الحسن يبرر المواقف المخالفة لدين الله! فالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقوم إلا على ركني العلم والحكمة، ولا ينفك هذا عن ذاك، ومن جرّب الناس وعرف التاريخ أدرك حجم الضرر الذي لحق بالدعوة المحمدية
بسبب إهمال أحد الجانبين.

يا أهل السنة الشرفاء!
اقبلوا مني هذه الذكرى والنصيحة، وأنا أضعفكم, وأجهلكم،وأصغركم، فإني –والله- أقصد نفسي أولا، وأخاف عليها عذاب الله وحسابه، وهو الدافع الذي ألجأني لهذه الكتابة
ولا خير فينا إذا لم نقل كلمة الحق في أنفسنا قبل غيرنا، فذلك هو الامتحان العظيم!
{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}(30)، {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس
المهاد}
(31)، {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون}(32)،{ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا
على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا}
(33).

ولا يفوتني وأنا أختم هذا التذكير أن أتقدم بالشكر الجزيل لكل ناصح في بلادنا الجزائر ممن لا يشملهم مقالي هذا لا من قريب ولا من بعيد، فهم أعمدة الهدى، وأسقف النجاة
بهم أقام الله واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى رأسهم مشايخنا علماء البلد من أصحاب الفضيلة والإصلاح، أشياخ الجزائر وأسيادها، أسأل الله أن يوفقنا جميعا
للاقتداء بهم، والتأسّي بنهجهم في الدعوة إلى الله.
آخر ما قصدته من هذا التذكير والحمد لله رب العالمين

أبو معاذ محمد مرابط
ليلة الثلثاء: 11 / شوال / 1436

الهامش:
(1) (صفة الصفوة 1/ 422).
(2) [آل عمران:110].
(3) [التوبة، آية: 67].
(4) [المائدة:78-79].
(5) (تفسير الطبري 10/ 492).
(6) [الأنفال: 24].
(7) (حلية الأولياء 1/ 216)
(8) [التوبة:71].
(9) [المائدة: 14].
(10) (زاد المسير 2/ 315).
(11) [النور: 47-50] .
(12) [طه: 132].
(13) [مريم: 41-47].
(14) [هود: 42]
(15) [لقمان: 13]
(16) «صحيح مسلم:2961»
(17) «العقوبات: 38 » لابن أبي الدنيا.
(18) ».«صحيح الجامع 2399».
(19) [الأحزاب: 21]
(20) [النور: 63]
(21) «عدة الصابرين 286-287».
(22) «الصحيحة 1564».
(23) «سنن ابن ماجة 4010» وصححه الألباني كما في «صحيح الجامع 4598».
(24) «صحيح الجامع 5690».
(25) «صحيح الجامع 6240».
(26) «صحيح البخاري 471».
(27) [آل عمران:111]
(28)«الأمر بالمعروف: 82» لابن أبي الدنيا.
(29)[يس: 26]
(30) [النساء:135]
(31) [البقرة:206]
(32) [السجدة: 22]
(33) [الكهف:57]
*- الصفية والتربية الجزائرية -*
 
رد: ظاهرة خطيرة تنادي على الأمة بالهلاك والدمار .......كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه!

ﺑﺂﺭﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻚ ﻭ ﺟﺰﺁﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮﺍﺍﺍﺍ ………♥
 
رد: ظاهرة خطيرة تنادي على الأمة بالهلاك والدمار .......كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه!

السلام عليكم
بارك الله فيك وجزاك خيرا
في ميزان حسناتك اخي الكريم
هدانا الله و المؤمنين ان شاء الله
 
رد: ظاهرة خطيرة تنادي على الأمة بالهلاك والدمار .......كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه!

و فيكم بارك الله وجزاكم خيرا
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top