بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكر ما ورد عن الإمام مالك رحمه الله وبعض علماء المالكيَّة بالمغرب
في التَّمسُّك بالسُّنَّة وفهم السَّلف ونبذ البدعة
المطلب الثاني: ذكـر مــا ورد عــن الإمـــام مــالك رحمه الله وبعض علماء المالكية في نبذ البدعة.
أمَّا فيما يخصُّ ما ورد عن الإمام مالك ومن اتَّبع منهجه من أصحابه ومن بعدهم علماء المالكيَّة في التَّحذير من الابتداع في الدِّين، والذَّمِّ لأهل الخصومة والرَّأي، وضرورة الابتعاد عمَّا لم يكن عليه السَّلف الأوَل من الصَّحابة وتابعيهم بإحسان فكثير جدًّا، وممَّا يدلُّ على شدَّة اهتمامهم بهذا الأصل العظيم أخذ مالك وأصحابه من بعده بسدِّ الذَّرائع؛ حسمًا للوسائل المفضية للوقوع في الشِّرك أو الابتداع، وصار العمل بسدِّ الذَّرائع من أصول المذهب عند المالكيَّة، قال الطّرطوشي (ت530هـ) رحمه الله: (اعلم أنَّ الحرف الَّذي يدور عليه هذا المذهب(1) إنَّما هو حماية الذَّرائع وألاَّ يزاد في الفروض ولا في السُّنن المسنّنة، وألاَّ يعتقد أيضًا في النَّوافل المبتدأة أنَّها سنن مؤقَّتة)(2)، وقال القرطبي رحمه الله: (التَّمسُّك بسدِّ الذَّرائع وحمايتها هو مذهب مالك وأصحابه، وأحمد بن حنبل في رواية عنه، وقد دلَّ على هذا الأصل الكتاب والسُّنَّة)(3).
وقد كان مالك رحمه الله شديد البعد عن البدع، مبغضًا لها، مجانبًا لمواقعها، مفارقًا لأصحابها، قال ابن وضَّاح القرطبي: (وقد كان مالك يكره كلَّ بدعة، وإن كانت في خير)(4)، وقال أبو طالب المكِّي: (كان مالك رحمه الله أبعد النَّاس من مذاهب المتكلِّمين، وأشدّهم بغضًا للعراقيِّين، وألزمهم لسنَّة السَّالفين من الصَّحابة والتَّابعين)(5).
وقال عنه الشَّاطبي: (وقد كان من أشدِّهم اتِّباعًا، وأبعدهم من الابتداع)(6)، وقال الزُّهري: (رأيت مالكًا ـ وقوم يتجادلون عنده ـ فقام ونفض رداءه وقال: إنَّما أنتم جرب)(7).
وبيَّن رحمه الله أنَّ الابتداع في الدِّين مضادٌّ لكمال الشَّريعة، وانتقاصٌ لها ولِمن بلَّغها، وأنَّ حال المبتدع في إحداثه كالقائل بتقصير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في إبلاغ هذا الدِّين، قال ابن الماجشون (ت213): سَمِعْتُ مَالكًا يقول: (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أنَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم خان الرِّسالة؛ لأنَّ الله تعالى يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾[المائدة:3]، فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا)(8)، قال الشَّاطبيُّ: (وثبت أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يمتْ حتَّى أتى ببيانِ جميع ما يحتاج إليه في أمر الدِّين والدُّنيا، وهذا لا مخالف عليه من أهل السُّنَّة، …فالمبتدع إنَّما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله: إنَّ الشَّريعة لم تتمَّ، وإنَّه بقي منها أشياء يجب أو يستحبُّ استدراكها؛ لأنَّه لو كان معتقدًا لكمالها وتمامها من كلِّ وجه لم يبتدع، ولا استدرك عليها، وقائل هذا ضالٌّ عن الصِّراط المستقيم)(9).
والبدعة من أخطر ما يُبتلى به المرء في دينه؛ لأنَّ المعصية يُرجى لصاحبها التَّوبة والإنابة إلى الله منها، أمَّا صاحب البدعة فيظنُّ نفسه على الطَّاعة، ولذا فهو على ملازمتها أحرص؛ إلى أن يموت عليها والعياذ بالله، فلأجل هذا كلِّه وغيره حذَّر الإمام مالك رحمه الله من خطورة الابتداع فقال: (لو أنَّ العبد ارتكب الكبائر كلّها بعد أن لا يشرك بالله شيئًا، ثمَّ نجا من هذه الأهواء؛ لرجوت أن يكون في أعلى جنَّات الفردوس؛ لأنَّ كلَّ كبيرة بين العبد وبين ربِّه هو منها على رجاء، وكلَّ هوى ليس هو منه على رجاء، إنَّما يهوي بصاحبه في نار جهنم)(10).
وكان رحمه الله كثيرًا ما ينصح من يأتيه باجتناب ما أحدثه أهل البدع وأصحاب الرَّأي من كلام وجدال وخصومة، قال إسحاق بن عيسى (ت224): رأيت رجلاً من أهل المغرب جاء مالك بن أنس فقال: إنَّ الأهواء كثرت قِبَلنا فجعلت على نفسي إن أنا أتيتك أن آخذ بما تأمرني به؟ فوصف له مالك شرائع الإسلام؛ الصَّلاة، الزَّكاة، الصِّيام، الحجّ، ثمَّ قال: (خذ بهذا ولا تخاصم أحدًا)(11).
كما أنَّه بيَّن رحمه الله أنَّ بدعة الكلام باطل وانحراف عن جادَّة السَّبيل، خالف بها الخَلَف من أهل الكلام ما كان عليه السَّلف، وخاضوا في الَّذي توقَّف عنه الصَّحابة والتَّابعون، ذلك لأنَّ السَّلف ما أمسكوا عنه إلاَّ عن علمٍ وبصيرة لا عن جهل وغفلة، قال أشهب بن عبد العزيز (ت204): سمعت مالك بن أنس يقول: (إيَّاكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله ما البدع؟ قال: أهل البدع الَّذين يتكلَّمون في أسمائه وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، لا يسكتون عمَّا سكت عنه الصَّحابة والتَّابعون لهم بإحسان)(12).
وقال عبد الرَّحمن بن مهدي: (دخلت عند مالك وعنده رجل يسأله عن القرآن، فقال: لعلَّك من أصحاب عمرو بن عبيد، لعن الله عمرًا فإنَّه ابتدع هذه البدع من الكلام، ولو كان الكلام علمًا لتكلَّم فيه الصَّحابة والتَّابعون كما تكلَّموا في الأحكام والشَّرائع؛ ولكنَّه باطل يدلُّ على باطل)(13).
وقال مصعب بن عبد الله الزبيري (ت236هـ): كان مالك بن أنس يقول: (الكلام في الدِّين أكرهه، وكان أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه، نحو الكلام في رأي جهم والقدر وكلّ ما أشبه ذلك، ولا أحبُّ الكلام إلاَّ فيما تحته عمل، فأمَّا الكلام في الدِّين وفي الله عز وجل فالسُّكوت أحبُّ إليَّ؛ لأنِّي رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدِّين إلاَّ ما تحته عمل)(14).
قال ابن عبد البرِّ معلِّقًا على كلام الإمام: (والَّذي قاله مالك رحمه الله عليه جماعة الفقهاء والعلماء قديمًا وحديثًا من أهل الحديث والفتوى، وإنَّما خالف ذلك أهل البدع ـ المعتزلة وسائر الفرق ـ، وأمَّا الجماعة على ما قال مالك رحمه الله إلاَّ أن يضطرَّ أحدٌ إلى الكلام فلا يسعه السُّكوت إذا طمع بردِّ الباطل وصرف صاحبه عن مذهبه، أو خشي ضلال عامَّة أو نحو هذا)(15).
ولأجل ذلك كان من منهجه رحمه الله عدم الخوض في كلام أهل البدع، والعزوف عن مجادلتهم، والبعد عن محادثتهم، طلبًا لسلامة الدِّين، وخوفًا من التَّنقُّل عن منهج أهل الحقِّ، قال الهيثم بن جميل (ت:213هـ): (قلت لمالك ابن أنس: يا أبا عبد الله، الرَّجل يكون عالما بالسُّنَّة أيجادل عنها؟ قال: لا، ولكن يخبر بالسُّنَّة؛ فإن قبلت منه وإلاَّ سكت)(16).
وقال ابن أبي زيد القيرواني: قيل ـ أي لمالك ـ: فمن قوي على كلام الزَّنادقة والإباضية والقدريَّة وأهل الأهواء أيكلِّمهم؟، قال: (لا؛ وإنَّ الَّذين خرجوا إنَّما عابوا المعاصي(17) وهؤلاء تكلَّموا في أمر الله)(18).
وعن معن بن عيسى أنَّ مالك بن أنس انصرف يومًا من المسجد وهو متَّكئ على يديه، فلحقه رجل يقال له: أبو الجويرية، كان يُتَّهم بالإرجاء، فقال: يا أبا عبد الله! اسمع منِّي شيئًا أكلِّمك به وأحاجّك وأخبرك برأيي، قال: فإن غلبتني؟ قال: إن غلبتك اتَّبعتني، قال: فإن جاء رجل آخر فكلَّمنا فغلبنا؟ قال: نتَّبعه، قال مالك رحمه الله: (يا عبد الله! بعث الله محمَّدًا صلى الله عليه وسلم بدين واحد، وأراك تتنقَّل من دين إلى دين، قال عمر بن عبد العزيز: (من جعل دينه غرضًا للخصومات أكثر التَّنقُّل))(19).
وقد تنوَّعت مواقف الإمام مالك رحمه الله تجاه أهل البدع، فعن معن بن عيسى قال: كان مالك يقول: (لا يؤخذ العلم عن أربعة ويؤخذ ممَّن سوى ذلك)، وذكر من هؤلاء الأربعة: (صاحب هوى يدعو إلى هواه، أو قال: مبتدع يدعو إلى بدعته)(20)، وقال أيضًا: (لا تسلِّم على أهل الأهواء ولا تجالسهم إلاَّ أن تغلظ عليهم، ولا يعاد مريضهم، ولا تُحدَّث عنهم الأحاديث)(21).
بل ونهى رحمه الله عن إجارة كتب أهل البدع كما جاء في كتاب أبي عبد الله بن خويز منداد قوله: قال مالك: (لا تجوز الإجارة في شيء من كتب أهل الأهواء والبدع والتَّنجيم. وذكر كتبًا ثمَّ قال: «وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم، وتفسخ الإجارة في ذلك)(22).
وقال ابن خويز منداد في تأويل قول مالك: (لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء): (أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكلُّ متكلِّم فهو من أهل الأهواء والبدع، ولا تقبل لهم شهادة في الإسلام، ويهجر ويؤدَّب على بدعته، فإن تمادى عليها استتيب منها)(23).
* أمَّا ما جاء عن أصحاب مالك وأعلام مذهبه فكثير ومَوْفُور في هذا الباب
ولم يألوا جهدًا ـ رحمهم الله ـ في النَّهي عن اتِّباع الأهواء والبدع، والتَّحذير من مجالسة أصحابها والأخذ عنهم، بل قد نقل القرافي (ت684هـ) رحمه الله الاتفاق على ذلك فقال: (اعلم أنَّ الأصحاب ـ أي علماء المالكيَّة ـ فيما رأيتُ متَّفقون على إنكار البدع نصَّ على ذلك ابن أبي زيد وغيره)(24).
ولا عجب في ذلك؛ إذ المغرب العربي قد توغَّلت فيه من الفتن والبدع والأهواء ـ في حياة الإمام مالك وبعد مماته ـ ما دعا علماء المالكيَّة للوقوف ضدَّ هذه الضَّلالات والانحرافات، وكشف زيفها، وهتك سترها، والتَّحذير منها أيّما تحذير.
فهذا عبد الله بن فروخ الفارسي (ت171هـ) الَّذي كان مُبَايِنًا لأهل البدع معاديًا لهم، يراسل الإمام مالكًا ليخبره بحال بلاد المغرب فيقول: (إنَّ بلدنا كثير البدع)، وأنَّه ألَّف لهم كلامًا في الرَّدِّ عليهم، فكتب إليه مالك: (إنَّك إن ظننت ذلك بنفسك خفت أن تزل أو تهلك، لا يردُّ عليهم إلاَّ من كان ضابطًا عارفًا بما يقول لهم، ليس يقدرون أن يعرجوا عليه، فإنَّ هذا لا بأس به، وأمَّا غير هذا فإنِّي أخاف أن يكلِّمهم فيخطئ فيمضوا على خطئه، أو يظفروا منه بشيء فيتعلَّقوا به ويزدادوا تماديًا على ذلك)(25)، حرصًا من الإمام مالك رحمه الله في ألاَّ يناظر أهل البدع إلاَّ من كان ذا علم وفقه في دين الله، عارفًا بمساوئ مذاهب أهل الباطل، بصيرًا في نقدهم ودحض شبههم، فيظهر به الدين ويعلو به الحقُّ.
وكان البهلول بن راشد (ت183هـ) معروفًا بالنَّكير على أهل البدع وتركه السَّلام عليهم، قال عنه تلميذه سحنون: إنَّما اقتديت في ترك السَّلام على أهل الأهواء والصَّلاة خلفهم بمعلِّمي البهلول([26])، وكان من شدَّته في الإنكار على أهل البدع أن هجر سحنونًا حين حادث أحد أهل البدع، قال سحنون رحمه الله: (ولقد أتيت يومًا إلى البهلول فوافاني رجل من أهل الأهواء على بابه، وسألني عن الشَّيخ، فما رددت عليه جوابًا، والشَّيخ يسمع ذلك، فلمَّا دخلت على الشَّيخ سلَّمت عليه، فلم يردَّ عليَّ السَّلام، وأعرض عنِّي، فلمَّا خرج النَّاس من عنده تقدَّمت إليه، فجثوت على ركبتي بين يديه، فقلت له: ما خبري وما قصَّتي؟ فقال: يسلِّم عليك رجل من أهل الأهواء ويسألك عنِّي!، فقلت له: والله ما رددت عليه جوابًا، قال: فقام لي عند ذلك وقال: مرحبًا وأهلاً، وسلَّم عليَّ وقال لي: إنَّ هذا الَّذي أمرتك به تعرف به الحقَّ من الباطل)(27).
ومن مواقف هذين الإمامين ـ رحمهما الله ـ أعني ابن فروخ والبهلول ـ الَّتي حفظها لهما أهل التَّراجم في النَّكير على أهل البدع، ما حكاه عنهما سحنون قائلاً: (مات رجل يقال له: الرفّاء(28)، وكان من أصحاب البهلول، وكان فاضلاً، فحضره ابن غانم وابن فروخ والبهلول، فأتي بجنازته وبجنازة ابن صخر المعتزلي، فصلِّيَ على الرفَّاء ثمَّ قدِّم ابن صخر المعتزلي، فقالوا لابن غانم: (الجنازة!)، فقال: (كلُّ حيٍّ ميت فقدِّموا دابَّتي)، ولم يصلِّ عليه، فقيل لابن فروخ: (الجنازة!)، فقال مثل ذلك، وقام ولم يصلّ عليه، وقيل للبهلول: (الجنازة!)، فقال مثل ذلك)(29).
وهذا أسد بن الفرات (ت213هـ) مشهور بالفضل والدِّين، متمسِّك بالسُّنَّة، نابذ للبدعة، والَّذي بلغ من نهيه رحمه الله عن البدع أن كان يحدِّث بحديث فيه رؤية الله تبارك وتعالى في الآخرة، وسليمان العراقي(30) عند آخر المسجد، فتكلَّم وأنكر، فسمعه فقام إليه وجمع بين طوقه ولحيته واستقبله بنعله، فضربه ضربًا شديدًا حتَّى أدماه(31)، وكان يقول :: (ثلاثة لا غيبة فيهم: صاحب بدعة...)(32).
ولأجل هذه المواقف وأمثالها كتب أسد ابن موسى (ت212) ـ المعروف بأسد السُّنَّة ـ إلى أسد ابن الفرات يشجِّعه لما علم من حاله في التَّمسُّك بالسُّنَّة والنَّهي عن البدعة؛ فقال:
(اعلم أي أُخَيَّ! إنَّما حملني على الكتاب إليك ما ذكر أهل بلادك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك النَّاس وحسن حالك ممَّا أظهرت من السُّنَّة، وعيبك لأهل البدعة، وكثرة ذكرك لهم، وطعنك عليهم، فقمعهم الله بك وشدَّ بك ظهر أهل السُّنَّة وقوَّاك عليهم بإظهار عيبهم والطَّعن عليهم، فأذلَّهم الله بذلك وصاروا ببدعتهم مستترين، فأبشر أي أُخَي بثواب ذلك واعتدّ به من أفضل حسناتك من الصَّلاة والصِّيام والحجِّ والجهاد وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله وإحياء سنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم …، وادع إلى السُّنَّة حتَّى يكون لك في ذلك أُلفة وجماعة يقومون مقامك إن حدث بك حدث فيكونون أئمَّة بعدك فيكون لك ثواب ذلك إلى يوم القيامة كما جاء الأثر…، وإيَّاك أن يكون لك من أهل البدع أخ أو جليس أو صاحب...، وقد وقعت اللَّعنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل البدع، وأنَّ الله لا يقبل منهم صرفًا ولا عدلاً ولا فريضة ولا تطوعًا، وكلَّما ازدادوا اجتهادًا وصومًا وصلاة ازدادوا من الله بعدًا، فارفض مجالسهم وأذلّهم وأبعدهم كما أبعدهم الله وأذلَّهم رسوله صلى الله عليه وسلم وأئمَّة الهدى من بعده)(33).
ومنهم سحنون بن سعيد التنوخي (ت240هـ) رحمه الله الَّذي عرف بشدَّته على أهل البدع؛ والَّذي ما أن تولَّى منصب القضاء بالقيروان حتَّى فضَّ حلق أهل البدع والأهواء في مسجد القيروان، وكانوا حلقًا للصُّفرية والإباضيَّة والمعتزلة، كما أنَّه منعهم أن يكونوا أئمَّة في المساجد أو معلِّمين للصِّبيان ومؤدِّبين لهم، وعاقب جماعة منهم خالفوا أمره وأطافهم بالقيروان(34).
وقام محمد بن سحنون (ت256هـ) بحمل لواء السُّنَّة من بعد والده، وكان رحمه الله واسع المعرفة، عالمًا بالأثر، خبيرًا بالجدل، قوي الحجَّة في المناظرة، له مؤلَّفات عدَّة في الرَّدِّ على أهل البدع، وقد كان من قبله من العلماء يكتفون بالفتاوى أو المواقف الفرديَّة ضدَّ المخالفين، ذلك أنَّ أهل البدع أقبلوا على تدوين آرائهم ونشر كتب منتحلي مذاهبهم من أهل المشرق، ممَّا دعا علماء المالكيَّة في عصر محمَّد ومن بعده إلى التَّأليف والمناظرة، لنصرة الحقِّ وإبطال الأهواء والبدع، فمن مؤلَّفات محمَّد بن سحنون رحمه الله كتابان في (الإمامة)، وله كتاب (الإيمان والرَّدُّ على أهل الشِّرك) وكتاب (الحجَّة على القدرية) وآخر في (الرَّدّ على أهل البدع) و(رسالة فيمن سبَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم)(35) وله مناظرات مع بعض المعتزلة(36).
ومنهم محمَّد بن وضَّاح القرطبي (ت287هـ)، ألَّف كتابًا جليلاً في البدعة وما يتعلَّق بها؛ اعتبر أقدم مصدر في هذا الباب، وقد بان فيه تمسُّكه القويّ بالسُّنَّة وآثار السَّلف وبغضه للبدع وشدَّة إنكاره لها وسمَّاه (كتاب فيه ما جاء في البدع)، عرض فيه الأحاديث والآثار الواردة عن السَّلف في ذمِّ الابتداع في الدِّين.
ومنهم حمديس القطَّان (ت289هـ)؛ الَّذي كان شديدًا في مذاهب أهل السُّنَّة، مفارقًا لأهل البدع، لا يسلِّم عليهم ولا يصلِّي خلفهم ولا يحضر جنائزهم(37).
ومنهم يحيى بن عمر (ت289هـ) وكان كثير الإنكار للبدع والمحدثات، وله تآليف عدَّة في الرَّدِّ على أهل البدع، منها كتاب في الرَّدِّ على المرجئة(38).
ومنهم محمَّد بن أحمد الفارسي (ت359هـ) وكان متمسِّكًا بالسُّنَّة، شديد الإنكار على أهل البدع، صلبًا في ذلك، وكانت له مواقف امتحن فيها لأجل صلابته في السُّنَّة.
ومنهم المحدِّث الإمام أحمد بن عون الله ابن حدير أبي جعفر الأندلسي القرطبي (ت378هـ)، وكان رحمه الله صارمًا في السُّنَّة، متشدِّدًا على أهل البدع، لهجا بهذا النَّوع، صبورًا على الأذى فيه(39)، قال عنه أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن مفرج: (كان أبو جعفر أحمد بن عون الله محتسبًا على أهل البدع، غليظًا عليهم، مذِلاًّ لهم، طالبًا لمساوئهم، مسارعًا في مضارِّهم، شديد الوطأة عليهم، مشرِّدًا لهم إذا تمكَّن منهم، غير مبقٍ عليهم، وكان كلُّ من كان منهم خائفًا منه على نفسه متوقِّيًا، لا يداهن أحدًا منهم على حال ولا يسالمه، وإن عثر لأحد منهم على منكر وشُهد عليه عنده بانحرافٍ عن السُّنَّة نابذه وفضحه وأعلن بذكره والبراءة منه، وعيَّره بذكر السُّوء في المحافل، وأغرى به حتَّى يهلكه أو ينـزع عن قبيح مذهبه وسوء معتقده، ولم يزل دؤوبًا على هذا جاهدًا فيه ابتغاء وجه الله إلى أن لقي الله عز وجل)(40).
ومنهم الإمام أبو محمَّد عبد الله بن أبي زيد القيرواني (ت386هـ)، الَّذي كان يلقَّب بـ(مالك الصَّغير)، له مؤلَّفات عدَّة نصر فيها عقيدة السَّلف كما في مقدِّمة كتابه (الرِّسالة) في الفقه المالكي وفيها يقول: (واتِّباع السَّلف الصَّالح واقتفاء آثارهم، والاستغفار لهم، وترك المراء والجدال في الدِّين، وترك كلِّ ما أحدثه المحدثون)([41])، و(كتاب الجامع في السُّنن والآداب والمغازي والتَّاريخ) والَّذي عقد فيه بابًا بعنوان: (باب ذكر السُّنن الَّتي خلافها البدع وذكر الاقتداء والاتِّباع وشيء من فضل الصَّحابة ومجانبة أهل البدع)([42])، وأورد فيه الأحاديث الدالَّة على ضرورة التَّمسُّك بالسُّنَّة والابتعاد عن البدعة، كما أنَّه أورد آثارًا عديدة عن أئمَّة السَّلف في النَّهي عن البدع وعلم الكلام، وأقوالهم في الفرق المنحرفة كالخوارج، وفي آخر الباب يقول رحمه الله: (وكلُّ ما قدَّمنا ذكره فهو قول أهل السُّنَّة وأئمَّة النَّاس في الفقه والحديث على ما بيَّنَّاه، وكلُّه قول لمالك، فمنه منصوص من قوله، ومنه معلوم من مذهبه)(43)، ومن كتبه في الرَّدِّ على البدع والفرق الضَّالَّة كتابه في (النَّهي عن الجدال) و(رسالة في الرَّدِّ على القدريَّة)، وكتاب (في الرَّدِّ على أبي ميسرة المارق)، وآخر (في مناقضة رسالة البغدادي المعتزلي)(44).
ومنهم الإمام ابن أبي زمنين (ت399هـ)؛ العالم القدوة المقتفي لآثار السَّلف، له كتاب (أصول السُّنَّة) كما تقدم معنا، أبان فيه عن عقيدة أهل السُّنَّة، والَّذي نقل منه الأئمَّة كشيخ الإسلام ابن تيميَّة(45)، وابن القيَِّم في كتابه (اجتماع الجيوش الإسلاميَّة) (ص81).
وقد عقد ابن أبي زمنين في كتابه هذا بابين في الرَّدِّ على أهل البدع وساق فيهما الأحاديث والآثار الواردة في ذلك بإسناده إلى قائليها، أمَّا الباب الأوَّل فهو: (باب في النَّهي عن مجالسة أهل الأهواء)، والثَّاني: (في استتابة أهل الأهواء واختلاف أهل العلم في تكفيرهم)، ومن كلامه في عيب أهل البدع قوله: (ولم يزل أهل السُّنَّة يعيبون أهل الأهواء المضلَّة، وينهون عن مجالستهم ويخوفون فتنتهم، ويخبرون بخلاقهم، ولا يرون ذلك غيبة لهم ولا طعنًا عليهم)(46).
ومن هؤلاء الأعلام الإمام أبو عمر الطلمنكي (ت429هـ)، أحد أئمَّة السُّنَّة بالأندلس، وكان رحمه الله عارفًا بأصول الدِّيانة على هدى واستقامة، معروفًا بشدَّته على أهل الأهواء والبدع، وكان سيفًا مجرَّدًا عليهم، قامعًا لهم غيورًا على الشَّريعة، له مصنَّفات عدَّة في الذَّبِّ عن السُّنَّة وردِّ البدع، فمنها كتاب (الوصول إلى معرفة الأصول)(47) اعتمده كثير من علماء السُّنَّة ونقلوا منه في كتب الاعتقاد كشيخ الإسلام ابن تيمية في (درء تعارض العقل والنقل)(48)، وفي (بيان تلبيس الجهميَّة في تأسيس بدعهم الكلاميَّة)(49)، وفي (منهاج السُّنَّة)(50)، ونقل منه ابن القيِّم في كتابه (اجتماع الجيوش الإسلاميَّة على غزو المعطِّلة والجهميَّة)(51)، وفي كتابه (الصَّواعق المرسلة على الجهميَّة والمعطِّلة)(52)، والذَّهبي في كتابه (العلوّ)(53)، ومن كتب الطلمنكي أيضًا (كتاب في الرَّدِّ على ابن مسرَّة)، و(رسالة في أصول الدِّيانات).
ومنهم أبو عمرو الدَّاني (ت444هـ)، الَّذي كانت له جهود وافرة في الرَّدِّ على أهل البدع والزَّيغ والضَّلالة، من ذلك ما عقده في كتابه (الرِّسالة الوافية) قائلاً: (فصل في ذمِّ أهل البدع ومذهبهم)(54) سرد فيه الآيات والأحاديث والآثار الواردة عن السَّلف في نبذ البدعة، والتَّحذير من الفرق الضَّالَّة كالخوارج والمعتزلة والرَّافضة والجهميَّة والمرجئة والقدرية، ودعوة السَّلف إلى عدم مجالستهم والخوض في أهوائهم…، وسلك المنهج نفسه رحمه الله في كتابه (السُّنن الورادة في الفتن وغوائلها والسَّاعة وأشراطها) حيث أورد اثني عشر أثرًا، ما بين مرفوع إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وموقوف عن الصَّحابة، تحت باب: (ما جاء في ظهور البدع والأهواء المضلة وإحيائها وإماتة السُّنن)(55)، فيها الدّلالة على نبذ الأهواء والبدع، ومجيء زمن تظهر فيه البدع كالخوارج والقدريَّة، وتصير البدع عند النَّاس هي السُّنن، حتَّى إذا ما أنكرها منكر قيل: غُيِّرت السُّنة، تنبيها منه على ضرورة لزوم السُّنة ومجانبة البدعة وأهلها.
ومن جهوده أيضًا رحمه الله ما أورده الذَّهبي في (السِّير) من أرجوزته في ذمِّ البدع وتعيير محدثيها من رؤوس الضَّلالة، حتَّى يجتنب النَّاس أهواءهم، ويحذروا اتِّباع آرائهم، فمن تلك الأبيات قوله(56):
واطّـرح الأهـواء والمــراء
وكـلّ قـول ولّـد الآراء
ومن هؤلاء الأعلام المالكيَّة الإمام ابن عبد البرِّ (ت463هـ) رحمه الله حافظ المغرب وعالمه، ذو التَّصانيف العديدة المليحة كـ(التَّمهيد) و(الاستذكار) و(جامع بيان العلم وفضله)، أنكر فيها الكثير من البدع والمحدثات سواء في الاعتقاد أو العبادات، ومن كلامه في ذمِّ أهل البدع عمومًا ما بيَّنه رحمه الله من فساد مسلكهم إذ يقول: (أهل البدع أجمع أضربوا عن السُّنَّة، وتأوَّلوا الكتاب على غير ما بيَّنت السُّنَّة فضلُّوا وأضلُّوا، ونعوذ بالله من الخذلان ونسأله التَّوفيق والعصمة برحمته...)(57).
ويقول أيضًا: (لا خير في شيء من مذاهب أهل الكلام كلّهم وبالله التَّوفيق)(58)، بل ونقل إجماع أهل العلم على ذمِّ أهل الكلام، فقال: (أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أنَّ أهل الكلام أهل بدع وزيغ ولا يعدُّون عند الجميع في طبقات الفقهاء، وإنَّما العلماء أهل الأثر والتَّفقُّه فيه، ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز والفهم)(59)، ومن شدَّته على أهل البدع أن قال: (ولا بأس بهجر أهل البدع ومقاطعتهم وترك السَّلام عليهم)(60) حتَّى يرجعوا إلى السُّنَّة.
ومنهم الإمام أبو بكر محمَّد بن الوليد الطّرطوشي (ت530هـ) رحمه الله، له كتاب نفيس قيِّم في إنكار البدع، سمَّاه: (كتاب الحوادث والبدع) تعرَّض من خلاله إلى تتبُّع المحدثات الموجودة في عصره، وكشف عن وجه مناقضتها للشَّريعة، وفساد مآخذ أصحابها، بالدَّليل والحجَّة، وقد بيَّن غرضه من هذا التَّأليف فقال: (هذا كتاب أردنا أن نذكر فيه جملاً من بدع الأمور ومحدثاتها، الَّتي ليس لها أصل في كتاب، ولا سنَّة، ولا إجماع، ولا غيره)، وممَّا بيَّنه رحمه الله في مؤلّفه هذا أنَّ البدع لا يمكن حصر سبلها وتعدادها، وإنَّما الَّذي ينحصر مداركها، حيث يقول: (اعلم أنَّ ما حدث في سائر بلاد أهل الإسلام من هذه المنكرات والبدع لا مطمع لأحد في حصرها؛ لأنَّها خطأ وباطل).
ومنهم أبو عبد الله القرطبي (ت671هـ) رحمه الله ممَّن أنكر بدعًا كثيرة في تفسيره القيِّم (الجامع لأحكام القرآن)، وحذَّر من الابتداع في الدِّين، كما عند تفسيره قوله تعالى:﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ الآية [آل عمران:106] ، حيث يقول: (فمن بدَّل أو غيَّر أو ابتدع في دين الله ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض، المُبْتَعَدِين منه، المسودي الوجوه، وأشدُّهم طردًا وإبعادًا من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فِرَقِها، والرَّوافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلُّهم مبدِّلون ومبتدعون، وكذلك الظَّلمة المسرفون في الظُّلم والجور وطمس الحقِّ وقتل أهله وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزَّيغ والأهواء والبدع، كلٌّ يخاف عليهم أن يكونوا عنوا بالآية والخبر كما بيَّنَّا، ولا يخلد في النَّار إلاَّ كافر جاحد ليس في قلبه مثقال حبَّة خردل من إيمان)(61).
ويقول ابن الحاج المالكي (ت737هـ) في كتابه (المدخل)(62) الَّذي يعتبر من أجمع ما ألَّف المالكيَّة في التَّنصيص على البدع والمنكرات، فيقول في معرض التَّحذير من الابتداع: (وليحذر ـ أي العالم ـ أن يغترَّ أو يميل إلى بدعة لدليل قام عنده على إباحتها من أجل استئناس النُّفوس بالعوائد أو بفتوى مفتٍ قد وهم أو نسي أو جرى عليه من الأعذار ما يجري على البشر وهو كثير، بل إذا نقل إباحة شيء من هذه الأمور عن أحد من العلماء؛ فينبغي للعالم بل يجب عليه أن ينظر إلى مأخذ العالم للمسألة، وتجويزه إيَّاها، من أين اخترعها وكيفيَّة إجازته لها؛ لأنَّ هذا الدِّين والحمد لله محفوظ فلا يمكن لأحد أن يقول فيه قولاً ويتركه بغير دليل، ولو فعل ذلك أحد لم يقبل منه، وهو مردود عليه؛ إلاَّ أن تكون قواعد الشَّرع تشهد بصحَّته فيرجع للقواعد وللدَّلائل القائمة، ويكون قول هذا العالم بيانًا وتفهيمًا وبسطًا للقواعد والدّلائل، وإن أتى على ما يقوله بدليل فينظر في الدَّليل؛ فإن كان موافقًا قُبِل وكان له أجران أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإن كان مخالفا لم يقبل وكان له أجر واحد وهو أجر الاجتهاد، وذلك راجع إلى نيَّته وجدّه ونظره...)(63).
وممَّن له عناية من المالكيَّة في نصرة السُّنَّة والرَّدِّ على أهل البدع؛ وتقعيد قواعد في بيان مآخذ أهلها، وكشف عوار مناهج منتحليها، وصارت مؤلَّفاته عمدة لكلِّ من كتب من بعده في هذا الباب؛ أبو إسحاق الشَّاطبي الغرناطي (ت790هـ) رحمه الله، فقد كانت له جهود جبَّارة في دعوة أهل بلده للأخذ بما كان عليه السَّلف الأوائل وترك ما أحدثه المحدثون واخترعه المبتدعون، ولأجل تبيان هذا الأصل العظيم ألَّف رحمه الله كتاب (الاعتصام) الَّذي لم يسبقه أحد في تأليف مستقلٍّ على منواله، وقد ذكر في مقدّمته ما دفعه لوضع هذا الكتاب فقال: (لم أزل أتتبَّع البدع الَّتي نبَّه عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذَّر منها، وبيَّن أنَّها ضلالة وخروج عن الجادَّة، وأشار العلماء إلى تمييزها والتَّعريف بجملة منها؛ لعلِّي أجتنبها فيما استطعت، وأبحث عن السُّنن الَّتي كادت تطفئ نورها تلك المحدثات؛ لعلِّي أجلو بالعمل سناها، وأُعَدُّ يوم القيامة فيمن أحياها، إذ ما من بدعة تحدث إلاَّ ويموت من السُّنن ما هو في مقابِلها حسبما جاء عن السَّلف في ذلك...، فرجوت بالنَّظر في هذا الموضع الانتظام في سلك من أحيا سنَّة وأمات بدعة)(64)، فجاء كتابه في عشرة أبواب أقام فيه البيَّنة على فساد الابتداع في الدِّين، ولم يترك فيها لمبتدع حجَّة، ولا لمتأوِّل شبهة، فجزاه الله خير الجزاء وتجاوز عنه فيما أخطأ فيه بعفوه وكرمه.
ولم تزل جهود علماء المالكيَّة في المغرب متواصلة في التَّحذير من البدع والأهواء، لاسيما بدع الطُّرقيَّة المتصوِّفة، وما أحدثوه من طقوس وعادات ما أنزل الله بها من سلطان، والله الموفِّق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكر ما ورد عن الإمام مالك رحمه الله وبعض علماء المالكيَّة بالمغرب
في التَّمسُّك بالسُّنَّة وفهم السَّلف ونبذ البدعة
المطلب الثاني: ذكـر مــا ورد عــن الإمـــام مــالك رحمه الله وبعض علماء المالكية في نبذ البدعة.
أمَّا فيما يخصُّ ما ورد عن الإمام مالك ومن اتَّبع منهجه من أصحابه ومن بعدهم علماء المالكيَّة في التَّحذير من الابتداع في الدِّين، والذَّمِّ لأهل الخصومة والرَّأي، وضرورة الابتعاد عمَّا لم يكن عليه السَّلف الأوَل من الصَّحابة وتابعيهم بإحسان فكثير جدًّا، وممَّا يدلُّ على شدَّة اهتمامهم بهذا الأصل العظيم أخذ مالك وأصحابه من بعده بسدِّ الذَّرائع؛ حسمًا للوسائل المفضية للوقوع في الشِّرك أو الابتداع، وصار العمل بسدِّ الذَّرائع من أصول المذهب عند المالكيَّة، قال الطّرطوشي (ت530هـ) رحمه الله: (اعلم أنَّ الحرف الَّذي يدور عليه هذا المذهب(1) إنَّما هو حماية الذَّرائع وألاَّ يزاد في الفروض ولا في السُّنن المسنّنة، وألاَّ يعتقد أيضًا في النَّوافل المبتدأة أنَّها سنن مؤقَّتة)(2)، وقال القرطبي رحمه الله: (التَّمسُّك بسدِّ الذَّرائع وحمايتها هو مذهب مالك وأصحابه، وأحمد بن حنبل في رواية عنه، وقد دلَّ على هذا الأصل الكتاب والسُّنَّة)(3).
وقد كان مالك رحمه الله شديد البعد عن البدع، مبغضًا لها، مجانبًا لمواقعها، مفارقًا لأصحابها، قال ابن وضَّاح القرطبي: (وقد كان مالك يكره كلَّ بدعة، وإن كانت في خير)(4)، وقال أبو طالب المكِّي: (كان مالك رحمه الله أبعد النَّاس من مذاهب المتكلِّمين، وأشدّهم بغضًا للعراقيِّين، وألزمهم لسنَّة السَّالفين من الصَّحابة والتَّابعين)(5).
وقال عنه الشَّاطبي: (وقد كان من أشدِّهم اتِّباعًا، وأبعدهم من الابتداع)(6)، وقال الزُّهري: (رأيت مالكًا ـ وقوم يتجادلون عنده ـ فقام ونفض رداءه وقال: إنَّما أنتم جرب)(7).
وبيَّن رحمه الله أنَّ الابتداع في الدِّين مضادٌّ لكمال الشَّريعة، وانتقاصٌ لها ولِمن بلَّغها، وأنَّ حال المبتدع في إحداثه كالقائل بتقصير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في إبلاغ هذا الدِّين، قال ابن الماجشون (ت213): سَمِعْتُ مَالكًا يقول: (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أنَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم خان الرِّسالة؛ لأنَّ الله تعالى يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾[المائدة:3]، فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا)(8)، قال الشَّاطبيُّ: (وثبت أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يمتْ حتَّى أتى ببيانِ جميع ما يحتاج إليه في أمر الدِّين والدُّنيا، وهذا لا مخالف عليه من أهل السُّنَّة، …فالمبتدع إنَّما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله: إنَّ الشَّريعة لم تتمَّ، وإنَّه بقي منها أشياء يجب أو يستحبُّ استدراكها؛ لأنَّه لو كان معتقدًا لكمالها وتمامها من كلِّ وجه لم يبتدع، ولا استدرك عليها، وقائل هذا ضالٌّ عن الصِّراط المستقيم)(9).
والبدعة من أخطر ما يُبتلى به المرء في دينه؛ لأنَّ المعصية يُرجى لصاحبها التَّوبة والإنابة إلى الله منها، أمَّا صاحب البدعة فيظنُّ نفسه على الطَّاعة، ولذا فهو على ملازمتها أحرص؛ إلى أن يموت عليها والعياذ بالله، فلأجل هذا كلِّه وغيره حذَّر الإمام مالك رحمه الله من خطورة الابتداع فقال: (لو أنَّ العبد ارتكب الكبائر كلّها بعد أن لا يشرك بالله شيئًا، ثمَّ نجا من هذه الأهواء؛ لرجوت أن يكون في أعلى جنَّات الفردوس؛ لأنَّ كلَّ كبيرة بين العبد وبين ربِّه هو منها على رجاء، وكلَّ هوى ليس هو منه على رجاء، إنَّما يهوي بصاحبه في نار جهنم)(10).
وكان رحمه الله كثيرًا ما ينصح من يأتيه باجتناب ما أحدثه أهل البدع وأصحاب الرَّأي من كلام وجدال وخصومة، قال إسحاق بن عيسى (ت224): رأيت رجلاً من أهل المغرب جاء مالك بن أنس فقال: إنَّ الأهواء كثرت قِبَلنا فجعلت على نفسي إن أنا أتيتك أن آخذ بما تأمرني به؟ فوصف له مالك شرائع الإسلام؛ الصَّلاة، الزَّكاة، الصِّيام، الحجّ، ثمَّ قال: (خذ بهذا ولا تخاصم أحدًا)(11).
كما أنَّه بيَّن رحمه الله أنَّ بدعة الكلام باطل وانحراف عن جادَّة السَّبيل، خالف بها الخَلَف من أهل الكلام ما كان عليه السَّلف، وخاضوا في الَّذي توقَّف عنه الصَّحابة والتَّابعون، ذلك لأنَّ السَّلف ما أمسكوا عنه إلاَّ عن علمٍ وبصيرة لا عن جهل وغفلة، قال أشهب بن عبد العزيز (ت204): سمعت مالك بن أنس يقول: (إيَّاكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله ما البدع؟ قال: أهل البدع الَّذين يتكلَّمون في أسمائه وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، لا يسكتون عمَّا سكت عنه الصَّحابة والتَّابعون لهم بإحسان)(12).
وقال عبد الرَّحمن بن مهدي: (دخلت عند مالك وعنده رجل يسأله عن القرآن، فقال: لعلَّك من أصحاب عمرو بن عبيد، لعن الله عمرًا فإنَّه ابتدع هذه البدع من الكلام، ولو كان الكلام علمًا لتكلَّم فيه الصَّحابة والتَّابعون كما تكلَّموا في الأحكام والشَّرائع؛ ولكنَّه باطل يدلُّ على باطل)(13).
وقال مصعب بن عبد الله الزبيري (ت236هـ): كان مالك بن أنس يقول: (الكلام في الدِّين أكرهه، وكان أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه، نحو الكلام في رأي جهم والقدر وكلّ ما أشبه ذلك، ولا أحبُّ الكلام إلاَّ فيما تحته عمل، فأمَّا الكلام في الدِّين وفي الله عز وجل فالسُّكوت أحبُّ إليَّ؛ لأنِّي رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدِّين إلاَّ ما تحته عمل)(14).
قال ابن عبد البرِّ معلِّقًا على كلام الإمام: (والَّذي قاله مالك رحمه الله عليه جماعة الفقهاء والعلماء قديمًا وحديثًا من أهل الحديث والفتوى، وإنَّما خالف ذلك أهل البدع ـ المعتزلة وسائر الفرق ـ، وأمَّا الجماعة على ما قال مالك رحمه الله إلاَّ أن يضطرَّ أحدٌ إلى الكلام فلا يسعه السُّكوت إذا طمع بردِّ الباطل وصرف صاحبه عن مذهبه، أو خشي ضلال عامَّة أو نحو هذا)(15).
ولأجل ذلك كان من منهجه رحمه الله عدم الخوض في كلام أهل البدع، والعزوف عن مجادلتهم، والبعد عن محادثتهم، طلبًا لسلامة الدِّين، وخوفًا من التَّنقُّل عن منهج أهل الحقِّ، قال الهيثم بن جميل (ت:213هـ): (قلت لمالك ابن أنس: يا أبا عبد الله، الرَّجل يكون عالما بالسُّنَّة أيجادل عنها؟ قال: لا، ولكن يخبر بالسُّنَّة؛ فإن قبلت منه وإلاَّ سكت)(16).
وقال ابن أبي زيد القيرواني: قيل ـ أي لمالك ـ: فمن قوي على كلام الزَّنادقة والإباضية والقدريَّة وأهل الأهواء أيكلِّمهم؟، قال: (لا؛ وإنَّ الَّذين خرجوا إنَّما عابوا المعاصي(17) وهؤلاء تكلَّموا في أمر الله)(18).
وعن معن بن عيسى أنَّ مالك بن أنس انصرف يومًا من المسجد وهو متَّكئ على يديه، فلحقه رجل يقال له: أبو الجويرية، كان يُتَّهم بالإرجاء، فقال: يا أبا عبد الله! اسمع منِّي شيئًا أكلِّمك به وأحاجّك وأخبرك برأيي، قال: فإن غلبتني؟ قال: إن غلبتك اتَّبعتني، قال: فإن جاء رجل آخر فكلَّمنا فغلبنا؟ قال: نتَّبعه، قال مالك رحمه الله: (يا عبد الله! بعث الله محمَّدًا صلى الله عليه وسلم بدين واحد، وأراك تتنقَّل من دين إلى دين، قال عمر بن عبد العزيز: (من جعل دينه غرضًا للخصومات أكثر التَّنقُّل))(19).
وقد تنوَّعت مواقف الإمام مالك رحمه الله تجاه أهل البدع، فعن معن بن عيسى قال: كان مالك يقول: (لا يؤخذ العلم عن أربعة ويؤخذ ممَّن سوى ذلك)، وذكر من هؤلاء الأربعة: (صاحب هوى يدعو إلى هواه، أو قال: مبتدع يدعو إلى بدعته)(20)، وقال أيضًا: (لا تسلِّم على أهل الأهواء ولا تجالسهم إلاَّ أن تغلظ عليهم، ولا يعاد مريضهم، ولا تُحدَّث عنهم الأحاديث)(21).
بل ونهى رحمه الله عن إجارة كتب أهل البدع كما جاء في كتاب أبي عبد الله بن خويز منداد قوله: قال مالك: (لا تجوز الإجارة في شيء من كتب أهل الأهواء والبدع والتَّنجيم. وذكر كتبًا ثمَّ قال: «وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم، وتفسخ الإجارة في ذلك)(22).
وقال ابن خويز منداد في تأويل قول مالك: (لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء): (أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكلُّ متكلِّم فهو من أهل الأهواء والبدع، ولا تقبل لهم شهادة في الإسلام، ويهجر ويؤدَّب على بدعته، فإن تمادى عليها استتيب منها)(23).
* أمَّا ما جاء عن أصحاب مالك وأعلام مذهبه فكثير ومَوْفُور في هذا الباب
ولم يألوا جهدًا ـ رحمهم الله ـ في النَّهي عن اتِّباع الأهواء والبدع، والتَّحذير من مجالسة أصحابها والأخذ عنهم، بل قد نقل القرافي (ت684هـ) رحمه الله الاتفاق على ذلك فقال: (اعلم أنَّ الأصحاب ـ أي علماء المالكيَّة ـ فيما رأيتُ متَّفقون على إنكار البدع نصَّ على ذلك ابن أبي زيد وغيره)(24).
ولا عجب في ذلك؛ إذ المغرب العربي قد توغَّلت فيه من الفتن والبدع والأهواء ـ في حياة الإمام مالك وبعد مماته ـ ما دعا علماء المالكيَّة للوقوف ضدَّ هذه الضَّلالات والانحرافات، وكشف زيفها، وهتك سترها، والتَّحذير منها أيّما تحذير.
فهذا عبد الله بن فروخ الفارسي (ت171هـ) الَّذي كان مُبَايِنًا لأهل البدع معاديًا لهم، يراسل الإمام مالكًا ليخبره بحال بلاد المغرب فيقول: (إنَّ بلدنا كثير البدع)، وأنَّه ألَّف لهم كلامًا في الرَّدِّ عليهم، فكتب إليه مالك: (إنَّك إن ظننت ذلك بنفسك خفت أن تزل أو تهلك، لا يردُّ عليهم إلاَّ من كان ضابطًا عارفًا بما يقول لهم، ليس يقدرون أن يعرجوا عليه، فإنَّ هذا لا بأس به، وأمَّا غير هذا فإنِّي أخاف أن يكلِّمهم فيخطئ فيمضوا على خطئه، أو يظفروا منه بشيء فيتعلَّقوا به ويزدادوا تماديًا على ذلك)(25)، حرصًا من الإمام مالك رحمه الله في ألاَّ يناظر أهل البدع إلاَّ من كان ذا علم وفقه في دين الله، عارفًا بمساوئ مذاهب أهل الباطل، بصيرًا في نقدهم ودحض شبههم، فيظهر به الدين ويعلو به الحقُّ.
وكان البهلول بن راشد (ت183هـ) معروفًا بالنَّكير على أهل البدع وتركه السَّلام عليهم، قال عنه تلميذه سحنون: إنَّما اقتديت في ترك السَّلام على أهل الأهواء والصَّلاة خلفهم بمعلِّمي البهلول([26])، وكان من شدَّته في الإنكار على أهل البدع أن هجر سحنونًا حين حادث أحد أهل البدع، قال سحنون رحمه الله: (ولقد أتيت يومًا إلى البهلول فوافاني رجل من أهل الأهواء على بابه، وسألني عن الشَّيخ، فما رددت عليه جوابًا، والشَّيخ يسمع ذلك، فلمَّا دخلت على الشَّيخ سلَّمت عليه، فلم يردَّ عليَّ السَّلام، وأعرض عنِّي، فلمَّا خرج النَّاس من عنده تقدَّمت إليه، فجثوت على ركبتي بين يديه، فقلت له: ما خبري وما قصَّتي؟ فقال: يسلِّم عليك رجل من أهل الأهواء ويسألك عنِّي!، فقلت له: والله ما رددت عليه جوابًا، قال: فقام لي عند ذلك وقال: مرحبًا وأهلاً، وسلَّم عليَّ وقال لي: إنَّ هذا الَّذي أمرتك به تعرف به الحقَّ من الباطل)(27).
ومن مواقف هذين الإمامين ـ رحمهما الله ـ أعني ابن فروخ والبهلول ـ الَّتي حفظها لهما أهل التَّراجم في النَّكير على أهل البدع، ما حكاه عنهما سحنون قائلاً: (مات رجل يقال له: الرفّاء(28)، وكان من أصحاب البهلول، وكان فاضلاً، فحضره ابن غانم وابن فروخ والبهلول، فأتي بجنازته وبجنازة ابن صخر المعتزلي، فصلِّيَ على الرفَّاء ثمَّ قدِّم ابن صخر المعتزلي، فقالوا لابن غانم: (الجنازة!)، فقال: (كلُّ حيٍّ ميت فقدِّموا دابَّتي)، ولم يصلِّ عليه، فقيل لابن فروخ: (الجنازة!)، فقال مثل ذلك، وقام ولم يصلّ عليه، وقيل للبهلول: (الجنازة!)، فقال مثل ذلك)(29).
وهذا أسد بن الفرات (ت213هـ) مشهور بالفضل والدِّين، متمسِّك بالسُّنَّة، نابذ للبدعة، والَّذي بلغ من نهيه رحمه الله عن البدع أن كان يحدِّث بحديث فيه رؤية الله تبارك وتعالى في الآخرة، وسليمان العراقي(30) عند آخر المسجد، فتكلَّم وأنكر، فسمعه فقام إليه وجمع بين طوقه ولحيته واستقبله بنعله، فضربه ضربًا شديدًا حتَّى أدماه(31)، وكان يقول :: (ثلاثة لا غيبة فيهم: صاحب بدعة...)(32).
ولأجل هذه المواقف وأمثالها كتب أسد ابن موسى (ت212) ـ المعروف بأسد السُّنَّة ـ إلى أسد ابن الفرات يشجِّعه لما علم من حاله في التَّمسُّك بالسُّنَّة والنَّهي عن البدعة؛ فقال:
(اعلم أي أُخَيَّ! إنَّما حملني على الكتاب إليك ما ذكر أهل بلادك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك النَّاس وحسن حالك ممَّا أظهرت من السُّنَّة، وعيبك لأهل البدعة، وكثرة ذكرك لهم، وطعنك عليهم، فقمعهم الله بك وشدَّ بك ظهر أهل السُّنَّة وقوَّاك عليهم بإظهار عيبهم والطَّعن عليهم، فأذلَّهم الله بذلك وصاروا ببدعتهم مستترين، فأبشر أي أُخَي بثواب ذلك واعتدّ به من أفضل حسناتك من الصَّلاة والصِّيام والحجِّ والجهاد وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله وإحياء سنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم …، وادع إلى السُّنَّة حتَّى يكون لك في ذلك أُلفة وجماعة يقومون مقامك إن حدث بك حدث فيكونون أئمَّة بعدك فيكون لك ثواب ذلك إلى يوم القيامة كما جاء الأثر…، وإيَّاك أن يكون لك من أهل البدع أخ أو جليس أو صاحب...، وقد وقعت اللَّعنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل البدع، وأنَّ الله لا يقبل منهم صرفًا ولا عدلاً ولا فريضة ولا تطوعًا، وكلَّما ازدادوا اجتهادًا وصومًا وصلاة ازدادوا من الله بعدًا، فارفض مجالسهم وأذلّهم وأبعدهم كما أبعدهم الله وأذلَّهم رسوله صلى الله عليه وسلم وأئمَّة الهدى من بعده)(33).
ومنهم سحنون بن سعيد التنوخي (ت240هـ) رحمه الله الَّذي عرف بشدَّته على أهل البدع؛ والَّذي ما أن تولَّى منصب القضاء بالقيروان حتَّى فضَّ حلق أهل البدع والأهواء في مسجد القيروان، وكانوا حلقًا للصُّفرية والإباضيَّة والمعتزلة، كما أنَّه منعهم أن يكونوا أئمَّة في المساجد أو معلِّمين للصِّبيان ومؤدِّبين لهم، وعاقب جماعة منهم خالفوا أمره وأطافهم بالقيروان(34).
وقام محمد بن سحنون (ت256هـ) بحمل لواء السُّنَّة من بعد والده، وكان رحمه الله واسع المعرفة، عالمًا بالأثر، خبيرًا بالجدل، قوي الحجَّة في المناظرة، له مؤلَّفات عدَّة في الرَّدِّ على أهل البدع، وقد كان من قبله من العلماء يكتفون بالفتاوى أو المواقف الفرديَّة ضدَّ المخالفين، ذلك أنَّ أهل البدع أقبلوا على تدوين آرائهم ونشر كتب منتحلي مذاهبهم من أهل المشرق، ممَّا دعا علماء المالكيَّة في عصر محمَّد ومن بعده إلى التَّأليف والمناظرة، لنصرة الحقِّ وإبطال الأهواء والبدع، فمن مؤلَّفات محمَّد بن سحنون رحمه الله كتابان في (الإمامة)، وله كتاب (الإيمان والرَّدُّ على أهل الشِّرك) وكتاب (الحجَّة على القدرية) وآخر في (الرَّدّ على أهل البدع) و(رسالة فيمن سبَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم)(35) وله مناظرات مع بعض المعتزلة(36).
ومنهم محمَّد بن وضَّاح القرطبي (ت287هـ)، ألَّف كتابًا جليلاً في البدعة وما يتعلَّق بها؛ اعتبر أقدم مصدر في هذا الباب، وقد بان فيه تمسُّكه القويّ بالسُّنَّة وآثار السَّلف وبغضه للبدع وشدَّة إنكاره لها وسمَّاه (كتاب فيه ما جاء في البدع)، عرض فيه الأحاديث والآثار الواردة عن السَّلف في ذمِّ الابتداع في الدِّين.
ومنهم حمديس القطَّان (ت289هـ)؛ الَّذي كان شديدًا في مذاهب أهل السُّنَّة، مفارقًا لأهل البدع، لا يسلِّم عليهم ولا يصلِّي خلفهم ولا يحضر جنائزهم(37).
ومنهم يحيى بن عمر (ت289هـ) وكان كثير الإنكار للبدع والمحدثات، وله تآليف عدَّة في الرَّدِّ على أهل البدع، منها كتاب في الرَّدِّ على المرجئة(38).
ومنهم محمَّد بن أحمد الفارسي (ت359هـ) وكان متمسِّكًا بالسُّنَّة، شديد الإنكار على أهل البدع، صلبًا في ذلك، وكانت له مواقف امتحن فيها لأجل صلابته في السُّنَّة.
ومنهم المحدِّث الإمام أحمد بن عون الله ابن حدير أبي جعفر الأندلسي القرطبي (ت378هـ)، وكان رحمه الله صارمًا في السُّنَّة، متشدِّدًا على أهل البدع، لهجا بهذا النَّوع، صبورًا على الأذى فيه(39)، قال عنه أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن مفرج: (كان أبو جعفر أحمد بن عون الله محتسبًا على أهل البدع، غليظًا عليهم، مذِلاًّ لهم، طالبًا لمساوئهم، مسارعًا في مضارِّهم، شديد الوطأة عليهم، مشرِّدًا لهم إذا تمكَّن منهم، غير مبقٍ عليهم، وكان كلُّ من كان منهم خائفًا منه على نفسه متوقِّيًا، لا يداهن أحدًا منهم على حال ولا يسالمه، وإن عثر لأحد منهم على منكر وشُهد عليه عنده بانحرافٍ عن السُّنَّة نابذه وفضحه وأعلن بذكره والبراءة منه، وعيَّره بذكر السُّوء في المحافل، وأغرى به حتَّى يهلكه أو ينـزع عن قبيح مذهبه وسوء معتقده، ولم يزل دؤوبًا على هذا جاهدًا فيه ابتغاء وجه الله إلى أن لقي الله عز وجل)(40).
ومنهم الإمام أبو محمَّد عبد الله بن أبي زيد القيرواني (ت386هـ)، الَّذي كان يلقَّب بـ(مالك الصَّغير)، له مؤلَّفات عدَّة نصر فيها عقيدة السَّلف كما في مقدِّمة كتابه (الرِّسالة) في الفقه المالكي وفيها يقول: (واتِّباع السَّلف الصَّالح واقتفاء آثارهم، والاستغفار لهم، وترك المراء والجدال في الدِّين، وترك كلِّ ما أحدثه المحدثون)([41])، و(كتاب الجامع في السُّنن والآداب والمغازي والتَّاريخ) والَّذي عقد فيه بابًا بعنوان: (باب ذكر السُّنن الَّتي خلافها البدع وذكر الاقتداء والاتِّباع وشيء من فضل الصَّحابة ومجانبة أهل البدع)([42])، وأورد فيه الأحاديث الدالَّة على ضرورة التَّمسُّك بالسُّنَّة والابتعاد عن البدعة، كما أنَّه أورد آثارًا عديدة عن أئمَّة السَّلف في النَّهي عن البدع وعلم الكلام، وأقوالهم في الفرق المنحرفة كالخوارج، وفي آخر الباب يقول رحمه الله: (وكلُّ ما قدَّمنا ذكره فهو قول أهل السُّنَّة وأئمَّة النَّاس في الفقه والحديث على ما بيَّنَّاه، وكلُّه قول لمالك، فمنه منصوص من قوله، ومنه معلوم من مذهبه)(43)، ومن كتبه في الرَّدِّ على البدع والفرق الضَّالَّة كتابه في (النَّهي عن الجدال) و(رسالة في الرَّدِّ على القدريَّة)، وكتاب (في الرَّدِّ على أبي ميسرة المارق)، وآخر (في مناقضة رسالة البغدادي المعتزلي)(44).
ومنهم الإمام ابن أبي زمنين (ت399هـ)؛ العالم القدوة المقتفي لآثار السَّلف، له كتاب (أصول السُّنَّة) كما تقدم معنا، أبان فيه عن عقيدة أهل السُّنَّة، والَّذي نقل منه الأئمَّة كشيخ الإسلام ابن تيميَّة(45)، وابن القيَِّم في كتابه (اجتماع الجيوش الإسلاميَّة) (ص81).
وقد عقد ابن أبي زمنين في كتابه هذا بابين في الرَّدِّ على أهل البدع وساق فيهما الأحاديث والآثار الواردة في ذلك بإسناده إلى قائليها، أمَّا الباب الأوَّل فهو: (باب في النَّهي عن مجالسة أهل الأهواء)، والثَّاني: (في استتابة أهل الأهواء واختلاف أهل العلم في تكفيرهم)، ومن كلامه في عيب أهل البدع قوله: (ولم يزل أهل السُّنَّة يعيبون أهل الأهواء المضلَّة، وينهون عن مجالستهم ويخوفون فتنتهم، ويخبرون بخلاقهم، ولا يرون ذلك غيبة لهم ولا طعنًا عليهم)(46).
ومن هؤلاء الأعلام الإمام أبو عمر الطلمنكي (ت429هـ)، أحد أئمَّة السُّنَّة بالأندلس، وكان رحمه الله عارفًا بأصول الدِّيانة على هدى واستقامة، معروفًا بشدَّته على أهل الأهواء والبدع، وكان سيفًا مجرَّدًا عليهم، قامعًا لهم غيورًا على الشَّريعة، له مصنَّفات عدَّة في الذَّبِّ عن السُّنَّة وردِّ البدع، فمنها كتاب (الوصول إلى معرفة الأصول)(47) اعتمده كثير من علماء السُّنَّة ونقلوا منه في كتب الاعتقاد كشيخ الإسلام ابن تيمية في (درء تعارض العقل والنقل)(48)، وفي (بيان تلبيس الجهميَّة في تأسيس بدعهم الكلاميَّة)(49)، وفي (منهاج السُّنَّة)(50)، ونقل منه ابن القيِّم في كتابه (اجتماع الجيوش الإسلاميَّة على غزو المعطِّلة والجهميَّة)(51)، وفي كتابه (الصَّواعق المرسلة على الجهميَّة والمعطِّلة)(52)، والذَّهبي في كتابه (العلوّ)(53)، ومن كتب الطلمنكي أيضًا (كتاب في الرَّدِّ على ابن مسرَّة)، و(رسالة في أصول الدِّيانات).
ومنهم أبو عمرو الدَّاني (ت444هـ)، الَّذي كانت له جهود وافرة في الرَّدِّ على أهل البدع والزَّيغ والضَّلالة، من ذلك ما عقده في كتابه (الرِّسالة الوافية) قائلاً: (فصل في ذمِّ أهل البدع ومذهبهم)(54) سرد فيه الآيات والأحاديث والآثار الواردة عن السَّلف في نبذ البدعة، والتَّحذير من الفرق الضَّالَّة كالخوارج والمعتزلة والرَّافضة والجهميَّة والمرجئة والقدرية، ودعوة السَّلف إلى عدم مجالستهم والخوض في أهوائهم…، وسلك المنهج نفسه رحمه الله في كتابه (السُّنن الورادة في الفتن وغوائلها والسَّاعة وأشراطها) حيث أورد اثني عشر أثرًا، ما بين مرفوع إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وموقوف عن الصَّحابة، تحت باب: (ما جاء في ظهور البدع والأهواء المضلة وإحيائها وإماتة السُّنن)(55)، فيها الدّلالة على نبذ الأهواء والبدع، ومجيء زمن تظهر فيه البدع كالخوارج والقدريَّة، وتصير البدع عند النَّاس هي السُّنن، حتَّى إذا ما أنكرها منكر قيل: غُيِّرت السُّنة، تنبيها منه على ضرورة لزوم السُّنة ومجانبة البدعة وأهلها.
ومن جهوده أيضًا رحمه الله ما أورده الذَّهبي في (السِّير) من أرجوزته في ذمِّ البدع وتعيير محدثيها من رؤوس الضَّلالة، حتَّى يجتنب النَّاس أهواءهم، ويحذروا اتِّباع آرائهم، فمن تلك الأبيات قوله(56):
واطّـرح الأهـواء والمــراء
وكـلّ قـول ولّـد الآراء
ومن هؤلاء الأعلام المالكيَّة الإمام ابن عبد البرِّ (ت463هـ) رحمه الله حافظ المغرب وعالمه، ذو التَّصانيف العديدة المليحة كـ(التَّمهيد) و(الاستذكار) و(جامع بيان العلم وفضله)، أنكر فيها الكثير من البدع والمحدثات سواء في الاعتقاد أو العبادات، ومن كلامه في ذمِّ أهل البدع عمومًا ما بيَّنه رحمه الله من فساد مسلكهم إذ يقول: (أهل البدع أجمع أضربوا عن السُّنَّة، وتأوَّلوا الكتاب على غير ما بيَّنت السُّنَّة فضلُّوا وأضلُّوا، ونعوذ بالله من الخذلان ونسأله التَّوفيق والعصمة برحمته...)(57).
ويقول أيضًا: (لا خير في شيء من مذاهب أهل الكلام كلّهم وبالله التَّوفيق)(58)، بل ونقل إجماع أهل العلم على ذمِّ أهل الكلام، فقال: (أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أنَّ أهل الكلام أهل بدع وزيغ ولا يعدُّون عند الجميع في طبقات الفقهاء، وإنَّما العلماء أهل الأثر والتَّفقُّه فيه، ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز والفهم)(59)، ومن شدَّته على أهل البدع أن قال: (ولا بأس بهجر أهل البدع ومقاطعتهم وترك السَّلام عليهم)(60) حتَّى يرجعوا إلى السُّنَّة.
ومنهم الإمام أبو بكر محمَّد بن الوليد الطّرطوشي (ت530هـ) رحمه الله، له كتاب نفيس قيِّم في إنكار البدع، سمَّاه: (كتاب الحوادث والبدع) تعرَّض من خلاله إلى تتبُّع المحدثات الموجودة في عصره، وكشف عن وجه مناقضتها للشَّريعة، وفساد مآخذ أصحابها، بالدَّليل والحجَّة، وقد بيَّن غرضه من هذا التَّأليف فقال: (هذا كتاب أردنا أن نذكر فيه جملاً من بدع الأمور ومحدثاتها، الَّتي ليس لها أصل في كتاب، ولا سنَّة، ولا إجماع، ولا غيره)، وممَّا بيَّنه رحمه الله في مؤلّفه هذا أنَّ البدع لا يمكن حصر سبلها وتعدادها، وإنَّما الَّذي ينحصر مداركها، حيث يقول: (اعلم أنَّ ما حدث في سائر بلاد أهل الإسلام من هذه المنكرات والبدع لا مطمع لأحد في حصرها؛ لأنَّها خطأ وباطل).
ومنهم أبو عبد الله القرطبي (ت671هـ) رحمه الله ممَّن أنكر بدعًا كثيرة في تفسيره القيِّم (الجامع لأحكام القرآن)، وحذَّر من الابتداع في الدِّين، كما عند تفسيره قوله تعالى:﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ الآية [آل عمران:106] ، حيث يقول: (فمن بدَّل أو غيَّر أو ابتدع في دين الله ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض، المُبْتَعَدِين منه، المسودي الوجوه، وأشدُّهم طردًا وإبعادًا من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فِرَقِها، والرَّوافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلُّهم مبدِّلون ومبتدعون، وكذلك الظَّلمة المسرفون في الظُّلم والجور وطمس الحقِّ وقتل أهله وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزَّيغ والأهواء والبدع، كلٌّ يخاف عليهم أن يكونوا عنوا بالآية والخبر كما بيَّنَّا، ولا يخلد في النَّار إلاَّ كافر جاحد ليس في قلبه مثقال حبَّة خردل من إيمان)(61).
ويقول ابن الحاج المالكي (ت737هـ) في كتابه (المدخل)(62) الَّذي يعتبر من أجمع ما ألَّف المالكيَّة في التَّنصيص على البدع والمنكرات، فيقول في معرض التَّحذير من الابتداع: (وليحذر ـ أي العالم ـ أن يغترَّ أو يميل إلى بدعة لدليل قام عنده على إباحتها من أجل استئناس النُّفوس بالعوائد أو بفتوى مفتٍ قد وهم أو نسي أو جرى عليه من الأعذار ما يجري على البشر وهو كثير، بل إذا نقل إباحة شيء من هذه الأمور عن أحد من العلماء؛ فينبغي للعالم بل يجب عليه أن ينظر إلى مأخذ العالم للمسألة، وتجويزه إيَّاها، من أين اخترعها وكيفيَّة إجازته لها؛ لأنَّ هذا الدِّين والحمد لله محفوظ فلا يمكن لأحد أن يقول فيه قولاً ويتركه بغير دليل، ولو فعل ذلك أحد لم يقبل منه، وهو مردود عليه؛ إلاَّ أن تكون قواعد الشَّرع تشهد بصحَّته فيرجع للقواعد وللدَّلائل القائمة، ويكون قول هذا العالم بيانًا وتفهيمًا وبسطًا للقواعد والدّلائل، وإن أتى على ما يقوله بدليل فينظر في الدَّليل؛ فإن كان موافقًا قُبِل وكان له أجران أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإن كان مخالفا لم يقبل وكان له أجر واحد وهو أجر الاجتهاد، وذلك راجع إلى نيَّته وجدّه ونظره...)(63).
وممَّن له عناية من المالكيَّة في نصرة السُّنَّة والرَّدِّ على أهل البدع؛ وتقعيد قواعد في بيان مآخذ أهلها، وكشف عوار مناهج منتحليها، وصارت مؤلَّفاته عمدة لكلِّ من كتب من بعده في هذا الباب؛ أبو إسحاق الشَّاطبي الغرناطي (ت790هـ) رحمه الله، فقد كانت له جهود جبَّارة في دعوة أهل بلده للأخذ بما كان عليه السَّلف الأوائل وترك ما أحدثه المحدثون واخترعه المبتدعون، ولأجل تبيان هذا الأصل العظيم ألَّف رحمه الله كتاب (الاعتصام) الَّذي لم يسبقه أحد في تأليف مستقلٍّ على منواله، وقد ذكر في مقدّمته ما دفعه لوضع هذا الكتاب فقال: (لم أزل أتتبَّع البدع الَّتي نبَّه عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذَّر منها، وبيَّن أنَّها ضلالة وخروج عن الجادَّة، وأشار العلماء إلى تمييزها والتَّعريف بجملة منها؛ لعلِّي أجتنبها فيما استطعت، وأبحث عن السُّنن الَّتي كادت تطفئ نورها تلك المحدثات؛ لعلِّي أجلو بالعمل سناها، وأُعَدُّ يوم القيامة فيمن أحياها، إذ ما من بدعة تحدث إلاَّ ويموت من السُّنن ما هو في مقابِلها حسبما جاء عن السَّلف في ذلك...، فرجوت بالنَّظر في هذا الموضع الانتظام في سلك من أحيا سنَّة وأمات بدعة)(64)، فجاء كتابه في عشرة أبواب أقام فيه البيَّنة على فساد الابتداع في الدِّين، ولم يترك فيها لمبتدع حجَّة، ولا لمتأوِّل شبهة، فجزاه الله خير الجزاء وتجاوز عنه فيما أخطأ فيه بعفوه وكرمه.
ولم تزل جهود علماء المالكيَّة في المغرب متواصلة في التَّحذير من البدع والأهواء، لاسيما بدع الطُّرقيَّة المتصوِّفة، وما أحدثوه من طقوس وعادات ما أنزل الله بها من سلطان، والله الموفِّق.
(1) أي المذهب المالكي.
(2) كتاب «الحوادث والبدع» للطرطوشي (ص66).
(3) الجامع لأحكام القرآن الكريم للقرطبي (2/57).
(4) كتاب فيه ما جاء في البدع (ص94).
(5) «ترتيب المدارك» (2/39).
(6) «الاعتصام» (1/299).
(7) «ترتيب المدارك» (2/39).
(8) «الاعتصام» (1/62).
(9) المصدر نفسه.
(10) «ترتيب المدارك» (2/49).
(11) «ترتيب المدارك» (2/47).
(12) رواه الصابوني في «عقيدة السلف أصحاب الحديث» (ص69)، وذكره الزواوي في «مناقب الإمام مالك» (ص147).
(13) ذكره البغوي في «شرح السنة» (1/217)، والزواوي في «مناقب الإمام مالك» (ص147 ـ 148).
(14) «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر (2/938).
(15) المصدر نفسه.
(16) «ترتيب المدارك» (2/39)، «الجامع» لابن عبد البر (2/936).
(17) يريد الإمام مالك رحمه الله أن أهل البدع الأوائل حينما خرجوا عن جماعة المسلمين وهم الخوارج؛ إنما تكلموا في أمور هي من المعاصي؛ أنكروها على عثمان وعلي رضي الله عنهما، ولأجل ذلك ناظرهم الصحابة كما وقع لابن عباس رضي الله عنهما حين خرج لمناظرتهم قبل موقعة صفين، أما أهل البدع الذين خلفوا أولئك هم أهل كلام وجدال، خاضوا في المغيبات من صفات الله وما إلى ذلك بما أملت عليهم عقولهم القاصرة، وجدال مثل هؤلاء شرّ موصل إلى باطل وضلال، عافانا الله من ذلك.
(18) «الجامع» لابن أبي زيد القيرواني (ص125).
(19) رواه الآجري في «الشريعة» (1/437 ـ 438)، وابن بطَّة في الإبانة (2/508).
(20) انظر: «التمهيد» (1/66 ـ 67)، «جامع بيان العلم» لابن عبد البر (2/821).
(21) «الجامع» لابن أبي زيد القيرواني (ص125).
(22) «جامع بيان العلم وفضله» (2/942 ـ 943).
(23) «جامع بيان العلم وفضله» (2/942 ـ 943) بتصرف.
(24) «الفروق» (4/202).
(25) «رياض النفوس» (1/177).
(26) «رياض النفوس» (1/203).
(27) المصدر نفسه (1/204).
(28) لم أقف على ترجمته.
(29) «طبقات أبي العرب» (ص34)، «رياض النفوس» (1/186).
(30) هو سليمان بن أبي عصفور حفص الفرّاء المعتزلي، كان ممَّن يقول بخلق القرآن وذا جدل ومناظرة في ذلك، رحل ودخل بغداد، وله مؤلفات في الاعتزال ودعوة إليه، توفي سنة 269هـ، انظر ترجمته في «طبقات الخشني» (ص219)، «البيان المغرب» (1/119).
(31) «رياض النفوس» (1/264 ـ 265).
(32) «رياض النفوس» (1/268).
(33) كتاب فيه ما جاء في البدع لابن وضَّاح (ص34 ـ 38).
(34) «ترتيب المدارك» (4/60).
(35) ورد ذكر هذه المؤلَّفات في «ترتيب المدارك» (4/204)، «الديباج المذهب» (2/129)، و«شجرة النور» (ص70).
(36) انظر على سبيل المثال: «رياض النفوس» (1/449).
(37) ترجمته في «رياض النفوس» (1/488)، «ترتيب المدارك» (4/379).
(38) «رياض النفوس» (1/490).
(39) «تاريخ العلماء» لابن الفرضي (1/68).
(40) «تاريخ دمشق» (5/118).
(41) «الرسالة» (ص9).
(42) «الجامع في السنن والآداب» (ص105).
(43) «الجامع في السنن والآداب» (ص117).
(44) انظر: «معالم الإيمان» (3/111) ـ تحقيق ماضور، «السير» (17/11)، «الديباج» (ص223)، «هديَّة العارفين» (1/447)، «مقدِّمة الجامع» لابن أبي زيد بقلم أبي الأجفان.
(45) انظر: «مجموع الفتاوى» (5/54 ـ 58).
(46) «أصول السُّنَّة» (ص293).
(47) انظر: «الديباج المذهب» (1/179).
(48) (6/250).
(49) (2/38).
(50) (1/28).
(51) (ص67 ـ 68).
(52) (4/1284).
(53) انظر: «مختصر العلو للعليِّ الغفَّار» للذهبي (ص264)، باختصار الألباني.
(54) «الرسالة الوافية» (ص147 ـ 166).
(55) انظر (611 ـ 626).
(56) «السير» (18/82).
(57) «جامع بيان العلم وفضله» (2/1199).
(58) «الجامع» (2/944).
(59) «الجامع» (2/942).
(60) «الكافي في فروع المالكية» لابن عبد البر (2/1138).
(61) في «تفسيره» (4/168).
(62) إلاَّ أنَّ مؤلِّفه كان متأثِّرًا إلى حدٍّ كبير بمذاهب الصُّوفيَّة وخزعبلاتهم. [التحرير]
(63) «المدخل» (1/162 ـ 163).
(64) «الاعتصام» (1/24، 29).
(2) كتاب «الحوادث والبدع» للطرطوشي (ص66).
(3) الجامع لأحكام القرآن الكريم للقرطبي (2/57).
(4) كتاب فيه ما جاء في البدع (ص94).
(5) «ترتيب المدارك» (2/39).
(6) «الاعتصام» (1/299).
(7) «ترتيب المدارك» (2/39).
(8) «الاعتصام» (1/62).
(9) المصدر نفسه.
(10) «ترتيب المدارك» (2/49).
(11) «ترتيب المدارك» (2/47).
(12) رواه الصابوني في «عقيدة السلف أصحاب الحديث» (ص69)، وذكره الزواوي في «مناقب الإمام مالك» (ص147).
(13) ذكره البغوي في «شرح السنة» (1/217)، والزواوي في «مناقب الإمام مالك» (ص147 ـ 148).
(14) «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر (2/938).
(15) المصدر نفسه.
(16) «ترتيب المدارك» (2/39)، «الجامع» لابن عبد البر (2/936).
(17) يريد الإمام مالك رحمه الله أن أهل البدع الأوائل حينما خرجوا عن جماعة المسلمين وهم الخوارج؛ إنما تكلموا في أمور هي من المعاصي؛ أنكروها على عثمان وعلي رضي الله عنهما، ولأجل ذلك ناظرهم الصحابة كما وقع لابن عباس رضي الله عنهما حين خرج لمناظرتهم قبل موقعة صفين، أما أهل البدع الذين خلفوا أولئك هم أهل كلام وجدال، خاضوا في المغيبات من صفات الله وما إلى ذلك بما أملت عليهم عقولهم القاصرة، وجدال مثل هؤلاء شرّ موصل إلى باطل وضلال، عافانا الله من ذلك.
(18) «الجامع» لابن أبي زيد القيرواني (ص125).
(19) رواه الآجري في «الشريعة» (1/437 ـ 438)، وابن بطَّة في الإبانة (2/508).
(20) انظر: «التمهيد» (1/66 ـ 67)، «جامع بيان العلم» لابن عبد البر (2/821).
(21) «الجامع» لابن أبي زيد القيرواني (ص125).
(22) «جامع بيان العلم وفضله» (2/942 ـ 943).
(23) «جامع بيان العلم وفضله» (2/942 ـ 943) بتصرف.
(24) «الفروق» (4/202).
(25) «رياض النفوس» (1/177).
(26) «رياض النفوس» (1/203).
(27) المصدر نفسه (1/204).
(28) لم أقف على ترجمته.
(29) «طبقات أبي العرب» (ص34)، «رياض النفوس» (1/186).
(30) هو سليمان بن أبي عصفور حفص الفرّاء المعتزلي، كان ممَّن يقول بخلق القرآن وذا جدل ومناظرة في ذلك، رحل ودخل بغداد، وله مؤلفات في الاعتزال ودعوة إليه، توفي سنة 269هـ، انظر ترجمته في «طبقات الخشني» (ص219)، «البيان المغرب» (1/119).
(31) «رياض النفوس» (1/264 ـ 265).
(32) «رياض النفوس» (1/268).
(33) كتاب فيه ما جاء في البدع لابن وضَّاح (ص34 ـ 38).
(34) «ترتيب المدارك» (4/60).
(35) ورد ذكر هذه المؤلَّفات في «ترتيب المدارك» (4/204)، «الديباج المذهب» (2/129)، و«شجرة النور» (ص70).
(36) انظر على سبيل المثال: «رياض النفوس» (1/449).
(37) ترجمته في «رياض النفوس» (1/488)، «ترتيب المدارك» (4/379).
(38) «رياض النفوس» (1/490).
(39) «تاريخ العلماء» لابن الفرضي (1/68).
(40) «تاريخ دمشق» (5/118).
(41) «الرسالة» (ص9).
(42) «الجامع في السنن والآداب» (ص105).
(43) «الجامع في السنن والآداب» (ص117).
(44) انظر: «معالم الإيمان» (3/111) ـ تحقيق ماضور، «السير» (17/11)، «الديباج» (ص223)، «هديَّة العارفين» (1/447)، «مقدِّمة الجامع» لابن أبي زيد بقلم أبي الأجفان.
(45) انظر: «مجموع الفتاوى» (5/54 ـ 58).
(46) «أصول السُّنَّة» (ص293).
(47) انظر: «الديباج المذهب» (1/179).
(48) (6/250).
(49) (2/38).
(50) (1/28).
(51) (ص67 ـ 68).
(52) (4/1284).
(53) انظر: «مختصر العلو للعليِّ الغفَّار» للذهبي (ص264)، باختصار الألباني.
(54) «الرسالة الوافية» (ص147 ـ 166).
(55) انظر (611 ـ 626).
(56) «السير» (18/82).
(57) «جامع بيان العلم وفضله» (2/1199).
(58) «الجامع» (2/944).
(59) «الجامع» (2/942).
(60) «الكافي في فروع المالكية» لابن عبد البر (2/1138).
(61) في «تفسيره» (4/168).
(62) إلاَّ أنَّ مؤلِّفه كان متأثِّرًا إلى حدٍّ كبير بمذاهب الصُّوفيَّة وخزعبلاتهم. [التحرير]
(63) «المدخل» (1/162 ـ 163).
(64) «الاعتصام» (1/24، 29).
* منقول من مجلة الإصلاح العدد (17)
*- راية الإصلاح -*
*- راية الإصلاح -*
آخر تعديل بواسطة المشرف: