شدة تواضع السلف
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
قال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنِ الْعَلاَءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عليه الصلاة و السلام (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّه ).
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم عند قول الرسول صلى الله عليه وسلم (و ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)
( فيه وجهان. أحدهما: يرفعه في الدنيا، ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة، ويرفعه الله عند الناس، ويجل مكانه. الثاني: أن المراد ثوابه في الآخرة، ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا. قال العلماء: وهذه الأوجه في الألفاط الثلاثة، موجودة في العادة معروفة، وقد يكون المراد الوجهين معاً في جميعها في الدنيا والآخرة والله اعلم)). اهـ [ شرح النووي لصحيح مسلم 8/386]
وقال العلامة المناوي رحمه الله في شرحه للحديث
( وما تواضع أحد لله من المؤمنين رقاً وعبودية في ائتمار أمره والانتهاء عن نهيه ومشاهدته لحقارة النفس ونفي العجب إلا رفعه الله في الدنيا بأن يثبت له في القلوب بتواضعه منزلة عند الناس ويجل مكانه، وكذا في الآخرة على سرير خلد لا يفنى ومنبر ملك لا يبلى ومن تواضع لله في تحمل مؤن خلقه كفاه الله مؤنة ما يرفعه إلى هذا المقام ومن تواضع في قبول الحق ممن دونه قبل الله منه مدخول طاعاته ونفعه بقليل حسناته وزاد في رفعة درجاته وحفظه بمعقبات رحمته من بين يديه ومن خلفه)). اهـ [ فيض القدير شرح الجامع الصغير 5/643]
يقول الحافظ أبو حاتم ابن حبان رحمه الله
( الواجب على العاقل لزوم التواضع ومجانبة التكبر ولو لم يكن في التواضع خصلة تحمله إلا أن المرء كلما كثر تواضعه ازداد بذلك رفعة لكان الواجب عليه أن لا يتزيا بغيره. والتواضع تواضعان: أحدهما: محمود والآخر مذموم والتواضع المحمود ترك التطاول على عباد الله والإزراء بهم. والتواضع المذموم: هو تواضع المرء لذي الدنيا رغبة في دنياه فالعاقل يلزم مفارقة التواضع المذموم على الأحوال كلها، ولا يفارق التواضع المحمود على الجهات كلها)). اهـ [ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 58].
يقول الحافظ أبو حاتم ابن حبان رحمه الله أيضاً وهو يبين ثمار التواضع
( التواضع يرفع المرء قدرا، ويعظم له خطرًا، ويزيده نبلا. والتواضع لله جل وعز على ضربين: أحدهما: تواضع العبد لربه عندما يأتي من الطاعات غير معجب بفعله، ولا راء له عنده حالة بوجب بها أسباب الولاية، إلا أن يكون المولى جل وعز هو الذي يتفضل عليه بذلك، وهذا التواضع هو السبب الدافع لنفس العجب عن الطاعات. والتواضع الآخر: هو ازدراء المرء نفسه واستحقاره إياها عند ذكره ما قارف من المآثم حتى لا يرى أحدا من العالم إلا ويرى نفسه دونه في الطاعات وفوقه في الجنايات)). اهـ [ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 60]
ويقول رحمه الله وهو يحذر من الكبر وعواقبه
( العاقل يلزم مجانبة التكبر لما فيه من الخصال المذمومه. إحداهما: أنه لا يتكبر على أحد حتى يعجب بنفسه، ويرى لها على غيرها الفضل. والثانية: ازدراءه بالعالم لأن من لم يستحقر الناس لم يتكبر عليهم، وكفى بالمستحقر لمن أكرمه الله بالإيمان طغيانا. والثالث: منازعة الله جل وعلا في صفاته، إذ الكبرياء والعظمة من صفات الله جل وعلا، فمن نازعه إحداهما ألقاه في النار، إلا أن يتفضل عليه بعفوه)). اهـ [ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 60- 61]
ورحم الله الكريزي القائل:
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا ............ فكم تحتها قوم هم منك أرفع
فإن كنت في عز وخير ومنعة ................ فكم مات من قوم هم منك أمنع
[ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 61]
وقال آخر:
وأقبح شيئ أن يرى المرء نفسه ................. رفيعاً وعند العالمين وضيع
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر ................ على صفحات الماء وهو رفيع
ولاتكن كالدخان يعلو بنفسه ...................... على طبقات الجو وهو وضيع
ويقول ربنا عز وجل في كتابه العزيز[ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولً ]الاسراء:37]. قال الإمام بن سعدي رحمه الله في تفسيرها
( يقول تعالى: [ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ] أي: كبرا وتيها وبطرا متكبرا على الحق ومتعاظما على الخلق.[ إِنَّكَ ] في فعلك ذلك [ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ] في تكبرك بل تكون حقيرا عند الله ومحتقرا عند الخلق مبغوضا ممقوتا قد اكتسبت أشر الأخلاق واكتسيت أرذلها من غير إدراك لبعض ما تروم)). اهـ [ تفسير السعدي سورة الاسراء].
وبعد الذي تقدم وتقرر أقول: لقد ضرب سلفنا الصالح رضوان لله عليهم أجمعين أروع الأمثلة في التواضع وصدقهم مع لله عز وجل، حتى حبب لله لهم الخلق والعباد، وإليك هذه الأمثلة النيرة.
عن قيس قال بلغ بلالا أن ناسا يفضلونه على أبي بكر، فقال كيف يفضلوني عليه وإنما أنا حسنة من حسناته. اهـ [ سير أعلام النبلاء 1/359].
عن هزيم أو هذيم قال: رأيت سلمان الفارسي على حمار عري وعليه قميص سنبلاني ضيق الاسفل، وكان طويل الساقين، يتبعه الصبيان فقلت لهم: تنحوا عن الامير. فقال: دعهم فإن الخير والشر فيما بعد اليوم. اهـ [ سير أعلام النبلاء 1/546]
عن يزيد بن زياد القرظي حدثني ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال: أقبل أبو هريرة في السوق، يحمل حزمة حطب، وهو يومئذ خليفة لمروان. فقال: أوسع الطريق للأمير. اهـ [ سير أعلام النبلاء 2/614]
وعن عبد الرحمن بن أردك ( يقال هو ) أخو علي ابن الحسين لأمه قال: كان علي بن الحسين يدخل المسجد، فيشق الناس حتى يجلس في حلقة زيد ابن أسلم، وقال له نافع بن جبير: غفر الله لك أنت سيد الناس، تأتي تتخطى حتى تجلس مع هذا العبد. فقال: علي بن الحسين العلم يبتغى ويؤتى، ويطلب من حيث كان. اهـ [ سير أعلام النبلاء 4/388]
وعن وهيب بن بن خالد قال: قال أيوب السختياني: (( إذا ذكر الصالحون كنت منهم بمعزل)) [صفوة الصفوة 3/210]
قال أبو أمية الأسود: سمعت ابن المبارك: يقول أحب الصالحين ولست منهم، وأبغض الطالحين وأنا شر منهم ثم أنشأ يقول:
الصمت أزين بالفتى ............................. من منطق في غير حينه
والصدق أجمل ................................... بالفتى في القول عندي من يمينه
وعلى الفتى بوقاره ................................... سمة تلوح على جبينه
فمن الذي يخفي علي ................................. اذا نظرت الى قرينه
رب امرئ متيقن ........................................ غلب الشقاء على يقينه
فأزاله عن رأيه ......................................... فابتاع دنياه بدينه
[ سير أعلام النبلاء8/ 417-418].
وقال محمد بن أسلم الطوسي
( قد سرت في الأرض ودرت فيها، فبالذي لا إله إلا ھو ما رأیت نفساً تصلى إلى القبلة شراً عندي من نفسي )) اھ [ الحلية 9/244].
وعن يونس بن عبيد قال
( إني لأعد مائة خصلة من خصال البر، ما في منها خصلة واحدة)) اھ [ تهذيب الحلية 1/437]
قال الفيض بن اسحاق: قال لي الفضيل: (( تريد الجنة مع النبيين والصديقين، وتريد أن تقف الموقف مع نوح وإبراھيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام؟؟ بأي عمل وأي شهوة تركتها لله عز وجل، وأي قريب باعدته في الله، وأي بعيد قربته في لله )) اھ [ تهذيب الحلية 3/10]
وقال ابن حبان رحمه الله
(سمعت أبا يعلي يقول: سمعت إسحاق بن أبي إسرائيل يقول: سمعت ابن عيينه يقول: لو قيل أخرجوا خيار هذه القرية، لأخرجوا من لا نعرف)) اهـ [ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 61]
وفي ترجمة ابن المبارك قال عبد لله بن سنان: كنت مع ابن المبارك ومعتمر بن سليمان بطرطوس ، فصاح الناس: النفير . فخرج ابن المبارك والناس ، فلما اصطف الجمعان ، خرج رومي ، فطلب البراز ، فخرج إليه رجل ، فشد العلج عليه فقتله ، حتى قتل ستة من المسلمین ، وجعل يتبختر بين الصفين يطلب المبارزة ، ولا يخرج إليه أحد ، فالتفت إلى ابن المبارك ، فقال: يا فلان ، إن قتلت فافعل كذا وكذا ، ثم حرك دابته ، وبرز للعلج، فعالج معه ساعة ، فقتل العلج ، وطلب المبارزة ، فبرز له علج آخر فقتله ، حتى قتل ستة علوج ، وطلب البراز ، فكأنهم كاعوا عنه ، فضرب دابته ، وطرد بين الصفين ، ثم غاب ، فلم نشعر بشيء ، وإذا أنا به في الموضع الذي كان ، فقال لي: يا عبد لله لئن حدثت بهذا أحداً ، وأنا حي ، فذكر كلمة.اهـ [ سير أعلام النبلاء 8/408-409]
قال: أبو ثور سمعت الشافعي يقول: ينبغي للفقيه أن يضع التراب على رأسه، تواضعا لله وشكرا لله. اهـ [ سير أعلام النيلاء 10/53]
وقال الشافعي رحمه الله
( التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام، التواضع يورث المحبة والقناعة تورث الراحة)) اهـ [ سير أعلام النيلاء 10/99]
وسئل يوسف بن أسباط رحمه الله ما غاية التواضع؟ قال: أن لا تلقى أحدا إلا رأيت له الفضل عليك. اهـ [ سير أعلام النيلاء 9/170]
قال يحيى بن معين: ما رأيت مثل أحمد، صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيء، مما كان فيه من الخير. اهـ [ سير أعلام النيلاء 11/214]
وعن المروذي قال: لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أحمد، كان مائلا إليهم مقصرا عن أهل الدنيا، وكان فيه حلم ولم يكن بالعجول، وكان كثير التواضع تعلوه السكينة والوقار، وإذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر. اهـ [ سير أعلام النيلاء 11/218]
قال ابن الجوزي: وكان مبالغا في تحصيل التعظيم للدولة(يعني الوزير ابن هبيرة رحمه الله ) قامعا للمخالفين بأنواع الحيل، حسم أمور السلاطين السلجوقية، وقد كان آذاه شحنة في صباه فلما وزر(يعني صار وزيرا) استحضره وأكرمه، وكان يتحدث بنعم الله ويذكر في منصبه شدة فقره القديم. وقال: نزلت يوما إلى دجلة وليس معي رغيف أعبر به. وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء، ويبذل لهم الأموال، فكانت السنة تدور وعليه ديون. وقال: ما وجبت علي زكاة قط. وكان إذا استفاد شيئا من العلم قال أفادنيه
فلان، وقد أفدته معنى حديث فكان يقول: أفادنيه ابن الجوزي، فكنت أستحييى وجعل لي مجلسا في داره كل جمعة، ويأذن للعامة في الحضور، وكان بعض الفقراء يقرأ عنده كثيرا فأعجبه، وقال لزوجته: أريد أن أزوجه بابنتي فغضبت الأم. وكان يقرأ عنده الحديث كل يوم بعد العصر، فحضر فقيه مالكي، فذكرت مسألة فخالف فيها الجمع وأصر، فقال الوزير: أحمار أنت؟! أما ترى الكل يخالفونك! فلما كان من الغد قال للجماعة: إنه جرى مني بالأمس في حق هذا الرجل ما لا يليق، فليقل لي كما قلت له، فما أنا إلا كأحدكم، فضج المجلس بالبكاء، واعتذر الفقيه قال: أنا أولى بالاعتذار، وجعل يقول القصاص القصاص، فلم يزل حتى قال يوسف الدمشقي: إذ أبى القصاص فالفداء. فقال الوزير: له حكمه. فقال الفقيه: نعمك علي كثيرة فأي حكم بقي لي، قال: لا بد قال: علي دين مئة دينار. فأعطاه مئتي دينار. وقال: مئة لإبراء ذمته ،ومئة لإبراء ذمتي. اهـ اهـ [ سير أعلام النيلاء 20/428-429]
وعن سعيد المؤدب قال: قلت: لأبي بكر الخطيب عند قدومي، أنت الحافظ أبو بكر ؟ قال: انتهى الحفظ إلى الدارقطني. اهـ [ سير أعلام النيلاء 18/281]
قال ابن بشكوال في أخبار إبراهيم الحربي: نقلت من كتاب ابن عتاب: كان إبراهيم الحربي رجلا صالحا من أهل العلم، بلغه أن قوما من الذين كانوا يجالسونه يفضلونه على أحمد بن حنبل، فوقفهم على ذلك، فأقروا به، فقال: ظلمتموني بتفضيلكم لي على رجل لا أشبهه، ولا ألحق به في حال من أحواله، فأقسم بالله: لا أسمعكم شيئا من العلم أبداً، فلا تأتوني بعد يومكم. اهـ [ سير أعلام النيلاء 13/364]
قال حمد بن عبدالله المعدل: سمعت عبدالله بن خالد الأصبهاني يقول: سئل عبدالرحمن بن أبي حاتم عن أبي بكر بن خزيمة، قال: ويحكم هو يسأل عنا ولا نسأل عنه، هو إمام يقتدى به. اهـ [ سير أعلام النيلاء 14/376-377]
منقول من شبكة سحاب السلفية
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
قال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنِ الْعَلاَءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عليه الصلاة و السلام (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّه ).
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم عند قول الرسول صلى الله عليه وسلم (و ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)
وقال العلامة المناوي رحمه الله في شرحه للحديث
يقول الحافظ أبو حاتم ابن حبان رحمه الله
يقول الحافظ أبو حاتم ابن حبان رحمه الله أيضاً وهو يبين ثمار التواضع
ويقول رحمه الله وهو يحذر من الكبر وعواقبه
ورحم الله الكريزي القائل:
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا ............ فكم تحتها قوم هم منك أرفع
فإن كنت في عز وخير ومنعة ................ فكم مات من قوم هم منك أمنع
[ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 61]
وقال آخر:
وأقبح شيئ أن يرى المرء نفسه ................. رفيعاً وعند العالمين وضيع
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر ................ على صفحات الماء وهو رفيع
ولاتكن كالدخان يعلو بنفسه ...................... على طبقات الجو وهو وضيع
ويقول ربنا عز وجل في كتابه العزيز[ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولً ]الاسراء:37]. قال الإمام بن سعدي رحمه الله في تفسيرها
وبعد الذي تقدم وتقرر أقول: لقد ضرب سلفنا الصالح رضوان لله عليهم أجمعين أروع الأمثلة في التواضع وصدقهم مع لله عز وجل، حتى حبب لله لهم الخلق والعباد، وإليك هذه الأمثلة النيرة.
عن قيس قال بلغ بلالا أن ناسا يفضلونه على أبي بكر، فقال كيف يفضلوني عليه وإنما أنا حسنة من حسناته. اهـ [ سير أعلام النبلاء 1/359].
عن هزيم أو هذيم قال: رأيت سلمان الفارسي على حمار عري وعليه قميص سنبلاني ضيق الاسفل، وكان طويل الساقين، يتبعه الصبيان فقلت لهم: تنحوا عن الامير. فقال: دعهم فإن الخير والشر فيما بعد اليوم. اهـ [ سير أعلام النبلاء 1/546]
عن يزيد بن زياد القرظي حدثني ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال: أقبل أبو هريرة في السوق، يحمل حزمة حطب، وهو يومئذ خليفة لمروان. فقال: أوسع الطريق للأمير. اهـ [ سير أعلام النبلاء 2/614]
وعن عبد الرحمن بن أردك ( يقال هو ) أخو علي ابن الحسين لأمه قال: كان علي بن الحسين يدخل المسجد، فيشق الناس حتى يجلس في حلقة زيد ابن أسلم، وقال له نافع بن جبير: غفر الله لك أنت سيد الناس، تأتي تتخطى حتى تجلس مع هذا العبد. فقال: علي بن الحسين العلم يبتغى ويؤتى، ويطلب من حيث كان. اهـ [ سير أعلام النبلاء 4/388]
وعن وهيب بن بن خالد قال: قال أيوب السختياني: (( إذا ذكر الصالحون كنت منهم بمعزل)) [صفوة الصفوة 3/210]
قال أبو أمية الأسود: سمعت ابن المبارك: يقول أحب الصالحين ولست منهم، وأبغض الطالحين وأنا شر منهم ثم أنشأ يقول:
الصمت أزين بالفتى ............................. من منطق في غير حينه
والصدق أجمل ................................... بالفتى في القول عندي من يمينه
وعلى الفتى بوقاره ................................... سمة تلوح على جبينه
فمن الذي يخفي علي ................................. اذا نظرت الى قرينه
رب امرئ متيقن ........................................ غلب الشقاء على يقينه
فأزاله عن رأيه ......................................... فابتاع دنياه بدينه
[ سير أعلام النبلاء8/ 417-418].
وقال محمد بن أسلم الطوسي
وعن يونس بن عبيد قال
قال الفيض بن اسحاق: قال لي الفضيل: (( تريد الجنة مع النبيين والصديقين، وتريد أن تقف الموقف مع نوح وإبراھيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام؟؟ بأي عمل وأي شهوة تركتها لله عز وجل، وأي قريب باعدته في الله، وأي بعيد قربته في لله )) اھ [ تهذيب الحلية 3/10]
وقال ابن حبان رحمه الله
وفي ترجمة ابن المبارك قال عبد لله بن سنان: كنت مع ابن المبارك ومعتمر بن سليمان بطرطوس ، فصاح الناس: النفير . فخرج ابن المبارك والناس ، فلما اصطف الجمعان ، خرج رومي ، فطلب البراز ، فخرج إليه رجل ، فشد العلج عليه فقتله ، حتى قتل ستة من المسلمین ، وجعل يتبختر بين الصفين يطلب المبارزة ، ولا يخرج إليه أحد ، فالتفت إلى ابن المبارك ، فقال: يا فلان ، إن قتلت فافعل كذا وكذا ، ثم حرك دابته ، وبرز للعلج، فعالج معه ساعة ، فقتل العلج ، وطلب المبارزة ، فبرز له علج آخر فقتله ، حتى قتل ستة علوج ، وطلب البراز ، فكأنهم كاعوا عنه ، فضرب دابته ، وطرد بين الصفين ، ثم غاب ، فلم نشعر بشيء ، وإذا أنا به في الموضع الذي كان ، فقال لي: يا عبد لله لئن حدثت بهذا أحداً ، وأنا حي ، فذكر كلمة.اهـ [ سير أعلام النبلاء 8/408-409]
قال: أبو ثور سمعت الشافعي يقول: ينبغي للفقيه أن يضع التراب على رأسه، تواضعا لله وشكرا لله. اهـ [ سير أعلام النيلاء 10/53]
وقال الشافعي رحمه الله
وسئل يوسف بن أسباط رحمه الله ما غاية التواضع؟ قال: أن لا تلقى أحدا إلا رأيت له الفضل عليك. اهـ [ سير أعلام النيلاء 9/170]
قال يحيى بن معين: ما رأيت مثل أحمد، صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيء، مما كان فيه من الخير. اهـ [ سير أعلام النيلاء 11/214]
وعن المروذي قال: لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أحمد، كان مائلا إليهم مقصرا عن أهل الدنيا، وكان فيه حلم ولم يكن بالعجول، وكان كثير التواضع تعلوه السكينة والوقار، وإذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر. اهـ [ سير أعلام النيلاء 11/218]
قال ابن الجوزي: وكان مبالغا في تحصيل التعظيم للدولة(يعني الوزير ابن هبيرة رحمه الله ) قامعا للمخالفين بأنواع الحيل، حسم أمور السلاطين السلجوقية، وقد كان آذاه شحنة في صباه فلما وزر(يعني صار وزيرا) استحضره وأكرمه، وكان يتحدث بنعم الله ويذكر في منصبه شدة فقره القديم. وقال: نزلت يوما إلى دجلة وليس معي رغيف أعبر به. وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء، ويبذل لهم الأموال، فكانت السنة تدور وعليه ديون. وقال: ما وجبت علي زكاة قط. وكان إذا استفاد شيئا من العلم قال أفادنيه
فلان، وقد أفدته معنى حديث فكان يقول: أفادنيه ابن الجوزي، فكنت أستحييى وجعل لي مجلسا في داره كل جمعة، ويأذن للعامة في الحضور، وكان بعض الفقراء يقرأ عنده كثيرا فأعجبه، وقال لزوجته: أريد أن أزوجه بابنتي فغضبت الأم. وكان يقرأ عنده الحديث كل يوم بعد العصر، فحضر فقيه مالكي، فذكرت مسألة فخالف فيها الجمع وأصر، فقال الوزير: أحمار أنت؟! أما ترى الكل يخالفونك! فلما كان من الغد قال للجماعة: إنه جرى مني بالأمس في حق هذا الرجل ما لا يليق، فليقل لي كما قلت له، فما أنا إلا كأحدكم، فضج المجلس بالبكاء، واعتذر الفقيه قال: أنا أولى بالاعتذار، وجعل يقول القصاص القصاص، فلم يزل حتى قال يوسف الدمشقي: إذ أبى القصاص فالفداء. فقال الوزير: له حكمه. فقال الفقيه: نعمك علي كثيرة فأي حكم بقي لي، قال: لا بد قال: علي دين مئة دينار. فأعطاه مئتي دينار. وقال: مئة لإبراء ذمته ،ومئة لإبراء ذمتي. اهـ اهـ [ سير أعلام النيلاء 20/428-429]
وعن سعيد المؤدب قال: قلت: لأبي بكر الخطيب عند قدومي، أنت الحافظ أبو بكر ؟ قال: انتهى الحفظ إلى الدارقطني. اهـ [ سير أعلام النيلاء 18/281]
قال ابن بشكوال في أخبار إبراهيم الحربي: نقلت من كتاب ابن عتاب: كان إبراهيم الحربي رجلا صالحا من أهل العلم، بلغه أن قوما من الذين كانوا يجالسونه يفضلونه على أحمد بن حنبل، فوقفهم على ذلك، فأقروا به، فقال: ظلمتموني بتفضيلكم لي على رجل لا أشبهه، ولا ألحق به في حال من أحواله، فأقسم بالله: لا أسمعكم شيئا من العلم أبداً، فلا تأتوني بعد يومكم. اهـ [ سير أعلام النيلاء 13/364]
قال حمد بن عبدالله المعدل: سمعت عبدالله بن خالد الأصبهاني يقول: سئل عبدالرحمن بن أبي حاتم عن أبي بكر بن خزيمة، قال: ويحكم هو يسأل عنا ولا نسأل عنه، هو إمام يقتدى به. اهـ [ سير أعلام النيلاء 14/376-377]
منقول من شبكة سحاب السلفية
آخر تعديل: