من الصبر على أقدار الله ، الصبر على الحر.

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,286
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
بسم الله الرحمن الرحيم


من الصبر على أقدار الله ، الصبر على الحر.

الحمد لله الواحد القهار العزيز الغفار مقدر الأقدار مصرف الأمور مكور الليل على النهار تبصرة لأولي القلوب والأبصار ، وقدر علينا الحر والقر حكمة منه ليبتلينا هل نتذمر أم نصبر ، وصلى الله على نبيه المختار ، وعلى آله وصحبه الأخيار .
أمابعد

خلق الله هذا الكون بما فيه من فصول وتقلبات ، وابتلانا بما فيه من حر وقر ، فوجب علينا مقابلة أقدار الله بالشكر والصبر ، (وللمناخ علاقة بحياة الإنسان وكذلك حياة الحيوان والأشجار والأرض ، ويهتم علماء المناخ بالجوانب المتعلقة بأحوال الجو، وأهمها أحوال الطقس والتساقط والرطوبة والنسيم وساعات سطوع الشمس، والسحب والرياح والضغط الجوي،و يحدد علماء المناخ معدل الحرارة ثم معدل التساقط، وأنواع التغييرات التي تحدث بتعاقب فصول السنة). [ الموسوعة العربية ]، وأكبر خطأ وقعوا فيه نسبتها للطبيعة وأنها الفاعلة ، أو نسبتها لمؤثرات خارجية من ضغط جوي وانخفاظه في مكان وارتفاعها في مكان آخر ، فالله هو مصرف الأمور ومقدرها، قال تعالى : ( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ( 62 ) له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون ( 63 ) قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ( 64 ). [سورة الزمر].
قال البغوي في تفسيره : الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل أي : الأشياء كلها موكولة إليه فهو القائم بحفظها . ( له مقاليد السموات والأرض ) مفاتيح خزائن السموات والأرض واحدها مقلاد مثل : مفتاح ، ومقليد مثل : منديل ومناديل . وقال قتادة ومقاتل : مفاتيح السموات والأرض بالرزق والرحمة . وقال الكلبي : خزائن المطر وخزائن النبات .
ولم يخلق الله هذا الكون عبثا وإنما لغاية كبيرة قال تعالى : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ( 16 ) لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين ( 17 ) بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ( 18 ) وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ( 19 ) يسبحون الليل والنهار لا يفترون ( 20 ) ) . [سورة الأنبياء].
ومن الصبر على أقدار الله ، الصبر على الحر ، فحر الصيف أمر مقدر لا مفر منه ، وقد جاء في الحديث
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير".رواه البخاري ومسلم
فحر الصيف هو من فيح جهنم ونفسها ، نسأل الله تعالى أن يعيذنا من جهنم و حرها يوم الحساب.
لابد للإنسان أن يدبر أموره في هذا الفصل ويتجنب الشمس وحرها ، ولا يؤدي بنفسه للتهلكة ولا يتعرض لهذه الشمس ثم يقول هذا من قدر الله ، فلم يأمرنا الله بتعذيب أنفسنا ، ولم يكلفنا ما لا طاقة لنا به ، وقد جاء النهي عن تعذيب الشخص نفسه كما جاء في الحديث:{ وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ، ويصوم ولا يفطر بنهاره ، ولا يستظل ، ولا يتكلم ، فقال : مروه فليستظل وليتكلم وليقعد وليتم صومه } ذكره البخاري .
وفي حيث أخر :{ ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيخا يهادي بين ابنيه ، فقال : ما بال هذا ؟ فقالوا : نذر أن يمشي ، فقال : إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه وأمره أن يركب } ، متفق عليه .
والحمد لله فقد سخر الله لنا هذه النعم من وسائل التبريد وغيرها كلها لنحمي أنفسنا ونعبد ربنا بتيسير .
ومن أخطر مايتعرض له الإنسان في هذا الحر ضربة الشمس التي قد تؤدي إلى الموت وقد حذر الأطباء منها
قالوا : أن ضربة الشمس اسم معروف للحالة التي تنتج عن تعرّض جسم الإنسان للحرارة الشديدة. ويَسْتَخْدِم الأطباء عبارات أكثر دقة مثل ضربة الحر وإجهاد الحر. وضربة الشمس نوع من ضربة الحَر نتيجة للتعرض الشديد أو التعرض لمدة طويلة للشمس ، وقد فطر الله بعض مخلوقاته للعيش في هذه البيئة ، ومن حكمته سبحانه أن جعل لها فطرة للعيش فتجتنب معظم الحيوانات الصحراوية الحرارة الشديدة أثناء النهار، فلا تخرج إلا في الليل بعد انخفاض درجة الحرارة. أما الحشرات وغيرها من الحيوانات الصغيرة، فتمكث في جحورها تحت الأرض طوال النهار،[ الموسوعة العربية].
وعلاجها هو تقليل درجة الحرارة بأسرع وقت ممكن كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمى في عدد من الأحاديث علاجاً لخفض درجة الحرارة المرتفعة ، فدعا إلى استعمال الماء البارد لإطفاء نار الحمى التي تضطرم في جسد المريض ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء ) رواه البخاري.
ولا يجزع الإنسان من الحر أو الحمى إن أصابته و لذلك لما ذُكرت الحمى عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبها رجل ، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تسبها ، فإنها تنفي الذنوب كما تنفي النار خبث الحديد ).
وكذلك دل النبي صلى الله عليه وسلم عند اشتداد الحر أن يبرد بالصلاة ، وقد بوب الإمام عبد الله بن محمد بن أبي شيبة في كتابه أحاديث الأحكام : كتاب الصلاة ، من كان يبرد بالظهر ويقول الحر من فيح جهنم ، وذكر تسعة نقاط في ذلك ،منها :
1 - حدثنا أبو بكر قال : نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبردوا بالصلاة يعني الظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم .
2 - حدثنا علي بن مسهر عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : أبردوا بالصلاة فإن حر الظهيرة من فيح جهنم .
3 - حدثنا شبابة بن سوار عن شعبة قال : حدثنا المهاجر أبو الحسن قال : سمعت زيد بن وهب يحدث عن أبي ذر قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فأراد بلال أن يؤذن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال : أبرد حتى رأينا في التلول ثم أذن فصلى الظهر ثم قال : إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة .
قال الحافظ : قوله من فيح جهنم أي من سعة انتشارها وتنفسها ومنه مكان أفيح أي متسع وهذا كناية عن شدة استعارها وظاهره أن مثار وهج الحر في الأرض من فيح جهنم حقيقة . [ فتح الباري جزء 2 - صفحة 17 ].
ويجب الصبر وعدم ترك الطاعة في وقت الحر ، وألا يتشبه المسلم بالمنافقين ، قال تعالى واصفا لهم وذاما : ( فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ( 81 ) فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون ( 82 ) ) [سورة التوبة].
وقد صبر السلف الصالح على الشمس والحر واحتسبوا ذلك لله ولم يجزعوا ولم يتذمروا بل قابلوا ذلك بالصبر والشكر .
ففي الصحيحين عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: لقد رأيتنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره في اليوم الحار الشديد الحر، وإن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما في القوم أحد صائم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة. و في رواية: أن ذلك كان في شهر رمضان.
وقد كان غالب جهاد الصحابة في الصيف في الحر ولم يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا أثار وأحداث كثيرة يطول ذكرها .
قال أبو مسعود عبد الرحيم الحاجي:سمعت ابن طاهر يقول:
بلت الدم في طلب الحديث مرتين، مرة ببغداد، وأخرى بمكة، كنت أمشي حافيا في الحر، فلحقني ذلك، وما ركبت دابة قط في طلب الحديث،وكنت أحمل كتبي على ظهري، وما سألت في حال الطلب أحدا، كنت أعيش على ما يأتي. [سير أعلام النبلاء 19/363]
شدة الحر تذكر بنار جهنم :
والأحاديث والآثار النبوية في هذا كثيرة ، وقال الله تعالى في كتابه العزيز : {كلا إنها لظى نزاعة للشوى} [ المعارج : 15 ، 16 ] وقال تعالى : {يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق} [ الحج : 19 - 22 ] وقال تعالى : {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} [ النساء : 56 ].
وقال تعالى في هذه الآية الكريمة الأخرى{ قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون} ) أي : لو أنهم يفقهون ويفهمون لنفروا مع الرسول في سبيل الله في الحر ، ليتقوا به حر جهنم ، الذي هو أضعاف أضعاف هذا ولكنهم كما قال الآخر : كالمستجير من الرمضاء بالنار. [ تفسير ابن كثير ].
عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لمن له نعلان وشراكان من نار ، يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ، لا يرى أحدا من أهل النار أشد عذابا منه ، وإنه أهونهم عذابا . أخرجه البخاري ومسلم.
وكذلك نتصبر بالأعمال الصالحة على هذا الحر على حر يوم المحشر :
عن المقداد - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق ، حتى تكون منهم كمقدار ميل ، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق ، فمنهم من يكون إلى كعبيه ، ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ، ومنهم من يلجمهم العرق إلجاما " ، وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى فيه . رواه مسلم
شكر الله على النعم التي نتقي بها الحر :
قال تعالى :{ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم أو ليلة ، فإذا هو بأبي بكر وعمر ; فقال : " ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ؟ قالا : الجوع يا رسول الله . قال : " وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما قوما " فقاما معه ; فأتى رجلا من الأنصار ، فإذا هو ليس في بيته ، فلما رأته المرأة قالت : مرحبا وأهلا . فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أين فلان " ؟ قالت : يستعذب لنا من الماء ; إذ جاء الأنصاري ، فنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه ، ثم قال : الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني . قال : فانطلق ، فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب ، فقال : كلوا من هذه . وأخذ المدية فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إياك والحلوب " فذبح لهم ، فأكلوا من الشاة ، ومن ذلك العذق ، وشربوا ; فلما أن شبعوا ورووا ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر : " والذي نفسي بيده لتسألن عن نعيم هذا اليوم ، يوم القيامة ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم " . خرجه الترمذي ، وقال فيه : " هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة : ظل بارد ، ورطب طيب ، وماء بارد " وكنى الرجل الذي من الأنصار ، فقال : أبو الهيثم بن التيهان . وذكر قصته .
وعنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة - يعني العبد - أن يقال له : ألم نصح لك جسمك ، ونرويك من الماء البارد.
والحمد لله تعالى فقد أنعم علينا في هذا العصر من وسائل وآلات لا تعد ولا تحصى نتقي بها الحر والقر وكل ما يضر ، مكيفات هوائية ومبردات في الصيف ومسخنات للدفأ في الشتاء فهذه نعم سنسأل عنها يوم القيامة.
نسأل الله تعالى شكر هذه النعم وأن يقينا فيح جهنم وزمهريرها ، وأن يجعلنا من أهل النعيم الأبدي ويرزقنا الفردوس الأعلى من الجنة .


كتبه : أبو عبد السلام جابر البسكري
الأربعاء 20 شوال, 1436 هجري.
 
رد: من الصبر على أقدار الله ، الصبر على الحر.

مقتطف لابن الجوزي من أحد كتبه، قال رحمه الله وغفر له: فصل: خلق الله الحَرَّ والبرد لمصالح البدن
تأملت مبالغة أرباب الدنيا في اتقاء الحر والبرد، فرأيتها تعكس المقصود في باب الحكمة، وإنما تحصل مجرد لذة، ولا خير في لذة تعقب أَلَمًا.
فأما [في] الحر، فإنهم يشربون الماء المثلوج، وذلك على غاية في الضرر، وأهل الطب يقولون: إنه يحدث أمراضًا صعبة، يظهر أثرها في وقت الشيخوخة، ويضعون الخيوش المضاعفة. وفي البرد يصنعون اللبود المانعة للبرد.
وهذا من حيث الحكمة يضاد ما وضعه الله تعالى؛ فإنه جعل الحر لتحلل الأخراط، والبرد لجمودها، فيجعلون هم جميع السنة ربيعًا، فتنعكس الحكمة التي وضع الحر والبرد لها، ويرجع الأذى على الأبدان.
ولا يظنن سامع هذا أني آمره بملاقاة الحر والبرد. وإنما أقول له: لا يفرط في التوقي، بل يتعرض في الحر لما يحلل بعض الأخلاط إلى حد لا يؤثر في القوة، وفي البرد بأن يصيبك منه الأمر القريب لا المؤذي، فإن الحر والبرد لمصالح البدن.
وقد كان بعض الأمراء يصون نفسه من الحر والبرد أصلًا، فزاد جوفه(1) فمات عاجلًا، وقد ذكرت قصته في كتاب لقط المنافع في علم الطب.
------------------------------------
(1) في حاشية الأصل: كذا في الأحمدية والهندية، وفي المصرية: فبرد الحر. وفي هامش "أ": في بعض النسخ: "فتغيرت حالته".
مشاركة
أبو الحسين عبد الحميد الصفراوي.
 
رد: من الصبر على أقدار الله ، الصبر على الحر.

ﺁﻟﻠﻪْ ﻳﻌﻄﻴﻚِ ﺁﻟﻒْ ﻉ ـﺂﻓﻴﻪْ
ﺟﻊ ـﻠﻪُ ﺁﻟﻠﻪْ ﻓﻲّ ﻣﻴﺰﺁﻥْ ﺣﺴﻨﺂﺗِﻚ
 
رد: من الصبر على أقدار الله ، الصبر على الحر.

بارك الله فيك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top