الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فإنه أثناء قراءتي لأحد منشورات طلبة العلم استوقفني أثر نشره عن الإمام أبي يعقوب يوسف بن يحيى البويطي رحمه الله -صاحب الشافعي وتلميذه- ذكر فيه محنته في خلق القرآن وامتناعه عن القول به فطرق سمعي واخترق فؤادي كلمة ذهبية وصرخة قلبية خرجت من قلب المعاناة ومن عين المأساة فاضت روحه بعدها لبارئها وجاد بها في سبيل رضا خالقها فأحببت أن أجمع ما تيسر من أخباره في محنته لعلها تكون على القلب بلسما شافيا لجراحه ودواءا نافعا لأقراحه والله المستعان وعليه التكلان:
البويطي أبو يعقوب يوسف بن يحيى القرشي "ت" الإمام الجليل؛ أحد أئمة الإسلام وأركانه وزهاده. كان خليفة الشافعي في حلقته بعده. قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من أبي يعقوب، وليس أحد من أصحابي أعلم منه. وكان ابن أبي الليث الحنفي قاضي مصر يحسده، فسعى به إلى الواثق بالله أيام المحنة بخلق القرآن، فأمر بحمله إلى بغداد مغلولًا مقيدًا، وأريد منه القول بذلك، فامتنع؛ فجلس ببغداد إلى أن مات في القيد والسجن يوم الجمعة من رجب سنة إحدى وثلاثين. وكان الشافعي له كرامة "يقول له" : أنت تموت في الحديد .
حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة 306-307/1
و قد كان للبويطي عند الشافعي رحمهما الله مكانة عالية ومنزلة سامية فقد جاء في آداب الشافعي ومناقبه ص 210/1:
ثَنا أَبُو مُحَمَّدٍ، قَالَ: فِي كِتَابِي عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: " كَانَ لأَبِي يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيِّ مِنَ الشَّافِعِيِّ مَنْزِلَةٌ، وَكَانَ الرَّجُلُ رُبَّمَا يَسْأَلُهُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَيَقُولُ: سَلْ أَبَا يَعْقُوبَ، فَإِذَا أَجَابَهُ أَخْبَرَهُ، فَيَقُولُ: هُوَ كَمَا قَالَ ".
قَالَ: وَرُبَّمَا جَاءَ إِلَى الشَّافِعِيِّ رَسُولُ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ يَسْتَفْتِيهِ، فَيُوَجِّهُ الشَّافِعِيُّ أَبَا يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيَّ، وَيَقُولُ: هَذَا لِسَانِي.
وجاء في كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 261/2:
قال الشافعىّ رضى الله عنه: ما رأيت أحدا أبرع بحجّة من كتاب الله مثل البويطىّ، والبويطىّ لسانى. ولما مات الشافعىّ تنازع محمد بن عبد الحكم والبويطىّ فى الجلوس موضع الشافعىّ حتى شهد الحميدىّ على الشافعىّ أنه قال: البويطىّ أحق بمجلسى من غيره، فأجلسوه مكانه.
وقد تفرس فيه الشافعي رحمه الله فقد جاء في حلية الأولياء 139/9:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ بِشْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُكْبَرِيَّ الْمِصْرِيَّ قَالَ سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ، يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَا وَالْمُزَنِيُّ، وَأَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا فَقَالَ لِي: «أَنْتَ تَمُوتُ فِي التَّحْدِيثِ». وَقَالَ لِلْمُزَنِيِّ: «هَذَا لَوْ نَاظَرَ الشَّيْطَانَ قَطَعَهُ أَوْ جَدَلَهُ». وَقَالَ لِأَبِي يَعْقُوبَ: «أَنْتَ تَمُوتُ فِي الْحَدِيدِ».
وكان رحمه الله واسع الإطلاع موسوما بالسنة والاتباع، قال داود بن علي الفقيه الأصبهاني الظاهري:
قال داود: حضر مجلسي يوماً أبو يعقوب البويطي، وكان من أهل البصرة، وعليه أخرقتان، فتصدر لنفسه من غير أن يجلسه أحد، وجلس إلي جانبي وقال: سل عما بدا لك؟. فكأني أغضبت منه فقلت له مستهزئاً: أسألك عن الحجامة، فبرك، ثم روى طريق " أفطر " الحاجم والمحجوم ومن أرسله ومن أسنده ومن وقفه، ومن ذهب إليه من الفقهاء. وروى اختلاف طريق احتجام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأعطى الحجام أجره، ولو كان حراً، ما لم يعطه. وروى بطريق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم بقرن، وذكر الأحاديث الصحيحة في الحجامة، ثم ذكر الأحاديث المتوسطة. مثل: ما مررت بملأ من الملائكة، ومثل: شفاء أمتي في ثلاث، وذكر الأحاديث الضعيفة مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تحتجموا يوم كذا ولا ساعة كذا. ثم ذكر ما ذهب إليه أهل الطب من الحجامة في كل زمان، وما ذكروه فيها، ثم ختم كلامه بأن قال: أول ما خرجت الحجامة من أصفهان. فقلت له: والله لا أحقرن بعدك أحداً أبداً.مرآة الجنان وعبرة اليقظان 137/2
كما اشتهر رحمه الله بحسن العبادة وصنائع المعروف من البذل والسخاء والوفادة الى أن وشى به الحساد و سعى به بعض وجهاء البلاد، فقد ساق الخطيب البغدادي في تاريخ دمشق بسنده الى الربيع بن سليمان أنه قال: ورجع الناس والسلطان إليه في الفتيا قال فكان أبو يعقوب يصوم وكان يقرأ القرآن لا يكاد يمر يوم وليلة إلا ختمه مع ذلك يقرأ على الناس قراءة كثيرة من صنائع المعروف إلى الناس قال فسعي به وأبو بكر الأصم فيمن سعى به وليس هو ابن كيسان إنما هو أبو بكر الأصم أصله من خراسان وكان من أصحاب ابن أبي دؤاد وابن الشافعي فيمن سعى به وهو أبو عثمان في جارية للبويطي طلبها وحبسها عنده حتى كتب فيه ابن أبي دؤاد إلى والي مصر فأخذه فامتحنه فأبى أن يجيب وكان الوالي حسن الرأي فيه فقال قل فيما بيني وبينك فقال لا أقوله ليس بي أنا ولكن بي أن يقتدي بي مائة ألف يقولون قال أبو يعقوب ولا يدرون المعنى والسبب فيضلون ولا أقوله أبدا قال وكان قد أمر أن يحمل في أربعين رطل حديد من ماله قال ففعلوا له ذلك الحديد فوزن فنقص شيئا فقال أنقصوه حتى يتم أربعين كما أمرت قال أبو يعقوب اجعلوا واحدا وأربعين قال وحمل حتى ذهب به إلى بغداد قال الربيع وكان المزني ممن سعى به وحرملة قال أبو جعفر الترمذي وحدثني الثقة أيضا عن يوسف بن يحيى البويطي أن البويطي قال برئ الناس ذمتي إلا ثلاثة أحدهم حرملة والمزني فصار ببغداد وكانت كتبه تأتي إلى الربيع.تاريخ دمشق 360/53
و ممن وشى به قاضي مصر ابن أبي الليث الحنيفي ،قال أبو عمر ابن عبد البر الحافظ في كتاب " الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء ": إن ابن أبي الليث الحنيفي قاضي مصر كان يحسده ويعاديه، فأخرجه في وقت المحنة في القرآن العظيم فيمن أخرج من مصر إلى بغداد، ولم يُخرج من أصحاب الشافعي غيره، وحمل إلى بغداد وحبس، فلم يجب إلى ما دعي إليه في القرآن، وقال: هو كلام الله غير مخلوق، وحبس ومات في السجن.وفيات الأعيان62/7.
وقد دخل السجن في زمن الواثق مع إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله،فقد قال الذهبي في ترجمة أحمد بن غسان البصري :
فلمّا كانت المحنة أيّام المعتصم أبى أن يقول بخلْق القرآن، فحُمل إلى بغداد فحبس بها. فاتفق معه في الحبْس أحمد بن حنبل، والبُوَيْطيّ.
قال عليّ بن عبد العزيز البَغَويّ: سَمِعْتُ البُوَيْطيّ يقول: قلت لأحمد بن حنبل: ما أحسن كلام هذا الرجل، يعني أحمد بن غسّان. قال: إنّه بصْريّ وأخاف عليه، يعني القَدَر، إلّا أنّهما سمعا كلامه، وأعجبهما هديه، وخاطباه في القَدَر، فرجع عنه.تاريخ الإسلام 511/5.
ولما دخل على الواثق كان شديد البأس رابط الجأش، صلب العزيمة شديد الشكيمة، قوي الحجة دامغ المحجة، حتى قال كلمته الخالدة التي لو كتبت بماء العينين لكان قليلا.
جاء في تاريخ الخطيب بالسند إلى الربيع بن سليمان قال: رأيت البويطي على بغل في عنقه غل، وفي رجله قيد، وبين الغل والقيد سلسلة حديد فيها طوبة وزنها أربعون رطلا، وهو يقول: إنما خلق الله الخلق بكن، فإذا كانت كن مخلوقة فكانت مخلوقا خلق مخلوقا، فوالله لأموتن في حديدي هذا حتى يأتي من بعدي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم، ولئن أدخلت إليه لأصدقنه -يعني الواثق- قال الربيع: وكتب إلي من السجن أنه لا يأتي علي أوقات ما أحس بالحديد أنه على بدني حتى تمسه يدي، فإذا قرأت كتابي هذا فأحسن خلقك مع أهل حلقتك واستوص بالغرباء خاصة خيرا فكثيرا ما كنت أسمع الشافعي يتمثل بهذا البيت:
أهين لهم نفسي لكي يكرمونها ... ولا تكرم النفس التي لا تهينهاتاريخ بغداد (14/ 302).
هذا ماتيسر جمعه عسى أن يكون في ذلك عبرة للمعتبر وذكرى للمدكر والله نسأله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه.
فإنه أثناء قراءتي لأحد منشورات طلبة العلم استوقفني أثر نشره عن الإمام أبي يعقوب يوسف بن يحيى البويطي رحمه الله -صاحب الشافعي وتلميذه- ذكر فيه محنته في خلق القرآن وامتناعه عن القول به فطرق سمعي واخترق فؤادي كلمة ذهبية وصرخة قلبية خرجت من قلب المعاناة ومن عين المأساة فاضت روحه بعدها لبارئها وجاد بها في سبيل رضا خالقها فأحببت أن أجمع ما تيسر من أخباره في محنته لعلها تكون على القلب بلسما شافيا لجراحه ودواءا نافعا لأقراحه والله المستعان وعليه التكلان:
البويطي أبو يعقوب يوسف بن يحيى القرشي "ت" الإمام الجليل؛ أحد أئمة الإسلام وأركانه وزهاده. كان خليفة الشافعي في حلقته بعده. قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من أبي يعقوب، وليس أحد من أصحابي أعلم منه. وكان ابن أبي الليث الحنفي قاضي مصر يحسده، فسعى به إلى الواثق بالله أيام المحنة بخلق القرآن، فأمر بحمله إلى بغداد مغلولًا مقيدًا، وأريد منه القول بذلك، فامتنع؛ فجلس ببغداد إلى أن مات في القيد والسجن يوم الجمعة من رجب سنة إحدى وثلاثين. وكان الشافعي له كرامة "يقول له" : أنت تموت في الحديد .
حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة 306-307/1
و قد كان للبويطي عند الشافعي رحمهما الله مكانة عالية ومنزلة سامية فقد جاء في آداب الشافعي ومناقبه ص 210/1:
ثَنا أَبُو مُحَمَّدٍ، قَالَ: فِي كِتَابِي عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: " كَانَ لأَبِي يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيِّ مِنَ الشَّافِعِيِّ مَنْزِلَةٌ، وَكَانَ الرَّجُلُ رُبَّمَا يَسْأَلُهُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَيَقُولُ: سَلْ أَبَا يَعْقُوبَ، فَإِذَا أَجَابَهُ أَخْبَرَهُ، فَيَقُولُ: هُوَ كَمَا قَالَ ".
قَالَ: وَرُبَّمَا جَاءَ إِلَى الشَّافِعِيِّ رَسُولُ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ يَسْتَفْتِيهِ، فَيُوَجِّهُ الشَّافِعِيُّ أَبَا يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيَّ، وَيَقُولُ: هَذَا لِسَانِي.
وجاء في كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 261/2:
قال الشافعىّ رضى الله عنه: ما رأيت أحدا أبرع بحجّة من كتاب الله مثل البويطىّ، والبويطىّ لسانى. ولما مات الشافعىّ تنازع محمد بن عبد الحكم والبويطىّ فى الجلوس موضع الشافعىّ حتى شهد الحميدىّ على الشافعىّ أنه قال: البويطىّ أحق بمجلسى من غيره، فأجلسوه مكانه.
وقد تفرس فيه الشافعي رحمه الله فقد جاء في حلية الأولياء 139/9:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ بِشْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُكْبَرِيَّ الْمِصْرِيَّ قَالَ سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ، يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَا وَالْمُزَنِيُّ، وَأَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا فَقَالَ لِي: «أَنْتَ تَمُوتُ فِي التَّحْدِيثِ». وَقَالَ لِلْمُزَنِيِّ: «هَذَا لَوْ نَاظَرَ الشَّيْطَانَ قَطَعَهُ أَوْ جَدَلَهُ». وَقَالَ لِأَبِي يَعْقُوبَ: «أَنْتَ تَمُوتُ فِي الْحَدِيدِ».
وكان رحمه الله واسع الإطلاع موسوما بالسنة والاتباع، قال داود بن علي الفقيه الأصبهاني الظاهري:
قال داود: حضر مجلسي يوماً أبو يعقوب البويطي، وكان من أهل البصرة، وعليه أخرقتان، فتصدر لنفسه من غير أن يجلسه أحد، وجلس إلي جانبي وقال: سل عما بدا لك؟. فكأني أغضبت منه فقلت له مستهزئاً: أسألك عن الحجامة، فبرك، ثم روى طريق " أفطر " الحاجم والمحجوم ومن أرسله ومن أسنده ومن وقفه، ومن ذهب إليه من الفقهاء. وروى اختلاف طريق احتجام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأعطى الحجام أجره، ولو كان حراً، ما لم يعطه. وروى بطريق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم بقرن، وذكر الأحاديث الصحيحة في الحجامة، ثم ذكر الأحاديث المتوسطة. مثل: ما مررت بملأ من الملائكة، ومثل: شفاء أمتي في ثلاث، وذكر الأحاديث الضعيفة مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تحتجموا يوم كذا ولا ساعة كذا. ثم ذكر ما ذهب إليه أهل الطب من الحجامة في كل زمان، وما ذكروه فيها، ثم ختم كلامه بأن قال: أول ما خرجت الحجامة من أصفهان. فقلت له: والله لا أحقرن بعدك أحداً أبداً.مرآة الجنان وعبرة اليقظان 137/2
كما اشتهر رحمه الله بحسن العبادة وصنائع المعروف من البذل والسخاء والوفادة الى أن وشى به الحساد و سعى به بعض وجهاء البلاد، فقد ساق الخطيب البغدادي في تاريخ دمشق بسنده الى الربيع بن سليمان أنه قال: ورجع الناس والسلطان إليه في الفتيا قال فكان أبو يعقوب يصوم وكان يقرأ القرآن لا يكاد يمر يوم وليلة إلا ختمه مع ذلك يقرأ على الناس قراءة كثيرة من صنائع المعروف إلى الناس قال فسعي به وأبو بكر الأصم فيمن سعى به وليس هو ابن كيسان إنما هو أبو بكر الأصم أصله من خراسان وكان من أصحاب ابن أبي دؤاد وابن الشافعي فيمن سعى به وهو أبو عثمان في جارية للبويطي طلبها وحبسها عنده حتى كتب فيه ابن أبي دؤاد إلى والي مصر فأخذه فامتحنه فأبى أن يجيب وكان الوالي حسن الرأي فيه فقال قل فيما بيني وبينك فقال لا أقوله ليس بي أنا ولكن بي أن يقتدي بي مائة ألف يقولون قال أبو يعقوب ولا يدرون المعنى والسبب فيضلون ولا أقوله أبدا قال وكان قد أمر أن يحمل في أربعين رطل حديد من ماله قال ففعلوا له ذلك الحديد فوزن فنقص شيئا فقال أنقصوه حتى يتم أربعين كما أمرت قال أبو يعقوب اجعلوا واحدا وأربعين قال وحمل حتى ذهب به إلى بغداد قال الربيع وكان المزني ممن سعى به وحرملة قال أبو جعفر الترمذي وحدثني الثقة أيضا عن يوسف بن يحيى البويطي أن البويطي قال برئ الناس ذمتي إلا ثلاثة أحدهم حرملة والمزني فصار ببغداد وكانت كتبه تأتي إلى الربيع.تاريخ دمشق 360/53
و ممن وشى به قاضي مصر ابن أبي الليث الحنيفي ،قال أبو عمر ابن عبد البر الحافظ في كتاب " الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء ": إن ابن أبي الليث الحنيفي قاضي مصر كان يحسده ويعاديه، فأخرجه في وقت المحنة في القرآن العظيم فيمن أخرج من مصر إلى بغداد، ولم يُخرج من أصحاب الشافعي غيره، وحمل إلى بغداد وحبس، فلم يجب إلى ما دعي إليه في القرآن، وقال: هو كلام الله غير مخلوق، وحبس ومات في السجن.وفيات الأعيان62/7.
وقد دخل السجن في زمن الواثق مع إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله،فقد قال الذهبي في ترجمة أحمد بن غسان البصري :
فلمّا كانت المحنة أيّام المعتصم أبى أن يقول بخلْق القرآن، فحُمل إلى بغداد فحبس بها. فاتفق معه في الحبْس أحمد بن حنبل، والبُوَيْطيّ.
قال عليّ بن عبد العزيز البَغَويّ: سَمِعْتُ البُوَيْطيّ يقول: قلت لأحمد بن حنبل: ما أحسن كلام هذا الرجل، يعني أحمد بن غسّان. قال: إنّه بصْريّ وأخاف عليه، يعني القَدَر، إلّا أنّهما سمعا كلامه، وأعجبهما هديه، وخاطباه في القَدَر، فرجع عنه.تاريخ الإسلام 511/5.
ولما دخل على الواثق كان شديد البأس رابط الجأش، صلب العزيمة شديد الشكيمة، قوي الحجة دامغ المحجة، حتى قال كلمته الخالدة التي لو كتبت بماء العينين لكان قليلا.
جاء في تاريخ الخطيب بالسند إلى الربيع بن سليمان قال: رأيت البويطي على بغل في عنقه غل، وفي رجله قيد، وبين الغل والقيد سلسلة حديد فيها طوبة وزنها أربعون رطلا، وهو يقول: إنما خلق الله الخلق بكن، فإذا كانت كن مخلوقة فكانت مخلوقا خلق مخلوقا، فوالله لأموتن في حديدي هذا حتى يأتي من بعدي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم، ولئن أدخلت إليه لأصدقنه -يعني الواثق- قال الربيع: وكتب إلي من السجن أنه لا يأتي علي أوقات ما أحس بالحديد أنه على بدني حتى تمسه يدي، فإذا قرأت كتابي هذا فأحسن خلقك مع أهل حلقتك واستوص بالغرباء خاصة خيرا فكثيرا ما كنت أسمع الشافعي يتمثل بهذا البيت:
أهين لهم نفسي لكي يكرمونها ... ولا تكرم النفس التي لا تهينهاتاريخ بغداد (14/ 302).
هذا ماتيسر جمعه عسى أن يكون في ذلك عبرة للمعتبر وذكرى للمدكر والله نسأله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه.