العين البشرية أداة التواصل الأكثر أهمية ودقة بين المحيط الخارجي والإنسان. كيف ترى الأشياء؟ وماهي حدود البصر التي تستطيع العين البشرية الوصول إليها؟
ببساطة، نستطيع الإبصار ورؤية الأشياء بسبب جزيئات الضوء التي تُدعى “فوتونات”، التي تسقط على الأجسام حولنا، ثم ترتد على أعيننا في جزء أقل بكثر من المرّات من جزء من الثانية. تستقبل أعيننا هذه الفوتونات الضوئية، على مايقرب من “126” مليون خلية حساسة للضوء في شبكية العين.
بالإضافة إلى وجود الــ”Opsins”، وهو البروتين الذي يشكّل جزءاً من صبغة “رودوبسين” البصرية، التي يتم إطلاقها وتحفيزها بواسطة الضوء. هذه الجزيئات الصبغية في خلايا الشبكية تمتص الطاقة الكهرومغناطيسية من تأثير الفوتونات مُولدة بذلك إشارات كهربية.
هذه الإشارة تنتقل عبر العصب البصري إلى الدماغ، ويقوم الدماغ البشري بدوره بتحويل التفاوت أو الاختلاف في الاتجاهات والطاقات للفوتونات الساقطة إلى أشكالٍ و ألوانٍ مُختلفة، وبالتالي نستطيع تمييز الأشياء حولنا ما إذا كانت لوناً أم صورة أم أجساماً، وما إلى ذلك.
قبل الخوض في تفاصيل حدود الرؤية البصرية؛ هل تساءلت يوماً لماذا نستطيع تمييز الألوان؟ على سبيل المثال، هذا لون بنفسجي، وهذا لون قرمزي وأحمر، وغيره من الألوان.
حسناً، من المعروف أن أبرز ما يُميز الأشياء حولنا هي ألوانها. لذا فإن حدود الرؤية البشرية مُقيدة تماماً بالألوان؛ بسبب أنها تعتمد كُلياً على الطاقة أو الأطوال الموجية للفوتونات التي تسقط مُؤثرة على شبكية العين، تلك الواقعة في الجزء الخلفي من مُقلة أعيننا.
وأيضاً لا تستطيع أعيننا رؤية جميع ما يوجد حولنا، فعلى سبيل المثال.. لا يمكننا رؤية الموجات الصادرة من أجهزتنا الإلكترونية الذكية؛ بسبب اختلاف أطوالها الموجية. لذا نحن بحاجة لمعرفة الأطوال الموجية التي في مجال الرؤية العَيْنِية من خلال عدسة العين.
رسم ثلاثي الأبعاد يوضّح شكل الخلايا المُستقبلة للضوء والعين
يوجد في العدسة – في الرسم أعلاه – نوعان من الخلايا المُستقبلة للضوء تُعرف باسم خلايا القضبان “العصيّ – الطولية – والمخاريط “. خلايا القضبان الطولية – العصيّ – هي الخلايا الحسيّة المسؤولة عن الرؤية في الإضاءة الخافتة. أما الخلايا المخروطية هي التي تُميز الألوان.
في عام 1941 قام باحثون في جامعة كولومبيا بإجراء تجربة على بعض المتطوعين، حيث وضعوهم في غرفٍ مُعتمة تماماً، وانتظروا عدة دقائق حتى تكيّفت أعينهم على الظُلمة، لأن الخلايا البصرية الطولية تحتاج وقتاً -عدة دقائق – حتى تعمل بشكلٍ جيد في الظلام.
* يمكنك معرفة ذلك؛ إذا ما قمت بإغلاق الأضواء في غرفة ما، حينها ستحتاج عدة دقائق لترى الأشياء في الإضاءة الخافتة جداً.
بعد مرور الوقت؛ أشعل الباحثون مصابيح تومض باللون الأخضر والأزرق أمام أعين المتطوعين، فتمكنوا من تمييز ألوان الوميض. قدّر الباحثين القائمين على التجربة؛ أن هؤلاء المتطوعين استطاعوا الرؤية بعد وصول عدد من الفوتونات الضوئية مُقدر بـ 54 فوتون إلى أعينهم.
أيضاً من خلال التجربة علموا أن هناك بعض الفوتونات الضوئية تُفقد نتيجة امتصاصها من قِبَل مُكوّنات أخرى في العين. فبعد أن حسب الباحثون تلك الفوتونات المفقودة، توصلوا إلى أن باستطاعة 5 فوتونات فقط، تحفيز وتنشيط 5 خلايا طولية مُنفصلة جعلت المتطوعين يرون الضوء الخافت.
تنويه: لا تعمل الخلايا المخروطية – المسؤولة عن تمييز الألوان – وحدها، بل تحتاج إلى الكثير من الضوء لتتمكن من العمل بجانب الخلايا الطولية – العصيّة – أحادية اللون التي نرى بها فقط في الإضاءة المنخفضة.
حالة مرضية تنشأ عند بعض الأشخاص؛ إما عن طريق إجراء عملية لاستئصال ماء العين – إعتام العدسة -، أو عيب خُلقي.
يقول ميشال ليندي أستاذ علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة نيويورك:
جميع الأضواء التي نراها باستثناء تلك التي نراها عبر موشور – منشور زجاجي – أو الليزر هي عبارة عن مجموعة متعددة من الأطوال الموجية مُجتمعة.
تحجب عدسة العين رؤية الأشعة فوق البنفسجية؛ لذا الأشخاص المصابون بانعدام العدسة يمكنهم رؤية الأشعة فوق البنفسجية بسهولة، ورؤية أطوال موجية أخرى يصل طولها لـ 300 نانومتر، والتي يُميزها اللون الأبيض المزرق.
جميع الأطوال الموجية التي من المُرجّح أن تكون خارج هذا النطاق، تستطيع الخلايا المخروطية اكتشافها بشكلٍ بسيط في طيف مرئي بين ” 380- 720″ نانومتر “أقل من المدى الطبيعي”، والموجات الطولية التي تُعتبر أقل- خارج – من نطاقنا الإدراكي الحسي، هي موجات الراديو والأشعة تحت الحمراء التي تكون أقل نشاطاً وتتراوح أطوالها الموجية بين ميلليمتر إلى كيلومتر طولاً.
أما أعلى طيفنا المرئي ذو الطاقات العالية والأطوال الموجية القصيرة، نستيطع إيجاد نطاق الأشعة فوق البنفسجية، ثم الأشعة السينية “X-Ray”، مُتصدرة أشعة جاما والتي أطوالها الموجية هي مجرد مجموعة تريليون من واحد متر.
صورة توضيحية للضوء المرئي وما حوله من أطياف ضوئية
نستطيع جميعنا رؤية الفوتونات الخاصة بها، ففي دراسة أُجريت العام الماضي 2014، أثبتت أنه بطريقة ما يمكننا رؤية فوتونات الأشعة تحت الحمراء، وتكمن آلية رؤيتها في حالة حدوث تصادم بين اثنين من الفوتونات الخاصة بها بالقرب من الخلايا الشبكية.
بالتالي، تستطيع طاقتهما أن تجتمعا مُحولتهما من أطوال موجية غير مرئية “1000” نانومتر، إلى أطوال موجية مرئية “500” نانومتر، والتي تظهر بلون أخضر بارد كما يراها البعض.
العين الصحيحة طبياً لديها 3 أنواع من الخلايا المخروطية، يطلق عليها اسم S للطول الموجي القصير الذي يُميز باللون الأزرق، و M للطول الموجي المتوسط، و L للطول الموجي الطويل الذي يُميز باللون الأحمر، وجميع الأطوال الموجية بين- أو مُجتمعة – تلك الأطوال يمكن رؤيتها في ألوان قوس قزح كاملاً.
تستطيع تلك الخلايا تمييز حوالي “100” تدرّج من الألوان. لذا، يُمكننا تمييز حوالي “مليون” لونٍ مُختلف. ومع ذلك يظل تمييز الألوان مُتغيّراً من شخص لآخر وفق قدرته الذاتية على رؤيتها.
هناك بعض الأشخاص لديهم 4 خلايا بصرية مخروطية – أشخاص نادرون جداً- ، لديهم طفرة جينية منحتهم خلية مخروطية رابعة يستطيعون من خلالها تمييز ورؤية 100 مليون متدرّج للألوان.
كل عين ترى تكون رؤيتها مُقيّدة بكمية الضوء الساقط عليها
في كتب علم النفس، يقولون أنه في ليلة مُظلمة وصافية، يمكن للهب شمعة أن يُرصد أو يُرى من مسافة تبلغ 48 كيلومتراً.
فبالرغم من أن هناك حدود للأطوال الموجية المُميزة للألوان التي نستطيع رؤيتها، إلا أننا لا نستطيع إثبات حدود بعيدة أو صغيرة يمكننا رؤيتها مهما كان حجم الجسم والمسافة الموجود بها. لكن بشكلٍ عام، طالما أنه يمكن لفوتونات الضوء الوصول إلى ذلك البعيد وتمييزه، ثم نقله إلى شبكية العين، إذن يمكننا رؤيته مهما كان بعده و صِغره.
على سبيل المثال، في ليلة مظلمة عندما تنظر للسماء بخلفيتها السوداء الصافية، تستطيع رؤية النجوم في مجرتنا درب التبانة فقط، بالرغم من المسافات الطويلة التي تفصلها عنا. سبب ذلك، أنها كثيفة جداً وتومض أي تصدر الضوء. بالتالي، فإن الفوتونات الصادرة منها تعبر خلال الكون، ثم ترتد في النهاية إلى أعيننا.
أيضاً المجرة الوحيدة البعيدة عنا “أندروميدا” التي تبعد مسافة 2.5 مليون سنة ضوئية عن الأرض؛ نستطيع رؤيتها بالعين المجردة في معظم الأحيان؛ بسبب ضخامتها الهائلة التي تصل لـ 6 أضعاف عرض القمر كاملاً. و مع ذلك نراها بصورة خافتة؛ بسبب أن الفوتونات الضوئية -الهائلة- الصادرة منها قليلة جداً.
حدة البصر هي القدرة على تمييز التفاصيل للأشياء، على سبيل المثال، نستطيع تمييز النقطة عن الخطوط، وإذا ما كانت متصلة أم منفصلة.
حدة البصر في العين البشرية، تكون محدودة أو مُقيدة بالمسافة، والتباعد بين خلايا الإبصار الطولية والمخروطية على شبكية العين.
نظرياً أظهرت الدراسات أن أفضل ما يمكن أن نفعله للرؤية بوضوح أو لزيادة حدة الإبصار هو الوقوف على مسافة بطول 60 ذراعاً أفقياً، و60 ذراعاً رأسياً باللونين الأبيض والأسود بالتناوب مثل لوحة شطرنج، وتوفير حوالي 120 بيكسل لكل درجة.
يعمل هذا المبدأ في اختبارات الرؤية لدى أطباء العيون “Ophthalmologists” الذين يجرون اختبار “مخطط سنيلين” للمرضى لمعرفة وضوح الرؤية لديهم على أحرف كبيرة وصغيرة. يكون المريض على مسافة مُحددة وفقاً للمبدأ المذكور لتحديد صحة وضوح الرؤية لديه.
نانومتر: هي واحدة قياس الأطوال القصيرة جداً، مقدارها -910 جزءاً من مليار جزء من المتر. تستخدم في مجالات فيزيائية وكيميائية عديدة، بالإضافة إلى وصف أطوال الموجات في الحدود المرئية.
يكسل- pixel: أو العُنْصُورَة، مصطلح باللغة العربية مُركب من كلمتي “عنصر وصورة”، أما باللغة الإنجليزية هو مصطلح مُركب أيضاً من كلمتي ” picture & element “. وهو أصغر عنصر منفرد في مصفوفة صور نقطية، وأصغر ما يمكن تمثيله والتحكم في خصائصه من مكونات الصورة على الشاشات بتقنياتها المختلفة.
أخيراً.. آلية عمل العين البشرية مُعقدة ودقيقة جداً، حالها كحال المُستقبلات الحسّية الأخرى، بل أكثر تعقيداً، ويمكن معرفة ذلك من خلال عمل مبادئ العدسات والمرايا في تحديد الصورة. فالرؤية عند جميع الكائنات الحية ليست واحدة، ورؤية العين البشرية تحديداً تتمتع بدقة عالية تصل لأكثر من “500” ميجا بيكسل.
أما الحيوانات والمخلوقات الأخرى مُقارنة بعالمنا تستطيع رؤية موجات أعلى أو أقل من الموجات في حدود رؤيتنا التي تتراوح بشكلٍ عام بين ” 400 إلى 700 ” نانومتر للعين البشرية.