سعيد بن المسيب بن حزن
رضي الله تعالى عنه
نسبه رضي الله تعالى عنه
ابن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة ، الإمام العلم ، أبو محمد القرشي المخزومي ، عالم أهل المدينة ، وسيد التابعين في زمانه . ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي الله عنه وقيل : لأربع مضين منها بالمدينة .
زوجته هي أم حبيب الدوسية بنت أبي هريرة .
فضائله رضي الله تعالى عنه
اولاً:علمه رضي الله تعالى عنه
وروى عن أبي بن كعب مرسلا ، وبلال كذلك ، وسعد بن عبادة كذلك ، وأبي ذر وأبي الدرداء كذلك ، وروايته عن علي ، وسعد ، وعثمان ، وأبي موسى ، وعائشة ، وأم شريك ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وابن عباس ، وحكيم بن حزام ، وعبد الله بن عمرو ، وأبيه المسيب ، وأبي سعيد في " الصحيحين " وعن حسان بن ثابت ، وصفوان بن أمية ، ومعمر بن عبد الله ، ومعاوية ، وأم سلمة ، في صحيح مسلم . وروايته عن جبير بن مطعم وجابر ، وغيرهما في البخاري . وروايته عن عمر في السنن الأربعة.
وروى - أيضا - عن زيد بن ثابت ، وسراقة بن مالك ، وصهيب ، والضحاك بن سفيان ، وعبد الرحمن بن عثمان التيمي ، وروايته عن عتاب بن أسيد في السنن الأربعة ، وهو مرسل . وأرسل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أبي بكر الصديق وكان زوج بنت أبي هريرة ، وأعلم الناس بحديثه.
الواقدي : حدثني هشام بن سعد ، سمعت الزهري وسئل عمن أخذ سعيد بن المسيب علمه؟ فقال : عن زيد بن ثابت . وجالس سعدا ، وابن عباس ، وابن عمر ، ودخل على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - : عائشة وأم سلمة ، وسمع [ ص: 224 ] من عثمان ، وعلي ، وصهيب ، ومحمد بن مسلمة . وجل روايته المسندة عن أبي هريرة ، كان زوج ابنته ، وسمع من أصحاب عمر ، وعثمان ، وكان يقال : ليس أحد أعلم بكل ما قضى به عمر وعثمان منه.
قال علي بن المديني : لا أعلم في التابعين أحدا أوسع علما من ابن المسيب ، هو عندي أجل التابعين.
وعن عبد الرحمن بن حرملة قال: ما كان إنسان يجترئ على سعيد ابن المسيب يسأله عن شيء حتى يستأذنه كما يستأذن الأمير.
وعن قدامة بن موسى ، قال : كان ابن المسيب يفتي والصحابة أحياء.
وعن محمد بن يحيى بن حبان ، قال : كان المقدم في الفتوى في دهره سعيد بن المسيب ، ويقال له : فقيه الفقهاء.
الواقدي : حدثنا ثور بن يزيد ، عن مكحول ، قال : سعيد بن المسيب عالم العلماء.
وعن علي بن الحسين ، قال : ابن المسيب أعلم الناس بما تقدمه من الآثار ، وأفقههم في رأيه.
جعفر بن برقان : أخبرني ميمون بن مهران ، قال : أتيت المدينة فسألت عن أفقه أهلها ، فدفعت إلى سعيد بن المسيب . قلت : هذا يقوله ميمون مع لقيه لأبي هريرة وابن عباس.
معن بن عيسى ، عن مالك ، قال : كان عمر بن عبد العزيز لا يقضي بقضية - يعني وهو أمير المدينة - حتى يسأل سعيد بن المسيب ، فأرسل إليه إنسانا يسأله ، فدعاه ، فجاء فقال عمر له : أخطأ الرسول ; إنما أرسلناه يسألك في مجلسك . وكان عمر يقول : ما كان بالمدينة عالم إلا يأتيني بعلمه ، وكنت أوتى بما عند سعيد بن المسيب.
وقد أسند سعيد عن عمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي، وسعد بن أبي وقاص، وأبي بن كعب، وعمار بن ياسر، ومعاذ بن جبل، وابن عمر، وأبي الدرداء، وعقبة بن عامر، وصهيب، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وسلمان، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وابن عباس وعمرو ابن أبي سلمة، وعائشة، وأم سلمة في آخرين. ثانيا:عبادته رضي الله تعالى عنه
العطاف بن خالد : عن أبي حرملة ، عن ابن المسيب قال : ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة.
سفيان الثوري : عن عثمان بن حكيم ، سمعت سعيد بن المسيب يقول : ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد . إسناده ثابت.
حماد بن زيد : عن يزيد بن حازم ، أن سعيد بن المسيب كان يسرد الصوم.
عبد الرحمن بن حرملة : سمعت ابن المسيب يقول : حججت أربعين حجة.
عن ابن حرملة، قال: حفظت صلاة ابن المسيب وعمله بالنهار، فسألت مولاه عن عمله بالليل، فأخبرني فقال: وكان لا يدع أن يقرأ بصاد والقرآن كل ليلة، فسألته عن ذلك فأخبرني فقال: أن رجلاً من الأنصار صلى إلى شجرة فقرأ بصاد فلما مر بالسجدة سجد وسجدت الشجرة معه فسمعها تقول: اللهم أعطني بهذه السجدة أجراً، وضع عني بها وزراً، وارزقني بها شكراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود.
أدبه مع رسول الله :
حدثنا يعقوب بن المسيب، قال: دخل المطلب بن حنظب على سعيد بن المسيب في مرضه وهو مضطجع فسأله عن حديث، فقال: أقعدوني فأقعدوه، قال: إني أكره أن أحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع
ثالثا:زهده رضي الله تعالى عنه
حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : ثنا محمد بن شبل ، قال : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : ثنا عفان بن مسلم ، قال : ثنا سلام بن مسكين ، قال : ثنا عمران بن عبد الله بن طلحة الخزاعي ، قال : إن نفس سعيد بن المسيب كانت أهون عليه في ذات الله من نفس ذباب.
حدثنا عبد الرحمن بن العباس ، قال : ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ، قال : ثنا عبد الله بن عمر ، قال : ثنا أبو غسان ، قال : ثنا عبد السلام - يعني ابن حرب - عن يحيى بن سعيد ، قال : دخلنا على سعيد نعوده ومعنا نافع بن جبير ، فقالت أم ولده إنه لم يأكل منذ ثلاث فكلموه ، فقال نافع بن جبير : إنك من أهل الدنيا ما دمت فيها ولا بد لأهل الدنيا مما يصلحهم فلو أكلت شيئا ، قال : كيف يأكل من كان على مثل حالنا هذه ، بضعة يذهب بها إلى النار أو إلى الجنة ، فقال نافع : ادع الله أن يشفيك فإن الشيطان قد كان يغيظه مكانك من المسجد ، قال : بل أخرجني الله تعالى من بينكم سالما.
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : ثنا شيبان بن فروخ ، قال : ثنا سلام بن مسكين ، قال : ثنا عمران بن عبد الله بن طلحة ، قال : دعي سعيد بن المسيب إلى نيف وثلاثين ألفا ليأخذها ، فقال : لا حاجة لي فيها ولا بني مروان حتى ألقى الله فيحكم بيني وبينهم.
حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : ثنا شيبان ، قال : ثنا سلام بن مسكين ، عن عمران بن عبد الله ، قال : كان سعيد بن المسيب لا يقبل من أحد شيئا لا دينارا ولا درهما ولا شيئا ، قال : وربما عرض عليه الأشربة فيعرض فليس يشرب من شراب أحد منهم.
سلام بن مسكين : حدثنا عمران بن عبد الله ، قال : كان لسعيد بن المسيب في بيت المال بضعة وثلاثون ألفا ، عطاؤه ، وكان يدعى إليها فيأبى ويقول : لا حاجة لي فيها حتى يحكم الله بيني وبين بني مروان .
عن يحيى بن سعيد: أن سعيد بن المسيب كان يكثر أن يقول في مجلسه اللهم سلم سلم. و ذلك من خشيته الله تعالى
من اقواله
عن إبراهيم بن محمد بن الحسن ، قال : ثنا أبو الربيع الرشديني ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن جريج أن عبيد الله بن عبد الرحمن أخبره ، أنه سمع سعيد بن المسيب ، يقول : يد الله فوق عباده فمن رفع نفسه وضعه الله ، ومن وضعها رفعه الله . الناس تحت كنفه يعملون أعمالهم ، فإذا أراد الله فضيحة عبد أخرجه من تحت كنفه فبدت للناس عورته.
عن أبو حامد بن جبلة ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثنا هارون بن عبد الله ، قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب قال : ما أيس الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء ، وقال : أخبرنا سعيد وهو ابن أربع وثمانين وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى : ما شيء أخوف عندي من النساء.
عن عبد الرحمن بن العباس ، قال : ثنا أحمد بن داود السجستاني ، قال : ثنا الحسن بن سوار ، قال : ثنا الليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال : لا خير فيمن لا يحب هذا المال يصل به رحمه ويؤدي به أمانته ويستغني به عن خلق ربه.
عن سليمان بن أحمد ، قال : ثنا أحمد بن يحيى ثعلب النحوي ، قال ذؤيب بن عمامة ، عن محمد بن معن الغفاري ، عن محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري ، عن عمه ، عن سعيد بن المسيب ، قال : من استغنى بالله افتقر الناس إليه.
حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، قال : ثنا محمود بن محمد الواسطي ، قال : ثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، قال : ثنا محمد بن عبد عمرو العسقلاني ، قال : حدثني إبراهيم بن أدهم ، عن أبي عيسى الخراساني ، عن سعيد بن المسيب ، قال : لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة.
حدثنا محمد بن عبد الله بن الفضل ، قال : ثنا الفضل بن محمد الجندي ، قال : ثنا صامت بن معاذ ، قال : ثنا عبد المجيد يعني ابن أبي رواد ، قال : ثنا معمر عن بكر بن خنيس ، قال : قلت لسعيد بن المسيب وقد رأيت أقواما يصلون ويتعبدون ، يا أبا محمد ألا تتعبد مع هؤلاء القوم؟
فقال لي : يا ابن أخي إنها ليست بعبادة،
قلت له : فما التعبد يا أبا محمد؟
قال : التفكر في أمر الله ، والورع عن محارم الله ، وأداء فرائض الله تعالى.
حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق ، قال : ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، قال : ثنا قتيبة بن سعيد ، قال : ثنا عطاف بن خالد ، عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة فقد ملأ البر والبحر عبادة.
وعن عبد الله بن محمد، قال: قال سعيد بن المسيب: ما أكرمت العباد أنفسها بمثل طاعة الله عز وجل ولاأهانت أنفسها بمثل معصية الله، وكفى بالمؤمن نصرة من الله عز وجل أن يرى عدوه يعمل بمعصية الله.
وعن مالك بن أنس قال: قال سعيد ابن المسيب: إنه ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه: من كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله.
عن حياته رضي الله تعالى عنه
سفيان الثوري : عن داود بن أبي هند ، عن سعيد ، أنه كان يستحب أن يسمي ولده بأسماء الأنبياء.
حماد بن سلمة : عن علي بن زيد ، أنه كان يصلي التطوع في رحله ، وكان يلبس ملاء شرقية.
قال ابن سعد في الطبقات أخبرنا قبيصة ، عن عبيد بن نسطاس ، قال : رأيت سعيد بن المسيب يعتم بعمامة سوداء ، ثم يرسلها خلفه ، ورأيت عليه إزارا وطيلسانا وخفين
أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا خالد بن إلياس : رأيت على سعيد قميصا إلى نصف ساقه ، وكماه إلى أطراف أصابعه ، ورداء فوق القميص ، خمسة أذرع وشبر.
أخبرنا روح ، أخبرنا سعيد ، عن قتادة ، عن إسماعيل بن عمران ، قال : كان سعيد بن المسيب يلبس طيلسانا أزراره ديباج.
أخبرنا يزيد بن هارون ، أنبأنا محمد بن عمرو قال : كان ابن المسيب لا يخضب .
قصة تزويجه ابنته بدرهمين وامتناعه من زواجها للوليد بن المغيرة
عن عمر بن أحمد بن عثمان ، قال : ثنا عبد الله سليمان بن الأشعب ، قال : ثنا أحمد بن حرملة ، عن ابن وهب ، قال : ثنا عمي عبد الله بن وهب ، عن عطاف بن خالد ، عن ابن حرملة ، عن ابن أبي وداعة ، قال : كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أياما فلما جئته قال : أين كنت؟
قال : توفيت أهلي فاشتغلت بها،
فقال : ألا أخبرتنا فشهدناها،
قال : ثم أردت أن أقوم فقال: هل استحدثت امرأة ،
فقلت : يرحمك الله ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة،
فقال : أنا،
فقلت : أوتفعل،
قال : نعم ، ثم حمد الله تعالى وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوجني على درهمين أو قال : ثلاثة
قال : فقمت ولا أدري ما أصنع من الفرح ، فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر ممن آخذ وممن أستدين ، فصليت المغرب وانصرفت إلى منزلي واسترحت وكنت وحدي صائما ، فقدمت عشائي أفطر كان خبزا وزيتا ، فإذا بآب يقرع ،
فقلت : من هذا؟
قال : سعيد،
قال : فتفكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب ، فإنه لم ير أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد فقمت فخرجت فإذا سعيد بن المسيب فظننت أنه بدا له ،
فقلت : يا أبا محمد ألا أرسلت إلي فآتيك،
قال : لأنت أحق أن يؤتى،
قال : قلت : فما تأمر،
قال : إنك كنت رجلا عزبا فتزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك وهذه امرأتك.
فإذا هي قائمة من خلفه في طوله ، ثم أخذها بيدها فدفعها بالباب ورد الباب ، فسقطت المرأة من الحياء فاستوثقت من الباب ثم قدمتها إلى القصعة التي فيها الزيت والخبز ، فوضعتها في ظل السراج لكي لا تراه ثم صعدت إلى السطح فرميت الجيران ، فجاءوني
فقالوا : ما شأنك؟
قلت : ويحكم زوجني سعيد بن المسيب ابنته اليوم وقد جاء بها علي غفلة،
فقالوا : سعيد بن المسيب زوجك
قلت : نعم ، وها هي في الدار،
قال : فنزلوا هم إليها وبلغ أمي فجاءت ، وقالت : وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام،
قال : فأقمت ثلاثة أيام ثم دخلت بها فإذا هي من أجمل الناس ، وإذا هي من أحفظ الناس لكتاب الله وأعلمهم لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعرفهم بحق الزوج،
قال : فمكثت شهرا لا يأتيني سعيد ولا آتيه ، فلما كان قرب الشهر أتيت سعيدا وهو في حلقته فسلمت عليه فرد علي السلام ولم يكلمني حتى تقوض أهل المجلس فلما لم يبق غيري،
قال : ما حال ذلك الإنسان،
قلت : خيرا يا أبا محمد على ما يحب الصديق ويكره العدو،
قال : إن رابك شيء فالعصا ، فانصرفت إلى منزلي فوجه إلي بعشرين ألف درهم،
قال عبد الله بن سليمان : وكانت بنت سعيد بن المسيب خطبها عبد الملك بن مروان لابنه الوليد بن عبد الملك حين ولاه العهد فأبى سعيد أن يزوجه فلم يزل عبد الملك يحتال على سعيد حتى ضربه مائة سوط في يوم بارد وصب عليه جرة ماء وألبسه جبة صوف.
امتناعه من البيعة للوليد وسليمان بعد عبد الملك بن مروان وضربه على ذلك
حدثت عن محمد بن القاسم بن بشار الأنباري ، قال : ثنا أبي ، عن القاسم بن عبيد الله بن أحمد بن الحارث عن عمرو العدوي ، عن يحيى بن سعيد ، قال : كتب والي المدينة إلى عبد الملك بن مروان أن أهل المدينة قد أطبقوا على البيعة للوليد وسليمان إلا سعيد بن المسيب ، فكتب أن اعرضه على السيف فإن مضى وإلا فاجلده خمسين جلدة وطف به أسواق المدينة ، فلما قدم الكتاب على الوالي دخل سليمان بن يسار وعروة بن الزبير وسالم بن عبد الله على سعيد بن المسيب ، فقالوا : إنا قد جئناك في أمر ، قد قدم فيك كتاب من عبد الملك بن مروان إن لم تبايع ضربت عنقك ، ونحن نعرض عليك خصالا ثلاثا فأعطنا إحداهن فإن الوالي قد قبل منك أن يقرأ عليك الكتاب فلا تقل لا ولا نعم،
قال : فيقول الناس بايع سعيد بن المسيب . ما أنا بفاعل،
قال : وكان إذا قال لا لم يطيقوا عليه أن يقول نعم،
قال : مضت واحدة وبقيت اثنتان قالوا : فتجلس في بيتك فلا تخرج إلى الصلاة أياما فإنه يقبل منك إذا طلبت في مجلسك فلم يجدك،
قال : وأنا أسمع الأذان فوق أذني حي على الصلاة حي على الفلاح ما أنا بفاعل،
قالوا : مضت اثنتان وبقيت واحدة قالوا : فانتقل من مجلسك إلى غيره فإنه يرسل إلى مجلسك فإن لم يجدك أمسك عنك،
قال : فرقا لمخلوق ، ما أنا بمتقدم لذلك شبرا ، ولا متأخر شبرا،
فخرجوا وخرج إلى الصلاة صلاة الظهر فجلس في مجلسه الذي كان يجلس فيه فلما صلى الوالي بعث إليه فأتي به فقال : إن أمير المؤمنين كتب يأمرنا إن لم تبايع ضربنا عنقك ،
قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين
فلما رآه لا يجيب أخرج إلى السدة فمدت عنقه وسلت عليه السيوف فلما رآه قد مضى أمر به فجرد فإذا عليه تبان شعر ، فقال : لو علمت أني لا أقتل ما اشتهرت بهذا التبان فضربه به خمسين سوطا ثم طاف به أسواق المدينة فلما رده والناس منصرفون من صلاة العصر ، قال : إن هذه لوجوه ما نظرت إليها منذ أربعين سنة
قال محمد بن القاسم : وسمعت شيخنا يزيد في حديث سعيد بإسناد لا أحفظه أن سعيدا لما جرد ليضرب ، قالت له امرأة لما جرد ليضرب : إن هذا لمقام الخزي ، فقال لها سعيد : من مقام الخزي فررنا.
عن أبو حامد بن جبلة ، قال : ثنا أبو العباس السراج ، قال : ثنا حاتم بن الليث الجوهري ، قال : ثنا عفان ، قال : ثنا همام ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : أنه كان إذا أراد الرجل أن يجالسه
قال : إنهم قد جلدوني ومنعوا الناس أن يجالسوني.
امتناعه من البيعة لابن الزبير حتى يجتمع الناس
حدثت فتنه كبرى و انشقاق في صفوف المسلمين حدث صراع بين عبد الله بن الزبير رضي الله عنه و عبد الملك بن مروان. حيث بويع عبد الله بن الزبير بالخلافه فدخل في طاعته الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان وأكثر الشام بقي مركز الخلافة في دمشق وبعض بلاد الشام تحت سيطرة الأمويين تحت خلافة عبد الملك بن مروان.
الواقدي : حدثنا عبد الله بن جعفر ، وغيره من أصحابنا ، قالوا : استعمل ابن الزبير جابر بن الأسود بن عوف الزهري على المدينة ، فدعا الناس إلى البيعة لابن الزبير فقال سعيد بن المسيب : لا ، حتى يجتمع الناس . فضربه ستين سوطا ، فبلغ ذلك ابن الزبير ، فكتب إلى جابر يلومه ويقول : ما لنا ولسعيد ، دعه.
قصة امتناعه على عبد الملك بن مروان أن يجالسه و خوف الحجاج من ملاقاته
حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، قال : ثنا أبو العباس ، قال : ثنا قتيبة بن سعيد ، قال : ثنا كثير بن هشام ، قال : ثنا جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران : أن عبد الملك بن مروان قدم المدينة فاستيقظ من قائلته فقال لحاجبه : انظر هل ترى في المسجد أحدا من حداثي فلم ير فيه إلا سعيد بن المسيب ، فأشار إليه بأصبعه فلم يتحرك سعيد،
ثم أتاه الحاجب فقال : ألم تر أني أشير إليك؟
قال : وما حاجتك؟
فقال : استيقظ أمير المؤمنين ، فقال : انظر هل ترى في المسجد أحدا من حداثي،
فقال سعيد : لست من حداثه،
فخرج الحاجب فقال : ما وجدت في المسجد إلا شيخا أشرت إليه فلم يقم ، قلت له : إن أمير المؤمنين استيقظ وقال لي انظر هل ترى أحدا من حداثي ، قال : إني لست من حداث أمير المؤمنين
قال عبد الملك بن مروان : ذلك سعيد بن المسيب دعه.
حماد بن سلمة : أنبأنا علي بن زيد أنه قيل لسعيد بن المسيب : ما شأن الحجاج لا يبعث إليك ، ولا يحركك ، ولا يؤذيك؟ قال : والله ما أدري ، إلا أنه دخل ذات يوم مع أبيه المسجد ، فصلى صلاة لا يتم ركوعها ولا سجودها ، فأخذت كفا من حصى فحصبته بها . زعم أن الحجاج قال : ما زلت بعد أحسن الصلاة.
عن معرفته بتفسير الرؤى
قال الواقدي : كان سعيد بن المسيب من أعبر الناس للرؤيا ، أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر الصديق ، وأخذته أسماء عن أبيها ، ثم ساق الواقدي عدة منامات ، منها:
حدثنا موسى بن يعقوب ، عن الوليد بن عمرو بن مسافع ، عن عمر بن حبيب بن قليع قال : كنت جالسا عند سعيد بن المسيب يوما ، وقد ضاقت بي الأشياء ، ورهقني دين ، فجاءه رجل ، فقال : رأيت كأني أخذت عبد الملك بن مروان ، فأضجعته إلى الأرض ، وبطحته فأوتدت في ظهره أربعة أوتاد. قال : ما أنت رأيتها . قال : بلى . قال : لا أخبرك أو تخبرني قال : ابن الزبير رآها ، وهو بعثني إليك . قال : لئن صدقت رؤياه قتله عبد الملك ، وخرج من صلب عبد الملك أربعة كلهم يكون خليفة . قال : فرحلت إلى عبد الملك بالشام فأخبرته ، فسر ، وسألني عن سعيد وعن حاله فأخبرته ، وأمر بقضاء ديني وأصبت منه خيرا.
قال : وحدثني الحكم بن القاسم ، عن إسماعيل بن أبي حكيم ، قال : قال رجل : رأيت كأن عبد الملك بن مروان يبول في قبلة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع مرار . فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب ، فقال : إن صدقت رؤياك ، قام فيه من صلبه أربعة خلفاء.
وأخبرنا عبد السلام بن حفص ، عن شريك بن أبي نمر ، قلت لسعيد بن المسيب : رأيت كأن أسناني سقطت في يدي ، ثم دفنتها . فقال : إن صدقت رؤياك ، دفنت أسنانك من أهل بيتك.
وحدثنا ابن أبي ذئب ، عن مسلم الحناط قال رجل لابن المسيب : رأيت أني أبول في يدي . فقال : اتق الله ; فإن تحتك ذات محرم ، فنظر فإذا امرأة بينهما رضاع.
وبه ، عن ابن المسيب قال : الكبل في النوم ثبات في الدين . وقيل له : يا أبا محمد ، رأيت كأني في الظل ، فقمت إلى الشمس . فقال : إن صدقت رؤياك ، لتخرجن من الإسلام . قال : يا أبا محمد ، إني أراني [ ص: 237 ] أخرجت حتى أدخلت في الشمس ، فجلست . قال : تكره على الكفر . قال : فأسر وأكره على الكفر ، ثم رجع ، فكان يخبر بهذا بالمدينة.
وحدثنا عبد الله بن جعفر ، عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن السائب ، قال رجل لابن المسيب : إنه رأى كأنه يخوض النار . قال : لا تموت حتى تركب البحر ، وتموت قتيلا . فركب البحر ، وأشفى على الهلكة ، وقتل يوم قديد.
سلام بن مسكين : عن عمران بن عبد الله ، قال : رأى الحسن بن علي كأن بين عينيه مكتوب : قل هو الله أحد فاستبشر به ، وأهل بيته ، فقصوها على سعيد بن المسيب ، فقال : إن صدقت رؤياه فقلما بقي من أجله ، فمات بعد أيام.
عن مرضه ووفاته رضي الله تعالى عنه
قال ابن سعد حدثنا خالد بن مخلد ، حدثني سليمان بن بلال ، حدثني عبد الرحمن بن حرملة ، قال : دخلت على سعيد بن المسيب وهو شديد المرض ، وهو يصلي الظهر ، وهو مستلق يومئ إيماء ، فسمعته يقرأ بالشمس وضحاها.
معاوية بن صالح : عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : أوصيت أهلي بثلاث : أن لا يتبعني راجز ولا نار ، وأن يعجلوا بي ، فإن يكن لي عند الله خير ، فهو خير مما عندكم.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس ، حدثني أبي عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي ، قال : اشتد وجع سعيد بن المسيب ، فدخل عليه نافع بن جبير يعوده ، فأغمي عليه فقال نافع : وجهوه . ففعلوا ، فأفاق فقال : من أمركم أن تحولوا فراشي إلى القبلة ، أنافع ؟ قال : نعم . قال له سعيد : لئن لم أكن على القبلة والملة والله لا ينفعني توجيهكم فراشي.
وعن يحيى بن سعيد ، قال : لما احتضر سعيد بن المسيب ، ترك دنانير ، فقال : اللهم إنك تعلم أني لم أتركها إلا لأصون بها حسبي وديني.
أخبرنا محمد بن عمر ، حدثني عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة ، شهدت سعيد بن المسيب يوم مات سنة أربع وتسعين . فرأيت قبره قد رش عليه الماء ، وكان يقال لهذه السنة سنة الفقهاء لكثرة من مات منهم فيها.
رضي الله تعالى عنه
نسبه رضي الله تعالى عنه
ابن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة ، الإمام العلم ، أبو محمد القرشي المخزومي ، عالم أهل المدينة ، وسيد التابعين في زمانه . ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي الله عنه وقيل : لأربع مضين منها بالمدينة .
زوجته هي أم حبيب الدوسية بنت أبي هريرة .
فضائله رضي الله تعالى عنه
اولاً:علمه رضي الله تعالى عنه
وروى عن أبي بن كعب مرسلا ، وبلال كذلك ، وسعد بن عبادة كذلك ، وأبي ذر وأبي الدرداء كذلك ، وروايته عن علي ، وسعد ، وعثمان ، وأبي موسى ، وعائشة ، وأم شريك ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وابن عباس ، وحكيم بن حزام ، وعبد الله بن عمرو ، وأبيه المسيب ، وأبي سعيد في " الصحيحين " وعن حسان بن ثابت ، وصفوان بن أمية ، ومعمر بن عبد الله ، ومعاوية ، وأم سلمة ، في صحيح مسلم . وروايته عن جبير بن مطعم وجابر ، وغيرهما في البخاري . وروايته عن عمر في السنن الأربعة.
وروى - أيضا - عن زيد بن ثابت ، وسراقة بن مالك ، وصهيب ، والضحاك بن سفيان ، وعبد الرحمن بن عثمان التيمي ، وروايته عن عتاب بن أسيد في السنن الأربعة ، وهو مرسل . وأرسل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أبي بكر الصديق وكان زوج بنت أبي هريرة ، وأعلم الناس بحديثه.
الواقدي : حدثني هشام بن سعد ، سمعت الزهري وسئل عمن أخذ سعيد بن المسيب علمه؟ فقال : عن زيد بن ثابت . وجالس سعدا ، وابن عباس ، وابن عمر ، ودخل على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - : عائشة وأم سلمة ، وسمع [ ص: 224 ] من عثمان ، وعلي ، وصهيب ، ومحمد بن مسلمة . وجل روايته المسندة عن أبي هريرة ، كان زوج ابنته ، وسمع من أصحاب عمر ، وعثمان ، وكان يقال : ليس أحد أعلم بكل ما قضى به عمر وعثمان منه.
قال علي بن المديني : لا أعلم في التابعين أحدا أوسع علما من ابن المسيب ، هو عندي أجل التابعين.
وعن عبد الرحمن بن حرملة قال: ما كان إنسان يجترئ على سعيد ابن المسيب يسأله عن شيء حتى يستأذنه كما يستأذن الأمير.
وعن قدامة بن موسى ، قال : كان ابن المسيب يفتي والصحابة أحياء.
وعن محمد بن يحيى بن حبان ، قال : كان المقدم في الفتوى في دهره سعيد بن المسيب ، ويقال له : فقيه الفقهاء.
الواقدي : حدثنا ثور بن يزيد ، عن مكحول ، قال : سعيد بن المسيب عالم العلماء.
وعن علي بن الحسين ، قال : ابن المسيب أعلم الناس بما تقدمه من الآثار ، وأفقههم في رأيه.
جعفر بن برقان : أخبرني ميمون بن مهران ، قال : أتيت المدينة فسألت عن أفقه أهلها ، فدفعت إلى سعيد بن المسيب . قلت : هذا يقوله ميمون مع لقيه لأبي هريرة وابن عباس.
معن بن عيسى ، عن مالك ، قال : كان عمر بن عبد العزيز لا يقضي بقضية - يعني وهو أمير المدينة - حتى يسأل سعيد بن المسيب ، فأرسل إليه إنسانا يسأله ، فدعاه ، فجاء فقال عمر له : أخطأ الرسول ; إنما أرسلناه يسألك في مجلسك . وكان عمر يقول : ما كان بالمدينة عالم إلا يأتيني بعلمه ، وكنت أوتى بما عند سعيد بن المسيب.
وقد أسند سعيد عن عمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي، وسعد بن أبي وقاص، وأبي بن كعب، وعمار بن ياسر، ومعاذ بن جبل، وابن عمر، وأبي الدرداء، وعقبة بن عامر، وصهيب، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وسلمان، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وابن عباس وعمرو ابن أبي سلمة، وعائشة، وأم سلمة في آخرين. ثانيا:عبادته رضي الله تعالى عنه
العطاف بن خالد : عن أبي حرملة ، عن ابن المسيب قال : ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة.
سفيان الثوري : عن عثمان بن حكيم ، سمعت سعيد بن المسيب يقول : ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد . إسناده ثابت.
حماد بن زيد : عن يزيد بن حازم ، أن سعيد بن المسيب كان يسرد الصوم.
عبد الرحمن بن حرملة : سمعت ابن المسيب يقول : حججت أربعين حجة.
عن ابن حرملة، قال: حفظت صلاة ابن المسيب وعمله بالنهار، فسألت مولاه عن عمله بالليل، فأخبرني فقال: وكان لا يدع أن يقرأ بصاد والقرآن كل ليلة، فسألته عن ذلك فأخبرني فقال: أن رجلاً من الأنصار صلى إلى شجرة فقرأ بصاد فلما مر بالسجدة سجد وسجدت الشجرة معه فسمعها تقول: اللهم أعطني بهذه السجدة أجراً، وضع عني بها وزراً، وارزقني بها شكراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود.
أدبه مع رسول الله :
حدثنا يعقوب بن المسيب، قال: دخل المطلب بن حنظب على سعيد بن المسيب في مرضه وهو مضطجع فسأله عن حديث، فقال: أقعدوني فأقعدوه، قال: إني أكره أن أحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع
ثالثا:زهده رضي الله تعالى عنه
حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : ثنا محمد بن شبل ، قال : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : ثنا عفان بن مسلم ، قال : ثنا سلام بن مسكين ، قال : ثنا عمران بن عبد الله بن طلحة الخزاعي ، قال : إن نفس سعيد بن المسيب كانت أهون عليه في ذات الله من نفس ذباب.
حدثنا عبد الرحمن بن العباس ، قال : ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ، قال : ثنا عبد الله بن عمر ، قال : ثنا أبو غسان ، قال : ثنا عبد السلام - يعني ابن حرب - عن يحيى بن سعيد ، قال : دخلنا على سعيد نعوده ومعنا نافع بن جبير ، فقالت أم ولده إنه لم يأكل منذ ثلاث فكلموه ، فقال نافع بن جبير : إنك من أهل الدنيا ما دمت فيها ولا بد لأهل الدنيا مما يصلحهم فلو أكلت شيئا ، قال : كيف يأكل من كان على مثل حالنا هذه ، بضعة يذهب بها إلى النار أو إلى الجنة ، فقال نافع : ادع الله أن يشفيك فإن الشيطان قد كان يغيظه مكانك من المسجد ، قال : بل أخرجني الله تعالى من بينكم سالما.
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : ثنا شيبان بن فروخ ، قال : ثنا سلام بن مسكين ، قال : ثنا عمران بن عبد الله بن طلحة ، قال : دعي سعيد بن المسيب إلى نيف وثلاثين ألفا ليأخذها ، فقال : لا حاجة لي فيها ولا بني مروان حتى ألقى الله فيحكم بيني وبينهم.
حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : ثنا شيبان ، قال : ثنا سلام بن مسكين ، عن عمران بن عبد الله ، قال : كان سعيد بن المسيب لا يقبل من أحد شيئا لا دينارا ولا درهما ولا شيئا ، قال : وربما عرض عليه الأشربة فيعرض فليس يشرب من شراب أحد منهم.
سلام بن مسكين : حدثنا عمران بن عبد الله ، قال : كان لسعيد بن المسيب في بيت المال بضعة وثلاثون ألفا ، عطاؤه ، وكان يدعى إليها فيأبى ويقول : لا حاجة لي فيها حتى يحكم الله بيني وبين بني مروان .
عن يحيى بن سعيد: أن سعيد بن المسيب كان يكثر أن يقول في مجلسه اللهم سلم سلم. و ذلك من خشيته الله تعالى
من اقواله
عن إبراهيم بن محمد بن الحسن ، قال : ثنا أبو الربيع الرشديني ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن جريج أن عبيد الله بن عبد الرحمن أخبره ، أنه سمع سعيد بن المسيب ، يقول : يد الله فوق عباده فمن رفع نفسه وضعه الله ، ومن وضعها رفعه الله . الناس تحت كنفه يعملون أعمالهم ، فإذا أراد الله فضيحة عبد أخرجه من تحت كنفه فبدت للناس عورته.
عن أبو حامد بن جبلة ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثنا هارون بن عبد الله ، قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب قال : ما أيس الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء ، وقال : أخبرنا سعيد وهو ابن أربع وثمانين وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى : ما شيء أخوف عندي من النساء.
عن عبد الرحمن بن العباس ، قال : ثنا أحمد بن داود السجستاني ، قال : ثنا الحسن بن سوار ، قال : ثنا الليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال : لا خير فيمن لا يحب هذا المال يصل به رحمه ويؤدي به أمانته ويستغني به عن خلق ربه.
عن سليمان بن أحمد ، قال : ثنا أحمد بن يحيى ثعلب النحوي ، قال ذؤيب بن عمامة ، عن محمد بن معن الغفاري ، عن محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري ، عن عمه ، عن سعيد بن المسيب ، قال : من استغنى بالله افتقر الناس إليه.
حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، قال : ثنا محمود بن محمد الواسطي ، قال : ثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، قال : ثنا محمد بن عبد عمرو العسقلاني ، قال : حدثني إبراهيم بن أدهم ، عن أبي عيسى الخراساني ، عن سعيد بن المسيب ، قال : لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة.
حدثنا محمد بن عبد الله بن الفضل ، قال : ثنا الفضل بن محمد الجندي ، قال : ثنا صامت بن معاذ ، قال : ثنا عبد المجيد يعني ابن أبي رواد ، قال : ثنا معمر عن بكر بن خنيس ، قال : قلت لسعيد بن المسيب وقد رأيت أقواما يصلون ويتعبدون ، يا أبا محمد ألا تتعبد مع هؤلاء القوم؟
فقال لي : يا ابن أخي إنها ليست بعبادة،
قلت له : فما التعبد يا أبا محمد؟
قال : التفكر في أمر الله ، والورع عن محارم الله ، وأداء فرائض الله تعالى.
حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق ، قال : ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، قال : ثنا قتيبة بن سعيد ، قال : ثنا عطاف بن خالد ، عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة فقد ملأ البر والبحر عبادة.
وعن عبد الله بن محمد، قال: قال سعيد بن المسيب: ما أكرمت العباد أنفسها بمثل طاعة الله عز وجل ولاأهانت أنفسها بمثل معصية الله، وكفى بالمؤمن نصرة من الله عز وجل أن يرى عدوه يعمل بمعصية الله.
وعن مالك بن أنس قال: قال سعيد ابن المسيب: إنه ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه: من كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله.
عن حياته رضي الله تعالى عنه
سفيان الثوري : عن داود بن أبي هند ، عن سعيد ، أنه كان يستحب أن يسمي ولده بأسماء الأنبياء.
حماد بن سلمة : عن علي بن زيد ، أنه كان يصلي التطوع في رحله ، وكان يلبس ملاء شرقية.
قال ابن سعد في الطبقات أخبرنا قبيصة ، عن عبيد بن نسطاس ، قال : رأيت سعيد بن المسيب يعتم بعمامة سوداء ، ثم يرسلها خلفه ، ورأيت عليه إزارا وطيلسانا وخفين
أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا خالد بن إلياس : رأيت على سعيد قميصا إلى نصف ساقه ، وكماه إلى أطراف أصابعه ، ورداء فوق القميص ، خمسة أذرع وشبر.
أخبرنا روح ، أخبرنا سعيد ، عن قتادة ، عن إسماعيل بن عمران ، قال : كان سعيد بن المسيب يلبس طيلسانا أزراره ديباج.
أخبرنا يزيد بن هارون ، أنبأنا محمد بن عمرو قال : كان ابن المسيب لا يخضب .
قصة تزويجه ابنته بدرهمين وامتناعه من زواجها للوليد بن المغيرة
عن عمر بن أحمد بن عثمان ، قال : ثنا عبد الله سليمان بن الأشعب ، قال : ثنا أحمد بن حرملة ، عن ابن وهب ، قال : ثنا عمي عبد الله بن وهب ، عن عطاف بن خالد ، عن ابن حرملة ، عن ابن أبي وداعة ، قال : كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أياما فلما جئته قال : أين كنت؟
قال : توفيت أهلي فاشتغلت بها،
فقال : ألا أخبرتنا فشهدناها،
قال : ثم أردت أن أقوم فقال: هل استحدثت امرأة ،
فقلت : يرحمك الله ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة،
فقال : أنا،
فقلت : أوتفعل،
قال : نعم ، ثم حمد الله تعالى وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوجني على درهمين أو قال : ثلاثة
قال : فقمت ولا أدري ما أصنع من الفرح ، فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر ممن آخذ وممن أستدين ، فصليت المغرب وانصرفت إلى منزلي واسترحت وكنت وحدي صائما ، فقدمت عشائي أفطر كان خبزا وزيتا ، فإذا بآب يقرع ،
فقلت : من هذا؟
قال : سعيد،
قال : فتفكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب ، فإنه لم ير أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد فقمت فخرجت فإذا سعيد بن المسيب فظننت أنه بدا له ،
فقلت : يا أبا محمد ألا أرسلت إلي فآتيك،
قال : لأنت أحق أن يؤتى،
قال : قلت : فما تأمر،
قال : إنك كنت رجلا عزبا فتزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك وهذه امرأتك.
فإذا هي قائمة من خلفه في طوله ، ثم أخذها بيدها فدفعها بالباب ورد الباب ، فسقطت المرأة من الحياء فاستوثقت من الباب ثم قدمتها إلى القصعة التي فيها الزيت والخبز ، فوضعتها في ظل السراج لكي لا تراه ثم صعدت إلى السطح فرميت الجيران ، فجاءوني
فقالوا : ما شأنك؟
قلت : ويحكم زوجني سعيد بن المسيب ابنته اليوم وقد جاء بها علي غفلة،
فقالوا : سعيد بن المسيب زوجك
قلت : نعم ، وها هي في الدار،
قال : فنزلوا هم إليها وبلغ أمي فجاءت ، وقالت : وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام،
قال : فأقمت ثلاثة أيام ثم دخلت بها فإذا هي من أجمل الناس ، وإذا هي من أحفظ الناس لكتاب الله وأعلمهم لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعرفهم بحق الزوج،
قال : فمكثت شهرا لا يأتيني سعيد ولا آتيه ، فلما كان قرب الشهر أتيت سعيدا وهو في حلقته فسلمت عليه فرد علي السلام ولم يكلمني حتى تقوض أهل المجلس فلما لم يبق غيري،
قال : ما حال ذلك الإنسان،
قلت : خيرا يا أبا محمد على ما يحب الصديق ويكره العدو،
قال : إن رابك شيء فالعصا ، فانصرفت إلى منزلي فوجه إلي بعشرين ألف درهم،
قال عبد الله بن سليمان : وكانت بنت سعيد بن المسيب خطبها عبد الملك بن مروان لابنه الوليد بن عبد الملك حين ولاه العهد فأبى سعيد أن يزوجه فلم يزل عبد الملك يحتال على سعيد حتى ضربه مائة سوط في يوم بارد وصب عليه جرة ماء وألبسه جبة صوف.
امتناعه من البيعة للوليد وسليمان بعد عبد الملك بن مروان وضربه على ذلك
حدثت عن محمد بن القاسم بن بشار الأنباري ، قال : ثنا أبي ، عن القاسم بن عبيد الله بن أحمد بن الحارث عن عمرو العدوي ، عن يحيى بن سعيد ، قال : كتب والي المدينة إلى عبد الملك بن مروان أن أهل المدينة قد أطبقوا على البيعة للوليد وسليمان إلا سعيد بن المسيب ، فكتب أن اعرضه على السيف فإن مضى وإلا فاجلده خمسين جلدة وطف به أسواق المدينة ، فلما قدم الكتاب على الوالي دخل سليمان بن يسار وعروة بن الزبير وسالم بن عبد الله على سعيد بن المسيب ، فقالوا : إنا قد جئناك في أمر ، قد قدم فيك كتاب من عبد الملك بن مروان إن لم تبايع ضربت عنقك ، ونحن نعرض عليك خصالا ثلاثا فأعطنا إحداهن فإن الوالي قد قبل منك أن يقرأ عليك الكتاب فلا تقل لا ولا نعم،
قال : فيقول الناس بايع سعيد بن المسيب . ما أنا بفاعل،
قال : وكان إذا قال لا لم يطيقوا عليه أن يقول نعم،
قال : مضت واحدة وبقيت اثنتان قالوا : فتجلس في بيتك فلا تخرج إلى الصلاة أياما فإنه يقبل منك إذا طلبت في مجلسك فلم يجدك،
قال : وأنا أسمع الأذان فوق أذني حي على الصلاة حي على الفلاح ما أنا بفاعل،
قالوا : مضت اثنتان وبقيت واحدة قالوا : فانتقل من مجلسك إلى غيره فإنه يرسل إلى مجلسك فإن لم يجدك أمسك عنك،
قال : فرقا لمخلوق ، ما أنا بمتقدم لذلك شبرا ، ولا متأخر شبرا،
فخرجوا وخرج إلى الصلاة صلاة الظهر فجلس في مجلسه الذي كان يجلس فيه فلما صلى الوالي بعث إليه فأتي به فقال : إن أمير المؤمنين كتب يأمرنا إن لم تبايع ضربنا عنقك ،
قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين
فلما رآه لا يجيب أخرج إلى السدة فمدت عنقه وسلت عليه السيوف فلما رآه قد مضى أمر به فجرد فإذا عليه تبان شعر ، فقال : لو علمت أني لا أقتل ما اشتهرت بهذا التبان فضربه به خمسين سوطا ثم طاف به أسواق المدينة فلما رده والناس منصرفون من صلاة العصر ، قال : إن هذه لوجوه ما نظرت إليها منذ أربعين سنة
قال محمد بن القاسم : وسمعت شيخنا يزيد في حديث سعيد بإسناد لا أحفظه أن سعيدا لما جرد ليضرب ، قالت له امرأة لما جرد ليضرب : إن هذا لمقام الخزي ، فقال لها سعيد : من مقام الخزي فررنا.
عن أبو حامد بن جبلة ، قال : ثنا أبو العباس السراج ، قال : ثنا حاتم بن الليث الجوهري ، قال : ثنا عفان ، قال : ثنا همام ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : أنه كان إذا أراد الرجل أن يجالسه
قال : إنهم قد جلدوني ومنعوا الناس أن يجالسوني.
امتناعه من البيعة لابن الزبير حتى يجتمع الناس
حدثت فتنه كبرى و انشقاق في صفوف المسلمين حدث صراع بين عبد الله بن الزبير رضي الله عنه و عبد الملك بن مروان. حيث بويع عبد الله بن الزبير بالخلافه فدخل في طاعته الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان وأكثر الشام بقي مركز الخلافة في دمشق وبعض بلاد الشام تحت سيطرة الأمويين تحت خلافة عبد الملك بن مروان.
الواقدي : حدثنا عبد الله بن جعفر ، وغيره من أصحابنا ، قالوا : استعمل ابن الزبير جابر بن الأسود بن عوف الزهري على المدينة ، فدعا الناس إلى البيعة لابن الزبير فقال سعيد بن المسيب : لا ، حتى يجتمع الناس . فضربه ستين سوطا ، فبلغ ذلك ابن الزبير ، فكتب إلى جابر يلومه ويقول : ما لنا ولسعيد ، دعه.
قصة امتناعه على عبد الملك بن مروان أن يجالسه و خوف الحجاج من ملاقاته
حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، قال : ثنا أبو العباس ، قال : ثنا قتيبة بن سعيد ، قال : ثنا كثير بن هشام ، قال : ثنا جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران : أن عبد الملك بن مروان قدم المدينة فاستيقظ من قائلته فقال لحاجبه : انظر هل ترى في المسجد أحدا من حداثي فلم ير فيه إلا سعيد بن المسيب ، فأشار إليه بأصبعه فلم يتحرك سعيد،
ثم أتاه الحاجب فقال : ألم تر أني أشير إليك؟
قال : وما حاجتك؟
فقال : استيقظ أمير المؤمنين ، فقال : انظر هل ترى في المسجد أحدا من حداثي،
فقال سعيد : لست من حداثه،
فخرج الحاجب فقال : ما وجدت في المسجد إلا شيخا أشرت إليه فلم يقم ، قلت له : إن أمير المؤمنين استيقظ وقال لي انظر هل ترى أحدا من حداثي ، قال : إني لست من حداث أمير المؤمنين
قال عبد الملك بن مروان : ذلك سعيد بن المسيب دعه.
حماد بن سلمة : أنبأنا علي بن زيد أنه قيل لسعيد بن المسيب : ما شأن الحجاج لا يبعث إليك ، ولا يحركك ، ولا يؤذيك؟ قال : والله ما أدري ، إلا أنه دخل ذات يوم مع أبيه المسجد ، فصلى صلاة لا يتم ركوعها ولا سجودها ، فأخذت كفا من حصى فحصبته بها . زعم أن الحجاج قال : ما زلت بعد أحسن الصلاة.
عن معرفته بتفسير الرؤى
قال الواقدي : كان سعيد بن المسيب من أعبر الناس للرؤيا ، أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر الصديق ، وأخذته أسماء عن أبيها ، ثم ساق الواقدي عدة منامات ، منها:
حدثنا موسى بن يعقوب ، عن الوليد بن عمرو بن مسافع ، عن عمر بن حبيب بن قليع قال : كنت جالسا عند سعيد بن المسيب يوما ، وقد ضاقت بي الأشياء ، ورهقني دين ، فجاءه رجل ، فقال : رأيت كأني أخذت عبد الملك بن مروان ، فأضجعته إلى الأرض ، وبطحته فأوتدت في ظهره أربعة أوتاد. قال : ما أنت رأيتها . قال : بلى . قال : لا أخبرك أو تخبرني قال : ابن الزبير رآها ، وهو بعثني إليك . قال : لئن صدقت رؤياه قتله عبد الملك ، وخرج من صلب عبد الملك أربعة كلهم يكون خليفة . قال : فرحلت إلى عبد الملك بالشام فأخبرته ، فسر ، وسألني عن سعيد وعن حاله فأخبرته ، وأمر بقضاء ديني وأصبت منه خيرا.
قال : وحدثني الحكم بن القاسم ، عن إسماعيل بن أبي حكيم ، قال : قال رجل : رأيت كأن عبد الملك بن مروان يبول في قبلة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع مرار . فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب ، فقال : إن صدقت رؤياك ، قام فيه من صلبه أربعة خلفاء.
وأخبرنا عبد السلام بن حفص ، عن شريك بن أبي نمر ، قلت لسعيد بن المسيب : رأيت كأن أسناني سقطت في يدي ، ثم دفنتها . فقال : إن صدقت رؤياك ، دفنت أسنانك من أهل بيتك.
وحدثنا ابن أبي ذئب ، عن مسلم الحناط قال رجل لابن المسيب : رأيت أني أبول في يدي . فقال : اتق الله ; فإن تحتك ذات محرم ، فنظر فإذا امرأة بينهما رضاع.
وبه ، عن ابن المسيب قال : الكبل في النوم ثبات في الدين . وقيل له : يا أبا محمد ، رأيت كأني في الظل ، فقمت إلى الشمس . فقال : إن صدقت رؤياك ، لتخرجن من الإسلام . قال : يا أبا محمد ، إني أراني [ ص: 237 ] أخرجت حتى أدخلت في الشمس ، فجلست . قال : تكره على الكفر . قال : فأسر وأكره على الكفر ، ثم رجع ، فكان يخبر بهذا بالمدينة.
وحدثنا عبد الله بن جعفر ، عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن السائب ، قال رجل لابن المسيب : إنه رأى كأنه يخوض النار . قال : لا تموت حتى تركب البحر ، وتموت قتيلا . فركب البحر ، وأشفى على الهلكة ، وقتل يوم قديد.
سلام بن مسكين : عن عمران بن عبد الله ، قال : رأى الحسن بن علي كأن بين عينيه مكتوب : قل هو الله أحد فاستبشر به ، وأهل بيته ، فقصوها على سعيد بن المسيب ، فقال : إن صدقت رؤياه فقلما بقي من أجله ، فمات بعد أيام.
عن مرضه ووفاته رضي الله تعالى عنه
قال ابن سعد حدثنا خالد بن مخلد ، حدثني سليمان بن بلال ، حدثني عبد الرحمن بن حرملة ، قال : دخلت على سعيد بن المسيب وهو شديد المرض ، وهو يصلي الظهر ، وهو مستلق يومئ إيماء ، فسمعته يقرأ بالشمس وضحاها.
معاوية بن صالح : عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : أوصيت أهلي بثلاث : أن لا يتبعني راجز ولا نار ، وأن يعجلوا بي ، فإن يكن لي عند الله خير ، فهو خير مما عندكم.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس ، حدثني أبي عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي ، قال : اشتد وجع سعيد بن المسيب ، فدخل عليه نافع بن جبير يعوده ، فأغمي عليه فقال نافع : وجهوه . ففعلوا ، فأفاق فقال : من أمركم أن تحولوا فراشي إلى القبلة ، أنافع ؟ قال : نعم . قال له سعيد : لئن لم أكن على القبلة والملة والله لا ينفعني توجيهكم فراشي.
وعن يحيى بن سعيد ، قال : لما احتضر سعيد بن المسيب ، ترك دنانير ، فقال : اللهم إنك تعلم أني لم أتركها إلا لأصون بها حسبي وديني.
أخبرنا محمد بن عمر ، حدثني عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة ، شهدت سعيد بن المسيب يوم مات سنة أربع وتسعين . فرأيت قبره قد رش عليه الماء ، وكان يقال لهذه السنة سنة الفقهاء لكثرة من مات منهم فيها.
آخر تعديل: