سير وتراجم شهداء غزوة بدر الكبرى

seifellah

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
16 جانفي 2009
المشاركات
5,964
نقاط التفاعل
7,169
النقاط
351
المقدمة

الحمد لله رب العالمين، الذي حرض على قتال المشركين، وكافة أعداء الدين، وفضَّل المجاهدين على القاعدين،
والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وسيد المجاهدين، الذي جاهد في الله حق جهاده، فنصره الله وأعز به الإسلام والمسلمين.


لقد حث الإسلام على الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة أهل الشرك والفساد هي السفلى.


يقول العلي العظيم: [FONT=&quot]} .... وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [FONT=&quot]{[/FONT] [التوبة: 36].[/FONT]


ويقول عليه الصلاة والسلام: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم»([1]).


فالجهاد هنا، بالنفس والمال معًا، أو بالنفس، له شأن وفضل عظيم، وثوابه عند الله درجات ومغفرة ورحمة وجنات نعيم، ونصر من عنده ذلك الفوز العظيم.


وهو من أفضل الأعمال وأجلُّ الأفعال، ولا يعدل فضله سائر القربات، والمجاهدون هم أفضل الناس إذا جاهدوا في سبيل الله صابرين محتسبين مقبلين غير مدبرين.


وفي فضل الجهاد وعلو شأن المجاهدين يقول رب العالمين: [FONT=&quot]}إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [FONT=&quot]{[/FONT] [التوبة: 111].[/FONT]


وقول العلي العظيم: [FONT=&quot]} لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [FONT=&quot]{[/FONT] [النساء: 95-96].[/FONT]


ويقول العلي الكبير: [FONT=&quot]} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [FONT=&quot]{[/FONT] [الصف: 10-13].[/FONT]


سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمل يعدل الجهاد, قال: «لا أجده» ثم استأنف قائلاً: «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا فتطر؟» قال: «ومن يستطيع ذلك»([2]).
قال الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني وهو يعلق على الحديث المتقدم: «وهذه فضيلة ظاهرة للمجاهد في سبيل الله تقتضي ألا يعدل الجهاد شيء من الأعمال»([3]).


وفي فضل الجهاد أيضًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها»([4]).


والتراث الإسلامي غني بالقصص والملاحم الجهادية التي تسجل مآثر الرجال في ساحات الوغى ... رجال نور الله الإيمان في قلوبهم وزينه، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، فأضحوا كتلة من العزم والإصرار على البذل والعطاء والفداء نصرة لهذا الدين الحنيف.


وفي سير وتراجم هؤلاء الرجال نبع لا ينضب يحكى لكل الأجيال آثارهم المرضية وسيرهم الحميدة التي دفع بالمسلمين إلى بناء حضارة إبداعية امتد شعاعها إلى كافة مناحي الحياة.


ومن أعلام هذه المدرسة الجهادية: الشهداء.


إن تاريخ الجهاد في الإسلام مخضّب بسير وتراجم الشهداء الذي قضوا دفاعًا عن الدين وسلامة المعتقد، ولتكون كلمة الله هي العليا.


لقد لبوا نداء الجهاد، فجاهدوا في الله حق جهاده، حتى نالوا شرف الشهادة، فما أعظمه من شرف، وما أعظمه من فضل ونعمة يمن بها الخالق العظيم على عباده المجاهدين في سبيله، ويبشر سبحانه وتعالى بهذا الفضل وهذه النعمة، فيقول عز من قائل: [FONT=&quot]} وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [FONT=&quot]{[/FONT] [آل عمران: 169-171].[/FONT]


وفي فضل الشهادة في سبيل الله يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحدٌ يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة»([5]).


قال بعض العلماء: هذا الحديث أجل ما جاء في فضل الشهادة، وليس في أعمال البر ما تبذل فيه النفس غير الجهاد فلذلك عُظم فيه الثواب ([6]).


ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل الشهادة: «والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك»([7]).


قال بعض العلماء: الحكمة في بعث الشهيد كذلك أن يكون معه شاهد بفضيلته ببذله نفسه في طاعة الله تعالى ([8]).


وهذه الدراسة تعرض لسير وتراجم شهداء موقعة بدر الكبرى التي جرت أحداثها الجسام في صبيحة يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية للهجرة (الموافق للثالث عشر من شهر ماري (آذار) من سنة 624م)([9]).


في ملحمة الحسم والفرقان ... يوم التقى الجمعان: أعز الله جمع عباده المجاهدين الصابرين المحتسبين، وهم قلة عددًا وعتادًا، فنصرهم على أعدائهم: أئمة الكفر وأعداء الدين. فارتفعت بيارق التوحيد، وشع نور اليقين، وتشرذمت جموع المشركين، وولوا مدبرين؛ يقول تعالى: [FONT=&quot]} وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [FONT=&quot]{[/FONT] [آل عمران: 123].[/FONT]


في ملحمة بدر الجهادية أبلى المسلمون بلاءً حسنًا، وقد سقط منهم – بناءً على الراجح من أخبار السير والمغازي – أربعة عشر شهيدًا روت دماؤهم الطاهرة: يَلْيلَ، وكثيب العَقَنْقَل، والعدوة الدنيا، والعدوة القصوى.


وفي سير وتراجم هؤلاء الشهداء معانٍ جهادية عظيمة لعل في بسطها للقارئ الكريم ما يساهم في التذكير بمآثر السلف الصالح، وصولاتهم الجهادية إحقاقًا للحق وإبطالاً للباطل ولو كره المجرمون. ولنا فيهم الأسوة الحسنة والسيرة الصالحة.


وفي الأسطر التالية: بيان بأسماء وعدد شهداء موقعة بدر الكبرى من المهاجرين والأنصار:

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref1[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT][/FONT][FONT=&quot]) [/FONT][FONT=&quot]رواه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب كراهية ترك الغزو، حديث رقم (2504).[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref2[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][2][/FONT][/FONT][FONT=&quot]) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير، حديث رقم (2785).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref3[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][3][/FONT][/FONT][FONT=&quot]) [/FONT][FONT=&quot]فتح الباري بشرح صحيح البخاري (دار الريان للتراث، القاهرة، 1407ﻫ) ج6، ص7.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref4[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][4][/FONT][/FONT][FONT=&quot]) [/FONT][FONT=&quot]رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الغدوة والروحة في سبيل الله، حديث رقم (2792).[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref5[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][5][/FONT][/FONT][FONT=&quot]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا، حديث رقم (2817). [/FONT][FONT=&quot][/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref6[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][6][/FONT][/FONT][FONT=&quot]) [/FONT][FONT=&quot]فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج6، ص40.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref7[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][7][/FONT][/FONT][FONT=&quot]) [/FONT][FONT=&quot]أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من يجرح في سبيل الله.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref8[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][8][/FONT][/FONT][FONT=&quot]) [/FONT][FONT=&quot]فتح الباري ج6، ص25.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref9[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][9][/FONT][/FONT][FONT=&quot]) [/FONT][FONT=&quot]لا أرى في الاستئناس بالتاريخ الميلادي، هنا، ما يعيب.[/FONT]
 
رد: سير وتراجم شهداء غزوة بدر الكبرى

أولاً: شهداء المهاجرين:

بلغ عدد شهداء المهاجرين في موقعة بدر الكبرى على سبيل الحصر: ستة شهداء.


ونعرض فيما يلي لسير وتراجم هؤلاء الشهداء الأبرار وفقًا للترتيب الأبجدي لأسمائهم:


1- ذو الشَّمَالَيْن:


نسبه: هو عبير بن عبد عمرو بن نضلة بن عمرو بن غُبشان بن سُليم بن مالك – وقيل ملكان – ابن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر الخزاعي.


وأمه: نُعمى بنت عبد الحارث بن زُهْرة.


كان عمير رضي الله عنه حليفًا لبني زهرة، إذ كان والده: عبد عمرو بن نضلة قد قدم على مكة، وحالف: عبد الحارث بن زهرة وتزوج ابنته: نُعمى فولدت له عميرًا.


لُقَّب عمير بذي الشمالين؛ لأنه كان يعمل بكلتا يديه.


أخباره:


كان ذو الشمالين: عمير بن عبد عمرو رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين زيد بن الحارث الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه وهو أيضًا من شهداء موقعة بدر الكبرى، وسوف نعرض لسيرته لاحقًا.


في موقعة بدر قاتل عمير رضي الله عنه فأبلى بلاءً حسنًا،وظل يقاتل حتى سقط شهيدًا. قتله أحد المشركين ويدعى: أسامة الجُشمي.


وهكذا نال رضي الله عنه شرف الشهادة، ليلتحق بالفردوس الأعلى برفقة النبيين والصديقين وسائر الشهداء وحسن أولئك رفيقًا.
 
رد: سير وتراجم شهداء غزوة بدر الكبرى


2- صَفْواَن بْنُ وَهْبٍ:


نسبه: هو صفوان بن وهب بن ربيعة بن هلال بن ربيعة بن هلال بن وهب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشي الفهري.


وقيل: هو صفوان بن وهب بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشي الفهري.


وأمه: البيضاء دعْد بنت جحدم بن عمرو بن عائش بن ظرب بن الحارث بن فهر.


وصفوان أخ لسهل وسهيل رضي الله عنهم، ويعرفون بأبناء البيضاء نسبة إلى أمهم.


أخباره:


كان صفوان بن وهب رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام الذي سخروا أنفسهم لنصرة الدين الجديد وإعلاء كلمة التوحيد, وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين: رافع بن المعلى الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه في إطار ميثاق المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وهو أيضًا من شهداء موقعة بدر، وسوف نعرض لسيرته لاحقًا.


وفي يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان، كان صفوان رضي الله عنه وعموم المسلمين على موعد مع المنازلة الكبرى لدحر قوى العدوان والبغي، فاندفع صفوان رضي الله عنه وقد سلَّ سيفه يشق الصفوف مقبلاً غير مدبر يقاتل أعداء الله الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب, ولا يزال يقاتل مكبرًا مهللاً حتى سقط شهيدًا؛ ليفوز بمنازل الشهداء في أعلى الجنان برفقة صفوة خلقه تعالى.


قتله: طُعيمة بن عدي بن نوفل عبد مناف وقد هلك هذا المشرك في نفس الموقعة على يدي علي بن أبي طالب، وقيل: على يد حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما.
 
رد: سير وتراجم شهداء غزوة بدر الكبرى


3- عاقل بن البكير:


نسبه: هو عاقل بن البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة الكناني الليثي، كان رضي الله عنه حليفا لبني عدي بن كعب بن لؤي، ففي الجاهلية حالف: عبد يا ليل: نفيل بن عبد العزى جد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه.


أخباره:



كان عاقل بن البكير رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام، فقد كان من أوائل المبايعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم.


وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين مُبَشَّر بن عبد المنذر الأنصاري الأوسي رضي الله عنه، وهو أيضًا من شهداء موقعة بدر، وسوف نعرض لسيرته لاحقًا.


ومن طريق أخباره: أنه كان يدعى «غافل» عند إسلامه فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم «عاقل».


وفي موقعة بدر أبلى عاقل بن البكير رضي الله عنه بلاءً حسنًا، حتى سقط شهيدًا.


قتله: مالك بن زهير الجُشمي, وقد شهد إخوته بدرًا، وهم عامر، وخالد، وإياس رضي الله عنهم أجمعين.


لقد انتقل عاقل بن البكير رضي الله عنه من منازل الدنيا إلى منازل الشهداء التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أحسن وأفضل المنازل.
 
رد: سير وتراجم شهداء غزوة بدر الكبرى


4- عُبَيْدَةُ بْنُ الحَارِثِ بْنُ المُطَّلِبِ:


نسبه: هو عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قٌصَيَّ القرشي المُطلبي.


وأمه: سُخَيْلة بنت خُزَاعي بن الحُويَرْث الثقفية.


أخباره:



كان عبيدة بن الحارث رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم للدعوة للدين الجديد.


هاجر رضي الله عنه إلى المدينة مع أخويه: الطُّفَيْل والحُصَيْن. وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عُمير بن الحُمَام الأنصاري السلمي رضي الله عنه، وهو أيضًا من شهداء موقعة بدر، وسوف نعرض لسيرته لاحقًا.


وكان عبيدة رضي الله عنه يحظى بمنزلة ومكانة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ربيع الأول وقيل في شوال من السنة الأولى للهجرة عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم - وفقًا لرأي بعض مؤرخي السير – أول لواء في الإسلام ضم ستين وقيل ثمانين راكبًا من المهاجرين, فلما بلغ «أحياء» وهي ماء بالحجاز أسفل ثنية المُرة من بطن رابغ لقي عبيدة ورفاقه رضي الله عنهم المشركين وعددهم يقارب المائتين، وعلى رأسهم: أبو سفيان بن حرب، وقيل: عكرمة بن أبي جهل، وقيل: مكرز بن حفص الأخيف. وقد اقتصرت المواجهة بين الطرفين على المناوشة والرمي ثم انصرفا, وقد أشار المؤرخون إلى أن سعد بن أبي وقاص – وقيل سعد بن مالك – قد رمى بأول سهم في سبيل الله.


وفي أثناء هذه المواجهة فر من المشركين إلى المسلمين: المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زُهرة، وعُتبة بن غزوان بن جابر حليف بني نوفل بن عبد مناف بن قصي، وكانا قد أسلما وجعلا خروجهما مع المشركين وسيلة للوصول إلى المسلمين.


وفي موقعة بدر، وعند بدء المواجهة, طلب ثلاثة من المشركين هم: عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وابنه: الوليد بن عتبة المبارزة فخرج إليهم – بناء على توجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم - حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم. وقد بارز حمزة شيبة فقتله، وبارز علي الوليد فقتله، وبارز عبيدة – وكان أسن المسلمين في يوم بدر – عتبة، فأصيب رضي الله عنه، وهنا كرَّ حمزة وعلي على عتبة فقتلاه. وقد قيل: إن حمزة هو الذي بارز عتبة، وأن عبيدة قد بارز شيبة.



وقد نُقل عبيدة رضي الله عنه إلى مقر قيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث وسَّده رجله الكريمة وجعل يمسح الغبار عن وجهه، وما لبث أن مات متأثرًا بجراحه بعد ليلة من موقعة بدر، وكان عمره حين استشهاده ثلاثًا وستين عامًا. وقد دفن بالصفراء ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه في قبره وشهد له بالشهادة.


وقد قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مع أصحابه بالنازية، قال له أصحابه: إنا نجد ريح مسك, فقال: وما يمنعكم؟ وها هنا قبر أبي معاوية – يعني عبيدة.


وفي هذه المواجهة المبكرة التي سبقت ملحمة بدر؛ يقول العلي العظيم: [FONT=&quot]} هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ [FONT=&quot]{[/FONT] [الحج: 19-24].[/FONT]


قال قيس بن عُباد: سمعت أبا ذر يقسم أن [FONT=&quot]} هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [FONT=&quot]{[/FONT] نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة ([1]).[/FONT]


وعموم الآيات السابقة تشير إلى الخصومة بين المؤمنين والكافرين.


وهكذا، وبالرغم من سنوات العمر الطويلة التي انعكست على قسمات وجهه وملامحه، فقد أبى عبيدة رضي الله عنه إلا أن يقاتل في سبيل الله ليظفر بالشهادة، وذلك هو الفوز العظيم.

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1851861#_ftnref1[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT][/FONT][FONT=&quot]) [/FONT][FONT=&quot]أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل، حديث رقم (3969)، وأخرجه مسلم، كتاب التفسير.[/FONT]
 
رد: سير وتراجم شهداء غزوة بدر الكبرى


5- عُمَيْرُ بْنُ أبي وقاص:


نسبه: هو عمير بن أبي وقاص – واسم أبي وقاص: مالك بن أهيب بن عبد المناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري, وعمير هو أخٌ لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما.


وأمه: حَمْنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس.


أخباره:


كان عمير رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام، هاجر إلى المدينة، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين خُبيب بن عَدِيًّ الأنصاري الأوسي رضي الله عنه الذي قتل شهيدًا بمكة وأول من صلب في ذات الله، قتله وصلبه: بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف ثأرًا لمقتل أبيهم الحارث بن عامر على يد خُبيب في موقعة بدر.


كان عمير رضي الله عنه غلامًا يافعًا لا يتجاوز عمره السادسة عشر سنة، ورغم سنه المبكر فقد كان قلبه يتوهج إيمانًا، وجوارحه تتحرك شوقًا للجهاد، ومنازلة قوى العدوان والبغي، لعل الله سبحانه وتعالى أن يرزقه بالشهادة.


ولا شك أن هذه الروح القتالية والاستشهادية تؤكد بجلاء أن الإسلام كدين ونظام حياة قد غرس الإيمان في النفوس، وبث كل معاني الجهاد والفداء والتضحية في القلوب، فانطلق جند الإسلام في تسابق وتنافس نحو الجهاد؛ لنصرة دينهم وقد اشتروا الهدى بالضلالة والجنة بالنار والآخرة بالدنيا فما أعظمها من تجارة!


في ظل هذه المعطيات الإيمانية تأهب جند الإسلام لمنازلة المشركين في بد. وكان عمير بن أبي وقاص رضي الله عنه يخشى أن تفوته هذه المنازلة نظرًا لصغر سنه, وقد حدث ما كان يخشاه فحين عُرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّه لصغر سنه وهنا ترك عمير رضي الله عنه العنان لخلجات نفسه للتعبير عن مدى معاناته وإحباطه فأجهش وبكى وتساقط الدمع من عينيه، ولما أيقن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدى تشبثه بمنازلة العدو والشهادة في سبيل الله أجازه.


وللدلالة على صغر سنه فقد قام أخوه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بعقد حمائل سيفه إذا كان طويلاً.


وانطلق عمير رضي الله عنه نحو ميدان الجهاد حيث أبلى بلاءً حسنًا وظل يقاتل حتى سقط شهيدًا.


قتله: عمرو بن عبد ود العامري، وقد هلك هذا المشرك على يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة الخندق – الأحزاب – في السنة الخامسة من الهجرة النبوية الشريفة.


وهكذا رزق الله هذا المجاهد الصغير عمرًا الكبير إيمانًا وتضحية وفداءً بالشهادة في سبيله تعالى، ليفوز بجنات عرضها كعرض السماوات والأرض أعدت للمتقين والمجاهدين من عباد الله الصالحين.
 
رد: سير وتراجم شهداء غزوة بدر الكبرى


6- مِهْجَعٌ مولى عمر بن الخطاب:


نسبه: لم تشر أخبار السير والمغازي إلى نسب مِهْجَع رضي الله عنه، وقد قيل: إنه أساسًا من أهل اليمن، أصابه رقٌ فمنَّ عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأعتقه.


أخباره:


كان مهجع رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام، هاجر إلى المدينة، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سراقة بن عمرو بن عطية بن النجار الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه الذي استشهد في موقعة مؤتة التي جرت في السنة الثامنة من الهجرة النبوية الشريفة.


روي أن المشركين مروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يجلس إليه صهيب بن سنان، وعمار بن ياسر، وبلال بن رباح، وخباب بن الأرتَّ، ومِهْجع، ونحوهم من ضعفاء المسلمين, وقد ادعى المشركون – وهم كاذبون – أنهم قد يتبعون الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذا قام بطردهم من مجلسه، بزعم أنَّ هؤلاء الضعفاء وأمثالهم دونهم نسبًا ومكانة وشرفًا.


وقد أمر الحق سبحانه وتعالى نبيه الكريم بعدم طردهم، فهم المؤمنون المتقون الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ويرجون رحمته ويخشون عذابه. يقول تعالى: [FONT=&quot]} وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [FONT=&quot]{[/FONT] [الأنعام: 52].[/FONT]


وبين الخالق العظيم أن هذه الدنيا دار اختبار وبلاء؛ بالغنى والفقر، والقوة والضعف، والعز والذل، والهدى والضلال، والمؤمن الحق هو الذي يمن الله عليه بالإيمان والهداية والصلاح، لا فرق بين غني وفقير، ولا بين قوي وضعيف, ومن ثم فإن التقوى والعمل الصالح أساس التفاضل بين المسلمين.


فالضعفاء منهم أقوياء عند الله بالإيمان الذي تتزين به قلوبهم، وبالعمل الصالح الذي يكتب في سجل حسناتهم، وعليه فلا معنى لسخرية المشركين من الذين منَّ الله عليهم بالهدى والرشد وهم فقراء ضعفاء دون المشركين وهم الأغنياء الأقوياء؛ يقول تعالى:
[FONT=&quot]}
وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [FONT=&quot]{[/FONT] [الأنعام: 53].[/FONT]


وفي موقعة بدر كان مهجع رضي الله عنه أول شهيد يسقط في صفوف المسلمين – وفقًا لما أورده مؤرخو السير والمغازي – فقد رمي بسهم وهو بين الصفين فسقط شهيدًا، رماه عامر بن الحضرمي, وقد هلك هذا المشرك في نفس الموقعة على يد عمار بن ياسر رضي الله عنه.


وهكذا منَّ الله على مهجع رضي الله عنه بالشهادة في سبيله ليفوز بجناته وصحبة أنبيائه ([1]).

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1851861#_ftnref1[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT][/FONT][FONT=&quot]) [/FONT][FONT=&quot]راجع المصادر الآتية عن شهداء المهاجرين:[/FONT]
[FONT=&quot]- السيرة النبوية لابن هشام، طبعة 1414ﻫ، دار إحياء التراث العربي، ج1 ص297، ج2، ص203-207، 237، 292-296، 319-322.[/FONT]
[FONT=&quot]- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، طبعة 1328ﻫ، دار إحياء التراث العربي، ج1، ص:486، ج2، ص: 191-192، 247، 449، ج3، ص: 35-36، 467.[/FONT]
[FONT=&quot]- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، بهامش الإصابة، لابن عبد البر القرطبي، ج1، ص: 484، ج2، ص: 182-183، 444، 445، 482، ج3، ص: 160-161، 486.[/FONT]
[FONT=&quot]- البداية والنهاية لابن كثير، طبعة 1414ﻫ، دار الحديث، ج3، ص: 272، 308-310، 351-365.[/FONT]
[FONT=&quot]- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الجزري، 1415ﻫ، دار الكتب العلمية، ج2، ص: 217-218، ج3، ص: 33، 113، 547-548، ج4، ص: 287، ج5، ص: 268.[/FONT]
[FONT=&quot]- الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر القرطبي، 1413ﻫ، دار المعارف، ص: 92، 109-116-، 174.[/FONT]
[FONT=&quot]- غزوات الرسول [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&quot] وسراياه لابن سعد، 1401ﻫ، دار بيروت، ص: 7، 11-27.[/FONT]
[FONT=&quot]- حياة الصحابة للكاندهلوي، 1410ﻫ، دار القلم، ج1، ص: 514-515.[/FONT]
 
رد: سير وتراجم شهداء غزوة بدر الكبرى

ثانيًا: شهداء الأنصار:

بلغ عدد شهداء الأنصار في موقعة بدر الكبرى على سبيل الحصر: ثمانية شهيد.


ونعرض فيما يلي سير وتراجم هؤلاء الشهداء الأبرار وفقًا للترتيب الأبجدي لأسمائهم:


1- حَارِثةُ بْنُ سُراَقَةَ:


نسبه: هو حارثة بن سراقة الحارث بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري الخزرجي.


وأمه: الربُّيَّعُ بنت النضر عمة أنس بن مالك رضي الله عنه.


أخباره:



كان حارثة بن سراقة رضي الله عنه حين استشهاده غلامًا يافعًا ورعيًا تقيًا عازفًا عن الدنيا مقبلاً على الآخرة يتربص الشهادة في سبيل الله.
وتراه رضي الله عنه يعبر بدقة عن هذه الحالة الوجدانية التي تكتنف كيانه وتلهب مشاعره وإحساسه وهو يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سأله عن حاله: «يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني بعرش ربي عز وجل بارزًا. وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتعاوون فيها». قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الزم عبد نور الله الإيمان في قلبه».


وهنا يتجلى لنا إيمان حارثة رضي الله عنه بكل عنفوانه, ذلك الإيمان الذي تسمو به النفوس وترتقي إلى عالم الخلد واليقين عند رب العالمين, يتجلى إيمانه حين يرجو حبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بالشهادة في سبيل الله فيجيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رغبته وغاية مناه.


ولعل المتأمل في هذا الفيض الإيماني العظيم يتوقف مليًا عنده، فالإنسان عادة في هذه المرحلة المبكرة من الحياة يكون مشدودًا ولو بدرجات متفاوتة إلى الدنيا وزخرفها تحفه الآمال والطموحات والمشروعات. ولكن كل هذا لم يكن يدور في حسبان حارثة رضي الله عنه. بل كان يسعى حثيثًا نحو لقاء ربه للفوز برضوانه والخلود في جناته.


ولقد تحقق له ما كان يرجوه ويبتغيه، إذ كان حارثة رضي الله عنه يعمل «نظَّارًا» يرصد ويراقب حركة العدو وخطوط دفاعه وقدراته القتالية، وهنا آتاه سهم غَرْب – أي طائش – لحظة وقوفه على حوض ماء منصوب ليشرب منه: أصاب نحره فسقط شهيدًا، فكان أول شهيد ببدر من الأنصار.


قتله: أحد رماة العدو ويدعى: حِبَّان بن العرقة.


وللتأكيد على الجزاء والثواب المستحق للشهداء خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حارثة وقد سألته بلهفة جامحة في قمة التوجع والمعاناة: يا رسول الله! ألا تحدثني عن حارثة فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء فقال صلى الله عليه وسلم: «يا أم حارثة إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى»([1]).

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1851861#_ftnref1[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT][/FONT][FONT=&quot]) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من أتاه سهم غرب فقلته، حديث رقم (2809).[/FONT]
 
رد: سير وتراجم شهداء غزوة بدر الكبرى

2- راَفِعُ بْنُ المعُلَّى:



نسبه: هو رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن عدي بن زيد بن ثعلبة بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم الأنصاري الخزرجي.



أخباره:
كان رافع رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام.
وفي ملحمة بدر كان رضي الله عنه يتقدم الصفوف حين التقى الجمعان وتعانقت السيوف واشتد الوطيس، فثبت الله وأيد بنصره جند الحق واليقين، وقطع دابر الكافرين، وقذف في قلبوهم الرعب وأوهن كيدهم ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.
جاهد رافع رضي الله عنه حتى سقط شهيدًا.


قتله: عكرمة بن أبي جهل حين كان في عداد المشركين.
وهكذا نال هذا المجاهد الشهيد رفقة النبيين والصديقين وسائر الشهداء في الفردوس الأعلى، وحسن أولئك رفيقًا.
 
رد: سير وتراجم شهداء غزوة بدر الكبرى


3- سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ:


نسبه: هو سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك الأنصاري الأوسي.


أخباره:
كان سعد بن خيثمة رضي الله عنه ضمن سبعين رجلاً، وقيل: ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين من الأنصار قدموا إلى مكة لمبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند شِعْب العقبة بقرب منى.


وقد بايعوا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على نصرته وتأييده، وعدم خذلانه، وكذلك بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، وعلى منعه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم.


وقد اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنى عشر نقيبًا منهم؛ ليكونوا على قومهم للدعوة للدين الجديد, وقد كان سعد بن خيثمة رضي الله عنه أحد نقباء العقبة, فقد تم اختياره نقيبًا لبني عمرو بن عوف، والنقيب هو القوم وعريفهم.


ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرًا نزل في بني عمرو بن عوف على كلثوم بن الهدم الأوسي وكان شيخًا كبيرًا، وكان إذا خرج من عنده جلس للناس في دار سعد بن خيثمة رضي الله عنه. وقيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم نزل أساسًا على سعد رضي الله عنه، وفي هذا تشريف وتقدير لدور هذا الصحابي الجليل في نصرة الدين إعلاء كلمة التوحيد.


وفي المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي رضي الله عنه زوج أم سلمة هند بنت أمية رضي الله عنها، والتي خلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبي سلمة.


كان سعد ووالده خيثمة رضي الله عنهما من السابقين إلى الإسلام، وقد تسابقا رضي الله عنهما للدفاع عنه والذود عن حياضه، إظهارًا للإسلام على الدين كله ولو كره المشركون.


وحين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من الأنصار والمهاجرة للخروج معه للظفر بإحدى الطائفتين: إما عير قريش أو منازلة قوي العدوان والبغي، هبَّ سعد ووالده خيثمة رضي الله عنهما لنداء حبيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما كان يتوجب على أحدهما البقاء في المدينة لرعاية أبنائهم ونسائهم فقد حاول كل واحد منهما أن يؤثر نفسه بالخروج ولما استعصى ذلك بفعل إصرارهما على الجهاد والمنازلة، استهما – أي اقترعا – فخرج سهم سعد، وعندئذ حاول والده ثنيه مرة أخرى عن الخروج والبقاء قائلاً له: يا بني آثرني اليوم، فرد عليه بحزم المؤمن المجاهد: «لو كان غير الجنة آثرتك به, إني لأرجو الشهادة في وجهي هذا».


ولا شك أن هذا الموقف التنافسي بين الأب وابنه يعكس بجلاء روح الفداء والتضحية والإيثار التي تشرب بها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفعل إيمانهم بالتعاليم والقيم والأخلاق والسلوكيات التي يرتكز عليها هذا الدين الجديد.


وهكذا خرج سعد بن خيثمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم إلى بدر.


وحين دنت ساعة النزول والتقى الجمعان كان سعد رضي الله عنه ضمن المقاتلين المجاهدين, فأبلى بلاء حسنًا حتى سقط شهيدًا.


قتله: طُعيمة بن عديل، وقيل عمرو بن عبد ود.
وهكذا انضم رضي الله عنه إلى ركب الشهداء في ساحات الوغى، الذين قدموا أرواحهم فداء لهذا الدين الحنيف.
 
رد: سير وتراجم شهداء غزوة بدر الكبرى


4- عُمَير بن الحُمَام:


نسبه: هو عمير بن الحمام بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن سلمة الأنصاري الخزرجي.


أخباره:


كان عمير رضي الله عنه بكل جوارحه وخلجات قلبه يسعى إلى الشهادة في سبيل الله ويتنافس في ذلك مع المسلمين المجاهدين.
وحين انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه» فدنا المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض».


وهنا قال عمير بن الحمام رضي الله عنه: يا رسول الله! جنة عرضها السماوات والأرض؟ فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» فقال عمير: بَخ بَخ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يحملك على قول: بخ بخ»؟ فقال عمير: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، فقال صلى الله عليه وسلم: «فإنك من أهلها».


وهنا أخرج عمير من الحمام رضي الله عنه تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل ([1]).
ركضًا إلى الله بغير زاد



إلا التقى وعمل المعاد


والصبر في الله على الجهاد



وكل زاد عرضة للنفاد


غير التقى والبر والرشاد




وروي ما أنشده على نحو آخر:


ركضًا إلى الله بغير زاد



إلا التقى وعمل المعاد


والصبر في الله على الجهاد



إن التقى من أعظم السداد


وخير ما قاد إلى الرشاد



وكل حي فإلى نفاد


لقد قاتل رضي الله عنه حتى سقط شهيدًا.


قتله: خالد بن الأعلم الخزاعي. وقد هلك هذا المشرك في موقعة أحد التي جرت في السنة الثالثة من الهجرة على يد المنافق قُزْمان والذي لما أصيب في هذه الموقعة عمد إلى أخذ سهم من كنانته فقتل به نفسه، وقد عده رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل النار.
وهكذا كان عمير رضي الله عنه من الشهداء الذين فازوا بالخير كله في ظل صحبة صفوة خلقه تعالى.

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1851861#_ftnref1[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT][/FONT][FONT=&quot]) [/FONT]
 
رد: سير وتراجم شهداء غزوة بدر الكبرى


5، 6- عَوْفُ، ومُعَوَّذ بْنُ الحارِثِ:


نسبهما: هما ابنا الحارث بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي.


وأمهما: عَفْراء بنت عُبيد بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن المجار.


أخبارهما:


كان أبناء عفراء كما عرفوا بذلك: عوف، ومعوذ، ومعاذ، من السابقين إلى الإسلام، وقد عزموا على نصرة الإسلام إظهارًا له على الدين كله ولو كره المشركون.


وقد كان عوف بن الحارث رضي الله عنه ضمن ستة رهط من الأنصار شهدوا بيعة العقبة الأولى. وكذلك شهد عوف وأخوه معاذ رضي الله عنهما بيعة العقبة الثانية بصحبة اثنى عشر رجلاً من الأنصار.


وشهد عوف، ومعوذ، ومعاذ رضي الله عنهم بيعة العقبة الثالثة بصحبة سبعين ونيف من الأنصار.


ويوم الحسم والفرقان يوم التقى الجمعان في بدر اتجه عوف بن الحارث – رضي الله عنه – وقد شعَّ نور الإيمان في قلبه، وتلهفت جوارحه للقتال والجهاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: يا رسول الله, ما يضحك الرب من عبده؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: «أن يراه قد غمس يده في القتال يقاتل حاسرًا».


وهنا، نزع عوف رضي الله عنه درعه، وأخذ يقاتل أعداء الله، وظل يقاتل حتى سقط شهيدًا.


وبدورهما شارك معوذ ومعاذ رضي الله عنهما في ملحمة بدر.
وقد قيل إنهما قد اشتركا معًا في قتل رأس الكفر أبي جهل بن هشام. وقيل: إن معوذ بن الحارث، ومعاذ بن عمرو الجموح رضي الله عنهما هما اللذان اشتركا في قتل أبي جهل, وأشار قول ثالث إلى أن رأس الكفر أبي جهل قد قتل على يد معاذ بن الحارث، ومعاذ بن الجموح رضي الله عنهما.


وقد ظل معوذ رضي الله عنه يقاتل حتى سقط شهيدًا. كما أصيب أخوه معاذ بجراح وفقًا لبعض السير والمغازي.


وهكذا فقد شارك أبناء الحارث بن رفاعة – أبناء عفراء – رضي الله عنهم في موقعة بدر، وجاهدوا في الله حق جهاده وأبلوا بلاء حسنًا، وقد سقط منهم عوف ومعوذ شهيدين ليلتحقا بركب الشهداء رضي الله عنهم أجمعين، كما أصيب معاذ في هذه الموقعة وعاش رضي الله عنه حتى شهد المشاهد كلها ومات في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وقيل: في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
 
رد: سير وتراجم شهداء غزوة بدر الكبرى

7- مُبَشَّرُ بْنُ عبد المْنُذْرٍ:


نسبه: هو مبشر بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك الأنصاري الأوسي.


أخباره:


في ملحمة بدر انضم مبشر رضي الله عنه إلى ركب المجاهدين في سبيل الله لدحر المشركين وإظهار هذا الدين الحنيف، فقاتل وأبلى بلاء حسنًا حتى سقط شهيدًا؛ ليفوز رضي الله عنه بالخير كله.


يقول أبو جابر عبد الله بن عمرو السلمي الأنصاري رضي الله عنه: رأيت في النوم قبل أُحد كأني رأيت مبشرًا بن عبد المنذر يقول لي: أنت قادم علينا في الأيام، فقلت: وأين أنت؟ قال: في الجنة نسرح فيها كيف نشاء، قلت له: ألم تُقتل يوم بدر؟ قال: بلى ثم أحييت. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «هذه الشهادة يا أبا جابر»([1]).

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1851861#_ftnref1[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT][/FONT][FONT=&quot]) [/FONT][FONT=&quot]أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين في الحديث، كتاب معرفة الصحابة، مناقب عبد الله بن عمرو بن حرام السلمي الأنصاري.[/FONT]
 
رد: سير وتراجم شهداء غزوة بدر الكبرى





8- يَزِيدُ بْنُ الحْاَرِثِ:


نسبه: هو يزيد بن الحارث بن قيس بن مالك بن أحمر بن حارثة بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث الأنصاري الخزرجي.


ونسب على أحمر بن حارثة بن ثعلبة بن كعب بن الحارث الأنصاري الخزرجي.


وأمه: فُسْحُم من بَلْقَين, وهو معروف بابن فُسْحُم.


أخباره:



كان يزيد بن الحارث رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام. وفي موقعة بدر قاتل مع إخوانه المسلمين نصرةً للدين وإعلاء لكلمة التوحيد. وظل يقاتل حتى سقط شهيدًا.


قتله: طُعيمة بن عدي ([1]).
وهكذا فاز رضي الله عنه برضا الرحمن وأوسع الجنان برفقة النبيين والصدقين وسائر الشهداء.


تمت هذه التراجم لشهداء أم الملاحم بدر الكبرى. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.


* * * *

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1851861#_ftnref1[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT][/FONT][FONT=&quot]) [/FONT][FONT=&quot]راجع المصادر الآتية عن شهداء الأنصار:[/FONT]
[FONT=&quot]- انظر: السيرة النبوية لابن هشام، ج2، ص41-43، 67-70، 239، 300-324.[/FONT]
[FONT=&quot]- الإصابة، ج1، ص: 297، 499، ج2، ص: 25، ج3، ص: 31-42، 360، 450، 360.[/FONT]
[FONT=&quot]- الاستيعاب، ج1، ص: 284-285، 496، ج2، ص: 33-34، 482-483، ج3، ص: 131-445، 478، 647.[/FONT]
[FONT=&quot]- أسد الغابة، ج1، ص: 297. ج2، ص: 245، 429-430، ج4، ص: 300، ج5، ص: 53، 231، 248.[/FONT]
[FONT=&quot]- الدرر في اختصار المغازي والسير، ص: 67-68، 85، 89، 92، 106-127.[/FONT]
[FONT=&quot]- حياة الصحابة، ج1، ص: 416-417. ج2، ص: 588-589.[/FONT]
[FONT=&quot]- البداية والنهاية، ج2، ص: 310، ج3، ص: 356-358.[/FONT]
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top