المقدمة
الحمد لله رب العالمين، الذي حرض على قتال المشركين، وكافة أعداء الدين، وفضَّل المجاهدين على القاعدين،
والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وسيد المجاهدين، الذي جاهد في الله حق جهاده، فنصره الله وأعز به الإسلام والمسلمين.
لقد حث الإسلام على الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة أهل الشرك والفساد هي السفلى.
يقول العلي العظيم: [FONT="]} .... وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [FONT="]{[/FONT] [التوبة: 36].[/FONT]
ويقول عليه الصلاة والسلام: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم»([1]).
فالجهاد هنا، بالنفس والمال معًا، أو بالنفس، له شأن وفضل عظيم، وثوابه عند الله درجات ومغفرة ورحمة وجنات نعيم، ونصر من عنده ذلك الفوز العظيم.
وهو من أفضل الأعمال وأجلُّ الأفعال، ولا يعدل فضله سائر القربات، والمجاهدون هم أفضل الناس إذا جاهدوا في سبيل الله صابرين محتسبين مقبلين غير مدبرين.
وفي فضل الجهاد وعلو شأن المجاهدين يقول رب العالمين: [FONT="]}إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [FONT="]{[/FONT] [التوبة: 111].[/FONT]
وقول العلي العظيم: [FONT="]} لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [FONT="]{[/FONT] [النساء: 95-96].[/FONT]
ويقول العلي الكبير: [FONT="]} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [FONT="]{[/FONT] [الصف: 10-13].[/FONT]
سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمل يعدل الجهاد, قال: «لا أجده» ثم استأنف قائلاً: «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا فتطر؟» قال: «ومن يستطيع ذلك»([2]).
قال الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني وهو يعلق على الحديث المتقدم: «وهذه فضيلة ظاهرة للمجاهد في سبيل الله تقتضي ألا يعدل الجهاد شيء من الأعمال»([3]).
وفي فضل الجهاد أيضًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها»([4]).
والتراث الإسلامي غني بالقصص والملاحم الجهادية التي تسجل مآثر الرجال في ساحات الوغى ... رجال نور الله الإيمان في قلوبهم وزينه، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، فأضحوا كتلة من العزم والإصرار على البذل والعطاء والفداء نصرة لهذا الدين الحنيف.
وفي سير وتراجم هؤلاء الرجال نبع لا ينضب يحكى لكل الأجيال آثارهم المرضية وسيرهم الحميدة التي دفع بالمسلمين إلى بناء حضارة إبداعية امتد شعاعها إلى كافة مناحي الحياة.
ومن أعلام هذه المدرسة الجهادية: الشهداء.
إن تاريخ الجهاد في الإسلام مخضّب بسير وتراجم الشهداء الذي قضوا دفاعًا عن الدين وسلامة المعتقد، ولتكون كلمة الله هي العليا.
لقد لبوا نداء الجهاد، فجاهدوا في الله حق جهاده، حتى نالوا شرف الشهادة، فما أعظمه من شرف، وما أعظمه من فضل ونعمة يمن بها الخالق العظيم على عباده المجاهدين في سبيله، ويبشر سبحانه وتعالى بهذا الفضل وهذه النعمة، فيقول عز من قائل: [FONT="]} وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [FONT="]{[/FONT] [آل عمران: 169-171].[/FONT]
وفي فضل الشهادة في سبيل الله يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحدٌ يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة»([5]).
قال بعض العلماء: هذا الحديث أجل ما جاء في فضل الشهادة، وليس في أعمال البر ما تبذل فيه النفس غير الجهاد فلذلك عُظم فيه الثواب ([6]).
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل الشهادة: «والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك»([7]).
قال بعض العلماء: الحكمة في بعث الشهيد كذلك أن يكون معه شاهد بفضيلته ببذله نفسه في طاعة الله تعالى ([8]).
وهذه الدراسة تعرض لسير وتراجم شهداء موقعة بدر الكبرى التي جرت أحداثها الجسام في صبيحة يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية للهجرة (الموافق للثالث عشر من شهر ماري (آذار) من سنة 624م)([9]).
في ملحمة الحسم والفرقان ... يوم التقى الجمعان: أعز الله جمع عباده المجاهدين الصابرين المحتسبين، وهم قلة عددًا وعتادًا، فنصرهم على أعدائهم: أئمة الكفر وأعداء الدين. فارتفعت بيارق التوحيد، وشع نور اليقين، وتشرذمت جموع المشركين، وولوا مدبرين؛ يقول تعالى: [FONT="]} وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [FONT="]{[/FONT] [آل عمران: 123].[/FONT]
في ملحمة بدر الجهادية أبلى المسلمون بلاءً حسنًا، وقد سقط منهم – بناءً على الراجح من أخبار السير والمغازي – أربعة عشر شهيدًا روت دماؤهم الطاهرة: يَلْيلَ، وكثيب العَقَنْقَل، والعدوة الدنيا، والعدوة القصوى.
وفي سير وتراجم هؤلاء الشهداء معانٍ جهادية عظيمة لعل في بسطها للقارئ الكريم ما يساهم في التذكير بمآثر السلف الصالح، وصولاتهم الجهادية إحقاقًا للحق وإبطالاً للباطل ولو كره المجرمون. ولنا فيهم الأسوة الحسنة والسيرة الصالحة.
وفي الأسطر التالية: بيان بأسماء وعدد شهداء موقعة بدر الكبرى من المهاجرين والأنصار:
http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref1[FONT="]([/FONT][FONT="][FONT="][1][/FONT][/FONT][FONT="]) [/FONT][FONT="]رواه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب كراهية ترك الغزو، حديث رقم (2504).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref2[FONT="]([/FONT][FONT="][FONT="][2][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير، حديث رقم (2785).[/FONT][FONT="][/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref3[FONT="]([/FONT][FONT="][FONT="][3][/FONT][/FONT][FONT="]) [/FONT][FONT="]فتح الباري بشرح صحيح البخاري (دار الريان للتراث، القاهرة، 1407ﻫ) ج6، ص7.[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref4[FONT="]([/FONT][FONT="][FONT="][4][/FONT][/FONT][FONT="]) [/FONT][FONT="]رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الغدوة والروحة في سبيل الله، حديث رقم (2792).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref5[FONT="]([/FONT][FONT="][FONT="][5][/FONT][/FONT][FONT="]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا، حديث رقم (2817). [/FONT][FONT="][/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref6[FONT="]([/FONT][FONT="][FONT="][6][/FONT][/FONT][FONT="]) [/FONT][FONT="]فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج6، ص40.[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref7[FONT="]([/FONT][FONT="][FONT="][7][/FONT][/FONT][FONT="]) [/FONT][FONT="]أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من يجرح في سبيل الله.[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref8[FONT="]([/FONT][FONT="][FONT="][8][/FONT][/FONT][FONT="]) [/FONT][FONT="]فتح الباري ج6، ص25.[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=11#_ftnref9[FONT="]([/FONT][FONT="][FONT="][9][/FONT][/FONT][FONT="]) [/FONT][FONT="]لا أرى في الاستئناس بالتاريخ الميلادي، هنا، ما يعيب.[/FONT]