شرح وصية يحيى بن زكريا عليهما السلام

seifellah

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
16 جانفي 2009
المشاركات
5,964
نقاط التفاعل
7,169
النقاط
351
بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

روى الإمام أحمد -رحمه الله- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله سبحانه وتعالى أمر يحيى بن زكريا عليهما السلام بخمس كلمات: أن يعمل بها، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنه كاد أن يبطئ بها، فقال له عيسى عليه السلام: إن الله تعالى أمرك بخمس كلمات لتعمل بها، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإما أن تأمرهم، وإما أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أُعذب، فجمع يحيى الناس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد، وقعدوا على الشرف، فقال: إن الله تبارك وتعالى أمرني بخمس كلمات أن أعملهن، وآمركم أن تعملوا بهن. أولهن: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدًا من خالص ماله بذهبٍ أو ورقِ، فقال له: هذه داري، وهذا عملي، فاعمل وأد إليَّ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت، وآمركم بالصيام، فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابةٍ، معه صُرة فيها مسك، فكُلهم يعجبُ أو يعجبه ريُحها، وإن ريح الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو، فأوثقوا يديه إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم، وآمركم أن تذكروا الله تعالى، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعًا، حتى إذا أتى على حصنٍ حصينٍ. فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى». قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع، ومن ادعى دعوى الجاهلية، فإنه من جثا ([1]) جهنم» فقال رجل: يا رسول الله، وإن صلى وصام؟ قال: «وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم»([2]) فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله» قال الترمذي: هذا الحديث حسن صحيح([3]).


فقد ذكر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم الشأن – الذي ينبغي لكل مسلم حفظه وتعقله – ما ينجي من الشيطان، وما يحصل للعبد به الفوز والنجاة في دنياه وأخراه.
[FONT=&quot]* * *[/FONT][FONT=&quot][/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=78#_ftnref1[FONT=&quot]([FONT=&quot][1][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]الجثا: جمع جثوة، وهو الشيء المجموع.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=78#_ftnref2[FONT=&quot]([FONT=&quot][2][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]الزيادة من (سنن الترمذي).[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=78#_ftnref3[FONT=&quot]([FONT=&quot][3][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه أحمد في (المسند) 4/202 والترمذي رقم (2867) و (2868) في الأمثال: باب ما جاء في مثل الصيام والصلاة والصدقة، وهو حديث صحيح، صححه ابن حبان والحاكم وغيرهما. وانظر ما قاله الألباني في (صحيح الجامع) رقم (1724).[/FONT]
 
رد: شرح وصية يحيى بن زكريا عليهما السلام

مثل الموحد والمشرك

فذكر مثل الموحد والمشرك: فالموحد كمن عمل لسيده في داره، وأدى لسيده ما استعمله فيه، والمشرك كمن استعمله سيده في داره، فكان يعمل ويؤدي خراجه وعمله إلى غير سيده، فهكذا المشرك يعمل لغير الله تعالى في دار الله تعالى، ويتقرب إلى عدو الله تعالى بنعم الله تعالى.


ومعلوم أن العبد من بني آدم لو كان مملوكه كذلك لكان أمقت المماليك عنده، وكان أشد شيء غضبًا عليه، وطردًا له وإبعادًا، وهو مخلوق مثله، كلاهما في نعمة غيرهما، فكيف برب العالمين الذي ما بالعبد من نعمة فمنه وحده لا شريك له، ولا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يصدق السيئات إلا هو وهو وحده المنفرد بخلق عبده، ورحمته، وتدبيره، ورزقه ومعافاته، وقضاء حوائجه، فكيف يليق به مع هذا أن يعدل به غيره في الحب، والخوف، والرجاء، والحلف، والنذر، والمعاملة، فيحب غيره كما يحبه أو أكثر، ويخاف غيره ويرجوه كما يخافه أو أكثر؟ وشواهد أحوالهم – بل وأقوالهم وأفعالهم – ناطقة بأنهم يحبون أنداده من الأحياء والأموات، ويخافونهم، ويرجونهم، ويعاملونهم، ويطلبون رضاهم، ويهربون من سخطهم، أعظم مما يحيون الله تعالى ويخافونه ويرجونه ويهربون من سخطه وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله عز وجل، قال الله سبحانه وتعالى: [FONT=&quot]}إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[FONT=&quot]{[/FONT] [النساء: 48 و 116].[/FONT]


«والظلم عند الله عز وجل يوم القيامة له دواوين ثلاثة: ديوان لا يغفر الله منه شيئًا، وهو الشرك به، فإن الله لا يغفر أن يشرك به. وديوان لا يترك الله تعالى منه شيئًا، وهو ظلم العباد بعضهم بعضًا، فإن الله تعالى يستوفيه كله. وديوانٌ لا يعبأ الله به شيئًا، وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه عز وجل»([1]).


فإن هذا الديوان أخف الدواوين وأسرعها محوًا، فإنه يمحى بالتوبة والاستغفار، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، ونحو ذلك، بخلاف ديوان الشرك، فإنه لا يمحى إلا بالتوحيد، وديوان المظالم لا يمحى إلا بالخروج منها إلى أربابها واستحلالهم منها.


ولما كان الشرك أعظم الدواوين الثلاثة عند الله عز وجل، وحرم الجنة على أهله، فلا تدخل الجنة نفس مشركة، وإنما يدخلها أهل التوحيد، فإن التوحيد هو مفتاح بابها، فمن لم يكن معه مفتاح لم يفتح له بابها، وكذلك إن أتى بمفتاح لا أسنان له لم يمكن الفتح به، وأسنان هذا المفتاح هي: الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وبر الوالدين، فأي عبد اتخذ في هذه الدار مفتاحًا صالحًا من التوحيد، وركب فيه أسنانًا من الأوامر جاء يوم القيامة إلى باب الجنة ومعه مفتاحها الذي لا يفتح إلا به، فلم يعقه عن الفتح عائق، اللهم إلا أن تكون له ذنوب وخطايا وأوزار لم يذهب عنه أثرها في هذه الدار بالتوبة والاستغفار، فإنه يحبس عن الجنة حتى يتطهر منها، وإن لم يطهره الموقف وأهواله وشدائده، فلابد من دخول النار ليخرج خبثه فيها، ويتطهر من درنه ووسخه، ثم يخرج منها، فيدخل الجنة، فإنها دار الطيبين لا يدخلها إلا طيب. قال سبحانه وتعالى: [FONT=&quot]}الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ[FONT=&quot]{[/FONT] [النحل: 32]. وقال تعالى: [FONT=&quot]}[/FONT]وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ[FONT=&quot]{[/FONT] [الزمر: 73]، فعقب دخولها على الطيب بحرف الفاء الذي يؤذن بأنه سبب للدخول، أي: بسبب طيبكم قيل لكم: ادخلوها.[/FONT]


وأما النار، فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال، والمآكل والمشارب، ودار الخبيثين، قال الله تعالى: [FONT=&quot]}لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ[FONT=&quot]{[/FONT] [الأنفال: 37]، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض، فيركمه كما يركم الشيء لتراكب بعضه على بعض، ثم يجعله في جهنم مع أهله، فليس فيها إلا خبيث.[/FONT]


ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب، كانت دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب، وهي الدار التي تفنى، وهي دار العصاة، فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنهم إذا عذبوا بقدر أعمالهم أخرجوا من النار، فأدخلوا الجنة، ولا يبقى إلا دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض.
[FONT=&quot]* * *[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref1[FONT=&quot]([FONT=&quot][1][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه أحمد في (المسند) 6/240، والحاكم في (المستدرك) 4/575، من حديث صدقة بن أبي موسى عن أبي عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس عن عائشة رضي الله عنها. قال الحاكم: صحيح، فرده الذهبي بأن صدقة ضعفوه، وابن بابنوس فيه جهال، قال الهيثمي في (المجتمع): في سند أحمد صدقة بن أبي موسى ضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات، ولفظه: (الدواوين عند الله ثلاثة ديوان لا يعبأ الله به شيئًا...) الحديث.[/FONT]
 
رد: شرح وصية يحيى بن زكريا عليهما السلام

حضور القلب في الصلاة

وقوله في: «وآمركم بالصلاة، فإذا صليتم، فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت»([1]).


الالتفات المنهي عنه في الصلاة قسمان:


أحدهما: التفات القلب عن الله – عز وجل – إلى غير الله تعالى.


والثاني: التفات البصر، وكلاهما منهي عنه، ولا يزال الله مقبلاً على عبده ما دام العبد مقبلاً على صلاته، فإذا التفت بقلبه أو بصره، أعرض الله تعالى عنه، وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في صلاته فقال: «اختلاسٌ يختلسه الشيطان منت صلاة العبد»([2]).


وفي أثر: يقول الله تعالى: «إلى خير مني، إلى خير مني»؟ ومثل من يلتفت في صلاته ببصره أو بقلبه، مثل رجل قد استدعاه السلطان، فأوقفه بين يديه، وأقبل يناديه ويخاطبه، وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يمينًا وشمالاً، وقد انصرف قلبه عن السلطان، فلا يفهم ما يخاطبه به، لأن قلبه ليس حاضرًا معه، فما ظن هذا الرجل أن يفعل به السلطان، أفليس أقل المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتًا مبعدًا قد سقط من عينيه؟ فهذا المصلي لا يستوي والحاضر القلب المقبل على الله تعالى في صلاته الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه، فامتلأ قلبه من هيبته، وذلت عنقه له، واستحيى من ربه تعالى أن يقبل على غيره، أو يلتفت عنه، وبين صلاتيهما كما قال حسان بن عطية([3]).


إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة، وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض، وذلك أن أحدهما مقبل بقلبه على الله عز وجل، والآخر ساهٍ غافل؛ فإذا أقبل العبد على مخلوق مثله، وبينه وبينه حجاب، لم يكن إقبالاً ولا تقريبًا، فما الظن بالخالق عز وجل؟ وإذا أقبل على الخالق -عز وجل-، وبينه وبينه حجاب الشهوات والوساوس، وانفس مشغوفة بها، ملأى منها، فكيف يكون ذلك إقبالاً وقد ألهته الوساوس والأفكار، وذهبت به كل مذهب؟


والعبد إذا قام في الصلاة غار الشيطان منه، فإنه قد قام في أعظم مقام، وأقربه وأغيظه للشيطان، وأشده عليه، فهو يحرص ويجتهد كل الاجتهاد أن لا يقيمه فيه، بل لا يزال به يعده ويمنِّيه وينسبه، ويجلب عليه بخيله ورجله حتى يهوِّن عليه شأن الصلاة، فيتهاون بها فيتركها، فإن عجز عن ذلك منه، وعصاه العبد، وقام في ذلك المقام، أقبل عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه، ويحول بينه وبين قلبه، فيذكِّره في الصلاة ما لم يكن يذكر قبل دخوله فيها، حتى ربما كان قد نسي الشيء والحاجة، وأيس منها، فيذكره إياها في الصلاة ليشغل قلبه بها، ويأخذه عن الله عز وجل، فيقوم فيها بلا قلب، فلا ينال من إقبال الله تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبل على ربه – عز وجل – الحاضر بقلبه في صلاته، فينصرف من صلاته مثل ما دخل فيها بخطاياه وذنوبه وأثقاله، لم تخفف عنه بالصلاة، فإن الصلاة إنما تكفر سيئات من أدى حقها، وأكمل خشوعها، ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه.


فهذا إذا انصرف منها وجد خفة من نفسه، وأحس بأثقال قد وضعت عنه. فوجد نشاطًا وراحة وروحا، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها، لأنها قرة عينه ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها، فيستريح بها، لا منها، فالمحبون يقولون: نصلي فنستريح بصلاتنا، كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم: «يا بلال أرحنا بالصلاة»([4]) ولم يقل: أرحنا منها.


وقال: «جُعلت قرة عيني في الصلاة»([5]) فمن جعل قرة عينه في الصلاة، كيف تقر عينه بدونها، وكيف يطيق الصبر عنها؟ فصلاة هذا الحاضر بقلبه الذي قرة عينه في الصلاة، هي التي تصعد ولها نور وبرهان، حتى يستقبل بها الرحمن -عز وجل-، فتقول: «حفظ الله تعالى كما حفظتني»، وأما صلاة المفرط المضيع لحقوقها وحدودها وخشوعها، فإنها تُلف كما يُلَفُّ الثُّوبُ الخلق، ويضرب بها وجه صاحبها وتقول: «ضيعك الله كما ضيعتني».


وقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «ما من مؤمن يتم الوضوء إلى أماكنه، ثم يقوم إلى الصلاة في وقتها فيؤديها لله عز وجل لم يُنقص من وقتها، وركوعها وسجودها ومعالمها شيئًا، إلا رُفعت له إلى الله عز وجل بيضاء مسفرة يستضيء بنورها ما بين الخافقين حتى يُنتهى بها إلى الرحمن عز وجل، ومن قام إلى الصلاة فلم يكمل وضوءها وأخرها عن وقتها، واسترق ركوعها وسجودها ومعالمها، رفعت عنه سوداء مظلمة، ثم لا تتجاوز شعر رأسه تقول: ضيعك الله كما ضيعتني، ضيعك الله كما ضيعتني»([6]).


فالصلاة المقبولة، والعمل المقبول أن يصلي العبد صلاة تليق بربه عز وجل، فإذا كانت صلاة تصلح لربه تبارك وتعالى وتليق به، كانت مقبولة.

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref1[FONT=&quot]([FONT=&quot][1][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه البخاري.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref2[FONT=&quot]([FONT=&quot][2][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه البخاري.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref3[FONT=&quot]([FONT=&quot][3][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه عبد الله بن المبارك في كتاب «الزهد والرقائق».[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref4[FONT=&quot]([FONT=&quot][4][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه أحمد وصححه الألباني.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref5[FONT=&quot]([FONT=&quot][5][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه أحمد وصححه الألباني.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref6[FONT=&quot]([FONT=&quot][6][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]الحديث ضعيف.[/FONT]
 
رد: شرح وصية يحيى بن زكريا عليهما السلام

والمقبول من العمل قسمان:


أحدهما: أن يصلي العبد ويعمل سائر الطاعات وقلبه متعلق بالله عز وجل، ذاكر لله – عز وجل – على الدوام، فأعمال هذا العبد تُعْرَض على الله -عز وجل- حتى تقف قبالته، فينظر الله – عز وجل – إليها، فإذا نظر إليها رآها خالصة لوجهه مرضية، وقد صدرت عن قلب سليم مخلص محب لله – عز وجل – متقرب إليه، أحبها ورضيها وقَبِلهَا.


والقسم الثاني: أن يعمل العبد الأعمال على العادة والغفلة، وينوي بها الطاعة والتقرب إلى الله، فأركانه مشغولة بالطاعة، وقلبه لاهٍ عن ذكر الله، وكذلك سائر أعماله، فإذا رفعت أعمال هذا إلى الله عز وجل، لم تقف تجاهه، ولا يقع نظره عليها، ولكن توضع حيث توضع دواوين الأعمال، حتى تعرض عليه يوم القيامة فتميز، فيثيبه على ما كان له منها، ويرد عليه ما لم يرد وجهه به منها. فهذا قبوله لهذا العمل: إثابته عليه بمخلوق من مخلوقاته من القصور والأكل والشرب والحور العين.


وإثابة الأول رضى العمل لنفسه، ورضاه عن معاملة عامله، وتقريبه منه، وإعلاء درجته ومنزلته، فهذا يعطيه بغير حساب، فهذا لون، والأول لون.


والناس في الصلاة على مراتب خمسة:


أحدها: مرتبة الظالم لنفسه المفرط، وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها.


الثاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها، لكنه قد ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة، فذهب مع الوساوس والأفكار.


الثالث: من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوه لئلا يسرق صلاته، فهو في صلاة وجهاد.


الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها، واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها لئلا يضيع شيئًا منها، بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي وإكمالها وإتمامها، قد استغرق قلبه شأن الصلاة وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها.


الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل، ناظرًا بقلبه إليه، مراقبًا له، ممتلئًا من محبته وعظمته، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطرات، وارتفعت حجبها بينه وبين ربه، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض، وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل قرير العين به.


فالقسم الأول معاقب، والثاني محاسب، والثالث مكفَّر عنه، والرابع مثاب، والخامس مقرب من ربه، لأن له نصيبًا ممن جعلت قرة عينه في الصلاة، فمن قرت عينه بصلاته في الدنيا، قرت عينه بقربه من ربه عز وجل في الآخرة، وقرت عينه أيضًا به في الدنيا، ومن قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تعالى تقطعت نفسه على الدنيا حسرات.


وقد روي أن العبد إذا قام يصلي قال الله – عز وجل -: «ارفعوا الحجب بيني وبين عبدي، فإذا التفت قال: أرخوها»، وقد فسر هذا الالتفات بالتفات القلب عن الله عز وجل إلى غيره، فإذا التفت إلى غيره، أرخى الحجاب بينه وبين العبد، فدخل الشيطان، وعرض عليه أمور الدنيا، وأراه إياها في صورة المرآة، وإذا أقبل بقلبه على الله ولم يلتفت، لم يقدر الشيطان على أن يتوسط بين الله تعالى وبين ذلك القلب، وإنما يدخل الشيطان إذا وقع الحجاب، فإن فر إلى الله تعالى وأحضر قلبه فر الشيطان، فإن التفت حضر الشيطان، فهو هكذا شأنه وشأن عدوه في الصلاة.


وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها بربه عز وجل إذا قهر شهوته وهواه، وإلا فقلب قد قهرته الشهوة، وأسره الهوى، ووجد الشيطان فيه مقعدًا تمكن فيه كيف يخلص من الوساوس والأفكار؟!. اهـ.


والقلوب ثلاثة:


قلب خالٍ: من الإيمان وجميع الخير، فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه، لأنه قد اتخذه بيتًا ووطنًا، وتحكم فيه بما يريد، وتمكن منه غاية التمكن.


القلب الثاني: قلب قد استنار بنور الإِيمان، وأوقد فيه مصباحه، لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف الأهوية، فللشيطان هناك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع، فالحرب دول وسجال.


وتختلف أحوال هذه الصنف بالقلة والكثرة، فمنهم من أوقات غلبته لعدوه أكثر، ومنهم من أوقات غلبة عدوه له أكثر، ومنهم من هو تارة وتارة.


القلب الثالث: قلب محشو بالإِيمان قد استنار بنور الإيمان وانقشعت عنه حجب الشهوات، وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلنوره في قلبه إشراق، ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس احترق به، فهو كالسماء التي حرست بالنجوم، فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق، وليست السماء بأعظم حرمة من المؤمن، وحراسة الله تعالى له أتم من حراسة السماء متعبد الملائكة ومستقر الوحي، وفيها أنوار الطاعات.


وقلب المؤمن مستقر التوحيد والمحبة والمعرفة والإيمان، وفيه أنوارها، فهو حقيق أن يحرس ويحفظ من كيد العدو، فلا ينال منه شيئًا إلا خطفة.


وقد مثل ذلك بمثال حسن. وهو ثلاثة بيوت: بيت للملك فيه كنوزه وذخائره وجواهره. وبيت للعبد فيه كنوز العبد وذخائره وجواهره، وليس جواهر الملك وذخائره. وبيت خال صفر لا شيء فيه، فجاء اللص يسرق من أحد البيوت، فمن أيها يسرق؟


فإن قلت: من البيت الخالي، كان محالاً، لأن البيت الخالي ليس فيه شيء يسرق، لهذا قيل لابن عباس رضي الله عنهما: إن اليهود تزعم أنها لا توسوس في صلاتها، فقال: وما يصنع الشيطان بالبيت الخراب؟


وإن قلت: يسرق من بيت المال، كان ذلك المستحيل الممتنع، فإن عليه من الحرس واليزك ([1]) ما لا يستطيع اللص الدنو منه، كيف وحارسه الملك بنفسه، وكيف يستطيع اللص الدنو منه وحوله من الحرس والجند ما حوله؟ فلم يبق للص إلا البيت الثالث، فهو الذي يشن عليه الغارات.


فيتأمل اللبيب هذا المثال حق التأمل، لينزله على القلوب، فإنها على منواله.


فقلب خلا من الخير كله، وهو قلب الكافر والمنافق، فذلك بيت الشيطان، قد أحرزه لنفسه واستوطنه واتخذه سكنًا ومستقرًا، فأي شيء يسرق منه وفيه خزائنه وذخائره وشكوكه وخيالاته ووساوسه؟.


وقلب قد امتلأ من جلال الله عز وجل وعظمته ومحبته ومراقبته والحياء منه، فأي شيطان يجترئ على هذا القلب؟ وإن أراد سرقة شيء منه، فماذا يسرق، وغايته أن يظفر في الأحايين منه بخطفة ونهب يحصل له على غرة من العبد وغفلة لا بد له منها، إذ هو بشر، وأحكام البشرية جارية عليه من الغفلة والسهو والذهول وغلبة الطبع.
وقد ذكر عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى أنه قال: في بعض الكتب الإلهية: (لستُ أسكن البيوت، ولا تسعني، وأي بيت يسعني والسموات حشو كرسي؟ ولكن أنا في قلب الوادع التارك لكل شيء سواي) وهذا معنى الأثر الآخر (ما وسعتني سمواتي ولا أرضي، ووسعني قلب عبدي المؤمن).


وقلب فيه توحيد الله تعالى ومعرفته ومحبته والإيمان به والتصديق بوعده، وفيه شهوات النفس وأخلاقها ودواعي الهوى والطبع.


وقلب بين هذين الداعيين. فمرة يميل بقلبه داعي الإِيمان والمعرفة والمحبة لله تعالى وإرادته وحده، ومرة يميل بقلبه داعي الشيطان والهوى والطباع، فهذا القلب للشيطان فيه مطمع، وله منه منازلات ووقائع، ويعطي الله النصر من يشاء [FONT=&quot]}وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ[FONT=&quot]{[/FONT] [آل عمران: 126] وهذا لا يتمكن الشيطان منه إلا بما عنده من سلاحه، فيدخل إليه الشيطان، فيجد سلاحه عنده فيأخذه ويقاتله به، فإن أسلحته هي الشهوات والشبهات والخيالات والأماني الكاذبة، وهي في القلب، فيدخل الشيطان فيجدها عتيدة فيأخذها ويصول بها على القلب، فإن كان عند العبد عدة عتيدة من الإيمان تقاوم تلك العدة وتزيد عليها، انتصف من الشيطان، وإلا فالدولة لعدوه عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فإذا أذن العبد لعدوه وفتح له باب بيته وأدخله عليه ومكنه من السلاح يقاتله به، فهو الملوم.[/FONT]
فنفسك لُمْ ولا تلَمْ المطايا



[FONT=&quot]ومُت كمدًا فليس لك اعتذارُ

[/FONT]


http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref1[FONT=&quot]([FONT=&quot][1][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]اليزك والحرس بمعنى واحد.[/FONT]
 
رد: شرح وصية يحيى بن زكريا عليهما السلام

بارك الله فيك
 
رد: شرح وصية يحيى بن زكريا عليهما السلام

فصل في بيان فضل الصيام

عدنا إلى شرح حديث الحارث الذي فيه ذكر ما يحرز العبد من عدوه.


قوله صلى الله عليه وسلم: «وأمركم بالصيام، فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابةٍ معه صُرَّةٌ فيها مسكُ، فكلهم يعجب أو يُعجبه ريحها، وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك».


إنما مثل صلى الله عليه وسلم ذلك بصاحب الصرة التي فيها المسك، لأنها مستورة عن العيون، مخبوءة تحت ثيابه، كعادة حامل المسك، وهكذا الصائم صومه مستور عن مشاهدة الخلق، لا تدركه حواسهم، والصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقوله الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث، فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه كله نافعًا صالحًا، وكذا أعماله، فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها من جالس حامل المسك، وكذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته له، وأمن فيها من الزور الكذب والفجور والظلم.


هذا هو الصوم المشروع، لا مجرد إمساك عن الطعام والشراب.
ففي الحديث الصحيح: «من لم يدع قوله الزور والعمل به، فليس لله حاجة، في أن يدع طعامه وشرابه»([1]) وفي الحديث: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش»([2]).


فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام، وصوم البطن عن الشراب والطعام، فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده، فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته، فتصيره بمنزلة من لم يصم.


وقد اختلف في وجود هذه الرائحة من الصائم، هل هي في الدنيا، أو في الآخرة؟ على قولين، وقد وقع بين الشيخين الفاضلين أبي محمد (عز الدين) بن عبد السلام وأبي عمرو بن الصلاح في ذلك تنازع، فمال أبو محمد إلى أن تلك في الآخرة خاصة، وصنف فيه مصنفًا، ومال الشيخ أبو عمرو إلى أن ذلك في الدنيا والآخرة. وصنف من جديد ابن جريح عن عطاء عن أبي صالح الزيات أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، للصائم فرحتان (يفرحهما): إذا أفطر فرح بقطره، وإذا لقي الله تعالى فرح بصومه»([3]).


قال أبو حاتم: شعار المؤمنين يوم القيامة التحجيل بوضوئهم في الدنيا فرقًا بينهم وبين سائر الأمم، وشعارهم في القيامة بصومهم، فيه مصنفًا رد فيه على أبي محمد. وسلك أبو عمرو في ذلك مسلك أبي حاتم ابن حبان، فإنه في (صحيحه) بوب عليه كذلك. فقال: (ذكر البيان بأن خلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك) ثم ساق حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، والصيام لي، وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» ثم قال: «ذكر البيان بأن خلوف فم الصائم يكون أطيب عند الله من ريح المسك يوم القيامة» ثم ساق حديث طيب خلوف أفواههم أطيب من ريح المسك، ليعُرفوا من بين ذلك الجمع بذلك العمل، جعلنا الله تعالى منهم.


ثم قال: (ذكر البيان بأن خلوف فم الصائم قد يكون أيضًا أطيب من ريح المسك في الدنيا) ثم ساق من حديث شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «كل حسنة يعملها ابن آدم بعشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، يقول الله عز وجل: إلا الصوم، فهو لي، وأنا أجزي به، يدع الطعام من أجلي، والشراب من أجلي، وأنا أجزي به، وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه عز وجل، ولخلوف فم الصائم حين يخلف من الطعام أطيب عند الله من ريح المسك»([4]).


واحتج الشيخ أبو محمد بالحديث الذي فيه تقييد الطيب بيوم القيامة.


قلت: ويشهد لقوله الحديث المتفق عليه: «والذي نفسي بيده ما من مكلوم يكلم في سبيل الله -والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي اللون لون دم، والريح ريح مسك»([5]).


فأخبر صلى الله عليه وسلم عن رائحة كلم المكلوم في سبيل الله -عز وجل- بأنها كريح المسك يوم القيامة، وهو نظير إخباره عن خلوف فم الصائم، فإن الحس يدل على أن هذا دم في الدنيا، وهذا خلوف له، ولكن يجعل الله تعالى رائحة هذا وهذا مسكًا يوم القيامة.
واحتج الشيخ أبو عمرو بما ذكره أبو حاتم في (صحيحه) من تقييد ذلك بوقت إخلافه، وذلك يدل على أنه في الدنيا، فلم قيد المبتدأ وهو خلوف فم الصائم بالظرف، وهو قوله: حين يخلف، كان الخبر عنه، وهو قوله: أطيب عند الله، خبرًا عنه في حال تقييده، فإن المبتدأ إذا تقيد بوصف أو حال أو ظرف، كان الخبر عنه حال كونه مقيدًا، فدل على أن طيبه عند الله تعالى ثابت حال إخلافه.


قال: وروى الحسن بن سفيان في (مسنده) عن جابر أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسًا...» فذكر الحديث، وقال فيه: «وأما الثانية فإنهم يمسون وريح أفواهم أطيب عند الله من ريح المسك»([6]). ثم ذكر كلام الشراح في معنى طيبه وتأويلهم إياه بالثناء على الصائم والرضا بفعله، على عادة كثيرة منهم بالتأويل من غير ضرورة، حتى كأنه قد بورك فيه، فهو موكل به، وأي ضرورة تدعو إلى تأويل كونه أطيب عند الله من ريح المسك بالثناء على فاعله والرضا بفعله، وإخراج اللفظ عن حقيقته؟ وكثير من هؤلاء ينشئ للفظ معنى، ثم يدعي إرادة ذلك المعنى بلفظ النص من غير نظر منه إلى استعمال ذلك اللفظ في المعنى الذي عينه أو احتمال اللغة له.


http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref1[FONT=&quot]([FONT=&quot][1][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه البخاري وأحمد.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref2[FONT=&quot]([FONT=&quot][2][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه أحمد وصححه الألباني.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref3[FONT=&quot]([FONT=&quot][3][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه البخاري.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref4[FONT=&quot]([FONT=&quot][4][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه مسلم.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref5[FONT=&quot]([FONT=&quot][5][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه البخاري.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref6[FONT=&quot]([FONT=&quot][6][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وذكره المنذري في (الترغيب والترهيب) 2/92 ونسبه للبيهقي وقال: وإسناده مقارب.[/FONT]
 
رد: شرح وصية يحيى بن زكريا عليهما السلام

ومعلوم أن هذا يتضمن الشهادة على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن مراده من كلامه كيت وكيت، فإن لم يكن ذلك معلومًا بوضع اللفظ لذلك المعنى، أو عرف الشارع صلى الله عليه وسلم وعادته المطردة أو الغالبة باستعمال ذلك اللفظ في هذا المعنى أو تفسيره له به، وإلا كانت شهادة باطلة، وأدنى أحوالها أن تكون شهادة بلا علم.


ومن المعلوم أن أطيب ما عند الناس من الرائحة رائحة المسك، فمثل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخلوف عند الله تعالى بطيب رائحة المسك عندنا وأعظم، ونسبة استطابة ذلك إليه سبحانه وتعالى كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه، فإنها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين، كما أن رضاه وغضبه وفرحه وكراهته وحبه وبغضه لا تماثل ما للمخلوق من ذلك، كما أن ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات خلقه، وصفاته لا تشبه صفاتهم، وأفعاله لا تشبه أفعالهم، وهو سبحانه وتعالى يستطيب الكلم الطيب، فيصعد إليه، والعمل الصالح، فيرفعه، وليست هذه الاستطابة كاستطابتنا.


ثم إن تأويله لا يرفع الإِشكال، إذ ما استشكله هؤلاء من الاستطابة يلزم مثله في الرضى، فإن قال: رضًا ليس كرضا المخلوقين، فقولوا: استطابة ليست كاستطابة المخلوقين، وعلى هذا جميع ما يجيء من هذا الباب.


ثم قال: وأما ذكر يوم القيامة في الحديث، فلأنه يوم الجزاء، وفيه يظهر رجحان الخلوف في الميزان على المسك المستعمل لدفع الرائحة الكريهة طلبًا لرضا الله تعالى، حيث يؤمر باجتنابها، واجتناب الرائحة الطيبة، كما في المساجد والصلوات وغيرها من العبادات، فخص يوم القيامة بالذكر في بعض الروايات، كما خص في قوله تعالى: [FONT=&quot]}إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ[FONT=&quot]{[/FONT] [العاديات: 11] وأطلق في باقيها نظرًا إلى أن أصل أفضليته ثابت في الدارين.[/FONT]


قلت: من العجب رده على أبي محمد بما لا ينكره أبو محمد ولا غيره، فإن فسر به الاستطابة المذكورة في الدنيا بثناء الله تعالى على الصائمين ورضاه بفعلهم، أمر لا ينكره مسلم، فإن الله تعالى قد أثنى عليهم في كتابه، وفيما بلغه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ورضي بفعله، فإن كانت هذه هي الاستطابة، أفترى الشيخ أبو محمد ينكرها؟!! والذي ذكره الشيخ أبو محمد أن هذه الرائحة إنما يظهر طيبها على طيب المسك في اليوم الذي يظهر فيه طيب دم الشهيد، ويكون كرائحة المسك، ولا ريب أن ذلك يوم القيامة، فإن الصائم في ذلك اليوم يجيء ورائحة فمه أطيب من رائحة المسك، كما يجيء المكلوم في سبيل الله عز وجل رائحة دمه كذلك، لا سيما والجهاد أفضل من الصيام، فإن كان طيب رائحته إنما يظهر يوم القيامة، فكذلك الصائم.


وأما حديث جابر: «فإنهم يمسون وخلوف أفواههم أطيب من ريح المسك»، فهذه جملة حالية، لا خبرية، فإن خبر إمسائه لا يقترن بالواو، لأنه خبر مبتدأ، فلا يجوز اقترانه بالواو، وإذا كانت الجملة حالية، فلأبي محمد أن يقول: هي حال مقدرة، والحال المقدرة يجوز تأخيرها عن زمن الفعل العامل فيها، ولهذا لو صرح بيوم القيامة في مثل هذا، فقال: «يمسون وخلوف أفواهم أطيب من ريح المسك يوم القيامة» لم يكن التركيب فاسدًا، كأنه قال: (يمسون) وهذا لهم يوم القيامة.


وأما قوله: «لخلوف فم الصائم حين يخلف» فهذا الظرف تحقيق للمبتدأ، أو تأكيد له، وبيان إرادة الحقيقة المفهومة منه، لا مجازه ولا استعارته، وهذا كما تقول: جهاد المؤمن حين يجاهد، وصلاته حين يصلي، يجزيه الله تعالى بها يوم القيامة، ويرفع بها درجته يوم القيامة، وهذا قريب من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن»([1]).


وليس المراد تقييد نفي الإيمان المطلق عنه حالة مباشرة تلك الأفعال فقط، بحيث إذا كملت مباشرته وانقطع فعله عاد إليه الإِيمان، بل هذا النفي مستمر إلى حين التوبة، وإلا فما دام مصرًا يباشر الفعل، فالنفي لا حق به، ولا يزول عنه اسم الذم والأحكام المترتبة على المباشرة، إلا بالتوبة النصوح، والله سبحانه وتعالى أعلم.


قلت: وفصل النزاع في المسألة أن يقال: حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن ذلك الطيب يكون يوم القيامة، فلأنه الوقت الذي يظهر فيه ثواب الأعمال وموجباتها من الخير والشر، فيظهر للخلق طيب ذلك الخلوف على المسك، كما يظهر فيه رائحة دم المكلوم في سبيله كرائحة المسك، وكما تظهر فيه السرائر وتبدو على الوجوه وتصيره علانية ويظهر فيه قبح رائحة دم الكفار وسواد وجوههم، وحيث أخبر بأن ذلك حين يخلف وحين يمسون، فلأنه وقت ظهور أثر العبادة، ويكون حينئذ طيبها زائدًا على ريح المسك عند الله تعالى وعند ملائكته، وإن كانت تلك الرائحة كريهة للعباد، فرب مكروه عند الناس، محبوب عند الله تعالى، وبالعكس، فإن الناس يكرهونه لمنافرته طباعهم، والله تعالى يستطيبه ويحبه لموافقته أمره ورضاه ومحبته، فيكون عنده أطيب من ريح المسك عندنا، فإذا كان يوم القيامة ظهر هذا الطيب للعباد، وصار علانية، وهكذا سائر آثار الأعمال من الخير والشر.


وإنما يكمل ظهورها ويصير علانية في الآخرة، وقد يقوى العمل ويتزايد، حتى يستلزم ظهور بعض أثره على العبد في الدنيا في الخير والشر، كما هو مشاهد بالبصر والبصيرة.


قال ابن عباس: إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وقوة في البدن، وسعةً في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق وبغضةً في قلوب الخلق.


وقال عثمان بن عفان: ما عمل رجل عملاً إلا ألبسه الله تعالى رداءه، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.


وهذا أمر معلوم يشترك فيه وفي العلم به أصحاب البصائر وغيرهم، حتى إن الرجل الطيب البر لتشم منه رائحة طيبة وإن لم يمس طيبًا فيظهر طيب رائحة روحه على بدنه وثيابه، والفاجر بالعكس، والمزكوم الذي أصابه ملأ مسام قلبه لا يشم لا هذا، ولا هذا، بل زكامه يحمله على الإِنكار، فهذا فصل الخطاب في هذه المسألة، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
* * *[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref1[FONT=&quot]([FONT=&quot][1][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه البخاري.[/FONT]
 
رد: شرح وصية يحيى بن زكريا عليهما السلام

فصل في فضل الصدقة

«وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فاوثقوا يده إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم».


هذا أيضًا من الكلام الذي برهانه وجوده، ودليله وقوعه، فإن للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم، بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعًا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به، لأنهم جربوه.


وقد روى الترمذي في (جامعه) من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء»([1]) وكما أنها تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى، فهي تطفئ الذنوب والخطايا كما يطفئ الماء النار.


وفي الترمذي عن معاذ بن جبل قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يومًا قريبًا منه ونحن نسير، فقال: «ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل شعار الصالحين، ثم تلا: [FONT=&quot]}تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ[FONT=&quot]{[/FONT]» [السجدة: 16]([2]).[/FONT]


وفي بعض الآثار: باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة.


وفي تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بمن قدم ليضرب عنقه فافتدى نفسه منهم بماله كفاية، فإن الصدقة تفدي العبد من عذاب الله تعالى، فإن ذنوبه وخطاياه تقتضي هلاكه، فتجيء الصدقة تفديه من العذاب وتفكه منه.


ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما خطب النساء يمم العيد: «يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار»([3]) وكأنه حثهن ورغبهن على ما يفدين به أنفسهن من النار.


وفي (الصحيحين) عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا قدم وينظر بين يديه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة»([4]).


وفي حديث أبي ذر أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: «الإيمان بالله»، قلت: يا نبي الله، مع الإيمان عمل؟ قال: «أن ترضخ مما خولك الله أو ترضخ مما رزقك الله» قلت: يا نبي الله فإن كان فقيرًا لا يجد ما يرضخ؟ قال: «يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر» قلت: إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ قال: «فليعن الأخرق». قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان لا يحسن أن يصنع؟ قال: «فليعن مظلومًا» قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان ضعيفًا لا يستطيع أن يعين مظلومًا؟ قال: «ما تريد أن تترك في صاحبك من خير؟ ليمسك أذاه عن الناس»، قلت: يا رسول الله، أرأيت إن فعل هذا يدخل الجنة؟ قال: «ما من مؤمن يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى أدخلته الجنة»([5]).


وقال عمر بن الخطاب: ذكر لي أن الأعمال تتباهى، فتقول الصدقة: أنا أفضلكم.


وفي (الصحيحين) عن أبي هريرة قال: «ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد، أو جُنتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما، فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشي أنامله، وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما هم بصدقة، قلصت وأخذت كل حلقة مكانها»، قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأصبعه هكذا في جيبه، فلو رأيته يوسعها ولا توسع».

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref1[FONT=&quot]([FONT=&quot][1][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه الترمذي وقال حسن غريب.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref2[FONT=&quot]([FONT=&quot][2][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه الترمذي وهو صحيح بطرقه.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref3[FONT=&quot]([FONT=&quot][3][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه الترمذي وهو صحيح.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref4[FONT=&quot]([FONT=&quot][4][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه البخاري.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref5[FONT=&quot]([FONT=&quot][5][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه البخاري ومسلم.[/FONT]
 
رد: شرح وصية يحيى بن زكريا عليهما السلام

وروى البخاري هذا الحديث في كتاب الزكاة عن أبي هريرة أيضًا، ولفظه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا اتسعت أو فرت على جلده حتى يخفي أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع»([1]).


وروى عن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «على كل مسلم صدقة، قالوا: يا رسول الله! فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر فإنها له صدقة»([2]).


ولما كان البخيل محبوسًا عن الإحسان، ممنوعًا عن البر والخير، كان جزاؤه من جنس عمله، فهو ضيق الصدر، ممنوع من الانشراح، ضيق العطن، صغير النفس، قليل الفرح، كثير الهم والغم والحزن، لا يكاد تقضي له حاجة، ولا يعان على مطلوب.


فهو كرجل عليه جبة من حديد، قد جمعت يداه إلى عنقه بحيث لا يتمكن من إخراجها ولا حركتها، وكلما أراد إخراجها، أو توسيع تلك الجبة لزمت كل حلقة من حلقها موضعها. وهكذا البخيل كلما أراد أن يتصدق منعه بخله فبقي قلبه في سجنه كما هو، والمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره، فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه، فكلما تصدق اتسع وانفسح وانشرح، وقوي فرحه، وعظم سروره، ولو لم يكن في الصدقة إلا هذه الفائدة وحدها، لكان العبد حقيقًا بالاستكثار منها والمبادرة إليها. وقد قال تعالى: [FONT=&quot]}وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[FONT=&quot]{[/FONT] [الحشر: 9 – والتغابن: 16].[/FONT]


وكان عبد الرحمن بن عوف – أو سعد بن أبي وقاص – يطوف بالبيت، وليس له دأب إلا هذه الدعوة: رب قني شح نفسي، رب قني شح نفسي. فقيل له: أما تدعو بغير هذه الدعوة؟ فقال: إذا وقيت شح نفسي، فقد أفلحت.


والفرق بين الشح والبخل، أن الشح: هو شدة الحرص على الشيء، والإحفاء في طلبه، والاستقصاء في تحصيله، وجشع النفس عليه، والبخل: منع إنفاقه بعد حصوله وحبه وإمساكه، فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشح، والشح يدعو إلى البخل، والشح كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحه، من لم يبخل فقد عصى شحه ووقي شره، وذلك هو المفلح: [FONT=&quot]}وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[FONT=&quot]{[/FONT] [الحشر: 9 – والتغابن: 16].[/FONT]


والسخي قريب من الله تعالى، ومن خلقه، ومن أهله، وقريب من الجنة، وبعيد من النار. والبخيل بعيد من خلقه، بعيد من الجنة، قريب من النار، فجود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده.
وَيُظْهرُ عَيْبَ المَرْء في النَّاس بُخْلُهُ



يستره عَنْهُمْ جَمِيعًا سَخَاؤه


تَغَطّ بأثواب السَّخاء فإنني



أري كُلَّ عَيبٍِ بالسَّخَاء غطَاؤه


وقارنْ إذا قَارَنْتَ حُرًّا فإنما



يَزينُ ويُزري بالفَتى قرنَاؤهُ


إذا قَلَّ مالُ المرء قَلَّ صديقه



وضَاقَتْ عَلَيْه أَرْضه وَسَمَاؤه


وأصبح لا يدري وإن كان حازمًا



أقُدَّامه خيرٌ له أمْ مَا وَرَاءهُ


إذا المرءُ لم يختر صديقًا لنفسه



فَنَادِ به في الناس هذا جَزاؤُهُ


وحدُّ السخاء: بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة، وأن يوصل ذلك إلى مستحقه بقدر الطاقة، وليس كما قال بعض من نقص علمه: حد الجود: بذل الموجود، ولو كان كما قال هذا القائل، لارتفع اسم السرف والتبذير، وقد ورد الكتاب بذمهما، وجاءت السنة بالنهي عنهما، وإذا كان السخاء محمودًا، فمن وقف على حدِّه سمي كريمًا، وكان للحمد مستوجبًا، ومن قصر عنه كان بخيلاً، وكان للذم مستوجبًا، وقد روي في أثر: إن الله عز وجل أقسم بعزته ألاَّ يجاوره بخيل.
والسخاء نوعان:


فأشرفهما: سخاؤك عما بيد غيرك.
والثاني: سخاؤك ببذل ما في يدك.


فقد يكون الرجل من أسخى الناس وهو لا يعطيهم شيئًا، لأنه سخا عما في أيديهم، وهذا معنى قول بعضهم: السخاء أن تكون بمالك متبرِّعًا وعن مال غيرك متورِّعًا. وسمعت شيخ الإِسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: أوحى الله إلى إبراهيم «أتدري لم اتخذتك خليلاً؟ قال: لا، قال: لأني رأيت العطاء أحب إليك من الأخذ». وهذه صفة من صفات الرب جل جلاله، فإنه يعطي ولا يأخذ، ويطعم ولا يطْعَم، وهو أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، وأحب الخلق إليه من اتصف بصفاته، فإنه كريم يحب الكريم من عباده، وعالم يحب العلماء، وقادر يحب الشجعان، وجميل يحب الجمال.


روى الترمذي في (جامعه) قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عامر، أخبرنا خالد بن الياس، عن صالح بن أبي حسان، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: «إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود» قال: فذكرت ذلك للمهاجر بن مسمار فقال: حدثنيه عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنهما[FONT=&quot] عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، إلا أنه قال: «فنظفوا أفنيتكم» هذا حديث غريب؛ خالد بن الياس يضعف.[/FONT]


وفي الترمذي أيضًا في (كتاب البر) قال: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا سعيد بن محمد الوراق، عن يحيى بن سعيد، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله تعالى من عابد بخيل»([3]).


وفي الصحيح: «إن الله تعالى وتر يحب الوتر»([4]).


وهو سبحانه وتعالى رحيم يحب الرحماء، وإنما يرحم من عباده الرُّحماء، وهو ستِّير يحب من يستر على عباده، وعفوٌّ يحب من يعفو عنهم، وغفور يحب من يغفر لهم، ولطيف يحب اللطيف من عباده، ويبغض الفظ الغليظ القاسي الجعظريَّ الجواظ، ورفيق يحب الرفق، وحليم يحب الحلم، وبَرٌّ يحب البرَّ وأهْلَهُ، وعَدْل يحب العدل، وقابل المعاذير، يحب من يقبل معاذير عباده، ويجازي عبده بحسب هذه الصفات فيه وجودًا وعدمًا، فمن عفا عفا عنه، ومن غفر غفر له، ومن سامح سامحه، ومن حاقق حاققه، ومن رفق بعباده رفق به، ومن رحم خلقه رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن صفح عنهم صفح عنه، ومن تتبع عورتهم تتبع عورته، ومن هتكهم هتكه وفضحه، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن شاق الله شاق الله تعالى به، ومن مكر مكر به، ومن خادع خادعه، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة. فالله تعالى لعبده على حسب ما يكون العبد لخلقه. ولهذا جاء في الحديث: «من ستر مسلمًا ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله تعالى عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله تعالى حسابه»([5]). و «من أقال نادمًا أقال الله تعالى عثرته»([6])، و«من أنظر معسرًا أو وضع عنه، أظله الله تعالى في ظل عرشه»([7]) لأنه لما جعله في ظل الإِنظار والصبر، ونجاه من حر المطالبة، وحرارة تكلف الأداء مع عسرته وعجزه، نجاه الله تعالى من حر الشمس يوم القيامة إلى ظل العرش.


وكذلك الحديث الذي في الترمذي وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته يومًا: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته»([8]).


فكما تدين تدان: وكن كيف شئت فإن الله تعالى لك كما تكون أنت له ولعباده.


ولما أظهر المنافقون الإسلام، وأسروا الكفر، أظهر الله تعالى لهم يوم القيامة نورًا على الصراط، وأظهر لهم أنهم يجوزون الصراط، وأسر لهم أن يُطْفَأ نورهم، وأن يحال بينهم وبين الصراط من جنس أعمالهم.


وكذلك من يظهر للخلق خلاف ما يعلمه الله فيه، فإن الله تعالى يظهر له في الدنيا والآخرة أسباب الفلاح والنجاح والفوز، ويبطن له خلافها.


وفي الحديث: «من راءى راءى الله به، ومن سمع سمع الله به»([9]).


والمقصود أن الكريم المتصدق يعطيه الله ما لا يعطي البخيل الممسك، ويوسع عليه في ذاته، وخلقه، ورزقه، ونفسه، وأسباب معيشته، جزاءً له من جنس عمله.
[FONT=&quot]* * *[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref1[FONT=&quot]([FONT=&quot][1][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot] رواه البخاري ومسلم.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref2[FONT=&quot]([FONT=&quot][2][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه البخاري ومسلم.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref3[FONT=&quot]([FONT=&quot][3][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه الترمذي انظر السلسلة الضعيفة للألباني.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref4[FONT=&quot]([FONT=&quot][4][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه مسلم.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref5[FONT=&quot]([FONT=&quot][5][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه البيهقي وأحمد وصححه الألباني.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref6[FONT=&quot]([FONT=&quot][6][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه مسلم وأحمد.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref7[FONT=&quot]([FONT=&quot][7][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه الترمذي وصححه الألباني.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref8[FONT=&quot]([FONT=&quot][8][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه الترمذي وصححه الألباني.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref9[FONT=&quot]([FONT=&quot][9][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه مسلم.[/FONT]
 
رد: شرح وصية يحيى بن زكريا عليهما السلام

فصل في فضل الذكر

وقوله صلى الله عليه وسلم: «وآمركم أن تذكروا الله تعالى، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعًا، حتى إذا أتى إلى حصن حصين، فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله»: فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة، لكان حقيقًا بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، وأن لا يزال لهجًا بذكره، فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة، فهو يرصده، فإذا غفل وثب عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله تعالى وتصاغر، وانقمع، حتى يكون كالوصع وكالذباب، ولهذا سمي (الوسواس الخناس)، أي: يوسوس في الصدور، فإذا ذكر الله تعالى خنس، أي: كف وانقبض.


وقال ابن عباس: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله تعالى خنس ([1]).


وفي (مسند الإمام أحمد)، عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، أنه بلغه عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عمل آدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل».


وقال معاذ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقكم، ويضربوا أعناقكم»، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «ذكر الله عز وجل»([2]).


وفي (صحيح مسلم)، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له: جُمدان، فقال: «سيروا، هذا جمدان، سبق المفردون». قيل: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات»([3]).


وفي (السنن) عن أبي هريرة رضي الله عنه[FONT=&quot] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة»([4]).[/FONT]


وفي رواية الترمذي: «ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم»([5]).


وفي (صحيح مسلم)، عن الأغر أبي مسلم قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد، أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يقعد قوم في مجلس يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده».


وفي الترمذي عن عبد الله بن يسر أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن أبواب الخير كثيرة، ولا أستطيع القيام بكلها، فأخبرني بشيء أتشبث به، ولا تكثر علي فأنسى. وفي رواية: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، وأنا كبرت، فأخبرني بشيء أتشبث به. قال: «لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله تعالى».


وفي الترمذي أيضًا عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل: العباد أفضل وأرفع درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا» قيل: يا رسول الله! ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: «لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دمًا كان الذاكر لله تعالى أفضل منه درجة»([6]).


وفي (صحيح البخاري)، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه. مثل الحي والميت».


وفي (الصحيحين) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إلي ذراعًا، تقربت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي، أتيته هرولة»([7]).


وفي الترمذي عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» قالوا: يا رسول الله! وما رياض الجنة؟ قال: «حلق الذكر»([8]).


وفي الترمذي أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن الله عز وجل أنه يقول: «إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو ملاقٍ قرنه».


وهذا الحديث هو فصل الخطاب في التفضيل بين الذاكر والمجاهد، فإن الذاكر المجاهد أفضل من الذاكر بلا جهاد والمجاهد الغافل والذاكر بلا جهاد أفضل من المجاهد الغافل عن الله تعالى.


فأفضل الذاكرين المجاهدون، وأفضل المجاهدين الذاكرون.
قال الله تعالى: [FONT=&quot]}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[FONT=&quot]{[/FONT] [الأنفال: 45] فأمرهم بالذكر الكثير والجهاد معًا، ليكونوا على رجاء من الفلاح، وقد قال تعالى: [FONT=&quot]}[/FONT]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا[FONT=&quot]{[/FONT] [الأحزاب: 41]، وقال تعالى: [FONT=&quot]}[/FONT]وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ[FONT=&quot]{[/FONT] [الأحزاب: 35] أي: كثيرًا. وقال تعالى: [FONT=&quot]}[/FONT]فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا[FONT=&quot]{[/FONT] [البقرة: 200].[/FONT]


ففيه الأمر بالذكر بالكثرة والشدة لشدة حاجة العبد إليه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين، فأي لحظة خلا فيها العبد عن ذكر الله عز وجل كانت عليه، لا له، وكان خسرانه فيها أعظم مما ربح في غفلته عن الله.


وقال بعض العارفين: لو أقبل عبد على الله تعالى كذا وكذا سنةً، ثم أعرض عنه لحظة، لكان ما فاته أعظم مما حصله.


وذكر البيهقي عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من ساعة تمر بابن آدم لا يذكر الله تعالى فيها إلا تحسر عليها يوم القيامة».


وذكر عن معاذ بن جبل يرفعه أيضًا: «ليس تحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها»([9]).


وعن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلام ابن آدم كله عليه لا له، إلا أمرًا بمعروف، أو نهيًا عن منكر، أو ذكرًا لله عز وجل»([10]).


وعن معاذ بن جبل قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال: «أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله عز وجل»([11]).


وقال أبو الدرداء رضي الله عنه[FONT=&quot]: لكل شيء جلاء وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل.[/FONT]



وذكر البيهقي مرفوعًا من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «لكل شيء صقالة، وإن صقالة القلوب ذكر الله عز وجل، وما من شيء أنجى من عذاب الله عز وجل من ذكر الله عز وجل» قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل؟ قال: «ولو أن يضرب بسيفه حتى ينقطع»([12]).


ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء. فإذا ترك الذكر صدأ، فإذا ذكره جلاه.


وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر، فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته، كان الصدأ متراكبًا على قلبه، وصدؤه بحسب غفلته، وإذا صدأ القلب، لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه، فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل، لأنه لمَا تراكم عليه الصدأ أظلم، فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه.


فإذا تراكم عليه الصدأ واسود، ركبه الران، فسد تصوره وإدراكه، فلا يقبل حقًا، ولا ينكر باطلاً. وهذا أعظم عقوبات القلب. وأصل ذلك من الغفلة، واتباع الهوى، فإنهما يطمسان نور القلب ويعميان بصره.
قال تعالى: [FONT=&quot]}وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا[FONT=&quot]{[/FONT] [الكهف: 28].[/FONT]


فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل فلينظر: هل هو من أهل الذكر، أو من الغافلين؟ وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي؟ فإن كان الحاكم عليه هو الهوى وهو من أهل الغفلة، وأمره فرط، لم يقتد به، ولم يتبعه فإنه يقوده إلى الهلاك.


ومعنى الفرط قد فسر بالتضييع، أي: أمره الذي يجب أن يلزمه ويقوم به وبه رشده وفلاحه ضائع قد فرط فيه، وفسر بالإسراف، أي: قد أفرط، وفسر بالهلاك، وفسر بالخلاف للحق. وكلها أقوال متقاربة.


والمقصود أن الله سبحانه وتعالى نهى عن طاعة من جمع هذه الصفات، فينبغي للرجل أن ينظر في شيخه وقدوته ومتبوعه، فإن وجده كذلك فليبعد عنه، وإن وجده ممن غلب عليه ذكر الله تعالى واتباع السنة، وأمره غير مفروط عليه، بل هو حازم في أمره، فليتمسك بعروته، ولا فرق بين الحي والميت إلا بالذكر، فمثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه، كمثل الحي الميت.


وفي (المسند) مرفوعًا: «اكثروا من ذكر الله تعالى حتى يقال مجنون»([13]).
* * *
[FONT=&quot]
[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref1[FONT=&quot]([FONT=&quot][1][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه البخاري مرفوعًا.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref2[FONT=&quot]([FONT=&quot][2][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه أحمد وصححه الألباني.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref3[FONT=&quot]([FONT=&quot][3][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه مسلم.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref4[FONT=&quot]([FONT=&quot][4][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه أبو داود وأحمد وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref5[FONT=&quot]([FONT=&quot][5][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه الترمذي وصححه الألباني (رحمه الله).[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref6[FONT=&quot]([FONT=&quot][6][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] رواه الترمذي وفي إسناده ضعف.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref7[FONT=&quot]([FONT=&quot][7][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه البخاري ومسلم.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref8[FONT=&quot]([FONT=&quot][8][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه الترمذي وأحمد وضعفه الألباني.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref9[FONT=&quot]([FONT=&quot][9][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه البيهقي بأسانيد أحدهما جيد.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref10[FONT=&quot]([FONT=&quot][10][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه الترمذي وقال حسن غريب.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref11[FONT=&quot]([FONT=&quot][11][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه ابن حبان والطبراني وابن أبي الدنيا وهو حسن.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref12[FONT=&quot]([FONT=&quot][12][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]ذكره المنذري في الترغيب وزاد نسبته لابن أبي الدنيا وإسناده ضعيف.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1853351#_ftnref13[FONT=&quot]([FONT=&quot][13][/FONT])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه أحمد في المسند وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة.[/FONT]
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top