التفاعل
10.3K
الجوائز
2.5K
- تاريخ التسجيل
- 8 جانفي 2010
- المشاركات
- 10,646
- آخر نشاط
- الوظيفة
- تاجر
1/2

السؤال: سئل شيخ الإسلام عن دعوة ذي النون
الإجابة: سُئلَ شَيْخُ الإِسْلام ابن تيمية قدس اللّه روحه عن قول النبي صلى الله عليه وسلم "دعوة أخي ذي النون" {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء: 87]"ما دعا بها مكروب إلا فرج اللّه كربته" ما معنى هذه الدعوة؟ ولم كانت كاشفة للكرب؟ وهل لها شروط باطنة عند النطق بلفظها؟ وكيف مطابقة اعتقاد القلب لمعناها.
حتى يوجب كشف ضره؟ وما مناسبة ذكره: {إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ}، مع أن التوحيد يوجب كشف الضر؟ وهل يكفيه اعترافه، أم لابد من التوبة والعزم في المستقبل؟ وما هو السر في أن كشف الضر وزواله يكون عند انقطاع الرجاء عن الخلق والتعلق بهم؟ وما الحيلة في انصراف القلب عن الرجاء للمخلوقين، والتعلق بهم بالكلية، وتعلقه باللّه تعالى ورجائه وانصرافه إليه بالكلية، وما السبب المعين على ذلك ؟
فأجاب:
الحمد للّه رب العالمين، لفظ الدعاء والدعوة في القرآن يتناول معنيين: دعاء العبادة، ودعاء المسألة.
قال اللّه تعالى: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ} [الشعراء: 213]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117]، وقال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [القصص: 88]، وقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن: 19]، وقال: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً} [النساء: 117]، وقال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} [الرعد: 14]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68]، وقال في آخر السورة: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77].
قيل: لولا دعاؤكم إياه، وقيل: لولا دعاؤه إياكم. فإن المصدر يضاف إلى الفاعل تارة، وإلى المفعول تارة، ولكن إضافته إلى الفاعل أقوى؛ لأنه لابد له من فاعل؛ فلهذا كان هذا أقوى القولين أي: ما يعبأ بكم لولا أنكم تدعونه فتعبدونه، وتسألونه: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} [الفرقان: 77] أي: عذاب لازم للمكذبين.
ولفظ الصلاة في اللغة: أصله الدعاء، وسميت الصلاة دعاء لتضمنها معنى الدعاء، وهو العبادة والمسألة.
وقد فسر قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، بالوجهين، قيل: اعبدوني وامتثلوا أمري أستجب لكم.
كما قال تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشورى: 26] أي: يستجيب لهم، وهو معروف في اللغة، يقال: استجابه واستجاب له، كما قال الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ** فلم يستجبه عند ذاك مجيب
وقيل: سلوني أعطكم.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" فذكر أولاً لفظ الدعاء، ثم ذكر السؤال والاستغفار.
والمستغفر سائل كما أن السائل داع، لكن ذكر السائل؛ لدفع الشر بعد السائل الطالب للخير، وذكرهما جميعاً بعد ذكر الداعي الذي يتناولهما وغيرهما، فهو من باب عطف الخاص على العام.
قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي} [البقرة: 186].
وكل سائل راغب راهب، فهو عابد للمسئول، وكل عابد له فهو أيضاً راغب وراهب، يرجو رحمته ويخاف عذابه، فكل عابد سائل، وكل سائل عابد.
فأحد الاسمين يتناول الآخر عند تجرده عنه، ولكن إذا جمع بينهما: فإنه يراد بالسائل الذي يطلب جلب المنفعة ودفع المضرة بصيغ السؤال والطلب، ويراد بالعابد من يطلب ذلك بامتثال الأمر، وإن لم يكن في ذلك صيغ سؤال.
والعابد الذي يريد وجه اللّه، والنظر إليه هو أيضاً راج خائف راغب راهب: يرغب في حصول مراده، ويرهب من فواته، قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} [الأنبياء: 90]، وقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} [السجدة: 16]، ولا يتصور أن يخلو داع للّه دعاء عبادة أو دعاء مسألة من الرغب والرهب، من الخوف والطمع.
وما يذكر عن بعض الشيوخ أنه جعل الخوف والرجاء من مقامات العامة، فهذا قد يفسر مراده بأن المقربين يريدون وجه اللّه، فيقصدون التلذذ بالنظر إليه، وإن لم يكن هناك مخلوق يتلذذون به، وهؤلاء يرجون حصول هذا المطلوب، ويخافون حرمانه، فلم يخلوا عن الخوف والرجاء، لكن مرجوهم ومخوفهم بحسب مطلوبهم.
ومن قال من هؤلاء: لم أعبدك شوقاً إلى جنتك ولا خوفاً من نارك، فهو يظن أن الجنة اسم لما يتمتع فيه بالمخلوقات، والنار اسم لما لا عذاب فيه إلا ألم المخلوقات، وهذا قصور وتقصير منهم عن فهم مسمى الجنة، بل كل ما أعده اللّه لأوليائه، فهو من الجنة والنظر إليه هو من الجنة؛ ولهذا كان أفضل الخلق يسأل اللّه الجنة، ويستعيذ به من النار، ولما سأل بعض أصحابه عما يقول في صلاته قال " إني أسأل اللّه الجنة، وأعوذ باللّه من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال حولها ندندن".
وقد أنكر على من قال هذا الكلام يعني: أسألك لذة النظر إلى وجهك فريق من أهل الكلام، ظنوا أن اللّه لا يتلذذ بالنظر إليه، وأنه لا نعيم إلا بمخلوق.
فغلط هؤلاء في معنى الجنة كما غلط أولئك، لكن أولئك طلبوا ما يستحق أن يطلب، وهؤلاء أنكروا ذلك.
وأما التألم بالنار، فهو أمر ضروري، ومن قال: لو أدخلني النار لكنت راضياً، فهو عزم منه على الرضا.
والعزائم قد تنفسخ عند وجود الحقائق، ومثل هذا يقع في كلام طائفة مثل سمنون الذي قال:
وليس لي في سواك حظ ** فكيف ما شئت فامتحني
فابتلى بعسر البول فجعل يطوف على صبيان المكاتب ويقول: ادعوا لعمكم الكذاب، قال تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تََمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران: 143].
وبعض من تكلم في علل المقامات، جعل الحب والرضا والخوف والرجاء، من مقامات العامة بناء على مشاهدة القدر، وأن من شهد القدر فشهد توحيد الأفعال حتى فني من لم يكن، وبقى من لم يزل، يخرج عن هذه الأمور، وهذا كلام مستدرك حقيقة وشرعاً.
أما الحقيقة، فإن الحي لا يتصور ألا يكون حساساً محباً لما يلائمه، مبغضاً لما ينافره، ومن قال إن الحي يستوى عنده جميع المقدورات، فهو أحد رجلين، إما أنه لا يتصور ما يقول بل هو جاهل، وإما أنه مكابر معاند، ولو قدر أن الإنسان حصل له حال أزال عقله سواء سمي اصطلاماً، أو محوا، أو فناء، أو غشياً، أو ضعفاً فهذا لم يسقط إحساس نفسه بالكلية، بل له إحساس بما يلائمه وما ينافره، وإن سقط إحساسه ببعض الأشياء، فإنه لم يسقط بجميعها.
فمن زعم أن المشاهد لتوحيد الربوبية يدخل إلى مقام الجمع، والفناء، فلا يشهد فرقاً فإنه غالط، بل لابد من الفرق، فإنه أمر ضروري.
لكن إذا خرج عن الفرق الشرعي بقى في الفرق الطبيعي، فيبقى متبعاً لهواه لا مطيعاً لمولاه.
ولهذا لما وقعت هذه المسألة،بين الجنيد وأصحابه ذكر لهم الفرق الثاني،وهو: أن يفرق بين المأمور والمحظور، وبين ما يحبه اللّه وما يكرهه، مع شهوده للقدر الجامع، فيشهد الفرق في القدر الجامع.
ومن لم يفرق بين المأمور والمحظور، خرج عن دين الإسلام.
وهؤلاء الذين يتكلمون في الجمع لا يخرجون عن الفرق الشرعي بالكلية، وإن خرجوا عنه كانوا كفاراً من شر الكفار، وهم الذين يخرجون إلى التسوية بين الرسل وغيرهم، ثم يخرجون إلى القول بوحدة الوجود، فلا يفرقون بين الخالق والمخلوق، ولكن ليس كل هؤلاء ينتهون إلى هذا الإلحاد، بل يفرقون من وجه دون وجه فيطيعون اللّه ورسوله تارة، ويعصون اللّه ورسوله تارة، كالعصاة من أهل القبلة.
وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أن لفظ الدعوة والدعاء، يتناول هذا وهذا، قال اللّه تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10]، وفي الحديث" أفضل الذكر لا إله إلا اللّه، وأفضل الدعاء الحمد للّه" رواه ابن ماجه وابن أبي الدنيا.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره "دعـوة أخي ذي النون" {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]، ما دعا بها مكروب إلا فرج اللّه كربته)، سماها دعوة، لأنها تتضمن نوعي الدعاء.
فقوله لا إله إلا أنت اعتراف بتوحيد الإلهية.
وتوحيد الإلهية يتضمن أحد نوعي الدعاء، فإن الإله هو المستحق؛ لأن يدعي دعاء عبادة، ودعاء مسألة، وهو اللّه لا إله إلا هو.
وقوله: {إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} اعتراف بالذنب، وهو يتضمن طلب المغفرة، فإن الطالب السائل تارة يسأل بصيغة الطلب، وتارة يسأل بصيغة الخبر، إما بوصف حاله، وإما بوصف حال المسئول، وإما بوصف الخالين.
كقول نوح عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [هود: 47] فهذا ليس صيغة طلب، وإنما هو إخبار عن اللّه أنه إن لم يغفر له ويرحمه خسر.
ولكن هذا الخبر يتضمن سؤال المغفرة، وكذلك قول آدم عليه السلام: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]، هو من هذا الباب، ومن ذلك قول موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]، فإن هذا وصف لحاله بأنه فقير إلى ما أنزل اللّه إليه من الخير، وهو متضمن لسؤال اللّه إنزال الخير إليه.
وقد روى الترمذي، وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من شغله قراءة القرآن عن ذكري ومسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، ورواه مالك بن الحويرث وقال "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"، وأظن البيهقي رواه مرفوعاً بهذا اللفظ.
وقد سئل سفيان بن عيينة عن قوله "أفضل الدعاء يوم عرفة: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" فذكر هذا الحديث وأنشد قول أمية بن أبي الصلت يمدح ابن جُدْعَان:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ** حباؤك أن شيمتك الحباء
إذا أثنى عليك المرء يومـــا ** كفاه من تعرضه الثنــاء
قال: فهذا مخلوق يخاطب مخلوقاً، فكيف بالخالق تعالى.
ومن هذا الباب الدعاء المأثور عن موسى عليه السلام : (اللّهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان) فهذا خبر يتضمن السؤال.
ومن هذا الباب قول أيوب عليه السلام: {أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]، فوصف نفسه، ووصف ربه بوصف يتضمن سؤال رحمته بكشف ضره، وهي صيغة خبر تضمنت السؤال.
و هذا من باب حسن الأدب في السؤال والدعاء، فقول القائل لمن يعظمه، ويرغب إليه: أنا جائع، أنا مريض، حسن أدب في السؤال.
وإن كان في قوله: أطعمني، وداوني، ونحو ذلك، مما هو بصيغة الطلب، طلب جازم من المسئول، فذاك فيه إظهار حاله وإخباره على وجه الذل والافتقار المتضمن لسؤال الحال، وهذا فيه الرغبة التامة والسؤال المحض بصيغة الطلب.
وهذه الصيغة صيغة الطلب والاستدعاء إذا كانت لمن يحتاج إليه الطالب، أو ممن يقدر على قهر المطلوب منه ونحو ذلك، فإنها تقال على وجه الأمر: إما لما في ذلك من حاجة الطالب، وإما لما فيه من نفع المطلوب، فأما إذا كانت من الفقير من كل وجه للغني من كل وجه، فإنها سؤال محض بتذلل، وافتقار، وإظهار الحال.
ووصف الحاجة والافتقار هو سؤال بالحال، وهو أبلغ من جهة العلم والبيان.
وذلك أظهر من جهة القصد والإرادة؛ فلهذا كان غالب الدعاء من القسم الثاني، لأن الطالب السائل يتصور مقصوده ومراده، فيطلبه ويسأله، فهو سؤال بالمطابقة والقصد الأول.
وتصريح به باللفظ، وإن لم يكن فيه وصف لحال السائل والمسؤول، فإن تضمن وصف حالهما كان أكمل من النوعين، فإنه يتضمن الخبر والعلم المقتضى للسؤال والإجابة، ويتضمن القصد والطلب الذي هو نفس السؤال، فيتضمن السؤال والمقتضى له والإجابة كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه لما قال له علمني دعاء أدعو به في صلاتي، فقال "قل: اللّهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم".
أخرجاه في الصحيحين.
فهذا فيه وصف العبد لحال نفسه المقتضى حاجته إلى المغفرة، وفيه وصف ربه الذي يوجب، أنه لا يقدر على هذا المطلوب غيره، وفيه التصريح بسؤال العبد لمطلوبه، وفيه بيان المقتضى للإجابة، وهو وصف الرب بالمغفرة، والرحمة، فهذا ونحوه أكمل أنواع الطلب.
الإجابة: سُئلَ شَيْخُ الإِسْلام ابن تيمية قدس اللّه روحه عن قول النبي صلى الله عليه وسلم "دعوة أخي ذي النون" {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء: 87]"ما دعا بها مكروب إلا فرج اللّه كربته" ما معنى هذه الدعوة؟ ولم كانت كاشفة للكرب؟ وهل لها شروط باطنة عند النطق بلفظها؟ وكيف مطابقة اعتقاد القلب لمعناها.
حتى يوجب كشف ضره؟ وما مناسبة ذكره: {إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ}، مع أن التوحيد يوجب كشف الضر؟ وهل يكفيه اعترافه، أم لابد من التوبة والعزم في المستقبل؟ وما هو السر في أن كشف الضر وزواله يكون عند انقطاع الرجاء عن الخلق والتعلق بهم؟ وما الحيلة في انصراف القلب عن الرجاء للمخلوقين، والتعلق بهم بالكلية، وتعلقه باللّه تعالى ورجائه وانصرافه إليه بالكلية، وما السبب المعين على ذلك ؟
فأجاب:
الحمد للّه رب العالمين، لفظ الدعاء والدعوة في القرآن يتناول معنيين: دعاء العبادة، ودعاء المسألة.
قال اللّه تعالى: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ} [الشعراء: 213]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117]، وقال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [القصص: 88]، وقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن: 19]، وقال: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً} [النساء: 117]، وقال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} [الرعد: 14]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68]، وقال في آخر السورة: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77].
قيل: لولا دعاؤكم إياه، وقيل: لولا دعاؤه إياكم. فإن المصدر يضاف إلى الفاعل تارة، وإلى المفعول تارة، ولكن إضافته إلى الفاعل أقوى؛ لأنه لابد له من فاعل؛ فلهذا كان هذا أقوى القولين أي: ما يعبأ بكم لولا أنكم تدعونه فتعبدونه، وتسألونه: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} [الفرقان: 77] أي: عذاب لازم للمكذبين.
ولفظ الصلاة في اللغة: أصله الدعاء، وسميت الصلاة دعاء لتضمنها معنى الدعاء، وهو العبادة والمسألة.
وقد فسر قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، بالوجهين، قيل: اعبدوني وامتثلوا أمري أستجب لكم.
كما قال تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشورى: 26] أي: يستجيب لهم، وهو معروف في اللغة، يقال: استجابه واستجاب له، كما قال الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ** فلم يستجبه عند ذاك مجيب
وقيل: سلوني أعطكم.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" فذكر أولاً لفظ الدعاء، ثم ذكر السؤال والاستغفار.
والمستغفر سائل كما أن السائل داع، لكن ذكر السائل؛ لدفع الشر بعد السائل الطالب للخير، وذكرهما جميعاً بعد ذكر الداعي الذي يتناولهما وغيرهما، فهو من باب عطف الخاص على العام.
قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي} [البقرة: 186].
وكل سائل راغب راهب، فهو عابد للمسئول، وكل عابد له فهو أيضاً راغب وراهب، يرجو رحمته ويخاف عذابه، فكل عابد سائل، وكل سائل عابد.
فأحد الاسمين يتناول الآخر عند تجرده عنه، ولكن إذا جمع بينهما: فإنه يراد بالسائل الذي يطلب جلب المنفعة ودفع المضرة بصيغ السؤال والطلب، ويراد بالعابد من يطلب ذلك بامتثال الأمر، وإن لم يكن في ذلك صيغ سؤال.
والعابد الذي يريد وجه اللّه، والنظر إليه هو أيضاً راج خائف راغب راهب: يرغب في حصول مراده، ويرهب من فواته، قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} [الأنبياء: 90]، وقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} [السجدة: 16]، ولا يتصور أن يخلو داع للّه دعاء عبادة أو دعاء مسألة من الرغب والرهب، من الخوف والطمع.
وما يذكر عن بعض الشيوخ أنه جعل الخوف والرجاء من مقامات العامة، فهذا قد يفسر مراده بأن المقربين يريدون وجه اللّه، فيقصدون التلذذ بالنظر إليه، وإن لم يكن هناك مخلوق يتلذذون به، وهؤلاء يرجون حصول هذا المطلوب، ويخافون حرمانه، فلم يخلوا عن الخوف والرجاء، لكن مرجوهم ومخوفهم بحسب مطلوبهم.
ومن قال من هؤلاء: لم أعبدك شوقاً إلى جنتك ولا خوفاً من نارك، فهو يظن أن الجنة اسم لما يتمتع فيه بالمخلوقات، والنار اسم لما لا عذاب فيه إلا ألم المخلوقات، وهذا قصور وتقصير منهم عن فهم مسمى الجنة، بل كل ما أعده اللّه لأوليائه، فهو من الجنة والنظر إليه هو من الجنة؛ ولهذا كان أفضل الخلق يسأل اللّه الجنة، ويستعيذ به من النار، ولما سأل بعض أصحابه عما يقول في صلاته قال " إني أسأل اللّه الجنة، وأعوذ باللّه من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال حولها ندندن".
وقد أنكر على من قال هذا الكلام يعني: أسألك لذة النظر إلى وجهك فريق من أهل الكلام، ظنوا أن اللّه لا يتلذذ بالنظر إليه، وأنه لا نعيم إلا بمخلوق.
فغلط هؤلاء في معنى الجنة كما غلط أولئك، لكن أولئك طلبوا ما يستحق أن يطلب، وهؤلاء أنكروا ذلك.
وأما التألم بالنار، فهو أمر ضروري، ومن قال: لو أدخلني النار لكنت راضياً، فهو عزم منه على الرضا.
والعزائم قد تنفسخ عند وجود الحقائق، ومثل هذا يقع في كلام طائفة مثل سمنون الذي قال:
وليس لي في سواك حظ ** فكيف ما شئت فامتحني
فابتلى بعسر البول فجعل يطوف على صبيان المكاتب ويقول: ادعوا لعمكم الكذاب، قال تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تََمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران: 143].
وبعض من تكلم في علل المقامات، جعل الحب والرضا والخوف والرجاء، من مقامات العامة بناء على مشاهدة القدر، وأن من شهد القدر فشهد توحيد الأفعال حتى فني من لم يكن، وبقى من لم يزل، يخرج عن هذه الأمور، وهذا كلام مستدرك حقيقة وشرعاً.
أما الحقيقة، فإن الحي لا يتصور ألا يكون حساساً محباً لما يلائمه، مبغضاً لما ينافره، ومن قال إن الحي يستوى عنده جميع المقدورات، فهو أحد رجلين، إما أنه لا يتصور ما يقول بل هو جاهل، وإما أنه مكابر معاند، ولو قدر أن الإنسان حصل له حال أزال عقله سواء سمي اصطلاماً، أو محوا، أو فناء، أو غشياً، أو ضعفاً فهذا لم يسقط إحساس نفسه بالكلية، بل له إحساس بما يلائمه وما ينافره، وإن سقط إحساسه ببعض الأشياء، فإنه لم يسقط بجميعها.
فمن زعم أن المشاهد لتوحيد الربوبية يدخل إلى مقام الجمع، والفناء، فلا يشهد فرقاً فإنه غالط، بل لابد من الفرق، فإنه أمر ضروري.
لكن إذا خرج عن الفرق الشرعي بقى في الفرق الطبيعي، فيبقى متبعاً لهواه لا مطيعاً لمولاه.
ولهذا لما وقعت هذه المسألة،بين الجنيد وأصحابه ذكر لهم الفرق الثاني،وهو: أن يفرق بين المأمور والمحظور، وبين ما يحبه اللّه وما يكرهه، مع شهوده للقدر الجامع، فيشهد الفرق في القدر الجامع.
ومن لم يفرق بين المأمور والمحظور، خرج عن دين الإسلام.
وهؤلاء الذين يتكلمون في الجمع لا يخرجون عن الفرق الشرعي بالكلية، وإن خرجوا عنه كانوا كفاراً من شر الكفار، وهم الذين يخرجون إلى التسوية بين الرسل وغيرهم، ثم يخرجون إلى القول بوحدة الوجود، فلا يفرقون بين الخالق والمخلوق، ولكن ليس كل هؤلاء ينتهون إلى هذا الإلحاد، بل يفرقون من وجه دون وجه فيطيعون اللّه ورسوله تارة، ويعصون اللّه ورسوله تارة، كالعصاة من أهل القبلة.
وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أن لفظ الدعوة والدعاء، يتناول هذا وهذا، قال اللّه تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10]، وفي الحديث" أفضل الذكر لا إله إلا اللّه، وأفضل الدعاء الحمد للّه" رواه ابن ماجه وابن أبي الدنيا.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره "دعـوة أخي ذي النون" {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]، ما دعا بها مكروب إلا فرج اللّه كربته)، سماها دعوة، لأنها تتضمن نوعي الدعاء.
فقوله لا إله إلا أنت اعتراف بتوحيد الإلهية.
وتوحيد الإلهية يتضمن أحد نوعي الدعاء، فإن الإله هو المستحق؛ لأن يدعي دعاء عبادة، ودعاء مسألة، وهو اللّه لا إله إلا هو.
وقوله: {إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} اعتراف بالذنب، وهو يتضمن طلب المغفرة، فإن الطالب السائل تارة يسأل بصيغة الطلب، وتارة يسأل بصيغة الخبر، إما بوصف حاله، وإما بوصف حال المسئول، وإما بوصف الخالين.
كقول نوح عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [هود: 47] فهذا ليس صيغة طلب، وإنما هو إخبار عن اللّه أنه إن لم يغفر له ويرحمه خسر.
ولكن هذا الخبر يتضمن سؤال المغفرة، وكذلك قول آدم عليه السلام: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]، هو من هذا الباب، ومن ذلك قول موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]، فإن هذا وصف لحاله بأنه فقير إلى ما أنزل اللّه إليه من الخير، وهو متضمن لسؤال اللّه إنزال الخير إليه.
وقد روى الترمذي، وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من شغله قراءة القرآن عن ذكري ومسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، ورواه مالك بن الحويرث وقال "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"، وأظن البيهقي رواه مرفوعاً بهذا اللفظ.
وقد سئل سفيان بن عيينة عن قوله "أفضل الدعاء يوم عرفة: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" فذكر هذا الحديث وأنشد قول أمية بن أبي الصلت يمدح ابن جُدْعَان:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ** حباؤك أن شيمتك الحباء
إذا أثنى عليك المرء يومـــا ** كفاه من تعرضه الثنــاء
قال: فهذا مخلوق يخاطب مخلوقاً، فكيف بالخالق تعالى.
ومن هذا الباب الدعاء المأثور عن موسى عليه السلام : (اللّهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان) فهذا خبر يتضمن السؤال.
ومن هذا الباب قول أيوب عليه السلام: {أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]، فوصف نفسه، ووصف ربه بوصف يتضمن سؤال رحمته بكشف ضره، وهي صيغة خبر تضمنت السؤال.
و هذا من باب حسن الأدب في السؤال والدعاء، فقول القائل لمن يعظمه، ويرغب إليه: أنا جائع، أنا مريض، حسن أدب في السؤال.
وإن كان في قوله: أطعمني، وداوني، ونحو ذلك، مما هو بصيغة الطلب، طلب جازم من المسئول، فذاك فيه إظهار حاله وإخباره على وجه الذل والافتقار المتضمن لسؤال الحال، وهذا فيه الرغبة التامة والسؤال المحض بصيغة الطلب.
وهذه الصيغة صيغة الطلب والاستدعاء إذا كانت لمن يحتاج إليه الطالب، أو ممن يقدر على قهر المطلوب منه ونحو ذلك، فإنها تقال على وجه الأمر: إما لما في ذلك من حاجة الطالب، وإما لما فيه من نفع المطلوب، فأما إذا كانت من الفقير من كل وجه للغني من كل وجه، فإنها سؤال محض بتذلل، وافتقار، وإظهار الحال.
ووصف الحاجة والافتقار هو سؤال بالحال، وهو أبلغ من جهة العلم والبيان.
وذلك أظهر من جهة القصد والإرادة؛ فلهذا كان غالب الدعاء من القسم الثاني، لأن الطالب السائل يتصور مقصوده ومراده، فيطلبه ويسأله، فهو سؤال بالمطابقة والقصد الأول.
وتصريح به باللفظ، وإن لم يكن فيه وصف لحال السائل والمسؤول، فإن تضمن وصف حالهما كان أكمل من النوعين، فإنه يتضمن الخبر والعلم المقتضى للسؤال والإجابة، ويتضمن القصد والطلب الذي هو نفس السؤال، فيتضمن السؤال والمقتضى له والإجابة كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه لما قال له علمني دعاء أدعو به في صلاتي، فقال "قل: اللّهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم".
أخرجاه في الصحيحين.
فهذا فيه وصف العبد لحال نفسه المقتضى حاجته إلى المغفرة، وفيه وصف ربه الذي يوجب، أنه لا يقدر على هذا المطلوب غيره، وفيه التصريح بسؤال العبد لمطلوبه، وفيه بيان المقتضى للإجابة، وهو وصف الرب بالمغفرة، والرحمة، فهذا ونحوه أكمل أنواع الطلب.