لم كان أو صار الوهابيون سبة([1])
وقفت في عدد 40 من جريدة الرشاد على مقال عنوانه: متزعم الوهابيين بقسنطينة، بإمضاء طلاع الثنايا، فتستر بهذه الاستعارة التصريحية لأن العلاقة بينه وبين الحجاج هي المشابهة، ولكن الحجاج تمثل به في موقف الخطابة ظاهرا وهو شجاع ولم يتوار([2])، ومقصودي الآن شيء واحد وهو جعل الوهابيين سبة، فلا أناقش الكاتب في غير هذا بالرغم من تصريحه أيضا بأنا معشر الإصلاحيين بالجزائر وهابيون إلحاديون، وأن الشيخ باديس شيخهم، فالبينة على المدعي واليمين على من أنكر فلله در القائل:
يقولون أقوالا ولا يعرفونها *** إذا قيل هاتوا حققوا لم يحققوا.
بل اللهم صل على القائل: «إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْت»([3])، والقائل: «وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَسْخَطُ اللَّهُ بِهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ»([4])، وعلى القائل: «وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ، حبس في رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يأتي بالمخرُجَ مِمَّا قَالَ». رواه الحاكم في المستدرك([5]).
وعليه فأهل العلم عموما وأهل الإسلام قاطبة يعلمون أن الوهابيين حنبليين من أهل السنة والجماعة، ومن المذاهب الأربعة المجمع عليها، والشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد مذهب الإمام أحمد مع ترجيح مذهب السلف وكتابه في العقيدة التوحيدية([6]) يباع بمكتبة ردوسي بمدينة الجزائر، و لا يستطيع سني أن يرد فيه كلمة ولا نصف كلمة، وأن الوهابيين بإجماع الأمة مسلمون سنيون، من أهل القبلة.
ونلفت نظر طلاع الثنايا الذي لم نر له فيما تقدم ثنية طلعها إلا هذه أن يطالع ما كتبنا في الموضوع في جريدة لسان الدين تاريخ 7 مارس عدد 70 ([7]) وإذا بعد عنه لسان الدين فليراجع الاستقصاء لأخبار المغرب الأقصى([8]) كتاب جليل ولاشك أن لم يطلع عليه، وإلا لوجم ولا نقول له أيضا راجع رسالة العلامة ابن حمدون إلى الوهابيين وإلى علماء تونس، و كذلك لو اطلع على ما كتب الكاتب العمراني المجيد الأستاذ محمد فريد وجدي في كتابه كنز العلوم واللغة([9]) وإلى ... وكذلك نقول له راجع ما كتب مؤلف غاية الأماني في الرد على النبهاني([10])، و مؤلفه شافعي، و كذلك ما كتب مؤلف (صيانة الإنسان، عن وسوسة الشيخ دحلان) ([11]).
ثم ليحمل على الوهابيين خصوصا، والإصلاحيين عموما، ولكن الجهل أو السياسة لعنة الله عليها تفعل أكثر من هذا من رقة الديانة والاستخفاف بها ولا عجب وبالأمس قال قائلكم في جريدته: «إذا أحببنا أن نفلح معشر الجزائريين فلنجعل سورا من حديد بيننا وبين المشارقة»، ويعني بالمشارقة أهل تونس ومصر والشام والعراقيين والحجاز أو كما قال، حتى لقد قلت عند اطلاعي على ذلك: «الحمد لله إذا لم يقل نجعل بيننا وبين القبلة سورا من حديد ونصلي إلى الغرب لأن الشمس تطلع من الغرب»، ولكن أين عقيدتنا نحن الإصلاحيين؟ إنها إذا طلعت من الغرب انغلق باب التوبة عياذا بالله.
وبالجملة إن سياستكم هذه تملى عليكم بكرة وأصيلا لقطع الصلات بين الإخوان المسلمين والصلة تنادي: «اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنِي ، وَاقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي»([12])، ثم أقول لك يا طلاع القطيعة ويا جاهل السياسة ويا مخرب بيته بيده ماذا تعير به الوهابيين وتجعلهم سبة؟ ألا أنهم هدموا القبب والمزارات فقد حرمها مالك، لأنهم لا يدعون الأموات، و لا يطلبون منهم قضاء الحاجات فقد قال مالك في المبسوط: « لَا أَرَى أَنْ يَقِفَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوَ؛ بَلْ يُسَلِّمَ فَيَنْصَرِفَ»، ألا إنهم لا يقولون بالقطب والغوث والديوان وتصرف الأولياء الأموات فراجعوا ابن خلدون وراجعوا الشيخ عليش في فتاويه يقول: «إن الأموات من الأولياء لا يتصرفون»، ألا إنهم نفوا الديوان وهو مبتدع ولم يقل به سلف الأمة إنما هو والقطب من محدثات الشيعة الرافضة راجعوا ابن خلدون وردوا عليه، وعلى صاحب المختصر القائل: «كراهة بناء القبور وتبييضها»([13])، وراجعوا ما قال الدسوقي على ذلك: «وإن القبر إذا جصص لا يسمع النداء و لا يرى من يزوره»([14]) وأورد الحديث في ذلك([15]). فالطاعن في الوهابيين طاعن في مالك وفي أتباعه المعتبرين الصادقين مثلنا لا مثلكم.
أم تطعنون في الوهابيين لأنهم دولة مستقلة حائزة للحرمين الشريفين ليسوا أسرى مستعمرين أم أم ؟؟؟ أم لأنهم طهروا الحجاز من مفاسد الدولة التركية من السلب والنهب والقتل في الحرم وشرب الخمور والزنا والفسوق والعصيان فطهروا الحجاز وبيت الله وبيت النبي من هذه المخازي التي استمرت مدة ولاية تركية وإخواننا الشرفاء؟ أم لأنهم اتفقوا مع ملك العراق وملك مصر على الدفاع عن فلسطين؟ وهكذا الركض والخبط في السياسة التي تملى عليكم من شياطينكم وهكذا قطع الصلة مع عشرة ملايين من شجعان أهل الحجاز الذين عجزت عنهم تركية مدة خمسة قرون ولم تذلهم وتغتبطهم الآن الدول الإفرنجية في ذلك الأمن المنبث بسبب رجوعهم إلى إقامة الحدود الشرعية الإسلامية التي حادت عنها تركية، وبالجملة إنك يا طلاع الثنايا تستطيع أن تناظر الوهابيين، فأرجوك أن تخاطب القصيمي صاحب كتاب «الصراع بين الإسلام والوثنية»([16]) أو أبا السمح الشاب الموجود الآن بمصر بله أبا السمح الإمام بالمسجد الحرام، فسوف ترى إذا انجلى الغبار فرس تحتك أم حمار، وأما ابن باديس ومن معه ممن عيرتهم أنهم وهابيون وهم كثيرون في تونس والجزائر يعدون بالميآت وتلاميذه منتشرون في هذين القطرين فشافههم أو جابههم وأقرع الحجة بالحجة، وهؤلاء معروفون عندك وقل ماشئت وكن مستقلا بالرأي ولا تركن إلى ... أو تنتصر وتستجر بمن لا يخفى عليك.
هذا ما أقول لك مختتما و مؤكدا إن طعنك في الوهابيين طعن بمالك سواء بسواء شعرت أم لم تشعر، وأنك أرضيت من يرضى ويحب قطع الصلات بين المسلمين عموما والعرب خصوصا وشققت الله ورسوله، وبالتالي هلا اقتديت بالكاثوليك الفرنسي الذين أبوا أن يقطعوا الصلات التي بينهم وبين كاثوليك الألمان والطليان والأمريك من المكسيك وغيرها لأن الدين دين والسياسة سياسة فأنت قد أخطأت فيهما وتب أنت ومن معك ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[الحجرات:11].
ملحق: هذا جواب إلى طعنكم فينا معشر الإصلاحيين أنا وهابيون متشددين قول الشافعي:
إن كان رفضًا حـب آل محمد **** فليشهد الثقلان أني رافضي([17]).
وأما طعنكم فينا أنا موعز إلينا من إيطاليا أو ألمانيا أو من البلاشفة (موسكو) فلمنة الله على من يتهمنا بهم إن لم يقم البينة ولعنة الكاذبين واضحة مفتوحة في رسم القرآن.
أبو يعلى الزواوي.
========
([1]): البصائر العدد: (167): 6 ربيع الثاني 1358 ه / 26 مايو 1939م، (ص: 2).
([2]): قالها في خطبته المشهورة لأهل العراق حين قالوا عنه: ما يمنعه من الكلام إلا العي والحصر، فقام – أي الحجاج - فحدر لثامه، وقال: يا أهل العراق! أنا الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود.
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا*** متى أضع العمامة تعرفوني.
وهذا مثل مشهور يضرب للمشهور المتعلم. وهو من قول سحيم بن وثيل الرياحي كما في مجمع الأمثال للميداني.
وجاء في اللسان: «أنا ابن جلا وطلاع الثنايا: أي أنا الظاهر الذي لا يخفى، وكل أحد يعرفني. ويقال للسيد: ابن جلا. وقال سيبويه: جلا فعل ماض، كأنه بمعنى جلا الأمور أي: أوضحها وكشفها».
([3]): رواه البخاري (3483)، و(3484)، و(6120).
([4]):رواه أحمد (15425) والترمذي (2319) وابن ماجه (3969) عن بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ.
([5]): رواه أبو داود (3597) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (6196).
([6]): وهو كتاب التوحيد.
([7]): كما نشر عدة مقالات حول الوهابية من بينها مقال بعنوان ( الوهابيون سنيون، وليسوا بمعتزلة كما يقولون هنا عندنا بالجزائر) نشره في (العدد 98) من في جريدة الشهاب (2 ذي القعدة 1345 هـ / 26 مايو 1927 م، ص: 2)، ومقال بعنوان (وهابي) نشر في (العدد 6) من جريدة الصراط السوي (4 رجب 1352 هـ / 23 أكتوبر 1933م، ص: 4)، وتكملة هذا المقال في (العدد 7) من جريدة الصراط السوي (11 رجب 1352هـ / 30 أكتوبر 1933م، ص: 7).
([8]): من تأليف المؤرخ المغربي أبو العباس احمد بن خالد الناصرى.
([9]):محمد فريد وجدي كاتب مصري من أصول شركسية ولد في مدينة الإسكندرية بمصر سنة 1878م / 1295 هـ وتوفى بالقاهرة سنة 1954م / 1373 هـ. وقد عمل على تحرير مجلة الأزهر، له العديد من المؤلفات ذات طابع ديني ووثائقي ومن أهم كتبه كتاب كنز العلوم واللغة وكتاب دائرة معارف القرن الرابع عشر الهجري والعشرين الميلادي وتقع في عشرة مجلدات.
([10]):لمحمود شكري الألوسي.
([11]): للشيخ محمد بشير السهسواني الهندي، و قد كتب الشيخ الزواوي في (العدد 79) من البصائر (12 جمادى الآخرة 1357 هـ / 20 أوت 1937 م ، ص 4 – 5) مقالا يثني فيه على هذا الكتاب، وعلى «كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني»، يحث فيه – أي المقال- طلبة العلم على اقتنائها والإطلاع عليها لما فيها من حق.
([12]): شرح السنة للبغوي (13/22) تحقيق الأرنؤوط وأبو داود (1694) في الزكاة: باب في صلة الرحم، والترمذي (1908) في البر والصلة: باب ما جاء في قطيعة الرحم، وقال الأرنؤوط إسناده صحيح.
([13]): مختصر خليل (ص:55) ط. دار الفكر.
([14]): حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/424-425).
([15]): وهو حديث: «إذا طين القبر لم يسمع صاحبه الأذان ولا الدعاء ولا يعلم من يزوره». لم أقف عليه.
([16]): ألف هذا الكتاب قبل أن ينتكس على عقبيه ويصبح ملحدا والله المستعان.
([17]):انظر: مناقب الشافعي للبيهقي (2 / 71)، وطبقات الشافعية للسبكي (1 / 299)، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي (17 / 320).