كلما أقبل علينا أحد الأشهر الحرم ( ذي القعدة ، ذي الحجة ، محرم ، رجب )

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,286
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر



الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرض والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا


أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ـ وبعد

قال الله تعالى
{ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات
وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ
الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
}[التوبة : 36]

كلما أقبل علينا أحد الأشهر الحرم ؛
( ذي القعدة ، ذي الحجة ، محرم ، رجب )
نتذكر خطاب الله لنا :
{ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ }​

فهذه الآيةُ الكريمة مُتَضَمِّنَةٌ لِحِكَمٍ جليلة، وأحكامٍ عظيمة:

* فقولُهُ -تعالى-: {فلا تظلموا}: عامٌّ شامِلٌ لجميعِ أنواعِ الظُّلْمِ؛
ــ « فإنَّ كُلَّ ما نَهَى اللهُ عنهُ راجعٌ إلى الظُّلْم » -كما قالَ شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّةَ في «الفتاوى الكُبرى» (1/89)-.
ــ و«جُمَّاع السيِّئات الظُّلم -وهذا أصلٌ جامعٌ عظيمٌ-» -كما في «مجموع الفتاوى» (1/86) -له- رحمهُ اللهُ-.
ــ وهو « قد يختصُّ بظُلم الإنسان نفسَه، وظُلمِ النّاس بعضهم بعضاً» -كما في «مجموع الفتاوى» (7/79)-أيضاً-.
ــ وقد نَسَبَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ في «مجموع الفتاوى» (8/507) إلى (كثيرٍ مِن أهل السُّنَّة، والحديث، والنُّظَّار) معنى (الظُّلْم)، وأنَّهُ: « وضعُ الشيءِ في غيرِ موضِعِهِ، ومِن ذلك: أنْ يَبْخَسَ المحسنَ شيئاً مِن حسناتِهِ؛ أو يحملَ عليه من سيِّئات غيرِه ».
** وقولُهُ -تعالى-: {فيهنَّ}؛ أيْ: الأشهر الحُرُم الأربع؛ كما قال الإمامُ النحَّاسُ في «معاني القُرآن» (3/206):
ــ « أكثرُ أهلِ التفسير على أنَّ المعنَى: فلا تظلموا في الأربعة أنفسَكم. وخصَّها تعظيماً ».
ــ وقال العلامةُ الشنقيطيُّ في «أضواء البيان» (6/147): «اعلَمْ أنَّ السيِّئةَ قد تعظُم، فيعظُم جزاؤها -بسبَبِ حُرمة الزَّمان-».
ــ ومع ذلك؛ فقد قال العلامةُ ابنُ عادِل في «اللُّباب في عُلوم الكِتاب» (10/86):
و«المُرادُ: منعُ الإنسان مِن الإقدام على الفسادِ في جميع العُمر».
ــ وهو كما قال الإمامُ القُرطبيُّ في «تفسيرِه» (8/134) -في الآيةِ-:
« ولها مَزِيَّةٌ في تعظيمِ الظُّلم؛ لا أنَّ الظُّلمَ في غيرِ هذه الأيَّام جائزٌ!».


*** وقولُهُ -تعالى-: {أنفسَكم}؛ الأصلُ حَمْلُهُ على العُمومِ؛ لِيشملَ (النَّفْسَ)، و(الغيرَ) -مِن الأُمَّة- جميعاً-.وهو على نَسَقِ قولِهِ -سبحانَه-: {فإذا دخلتُم بيوتاً فسلِّمُوا على أنفُسِكم} وقولِهِ -تعالى-: {إذ بَعَثَ فيهِم رسولاً مِن أنفسِهم}؛ فالأُمَّةُ -جميعاً- كالنَّفْسِ الواحدةِ مِن الجسد الواحد:
فظلمُها ممنوعٌ لذاتِها -أصالةً-، وظُلْمُها ممنوعٌ لغيرِها -ممّا هو في موضعِ نفسِها -تَبَعاً-.ولا شكَّ أنَّ مَن ظلمَ غيرَهُ فقد ظَلَمَ نفسَه
* * * * * * * * *
وما أجملَ ما قالَهُ الإمامُ ابنُ الجَوْزِيُّ في «التبصرة» (2/31) -
مُخاطِباً الضمائرَ، شاحِذاً الهِمَم-:
هذه أوقات مُعَظَّمَة، وساعاتٌ مكرَّمة، وقد صيَّرْتُم ضُحاها بالذُّنُوبِ عَتَمةً! فبيِّضُوا بالتَّوْبَةِ صُحُفَكُم المُظْلِمة! فالمَلَكُ يكتُب خُطاكُم ونَفَسَكُم...
{ فلا تظلمُوا فيهنَّ أنفُسَكُم}
« لقد ضيَّعْتُم مُعْظَمَ السَّنَة؛ فدَعُو مِن الآن هذه السِّنَة! واسمعُوا المواعظَ فقد نَطَقَت بأَلْسِنَة! ودَعُوا الخطايا؛ فيكفي ما قد وكَسَكُم...
{فلا تظلموا فيهنَّ أنفُسَكُم}
« البِدَارَ البِدَارَ قبل الفَوْتِ !
الحِذَارَ الحِذَارَ؛ فقد قَرُبَ الموت!
اليقظةَ اليقظةَ؛ فقد أسمع الصوت، قبل أن يُضَيِّقَ الحِسابُ مَحْبَسَكُم...
{فلا تظلِمُوا فيهنَّ أنفُسَكُم}.

« لا بُدَّ أنْ تنطِقَ الجوارح، وتشهدَ عليكُم بالقبائح، فامْلأُوا الأوقاتَ بالعملِ الصَّالِح، فإنَّكُم إذا نَزَلْتُم بُطُونَ الصَّفائح آنَسَكُم...
{فلا تظلِمُوا فيهنَّ أنفُسَكُم}
« اعزمُوا -اليومَ- على تَرْكِ الذُّنُوب، واجتهِدُوا في إزالةِ العُيوب، واحْذَرُوا سَخَطَ علامِ الغُيوب، واكتُبوا على صَفَحات القُلوبِ مَجْلِسَكُم...
{فلا تَظْلِمُوا فيهنَّ أنفُسَكُم}...».
« الْتَزِمُوا حُدودَ الله -تعالى-، أقيموا فرائضَ الله، واجتَنِبُوا مَحارِمَهُ، أدُّوا الحُقوقَ فيما بينكم وبينَ ربِّكُم، وفيما بينكم وبين عبادِهِ.
« واعْلَمُوا أنَّ الشيطانَ قد قَعَدَ لابنِ آدمَ كُلَّ مرصدٍ، وأقسمَ للـهِ لَيَأْتِيَنَّهُم مِن بينِ أيديهم ومِن خلفِهم، وعن أَيْمانِهم وعن شمائِلِهم، ولا يجدُ أكثرَهُم شاكِرِين.
أقسمَ للـهِ بعزَّةِ اللـهِ ليُغْوِيَنَّهُم أجمعين؛ إلا عبادَ الله المُخْلَصِين.
إنَّ الشيطانَ لَحَرِيصٌ كُلَّ الحِرْصِ على إغْواءِ بَنِي آدمَ وإضلالِهم؛ يصدُّهُم عن دينِ الله ،يأمُرُهُم بالفحشاءِ والمُنكرِ، يُحَبِّبُ إليهم المعاصي، ويُكَرِّهُ إليهم الطاعاتِ:
يأتِيهِم مِن كُلِّ جانبٍ، ويقذفُهم بسهامِهِ مِن كُلِّ جهةٍ..» ([1]).
فراقِبُوا -إخوانَنا- ربَّكُم...
راقِبُوا أقلامَكُم...
راقِبُوا قُلوبَكُم...
{فلا تظلِمُوا فيهنَّ أنفُسَكُم}، ولا غيرَكُم:
بسُوءِ الظَّنِّ...
أو الكَذِبِ ...
أو الغِيبةِ ...
أو النَّمِيمة...
أو البَهْت...
أو التقليد...
أو التعصُّب...
أو عدم التثبُّت...
أو قالة السُّوء...
أو الفَرَح بالزَّلَّة...
أو تتَبُّع العَثرة...
أو التَّعالُم الباطِل...
أو العُجْب والتكبُّر...
أو الشِّدَّة والتَّجَبُّر...

والمُوَفَّقُ مَن وفَّقَهُ اللهُ -تعالى ، فاللهمَّ وفِّقْنا، وثَبِّتْنَا، وأكْرِمْنَا...


وجزى الله كل القائمين على هذا المنتدى المبارك خيرا الجزاء


والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.

أبو زيد أمين ليمان الجزائري​

اليوم الأحد 16 أغسطس 2015 م - 1 ذو القعدة 1436 هـ
* * * * * * * * *******************************************
([1]) «الضِّياء اللامِع» (ص704) -للشيخ ابنُ عثيمين -رحمهُ اللهُ-.
 
رد: كلما أقبل علينا أحد الأشهر الحرم ( ذي القعدة ، ذي الحجة ، محرم ، رجب )

نقلا عن منتديات التصفية و التربية.
 
رد: كلما أقبل علينا أحد الأشهر الحرم ( ذي القعدة ، ذي الحجة ، محرم ، رجب )

بارك الله فيك اخي على موضوع
 
رد: كلما أقبل علينا أحد الأشهر الحرم ( ذي القعدة ، ذي الحجة ، محرم ، رجب )

بارك الله فيك على التدكير و النصائح
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه
 
رد: كلما أقبل علينا أحد الأشهر الحرم ( ذي القعدة ، ذي الحجة ، محرم ، رجب )

بارك الله فيكم أخي الكريم،نسأل الله أن لا يجعلنا من الظالمين لأنفسهم
 
رد: كلما أقبل علينا أحد الأشهر الحرم ( ذي القعدة ، ذي الحجة ، محرم ، رجب )

ﺷﻜﺮﺁ ﺟﺰﻳﻼ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ ﻭﺍﻟﻤﻤﻴﺰ
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top