الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:فلا شك – أخي الشاب – أنك تبحث عن السعادة والراحة في الدنيا والآخرة، تريد أن تكون طائعًا لله ورسوله، بارًا بوالديك، مجدًا في دراستك، ذا سمعة طيبة ومكانة مح**** في أسرتك ومجتمعك، تطمح في المراتب العالية في الدنيا والدرجات العلى في الآخرة، تريد أن تخدم دينك ويعز الله بك أمتك وينفع بك بلدك، وفي نفس الوقت تنأى بنفسك أن تكون من سقط المتاع وهمج الناس لا تريد أن تكون عاصيًا لربك وعاقًا لوالديك، لا تريد أن تكون مدمن مخدرات ولا صاحب منكرات، ولا من نزلاء السجون أهل الجرائم والفضائح والمنكرات.
محطم الآمال ضائعًا تائهًا، لا هدف لك في الحياة، ولا أمل لك في العيش الكريم والحياة العزيزة، الوالد قد جفاك، والأخ وابن العم والخال قد قلاك، الكل يشمئز عند ذكرك ويود أن لا تصله بك أي صلة، يخجل أمام الناس إذا قيل له إنك ابن عمه أو ابن خاله، فضلاً أن تكون ابنه أو أخاه، وما هذا عيش الأحرار الكرام أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه العظام رضي الله عنهم وأرضاهم.
أخي الشاب: لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بتوفيق الله جل وعلا لك – فاسأله التوفيق والإعانة – ثم بالصديق الصالح والبُعد كل البُعد والحذر ثم الحذر من صديق السوء. فإن للصديق أثرًا عجيبًا وتأثيرًا غريبًا يسري في العقول كسريان السم في الجسوم.
وأقول ذلك بكل يقين وشاهدي في ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي تؤمن بهما وتعتز بهما وتصدق كل ما جاء فيهما وتعتقده حقا وعدلاًَ وأن فيهما الخير والسعادة للبشرية لو اتبعوا ما فيها، قال تعالى: [FONT="]}قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى[FONT="]{[/FONT][طه: 123 – 126].[/FONT]
فالكتاب والسنة قد أمرا بكل خير وحثا عليه، ونهيا عن كل شر وحذرا منه، وبينا وسائل الخير والشر، فلله الحمد والمنة، فأصغ إلى كتاب الله وإلى سُنة رسوله صلى الله عليه وسلم في بيان أثر الصديق.
تأمل أخي الشاب هذه الآيات، فها هم أهل النار يختصمون ويقسمون بأنهم لفي ضلال مبين حيث أشركوا بالله عز وجل، ثم عادوا بالملامة على أنفسهم وبينوا سبب ضلالهم، وأن الذين أضلوهم هم المجرمون، فهل ينفعهم المجرمون بشيء؟ كلا والله، فقد بين جل وعلا أنهم لا ينفعون بشيء، ولا يتحملون عنهم شيئًا من العذاب، قال تعالى: [FONT="]}وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ[FONT="]{[/FONT][غافر: 47 – 48]. [/FONT]
ثم يتذكرون فضل الصديق الصالح والأخ الناصح فيقولون: [FONT="]}فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ[FONT="]{[/FONT]، قال قتادة رحمه الله في تفسير هذه الآية: «يعلمون والله بأن الصديق إذا كان صالحًا نفع، وأن الحميم إذا كان صالحًا شفع».[/FONT]
تأمل يا صاحب العقل الرشيد والرأي السديد، لا تكن مثل هؤلاء المستضعفين ضعيفي الشخصية ضعيفي العقول، لا رأي لهم ولا عقل، بل الاتباع والتقليد الأعمى للفجرة والفسقة، والله جل وعلا يذكرنا بهذا الموقف يوم القيامة وقد انكشفت الحقائق وظهرت السرائر.
فها هم المستضعفون موقوفون عند ربهم للحساب والسؤال، ينحون باللائمة على المستكبرين، [FONT="]}لَوْلَا أَنْتُمْ[FONT="]{[/FONT] أي: لولا إضلالكم لنا، وتزيين الباطل ودعوتنا إليه بشتى الوسائل [FONT="]}[/FONT]لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ[FONT="]{[/FONT]. فقال الذين استكبروا متبرئين منهم ومن تبعتهم: [FONT="]}[/FONT]أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى[FONT="]{[/FONT]؟ أي: هل نحن أجبرناكم على الضلال، وإنما دعوناكم فاستجبتم [FONT="]}[/FONT]بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ[FONT="]{[/FONT] أي: أنكم مجرمون باتباعنا على الضلال، فأنتم جاءكم الهدى وعندكم عقول، ولكنكم عطلتم عقولكم واتبعتم شهواتكم التي دعوناكم إليها، فأي خسران وأي حسرة وندامة وهم يسمعون هذا الكلام، وهم يتبرءون منهم، ولا يغنون عنهم نصيبًا من النار [FONT="]}[/FONT]إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ[FONT="]{[/FONT][البقرة: 166]. [/FONT]
وهذه الآيات نزلت في أبي بن خلف وعقبة بن أُبي معيط، وكانا صديقين، وكان عقبة يجلس عند النبي صلى الله عليه وسلم ويسمع منه، فزجره صديقه أُبي بن خلف، وما زال به حتى ارتد عقبة عن الإسلام بسبب صديقه (أي خليله)، فأنزل الله هذه الآيات، تذكر حاله يوم القيامة وعضه على يديه من شدة الندم، كيف ترك سبيل النبي صلى الله عليه وسلم وترك طريق الجنة وتأثر بهذا الخليل والقرين السيئ!! يقول: [FONT="]}لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا[FONT="]{[/FONT]، ليتني ما صادقته ولا عرفته، لماذا؟ [FONT="]}[/FONT]لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ[FONT="]{[/FONT] عن الإسلام والهداية وطاعة الرحمن بعد أن أسلمت واهتديت. [/FONT]
أخي الشاب: إن هذه الآيات ليست خاصة بعقبة ولا بأُبي بن خلف، ولكنها عامة في كل صديق وخليل تأثر بخليله وعصى الله عز وجل، ولذا فتذكر الآيات اسم أُبَي بفلان [FONT="]}لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا[FONT="]{[/FONT]؛ لأنها عامة في كل صديقين أثر أحدهما في صاحبه فكفر بالله أو عصى الله عز وجل. فاحذر رعاك الله قرين السوء قبل أن نقول: [FONT="]}[/FONT]لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا[FONT="]{[/FONT].[/FONT]
وفي آية أخرى يتبرأ منه قرينه من شيطان الجن والإنس الذي كان يحثه على المعصية في الدنيا، قال تعالى: [FONT="]}حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ[FONT="]{[/FONT][الزخرف: 38].[/FONT]
أما الأدلة من السنة:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل السمك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا منتنة»[متفق عليه].
ففي هذا الحديث الشريف يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الجليس الصالح مثل بائع المسك، فأنت تستفيد منه لا محالة، فإما أن يهدي إليك أو تشتري منه، والأقل أن تجد منه ريحًا طيبة، والجليس الصالح يدلك على الخير ويحذرك مما يضرك في دينك ود**** وإما أن تكسب السمعة الطيبة في مصادقته.
بخلاف نافخ الكير، وهو مثل الجليس السوء الذي يحرق ثيابك، والجليس السوء يحرق دينك وأخلاقك، وإما أن تجد منه ريحًا كريهة، وهي السمعة السيئة عندما يُقال: فلان صديق لفلان، وقديمًا قيل:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
إن القرين بالمقارن يقتدي
ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يُخالل»[رواه أبو داود].
وإليك هذه القصة التي تبين أثر الصديق، وقد سبقها ذكر قصة عقبة وأُبي بن خلف، فقد ثبت في الصحيحين أن أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عم، قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله» فقالا له، عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فأعادا، فكان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله. فهذه القصة فيها أعظم العظة والعبرة على أثر الصديق والجليس السوء، فهذا أبو طالب يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم على حق وقد ناصره، وكان يحب النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه ابن أخيه وهو في سكرات الموت، والذي يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن قرين السوء يذكره بالملة الملعونة، ملة الشرك والكفر، فأثرا عليه ومات وهو على ملة عبد المطلب، فمات مشركًا والعياذ بالله، مع أنه صاحب عقل راجح ولكن أثر قرناء السوء يعمي ويصم.
إذن أخي الشاب، لا تقل: أنا لا أتأثر بالقرين، أنا أعرف الحق، أنا أريد أن أتسلى معهم فقط ولا أسمع كلامهم ولا أتأثر بأفعالهم، فهذا كلام غير صحيح، يرده كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والواقع المشاهَد، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الرجل على دين خليله» وهو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
ولذا أَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بمصاحبة الأخيار والأتقياء، يقول صلى الله عليه وسلم: «لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل زادك إلا تقي»[رواه أبو داود]. يقول الشاعر: إذا ما صحبت قومًا فاصحب خيارهم
[FONT="]ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي [/FONT]
وهو شاهد على أثر الصديق على صديقه، فإنها أكثر من أن تحصر، فكم من شاب كان صالحًا مطيعًا لربه، بارًا بوالديه، مجتهدًا في دراسته، سمعته طيبة، الناس يذكرونه بالخير ويثنون عليه ويتمنون لو كان ابنًا لهم، فإذا به يساير قرناء السوء ويجالسهم بحجة التسلية والمتعة، وإلا فهو من الصالحين، وله عقل يميز الخير من الشر، وعنده المناعة ضد التأثر بهؤلاء، وإذا به شيئًا فشيئًَا وخطوة خطوة من خطوات الشيطان التي نهينا عن إتباعها [FONT="]}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ[FONT="]{[/FONT] [النور: 21].[/FONT]
ويتأثر بكلامهم وأساليبهم الماكرة وحيلهم الشيطانية التي تعلموها من معلمهم الأكبر إبليس – أعاذنا الله منه – فإذا به يتخلي عن الصلاة، ويعق الوالدين، ويضعف في دراسته إلى أن يُفْصَل من المدرسة ويضيع دينًا ودنيا، ولا حوله ولا قوة إلا بالله، أدمن المخدرات، وأتى الفواحش والمنكرات، ولسان حاله بعد ذلك [FONT="]}وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ[FONT="]{[/FONT] [الشعراء: 99]. [/FONT]
هذا واقع كثير من الشباب: نسأل الله لهم الهداية والرجوع إلي الحق والإنابة إليه.
وما أذكر أني سألت شابًا لم وقعت في المخدرات أو المسكرات أو التدخين؟ أو ما الذي أودعك السجن؟ فيقول وبالحرف الواحد: «قرناء السوء». وسل أنت تجد الإجابة، بل سل نفسك إن كنت ممن وقع: لم وقعت؟ الإجابة معروفة. وعند جهينة الخبر اليقين. لذا فاحذر من قرناء السوء وأصدقاء الشر والفساد، وابتعد عنهم، وفر منهم فرارك من الأسد، فالأسد يأكل جسمك وهذا يأكل دينك وخلقك وعفافك وصلاحك، وأيهما أهم عندك: دينك أم جسمك؟
إن كان دينك أهم، وهذه هي إجابتك المتوقعة، بل المؤكدة، ففر من قرين السوء أشد من فرارك من الأسد، وتبرأ منه قبل أن يتبرأ منك، وابتعد عنه قبل أن تقول: [FONT="]}لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا[FONT="]{[/FONT]، وتقول: [FONT="]}[/FONT]لَيْتَبَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ[FONT="]{[/FONT][الزخرف: 38]، عندها لا ينفع الندم، وإنما هو الحسرة والندامة [FONT="]}[/FONT]كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ[FONT="]{[/FONT] [البقرة: 167].[/FONT]
أساليب قرناء السوء وحيلهم الماكرة في إغواء الشباب:
حقيقة مهمة يجب أن تعرفها أخي الشاب حتى لا تُخْدَع، ألا وهي: أن كل داع إلى الضلال والشر والفساد، وكل داع إلى النار ومعصية الجبار جل وعلا، لا يمكن أن يبين نواياه، ولا أن يكشف أسراره، ولا أن يدعو إلى ذلك صراحة؛ لأنه لذلك لن يُطاع، بل سيخالَف وينابَذ ويُقاطَع، ولذا يلجأ إلى أساليب براقة وحيَل ماكرة، يدس السم في العسل ويتظاهر بالنُصح والشفقة، ويلبس جلود الضأن من اللين، قدوته في ذلك ومعلمه تلك الوسائل والأساليب إبليس عليه لعنة الله، فانظر كيف أغوى أبانا آدم عليه السلام، كيف خدعه بالأكل من الشجرة التي فيها العصيان لرب العالمين، وآدم عليه السلام، لا يمكن أن يعصي ربه ولكن الأسلوب الماكر المخادع أثر عليه [FONT="]}وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى[FONT="]{[/FONT][طه: 121 – 122]، انظر وتأمل في هذا الأسلوب كما ذكره جل وعلا: [FONT="]}[/FONT]فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى[FONT="]{[/FONT][طه: 120]، انظر الشيطان يقول لآدم: أنا أدلك على الخير: الخُلد والملك! ثم يقول: هل أدلك، أنا أريد لك الخير وأنت وشأنك؟ وهو يقوده إلى المعصية، ويريد إخراجه من الجنة. [/FONT]
الله أكبر! إبليس أعظم غاش وأعظم عدو يُقسم إنه لمن الناصحين! وهكذا أتباعه من شياطين الإنس، فهذا تلميذه الأكبر فرعون لعنه الله كما حكى الله عنه: [FONT="]}ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ[FONT="]{[/FONT][غافر: 26]. [/FONT]
فهذا فرعون الذي قال: أنا ربكم الأعلى، يظهر لقومه في صورة الناصح الأمين، فهو يخاف على قومه من موسى عليه السلام أن يبدل دينهم أو أن يُظْهر في الأرض الفساد، وأي فساد أعظم من فساد فرعون؟! فموس عليه السلام نبي الله الكليم في نظر فرعون مفسد، يخشاه فرعون على قومه. وقال الله عنه في آخر آية: [FONT="]}قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ[FONT="]{[/FONT][غافر: 29]، وما هذا السبيل؟ إنه نار جهنم كما قال الله عنه: [FONT="]}[/FONT]يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ[FONT="]{[/FONT][هود: 98]. [/FONT]
ولذا تنبه مؤمن آل فرعون وعرف حقيقة دعوة فرعون وسبيل رشاده أنه النار، قال الله عن هذا المؤمن الفطن الذي لم ينخدع بأساليب فرعون الماكرة: [FONT="]}وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ[FONT="]{[/FONT][غافر: 41 – 42].[/FONT]
وهم وإن كانوا لم يدعوه إلى النار ولكنهم دعوه إلى الكفر في صورة النصح والإشفاق، وهي دعوة صريحة إلى النار، وهكذا المنافقون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله عنه: [FONT="]}وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ[FONT="]{[/FONT] [البقرة: 11 – 12]، فالمنافقون يفسدون ويرون أنهم يصلحون، وهكذا كل مفسد وكل مخرب وكل داعية ضلال يرى أنه هو المصلح وهو المنقذ وهو الناصح الأمين المشفق الرحيم الحريص على المصالح، بل إن المفسدين يصفون المصلحين والمؤمنين الصادقين في إيمانهم بالسفاء، فهاهم المنافقون يصفون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم العقلاء النبلاء بأنهم سفاء، قال الله عنهم: [FONT="]}[/FONT]وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ[FONT="]{[/FONT][البقرة: 13]. [/FONT]
والكلام في هذا يطول، والشواهد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والوقائع من حال المفسدين والمنافقين وأشباههم كثيرة جدًا، إذ إن كل مَن يريد نشر الفساد لابد أن يلبس ثوب الصلاح، ولذا قال الله جل وعلا: [FONT="]}وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[FONT="]{[/FONT][البقرة: 42]. [/FONT]
فمن يدعو للمخدرات يزينها ويظهرها في صورة الاستمتاع والشعور بالسعادة والبُعد عن الهموم والغموم والتفكير الجيد، ومَن يدعو إلى عقوق الوالدين يظهره في صورة الحرية وأنه لا سلطان لأحد عليه، ومَن يدعو إلى المعصية يظهرها بصورة التقدم والحرية، أو أنه سيتوب والله غفور رحيم، وما يعلم أن الله شديد العقاب، ومَن يدعو المرأة للتبرج والسفور يظهره في صورة حرية المرأة وهكذا كل مفسد.
فاحذر أخي الشاب قرناء السوء وحيلهم ومكرهم، واعتصم بالله، وابحث عن الجلساء الصالحين الناصحين الذين يدلونك على الخير ويحثونك عليه؛ تفز برضا الله عز وجل وتبتعد عن سخطه وأليم عقابه.
وهذه نصيحة من أخ مشفق ناصح لك فاقبلها وادع لكاتبها وناشرها. وفقك الله لكل خير. وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.