رد: تقـــافة التعبير عندنا ... العنــــف
إن العنف كثقافة للتعبير وإن دل فإنه يدل ع وجود وعــي بضرورة تغيير الواقـع والرغبة ع الحصــول ع الأفضــل
احسنت وبارك الله فيك .
كما اسلفت لنا في طرحك للظاهرة التي اصبحت عادة واستدليت لداعي العنف بالشعور والرغبة والحاجة لتغيير واقع سلبي .
هذه امنية وحاجة طبيعية لاي مجتمع لكن ماذا في المقابل . كيف يقابل طلبك في بداية الامر . مالذي دعاك لاستعمال العنف
كيف وبماذا تقابل هذه الامنية والرغبة ؟ حتى يتحول تحقيق مطلب بسيط وروتيني في مجتمعات اخرى الى مطلب معقد يحتاج العنف لدينا للحصول عليه وتحقيقه .
احيانا استخراج وثيقة حالة مدنية تحتاج العنف لتسهيل اجراءاتها . وبما ان الباقي يشاهد ذلك يوميا امام ناظريه فانها اصبحت طريقة نموذجية لقضاء مصلحة خاصة او حتى عامة .( لوكان متخبطش الطابلة ... لوكان متعيطش ... لوكان متسبوش ...) والدافع لذلك هو تقاعس الجهة المقابلة في اداء مهامها . هل الانسان بطبعه عنيف لا اظن انها حالة تطبع واكتساب . لا احد خلق عنيفا لانه على الفطرة السوية لكن طريقة عيشه تغير فطرته اما للسيء او الحسن .
اذا العيب في مجتمعنا لم يخلقه الطالب ولكن خلقه المطالب لم يكن من وراءه الانسان ولكن الالة الادارية التي يحركها المولعون بالسلطة والتسلط .
. وبهدا فان المسؤولية الاولى على عاتق الطرف الاخر الذي بحوزته حاجات الاخرين . ويجعل الوصول اليها بشق الانفس ( واخر الدواء الكي ) لكنهم جعلونا نستعمله كاول دواء لعلمنا انه الدواء الوحيد .
التسيير العشوائي والعراقيل اليومية والمكر والخداع والاستفزاز والاجراءات التي لا تنتهي والطبائع التي لا تستهدي كان وراء ترسيخ ظاهرة العنف في مجتمعنا . وكنتيجة انتقل الى الاطفال واصبح وسيلة يستعملها الطفل في عالمه الصغير ويكررها ويقابل ذلك احيانا بتشجيع وتحفيز من الاولياء والمحيط . كل يستعمل العنف .
العنف في المطلب يستعمل في ابسط الامور . لان الغضب والعصبية والانفعال يولد لدى الانسان عندما يرى ان مصلحة بسيطة لا يستطيع تحقيقها الا بشق الانفس وقد لا يحلم بها في الاساس . وبما ان الوسائل الاخرى غير متوفرة ( المعريفة . الجاه والمال ووو ) فان المتوفر الوحيد لاغلبنا هو القوة والعنف . فنستعملها للتغلب على الوسائل الاخرى .
ولان الشعب الجزائري البسيط لا يريد ان يأزم الوضع ويجعله اكثر ضيقا ونكدا فانه لا يستعمل هذا العنف في القضايا المصيرية وخاصة لما تكثر الامثلة امامه . مما يعني انه لا يريد العنف بطبعه لكنه مضطر لاستعماله في محيط ضيق . ليتمكن من العيش في هذه الدائرة الصغيرة . اما الدائرة الكبيرة فيحيط بها الخوف من المجهول . هذا الخوف من المجهول والخوف من مستقبله يجعله عنيف لكن بحذر شديد .
الاحساس بالقهر والعجز والضيق وانسداد الافق ينتقل من المطالب الاساسية التي نواجهها يوميا الى المطالب الثانوية ( الفوز بالمقابلات كمثال ) الاحساس بخيبة الامل في المعيشة + خيبة الامل في التسلية يولد انفجار لا يمكن حصره والتحكم فيه .
العنف في الملاعب هو انفجار لواقع شباب مقطوع الامل ببلاده . المناصر الاجنبي مستريح اجتماعيا لكن المناصر الجزائري تعبان نفسيا واخلاقيا واجتماعيا . بدليل ان هذا المناصر الاجنبي لو تضعه في واقع صعب وحياة ضنكة سيتحول الى مسلح يطلق النار في الملاعب . وليس ببعيد مراسل سابق في قناة امريكية قتل زميلته وزميله المصور وكان مراسل سابق وجد نفسه في واقع مر فاراد الانتقام بطريقته . لكن اكيد قبل ان يجد نفسه في هذا الواقع كان انسان محترم انيق ومهذب وهادئ وليس مسلح وفي الاخير منتحر .
نعم نشاهد هذه الفئة من المناصرين العنيفة دوما ( خاسرة او رابحة ) قد يعني ان التنفيس عن النفس بالعنف في كل الحالات ماهو الا انعكاس لواقع عنيف اصلا في الحياة والمعيشة ( طريقة العمل . وضع السكن . حالة الاسرة . حالة نفسية . وضع غير سوي . حياة مضطربة ومشوهة .....) واقع الانفلات منه صعب والانغماس فيه اصعب .
لو استمر المسؤولين عن الظاهرة في فرض واقعهم على الشعب سيتحول مجتمعنا الى مجتمع يستعمل السلاح لاصدار وثيقة حالة مدنية وليس عنف معنوي وجسدي فقط . ولما تراهم الان يفتحون ثقبا للمواطن يتنفس منه في المصالح الادارية بتخفيض عدد الوثائق وتسهيل اصدارها تعلم جيدا انهم يتحكمون في مفتاح الانفجار يغلقونه تارة ويفتحونه تارة يسدون طريقا من هنا ويفتحون اخرا من هناك . التحكم في المواطن من خلال مصالحه الخاصة .
سياسة التسيير استخرجت من هذا المواطن الجانب السيء ولم تحاول قط ان تستخرج جانبه الايجابي .
يرسخون عبارات ( الجزائري عنيف . عصبي , منرفز , يكره اكثر مما يحب ...) حتى اصبح التفاخر بها من الوطنية .فعوض ان يرسخون المبادئ القيمة والنبيلة لشعب عاش للاسلام ومات للاسلام هاهم يرسخون اسوء ما نسمع عن الشعوب .
جزائري عنيف لانكم انتم من خلقتم فيه هذا الطبع انتم من روضتوه على هذا الطبع انتم من استدرجتموه الى هذا الوضع .
يضعون اللوم في رجال الامن في اللحظة الاخيرة لكن لا يضعونه في مدير الملعب الذي لم يوفر ادنى خدمة لاستقبال هذا المناصر يجعله يفتخر بانجاز بلده . هل ملاعبنا مثل ملاعب الدول التي تحترم مواطنها انها اسوار وسجون تجد في داخلها الرغبة في تفجير ضغوطك النفسية التي تركتها خارجه ووجدتها امامك حتى في وقت التسلية .
المجتمع الغربي لا يخلوا من العنف لكنه منتشر في مواضع شبيهة بمواضع نعيشها . كمثال مناطق عيش السود في امريكا لا يتم التعامل معها مثل البيض فتجد العنف متفشي فيها بكثرة . مما يعني ان طريقة العيش تحدد درجة العنف . وطريقة تعامل السلطات تحدد درجتها .
الانتحار لديهم هو طريقة من طرق العنف الشخصي الممارس على النفس . .
انها يا اخي العزيز فشل سياسة صنع مواطن طبيعي وفعال . بل لا يسمى فشل لانه ليس من وراءه محاولة فالفشل عند المحاولة لكنها سياسة اللا محاولة . نسمعها دوما على شاشة التلفزيون ( ماحاولناش ... ماحولناش ... ماحاولناش ...)
بارك الله فيك والحديث طويل ومتشعب .