إرضاء الله وإرضاء الخلق
الكلمة الشهرية لموقع راية الإصلاح
للشيخ عمر الحاج مسعود حفظه الله
إنَّ حقيقةَ الإخلاص هي أن يريد العبدُ بعلمه وقوله وعمله ودعوته وجهَ الله الكريم، ولا يبتغي رياسةً ولا جاهًا ولا يطلب جزاءً وشكورًا، قال تعالى ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُورًا﴾[الإنسان:9]، ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد﴾[سبأ:47]، ويجتهد كذلك في معرفة مواضع رضا الرَّبِّ ـ عز وجل ـ ويلزمها، ولا يغرُّه مدحُ مادحٍ ولا يضرُّه ذمُّ ذامٍّ، قال بعضُهم: «الإخلاصُ تصفيةُ الفعل عن ملاحظة المخلوقين».
والمخلصُ يُؤْثِرُ رضا ربِّه على رضا غيره كائنًا من كان، ويسعى لذلك ولو سخط عليه جميعُ الخلق، ولا يبالي بلوم اللاَّئمين، فالخيرُ كلُّ الخير في رضا الله، والشَّرُّ كلُّ الشَّرِّ في سخطه، قال تعالى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِين﴾[التوبة:62]، وقال ﴿وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى﴾[الليل:20]، هذا مدحٌ لأبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه (1) ولكلِّ مؤمنٍ يعمل العملَ وينفق النَّفقةَ ولا يقصد مكافأةً ولا جزاءَ معروفٍ سَلَفَ، لكنَّه يفعل ذلك إرضاءً لربِّه وطمعًا في رؤية وجهه.
وهذه هي منزلةُ النَّبيِّين والصِّدِّيقين، فنبيُّنا مُحمَّدٌ ﷺ قَاوَمَ جميع النَّاس، وتحمَّل عداوتَهم وأذاهم، وآثر رضَا مولاه على رضَاهم، وَتَجَرَّد لِلدَّعوَة إلى توحيد الله وإعلاء كلمته وجهاد أعدائه حتَّى يكونَ الدِّينُ كلُّه لله، كان هذا هو هَمَّهُ وَسَعْيَه حتَّى أكمل اللهُ دينَه وأتمَّ نورَه ونصر جندَه وخذل عدوَّه، وكذلك فَعَلَ أَصحابُه رضي الله عنهم معه ومَنْ بعده ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾[الفتح:29]، تحمَّلوا جميعَ المشاقِّ، وفارقوا أوطانَهم وعادَوا أقوامَهم واختاروا رضوانَ ربِّهم على سخطهم ﴿لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون﴾[الحشر:8].
وأغلَبُ النَّاس لا يمكن إرضاؤهم إلاَّ بموافقتهم على الحقِّ والباطل، فإرضاؤهم أمرٌ لا يُنالُ ولا يُدرَك، قال الشَّافِعِي للرَّبيع بن سليمان ـ رحمهما الله ـ: «يا ربيع، رضا النَّاسِ غايةٌ لا تُدرَكُ، فعليك بما يُصلِحُكَ فالْزَمْه؛ فإنَّه لا سبيلَ إلى رضاهم» رواه أبو نعيم في «الحلية» (9 /123).
ثمَّ إنَّهم يتغيَّرون ويَنقَلبون، وسَخطُهم واقعٌ ما له من دافع؛ لأنَّهم يتَّبعون أهواءَهم وينتصرون لحظوظ أَنفُسِهم، تجد أحدَهم اليومَ راضيًا وغدًا ساخِطًا، فاختيارُ سخطِهم مع الظَّفَر برضا الله خيرٌ من اختيار سخطِهم مع سخطِ الله عزَّ وجلَّ.
ومتى راقبهم الإنسانُ وراعاهم والْتَمَسَ رضاهم وطلب ثناءَهم بسخط الله، ولم يُراعِ حقَّه ورضاه، تعِب وتشتَّت بالُه وتنكَّد عيشُه ولم يَنَلْ شيئًا، بل انقلبوا ضدَّه وسخِط عليه ربُّه.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «قال رسولُ الله ﷺ: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَى الله بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ الله سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ» رواه ابن حبَّان (276)، وسنده حسن.
وكتب سفيانُ الثَّوري إلى ابن أبي ذِئب ـ رحمهما الله ـ: «فَإِنَّكَ إِنِ اتَّقَيْتَ اللهَ كَفَاكَ النَّاسَ، وَإِنِ اتَّقَيْتَ النَّاسَ لَم يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، فَعَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ» رواه أبو نعيم في «الحلية» (7/ 68).
وقال ابنُ القيِّم رحمه الله في «مدارج السَّالكين» (2/ 300): «وقد جرت سُنَّةُ الله الَّتي لا تبديلَ لها أنَّ من آثر مرضاةَ الخلق على مرضاته أن يُسخِطَ عليه مَن آثر رضاه، ويخذلَه من جهته ويجعلَ محنته على يدَيْه، فيعود حامدُه ذامًّا، ومَن آثر مرضاتَه ساخِطًا، فلا على مقصوده منهم حصَل، ولا إلى ثواب مرضاةِ ربِّه وصَل».
وعلى هذا، فمن أراد سعادةَ العيْش وراحةَ البال فليجعلْ نُصبَ عينيه إرضاءَ ربِّه وإخلاصَ الدِّين له، ولْيَضْرِبْ برضا النَّاس وسخطِهم عُرضَ الحائط؛ فإنَّهم لن ينفعوه ولن يضرُّوه مثقالَ ذرَّةٍ، ومن آثر ربَّه ورضاه كفاه خلقَه وصرف عنه سخطَهم، وعاد ذامُّه مادحًا والسَّاخطُ عليه راضيًا.
قال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (3/ 233): «المؤمنُ لا تكون فكرتُهُ وقصدُه إلا رضا ربِّه واجْتنابَ سخطِه، والعاقبةُ له، ولا حوْلَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله».
وهذا ـ وايْمُ الله ـ من أعزِّ الأشياء وجودًا ـ وبخاصَّةٍ في باب العلم والدَّعوة ـ وأصعبِها نيْلاً وأقلِّها تحقيقًا، فقد يعمل الإنسان أو يتكلَّم أو يسكت إرضاءً لبعض النَّاس، وموافقةً لهم وتزلُّفًا إليهم وطلبًا لتزكيتهم، وحذرًا من أن يسقط من أعيُنِهم واجتنابًا لذمِّهم وطَعنِهم، حتَّى ولو كان يَعتَقِدُ خطأَهم وجوْرَهم عن قصْدِ السَّبيل ونأيَهم عن الحجَّةِ والدَّليل، فيكون مرادُه حينئذٍ حفظَ جاهِه ومنزلتِه لا تعظيمَ ربِّه وإعلاءَ كلمته والذَّبَّ عن دينه.
قال ابنُ تيمية في «منهاج السُّنَّة» (5/ 254 ـ 255): «فإنَّ الإنسانَ عليه أوَّلاً أن يكونَ أمرُه لله، وقصدُه طاعةَ الله فيما أمرَهُ به... فإن فعل ذلك لطلَبِ الرِّياسةِ لنفسِه ولطائفتِه، وتنقيصِ غيرِه كان ذلك حميَّةً لا يقبلُه الله، وكذلِك إذا فعل ذلك لطلَبِ السُّمعةِ والرِّياءِ كان عملُه حابِطًا... وهكذا يصيبُ أصحابُ المقالاتِ المختلفةِ... لا يقصدون أن تكونَ كلمةُ الله هي العليا، وأن يكونَ الدِّينُ كلُّهُ لله، بل يغضبون على مَنْ خالفهم، وإن كانَ مُجتهِدًا معذُورًا لا يغضَبُ اللهُ عليه، ويرْضَوْنَ عمَّن يوافقُهم، وإنْ كان جاهِلاً سيِّئَ القصدِ، ليس له علْمٌ ولا حُسنُ قصدٍ، فيفضِي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمدْه اللهُ ورسولُه ويذمُّوا من لم يذمَّه اللهُ ورسولُه وتصيرُ موالاتُهم ومعاداتُهم على أهواءِ أنفُسِهم لا على دين الله ورسولِه».
إنَّ المُخلِصَ الصَّادقَ يتفانى في إرضاء ربِّه ويفرح بظهور الحقِّ والسُّنَّة ولو كان على لسان غيره، قال الشَّافعي رحمه الله : «ما ناظرني أحد فبالَيْتُ أظهَرَتِ الحُجَّةُ على لسانه أو على لساني»(2)، وفي «تهذيب الكمال» (9/ 427) أنَّ زهيرَ ابنَ نُعَيْم البابي رحمه الله قال: «وددتُّ أنَّ جسدي قُرِضَ بالمقاريضِ وأنَّ هذا الخلْقَ أطاعوا اللهَ»، وكان عمرُ بن عبد العزيز رحمه الله يَقُول ـ كما في «سيرته» لابن عبد الحكم (ص130): «يَا لَيْتَني قد عمِلتُ فِيكُم بِكِتَاب الله وعمِلتُم بِهِ، فَكُلَّما عَمِلْتُ فِيكُم بِسنَّةٍ وَقع منِّي عُضْوٌ، حَتَّى يكونَ آخرُ شَيْءٍ مِنْهَا خُرُوجَ نَفسِي».
وهذا يدُلُّ على إخلاصِهم وصدقِهم وتعظيمِهم لربِّهم وشرعِه، وترفُّعِهم عن تقديس أنفسِهم، وعدمِ مبالاتهم بثناء النَّاس عليهم.
وقد كان ـ ولا يزال ـ العلماءُ الرَّبَّانيُّون والمُصلِحون الصَّادقون من أهل السُّنَّة والجماعةِ على هذا السَّنَن الأَقْوَم والهدْيِ الأكرمِ، يعملون ويكتبون ويتكلَّمُون ابتغاءَ وجه الله ونصرةً لدينه ونصحًا لعباده، لا يُريدُونَ عَرَضًا من أعراض الدُّنيا الفانيةِ، فجعل اللهُ لهم القَبولَ في الأرض والودَّ في قلوب عباده المؤمنين، ورُفِعَ قدْرُهم ونُشِرَ علمُهم وأُخرِجَتْ كتبُهم، مع كراهيَتِهم للتَّصنيف وعزوفِهم عن التَّأليف.
قيل لأبي بكر بنِ عيَّاشٍ: إنَّ بالمسجدِ قومًا يجلسون ويُجْلَسُ إليهم، فقال: «من جلسَ للنَّاسِ جلس النَّاسُ إليه، ولكنَّ أهلَ السُّنَّةِ يموتون ويحيى ذكْرُهم، وأهلَ البدعةِ يموتون ويموتُ ذكرُهم»(3).
وقال مُطرِّف بن عبد الله: «قال لي مالك: ما يقول النَّاسُ في مُوَطَّئي؟ قلتُ: النَّاسُ رجلان؛ مُحِّبٌ مُطْرٍ، وحاسدٌ مُفترٍ، فقال: إنْ مَدَّ بك العُمرُ فسترى ما يرادُ به اللهُ، قال: فكأنَّما أُلْقِيَتْ تلك ـ أي المُوطَّآت ـ في الآبار، ما سُمِعَ منها شيءٌ بعد ذلك»(4).
فلا يبقى ولا يدوم إلاَّ ما كان لله الحيِّ القَيُّوم، والإمام مالك رحمه الله وطَّأَ وغيرُه وطَّأَ، والله جعل لمُوَطَّئه من القَبولِ والبقاء والظُّهور والهيبةِ ما لم يَجعَلْهُ لغيره، وهذا لصدق نيَّتِه وطِيبِ سَريرَتِه، والفضلُ بيد الله يُؤتِيه من يشاء، قال الذَّهبي في «السِّيَر» (18/ 203): «وإنَّ للموطَّأ لوقْعًا في النُّفُوس، ومهابَةً في القُلوب لاَ يوازنُها شيءٌ».
وروى أبو نُعَيْمٍ في «الحلية» (6/ 330) عن ابنِ المُبَارَك رحمه الله أنَّه قال: «ما رأيْتُ رجلاً ارتفَعَ مثلَ مالِكِ بنِ أنسٍ، ليس له كثيرُ صلاةٍ ولا صيامٍ، إلاَّ أن تكونَ له سريرَةٌ»، وهذه السَّريرةُ هي أنَّه ما تعَلَّم ولا علَّم ولا سطَّر كلمةً إلاَّ لله، وطلبًا لمرضاته ونصرةً لدينه وسنَّةِ نبيِّه ﷺ.
وروى كذلك (9/ 118 ـ 119) عن الإمام الشَّافعي رحمه الله أنَّه قال: «ودِدتُّ أنَّ الخلقَ يتعلَّمون هذا العلمَ ولا يُنسَبُ إليَّ منه شيءٌ»، وقال: «وددتُّ أنَّ كلَّ عِلمٍ أعلَمُه يعلمُه النَّاسُ، أُؤْجَر عليه ولا يحمدوني»، هذا هو عينُ الإخلاص والصِّدق وابتغاءِ مرضاةِ الله تعالى.
وكان الإمامُ أحمد رحمه الله شديدَ الكراهة لتصنيف الكتب، وكان يحبُّ تجريدَ الحديث وَيَكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ كلامُه، ويشتدُّ عليه جِدًّا، قال ابنُ القيِّم في «إعلام المُوقِّعين» (2/ 49): «فعلم اللهُ حسنَ نيَّتِه وقصدِه، فكُتِبَ من كلامِه وفتواه أكثرُ من ثلاثينَ سِفْرًا».
ولمَّا حُبِسَ ابنُ تيمية رحمه الله في القلعة كان يكتُبُ لأصحابه وتلامذتِه العلم، وقبلَ وفاتِه بأشهر ورد مرسومُ السُّلطان بإخراج كلِّ ما عنده من كتب وورق وأقلام، فصار يكتب بالفَحْم، قال تلميذُه ابنُ عبدِ الهادي رحمه الله في «العقود الدُّرِّيَّةِ» (ص379 ـ 380): «وكان بعد ذلك إذا كتب ورقةً إلى بعض أصحابِه يكتُبها بفَحمٍ، وقد رأيتُ أوراقًا عدَّة بعثها إلى أصحابِه، وبعضُها مكتوبٌ بفَحْمٍ».
فتأمَّلْ في التَّضييق الَّذي سُلِّطَ على شيخ الإسلام، إلى درجة أنَّه مُنِع من الكتابة، لكنَّ اللهَ أبى إلاَّ أن يُنشرَ علمُه وتُطبعَ كتبُه وتَخرجَ إلى النُّور، لِما علم من صدْقِه وسلامةِ قصْدِه وبلائه الحسن لإعلاء كلمته، وزهدِه في الرِّياسة والجاه والشُّهرة.
والأمثلةُ كثيرةٌ يطول ذكرُها، والمقصودُ هنا الإشارةُ والإثارةُ لتنبيهِ الغافلين وإرشادِ السَّالكين.
فشتَّان بين مَن يبتغي بعلمِه وعملِه ودعوتِه إرضاءَ ربِّه وإظهارَ دينه ونفعَ عباده وردَّ كيدِ أعدائه، وبين مَن يريد تعظيمَ نفسِه وحفظَ جاهه والتَّرؤُّسَ على غيره وإرضاءَ عبدٍ ضعيفٍ مثلِه.
قال ابنُ القيِّم في «إعلام المُوقِّعين» (6/ 106): «فكم بين مُريدٍ بالفتوى وجهَ الله ورضاه والقربَ منه وما عنده، ومُريدٍ بها وجهَ المخلوق ورجاءَ منفعتِه وما يناله منه تخويفًا أو طمعًا، فيُفتي الرَّجلان بالفتوى الواحدةِ وبينهما في الفضل والثَّوابِ أعظمُ ممَّا بين المشرق والمغرب، هذا يُفتِي لتكونَ كلمةُ الله هي العليا، ودينُه هو الظَّاهرَ ورسولُه هو المطاعَ، وهذا يُفتي ليكونَ قولُه هو المسموعَ وهو المشارَ إليه، وجاهُه هو القائمَ، سواءً وافق الكتابَ والسُّنَّةَ أو خالفهما، فالله المستعان».
وصلَّى اللهُ وسلَّم وبارك على نبيِّه محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه أجمعين.
----------------------------------------------
(1) قال أهل التَّأويلِ: نزلَتْ في أبي بكرٍ رضي الله عنه بعِتْقِه من أعتَقَ من المماليكِ ابتغاءَ وجهِ الله، حتَّى إنَّ بعضَهم حكى الإجماعَ من المُفسِّرين على ذلك، انظر الطَّبري (24/ 479)، وابن كثير (8/ 422).
(2) «الفرق بين النَّصيحة والتَّعيير» (ص9).
(3) انظر «مجموع الفتاوى» (16/ 528).
(4) «ترتيب المدارك» (2/ 76).
الكلمة الشهرية لموقع راية الإصلاح
للشيخ عمر الحاج مسعود حفظه الله
إنَّ حقيقةَ الإخلاص هي أن يريد العبدُ بعلمه وقوله وعمله ودعوته وجهَ الله الكريم، ولا يبتغي رياسةً ولا جاهًا ولا يطلب جزاءً وشكورًا، قال تعالى ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُورًا﴾[الإنسان:9]، ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد﴾[سبأ:47]، ويجتهد كذلك في معرفة مواضع رضا الرَّبِّ ـ عز وجل ـ ويلزمها، ولا يغرُّه مدحُ مادحٍ ولا يضرُّه ذمُّ ذامٍّ، قال بعضُهم: «الإخلاصُ تصفيةُ الفعل عن ملاحظة المخلوقين».
والمخلصُ يُؤْثِرُ رضا ربِّه على رضا غيره كائنًا من كان، ويسعى لذلك ولو سخط عليه جميعُ الخلق، ولا يبالي بلوم اللاَّئمين، فالخيرُ كلُّ الخير في رضا الله، والشَّرُّ كلُّ الشَّرِّ في سخطه، قال تعالى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِين﴾[التوبة:62]، وقال ﴿وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى﴾[الليل:20]، هذا مدحٌ لأبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه (1) ولكلِّ مؤمنٍ يعمل العملَ وينفق النَّفقةَ ولا يقصد مكافأةً ولا جزاءَ معروفٍ سَلَفَ، لكنَّه يفعل ذلك إرضاءً لربِّه وطمعًا في رؤية وجهه.
وهذه هي منزلةُ النَّبيِّين والصِّدِّيقين، فنبيُّنا مُحمَّدٌ ﷺ قَاوَمَ جميع النَّاس، وتحمَّل عداوتَهم وأذاهم، وآثر رضَا مولاه على رضَاهم، وَتَجَرَّد لِلدَّعوَة إلى توحيد الله وإعلاء كلمته وجهاد أعدائه حتَّى يكونَ الدِّينُ كلُّه لله، كان هذا هو هَمَّهُ وَسَعْيَه حتَّى أكمل اللهُ دينَه وأتمَّ نورَه ونصر جندَه وخذل عدوَّه، وكذلك فَعَلَ أَصحابُه رضي الله عنهم معه ومَنْ بعده ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾[الفتح:29]، تحمَّلوا جميعَ المشاقِّ، وفارقوا أوطانَهم وعادَوا أقوامَهم واختاروا رضوانَ ربِّهم على سخطهم ﴿لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون﴾[الحشر:8].
وأغلَبُ النَّاس لا يمكن إرضاؤهم إلاَّ بموافقتهم على الحقِّ والباطل، فإرضاؤهم أمرٌ لا يُنالُ ولا يُدرَك، قال الشَّافِعِي للرَّبيع بن سليمان ـ رحمهما الله ـ: «يا ربيع، رضا النَّاسِ غايةٌ لا تُدرَكُ، فعليك بما يُصلِحُكَ فالْزَمْه؛ فإنَّه لا سبيلَ إلى رضاهم» رواه أبو نعيم في «الحلية» (9 /123).
ثمَّ إنَّهم يتغيَّرون ويَنقَلبون، وسَخطُهم واقعٌ ما له من دافع؛ لأنَّهم يتَّبعون أهواءَهم وينتصرون لحظوظ أَنفُسِهم، تجد أحدَهم اليومَ راضيًا وغدًا ساخِطًا، فاختيارُ سخطِهم مع الظَّفَر برضا الله خيرٌ من اختيار سخطِهم مع سخطِ الله عزَّ وجلَّ.
ومتى راقبهم الإنسانُ وراعاهم والْتَمَسَ رضاهم وطلب ثناءَهم بسخط الله، ولم يُراعِ حقَّه ورضاه، تعِب وتشتَّت بالُه وتنكَّد عيشُه ولم يَنَلْ شيئًا، بل انقلبوا ضدَّه وسخِط عليه ربُّه.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «قال رسولُ الله ﷺ: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَى الله بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ الله سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ» رواه ابن حبَّان (276)، وسنده حسن.
وكتب سفيانُ الثَّوري إلى ابن أبي ذِئب ـ رحمهما الله ـ: «فَإِنَّكَ إِنِ اتَّقَيْتَ اللهَ كَفَاكَ النَّاسَ، وَإِنِ اتَّقَيْتَ النَّاسَ لَم يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، فَعَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ» رواه أبو نعيم في «الحلية» (7/ 68).
وقال ابنُ القيِّم رحمه الله في «مدارج السَّالكين» (2/ 300): «وقد جرت سُنَّةُ الله الَّتي لا تبديلَ لها أنَّ من آثر مرضاةَ الخلق على مرضاته أن يُسخِطَ عليه مَن آثر رضاه، ويخذلَه من جهته ويجعلَ محنته على يدَيْه، فيعود حامدُه ذامًّا، ومَن آثر مرضاتَه ساخِطًا، فلا على مقصوده منهم حصَل، ولا إلى ثواب مرضاةِ ربِّه وصَل».
وعلى هذا، فمن أراد سعادةَ العيْش وراحةَ البال فليجعلْ نُصبَ عينيه إرضاءَ ربِّه وإخلاصَ الدِّين له، ولْيَضْرِبْ برضا النَّاس وسخطِهم عُرضَ الحائط؛ فإنَّهم لن ينفعوه ولن يضرُّوه مثقالَ ذرَّةٍ، ومن آثر ربَّه ورضاه كفاه خلقَه وصرف عنه سخطَهم، وعاد ذامُّه مادحًا والسَّاخطُ عليه راضيًا.
قال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (3/ 233): «المؤمنُ لا تكون فكرتُهُ وقصدُه إلا رضا ربِّه واجْتنابَ سخطِه، والعاقبةُ له، ولا حوْلَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله».
وهذا ـ وايْمُ الله ـ من أعزِّ الأشياء وجودًا ـ وبخاصَّةٍ في باب العلم والدَّعوة ـ وأصعبِها نيْلاً وأقلِّها تحقيقًا، فقد يعمل الإنسان أو يتكلَّم أو يسكت إرضاءً لبعض النَّاس، وموافقةً لهم وتزلُّفًا إليهم وطلبًا لتزكيتهم، وحذرًا من أن يسقط من أعيُنِهم واجتنابًا لذمِّهم وطَعنِهم، حتَّى ولو كان يَعتَقِدُ خطأَهم وجوْرَهم عن قصْدِ السَّبيل ونأيَهم عن الحجَّةِ والدَّليل، فيكون مرادُه حينئذٍ حفظَ جاهِه ومنزلتِه لا تعظيمَ ربِّه وإعلاءَ كلمته والذَّبَّ عن دينه.
قال ابنُ تيمية في «منهاج السُّنَّة» (5/ 254 ـ 255): «فإنَّ الإنسانَ عليه أوَّلاً أن يكونَ أمرُه لله، وقصدُه طاعةَ الله فيما أمرَهُ به... فإن فعل ذلك لطلَبِ الرِّياسةِ لنفسِه ولطائفتِه، وتنقيصِ غيرِه كان ذلك حميَّةً لا يقبلُه الله، وكذلِك إذا فعل ذلك لطلَبِ السُّمعةِ والرِّياءِ كان عملُه حابِطًا... وهكذا يصيبُ أصحابُ المقالاتِ المختلفةِ... لا يقصدون أن تكونَ كلمةُ الله هي العليا، وأن يكونَ الدِّينُ كلُّهُ لله، بل يغضبون على مَنْ خالفهم، وإن كانَ مُجتهِدًا معذُورًا لا يغضَبُ اللهُ عليه، ويرْضَوْنَ عمَّن يوافقُهم، وإنْ كان جاهِلاً سيِّئَ القصدِ، ليس له علْمٌ ولا حُسنُ قصدٍ، فيفضِي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمدْه اللهُ ورسولُه ويذمُّوا من لم يذمَّه اللهُ ورسولُه وتصيرُ موالاتُهم ومعاداتُهم على أهواءِ أنفُسِهم لا على دين الله ورسولِه».
إنَّ المُخلِصَ الصَّادقَ يتفانى في إرضاء ربِّه ويفرح بظهور الحقِّ والسُّنَّة ولو كان على لسان غيره، قال الشَّافعي رحمه الله : «ما ناظرني أحد فبالَيْتُ أظهَرَتِ الحُجَّةُ على لسانه أو على لساني»(2)، وفي «تهذيب الكمال» (9/ 427) أنَّ زهيرَ ابنَ نُعَيْم البابي رحمه الله قال: «وددتُّ أنَّ جسدي قُرِضَ بالمقاريضِ وأنَّ هذا الخلْقَ أطاعوا اللهَ»، وكان عمرُ بن عبد العزيز رحمه الله يَقُول ـ كما في «سيرته» لابن عبد الحكم (ص130): «يَا لَيْتَني قد عمِلتُ فِيكُم بِكِتَاب الله وعمِلتُم بِهِ، فَكُلَّما عَمِلْتُ فِيكُم بِسنَّةٍ وَقع منِّي عُضْوٌ، حَتَّى يكونَ آخرُ شَيْءٍ مِنْهَا خُرُوجَ نَفسِي».
وهذا يدُلُّ على إخلاصِهم وصدقِهم وتعظيمِهم لربِّهم وشرعِه، وترفُّعِهم عن تقديس أنفسِهم، وعدمِ مبالاتهم بثناء النَّاس عليهم.
وقد كان ـ ولا يزال ـ العلماءُ الرَّبَّانيُّون والمُصلِحون الصَّادقون من أهل السُّنَّة والجماعةِ على هذا السَّنَن الأَقْوَم والهدْيِ الأكرمِ، يعملون ويكتبون ويتكلَّمُون ابتغاءَ وجه الله ونصرةً لدينه ونصحًا لعباده، لا يُريدُونَ عَرَضًا من أعراض الدُّنيا الفانيةِ، فجعل اللهُ لهم القَبولَ في الأرض والودَّ في قلوب عباده المؤمنين، ورُفِعَ قدْرُهم ونُشِرَ علمُهم وأُخرِجَتْ كتبُهم، مع كراهيَتِهم للتَّصنيف وعزوفِهم عن التَّأليف.
قيل لأبي بكر بنِ عيَّاشٍ: إنَّ بالمسجدِ قومًا يجلسون ويُجْلَسُ إليهم، فقال: «من جلسَ للنَّاسِ جلس النَّاسُ إليه، ولكنَّ أهلَ السُّنَّةِ يموتون ويحيى ذكْرُهم، وأهلَ البدعةِ يموتون ويموتُ ذكرُهم»(3).
وقال مُطرِّف بن عبد الله: «قال لي مالك: ما يقول النَّاسُ في مُوَطَّئي؟ قلتُ: النَّاسُ رجلان؛ مُحِّبٌ مُطْرٍ، وحاسدٌ مُفترٍ، فقال: إنْ مَدَّ بك العُمرُ فسترى ما يرادُ به اللهُ، قال: فكأنَّما أُلْقِيَتْ تلك ـ أي المُوطَّآت ـ في الآبار، ما سُمِعَ منها شيءٌ بعد ذلك»(4).
فلا يبقى ولا يدوم إلاَّ ما كان لله الحيِّ القَيُّوم، والإمام مالك رحمه الله وطَّأَ وغيرُه وطَّأَ، والله جعل لمُوَطَّئه من القَبولِ والبقاء والظُّهور والهيبةِ ما لم يَجعَلْهُ لغيره، وهذا لصدق نيَّتِه وطِيبِ سَريرَتِه، والفضلُ بيد الله يُؤتِيه من يشاء، قال الذَّهبي في «السِّيَر» (18/ 203): «وإنَّ للموطَّأ لوقْعًا في النُّفُوس، ومهابَةً في القُلوب لاَ يوازنُها شيءٌ».
وروى أبو نُعَيْمٍ في «الحلية» (6/ 330) عن ابنِ المُبَارَك رحمه الله أنَّه قال: «ما رأيْتُ رجلاً ارتفَعَ مثلَ مالِكِ بنِ أنسٍ، ليس له كثيرُ صلاةٍ ولا صيامٍ، إلاَّ أن تكونَ له سريرَةٌ»، وهذه السَّريرةُ هي أنَّه ما تعَلَّم ولا علَّم ولا سطَّر كلمةً إلاَّ لله، وطلبًا لمرضاته ونصرةً لدينه وسنَّةِ نبيِّه ﷺ.
وروى كذلك (9/ 118 ـ 119) عن الإمام الشَّافعي رحمه الله أنَّه قال: «ودِدتُّ أنَّ الخلقَ يتعلَّمون هذا العلمَ ولا يُنسَبُ إليَّ منه شيءٌ»، وقال: «وددتُّ أنَّ كلَّ عِلمٍ أعلَمُه يعلمُه النَّاسُ، أُؤْجَر عليه ولا يحمدوني»، هذا هو عينُ الإخلاص والصِّدق وابتغاءِ مرضاةِ الله تعالى.
وكان الإمامُ أحمد رحمه الله شديدَ الكراهة لتصنيف الكتب، وكان يحبُّ تجريدَ الحديث وَيَكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ كلامُه، ويشتدُّ عليه جِدًّا، قال ابنُ القيِّم في «إعلام المُوقِّعين» (2/ 49): «فعلم اللهُ حسنَ نيَّتِه وقصدِه، فكُتِبَ من كلامِه وفتواه أكثرُ من ثلاثينَ سِفْرًا».
ولمَّا حُبِسَ ابنُ تيمية رحمه الله في القلعة كان يكتُبُ لأصحابه وتلامذتِه العلم، وقبلَ وفاتِه بأشهر ورد مرسومُ السُّلطان بإخراج كلِّ ما عنده من كتب وورق وأقلام، فصار يكتب بالفَحْم، قال تلميذُه ابنُ عبدِ الهادي رحمه الله في «العقود الدُّرِّيَّةِ» (ص379 ـ 380): «وكان بعد ذلك إذا كتب ورقةً إلى بعض أصحابِه يكتُبها بفَحمٍ، وقد رأيتُ أوراقًا عدَّة بعثها إلى أصحابِه، وبعضُها مكتوبٌ بفَحْمٍ».
فتأمَّلْ في التَّضييق الَّذي سُلِّطَ على شيخ الإسلام، إلى درجة أنَّه مُنِع من الكتابة، لكنَّ اللهَ أبى إلاَّ أن يُنشرَ علمُه وتُطبعَ كتبُه وتَخرجَ إلى النُّور، لِما علم من صدْقِه وسلامةِ قصْدِه وبلائه الحسن لإعلاء كلمته، وزهدِه في الرِّياسة والجاه والشُّهرة.
والأمثلةُ كثيرةٌ يطول ذكرُها، والمقصودُ هنا الإشارةُ والإثارةُ لتنبيهِ الغافلين وإرشادِ السَّالكين.
فشتَّان بين مَن يبتغي بعلمِه وعملِه ودعوتِه إرضاءَ ربِّه وإظهارَ دينه ونفعَ عباده وردَّ كيدِ أعدائه، وبين مَن يريد تعظيمَ نفسِه وحفظَ جاهه والتَّرؤُّسَ على غيره وإرضاءَ عبدٍ ضعيفٍ مثلِه.
قال ابنُ القيِّم في «إعلام المُوقِّعين» (6/ 106): «فكم بين مُريدٍ بالفتوى وجهَ الله ورضاه والقربَ منه وما عنده، ومُريدٍ بها وجهَ المخلوق ورجاءَ منفعتِه وما يناله منه تخويفًا أو طمعًا، فيُفتي الرَّجلان بالفتوى الواحدةِ وبينهما في الفضل والثَّوابِ أعظمُ ممَّا بين المشرق والمغرب، هذا يُفتِي لتكونَ كلمةُ الله هي العليا، ودينُه هو الظَّاهرَ ورسولُه هو المطاعَ، وهذا يُفتي ليكونَ قولُه هو المسموعَ وهو المشارَ إليه، وجاهُه هو القائمَ، سواءً وافق الكتابَ والسُّنَّةَ أو خالفهما، فالله المستعان».
وصلَّى اللهُ وسلَّم وبارك على نبيِّه محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه أجمعين.
----------------------------------------------
(1) قال أهل التَّأويلِ: نزلَتْ في أبي بكرٍ رضي الله عنه بعِتْقِه من أعتَقَ من المماليكِ ابتغاءَ وجهِ الله، حتَّى إنَّ بعضَهم حكى الإجماعَ من المُفسِّرين على ذلك، انظر الطَّبري (24/ 479)، وابن كثير (8/ 422).
(2) «الفرق بين النَّصيحة والتَّعيير» (ص9).
(3) انظر «مجموع الفتاوى» (16/ 528).
(4) «ترتيب المدارك» (2/ 76).