جديد على منتدى اللمة (من أروع خطب عرفات، للعلامة الشيخ المفتي عبد العزيز أل الشيخ)

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,286
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
حصريا على منتدى اللمة (من أروع خطب عرفات، للعلامة الشيخ المفتي عبد العزيز أل الشيخ).
الخطبة تعود الى عام 1424 هجري وهي هنا نقلا عن مجلة البحوث الاسلامية الصادرة في شهر صفر من نفس السنة العدد الحادي والسبعون.

الخطبة :
يا أيها الناس : أوصيكم ونفسي بتقوى الله ، فهي وصية الله للأولين والآخرين ، وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ، اتقوا ربكم عباد الله تقوىً تستقيمون عليها إلى أن توافوه جل جلاله ، فذاك عنوان الخير والهدى ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ .

اتقوا الله في أقوالكم فلا تقولوا إلا الحق والسداد . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ، اتقوا الله في أعمالكم . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، اتقوا الله في سركم ونجواكم ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ اتقوا الله في عباداتكم فالمتقون هم العابدون لله حقًا ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . اتقوا الله في معاملاتكم فلتكن على وفق شرع الله . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . اتقوا الله في أهليكم وأولادكم فعلى الخير ربوهم ، وبالتوجيه الإسلامي وجهوهم . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ . اتقوا الله في عهودكم فلا تنقضوها .
(الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ).
اتقوا الله في أيمانكم فبروا بها . . وَلاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا .
اتقوا ربكم فإنه من يتق الله يجعل له مخرجًا . . ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرًا ، ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا .
اتقوا ربكم فإن الدار الآخرة للمتقين . . اتقوا ربكم . . فإنه من يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون .
أمة الإسلام يقول الله جل وعلا : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ .
سأل سفيان بن عبد الله الثقفي النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك ، قال : " قل آمنت بالله ثم استقم أخرجه مسلم .
عبد الله : إن السعادة في الدنيا وإن النجاة في الآخرة ، إنما هي بالإيمان بالله والاستقامة على طاعة الرحمن .
عبد الله عليك بالإيمان بالله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ، تعتقد بيقين جازم أن الله هو الذي خلقك وهو الذي أحياك ثم يميتك ، وهو الذي رزقك ؛ بيده الأمر مدبر الكون ، لا خالق غيره ولا رب سواه .
وتؤمن بأن من هذه أفعاله فهو المستحق أن يعبد دون سواه ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ .
آمن بأسماء الله وصفاته وأن لله أسماء حسنى وصفات عُلى تثبتها له سبحانه كما أثبتها لنفسه وأثبتها له نبيه صلى الله عليه وسلم ، معتقدًا حقيقة معناها على ما يليق بجلال الله من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تأويل . لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .
آمن بملائكة الله ، وأنهم عباد مكرمون لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ، فتؤمن بمن علمت أسماءهم وأعمالهم على التفصيل وما لم تعلمه آمن به إجمالاً .
آمن بكتب الله التي أنزلها على رسله لهداية البشر وهي حق وما فيها حق ، فتؤمن بما سمى الله لنا في كتابه ، تؤمن بصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى ابن مريم عليهم السلام . .
وأن هذه الكتب لازمة الاتباع على الأقوام الذين أرسل فيهم هؤلاء الأنبياء عليهم السلام ، وتؤمن بكتاب الله القرآن الكريم الذي أنزله الله ليكون خاتمة كتبه جل وعلا ، أنزله مهيمنًا على ما سواه ناسخًا لها ، مصدقًا للحق مبطلاً للباطل ، سمعه جبريل عليه السلام من رب العالمين عز وجل ، وبلّغه الرسول صلى الله عليه وسلم وتلقاه الصحابة عن رسول رب العالمين ، وَإِنَّهُ لَتَنْـزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَـزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ محفوظ بحفظ الله له إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ الإيمان به والعمل به سبب السعادة في الدنيا والآخرة والإعراض عنه سبب الشقاء في الدنيا والآخرة . فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى .
آمن برسل الله عز وجل وأنهم بشر اصطفاهم الله برسالاته وأرسلهم الله ليبلغوا العباد رسالات الله ويقيموا عليهم حجة الله رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ.
متفاوتون في الفضل أولوا العزم أفضلهم ، وسيد الأولين والآخرين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الجميع أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، بعثه الله إلى جميع الثقلين ورسالته باقية إلى قيام الساعة . . وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا تَبَارَكَ الَّذِي نَـزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ، لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها عنه فصلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين .
آمن باليوم الآخر وبما أخبر الله عنه ، أو أخبر عنه نبيه صلى الله عليه وسلم من حين مفارقة الروح للجسد ، حتى يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار .
آمن بالقدر خيره وشره من الله إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وكل شيء يجري فبتقديره وحكمته وهو القادر على كل شيء وهو الحكيم العليم .
ومن الإيمان بالله ، الاستقامة على طاعة الرحمن ، فتلزم فرائض الإسلام ، تؤدي الصلوات الخمس كما أمرك بذلك ربك ، فهي عنوان التزام الإسلام ، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة حافظ
عليها رحمك الله ، فإنها عمود الإسلام والركن الثاني من أركانه .

وقد أطلق النبي صلى الله عليه وسلم وصف الكفر على تاركها ، العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر . أدِّ زكاة مالك طيبة بها نفسك ، وصم شهر رمضان ، وحج البيت متى استطعت إلى ذلك سبيلا ، تلك أركان الإسلام متى ما حافظت عليها سهل عليك ما بعدها ، برَّ بالوالدين ، صل الأرحام أحسن الجوار ، مُر بالمعروف وانْهَ عن المنكر على قدر علمك وقدرتك ، اصدق إخوانك ، وانصح لهم واحذر الغش والخيانة ، وبالجملة . . كن مسلمًا صالحًا ، و المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده أخرجه مسلم ، والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح .
أيها الناس : هذا دين الإسلام ، دين العبادة والمعاملة ، دين العقيدة والشريعة ، دين شامل لخيري الدنيا والآخرة ، دين صالح لكل زمان ومكان ، دين جمع الله فيه الخير كله ورفع به الآصار والأغلال ، دين أكمله الله وأتمه ورضيه الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا .
مهد الله طريقه للسالكين وأغلق كل باب سواه إلى الجنة ورضا رب العالمين . وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ .
أمة الإسلام : إن كل منتم لهذا الدين ، ليسعى دائمًا وجاهدًا في إعزازه وإعلاء شأنه ، ولكن يا أخي المسلم كيف تكون خادمًا لدينك ؟ نعم تكون خادمًا لدينك بعلمك وتعليمك ، بدعوتك إلى الله على علم وبصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، تخدم دينك بسلوكك منهج السلف الصالح في العبادة والمعاملة ، تخدم دينك باستقامتك على هذا الدين ، تخدم دينك باستفادتك من مستجدات العصر فيما يكون سببًا لعز دينك وأمتك ، تكون خادمًا لدينك في كل ميادين الحياة ، بطبك ، بهندستك ، بزراعتك ، بمهنتك ، نافس أعداءك الذين سخروا كل إمكانياتهم وعلومهم في الدعوة إلى باطلهم ، فأنت على الحق فكن ثابتًا على الحق استشعر مسئوليتك أيها المسلم واعرف موقعك في الحياة ؛ لتؤدى الواجب الذي عليك .
أخي المسلم : هل يكون خادمًا لدينه من يطعن في الشريعة ، ويخون حملة هذا الدين من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان ؟
أيكون خادمًا لدينه من يدل على عورات المسلمين ؟ أيكون خادمًا لدينه من يسعى في زعزعة أمن الأمة ؟أيكون خادمًا لدينه من يصم أذنيه عن سماع الحق ؟ أيكون خادمًا لدينه من يتهم علماءه وولاته ويصفهم بالخيانة ؟ أيكون خادمًا لدينه من يزعم قصور هذه الشريعة وعجزها عن مواكبة الحياة ؟ كلا ليس هذا خادمًا للدين .
أخي كيف تعز أمة وهي تُطعن من داخلها؟ ، بل كيف تنهض أمة شبابهم هم أعداؤها؟
يتبع بإذنه تعالى.
 
رد: جديد على منتدى اللمة (من أروع خطب عرفات، للعلامة الشيخ المفتي عبد العزيز أل الشيخ)

أخي . . يا من جعلت الجهاد شعارًا والتكفير مطية ، ألا ساءلت نفسك ، هل من الجهاد في سبيل الله سفك دماء المسلمين ؟ هل من الجهاد في سبيل الله استحلال دماء المستأمنين ؟ هل من الجهاد في سبيل الله تدمير ممتلكات المسلمين؟ هل من الجهاد في سبيل الله زعزعة أمن بلاد الإسلام ؟ هل من الجهاد في سبيل الله تسليط الأعداء على المسلمين وتهيئة الذرائع لهم ؟ .
أيها المسلم كن فطنًا واعيًا ، وإياك أن تكون عاطفيًا حماسيًا ، كن مسلمًا راشدًا وإياك أن تكون ثوريا مندفعًا .
أخي المسلم : إن الجهاد في سبيل الله لم يشرع لسفك الدماء والقتل ، ولا شُرِعَ انتقامًا وتشفيًا ، هو عبادة لله وشعيرة من شعائر الدين ، شُرِعَ للدفاع عن أوطان المسلمين ، وليكون وسيلة من وسائل نشر الدين وإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، وقتال من يمنع وصول هذا النور إلى الخلق ، فإنه دين الله الذي تقبله الفطر السليمة ، فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ
فالإسلام لم يسع ابتداء إلى سفك الدماء ، بل حرص على حقنها ، وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا .
أخي يا من أحببت الجهاد ورفعت شعاره . . ، هلا جاهدت نفسك في قبول الحق والعمل به ؟ هلا جاهدت نفسك في الخضوع والتسليم للكتاب والسنة وإن خالف رأيك وهواك وحماستك ؟ هل جاهدت نفسك في قبول قول الله وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ . وقوله صلى الله عليه وسلم : لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم . هل جاهدت نفسك أخي المسلم في قبول قول النبي صلى الله عليه وسلم : من قتل نفسه بشيء عُذب به يوم القيامة . هل جاهدت نفسك أخي في قبول قول الله : وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ؟ هل جاهدت نفسك يا أخي في قبول قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ .

وقوله صلى الله عليه وسلم : من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتلة جاهلية ، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهده فليس مني ولست منه أخرجه مسلم .
هل جاهدت نفسك أخي في الخوف من قول النبي صلى الله عليه وسلم : أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ومن دعا رجلاً بالكفر ، أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه ؟ .
أخي هل جاهدت نفسك على قبول ما استقر عليه اعتقاد السلف الصالح من أن الجهاد ماضٍ مع ولاة أمر المسلمين أبرارًا كانوا أو فجارًا ؟ . قف مع هذه النصوص وإياك ومجاوزتها والإعراض عنها . وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا .
أيها الناس : لقد مر بالعالم صنوف من البلايا وأنواع من المصائب تهلك الحرث والنسل وتنشر في الأرض الفساد ، اصطلح على تسميتها بالإرهاب ، ومقصدوهم التعدي على النفوس والممتلكات ، وينبغي للمسلم أن يعلو صوته بيانًا للحق وصدعًا بدين الله عز وجل ، وآن للعالم أن يصغي إلى أهل الإسلام بعد أن أسكتهم دهرًا ، آن له أن ينصفهم بعدما ظلمهم وأساء إليهم في دينهم وكتابهم ونبيهم وقبلتهم ، ألا فليعلم العالم أجمع أن ديننا دين الإسلام بريء من الظلم والعدوان ، في الحديث القدسي عن النبي صلى الله عله وسلم عن ربنا جل وعلا : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا . ودين الإسلام يحرم سفك الدماء بغير حق . وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ . دين الإسلام يحرم الغدر والخيانة في الصحيح لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة أخرجه مسلم والبخاري بنحوه .
دين الإسلام يحترم العهود ويعصم دماء المعاهد وماله . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ . وصح في البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة .
دين الإسلام يحرم الإفساد في الأرض بكل أنواعه ، قطع الطريق وغيره من اختطاف الطائرات ، والسفن والمراكب ، ووسائل النقل ، وحرم الإخلال بالأمن وبث الفساد ونشر المخدرات ، ويقول الله عز وجل :( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ) .
دين الإسلام يحرم السعي في قلب أنظمة الحكم الشرعية القائمة ، في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم ، فاقتلوه . أيها العقلاء المنصفون في أقطار المعمورة هل بعد هذا يوصف ديننا بالإرهاب ، لا بد من وقفة صادقة تراجعون بها أنفسكم وتعودون بها إلى ضمائركم وعقولكم ولا يكن لأحد عليكم وصاية حتى تعلموا موقف الإسلام من تلك البلايا التي نسبت إليه والإسلام منها براء .
أيها الناس : إن العدل في جميع الأمور هو أساس السعادة وعنوان الرقي ، أمر الله بالعدل ونهى عن الظلم . إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ . على العدل قامت الممالك وبالعدل تستمر ، فدولة الإسلام الأولى على العدل قامت وبالعدل دامت ، فعدلوا في توحيد الله وإخلاص الدين له ، وطبقوا شرعه ، وعدلوا في إخوانهم المسلمين ، فحكموا بينهم بالسوية ، وعدلوا في رعاياهم من غير أهل دينهم فعاشوا في ظل دولتهم معصومي الدم والمال في عيشة هنيئة ، هكذا عدل الإسلام ؛ لأن الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، إني أدعو أمم الأرض إلى العدل وأحذرهم من الظلم فإن عاقبته وخيمة وعلى الظالم تدور الدوائر .
صناع القرار في العالم ، رجال السياسة والفكر ، أيها المنصفون أيها العقلاء ، إني أخاطب كل ذي عقل يحكمه عقله ، وكل منصف لا يرضى بالظلم والتجني ، أخاطب فيكم ضمائركم وحبكم للعدل وكراهيتكم للظلم مهما كان مصدره ، أسائلكم . . والله شهيد عليّ وعليكم ، أسائلكم . . والتاريخ شاهد بمواقفكم لمن بعدكم ، أسائلكم . . هل من العقل أن نؤاخذ أمة بشهادات خصومها وأعدائها ؟ هل من الإنصاف أن نحكم على أمة بجريرة بعض شذاذ أبنائها؟ أليس من قلة العقل والسفه أن نتجاهل أمة لها كيانها لها أصولها ، لها جذورها ، حكامها قائمون ، علماؤها متواجدون ، كتبها ناطقة بما تحمله من فكر ورأي سليم سديد ، ونأخذ ذلك من الجاهلين بها أو من الحاقدين عليها أو من أناس لا يعرفون حقيقتها ، إن قومًا شنوا حربًا شعواء على ما يسمى بالوهابية ، ومرادهم بذلك القدح في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، وصفوها بالإرهاب وبسفك الدماء وصفوها بالتشدد ، وصفوها بالاعتداء على العالمين كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا . أعانهم على ذلك بعض أبناء جلدتنا قلت ديانتهم فخانوا أمانتهم وقالوا الباطل والزور .
أيها العقلاء أيها الأحرار ، أتدرون من هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب ؟ إنه رجل أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قرأ كتاب الله وكلام رسوله ، فآمن بهما عاش في واقع مرير ، تسلط فيه الطغاة ، وقهر القوي الضعيف ، عاش في مجتمع غلب عليه الجهل والقتل والسلب والتفرق فلم يرض بهذا الواقع ونهض بمسئوليته آخذًا بميثاق ربه وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ، فدعا إلى الله ، دعا إلى عبادة الله وإخلاص الدين له ، عاش في مجتمع تعلقوا بالقبور والأشجار والأحجار ، دعاهم إلى توحيد الله ، دعاهم إلى اتباع الكتاب والسنة ، دعاهم إلى العدل والاجتماع والبعد عن السلب والنهب والإفساد ، دعاهم إلى حياة دينية مدنية هنيئة ، سار على ذلك أتباعه ، وعلى هذا مضت حكومات هذه البلاد وملوكها ، قامت هذه الدولة العزيزة

على هذا الدين وستظل عليه إن شاء الله ثابتة مستقيمة ، ثبتنا الله وإياهم على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، فلم يمنعهم دينهم من التقدم والرقي ، ولم يمنعهم من مخالطة غيرهم وإفادتهم والاستفادة منهم ، حتى غدت هذه الدولة من أكثر دول المنطقة تقدمًا ورقيًا ، أفتكون هذه الدولة إرهابية؟ أم تكون هذه الدولة متخلفة ؟ أين أنتم عنها منذ أكثر من مائتي عام حين كانت شحيحة الموارد ؟ أفكنتم عنها غافلون هذا الزمان الطويل ؟ أم أنتم فيها طامعون حين منَّ الله عليها وفاضت خيراتها ؟ .
أيها القادة في العالم الإسلامي ويا صناع القرار فيه أنتم تعلمون أن أمتكم إنما أتيت من قبل تفرقها وبعدها عن دينها فاتقوا الله فيها ، إننا ندعوكم إلى إقامة اتحاد إسلامي عالمي قوي أساسه توحيد الله عز وجل ، ومنهاجه شريعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا . مرجعنا كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، فمنها الحكم وإليها التحاكم فَلا وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ .
نعم أيها القادة والولاة وصناع القرار نريده اتحادا إسلاميًا في

السياسة والاقتصاد والأمن ، أثبتوا للعالم كيف تصلح الدنيا إذا سيست بالدين ، كيف ينمو الاقتصاد ويزدهر إذا وافق شرع رب العالمين ، كيف ينعم الناس بالأمن إذا طبقوا أحكام الشريعة .
أيها القادة ولئن كان هذا المطلب ملحًا في وقت مضى فإنه اليوم أشد إلحاحًا وأكثر ضرورة . . اليوم وقد أحاط أعداؤكم بدياركم . . اليوم وقد هوجمتم في عقر داركم اليوم وقد جاهروا بعداء دينكم . . اليوم وقد سلبت خيراتكم . . اليوم وقد تداعت عليكم أمم الأرض حقدًا وحسدًا وطمعًا . فماذا تنتظرون؟ إنكم لن تواجهوا عدوكم وأنتم متفرقون ، ولن تقدروا عليهم وأنتم متناحرون ، فلا بالوسائل الشرعية عملتم ولا بالأسباب الكونية أخذتم ، فاتقوا ربكم .
علماء الأمة : إن أمتكم بأمس الحاجة إلى علمكم . . أمتكم غارقة في ظلام الجهل والضعف . . لا يرفعه إلا نور العلم والإيمان . . فأمسكوا زمام الأمور وبادروا بقيادة الأمة إلى ما فيه خيرها وسعادتها ، لا تكتموا علمكم ولا تتوانوا في نشره فالله تعالى يقول : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ .
أيها العلماء إن أمتكم تعصف بها في هذه الأوقات رياح الغلو والجفاء ، وكلاهما ضلال وبعد عن صراط الله المستقيم ، إن هناك

أقوامًا غلو في دين الله فأضلوا عباد الله واستغلوا حماسة شبابنا وغضاضة قلوبهم فربوهم على التكفير ، ربوهم على التفجير ، ربوهم على كراهة علمائهم وولاة أمرهم ، ربوهم على عدم المبالاة بمصالح بلاد الإسلام .
وهناك أقوام جفوا في دين الله وزعموا قصور الشريعة عن القيام بمصالح الأمة زعموا أنها سبب للتخلف زعموا أنه لا بد من ترك الدين حتى تسلم لنا الدنيا .
فواجب عليكم أيها العلماء بيان دين الله الحق فإنه وسط بين الغالي فيه والجافي عنه ، كونوا واضحين في بيانكم صريحين مع إخوانكم بينوا لهم حدود الدين بينوا لهم ما يجب عليهم من حق الله عز وجل بينوا لهم حرمة دماء المسلمين بينوا لهم قدر بلاد الإسلام ، ووجوب حياطتها والدفاع عنها .
دعاة الإسلام . . إننا ندعوكم إلى التعاون والتكامل والاستقامة على منهج الحق ، على الكتاب والسنة ، وفق منهج سلف الأمة ، انبذوا الخلافات وادعوا إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي .

أيها المسئولون عن وسائل الإعلام في بلاد الإسلام . . إن رسالتكم من أعظم الرسائل ، ووسائلكم من أعظم الوسائل ، فهي سلاح ماضٍ في بيان الحق ونشر دين الله والدعوة إليه إن عمرت بالخير ، وهي سلاح فتاك ضد دينكم وأمتكم وعقيدتكم إن استغلت في الشر ، فألله الله برسالتكم ، وراقبوا ربكم في أعمالكم وأقوالكم .
يا رجال التربية والتعليم . . عقول أبنائنا وبناتنا بين أيديكم ، وتربيتهم أمانة في أعناقكم . . أنتم بُناة الأجيال أنتم حملة الأمانة العظيمة ، حصنوا أبناءنا بالعقيدة الصافية حصنوا أبناءنا بالشريعة المحمدية ، حصنوا أبناءنا بالأخلاق الفاضلة ، إياكم والمساس بثوابت الدين في مناهج المسلمين ، وطوروا ما يفيد الأمة من علوم تقنية ودنيوية .
شباب الإسلام . . أنتم بتوفيق الله عدة هذه الأمة وعليكم تنعقد آمالها فاتقوا الله فيها ، عليكم بالحلم والأناة في أموركم إياكم والاندفاع إياكم والعجلة ، الزموا فرائض الله عز وجل واجتنبوا محارمه ، اسمعوا وأطيعوا لمن ولاَّه الله أمركم ، وجالسوا علماءكم وحكماءكم وكباركم ولا تعتدوا بآرائكم .
شباب الإسلام . . إياكم والأفكار الضالة ، مهما كان شعارها ، شباب الإسلام كونوا لأمتكم عونًا ولا تكونوا عليها عالة أو تجروا إليها الوبال .

شباب الإسلام عليكم بالفقه في دين الله ، ولا تسمعوا لكل متكلم ولا تثقوا في كل متعالم ، زنوا الأقوال والأعمال بميزان الشرع ولا تحملنكم العاطفة والهوى على أفعال لا تحمد عقباها .
أختي المسلمة العزيزة : لقد عاشت المرأة في الجاهلية ، في مهانة وضَعَةٍ تقتل المرأة في مهدها ، وإن أُمسكت ، أُمسكت علي خزي وهون فجاء الإسلام فأعز المرأة ورفع من شأنها ، كانت ممتهنة مبتذلة فرعاها حق الرعاية وخلصها من ظلم الجاهلية ، طهرها وأعزها وسمع صوتها وأنزلها المنزلة اللائقة بها ، ولكن الأعداء يريدون غير ذلك ، يريدون منك أيتها المسلمة أن تكوني ألعوبة بأيدي الرجال ، يريدونك فاكهة في مجالسهم ولذة في أنديتهم ، فاتقِ الله ، كيف أنت وقد ذهب دينك وسلب حياؤك وانتهك عرضك وانتقص دينك ، فاتقِ الله وتأسي بمن مضى من السلف الصالحات في هذه الأمة والله يقول لأزواج نبيه وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ .
حجاج بيت الله الحرام ، الآن وقد قطعتم البحار وطويتم القفار وأطلتم الأسفار ، ها أنتم قد بلغتم مرادكم ، نعمة من الله عليكم إلى بلد لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ . وصلتم إلى هذا البلد الحرام في الشهر الحرام متلبسين بالإحرام ، اجتمعت لكم حرمة الزمان والمكان وحرمة الهيئة ، فاقدروا لهذا البلد قدره ، واعرفوا له مكانته .
حافظوا على أمن بيت الله الحرام . . واحذروا الإلحاد فيه ، فإن ذلك من أعظم الجرم ، وإياكم وما يزعزع أمنه فإنه من الصد عن سبيله إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ .
حجاج بيت الله الحرام ، لكم في هذه البلاد إخوان في الدين يسهرون الليالي في سبيل حسن استقبالكم وتنظيم سيركم وتنقلاتكم ، فلهم عليكم حق أن تدعوا الله لهم وأن تلزموا الأنظمة المرعية التي هي سبب في انتظام سيركم . حجاج بيت الله الحرام ، هذا يوم عرفة ، . . . يوم عرفة الذي يقول فيه محمد صلى الله عليه وسلم : الحج عرفة هذا اليوم من وقفه كان مدركًا للحج ، ووقت الوقوف هذا اليوم ممتد من طلوع شمسه إلى طلوع فجر يوم العاشر ، فمن أدرك عرفة في هذا الوقت فقد تم حجه قال صلى الله عليه وسلم : الحج عرفة ، من أدرك جمعًا قبل صلاة الفجر فقد أدرك أخي الحاج ، هذا يوم من أيام الله العظيمة ويوم من الأيام المباركة ، وقفت أخي بصعيد عرفات أوصيك ونفسي بتقوى الله في هذا اليوم ، أكثر فيه من التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل استغفر الله من خطاياك وزللك ، ارفع أكف الضراعة إلى ذي الجلال والإكرام ، هذا يوم يباهي الله بكم حجاج بيته الحرام ملائكته انظروا إلى عبادي شعثًا غبرًا أخرجه الإمام أحمد في مسنده ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة أخرجه مسلم ، أتى نبيكم صلى الله عليه وسلم هذا الموقف ، فوقف بنمرة ثم دفع إلى عُرنة فخطب بها الناس خطبةً عظيمةً نافعةً وجيزةً ، بيَّن فيها حرمة الدماء والأموال ، وألغى فيها مآثر الجاهلية ورِبَاها ودماءها وأخبرهم أنه تارك فيهم ما إن تمسكوا به لن يضلوا كتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم ؛ صلى بهم الظهر والعصر جمعًا وقصرًا في وقت الظهر ، أمر المؤذن فأذن فأقام وصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ، ثم أتى عرفة فكان واقفًا على راحلته مستقبل القبلة ، يدعو ربه ويتضرع بين يديه ، رافعًا يديه خاضعًا مستكينًا خاشعًا راجيًا ، صلوات الله وسلامه عليه ، سقط خطام ناقته فتناوله بإحدى يديه ويده الأخرى رافعها يدعو الله ويرجوه ، أفطر في ذلك اليوم ليبين أن الفطر للحاج أولى من الصيام بعث إليه بقدح لبن فشربه والناس ينظرون ، سقط رجل من أصحابه عن راحلته ، فقال : اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا .
صلوات الله وسلامه عليه ، لم يزل واقفًاِ حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا وغاب القرص ثم دفع منها إلى مزدلفة وهو يحث الناس على السكينة والوقار ، أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء جمعًا حين قدم ، ثم بات بها ، وأَذِن للضعفة بالرحيل بعد منتصف الليل وصلى بمزدلفة الفجر وذكر الله عند المشعر الحرام ثم انصرف إلى منى فرمى جمرة العقبة ، ثم نحر هدية وحلق رأسه فتحلل التحلل الأول وطيبته عائشة رضي الله عنها قبل أن يطوف بالبيت ، ثم أتى البيت وطاف به طواف الإفاضة ، ثم تحلل التحلل الثاني . فهذه هي أعمال يوم النحر التي يحصل بها التحلل : رميُ الجمرة والحلق أو التقصير ثم الطواف بالبيت ، ومن قدم شيئا على شيء فنبينا صلى الله عليه وسلم يقول : افعل ولا حرج ، فمن رمى وحلق أو طاف بالبيت ورمى وطاف البيت ، حل له كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء ، ومن رمى وحلق وطاف بالبيت حل له كل ما حرم عليه بالإحرام ، ثم يبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر ، وأما رمي الجمار في اليومين فإنه يكون بعد الزوال . والرمي ممتد من الزوال إلى طلوع الفجر الثاني .
(الجزء رقم : 71، الصفحة رقم: 30)
فإن كنت متعجلا فانصرف قبل غروب الشمس في اليوم الثاني عشر ، وإن شئت فبت بمنى وارم الجمار في اليوم الثالث عشر ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ .
حجاج بيت الله الحرام ، الأمن نعمة من نعم الله على عباده ، بين الله قدره في كتابه العزيز فقال عن خليله إبراهيم عليه السلام في دعائه : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ .
أمة الإسلام : إن الله سبحانه قد اختص نفسه ورسوله والمؤمنين به بالعزة : وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ .
أيها المسلمون إن كنتم تبحثون عن العزة في الدنيا والسعادة في الآخرة فهي بين أيديكم ، إن كنتم تريدون القيادة والسيادة على العالمين فهذا هو شأن دينكم .
أيها المسلمون عودوا إلى ربكم فإن العزة له وبيده أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا .
أيها المسلمون راجعوا دينكم فلا ظهور ولا نجاة لكم إلا به (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) .
أيها المسلمون قوموا بما أراده الله لكم من قيادة العالم إلى الخير والشهادة عليهم بأعمالهم : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ .
علام تعطون الدنية في دينكم والله قد أعلى شأنكم وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .
هذه دياركم ومقدساتكم بأيدي أعدائكم ها هي فلسطين الطاهرة ومسجد الأقصى المقدس دنسته أيدي يهود أين أنتم أيها المسلمون ، ألا كلمة تجمعكم ألا دين يوحدكم؟
إخوة الإسلام . . لقد سعى الأعداء في تفريق أقاليمكم فنجحوا وهاهم يتجاوزون ذلك إلى تفريق قلوبكم وتشتيت كلمتكم بألقاب تتنابزون بها ما أنزل الله بها من سلطان وأحزاب وشيع تتعصبون لها قد حذركم الله منها فأين أنتم عن دينكم عن أوامر ربكم ونواهيه . .
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ .

أيها المسلمون . . إن نعمة الأمن من أعظم النعم التي امتن الله بها على عباده . . بها يهنأ العالم والعابد والجاهل ، بها يهنأ الصغير والكبير ، بها يهنأ الرجل والمرأة ، بها يهنأ الإنسان بل والحيوان . الأمن ينال بالإيمان والاستقامة على طاعة الرحمن وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا .
أيها المسلمون لقد مرّ بأسلافكم المسلمين أعوام لا يكاد يحج البيت إلا النذر القليل إذا ودع الحاجّ أهله فإنهم لا يرجون رجوعه فالطريق مخوف والسفر طويل والأمن قليل .
وها أنتم تنعمون بهذه النعمة السابغة فاشكروا ربكم عليها وأدعو لمن تسبب فيها من ولاة هذه البلاد الذين حرصوا على العناية بالحرمين أمنًا وتوسعة وتهيأة بكل ممكن للتيسير على حجاج بيت الله .
فمنذ تولي الملك عبد العزيز غفر الله له ، وشرفه بولاية هذا البيت والبيت يزداد كل عام خيرًا ، تعاقب علية أبناؤه الملوك البررة ، ولا يزال إلى هذا العهد المبارك في عزة وقوة ، فجزى الله الجميع خيرًا ، ووفقهم لما يحبه ويرضاه ، وأعانهم على كل خير .
اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد ، عالم الغيب والشهادة ، يا بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم ، نسألك أن تجمع قلوب المسلمين على طاعتك ، اللهم وحد شملهم ، اللهم اجمعهم على الحق والهدى ، اللهم أبدلهم بالذل عزا ، وبالضعف قوة ، وبالتفرق اجتماعًا وتآلفًا ، اللهم قوّ قلوبهم وأصلح ولاة أمرهم ، اللهم أصلح شأنهم وأعذهم جميعًا من مضلات الفتن ، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، وألفّ بين قلوبهم ، وأصلح ذات بينهم ، وانصرهم على عدوك وعدوهم ، وأهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور ، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ، ربنا إنك رؤوف رحيم ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه ، اللهم انصر به دينك ، وأعلِ به كلمتك ، اللهم أره الحق حقًا وارزقه إتباعه ، وأره الباطل باطلاً وارزقه اجتنابه ، اللهم أمده بالصحة والعافية ، وبارك له في عمره وعمله ، اللهم وفق ولي عهده لما يرضيك ، وسدده في أقواله وأعماله ، ووفق النائب الثاني ، واجعلهم جميعًا دعاة إلى الخير والتقوى ، واللهم وفق واجز خيرًا رجال الأمن والمسؤولين عن اللجنة المركزية العليا للحج ، جزاهم الله عما قدموا للإسلام والمسلمين خيرًا ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ، أعاده الله عليّ وعليكم أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة في صحة وسلامة ؛ وعزّ للإسلام وأهله إنه على كل شيء قدير .
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top