حربُ طروادة هي إحدى أشهر الحروب في التّاريخ، دارتْ رحاها بين طروادة وإسبارطة، وكانتْ الفاتنة " هيلين " هي الشّرارة التي أوقدتْ نار تلك الحرب التي استعرتْ أعواماً، كانتْ " هيلين " متزوجةً من شقيقِ ملك إسبارطة، وعشِقتْ وهي تحته ابن ملك طروادة، وهربتْ معه إلى مملكة أبيه، فجمع الإسبارطيّون جيشاً عرمرماً ، وركبوا البحر إلى طروادة، وضربوا حولها حصاراً خانقاً.
خرج الطرواديّون ينظرون في مطالب الإسبارطيين علّهم يتجنبون هذه الحرب، فاقترح عشيق هيلين أن يتبارز مع زوجها، فإن هزمه يرجعُ الإسبارطيون من حيث أتوا، وإن قُتل على يد زوجها يكون الزوج قد ثأر لشرفه.
لاقى هذا العرض استحسان زوج هيلين، إذ رأى في خصمه لقمةً سائغة، فهو ليس من أهل الحرب كأخيه الأكبر " هيكتور " قائد جيش طروادة ، وولي عهد المملكة ، والذراع الأيمن لأبيه .
ولكن ملك إسبارطة قال لأخيه : أَوَتحسبُ أنّي جهّزتُ كلّ هذه الجيوش لأجل زوجتك الشّبقة، لقد أتيتُ لأجل طروادة يا عزيزي !
منذ فجر التّاريخ اعتاد السّاسة أن يُغلّفوا حروبهم بالأفكار النبيلة ليُقنعوا النّاس بخوضها ، وكلّما كان الهدف المُعلن للحرب أكثر نُبلاً كان النّاس أكثر تقبّل لخساراتهم !
فعندما دخل حزب الله الحرب في سوريا ، لم يكن بإمكان حسن نصر الله أن يقول لجمهوره أننا دخلنا هذه الحرب لأنّ عمامة سوداء في قُم تريد هذا،
لقد أخبرهم أنّ : " زينب لن تُسبى مرّتين " !
مع أنّ زينب التي لم تُسبَ في المرّة الأولى حتّى ، مدفونة في الشام منذ ألفٍ وأربعمئة سنة، وطوال هذه الأربعة عشر قرناً من الزمن كانتْ الشّام تحت حُكم السُّنّة ، بأُموييهم وعبّاسييهم ومماليكهم وأيوبييهم وعثمانييهم، ولو أرادوا سبي حجارة مقام زينب فلن يمنعهم أحد، ولكن كان لا بُدّ من ربط هذه الحرب بالدين، فثمة قطيع كبير لا ينساق إلا إذا هشّ عليه الملالي بعصا أهل البيت !
مع روسيا كان الأمرُ مختلفاً، فلم يكن بإمكان بوتين أن يُخبر الرّوس أنّ " ناتاشا لن تُسبى مرّتين " ، فنتاشا إذا بلغت الثامنة عشرة ولم تكن قد سُبيتْ بعد، فإنّ أهلها سيأخذونها إلى الطبيب ليعرفوا ما الذي أخّر سَبْيَها المُبارك ! ولكن كان لا بُدّ من فكرة نبيلة، فاستعان بالكنيسة التي أرسلتْ قساوستها لمباركة طائرات سوخوي قبل أن تذهب لتشرب دم أطفال سوريا ، فأعلنوها حرباً مقدّسة ، وقُضي الأمر !
روسيا دخلتْ حرب الدفاع عن مصالحها بنفسها لأن الأسد صار أضعف من أن يخوض حرباً بالوكالة عنها، فقد علمت أنّ النظام زائل لا محالة، وأنّه اليوم أشبه بالخلافة العثمانيّة آخر أيّامها، الرّجل المريض، وهو اللقب الذي أطلقه قيصر روسيا نيكولاي الأول ، ودعا بريطانيا أن تشترك معه في اقتسام مناطق نفوذها، وها هو التّاريخ يُعيد نفسه، روسيا وإيران يرثان الأسد وهو في النّزع الأخير، فماذا بقي من نظام تحارب عنه دولة في البر ودولة في السماء، إنّهما يُطيلان عمره لفرض حلّ سياسيّ ، وضمان حصّة جيّدة إذا حانت لحظة تقسيم الكعكة
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية