لقد حكى الله تعالى لنا على لسان لقمان ما أوصى به لقمان ابنه من الوصايا الجامعة لخيري الدنيا والآخرة. وكانت الوصية بالتوحيد في مقدمة تلك الوصايا نظراً لأهميتها وعظيم قدرها ثم ثنى بالوصية ببر الوالدين وطاعتهما، وثلث بالعبادات، وختمت الوصايا بالوصية بلزوم الأداب الفاضلة والأخلاق الكريمة.
ذكر الله قصة لقمان عليه السلام في القرآن بسورة، وتكلم الله عز وجل عن كلام هذا الرجل الصالح، الذي أصلح الله قلبه. وكان لقمان مولى من الموالي، لكن رفع الله عز وجل ذكره بالتقوى، كان مملوكاً ولكن أحيا الله قلبه بالتوحيد والإيمان، ذكر في ترجمته: قال له مولاه: يا لقمان! ائتني بأطيب شيء في الإنسان، وبأخبث شيء فيه واذبح ذبيحة، فذبح ذبيحة وأتى بلسانها وقلبها وقال: هذا أطيب شيء إذا طاب، وهذا أخبث شيء إذا خبث. يقول سبحانه وتعالى عنه في القرآن: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ لقمان:12] ما هي الحكمة وما معناها، وكيف نعرفها أيها الكرام؟الحكمة كما قال السلف: مخافة الله، وفي أثر يروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (رأس الحكمة مخافة الله)
والحكمة إذا أطلقت في القرآن فلها معنيان اثنان: إذا ذكرت مع القرآن فمعناها السنة: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَة [الأحزاب:34] وإذا ذكرت وحدها فمعناها وضع الشيء في موضعه، ومعناها التسديد في الأمور، يقول سبحانه: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة:269]
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ [لقمان:12] ثم فسرها الله: أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ [لقمان:12] لا إله إلا الله ما أعظمها من حكمة! ورأسها شكر الله عز وجل، وصايا لقمان لابنه
والوصايا هي الحث على خير والتحذير من شر، وأعظم وصية في الحياة الوصية بالتقوى.
الأولى: التحذير من الشرك بالله
قال: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ [لقمان:13] أي: يوصيه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ؛ لا تشرك بالله. والشرك له صور متعددة، فليس هو عبادة الصنم والحجر والوثن فقط، بل له صور، وبعض العلماء يقول: من توله بلعبة حتى قدمها على حُبِّ الله ووالى من أجلها وعادى من أجلها؛ فقد أشرك بها لقوله سبحانه وتعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية:23].
يقول: لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] من أعظم الذنوب في الأرض الشرك، والصور الموجودة الآن التي تنتشر: الكهانة والسحر والشعوذة، وقد انتشرت كثيراً.ومن صورها كذلك الولاء للكافر والبراء من المؤمن.ومن صورها كذلك تعظيم الكفار على حساب المؤمنين.ومن صور الشرك: الاستهزاء بآيات الله، بالمصحف، بأهل الاستقامة، بالرسول صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبالمساجد وبالإسلام.ومن صوره كذلك قول بعضهم الإسلام دين رجعية، والإسلام لا يصلح أن يواكب العصر، والإسلام انتهى، وهذه كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [الكهف:5]
الرابعة: الوصية بالصلاة والمحافظة عليها
بعد ذلك أتى إلى العبادات، قال تعالى: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان:17] يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ [لقمان:17] وقضية الصلاة في حياة المسلم هي قضية الإسلام والدين، وهي أكبر قضية بعد التوحيد، نادى بها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وما بلغ الجيل مبلغ ترك الصلاة إلا يوم دخلوا في باب الكفر، ودخلوا الإلحاد والزندقة. وقضية أن يترك الإنسان الصلاة معناها أنه يكفر، إلا أن يعود إلى الإسلام، ومعناها أنه كتب على نفسه أنه مرتد، وأحل دمه للسيف، وعرضه وماله، يقول عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) ويقول: (بين المسلم والكافر ترك الصلاة) وهي أحاديث صحيحة، ويقول في الصحيح: (والذي نفسي بيده! لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) نعوذ بالله من النار.ترك الصلاة كفر، . يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ [لقمان:17] وهي زاد الداعية وزاد المسلم وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:45-46].فقضية الصلاة هي زاد المسلم في الحياة، كان يقول عليه الصلاة والسلام إذا اهتم واغتم: (أرحنا بها يا بلال).. (وكانت قرة عينه في الصلاة) ذكر عمر الصلاة وهو في سكرات الموت فقال: [[الصلاة الصلاة! لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة]].
الخامسة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ [لقمان:17] قال سبحانه وتعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79] والله يقول: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].الأمر بالمعروف واجب عليّ وعليك، فليس هناك هيئة خاصة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس هناك فئة أو كيان يجب عليها وحدها فقط أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؛ فإنا معرضون لغضب الله وسخطه وعذابه.الرجل في بيته، والمرأة في بيتها، والأستاذ في مدرسته، وكذلك العامل والموظف والفلاح ،
السادسة: الوصية بلزوم الأدب والأخلاق
الآن ينتقل إلى السلوك والأدب، قال تعالى: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:18] لا تصعر خدك للناس، والصعر داء يصيب الجمل في عنقه فيصبح مصعوراً دائماً يمشي كذا، ولذلك المتكبر تجده كالطاوس، يقولون: أحمق الناس المتكبر، فهو يرى الناس لا شيء، وهو أتفه الناس لديهم، فهو يتعالى على الناس ولكن الله يقول: اخسأ لن تعدو قدرك، ومن تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه، وجزاء المتكبر أن يحشر يوم القيامة في صورة الذر؛ يطأه الناس بأقدامهم يوم العرض الأكبر، فهو سمين بدين كبير لكن يأتي في صورة الذرة؛ لأنه تضخم في الدنيا فصغره الله وحجمه يوم العرض الأكبر.من صفات المتكبرين أنه يحب أن يتحدث مع الناس دائماً في الطريق، فلا يحب أن يمشي وحده، ودائماً تجده يتكلم ولو كان كلاماً لا نفع فيه، ومن صفات المتكبر: أنه غضبان دائماً بدون شيء، لكن غضب الكبر، يقول:وجوههم من سواد الكبر عابسة كأنما أوردوا غصباً إلى النار هانوا على الله فاستاءت مناظرهم
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً [لقمان:18] فالخطر بالأيادي، ونفخ الصدر، والصعر بالوجه كلها من علامة المتكبرين.وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان:18-19] يعني: امش قصداً إلى حاجتك وبتؤدة وسكينة وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً [الفرقان:63].ثم قال: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ [لقمان:19] لا ترفع صوتك فوق اللازم، فهذا هو أدب القرآن، فيتدخل القرآن حتى في قضية تنظيم الصوت، لأن الواثق من نفسه يتكلم بهدوء، والمسلم عاقل رشيد في ألفاظه.
فلا إله إلا الله ما أعظمها من وصايا! بدأ بالعقيدة والعبادة وبر الوالدين ثم العبادة ثم الأخلاق والسلوك، فهل لنا أن نعود من هنا فنتدبر هذه الآيات، ونعيد قراءتها في التفسير، كـتفسير ابن كثير، ونجعلها قضيتنا الكبرى حتى نطبقها في واقعنا وحياتنا لنعيش حياة السعادة، وحياة الإيمان: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس:9-10].فالحمد لله أولاً وآخراً، وسراً وجهراً، والحمد لله ليلاً ونهارا،ً الحمد لله الذي جمعنا بكم، والحمد لله الذي جعلنا نتكلم عن الإيمان، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
السلام عليكم
جزاك الله خيرا
يا ليتنا نجد اباء كلقمان الحكيم
لاصبح عندنا جيل يخاف الله ويعبده
ويتخلق بالخلق الحسن اين هم
قليلون يعدون علي الاصابع
حكم لها معاني كبيرة روعة
شكرا وجعلها الله في ميزان حسناتك