التفاعل
49K
الجوائز
4.7K
- تاريخ التسجيل
- 10 أوت 2013
- المشاركات
- 10,947
- الحلول المقدمة
- 2
- آخر نشاط
- الجنس
- ذكر
- الأوسمة
- 43
لم أجد غير الخنساءِ عُكّازاً أتّكئ عليه لأعبر مخاض الفكرة! والحديثُ عن الخنساءِ ذو شجون، ولكنّه ماتعٌ وأخّاذ! هذه المرأة أسطورة تأخذُ بتلابيب القلب فيخرسُ في حضرتها الكلام! وهي إحدى القلائل اللائي لو كان بيتا المتنبي قماشاً لأتيا على مقاسها كأنّما فُصّلا لها تفصيلاً:
ولو كان النّساءُ كمن ذكرنا
لفُضّلت النّساءُ على الرّجالِ
فما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عيبُ
ولا التّذكير فخرٌ للهلالِ!
مُخضرمةٌ أدركتْ عراقة الجاهليّة، ولم تفتها قافلة الإسلام، فجمعت الحُسنيين، وكانتْ في النّاس كما قال سيّدهم: النّاس معادن خيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام!
امتطتْ صهوة الشِّعر باكراً، وسابقت الرّجال في مضمار القصيدة، وقال عنها النّابغة وقد نصبوا له خيمة الإفتاء ذات عكاظ: الخنساءُ أشعر العرب!
رثتْ أخاها صخراً فبكته الصّحراءُ معها حتى آخر حبّة رملٍ فيها، وعندما جاءتْ تُكحّل عينيها برؤية النبيّ، وتتوضّأ بنور الإسلام، قال لها مُرخّماً: هيه يا خُنيس، أنشديني من حديث صخر!
وفي القادسيّة قدّمتْ أولادها الأربعة شهداء، وسجدتْ لله شكراً: لكَ الحمدُ أنتَ أعطيتَ، وأنتَ أخذتَ! هذا هو الإسلام العظيم يُغيّر نظرة الإنسان ليس للحياة فقط، وإنّما للموتِ أيضاً!
كان صخرٌ أخاً يستحقُّ الرّثاء، مات أبوهما وترك مالاً كثيراً، وكان من عادة العرب أن لا ترث فيهم النّساء، ولكنّ صخراً الذي كان يرى أخته قطعة من القلب، أبى أن لا يكون لها قطعة من المال! فأعطاها نصف الإرث سواءً بسواء! وكان عبدُالعزّى زوج الخنساء في الجاهليّة مقامراً، فقامر بمالها حتى خسره كلّه، فذهبت الخنساء إلى صخرٍ تطلب معونته، فجمع ماله كلّه وأعطاها نصفه ثانية، ثمّ ما لبث عبدالعزّى أن قامر فيه وخسره، فذهبت الخنساء إلى أخيها مرّةً أخرى، فجمع ماله كلّه وأعطاها نصفه ثالثة! ولأنّه لم يبخل عليها بالمال لم تبخل عليه بالشّعر! فخلّدته، وما زلنا كلما سمعنا اسم الخنساء دقّ اسم صخر في آذاننا كناقوس!
هذا الزّمنُ المادّي الذي نعيشه قتل فينا مشاعر حلوة ما كان يجب أن نسمح أن تموت، على رأسها حُبّ الأخوات! أصدقُ عاطفة أنثويّة بعد عاطفة الأم تجاه ابنها، هي عاطفة الأخت تجاه أخيها، حُبّ نقيّ، ليس من ورائه مطلبٌ يُرتجى، ولا غاية تُؤمل! فلماذا نسيناه؟! وأنا لا أتحدّث عن الحُبّ من حيث ما هو عاطفة، ولكن من حيث ما هو معاملة! فالحُبُّ ليس مشاعرَ تُحسّ، وكلاماً يُقال، الحُبُّ كالدّينِ معاملة!
متى كانتْ آخر مرّةٍ دلل أحدنا أخته في البيت، أو أهداها هديّة، أو قال لها أحبّكِ، أو طبع على جبينها قبلة؟! متى كانتْ آخر مرّةٍ زار أحدنا أخته المتزوّجة؟! الأختُ المتزوّجة قطعة من القلب لا قطعة من البيت، ونحن أبعدناها لأن هذه هي سنّة الحياة، وليس زهداً فيها، زوّجناها ولم نتخلّص منها!
دللوا أخواتكم، أغدقوا عليهنّ الحُبّ والاهتمام والحنان، اسقوا بذرة حبّكم في قلوبهنّ لتصير شجراً وتثمر فتقطفوه! أنتم تحتاجون هذا الحُبّ كحاجتهنّ إليه وأكثر! لا يوجد أجمل من عاطفة بلا جزاء ولا مقابل، حُبّ لا شيء فيه سوى أنّه حُبّ! فاجئوهنّ، وأنا أوّلكم: إلى أخواتي :: أحبّكنّ! كل واحدة منكنّ قطعة من قلبي، وأنا آبى إلا أن أجمع قلبي كاملاً في صدري!
ادهم شرقاوي ..