يعلمنا الله عز وجل في القران الكريم بان من الممكن ان يكشف للانسان اثناء نومه عن حوادث مستقبلية ، فيراها ويدرك وقوعها قبل ان تحدث ، وذلك بزمان قد يطول او يقصر .وفي سورة يوسف بالذات يرد ذكر اربع من مثل هذه الرؤى التي تكشف عن احداث مستقبلية .اولها هي رؤيا يوسف عليه السلام .وكما في قوله سبحانه وتعالى : ( اذ قال يوسف لابيه يأبت اني رايت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) [يوسف / 4 ].وهذه الرؤيا التي رآها يوسف عليه السلام وهو طفل صغير ، كانت تنطق بحادثة مستقبلية ما كان مكتوبا لها ان تقع الا بعد سنين طويلة حيث انها كانت تشير الى حادثة سجود أبويه وإخوته له من بعد ان آتاه الله الملك في مصر : ( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يــأبت هذا تأويل رءيى من قبل قد جعلها ربي حقا ) [يوسف / 100]
يعلمنا الله بأن الرؤى مثلما تقع للانبياء يمكن ان تقع لعامة الناس كذلك. ففي نفس سورة يوسف هنالك ثلاث رؤى صادقة عن حوادث مستقبلية ، رآها اشخاص ليسوا من الانبياء .فهنالك اولا رؤيتا صاحبي سجن يوسف اللتان وصفهما الله عز وجل في الاية الكريمة : ( ودخل معه السجن فتيان قال احدهما اني اراني اعصر خمرا وقال الاخر اني أراني احمل فوق راسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ) [يوسف / 36 ] .
وقد فسر يوسف عليه السلام بعلمه الرباني هاتين الرؤيتين : ( ياصاحبي السجن أما آحدكما فيسقى ربه خمرا وأما الاخر فيصلب فتأكل الطير من راسه قضى الامر الذي فيه تستفيان ) [ يوسف / 41 ] واخيرا ، هنالك رؤيا الملك التي تصفها الاية الكريمة : ( وقال الملك انى ارى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا ايها الملاء افتوني في رءيي إن كنتم للرءيا تعبرون ) [يوسف / 43 ].
وقد كانت قدرة يوسف على تفسيرها سببا لاخراجه من السجن : ( قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله الا قليلا مما تأكلون * ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن الا قليلا مما تحصنون * ثم ياتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) [ يوسف / 47 _49 ].
ان الملاحظ على هذه الرؤى الاربع هو انها رمزية ، أي انها تشير الى الاشياء والحوادث من خلال رموز .فعلى سبيل المثال ، نجد بأن الشمس والقمر مثلا في رؤيا يوسف عليه السلام رمزا الى أبويه ، فيما رمزت الكواكب الاحد عشر الى أخوته .وبسبب هذه الرمزية التي جاءت بها هذه الرؤى لم يكن في الامكان تفسيرها الا من قبل من له علم خاص بذلك . ولذلك سأل الفتيان في السجن يوسف عن تفسير رؤيتيهما ، وكذلك فعل الملك ، اذ ان الله عز وجل كان قد انعم على يوسف عليه السلام بهذا العلم الخاص الذي أسماه سبحانه وتعالى ( تأويل الاحاديث ) وكما في قوله عزوجل على لسان يوسف وهو يخاطب ربه ذاكرالفضله عليه : ( رب قد ءاتيتني من الملك وعلمتني من تاويل الاحاديث فاطر السموات والارض انت ولي في الدنيا والاخرة توفني مسلما والحقني بالصالحين ) [ يوسف / 101] .
الا ان الرؤى لاتكون بالضرورة رمزية وانما قد تكون واضحه وصريحه ، وكما في رؤيا أبي الانبياء ابراهيم عليه السلام التي تصفها الايه الكريمه : ( فلما بلغ معه السعي قال يابني إنى أرى في المنام أني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يأبــت افعل ماتؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) [ الصافات / 102].
ان مما لاشك فيه ان موضوع علاقة الاحلام برؤية المستقبل قد شغل الناس منذ بدء الخليقه . ولكن بالرغم من الاهتمام الكبير للناس بتناقل ورواية ماقد شاهدوه هم أم معارفهم من رؤى أثبتت الايام صحتها فإن الاهتمام بهذا الموضوع بقي حتى وقت قريب بعيدا عن ميدان العلم والبحث العلمي . الا ان العقود الاربعة الاخيرة شهدت دخول هذا الموضوع مجال البحث العملي المختبري ، لسببين ، اولهما : الاهتمام المتزايد بالدراسة المختبرية للظواهر الباراسايكولوجية بشكل عا م ، بما فيها مختلف اشكال رؤية الاحداث المستقبلية ، الذي أدى الى نشوء ( الباراسا يكولوجيا التجريبيه ) Experimental Parapsychology كعلم مثل باقي العلوم التجريبية التقليدية كالفيزياء والكيمياء والبايولوجيا . اما السبب الثاني فهو تقدم المعرفة العلمية حول النوم بشكل عام ، وبالذات التوصل الى بعض الاكتشافات العلمية التي يسرت دراسة الاحلام . ولننظر الى الخلفية التاريخية لنشوء هذا التعاون بين الباراسايكولوجيا وعلم حالات النوم .
يعد عالم بايولوجيا النبات جوزيف راين Joseph Rhine(1895 _ 1980 ) المؤسس الحقيقي للباراسايكولوجيا التجريبية .فمنذ انتقاله في عام 1927 م إلى قسم علم النفس في جامعة ديوك الامريكية في ولاية كارولاينا الشمالية ، كرس راين جهوده لبناء منهج تجريبي في دراسة االباراسايكولوجيا ، حتى تكللت جهوده بعد سبع سنين بإنشاء أول مختبر للبحوث الباراسا يكولوجيا في العالم وهو مختبر الباراسا يكولوجيا في جامعة ديوك .وفي هذا المختبر قام راين مع عدد من الباحثين ، وفي مقدمتهم زوجته لويزا راين ،بعدد كبير من التجارب التي تناولت مختلف الظواهر الباراسايكولوجيا ،مثل ظواهر الادراك الحسي الفائق Extrasensory Perception والتحريك الخارق Psychokinesis.
لقد كان جوزيف راين على دراية بالعلاقة الغريبه بين النوم والظواهر الباراسايكولوجية .فقد كانت من الحقائق المعروفة لدى علماء الباراسايكولوجيا أن حالة النوم ،وبالذات الاحلام هي وسيط فعال جدا لحدوث مختلف الظواهر الخارقة .وفي عام 1948م قام راين بتوجيه دعوة الى عامة الناس لارسال تفاصيل مامر بهم من حوادث باراسايكولوجية تلقائية ،فانهالت على مختبره الاف الرسائل التي توثق حالات إدراك حسي مسبق وتحريك خارق . وقامت زوجة راين بمهمة تحليل وتصنيف وتقويم هذا العدد الهائل من الرسائل الى تلقياها ،وهي مهمة شغلتها لما يقارب الربع قرن من الزمان .وفي احد التحليلات التي نشرتها لويزا راين في عام 1962م عن هذه المرويات من حوادث باراسايكولوجية وجدت بأن خمسة وستين في المائة من الحالات كانت عبارة عن احلام .إن هذه النسبة العالية تبين العلاقة الوثيقة بين النوم والظواهر الباراسايكولوجية .من الامثلة على حالات رؤية مستقبلية خلال الاحلام ، هنالك القصة المعروفة عن احد الطيارين البريطانيين خلال الحرب العالمية الثانية الذي جاء الى زميله وصديقه المقرب في احد ايام شهر آذار (مارس ) من عام 1945م واعطاه حزمة تتضمن امتعته الشخصية التي طلب منه أن يوصلها الى أهله لانه كان قد حلم في تلك الليلة بأن طائرته ستسقط في الغارة المقبلة التي سيشارك فيها . الا ان صديقه اعترض على هذا الكلام على اساس انه هراء ، وكذلك فعل قائد السرب الذي ينتمي اليه الطيار . وفي نفس ذلك اليوم شارك الطيار صاحب الحلم مع سبع طائرات اخرى في غارة على احدى المواقع الالمانية حيث اصيبت طائرته وسقطت امام مرأى من صديقه الذي اودع عنده امتعته والذي كان هو الاخر في نفس المهمة يقود احدى طائرات السرب .
ان الاهتمام بالعلاقة بين الظواهر الباراسا يكولوجية والاحلام لم يقتصر على باحثي الباراسايكولوجيا وانما تعداه الى المختصين في الطب النفسي وعلم النفس ايضا . فقد كان طبيب النفس النمساوي سيغموند فرويد (1856 _1939 م ) احد المهتمين بهذا الموضوع وبالذات بالعلاقة بين الاحلام وظاهرتي توارد الافكار telepathy وادراك المستقبل ،كما حاول فرويد وضع نظرية تفسر هذه العلاقة ، وقد اهتم بشكل اكبر بهذا الموضوع طبيب النفس السويسري المعروف كارل يونغ (1875 _1961م ) .حيث جاء اهتمام يونغ بالظواهر البارسايكولوجية بشكل عام ، وعلاقتها بالاحلام بشكل خاص ، لخبراته الشخصية .
الا ان المشكلة في حالة العلاقة بين الاحلام والحوادث البارسكولوجيه وان الباحثين لم يكونوا قد توصلوا الى كيفية معرفة فيما اذا كان الشخص النائم في حالة حلم ام لا من غير ان يوقظوه . الا ان حل هذه المشكلة كان مقدرا له ان يأتي في عام 1953 م بتوصل العلم الى احد اهم الاكتشافات العلمية حول الاحلام .
ففي ذلك العام كان يوجين ازيرينسكي باحث جامعة شيكاغو الامريكية ، يدرس ظاهرة الانتباه عند الاطفال حين لاحظ بأن اغلاق العين يسبب هبوطا في قدرة الانتباه عند الاطفال فقرر ان يسجل حركة الاجفان باستخدام جهاز الاليكترواوكيلو غرام الخاص لهذا الغرض ، ثم قرر يوجين لاحقا ان يحصل على فكرة اكثر تكاملا عن حالة الانتباه العقلية عند الاطفال وذلك بأن يستخدم ايضا جهاز رسم موجات الدماغ الذي يقيس النشاط الكهربائي للدماغ .ونتيجة لاستخدام هذين الجهازين في نفس الوقت استطاع يوجين ان يلاحظ عند استسلام الاطفال للنوم فان الاليكترواو كيلو غرام كان يشير الى حدوث حركات سريعه للعين ، بينما كان مخطط موجات الدماغ لكل منهم يشابه ما يكون عليه في حالة اليقظه حيث يكون الدماغ في حالة نشاط واضح ، ويتميز بإنتاجه لامواج كهربائية سريعه ،أي ذات تردد عال ،وذات جهد منخفض ، وعلى وجه التحديد ،فان الدماغ ينتج في حالة اليقظه خليطا من موجات ألفا التي تظهر عند اغماض العينين ، وموجات بيتا التي تظهرعند فتح العينين .
حيرت هذه الظاهرة الباحث الشاب يوجين ، اذلم يستطع أن يفسر وجود دماغ الشخص النائم في حالة نشاط كهربائي شبيهة بحالته في حالة اليقظه .الا ان زميله (ناثانيل كلايتمان ) الاكثر خبرة منه توصل الى تفسير مالاحظه يوجين مبينا ،بأن حالة تصاحب نمط موجات الدماغ في حالة اليقظه مع حركات سريعة للعين تحدث عندما يحلم الانسان .حيث لاحظ الباحثان أن الاشخاص الذين يتم ايقاظهم وهم في حالة النوم التي اكتشفاها غالبا مايتذكرون أحلاما كانوا يرونها قبل ايقاظهم ، مما اكد صحة تفسير كلايتمان .ونشر يوجين وكلايتمان نفس ذلك العام بحثهما الشهير الذي أعلنا فيه للعالم اكتشافهم لحالة النوم الجديدة (Aserinsk &Kelitman) التي هي حالة الحلم . وبذلك اصبحت حالات الوعي بشكل عام تقسم الى ثلاثة اقسام ،هي حالة اليقظه ، وحالة النوم الاعتيادي وحالة النوم التي اكتشفها هذان العالمان والتي اصبحت تعرف علميا فيما بعد بنوم ( حركات العين السريعه )
والظواهر الباراسا يكولوجية يجب ان لايدهشنا ، وذلك على الاقل لسببين .اولهما ، هو ان علماء الباراسايكولوجيا لايزالون الى الان ابعد مايكونون عن ادراك حقيقة الظواهر الباراسايكولوجية ومايحدث فيها .والثاني هو ، ان النوم نفسه لايزال احدى الظواهر الغامضة امام العلم بالرغم من البحوث الهائلة التي تمت لدراستها . في الحقيقة ان العلم مايزال حتى الان غير قادر على الاجابة عن السؤال المركزي الذي تطرحه هذه الظاهره ، وهو لماذا ننام ؟ لماذا تقضي الحيوانات الثديية والطيور جزءا كبيرا من حياتها في حالة النوم التي تفقد فيها كليا او جزئيا استجابتها للمؤثرات البيئوية الخارجية .
قد يبدو غريبا للبعض ، بل ومثيرا للدهشة ، ان هذا السؤال الاساس لايزال بدون اجابة في دنيا العلم . لقد بينت الدراسات المختبرية على سبيل المثال ، بان حرمان الفأر من النوم يجعله يفقد القدرة على صيانة حرارة جسمه ويؤدي بالتالي الى موته خلال اسابيع ، ولكن من غير ان يترك اثر على حصول عطب عضوي في جسمه . اما الانسان ، فان من الحقائق المعروفة عنه انه اذا حرم من النوم فإن ذلك يؤدي الى التأثير بشكل كبير على قدرته على التفكير .اما لماذا يكون للحرمان من النوم هذا التأثير السلبي على الانسان والحيوان ، فما يزال سؤال يبحث عن جواب .
يعلمنا الله بأن الرؤى مثلما تقع للانبياء يمكن ان تقع لعامة الناس كذلك. ففي نفس سورة يوسف هنالك ثلاث رؤى صادقة عن حوادث مستقبلية ، رآها اشخاص ليسوا من الانبياء .فهنالك اولا رؤيتا صاحبي سجن يوسف اللتان وصفهما الله عز وجل في الاية الكريمة : ( ودخل معه السجن فتيان قال احدهما اني اراني اعصر خمرا وقال الاخر اني أراني احمل فوق راسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ) [يوسف / 36 ] .
وقد فسر يوسف عليه السلام بعلمه الرباني هاتين الرؤيتين : ( ياصاحبي السجن أما آحدكما فيسقى ربه خمرا وأما الاخر فيصلب فتأكل الطير من راسه قضى الامر الذي فيه تستفيان ) [ يوسف / 41 ] واخيرا ، هنالك رؤيا الملك التي تصفها الاية الكريمة : ( وقال الملك انى ارى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا ايها الملاء افتوني في رءيي إن كنتم للرءيا تعبرون ) [يوسف / 43 ].
وقد كانت قدرة يوسف على تفسيرها سببا لاخراجه من السجن : ( قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله الا قليلا مما تأكلون * ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن الا قليلا مما تحصنون * ثم ياتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) [ يوسف / 47 _49 ].
ان الملاحظ على هذه الرؤى الاربع هو انها رمزية ، أي انها تشير الى الاشياء والحوادث من خلال رموز .فعلى سبيل المثال ، نجد بأن الشمس والقمر مثلا في رؤيا يوسف عليه السلام رمزا الى أبويه ، فيما رمزت الكواكب الاحد عشر الى أخوته .وبسبب هذه الرمزية التي جاءت بها هذه الرؤى لم يكن في الامكان تفسيرها الا من قبل من له علم خاص بذلك . ولذلك سأل الفتيان في السجن يوسف عن تفسير رؤيتيهما ، وكذلك فعل الملك ، اذ ان الله عز وجل كان قد انعم على يوسف عليه السلام بهذا العلم الخاص الذي أسماه سبحانه وتعالى ( تأويل الاحاديث ) وكما في قوله عزوجل على لسان يوسف وهو يخاطب ربه ذاكرالفضله عليه : ( رب قد ءاتيتني من الملك وعلمتني من تاويل الاحاديث فاطر السموات والارض انت ولي في الدنيا والاخرة توفني مسلما والحقني بالصالحين ) [ يوسف / 101] .
الا ان الرؤى لاتكون بالضرورة رمزية وانما قد تكون واضحه وصريحه ، وكما في رؤيا أبي الانبياء ابراهيم عليه السلام التي تصفها الايه الكريمه : ( فلما بلغ معه السعي قال يابني إنى أرى في المنام أني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يأبــت افعل ماتؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) [ الصافات / 102].
ان مما لاشك فيه ان موضوع علاقة الاحلام برؤية المستقبل قد شغل الناس منذ بدء الخليقه . ولكن بالرغم من الاهتمام الكبير للناس بتناقل ورواية ماقد شاهدوه هم أم معارفهم من رؤى أثبتت الايام صحتها فإن الاهتمام بهذا الموضوع بقي حتى وقت قريب بعيدا عن ميدان العلم والبحث العلمي . الا ان العقود الاربعة الاخيرة شهدت دخول هذا الموضوع مجال البحث العملي المختبري ، لسببين ، اولهما : الاهتمام المتزايد بالدراسة المختبرية للظواهر الباراسايكولوجية بشكل عا م ، بما فيها مختلف اشكال رؤية الاحداث المستقبلية ، الذي أدى الى نشوء ( الباراسا يكولوجيا التجريبيه ) Experimental Parapsychology كعلم مثل باقي العلوم التجريبية التقليدية كالفيزياء والكيمياء والبايولوجيا . اما السبب الثاني فهو تقدم المعرفة العلمية حول النوم بشكل عام ، وبالذات التوصل الى بعض الاكتشافات العلمية التي يسرت دراسة الاحلام . ولننظر الى الخلفية التاريخية لنشوء هذا التعاون بين الباراسايكولوجيا وعلم حالات النوم .
يعد عالم بايولوجيا النبات جوزيف راين Joseph Rhine(1895 _ 1980 ) المؤسس الحقيقي للباراسايكولوجيا التجريبية .فمنذ انتقاله في عام 1927 م إلى قسم علم النفس في جامعة ديوك الامريكية في ولاية كارولاينا الشمالية ، كرس راين جهوده لبناء منهج تجريبي في دراسة االباراسايكولوجيا ، حتى تكللت جهوده بعد سبع سنين بإنشاء أول مختبر للبحوث الباراسا يكولوجيا في العالم وهو مختبر الباراسا يكولوجيا في جامعة ديوك .وفي هذا المختبر قام راين مع عدد من الباحثين ، وفي مقدمتهم زوجته لويزا راين ،بعدد كبير من التجارب التي تناولت مختلف الظواهر الباراسايكولوجيا ،مثل ظواهر الادراك الحسي الفائق Extrasensory Perception والتحريك الخارق Psychokinesis.
لقد كان جوزيف راين على دراية بالعلاقة الغريبه بين النوم والظواهر الباراسايكولوجية .فقد كانت من الحقائق المعروفة لدى علماء الباراسايكولوجيا أن حالة النوم ،وبالذات الاحلام هي وسيط فعال جدا لحدوث مختلف الظواهر الخارقة .وفي عام 1948م قام راين بتوجيه دعوة الى عامة الناس لارسال تفاصيل مامر بهم من حوادث باراسايكولوجية تلقائية ،فانهالت على مختبره الاف الرسائل التي توثق حالات إدراك حسي مسبق وتحريك خارق . وقامت زوجة راين بمهمة تحليل وتصنيف وتقويم هذا العدد الهائل من الرسائل الى تلقياها ،وهي مهمة شغلتها لما يقارب الربع قرن من الزمان .وفي احد التحليلات التي نشرتها لويزا راين في عام 1962م عن هذه المرويات من حوادث باراسايكولوجية وجدت بأن خمسة وستين في المائة من الحالات كانت عبارة عن احلام .إن هذه النسبة العالية تبين العلاقة الوثيقة بين النوم والظواهر الباراسايكولوجية .من الامثلة على حالات رؤية مستقبلية خلال الاحلام ، هنالك القصة المعروفة عن احد الطيارين البريطانيين خلال الحرب العالمية الثانية الذي جاء الى زميله وصديقه المقرب في احد ايام شهر آذار (مارس ) من عام 1945م واعطاه حزمة تتضمن امتعته الشخصية التي طلب منه أن يوصلها الى أهله لانه كان قد حلم في تلك الليلة بأن طائرته ستسقط في الغارة المقبلة التي سيشارك فيها . الا ان صديقه اعترض على هذا الكلام على اساس انه هراء ، وكذلك فعل قائد السرب الذي ينتمي اليه الطيار . وفي نفس ذلك اليوم شارك الطيار صاحب الحلم مع سبع طائرات اخرى في غارة على احدى المواقع الالمانية حيث اصيبت طائرته وسقطت امام مرأى من صديقه الذي اودع عنده امتعته والذي كان هو الاخر في نفس المهمة يقود احدى طائرات السرب .
ان الاهتمام بالعلاقة بين الظواهر الباراسا يكولوجية والاحلام لم يقتصر على باحثي الباراسايكولوجيا وانما تعداه الى المختصين في الطب النفسي وعلم النفس ايضا . فقد كان طبيب النفس النمساوي سيغموند فرويد (1856 _1939 م ) احد المهتمين بهذا الموضوع وبالذات بالعلاقة بين الاحلام وظاهرتي توارد الافكار telepathy وادراك المستقبل ،كما حاول فرويد وضع نظرية تفسر هذه العلاقة ، وقد اهتم بشكل اكبر بهذا الموضوع طبيب النفس السويسري المعروف كارل يونغ (1875 _1961م ) .حيث جاء اهتمام يونغ بالظواهر البارسايكولوجية بشكل عام ، وعلاقتها بالاحلام بشكل خاص ، لخبراته الشخصية .
الا ان المشكلة في حالة العلاقة بين الاحلام والحوادث البارسكولوجيه وان الباحثين لم يكونوا قد توصلوا الى كيفية معرفة فيما اذا كان الشخص النائم في حالة حلم ام لا من غير ان يوقظوه . الا ان حل هذه المشكلة كان مقدرا له ان يأتي في عام 1953 م بتوصل العلم الى احد اهم الاكتشافات العلمية حول الاحلام .
ففي ذلك العام كان يوجين ازيرينسكي باحث جامعة شيكاغو الامريكية ، يدرس ظاهرة الانتباه عند الاطفال حين لاحظ بأن اغلاق العين يسبب هبوطا في قدرة الانتباه عند الاطفال فقرر ان يسجل حركة الاجفان باستخدام جهاز الاليكترواوكيلو غرام الخاص لهذا الغرض ، ثم قرر يوجين لاحقا ان يحصل على فكرة اكثر تكاملا عن حالة الانتباه العقلية عند الاطفال وذلك بأن يستخدم ايضا جهاز رسم موجات الدماغ الذي يقيس النشاط الكهربائي للدماغ .ونتيجة لاستخدام هذين الجهازين في نفس الوقت استطاع يوجين ان يلاحظ عند استسلام الاطفال للنوم فان الاليكترواو كيلو غرام كان يشير الى حدوث حركات سريعه للعين ، بينما كان مخطط موجات الدماغ لكل منهم يشابه ما يكون عليه في حالة اليقظه حيث يكون الدماغ في حالة نشاط واضح ، ويتميز بإنتاجه لامواج كهربائية سريعه ،أي ذات تردد عال ،وذات جهد منخفض ، وعلى وجه التحديد ،فان الدماغ ينتج في حالة اليقظه خليطا من موجات ألفا التي تظهر عند اغماض العينين ، وموجات بيتا التي تظهرعند فتح العينين .
حيرت هذه الظاهرة الباحث الشاب يوجين ، اذلم يستطع أن يفسر وجود دماغ الشخص النائم في حالة نشاط كهربائي شبيهة بحالته في حالة اليقظه .الا ان زميله (ناثانيل كلايتمان ) الاكثر خبرة منه توصل الى تفسير مالاحظه يوجين مبينا ،بأن حالة تصاحب نمط موجات الدماغ في حالة اليقظه مع حركات سريعة للعين تحدث عندما يحلم الانسان .حيث لاحظ الباحثان أن الاشخاص الذين يتم ايقاظهم وهم في حالة النوم التي اكتشفاها غالبا مايتذكرون أحلاما كانوا يرونها قبل ايقاظهم ، مما اكد صحة تفسير كلايتمان .ونشر يوجين وكلايتمان نفس ذلك العام بحثهما الشهير الذي أعلنا فيه للعالم اكتشافهم لحالة النوم الجديدة (Aserinsk &Kelitman) التي هي حالة الحلم . وبذلك اصبحت حالات الوعي بشكل عام تقسم الى ثلاثة اقسام ،هي حالة اليقظه ، وحالة النوم الاعتيادي وحالة النوم التي اكتشفها هذان العالمان والتي اصبحت تعرف علميا فيما بعد بنوم ( حركات العين السريعه )
والظواهر الباراسا يكولوجية يجب ان لايدهشنا ، وذلك على الاقل لسببين .اولهما ، هو ان علماء الباراسايكولوجيا لايزالون الى الان ابعد مايكونون عن ادراك حقيقة الظواهر الباراسايكولوجية ومايحدث فيها .والثاني هو ، ان النوم نفسه لايزال احدى الظواهر الغامضة امام العلم بالرغم من البحوث الهائلة التي تمت لدراستها . في الحقيقة ان العلم مايزال حتى الان غير قادر على الاجابة عن السؤال المركزي الذي تطرحه هذه الظاهره ، وهو لماذا ننام ؟ لماذا تقضي الحيوانات الثديية والطيور جزءا كبيرا من حياتها في حالة النوم التي تفقد فيها كليا او جزئيا استجابتها للمؤثرات البيئوية الخارجية .
قد يبدو غريبا للبعض ، بل ومثيرا للدهشة ، ان هذا السؤال الاساس لايزال بدون اجابة في دنيا العلم . لقد بينت الدراسات المختبرية على سبيل المثال ، بان حرمان الفأر من النوم يجعله يفقد القدرة على صيانة حرارة جسمه ويؤدي بالتالي الى موته خلال اسابيع ، ولكن من غير ان يترك اثر على حصول عطب عضوي في جسمه . اما الانسان ، فان من الحقائق المعروفة عنه انه اذا حرم من النوم فإن ذلك يؤدي الى التأثير بشكل كبير على قدرته على التفكير .اما لماذا يكون للحرمان من النوم هذا التأثير السلبي على الانسان والحيوان ، فما يزال سؤال يبحث عن جواب .