ابو عمر البلدي
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 15 أكتوبر 2015
- المشاركات
- 323
- نقاط التفاعل
- 385
- النقاط
- 13
الحمد لله على عظيم مننه، وصلى الله على محمد عبده وخاتم أنبيائه ورسله وعلى اله وصحبه . وبعد نتابع اخواننا ما جاء عن الشيخ الاصفهاني رحمه الله في هذه الابواب يقول
في ظهور الإنسان في شعار الموجودات وتخصيصه بقوة شيء فشيء منها ذات الإنسان من حيث ما اجتمع فيه قوى الموجودات صار وعاء معاني العالم وطينة صوره ومعدن آثاره ومجمع حقائقه،
وكأنه مركب من جمادات ونباتات وبهائم وسباع وشياطين وملائكة، ولذلك قد يظهر في شعار كل واحد من ذلك فيجري تارة مجرى الجمادات في الكسل وقلة التحرك والإنبعاث،
وعلى هذا نبه الله تعالى بقوله: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدُّ قسوة) وقد يظهر في شعار النباتات الحميدة أو الذميمة فيصير إِما كالأُترج الذي يطيب حمله ونَوْره وعوده وورقه أو كالنخل والكرم فيما يؤتي من النفع،
أو كالكشوث في عدم الخير، أو كالحنظل في خبث المذاق، وعلى هذا نبه الله تعالى بقوله: (مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كلَّ حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجْتُثَّت من فوق الأرض ما لها من قرار).
ويظهر تارة في شعار الحيوانات المحمودة والمذمومة، فيصير أما كالنحل في كثرة منافعه وقلة مضاره وفي حسن سياسته.
قال الله تعالى: (وأَوحى ربك إلى النحل أَن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون) أو كالطير المسمى بأبي الوفا، أو كالخنزير في الشره، أو كالذئب في العيث، أو كالكلب في الحرص،
أو كالنمل في الجمع، أو كالفأر في السرقة، أو كالثعلب في المراوغة، أو كالقرد في المحاكاة، أو كالحمار في البلادة، أو كالثور في الفظاظة،
وعلى هذا النحو من المشابهات دلَّ الله بقوله: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلاّ أُمم أمثالكم ما فرَّطنا في الكتاب من شيءٍ ثم إلى ربهم يحشرون)
ويظهر تارة في شعار الشياطين فيغوي ويضل ويسول بالباطل في صورة الحق كما دل الله تعالى بقوله: (شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا)
وإنما يكون إنساناً إذا وضع كل واحد من هذه الأشياء في موضعه حسب ما يقتضيه العقل المرتضي المستبصر بنور الشرع.
في ماهية الإنسان
ماهية كل شيءٍ تحصل بصورته التي يتميز بها عن أغياره، كصورة السكين والسيف والمنجل ونحوها. ولما كان الإنسان جزئين بدن محسوس وروح معقول كما نبه الله تعالى عليه بقوله: (إني خالق بشراً من طين فإذا سوَّيته ونفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين) كان له بحسب كل واحد من الجزئين صورة، فصورته المحسوسة البدنية انتصاب القامة وعرض الظفر وتعري البشرة عن الشعر والضحك. وصورته المعقولة الروحانية العقل والفكر والرويّة والنطق. قالوا فالإنسان هو الحيوان الناطق، ولم يعنوا بالناطق اللفظ المعبر به فقط، بل عنوا به المعاني المختصة بالإنسان فعبروا عن كل ذلك بالنطق فقد يعبر عن جملة الشيء بأخص ما فيه أو بأشرفه أو بأوله، كقولك سورة الرحمن وسورة يوسف وسورة لإيلاف ونحو ذلك، فالإنسان يقال على ضربين عام وخاص فالعام أن يقال لكل منتصب القامة مختص بقوة الفكر واستفادة العلم، والخاص أن يقال لمن عرف الحق فاعتقده والخير فعمله بحسب وسعه، وهذا معنى يتفاضل فيه الناس ويتفاوتون فيه تفاوتاً بعيداً، وبحسب تحصيله يستحق الإنسانية وهي تعاطي الفعل المختص بالإنسان فيقال فلان أكثر إنسانية. وكما يقال الإنسان على وجهين يقال له الحيوان الناطق على وجهين عام ويراد به مَنْ في قوة نوعه استفادة الحق والخير، كقولك الإنسان هو الكاتب دون الفرس والحمار، أي هو الذي في قوته استفادة الكتابة. وكذا يقال له عبد الله على وجهين: عام ويراد به الحيوان المتعرض لارتسام أوامر الله ارتسم أو لم يرتسم وهو المشار إليه بقوله تعالى: (إِن كل من في السموات والأرض الاّ آتي الرحمن عبداً) وخاصٌّ وهو المرتسم لأوامر الله تعالى كما قال سبحانه: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) وكذا يقال له حيٌّ وسميع وبصير ومتكلم وعاقل كل ذلك على وجهين: يقال عاماً وهو لمن له الحياة الحيوانية التي بها الحس والتخيل والنزوع والشهوة ولمن سمع الأصوات ولمن يدرك الألوان، ولمن يُفهم الكافة بما يريده، ولمن له القوة التي يتبعها التكليف، والثاني يقال له خاصاً وهو لمن له الحياة التي هي العلم المقصود بقول الله تعالى: (لِيُنْذِر مَن كان حياً) وله السمع الذي به يسمع حقائق المعقولات، والبصيرة التي بها يدرك الاعتبارات، واللسان الذي به يورد التحقيقات، وهي التي نفاها عن الجهلة الكفرة في قوله تعالى: (صمٌّ بكمٌّ عميٌ فهم لا يعقلون).
الى غد ان شاء الله
في ظهور الإنسان في شعار الموجودات وتخصيصه بقوة شيء فشيء منها ذات الإنسان من حيث ما اجتمع فيه قوى الموجودات صار وعاء معاني العالم وطينة صوره ومعدن آثاره ومجمع حقائقه،
وكأنه مركب من جمادات ونباتات وبهائم وسباع وشياطين وملائكة، ولذلك قد يظهر في شعار كل واحد من ذلك فيجري تارة مجرى الجمادات في الكسل وقلة التحرك والإنبعاث،
وعلى هذا نبه الله تعالى بقوله: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدُّ قسوة) وقد يظهر في شعار النباتات الحميدة أو الذميمة فيصير إِما كالأُترج الذي يطيب حمله ونَوْره وعوده وورقه أو كالنخل والكرم فيما يؤتي من النفع،
أو كالكشوث في عدم الخير، أو كالحنظل في خبث المذاق، وعلى هذا نبه الله تعالى بقوله: (مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كلَّ حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجْتُثَّت من فوق الأرض ما لها من قرار).
ويظهر تارة في شعار الحيوانات المحمودة والمذمومة، فيصير أما كالنحل في كثرة منافعه وقلة مضاره وفي حسن سياسته.
قال الله تعالى: (وأَوحى ربك إلى النحل أَن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون) أو كالطير المسمى بأبي الوفا، أو كالخنزير في الشره، أو كالذئب في العيث، أو كالكلب في الحرص،
أو كالنمل في الجمع، أو كالفأر في السرقة، أو كالثعلب في المراوغة، أو كالقرد في المحاكاة، أو كالحمار في البلادة، أو كالثور في الفظاظة،
وعلى هذا النحو من المشابهات دلَّ الله بقوله: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلاّ أُمم أمثالكم ما فرَّطنا في الكتاب من شيءٍ ثم إلى ربهم يحشرون)
ويظهر تارة في شعار الشياطين فيغوي ويضل ويسول بالباطل في صورة الحق كما دل الله تعالى بقوله: (شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا)
وإنما يكون إنساناً إذا وضع كل واحد من هذه الأشياء في موضعه حسب ما يقتضيه العقل المرتضي المستبصر بنور الشرع.
في ماهية الإنسان
ماهية كل شيءٍ تحصل بصورته التي يتميز بها عن أغياره، كصورة السكين والسيف والمنجل ونحوها. ولما كان الإنسان جزئين بدن محسوس وروح معقول كما نبه الله تعالى عليه بقوله: (إني خالق بشراً من طين فإذا سوَّيته ونفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين) كان له بحسب كل واحد من الجزئين صورة، فصورته المحسوسة البدنية انتصاب القامة وعرض الظفر وتعري البشرة عن الشعر والضحك. وصورته المعقولة الروحانية العقل والفكر والرويّة والنطق. قالوا فالإنسان هو الحيوان الناطق، ولم يعنوا بالناطق اللفظ المعبر به فقط، بل عنوا به المعاني المختصة بالإنسان فعبروا عن كل ذلك بالنطق فقد يعبر عن جملة الشيء بأخص ما فيه أو بأشرفه أو بأوله، كقولك سورة الرحمن وسورة يوسف وسورة لإيلاف ونحو ذلك، فالإنسان يقال على ضربين عام وخاص فالعام أن يقال لكل منتصب القامة مختص بقوة الفكر واستفادة العلم، والخاص أن يقال لمن عرف الحق فاعتقده والخير فعمله بحسب وسعه، وهذا معنى يتفاضل فيه الناس ويتفاوتون فيه تفاوتاً بعيداً، وبحسب تحصيله يستحق الإنسانية وهي تعاطي الفعل المختص بالإنسان فيقال فلان أكثر إنسانية. وكما يقال الإنسان على وجهين يقال له الحيوان الناطق على وجهين عام ويراد به مَنْ في قوة نوعه استفادة الحق والخير، كقولك الإنسان هو الكاتب دون الفرس والحمار، أي هو الذي في قوته استفادة الكتابة. وكذا يقال له عبد الله على وجهين: عام ويراد به الحيوان المتعرض لارتسام أوامر الله ارتسم أو لم يرتسم وهو المشار إليه بقوله تعالى: (إِن كل من في السموات والأرض الاّ آتي الرحمن عبداً) وخاصٌّ وهو المرتسم لأوامر الله تعالى كما قال سبحانه: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) وكذا يقال له حيٌّ وسميع وبصير ومتكلم وعاقل كل ذلك على وجهين: يقال عاماً وهو لمن له الحياة الحيوانية التي بها الحس والتخيل والنزوع والشهوة ولمن سمع الأصوات ولمن يدرك الألوان، ولمن يُفهم الكافة بما يريده، ولمن له القوة التي يتبعها التكليف، والثاني يقال له خاصاً وهو لمن له الحياة التي هي العلم المقصود بقول الله تعالى: (لِيُنْذِر مَن كان حياً) وله السمع الذي به يسمع حقائق المعقولات، والبصيرة التي بها يدرك الاعتبارات، واللسان الذي به يورد التحقيقات، وهي التي نفاها عن الجهلة الكفرة في قوله تعالى: (صمٌّ بكمٌّ عميٌ فهم لا يعقلون).
الى غد ان شاء الله