لا ينبغي بحال أن يُنظر إلى كتاب الله على نحو ما ينظر به إلى سائر الكتب، فالكتب تُقيم بحسب حجم الكاتب، وشهرته، وعلمه، ثم يُنظر في المحتوى، وكلّما كان حجم الكاتب كبيرًا في علمه وشهرته، كان التعامل مع المحتوى أكثر حساسيةً ودقةً ومهابةً، بل قد يتهم المرء فهمَه إذا استُشكل عليه أمرٌ في كتابٍ منسوب إلى من اشتهر بعلمه، وذاع في الآفاق صيته.
فإذا كان الكتابُ منسوبًا إلى خالق كلِّ شيءٍ، الخالق الذي لم يجد الناظرون تفاوتًا في خلقه، بل وجدوا أن كلَّ شيءٍ قد صُنع بإحكام، وصُوِّر في أحسن صورة، فالتعامل مع الكتاب يفترض أن يكون على نحوٍ مختلف، فهذا هو المفترض لكل من يؤمن برسالة الإسلام.
وعليه فإن كل ما جاء في كتاب الله من صور، وأمثلة، وعبارات ليست على قياس أساليب العرب التي نعرفها، بل كل ما جاء فيه مما يمكن قياسه على ما تعورف عليه من أوجه البيان، والتحسين، والبلاغة، لا ينبغي بحال أن يكون تفسيره كما تُفسر به باقي الكتابات.
وأضرب مثالا بالإنسان، فقد خلق الله له أذنين، فهل يقال إن إحداهما للسمع، والأخرى زينة أو تفنن؟! بالطبع لا، فخلق الله تجتمع فيه الفضائل، والفوائد، والجمال، بشكل متراكبٍ لا ينفصل، فالأذنان لازمتان للسمع، بحيث لو كانت واحدة لاختلت عملية السمع، ومع ذلك فوجود الأذنين معًا أجمل من وجود أذن واحدة، فالجمال واكتمال عملية السمع كلاهما متعاضدان، وكذا ألوان الفاكهة، فلكل لون خاصية ترتبط بتركيب الفاكهة، بمعنى أن هذه الألوان ليست للجمال فقط، وإن كان الجمال موجودًا فيها.
إنّ ما جرّني إلى هذا الكلام هو ما اطلعت عليه في بعض الكتب، وبعضها قديم، حيث يعمد الكاتب إلى قياس كلام الله على كلام البشر خاصة في ناحية وجود المحسنات البديعية.
فمعروف أن المحسنات البديعية من جناسٍ، وطباقٍ، وسجعٍ وغيرها، تكون مقصودةً في ذاتها في كتابات البشر، بحيث تغلب الصنعة في كثير من الأحيان على المضمون، بل إن اختيار الكلمات لدى الشعراء والكتاب يكون أحيانًا مقيدًا بتلك المحسنات، فتجد أن الكاتب قد يختار كلمة أو مرادفًا ليس لمعنى زائدٍ فيه قصده من اختياره، بل لأن الصنعة حكمته، واضطرته إلى اختيار هذه الكلمة دون غيرها، لذا لا يكاد يوجد على ظهر الأرض من يكتب مقالة، أو رسالة، أو قصيدة، أو حتى بيتًا من قصيدة، أو شطرًا من بيت، دون أن يراجعه فيغير فيه، ويزيد، وينقص، ويشطب منه أو يُعدل، وكل هذا مقبول لدى البشر لأنهم أهل تجربة وليسوا أهل خلقٍ أو إبداع، فالخلق والإبداع هما من أفعال الله الإله الواحد الصمد.
وعليه فالقرآن الكريم، ولكونه كتاب الله فإن كل ما ورد فيه مما يشبه المحسنات البديعية التي ترد في كلام المخلوقين، لا يمكن أن ينظر إليه كما يُنظر إلى كلام البشر، فيقال مثلاً أن هذه الكلمة وردت في نهاية الآية مراعاة للفاصلة، لماذا؟ لأن كتاب الله كلٌ واحدٌ؛ الكلمات والمعاني التي سيقت لأجلها لا فصل بين هذا وذاك، ولا يتصور ورود حرفٍ في كتاب الله لأجل التحسين فقط، فالتحسين وحده دليل نقصٍ لا دليل قوة، وتعالى الله وتنزه عن النقص، فهو خالق الكمال.
ونضرب مثالا، يقول الله في كتابه الكريم : "قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد. ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد"، فهذه السورة انتهت كل آية من آياتها بحرف الدال، فهل يقال إن هذه فواصل، روعيت للتفنن؟!! بمعنى أن المعنى لن يختلف إذا لم توجد هذه الفواصل؟ أنا لا أعتقد ذلك، فهذه الفواصل قد أتت تابعة للمعنى، وليس العكس، فالقرآن ليس صورةً فقط، وليس معنى فقط، بل هو صورةٌ ومعنى، وعليه فهذه الفواصل ليست رويَّاً كرويّ الشعر، بل المعنى قد تكامل بتلك الفاصلة، حتى بدت الآيات والسورة والحروف والمعنى وحدةً واحدةَ، تمامًا ككل ما أوجد الله، وأحسن خلقه، مع اختلافٍ جوهريٍ يجعل الأمر أكثر دقة، وهو كون القرآن الكريم كلام الله، ليس مخلوقًا، فكان في عرف العقل المؤمن أعظم موجود أوجده الله، ولما كانت أسرار الموجودات مغلقة على البشر إلا ما فتح الله منها، فإن أسرار هذا الكتاب ستكون أعظم بحيث لا ينبغي بحال تسطيح الأمر فيه، والإحالة في كل ما استغلق على القياس المحدود بحواسنا المحدودة.
والله أعلم
فإذا كان الكتابُ منسوبًا إلى خالق كلِّ شيءٍ، الخالق الذي لم يجد الناظرون تفاوتًا في خلقه، بل وجدوا أن كلَّ شيءٍ قد صُنع بإحكام، وصُوِّر في أحسن صورة، فالتعامل مع الكتاب يفترض أن يكون على نحوٍ مختلف، فهذا هو المفترض لكل من يؤمن برسالة الإسلام.
وعليه فإن كل ما جاء في كتاب الله من صور، وأمثلة، وعبارات ليست على قياس أساليب العرب التي نعرفها، بل كل ما جاء فيه مما يمكن قياسه على ما تعورف عليه من أوجه البيان، والتحسين، والبلاغة، لا ينبغي بحال أن يكون تفسيره كما تُفسر به باقي الكتابات.
وأضرب مثالا بالإنسان، فقد خلق الله له أذنين، فهل يقال إن إحداهما للسمع، والأخرى زينة أو تفنن؟! بالطبع لا، فخلق الله تجتمع فيه الفضائل، والفوائد، والجمال، بشكل متراكبٍ لا ينفصل، فالأذنان لازمتان للسمع، بحيث لو كانت واحدة لاختلت عملية السمع، ومع ذلك فوجود الأذنين معًا أجمل من وجود أذن واحدة، فالجمال واكتمال عملية السمع كلاهما متعاضدان، وكذا ألوان الفاكهة، فلكل لون خاصية ترتبط بتركيب الفاكهة، بمعنى أن هذه الألوان ليست للجمال فقط، وإن كان الجمال موجودًا فيها.
إنّ ما جرّني إلى هذا الكلام هو ما اطلعت عليه في بعض الكتب، وبعضها قديم، حيث يعمد الكاتب إلى قياس كلام الله على كلام البشر خاصة في ناحية وجود المحسنات البديعية.
فمعروف أن المحسنات البديعية من جناسٍ، وطباقٍ، وسجعٍ وغيرها، تكون مقصودةً في ذاتها في كتابات البشر، بحيث تغلب الصنعة في كثير من الأحيان على المضمون، بل إن اختيار الكلمات لدى الشعراء والكتاب يكون أحيانًا مقيدًا بتلك المحسنات، فتجد أن الكاتب قد يختار كلمة أو مرادفًا ليس لمعنى زائدٍ فيه قصده من اختياره، بل لأن الصنعة حكمته، واضطرته إلى اختيار هذه الكلمة دون غيرها، لذا لا يكاد يوجد على ظهر الأرض من يكتب مقالة، أو رسالة، أو قصيدة، أو حتى بيتًا من قصيدة، أو شطرًا من بيت، دون أن يراجعه فيغير فيه، ويزيد، وينقص، ويشطب منه أو يُعدل، وكل هذا مقبول لدى البشر لأنهم أهل تجربة وليسوا أهل خلقٍ أو إبداع، فالخلق والإبداع هما من أفعال الله الإله الواحد الصمد.
وعليه فالقرآن الكريم، ولكونه كتاب الله فإن كل ما ورد فيه مما يشبه المحسنات البديعية التي ترد في كلام المخلوقين، لا يمكن أن ينظر إليه كما يُنظر إلى كلام البشر، فيقال مثلاً أن هذه الكلمة وردت في نهاية الآية مراعاة للفاصلة، لماذا؟ لأن كتاب الله كلٌ واحدٌ؛ الكلمات والمعاني التي سيقت لأجلها لا فصل بين هذا وذاك، ولا يتصور ورود حرفٍ في كتاب الله لأجل التحسين فقط، فالتحسين وحده دليل نقصٍ لا دليل قوة، وتعالى الله وتنزه عن النقص، فهو خالق الكمال.
ونضرب مثالا، يقول الله في كتابه الكريم : "قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد. ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد"، فهذه السورة انتهت كل آية من آياتها بحرف الدال، فهل يقال إن هذه فواصل، روعيت للتفنن؟!! بمعنى أن المعنى لن يختلف إذا لم توجد هذه الفواصل؟ أنا لا أعتقد ذلك، فهذه الفواصل قد أتت تابعة للمعنى، وليس العكس، فالقرآن ليس صورةً فقط، وليس معنى فقط، بل هو صورةٌ ومعنى، وعليه فهذه الفواصل ليست رويَّاً كرويّ الشعر، بل المعنى قد تكامل بتلك الفاصلة، حتى بدت الآيات والسورة والحروف والمعنى وحدةً واحدةَ، تمامًا ككل ما أوجد الله، وأحسن خلقه، مع اختلافٍ جوهريٍ يجعل الأمر أكثر دقة، وهو كون القرآن الكريم كلام الله، ليس مخلوقًا، فكان في عرف العقل المؤمن أعظم موجود أوجده الله، ولما كانت أسرار الموجودات مغلقة على البشر إلا ما فتح الله منها، فإن أسرار هذا الكتاب ستكون أعظم بحيث لا ينبغي بحال تسطيح الأمر فيه، والإحالة في كل ما استغلق على القياس المحدود بحواسنا المحدودة.
والله أعلم