بسم الله الرحمن الرحيم
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نصيحــة الأمـة
فـي جـواب عشـرة أسئلـة مهمـة
من مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله .
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع هداه، أما بعد:
فهذه أسئلة مهمة وأجوبتها رأيت تقديمها لإِخواني المسلمين للاستفادة منها، وأسأل الله أن ينفع بها عباده، وأن يتقبل منا جهدنا، وأن يضاعف لنا الأجر
وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ويصلح أحوال المسلمين، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يصلح قادتهم، إِنه ولي ذلك والقادر عليه.
س1: سماحة الشيخ: هناك من يرى أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير وإِن ترتب عليه ضرر
للمسلمين في البلد، والأحداث التي يعاني منها عالمنا الإِسلامي كثيرة، فما رأي سماحتكم؟
ج1: بسم الله الرحمن الرحيم:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا
فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر، وهم: الأمراء والعلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه
الطاعة لازمة، وهي فريضة في المعروف.
والنصوص من السنة تبين المعنى، وتُقَيِّد إِطلاق الآية بأن المراد: طاعتهم في المعروف، ويجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في
المعاصي، فإِذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية، لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: أَلاَ من وَلِيَ عليه وال فرآه يأتي
شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعنَّ يدًا من طاعة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات
مات ميتة جاهلية ، وقال صلى الله عليه وسلم: على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره، إِلا أن يُؤمر بمعصية، فإِن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة .
وسأله الصحابة رضي الله عنهم - لما ذكر أنه يكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون - قالوا: فما تأمرنا؟ قال: أدوا إِليهم حقَّهم، وسلوا الله حقكم
قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا
وأن لا ننازع الأمر أهله، وقال: إِلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان .
فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم إِلا أن يروا كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذاك إِلا لأن الخروج على
ولاة الأمور يُسَبِّب فسادًا كبيرًا وشرًّا عظيمًا، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن
فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إِلا إِذا رأى المسلمون كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على
هذا السلطان لإِزالته إِذا كان عندهم قدرة، أما إِذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرًّا أكثر فليس لهم الخروج؛ رعاية
للمصالح العامة.
والقاعدة الشرعية المجمع عليها: ( أنه لا يجوز إِزالة الشر بما هو أشر منه ، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه ). أما درء الشر بشر أكثر فلا
يجوز بإِجماع المسلمين، فإِذا كانت هذه الطائفة التي تريد إِزالة هذا السلطان الذي فعل كفرًا بواحًا عندها قدرة تزيله بها، وتضع إِمامًا صالحًا طَيِّبًا من
دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس، أما إِذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير، واختلال
الأمن، وظلم الناس، واغتيال من لا يستحق الاغتيال... إِلى غير هذا من الفساد العظيم، فهذا لا يجوز، بل يجب الصبر، والسمع والطاعة في
المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير.
هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن
وسلامة المسلمين من شر أكثر.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
س2:سماحة الوالد: نعلم أن هذا الكلام أصل من أصول أهل السنة والجماعة، ولكن هناك - للأسف - من أبناء أهل السنة والجماعة من يرى هذا فكرًا
انهزاميًّا، وفيه شيء من التخاذل، وقد قيل هذا الكلام؛ لذلك يدعون الشباب إِلى تَبَنِّي العنف في التغيير .
ج2: هذا غلط من قائله، وقلة فهم؛ لأنهم ما فهموا السنة ولا
عرفوها كما ينبغي، وإِنما تحملهم الحماسة والغيرة لإِزالة المنكر على أن يقعوا
فيما يخالف الشرع كما وقعت الخوارج والمعتزلة ، حملهم حب نصر الحق أو الغيرة للحق، حملهم ذلك على أن وقعوا في الباطل حتى كَفَّروا المسلمين
بالمعاصي كما فعلت الخوارج ، أو خلَّدوهم في النار بالمعاصي كما تفعل المعتزلة .
فالخوارج كَفَّروا بالمعاصي، وَخلَّدوا العصاة في النار، والمعتزلة وافقوهم في العاقبة، وأنهم في النار مخلدون فيها. ولكن قالوا: إِنهم في الدنيا بمنزلة بين
المنزلتين، وكله ضلال.
والذي عليه أهل السنة - وهو الحق - أن العاصي لا يكفر بمعصيته ما لم يستحلها، فإِذا زنا لا يكفر، وإِذا سرق لا يكفر، وإِذا شرب الخمر لا يكفر
ولكن يكون عاصيًا ضعيف الإِيمان فاسقًا تقام عليه الحدود، ولا يكفر بذلك إِلا إِذا استحل المعصية وقال: إِنها حلال، وما قاله الخوارج في هذا باطل
وتكفيرهم للناس باطل؛ ولهذا قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: إِنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرميَّة ثم لا يعودون إِليه، يُقَاتِلون أهل
الإِسلام، ويَدَعُونَ أهل الأوثان . هذه حال الخوارج بسبب غلوهم وجهلهم وضلالهم، فلا يليق بالشباب ولا غير الشباب أن يُقَلِّدوا الخوارج والمعتزلة
بل يجب أن يسيروا على مذهب أهل السنة والجماعة على مقتضى الأدلة الشرعية، فَيَقِفُوا مع النصوص كما جاءت، وليس لهم الخروج على السلطان
من أجل معصية أو معاصٍ وقعت منه ، بل عليهم المناصحة بالمكاتبة والمشافهة، بالطرق الطيبة الحكيمة، وبالجدال بالتي هي أحسن، حتى ينجحوا
وحتى يقل الشر أو يزول ويكثر الخير.
هكذا جاءت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا
مِنْ حَوْلِكَ
فالواجب على الغيورين لله وعلى دعاة الهدى أن يلتزموا حدود الشرع، وأن يناصحوا من ولاهم الله الأمور، بالكلام الطيب، والحكمة، والأسلوب الحسن
حتى يكثر الخير ويقل الشر، وحتى يكثر الدعاة إِلى الله، وحتى ينشطوا في دعوتهم بالتي هي أحسن، لا بالعنف والشدة، ويناصحوا من ولاهم الله الأمر
بشتى الطرق الطيبة السليمة، مع الدعاء لهم بظهر الغيب: أن الله يهديهم، ويوفقهم، ويعينهم على الخير، وأن الله يعينهم على ترك المعاصي التي
يفعلونها وعلى إِقامة الحق.
هكذا يدعو المؤمن الله ويضرع إِليه: أن يهدي الله ولاة الأمور، وأن يعينهم على ترك الباطل، وعلى إِقامة الحق بالأسلوب الحسن وبالتي هي أحسن، وهكذا
مع إِخوانه الغيورين ينصحهم ويعظهم ويذكرهم حتى ينشطوا في الدعوة بالتي هي أحسن، لا بالعنف والشدة، وبهذا يكثر الخير، ويقل الشر، ويهدي الله
ولاة الأمور للخير والاستقامة عليه، وتكون العاقبة حميدة للجميع.
س3:لو افترضنا أن هناك خروجًا شرعيًّا لدى جماعة من الجماعات، هل هذا يُبَرِّر قتل أعوان هذا الحاكم وكل من يعمل في حكومته مثل الشرطة
والأمن وغيرهم؟
ج3: سبق أن أخبرتك: أنه لا يجوز الخروج على السلطان إِلا بشرطين:
أحدهما: وجود كفرٍ بواحٍ عندهم من الله فيه برهان.
والشرط الثاني: القدرة على إِزالة الحاكم إِزالةً لا يترتب عليها شر أكبر منه، وبدون ذلك لا يجوز.
س4: يظن البعض من الشباب أن مجافاة الكفار - ممن هم مستوطنون في البلاد الإِسلامية أو من الوافدين إِليها - من الشرع، ولذلك البعض
يستحل قتلهم وسلبهم إِذا رأوا منهم ما ينكرون .
ج4: لا يجوز قتل الكافر المستوطن أو الوافد المستأمن الذي أدخلته الدولة آمنًا، ولا قتل العصاة ولا التعدي عليهم، بل يحالون فيما يحدث منهم
من المنكرات للحكم الشرعي، وفيما تراه المحاكم الشرعية الكفاية.
س5:وإِذا لم توجد محاكم شرعية؟
ج5: إِذا لم توجد محاكم شرعية، فالنصيحة فقط، النصيحة لولاة الأمور، وتوجيههم للخير، والتعاون معهم حتى يُحَكِّموا شرع الله، أما أن الآمر
والناهي يمد يده فيقتل أو يضرب فلا يجوز، لكن يتعاون مع ولاة الأمور بالتي هي أحسن حتى يحكِّموا شرع الله في عباد الله، وإِلا فواجبه النصح
وواجبه التوجيه إِلى الخير، وواجبه إِنكار المنكر بالتي هي أحسن، هذا هو واجبه، قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ؛ لأن إِنكاره باليد بالقتل
أو الضرب يترتب عليه شر أكثر وفساد أعظم بلا شك ولا ريب لكل من سبر هذه الأمور وعرفها.
س6:هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالذات التغيير باليد حق للجميع، أم أنه حق مشروط لولي الأمر ومن يُعَيِّنُه ولي الأمر؟
ج6: التغيير للجميع حسب استطاعته؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإِن لم يستطع فبلسانه، فإِن لم يستطع
فبقلبه وذلك أضعف الإِيمان ، لكن التغيير باليد لا بد أن يكون عن قدرة لا يترتب عليه فساد أكبر وشر أكثر ، فليُغَيِّر باليد في بيته: على أولاده
وعلى زوجته، وعلى خدمه، وهكذا الموظف في الهيئة المختصة المعطى له صلاحيات، يغير بيده حسب التعليمات التي لديه، وإِلا فلا يغير شيئًا بيده
ليس له فيه صلاحية؛ لأنه إِذا غير بيده فيما لا يدخل تحت صلاحيته يترتب عليه ما هو أكثر شرًّا، ويترتب بلاء كثير وشر عظيم بينه وبين الناس
وبينه وبين الدولة. ولكن عليه أن يغير باللسان كأن يقول: ( اتق الله يا فلان، هذا لا يجوز )، ( هذا حرام عليك )، ( هذا واجب عليك )، يبين له
بالأدلة الشرعية باللسان، أما باليد فيكون في محل الاستطاعة، في بيته، أو فيمن تحت يده، أو فيمن أُذن له فيه من جهة السلطان أن يأمر بالمعروف
كالهيئات التي يأمرها السلطان ويعطيها الصلاحيات، يُغَيِّرون بقدر الصلاحيات التي أعطوها على الوجه الشرعي الذي شرعه الله لا يزيدون عليه، وهكذا
أمير البلد يغير بيده حسب التعليمات التي لديه.
س7:هناك من يرى - حفظك الله - أن له الحق في الخروج على الأنظمة العامة التي يضعها وليُّ الأمر كالمرور والجمارك والجوازات.. إِلخ، باعتبار
أنها ليست على أساس شرعي، فما قولكم - حفظكم الله -؟
ج7: هذا باطل ومنكر، وقد تقدم: أنه لا يجوز الخروج ولا التغيير باليد، بل يجب السمع والطاعة في هذه الأمور التي ليس فيها منكر، بل نَظَّمَها
ولي الأمر لمصالح المسلمين، فيجب الخضوع لذلك، والسمع
والطاعة في ذلك؛ لأن هذا من المعروف الذي ينفع المسلمين، وأما الشيء الذي هو منكر، كالضريبة التي يرى ولي الأمر أنها جائزة فهذه يراجع فيها
ولي الأمر؛ للنصيحة والدعوة إِلى الله، وبالتوجيه إِلى الخير، لا بيده يضرب هذا أو يسفك دم هذا أو يعاقب هذا بدون حجة ولا برهان، بل لا بد أن يكون
عنده سلطان من ولي الأمر يتصرف به حسب الأوامر التي لديه وإِلا فحسبه النصيحة والتوجيه، إِلا فيمن هو تحت يده من أولاد وزوجات ونحو ذلك
ممن له السلطة عليهم.
س8:هل من مقتضى البيعة - حفظك الله - الدعاء لولي الأمر؟
ج8: من مقتضى البيعة النصح لولي الأمر ، ومن النصح: الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة؛ لأن من أسباب صلاح
الوالي ومن أسباب توفيق الله له: أن يكون له وَزِيرُ صدقٍ يُعِينُه على الخير، ويُذَكِّرُه إِذا نسي، ويُعِينُه إِذا ذكر، هذه من أسباب توفيق الله له.
فالواجب على الرعية وعلى أعيان الرعية التعاون مع ولي الأمر في الإِصلاح وإِماتة الشر والقضاء عليه، وإِقامة الخير بالكلام الطيب والأسلوب الحسن
والتوجيهات السديدة التي يرجى من ورائها الخير دون الشر، وكل عمل يترتب عليه شر أكثر من المصلحة لا يجوز؛ لأن المقصود من الولايات كلها:
تحقيق المصالح الشرعية، ودرء المفاسد، فأي عمل يعمله الإِنسان يريد به الخير ويترتب عليه ما هو أشر مما أراد إِزالته وما هو منكر لا يجوز له.
وقد أوضح شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى إِيضاحًا كاملاً في كتاب " الحسبة " فليراجع؛ لعظم الفائدة.
س9:ومن يمتنع عن الدعاء لولي الأمر - حفظك الله - .
ج9: هذا من جهله، وعدم بصيرته؛ لأن الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات، ومن أفضل الطاعات، ومن النصيحة لله ولعباده، والنبي صلى الله عليه
وسلم لما قيل له: إِن دوسًا عصت وهم كفار قال: اللهم اهد دوسًا وائت بهم ، فهداهم الله وأتوه مسلمين.
فالمؤمن يدعو للناس بالخير، والسلطان أولى من يُدْعَى له؛ لأن صلاحه صلاح للأمة، فالدعاء له من أهم الدعاء، ومن أهم النصح: أن يُوفَّق للحق وأن يُعان
عليه، وأن يُصلح الله له البطانة، وأن يكفيه الله شرَّ نفسه وشرَّ جلساء السوء، فالدعاء له بالتوفيق والهداية وبصلاح القلب والعمل وصلاح البطانة من
أهم المهمات، ومن أفضل القربات، وقد روي عن الإِمام أحمد رحمه الله أنه قال: ( لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان )، ويروى ذلك
عن الفضيل بن عياض رحمه الله.
س10:هل من منهج السلف نقد الولاة من فوق المنابر؟ وما منهج السلف في نصح الولاة؟
ج10: ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إِلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي
إِلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إِليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون
به حتى يوجَّه إِلى الخير.
أما إِنكار المنكر بدون ذكر الفاعل: فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الربا من دون ذكر من فعله، فذلك واجب؛ لعموم الأدلة.
ويكفي إِنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر من فعلها لا حاكمًا ولا غير حاكم.
ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه: قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه: ألا تكلم عثمان ؟ فقال: إِنكم ترون أني لا أكلمه
إِلاَّ أُسْمِعُكم؟ إِني أكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرًا لا أحب أن أكون أول من افتتحه.
ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان عَلَنًا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في
آثاره إِلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية ، وقُتِلَ عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقُتِل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب
الإِنكار العلني، وذِكْرِ العيوب علنًا، حتى أبغض الكثيرون من الناس وَلِيَّ أمرهم وقتلوه، وقد روى عياض بن غُنْم الأشعري ، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يُبْدهِ علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به، فإِن قبل منه فذاك، وإِلا كان قد أدى الذي عليه .
نسأل الله العافية والسلامة لنا ولإِخواننا المسلمين من كل شر، إِنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وآله وصحبه.
المصدر :فتاوى ابن باز > المجلد الثامن > الجزء 8 > الصفحة 202 الى 211
يرجى نشرها والدال على الخير كفاعله
عسى الله أن ينفع و يهدي بها .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نصيحــة الأمـة
فـي جـواب عشـرة أسئلـة مهمـة
من مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله .
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع هداه، أما بعد:
فهذه أسئلة مهمة وأجوبتها رأيت تقديمها لإِخواني المسلمين للاستفادة منها، وأسأل الله أن ينفع بها عباده، وأن يتقبل منا جهدنا، وأن يضاعف لنا الأجر
وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ويصلح أحوال المسلمين، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يصلح قادتهم، إِنه ولي ذلك والقادر عليه.
س1: سماحة الشيخ: هناك من يرى أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير وإِن ترتب عليه ضرر
للمسلمين في البلد، والأحداث التي يعاني منها عالمنا الإِسلامي كثيرة، فما رأي سماحتكم؟
ج1: بسم الله الرحمن الرحيم:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا
فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر، وهم: الأمراء والعلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه
الطاعة لازمة، وهي فريضة في المعروف.
والنصوص من السنة تبين المعنى، وتُقَيِّد إِطلاق الآية بأن المراد: طاعتهم في المعروف، ويجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في
المعاصي، فإِذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية، لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: أَلاَ من وَلِيَ عليه وال فرآه يأتي
شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعنَّ يدًا من طاعة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات
مات ميتة جاهلية ، وقال صلى الله عليه وسلم: على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره، إِلا أن يُؤمر بمعصية، فإِن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة .
وسأله الصحابة رضي الله عنهم - لما ذكر أنه يكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون - قالوا: فما تأمرنا؟ قال: أدوا إِليهم حقَّهم، وسلوا الله حقكم
قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا
وأن لا ننازع الأمر أهله، وقال: إِلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان .
فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم إِلا أن يروا كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذاك إِلا لأن الخروج على
ولاة الأمور يُسَبِّب فسادًا كبيرًا وشرًّا عظيمًا، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن
فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إِلا إِذا رأى المسلمون كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على
هذا السلطان لإِزالته إِذا كان عندهم قدرة، أما إِذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرًّا أكثر فليس لهم الخروج؛ رعاية
للمصالح العامة.
والقاعدة الشرعية المجمع عليها: ( أنه لا يجوز إِزالة الشر بما هو أشر منه ، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه ). أما درء الشر بشر أكثر فلا
يجوز بإِجماع المسلمين، فإِذا كانت هذه الطائفة التي تريد إِزالة هذا السلطان الذي فعل كفرًا بواحًا عندها قدرة تزيله بها، وتضع إِمامًا صالحًا طَيِّبًا من
دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس، أما إِذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير، واختلال
الأمن، وظلم الناس، واغتيال من لا يستحق الاغتيال... إِلى غير هذا من الفساد العظيم، فهذا لا يجوز، بل يجب الصبر، والسمع والطاعة في
المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير.
هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن
وسلامة المسلمين من شر أكثر.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
س2:سماحة الوالد: نعلم أن هذا الكلام أصل من أصول أهل السنة والجماعة، ولكن هناك - للأسف - من أبناء أهل السنة والجماعة من يرى هذا فكرًا
انهزاميًّا، وفيه شيء من التخاذل، وقد قيل هذا الكلام؛ لذلك يدعون الشباب إِلى تَبَنِّي العنف في التغيير .
ج2: هذا غلط من قائله، وقلة فهم؛ لأنهم ما فهموا السنة ولا
عرفوها كما ينبغي، وإِنما تحملهم الحماسة والغيرة لإِزالة المنكر على أن يقعوا
فيما يخالف الشرع كما وقعت الخوارج والمعتزلة ، حملهم حب نصر الحق أو الغيرة للحق، حملهم ذلك على أن وقعوا في الباطل حتى كَفَّروا المسلمين
بالمعاصي كما فعلت الخوارج ، أو خلَّدوهم في النار بالمعاصي كما تفعل المعتزلة .
فالخوارج كَفَّروا بالمعاصي، وَخلَّدوا العصاة في النار، والمعتزلة وافقوهم في العاقبة، وأنهم في النار مخلدون فيها. ولكن قالوا: إِنهم في الدنيا بمنزلة بين
المنزلتين، وكله ضلال.
والذي عليه أهل السنة - وهو الحق - أن العاصي لا يكفر بمعصيته ما لم يستحلها، فإِذا زنا لا يكفر، وإِذا سرق لا يكفر، وإِذا شرب الخمر لا يكفر
ولكن يكون عاصيًا ضعيف الإِيمان فاسقًا تقام عليه الحدود، ولا يكفر بذلك إِلا إِذا استحل المعصية وقال: إِنها حلال، وما قاله الخوارج في هذا باطل
وتكفيرهم للناس باطل؛ ولهذا قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: إِنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرميَّة ثم لا يعودون إِليه، يُقَاتِلون أهل
الإِسلام، ويَدَعُونَ أهل الأوثان . هذه حال الخوارج بسبب غلوهم وجهلهم وضلالهم، فلا يليق بالشباب ولا غير الشباب أن يُقَلِّدوا الخوارج والمعتزلة
بل يجب أن يسيروا على مذهب أهل السنة والجماعة على مقتضى الأدلة الشرعية، فَيَقِفُوا مع النصوص كما جاءت، وليس لهم الخروج على السلطان
من أجل معصية أو معاصٍ وقعت منه ، بل عليهم المناصحة بالمكاتبة والمشافهة، بالطرق الطيبة الحكيمة، وبالجدال بالتي هي أحسن، حتى ينجحوا
وحتى يقل الشر أو يزول ويكثر الخير.
هكذا جاءت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا
مِنْ حَوْلِكَ
فالواجب على الغيورين لله وعلى دعاة الهدى أن يلتزموا حدود الشرع، وأن يناصحوا من ولاهم الله الأمور، بالكلام الطيب، والحكمة، والأسلوب الحسن
حتى يكثر الخير ويقل الشر، وحتى يكثر الدعاة إِلى الله، وحتى ينشطوا في دعوتهم بالتي هي أحسن، لا بالعنف والشدة، ويناصحوا من ولاهم الله الأمر
بشتى الطرق الطيبة السليمة، مع الدعاء لهم بظهر الغيب: أن الله يهديهم، ويوفقهم، ويعينهم على الخير، وأن الله يعينهم على ترك المعاصي التي
يفعلونها وعلى إِقامة الحق.
هكذا يدعو المؤمن الله ويضرع إِليه: أن يهدي الله ولاة الأمور، وأن يعينهم على ترك الباطل، وعلى إِقامة الحق بالأسلوب الحسن وبالتي هي أحسن، وهكذا
مع إِخوانه الغيورين ينصحهم ويعظهم ويذكرهم حتى ينشطوا في الدعوة بالتي هي أحسن، لا بالعنف والشدة، وبهذا يكثر الخير، ويقل الشر، ويهدي الله
ولاة الأمور للخير والاستقامة عليه، وتكون العاقبة حميدة للجميع.
س3:لو افترضنا أن هناك خروجًا شرعيًّا لدى جماعة من الجماعات، هل هذا يُبَرِّر قتل أعوان هذا الحاكم وكل من يعمل في حكومته مثل الشرطة
والأمن وغيرهم؟
ج3: سبق أن أخبرتك: أنه لا يجوز الخروج على السلطان إِلا بشرطين:
أحدهما: وجود كفرٍ بواحٍ عندهم من الله فيه برهان.
والشرط الثاني: القدرة على إِزالة الحاكم إِزالةً لا يترتب عليها شر أكبر منه، وبدون ذلك لا يجوز.
س4: يظن البعض من الشباب أن مجافاة الكفار - ممن هم مستوطنون في البلاد الإِسلامية أو من الوافدين إِليها - من الشرع، ولذلك البعض
يستحل قتلهم وسلبهم إِذا رأوا منهم ما ينكرون .
ج4: لا يجوز قتل الكافر المستوطن أو الوافد المستأمن الذي أدخلته الدولة آمنًا، ولا قتل العصاة ولا التعدي عليهم، بل يحالون فيما يحدث منهم
من المنكرات للحكم الشرعي، وفيما تراه المحاكم الشرعية الكفاية.
س5:وإِذا لم توجد محاكم شرعية؟
ج5: إِذا لم توجد محاكم شرعية، فالنصيحة فقط، النصيحة لولاة الأمور، وتوجيههم للخير، والتعاون معهم حتى يُحَكِّموا شرع الله، أما أن الآمر
والناهي يمد يده فيقتل أو يضرب فلا يجوز، لكن يتعاون مع ولاة الأمور بالتي هي أحسن حتى يحكِّموا شرع الله في عباد الله، وإِلا فواجبه النصح
وواجبه التوجيه إِلى الخير، وواجبه إِنكار المنكر بالتي هي أحسن، هذا هو واجبه، قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ؛ لأن إِنكاره باليد بالقتل
أو الضرب يترتب عليه شر أكثر وفساد أعظم بلا شك ولا ريب لكل من سبر هذه الأمور وعرفها.
س6:هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالذات التغيير باليد حق للجميع، أم أنه حق مشروط لولي الأمر ومن يُعَيِّنُه ولي الأمر؟
ج6: التغيير للجميع حسب استطاعته؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإِن لم يستطع فبلسانه، فإِن لم يستطع
فبقلبه وذلك أضعف الإِيمان ، لكن التغيير باليد لا بد أن يكون عن قدرة لا يترتب عليه فساد أكبر وشر أكثر ، فليُغَيِّر باليد في بيته: على أولاده
وعلى زوجته، وعلى خدمه، وهكذا الموظف في الهيئة المختصة المعطى له صلاحيات، يغير بيده حسب التعليمات التي لديه، وإِلا فلا يغير شيئًا بيده
ليس له فيه صلاحية؛ لأنه إِذا غير بيده فيما لا يدخل تحت صلاحيته يترتب عليه ما هو أكثر شرًّا، ويترتب بلاء كثير وشر عظيم بينه وبين الناس
وبينه وبين الدولة. ولكن عليه أن يغير باللسان كأن يقول: ( اتق الله يا فلان، هذا لا يجوز )، ( هذا حرام عليك )، ( هذا واجب عليك )، يبين له
بالأدلة الشرعية باللسان، أما باليد فيكون في محل الاستطاعة، في بيته، أو فيمن تحت يده، أو فيمن أُذن له فيه من جهة السلطان أن يأمر بالمعروف
كالهيئات التي يأمرها السلطان ويعطيها الصلاحيات، يُغَيِّرون بقدر الصلاحيات التي أعطوها على الوجه الشرعي الذي شرعه الله لا يزيدون عليه، وهكذا
أمير البلد يغير بيده حسب التعليمات التي لديه.
س7:هناك من يرى - حفظك الله - أن له الحق في الخروج على الأنظمة العامة التي يضعها وليُّ الأمر كالمرور والجمارك والجوازات.. إِلخ، باعتبار
أنها ليست على أساس شرعي، فما قولكم - حفظكم الله -؟
ج7: هذا باطل ومنكر، وقد تقدم: أنه لا يجوز الخروج ولا التغيير باليد، بل يجب السمع والطاعة في هذه الأمور التي ليس فيها منكر، بل نَظَّمَها
ولي الأمر لمصالح المسلمين، فيجب الخضوع لذلك، والسمع
والطاعة في ذلك؛ لأن هذا من المعروف الذي ينفع المسلمين، وأما الشيء الذي هو منكر، كالضريبة التي يرى ولي الأمر أنها جائزة فهذه يراجع فيها
ولي الأمر؛ للنصيحة والدعوة إِلى الله، وبالتوجيه إِلى الخير، لا بيده يضرب هذا أو يسفك دم هذا أو يعاقب هذا بدون حجة ولا برهان، بل لا بد أن يكون
عنده سلطان من ولي الأمر يتصرف به حسب الأوامر التي لديه وإِلا فحسبه النصيحة والتوجيه، إِلا فيمن هو تحت يده من أولاد وزوجات ونحو ذلك
ممن له السلطة عليهم.
س8:هل من مقتضى البيعة - حفظك الله - الدعاء لولي الأمر؟
ج8: من مقتضى البيعة النصح لولي الأمر ، ومن النصح: الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة؛ لأن من أسباب صلاح
الوالي ومن أسباب توفيق الله له: أن يكون له وَزِيرُ صدقٍ يُعِينُه على الخير، ويُذَكِّرُه إِذا نسي، ويُعِينُه إِذا ذكر، هذه من أسباب توفيق الله له.
فالواجب على الرعية وعلى أعيان الرعية التعاون مع ولي الأمر في الإِصلاح وإِماتة الشر والقضاء عليه، وإِقامة الخير بالكلام الطيب والأسلوب الحسن
والتوجيهات السديدة التي يرجى من ورائها الخير دون الشر، وكل عمل يترتب عليه شر أكثر من المصلحة لا يجوز؛ لأن المقصود من الولايات كلها:
تحقيق المصالح الشرعية، ودرء المفاسد، فأي عمل يعمله الإِنسان يريد به الخير ويترتب عليه ما هو أشر مما أراد إِزالته وما هو منكر لا يجوز له.
وقد أوضح شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى إِيضاحًا كاملاً في كتاب " الحسبة " فليراجع؛ لعظم الفائدة.
س9:ومن يمتنع عن الدعاء لولي الأمر - حفظك الله - .
ج9: هذا من جهله، وعدم بصيرته؛ لأن الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات، ومن أفضل الطاعات، ومن النصيحة لله ولعباده، والنبي صلى الله عليه
وسلم لما قيل له: إِن دوسًا عصت وهم كفار قال: اللهم اهد دوسًا وائت بهم ، فهداهم الله وأتوه مسلمين.
فالمؤمن يدعو للناس بالخير، والسلطان أولى من يُدْعَى له؛ لأن صلاحه صلاح للأمة، فالدعاء له من أهم الدعاء، ومن أهم النصح: أن يُوفَّق للحق وأن يُعان
عليه، وأن يُصلح الله له البطانة، وأن يكفيه الله شرَّ نفسه وشرَّ جلساء السوء، فالدعاء له بالتوفيق والهداية وبصلاح القلب والعمل وصلاح البطانة من
أهم المهمات، ومن أفضل القربات، وقد روي عن الإِمام أحمد رحمه الله أنه قال: ( لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان )، ويروى ذلك
عن الفضيل بن عياض رحمه الله.
س10:هل من منهج السلف نقد الولاة من فوق المنابر؟ وما منهج السلف في نصح الولاة؟
ج10: ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إِلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي
إِلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إِليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون
به حتى يوجَّه إِلى الخير.
أما إِنكار المنكر بدون ذكر الفاعل: فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الربا من دون ذكر من فعله، فذلك واجب؛ لعموم الأدلة.
ويكفي إِنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر من فعلها لا حاكمًا ولا غير حاكم.
ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه: قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه: ألا تكلم عثمان ؟ فقال: إِنكم ترون أني لا أكلمه
إِلاَّ أُسْمِعُكم؟ إِني أكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرًا لا أحب أن أكون أول من افتتحه.
ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان عَلَنًا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في
آثاره إِلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية ، وقُتِلَ عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقُتِل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب
الإِنكار العلني، وذِكْرِ العيوب علنًا، حتى أبغض الكثيرون من الناس وَلِيَّ أمرهم وقتلوه، وقد روى عياض بن غُنْم الأشعري ، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يُبْدهِ علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به، فإِن قبل منه فذاك، وإِلا كان قد أدى الذي عليه .
نسأل الله العافية والسلامة لنا ولإِخواننا المسلمين من كل شر، إِنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وآله وصحبه.
المصدر :فتاوى ابن باز > المجلد الثامن > الجزء 8 > الصفحة 202 الى 211
يرجى نشرها والدال على الخير كفاعله
عسى الله أن ينفع و يهدي بها .