البيع بأقل من سعر السوق
بعض أصحاب المحلات الكبار ذات الفروع الكثيرة المنتشرة في سائر بلاد المملكة تشتري كميات كبيرة جداً من الشركة المنتجة، وتشترط على الشركة المنتجة أن تبيعها بسعر مخفض جداً مقابل شرائها هذه الكمية الكبيرة، فتقوم هذه المحلات ببيعه بربح قليل، ولو باعت بمثله الشركات والمحلات الصغيرة لخسرت، فتجذب هذه الشركة الكبيرة بهذا التصرف غالب المشترين عن أصحاب المحلات الصغيرة، ويلحقها ضرر كبير، ولا تستطيع الشركات الدخول معها في المنافسة، ومع ذلك يكون ربح صاحب المحلات الكبيرة ربحاً مضاعفاً؛ لأن الربح القليل بالكميات الكثيرة يتحول إلى ربح كثير جداً، والمستهلك يشتري أكثر من حاجته لخوفه ألا يجد فرصة للشراء بمثل هذا السعر.
خذ مثلاً لو أن شركة مثل هذه الشركات الكبيرة، والتي لها فروع كثيرة في المدينة الواحدة، فضلاً عن فروعها في سائر مدن المملكة، اشترت من شركات الدواجن مليون دجاجة، واشترطت على الشركة المنتجة أن يكون سعر الدجاجة خمسة ريالات، مقابل هذه الكمية الكبيرة، وكانت الشركة المنتجة تبيع الدجاجة الواحدة على التجار الصغار بسبعة ريالات، ليبيعها التاجر على المستهلك بثمانية، فإذا باعت هذه الشركة الدجاجة بسبعة ريالات، وفرقت هذه الكمية على محلاتها المنتشرة، فإنها سوف تبيعها من خلال يوم واحد، أو يومين، والتجار لا يستطيعون أن يبيعوا بهذا السعر؛ لأن ذلك يعني بيعها برأس مالها، بينما تكسب تلك الشركة مليوني ريال مقابل هذه الصفقة.
وقد يشترط بعضهم أن يكون سداد الصفقة مؤجلاً، فينتفع بهذا المبلغ الكبير (الربح مع رأس المال) مدة قبل سداده للتاجر.
والسؤال الكبير: هل يجوز للتاجر أن يبيع بسعر أقل من سعر السوق، أو يجب على الدولة أن تمنع من ذلك حماية للسوق من الكساد، وحماية لصغار المستثمرين من الإفلاس؟
في ذلك خلاف بين أهل العلم:
وقبل ذكر الخلاف نبين أن الكلام لا ينطبق على الجالب، فمن جلب شيئاً إلى السوق، فله أن يبيع بأقل من سعر الناس[1].
قال ابن رشد: « مما لا اختلاف فيه أنه لا يسعر على الجلاب » [2].
وقال أيضاً: « أما الجلاب، فلا اختلاف في أنه لا يسعر عليهم شيء مما جلبوه للبيع، وإنما يقال لمن شذ منهم، فحط من السعر، أو باع بأغلى مما يبيع به عامتهم: إما أن تبيع بما يبيع به العامة، وإما أن ترفع من السوق»[3].
وذلك أن السوق يستفيد من الجلاب، حيث يبيعون بضائعهم بسرعة، ويرجعون إلى أهلهم، وهذا ما حمل الشارع على النهي من أن يبيع حاضر لباد، وقال: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض، وسوف يأتي بحث هذه المسألة إن شاء الله تعالى في مبحث مستقل.
أما غير الجالب فاختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
يبيع كيف يشاء، سواء باع بأقل من السوق، أو بأكثر منهم، وهذا مذهب الشافعية[4]، والحنابلة[5]، وابن حزم[6].
القول الثاني:
يلزم أن يبيع كما يبيع الناس، فإن زاد، أو نقص عن أهل السوق منع من ذلك.
وهذا رأي ابن جزي[7]، وأبو الحسن بن القصار من المالكية[8]، وهو وجه في مذهب الحنابلة[9]، رجحه ابن تيمية[10].
وقد نسبه بعضهم إلى ابن عمر رضي الله عنه[11].
القول الثالث:
قال مالك: من حط من سعر السوق أقيم[12].
واختلف أصحابه في تفسير ذلك:
فقيل: من حط من الثمن، ومعنى هذا: أنه يجوز الزيادة في الثمن عن سعر السوق، وهذا اختيار ابن عبد البر[13]، وأبي الوليد الباجي في المنتقى[14]، والزرقاني في شرحه على الموطأ[15].
وقيل: من حط من المثمن، ومعنى هذا: أنه يجوز الحط من الثمن عن سعر السوق، وهذا ما اختاره ابن وهب[16]، وابن رشد الجد[17]، والقاضي عبد الوهاب البغدادي[18]، وابن ناجي، والونشريسي[19] وغيرهم.
واستدلوا على صحة هذا التفسير، بأن ابن وهب سمعه من مالك، قال ابن وهب: « سمعت مالك بن أنس يقول: لا يسعر على أهل الأسواق، فإن ذلك ظلم، ولكن إذا كان في السوق عشرة أصوع، فحط هذا صاعاً، أمر أن يخرج من السوق »[20].
وقد روى عبد الرزاق في المصنف، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، قال:
وجد عمر بن الخطاب ابن أبي بلتعة يبيع الزبيب بالمدينة، فقال: كيف تبيع يا حاطب؟ فقال: مدين. فقال: تبتاعون بأبوابنا، وأفنيتنا، وأسواقنا، تقطعون رقابنا، ثم تبيعون كيف شئتم، بع صاعاً، وإلا فلا تبع في سوقنا، وإلا فسيروا في الأرض، واجلبوا، ثم بيعوا كيف شئتم[21].
فهذا الأثر نص بأن حاطباً كان يبيع مدين، فطلب منه أن يبيع صاعاً، وهذا واضح أن نقص حاطب إنما كان في المبيع، وليس في الثمن.
إلا أن أثر عمرو بن شعيب عن عمر، مرسل، حيث لم يدرك عمرو ابن شعيب عمر بن الخطاب رضي الله عنه[22].
هذا ملخص الأقوال في المسألة.
دليل من قال: يبيع كيف شاء، بأقل أو بأكثر من سعر السوق.
الدليل الأول:
قوله تعالى: ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ﴾ [النساء:29].
وإذا أكره على البيع بثمن معين، سواء قيل له: زد في الثمن، كما لو حط من السعر، أو قيل له: انقص منه كما لو زاد فيه فهذا البيع ليس عن تراض، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.
قال الشافعي: « الناس مسلطون على أموالهم، ليس لأحد أن يأخذها، ولا شيئاً منها بغير طيب أنفسهم إلا في المواضع التي تلزمهم، وليس هذا منها»[23].
الدليل الثاني:
(ح-265) ما رواه ابن ماجه، قال: ثنا مروان بن محمد، ثنا عبد العزيز ابن محمد، عن داود بن صالح المدني، عن أبيه، قال:
سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما البيع عن تراض[24].
[ إسناده حسن] [25].
وجه من قال: إن زاد أو نقص عن سعر السوق لم يجز.
عللوا ذلك بأنه إن باع بأقل من سعر السوق أضر بالسوق، حيث يصرف الناس إليه، ويصاب غيره بالكساد، وإن باع بأكثر مما يبيع الناس أضر بالمشتري، فالعدل ثمن المثل.
(ح-266) ولما رواه الدارقطني من طريق عثمان بن محمد بن عثمان ابن ربيعة، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه،
عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضاره الله، ومن شاق شق الله عليه[26].
[ المعروف من حديث أبي سعيد أنه مرسل، وهو حسن بشواهده] [27].
(ث-41) ومن الآثار استدلوا بما رواه مالك، عن يونس بن يوسف، عن سعيد بن المسيب.
أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة، وهو يبيع زبيباً له بالسوق، فقال له عمر بن الخطاب: إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا[28].
[صحيح، وعلى تقدير أن سعيداً لم يسمع من عمر فمراسيله من أصح المراسيل] [29].
وظاهر الأثر أن المقصود: يزيد في الثمن لأن قوله (إما أن تزيد في السعر) فالسعر يطلق على الثمن، ولذلك يقال: هذا له سعر، إذا زادت قيمته، وليس له سعر: إذا أفرط رخصه[30].
ولأنه طلب خروجه من السوق، ولم يطلب منعه من البيع، وهذا دليل على أنه يضر بالسوق، وإنما يضر بالسوق إذا باع بأقل من سعر السوق. إلا أن أصحاب مالك اختلفوا كما سبق في قوله: إما أن تزيد في السعر، هل المقصود: يزيد في الثمن، أو يزيد في المثمن على قولين سبق ذكرهما، وعلى أي تقدير فإنه يقال: إذا منعتم النقص من المثمن، وهو أحد العوضين، فالنقص من الثمن مقيس عليه؛ فالنقص من المثمن يضر بالمشتري، والنقص في الثمن يضر بالسوق، وهو أكبر، والإضرار ممنوع منه الإنسان.
وإذا كانت الشريعة قد سمحت بغبن البادي من أجل نفع السوق، فنهى أن يبيع الحاضر للبادي، وعلل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض. فكيف تسمح بالإضرار بالسوق.
وقد حرمت الشريعة الإضرار بالآخر، فمنعت بيع المسلم على بيع أخيه، والشراء على شرائه كل ذلك منعاً للضرر الواقع بين المسلمين، فإذا كان ذلك بين آحاد المسلمين، وضرره محدود، فكيف إذا كان الضرر يقع على عامة التجار، وصغار المستثمرين، فإذا رأى الباعة أن بعض التجار يبيع بسعر لا يمكن لهم أن يبيعوا به، ولو باعوا به لخسروا، فلا شك أن مثل ذلك سيكون سبباً للعداوة والبغضاء.
وإذا كانت الشريعة قامت بحماية المشتري، من تحريم النجش، وتحريم الاحتكار، وتحريم الغبن، فإن أهل السوق هم مشترون قبل أن يكونوا باعة، فإن السلع التي في محلاتهم ليست نتاجاً، وإنما اشتروها طلباً للربح، فتعريضهم للخسارة ضرر كبير بهم يعود في نهايته على المستهلك، فإن هؤلاء الكبار إذا ألحقوا الضرر بصغار المستثمرين، وأخرجوهم من السوق، تحكم هؤلاء فيما بعد بالمستهلك، وصاروا هم وحدهم اللاعبين بالسوق، فالشريعة قامت على العدل، فهي في الوقت التي تحمي المشتري من أن يتعرض للاستغلال، تحمي البائع كذلك من أن يتعرض للخسارة بفعل غيره.
جواب الشافعي عن أثر عمر:
أجاب الشافعي بأن عمر رجع عن قوله، ولم يكن هذا القول عزيمة منه، وإنما اجتهاد اجتهده، ورجع عنه.
واستدل الشافعي لذلك بما رواه هو، قال:
أخبرنا الدراوردي، عن داود بن صالح التمار، عن القاسم بن محمد، عن عمر، أنه مر بحاطب بن أبي بلتعة بسوق المصلى، وبين يديه غرارتان فيهما زبيب، فسأله عن سعرهما، فسعر له مدين بدرهم. فقال عمر: لقد حدثت بعير مقبلة من الطائف تحمل زبيباً، وهم يعتبرون سعرك، فإما أن ترفع في السعر , وإما أن تدخل زبيبك البيت، فتبيعه كيف شئت، فلما رجع عمر حاسب نفسه ثم أتى حاطباً في داره، فقال له: إن الذي قلت لك ليس بعزيمة مني، ولا قضاء، إنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد فحيث شئت فبع، وكيف شئت فبع.
قال الشافعي: وهذا الحديث مستقصى، ليس بخلاف لما روى مالك، ولكنه روى بعض الحديث، أو رواه من روى عنه، وهذا أتى بأول الحديث وآخره، وبه أقول ; لأن الناس مسلطون على أموالهم ليس لأحد أن يأخذها، ولا شيئاً منها بغير طيب أنفسهم، إلا في المواضع التي تلزمهم وهذا ليس منها[31].
ويجاب عن اعتراض الشافعي:
بأن القاسم بن محمد لم يدرك عمر، فقد ذكر ابن حجر أقوال العلماء في تاريخ وفاته، وكانت الأقوال تتراوح بين عام (101 إلى عام 112) عن سبعين سنة، فعلى هذا لم يولد إلا بعد وفاة عمر رضي الله عنه، وكان مولد أبيه محمد في عام حجة الوداع.
وجه من قال: إن زاد عن سعر السوق منع، وإن نقص جاز.
لا يلام أحد على المسامحة في البيع، والحطيطة فيه، بل يشكر على ذلك إن فعله لوجوه الناس، ويؤجر فيه إذا فعله لوجه الله، ولكن إن زاد على غيره فقد أضر بالناس إذ كان يمكنهم أن يشتروا من غيره بأقل منه، وربما قلده أهل السوق، فرفعوا الأسعار على الناس، تأسياً به، فلذلك قلنا: يخرج من السوق.
وجه من قال: إن زاد عن سعر السوق جاز، وإن نقص منع.
إن نقص عن سعر السوق أضر بالسوق فيمنع، وإن رفع عن سعر السوق فإن للمشتري الخيار إن شاء اشترى منه، وإن شاء تركه واشترى من غيره، فيرجع الضرر على البائع نفسه.
وتعقب هذا بما قاله ابن حزم، قال: « وهذا عجب جداً، أن يمنعوه من الترخيص على المسلمين، ويبيحوا له التغلية، إن هذا لعجيب، وما نعلم قولهم عن أحد قبل...» [32].
الراجح:
لا شك أن الزيادة اليسيرة عن سعر السوق مما قد يتغابن الناس في مثله لا حرج منه، وأما إن كانت الزيادة كبيرة جداً، مما قد يلحق بالمشتري غبن، فإنه يمنع من ذلك، ومثله من أراد أن يبيع بأقل من سعر السوق، فإن كان هذا الفعل يقلل من أرباح التجار في السوق لم يمنع، وإن كان يلحق التجار خسارة وكساداً فإنه يمنع إلا أن يكون هذا عارضاً كما لو كانت البضاعة سينتهي تاريخها مثلاً، فإن البائع قد يخفض من سعرها خشية أن تبقى عنده، فتفسد عليه، وعلى الناس، والله لا يحب الفساد، وهذا أمر طارئ يتحمله السوق، أو كان للتاجر موسم معين قبل نهايته، وقبل بداية موسم جديد يريد أن يتخلص من البضاعة القديمة، فيعرض فيه تخفيضات محددة، ولفترة محددة لا تلحق بالسوق كساداً من تصرفه، فمثل هذا أيضاً يكون مقبولاً، أما أن يبيع بأقل من سعر السوق دائماً، ويضر بالتجار فإنه يمنع من ذلك، وكما هو مطلوب حماية المشتري من الغبن، مطلوب أيضاً حماية بقية أهل السوق من الخسائر، وقد سبق أن تكلمت على هذه المسألة حين الكلام على الحوافز التجارية إذا كانت تضر بالتجار الآخرين، في كتابي المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، توزيع مكتبة التدمرية. والله سبحانه وتعالى أعلم.
[1] مجموع الفتاوى (28/92)، الطرق الحكمية (ص: 372).
[2] البيان والتحصيل (9/368).
[3] البيان والتحصيل (9/313-314).
[4] مختصر المزني (ص: 102).
[5] جاء في الإنصاف (4/338): «ويحرم قوله: بع كالناس على الصحيح من المذهب، وفيه وجه: لا يحرم». وانظر الإقناع (2/76)، شرح منتهى الإرادات (2/26).
[6] قال ابن حزم في المحلى ( مسألة: 1555): «وجائز لمن أتى السوق من أهله , أو من غير أهله , أن يبيع سلعته بأقل من سعرها في السوق, وبأكثر - ولا اعتراض لأهل السوق عليه في ذلك, ولا للسلطان».
[7] قال ابن جزي في القوانين الفقهية (ص:169): «ومن زاد في سعر أو نقص منه أمر بإلحاقه بسعر الناس».
[8] حكاه عنه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/92)، وابن القيم في الطرق الحكمية (ص: 372).
[9] الإنصاف (4/338).
[10] جاء في الإقناع (2/76): «وأوجب الشيخ إلزامهم المعاوضة بثمن المثل، وقال: لا نزاع فيه؛ لأنها مصلحة عامة لحق الله تعالى ولا تتم مصلحة الناس إلا بها كالجهاد». وانظر الإنصاف (4/337)، شرح منتهى الإرادات(2/26).
[11] البيان والتحصيل (9/314).
[12] المعيار المعرب (6/409)، الكافي لابن عبد البر (ص: 360).
[13] قال ابن عبد البر في الكافي (ص: 360): «ولم ير مالك رحمه الله أن يخرج أحد من السوق، إن لم ينقص من السعر، قال: وحسبه من كره الشراء منه اشترى من غيره» اهـ يعني: إذا زاد على أهل السوق فمن كره الشراء منه اشترى من غيره. وانظر الاستذكار (20/74).
[14] المنتقى (5/17-18).
[15] شرح الزرقاني على موطأ مالك (3/381).
[16] جاء في الاستذكار (20/73) عن ابن وهب أنه قال: «سمعت مالك بن أنس يقول: لا يسعر على أهل الأسواق، فإن ذلك ظلم، ولكن إذا كان في السوق عشرة أصوع، فحط هذا صاعاً، أمر أن يخرج من السوق».
[17] جاء في البيان والتحصيل (9/305): «قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يجوز للرجل أن يبيع الطعام في السوق بدون بيع الناس، معناه: بدون بيع الناس في المثمون، لا في الثمن، وذلك مثل أن يكون الناس يبيعون مثل ذلك الطعام أربعة بدرهم، فلا يجوز له هو أن يبيع ثلاثة بدرهم....... وقد ذهب بعض الناس تأويلاً على رواية ابن القاسم هذه، وما كان مثلها: أن الواحد، والاثنين من أهل السوق، ليس لهم أن يبيعوا بأرخص مما يبيع أهل السوق؛ لأنه ضرر بهم، وممن ذهب إلى ذلك أبو محمد عبد الوهاب بن نصر البغدادي، وهو غلط ظاهر؛ إذ لا يلام أحد على المسامحة في البيع، والحطيطة فيه، بل يشكر على ذلك، إن فعله لوجوه الناس، ويؤجر فيه إذا فعله لوجه الله، وبالله التوفيق».
وما نسبه ابن رشد إلى القاضي عبد الوهاب البغدادي مخالف لما كتبه عبد الوهاب نفسه في كتابه المعونة، انظر نصه في الحاشية التالية.
[18] جاء في كتابه المعونة (2/1035) فإنه قال بعدما أن ذكر تحريم التسعير، قال: « فإذا ثبت ذلك – يعني من تحريم التسعير - فالذي يخاف ضرره بعقد التسعير: هو الزيادة فيه، وهذا يمكن حسمه، بأن يقال لمن حط السعر: إما أن تلحق بالناس، وإما أن تنصرف، ومثاله: أن يكون بيع الناس مثلاً للخبز عشرة أرطال بدرهم، فيبتدئ هو البيع على ثمانية، فيقال له: إنا لا نسعر عليك، ولا يلزمك البيع بما لا تختار، ولكن نأمرك بأن لا تضر بالناس تغلي الأثمان زيادة على بيع غيرك؛ لئلا يقتدي الباقون بك، فيضر ذلك بالناس، فإما بعه على بيعهم، وإلا أزلنا الأضرار عن الناس بصرفك عنهم، وقد روي أن عمر رضي الله عنه قال لحاطب بن أبي بلتعة مثل ذلك». اهـ
[19] قال ابن ناجي في شرح الجلاب (ورقة 120 ظ ) « ومن حط سعراً أمر بإلحاقه بسعر أهل السوق، فإن أبى أخرج منها. يعني: إذا نقص، كما إذا كان الناس يبيعون ثلاثة أرطال بدرهم، فباع هو رطلين بدرهم، وأما العكس فإنه جائز إذ لا يلام أحد على المسامحة في البيع » اهـ نقلاً من حاشية التفريع لابن الجلاب (2/168)، وانظر قول الونشريسي في المعيار المعرب (5/84).
[20] الاستذكار (20/73).
[21] المصنف (14906).
[22] جامع التحصيل (ص: 244).
[23] مختصر المزني (ص: 102).
[24] سنن ابن ماجه (2185).
[25] سبق تخريجه، انظر (ح43).
[26] سنن الدارقطني (3/77).
[27] سبق تخريجه، في كتابي المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، فالحمد لله، انظر (ح 243).
[28] الموطأ (2/651).
[29] اختلف في سماع سعيد من عمر، وقد سبق ذكر الخلاف فيه.
[30] المصباح المنير (1/ 277).
[31] مختصر المزني (ص: 92).
[32] المحلى (9/40).
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/52943/#ixzz3wJGs0GXl
بعض أصحاب المحلات الكبار ذات الفروع الكثيرة المنتشرة في سائر بلاد المملكة تشتري كميات كبيرة جداً من الشركة المنتجة، وتشترط على الشركة المنتجة أن تبيعها بسعر مخفض جداً مقابل شرائها هذه الكمية الكبيرة، فتقوم هذه المحلات ببيعه بربح قليل، ولو باعت بمثله الشركات والمحلات الصغيرة لخسرت، فتجذب هذه الشركة الكبيرة بهذا التصرف غالب المشترين عن أصحاب المحلات الصغيرة، ويلحقها ضرر كبير، ولا تستطيع الشركات الدخول معها في المنافسة، ومع ذلك يكون ربح صاحب المحلات الكبيرة ربحاً مضاعفاً؛ لأن الربح القليل بالكميات الكثيرة يتحول إلى ربح كثير جداً، والمستهلك يشتري أكثر من حاجته لخوفه ألا يجد فرصة للشراء بمثل هذا السعر.
خذ مثلاً لو أن شركة مثل هذه الشركات الكبيرة، والتي لها فروع كثيرة في المدينة الواحدة، فضلاً عن فروعها في سائر مدن المملكة، اشترت من شركات الدواجن مليون دجاجة، واشترطت على الشركة المنتجة أن يكون سعر الدجاجة خمسة ريالات، مقابل هذه الكمية الكبيرة، وكانت الشركة المنتجة تبيع الدجاجة الواحدة على التجار الصغار بسبعة ريالات، ليبيعها التاجر على المستهلك بثمانية، فإذا باعت هذه الشركة الدجاجة بسبعة ريالات، وفرقت هذه الكمية على محلاتها المنتشرة، فإنها سوف تبيعها من خلال يوم واحد، أو يومين، والتجار لا يستطيعون أن يبيعوا بهذا السعر؛ لأن ذلك يعني بيعها برأس مالها، بينما تكسب تلك الشركة مليوني ريال مقابل هذه الصفقة.
وقد يشترط بعضهم أن يكون سداد الصفقة مؤجلاً، فينتفع بهذا المبلغ الكبير (الربح مع رأس المال) مدة قبل سداده للتاجر.
والسؤال الكبير: هل يجوز للتاجر أن يبيع بسعر أقل من سعر السوق، أو يجب على الدولة أن تمنع من ذلك حماية للسوق من الكساد، وحماية لصغار المستثمرين من الإفلاس؟
في ذلك خلاف بين أهل العلم:
وقبل ذكر الخلاف نبين أن الكلام لا ينطبق على الجالب، فمن جلب شيئاً إلى السوق، فله أن يبيع بأقل من سعر الناس[1].
قال ابن رشد: « مما لا اختلاف فيه أنه لا يسعر على الجلاب » [2].
وقال أيضاً: « أما الجلاب، فلا اختلاف في أنه لا يسعر عليهم شيء مما جلبوه للبيع، وإنما يقال لمن شذ منهم، فحط من السعر، أو باع بأغلى مما يبيع به عامتهم: إما أن تبيع بما يبيع به العامة، وإما أن ترفع من السوق»[3].
وذلك أن السوق يستفيد من الجلاب، حيث يبيعون بضائعهم بسرعة، ويرجعون إلى أهلهم، وهذا ما حمل الشارع على النهي من أن يبيع حاضر لباد، وقال: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض، وسوف يأتي بحث هذه المسألة إن شاء الله تعالى في مبحث مستقل.
أما غير الجالب فاختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
يبيع كيف يشاء، سواء باع بأقل من السوق، أو بأكثر منهم، وهذا مذهب الشافعية[4]، والحنابلة[5]، وابن حزم[6].
القول الثاني:
يلزم أن يبيع كما يبيع الناس، فإن زاد، أو نقص عن أهل السوق منع من ذلك.
وهذا رأي ابن جزي[7]، وأبو الحسن بن القصار من المالكية[8]، وهو وجه في مذهب الحنابلة[9]، رجحه ابن تيمية[10].
وقد نسبه بعضهم إلى ابن عمر رضي الله عنه[11].
القول الثالث:
قال مالك: من حط من سعر السوق أقيم[12].
واختلف أصحابه في تفسير ذلك:
فقيل: من حط من الثمن، ومعنى هذا: أنه يجوز الزيادة في الثمن عن سعر السوق، وهذا اختيار ابن عبد البر[13]، وأبي الوليد الباجي في المنتقى[14]، والزرقاني في شرحه على الموطأ[15].
وقيل: من حط من المثمن، ومعنى هذا: أنه يجوز الحط من الثمن عن سعر السوق، وهذا ما اختاره ابن وهب[16]، وابن رشد الجد[17]، والقاضي عبد الوهاب البغدادي[18]، وابن ناجي، والونشريسي[19] وغيرهم.
واستدلوا على صحة هذا التفسير، بأن ابن وهب سمعه من مالك، قال ابن وهب: « سمعت مالك بن أنس يقول: لا يسعر على أهل الأسواق، فإن ذلك ظلم، ولكن إذا كان في السوق عشرة أصوع، فحط هذا صاعاً، أمر أن يخرج من السوق »[20].
وقد روى عبد الرزاق في المصنف، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، قال:
وجد عمر بن الخطاب ابن أبي بلتعة يبيع الزبيب بالمدينة، فقال: كيف تبيع يا حاطب؟ فقال: مدين. فقال: تبتاعون بأبوابنا، وأفنيتنا، وأسواقنا، تقطعون رقابنا، ثم تبيعون كيف شئتم، بع صاعاً، وإلا فلا تبع في سوقنا، وإلا فسيروا في الأرض، واجلبوا، ثم بيعوا كيف شئتم[21].
فهذا الأثر نص بأن حاطباً كان يبيع مدين، فطلب منه أن يبيع صاعاً، وهذا واضح أن نقص حاطب إنما كان في المبيع، وليس في الثمن.
إلا أن أثر عمرو بن شعيب عن عمر، مرسل، حيث لم يدرك عمرو ابن شعيب عمر بن الخطاب رضي الله عنه[22].
هذا ملخص الأقوال في المسألة.
دليل من قال: يبيع كيف شاء، بأقل أو بأكثر من سعر السوق.
الدليل الأول:
قوله تعالى: ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ﴾ [النساء:29].
وإذا أكره على البيع بثمن معين، سواء قيل له: زد في الثمن، كما لو حط من السعر، أو قيل له: انقص منه كما لو زاد فيه فهذا البيع ليس عن تراض، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.
قال الشافعي: « الناس مسلطون على أموالهم، ليس لأحد أن يأخذها، ولا شيئاً منها بغير طيب أنفسهم إلا في المواضع التي تلزمهم، وليس هذا منها»[23].
الدليل الثاني:
(ح-265) ما رواه ابن ماجه، قال: ثنا مروان بن محمد، ثنا عبد العزيز ابن محمد، عن داود بن صالح المدني، عن أبيه، قال:
سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما البيع عن تراض[24].
[ إسناده حسن] [25].
وجه من قال: إن زاد أو نقص عن سعر السوق لم يجز.
عللوا ذلك بأنه إن باع بأقل من سعر السوق أضر بالسوق، حيث يصرف الناس إليه، ويصاب غيره بالكساد، وإن باع بأكثر مما يبيع الناس أضر بالمشتري، فالعدل ثمن المثل.
(ح-266) ولما رواه الدارقطني من طريق عثمان بن محمد بن عثمان ابن ربيعة، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه،
عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضاره الله، ومن شاق شق الله عليه[26].
[ المعروف من حديث أبي سعيد أنه مرسل، وهو حسن بشواهده] [27].
(ث-41) ومن الآثار استدلوا بما رواه مالك، عن يونس بن يوسف، عن سعيد بن المسيب.
أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة، وهو يبيع زبيباً له بالسوق، فقال له عمر بن الخطاب: إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا[28].
[صحيح، وعلى تقدير أن سعيداً لم يسمع من عمر فمراسيله من أصح المراسيل] [29].
وظاهر الأثر أن المقصود: يزيد في الثمن لأن قوله (إما أن تزيد في السعر) فالسعر يطلق على الثمن، ولذلك يقال: هذا له سعر، إذا زادت قيمته، وليس له سعر: إذا أفرط رخصه[30].
ولأنه طلب خروجه من السوق، ولم يطلب منعه من البيع، وهذا دليل على أنه يضر بالسوق، وإنما يضر بالسوق إذا باع بأقل من سعر السوق. إلا أن أصحاب مالك اختلفوا كما سبق في قوله: إما أن تزيد في السعر، هل المقصود: يزيد في الثمن، أو يزيد في المثمن على قولين سبق ذكرهما، وعلى أي تقدير فإنه يقال: إذا منعتم النقص من المثمن، وهو أحد العوضين، فالنقص من الثمن مقيس عليه؛ فالنقص من المثمن يضر بالمشتري، والنقص في الثمن يضر بالسوق، وهو أكبر، والإضرار ممنوع منه الإنسان.
وإذا كانت الشريعة قد سمحت بغبن البادي من أجل نفع السوق، فنهى أن يبيع الحاضر للبادي، وعلل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض. فكيف تسمح بالإضرار بالسوق.
وقد حرمت الشريعة الإضرار بالآخر، فمنعت بيع المسلم على بيع أخيه، والشراء على شرائه كل ذلك منعاً للضرر الواقع بين المسلمين، فإذا كان ذلك بين آحاد المسلمين، وضرره محدود، فكيف إذا كان الضرر يقع على عامة التجار، وصغار المستثمرين، فإذا رأى الباعة أن بعض التجار يبيع بسعر لا يمكن لهم أن يبيعوا به، ولو باعوا به لخسروا، فلا شك أن مثل ذلك سيكون سبباً للعداوة والبغضاء.
وإذا كانت الشريعة قامت بحماية المشتري، من تحريم النجش، وتحريم الاحتكار، وتحريم الغبن، فإن أهل السوق هم مشترون قبل أن يكونوا باعة، فإن السلع التي في محلاتهم ليست نتاجاً، وإنما اشتروها طلباً للربح، فتعريضهم للخسارة ضرر كبير بهم يعود في نهايته على المستهلك، فإن هؤلاء الكبار إذا ألحقوا الضرر بصغار المستثمرين، وأخرجوهم من السوق، تحكم هؤلاء فيما بعد بالمستهلك، وصاروا هم وحدهم اللاعبين بالسوق، فالشريعة قامت على العدل، فهي في الوقت التي تحمي المشتري من أن يتعرض للاستغلال، تحمي البائع كذلك من أن يتعرض للخسارة بفعل غيره.
جواب الشافعي عن أثر عمر:
أجاب الشافعي بأن عمر رجع عن قوله، ولم يكن هذا القول عزيمة منه، وإنما اجتهاد اجتهده، ورجع عنه.
واستدل الشافعي لذلك بما رواه هو، قال:
أخبرنا الدراوردي، عن داود بن صالح التمار، عن القاسم بن محمد، عن عمر، أنه مر بحاطب بن أبي بلتعة بسوق المصلى، وبين يديه غرارتان فيهما زبيب، فسأله عن سعرهما، فسعر له مدين بدرهم. فقال عمر: لقد حدثت بعير مقبلة من الطائف تحمل زبيباً، وهم يعتبرون سعرك، فإما أن ترفع في السعر , وإما أن تدخل زبيبك البيت، فتبيعه كيف شئت، فلما رجع عمر حاسب نفسه ثم أتى حاطباً في داره، فقال له: إن الذي قلت لك ليس بعزيمة مني، ولا قضاء، إنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد فحيث شئت فبع، وكيف شئت فبع.
قال الشافعي: وهذا الحديث مستقصى، ليس بخلاف لما روى مالك، ولكنه روى بعض الحديث، أو رواه من روى عنه، وهذا أتى بأول الحديث وآخره، وبه أقول ; لأن الناس مسلطون على أموالهم ليس لأحد أن يأخذها، ولا شيئاً منها بغير طيب أنفسهم، إلا في المواضع التي تلزمهم وهذا ليس منها[31].
ويجاب عن اعتراض الشافعي:
بأن القاسم بن محمد لم يدرك عمر، فقد ذكر ابن حجر أقوال العلماء في تاريخ وفاته، وكانت الأقوال تتراوح بين عام (101 إلى عام 112) عن سبعين سنة، فعلى هذا لم يولد إلا بعد وفاة عمر رضي الله عنه، وكان مولد أبيه محمد في عام حجة الوداع.
وجه من قال: إن زاد عن سعر السوق منع، وإن نقص جاز.
لا يلام أحد على المسامحة في البيع، والحطيطة فيه، بل يشكر على ذلك إن فعله لوجوه الناس، ويؤجر فيه إذا فعله لوجه الله، ولكن إن زاد على غيره فقد أضر بالناس إذ كان يمكنهم أن يشتروا من غيره بأقل منه، وربما قلده أهل السوق، فرفعوا الأسعار على الناس، تأسياً به، فلذلك قلنا: يخرج من السوق.
وجه من قال: إن زاد عن سعر السوق جاز، وإن نقص منع.
إن نقص عن سعر السوق أضر بالسوق فيمنع، وإن رفع عن سعر السوق فإن للمشتري الخيار إن شاء اشترى منه، وإن شاء تركه واشترى من غيره، فيرجع الضرر على البائع نفسه.
وتعقب هذا بما قاله ابن حزم، قال: « وهذا عجب جداً، أن يمنعوه من الترخيص على المسلمين، ويبيحوا له التغلية، إن هذا لعجيب، وما نعلم قولهم عن أحد قبل...» [32].
الراجح:
لا شك أن الزيادة اليسيرة عن سعر السوق مما قد يتغابن الناس في مثله لا حرج منه، وأما إن كانت الزيادة كبيرة جداً، مما قد يلحق بالمشتري غبن، فإنه يمنع من ذلك، ومثله من أراد أن يبيع بأقل من سعر السوق، فإن كان هذا الفعل يقلل من أرباح التجار في السوق لم يمنع، وإن كان يلحق التجار خسارة وكساداً فإنه يمنع إلا أن يكون هذا عارضاً كما لو كانت البضاعة سينتهي تاريخها مثلاً، فإن البائع قد يخفض من سعرها خشية أن تبقى عنده، فتفسد عليه، وعلى الناس، والله لا يحب الفساد، وهذا أمر طارئ يتحمله السوق، أو كان للتاجر موسم معين قبل نهايته، وقبل بداية موسم جديد يريد أن يتخلص من البضاعة القديمة، فيعرض فيه تخفيضات محددة، ولفترة محددة لا تلحق بالسوق كساداً من تصرفه، فمثل هذا أيضاً يكون مقبولاً، أما أن يبيع بأقل من سعر السوق دائماً، ويضر بالتجار فإنه يمنع من ذلك، وكما هو مطلوب حماية المشتري من الغبن، مطلوب أيضاً حماية بقية أهل السوق من الخسائر، وقد سبق أن تكلمت على هذه المسألة حين الكلام على الحوافز التجارية إذا كانت تضر بالتجار الآخرين، في كتابي المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، توزيع مكتبة التدمرية. والله سبحانه وتعالى أعلم.
[1] مجموع الفتاوى (28/92)، الطرق الحكمية (ص: 372).
[2] البيان والتحصيل (9/368).
[3] البيان والتحصيل (9/313-314).
[4] مختصر المزني (ص: 102).
[5] جاء في الإنصاف (4/338): «ويحرم قوله: بع كالناس على الصحيح من المذهب، وفيه وجه: لا يحرم». وانظر الإقناع (2/76)، شرح منتهى الإرادات (2/26).
[6] قال ابن حزم في المحلى ( مسألة: 1555): «وجائز لمن أتى السوق من أهله , أو من غير أهله , أن يبيع سلعته بأقل من سعرها في السوق, وبأكثر - ولا اعتراض لأهل السوق عليه في ذلك, ولا للسلطان».
[7] قال ابن جزي في القوانين الفقهية (ص:169): «ومن زاد في سعر أو نقص منه أمر بإلحاقه بسعر الناس».
[8] حكاه عنه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/92)، وابن القيم في الطرق الحكمية (ص: 372).
[9] الإنصاف (4/338).
[10] جاء في الإقناع (2/76): «وأوجب الشيخ إلزامهم المعاوضة بثمن المثل، وقال: لا نزاع فيه؛ لأنها مصلحة عامة لحق الله تعالى ولا تتم مصلحة الناس إلا بها كالجهاد». وانظر الإنصاف (4/337)، شرح منتهى الإرادات(2/26).
[11] البيان والتحصيل (9/314).
[12] المعيار المعرب (6/409)، الكافي لابن عبد البر (ص: 360).
[13] قال ابن عبد البر في الكافي (ص: 360): «ولم ير مالك رحمه الله أن يخرج أحد من السوق، إن لم ينقص من السعر، قال: وحسبه من كره الشراء منه اشترى من غيره» اهـ يعني: إذا زاد على أهل السوق فمن كره الشراء منه اشترى من غيره. وانظر الاستذكار (20/74).
[14] المنتقى (5/17-18).
[15] شرح الزرقاني على موطأ مالك (3/381).
[16] جاء في الاستذكار (20/73) عن ابن وهب أنه قال: «سمعت مالك بن أنس يقول: لا يسعر على أهل الأسواق، فإن ذلك ظلم، ولكن إذا كان في السوق عشرة أصوع، فحط هذا صاعاً، أمر أن يخرج من السوق».
[17] جاء في البيان والتحصيل (9/305): «قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يجوز للرجل أن يبيع الطعام في السوق بدون بيع الناس، معناه: بدون بيع الناس في المثمون، لا في الثمن، وذلك مثل أن يكون الناس يبيعون مثل ذلك الطعام أربعة بدرهم، فلا يجوز له هو أن يبيع ثلاثة بدرهم....... وقد ذهب بعض الناس تأويلاً على رواية ابن القاسم هذه، وما كان مثلها: أن الواحد، والاثنين من أهل السوق، ليس لهم أن يبيعوا بأرخص مما يبيع أهل السوق؛ لأنه ضرر بهم، وممن ذهب إلى ذلك أبو محمد عبد الوهاب بن نصر البغدادي، وهو غلط ظاهر؛ إذ لا يلام أحد على المسامحة في البيع، والحطيطة فيه، بل يشكر على ذلك، إن فعله لوجوه الناس، ويؤجر فيه إذا فعله لوجه الله، وبالله التوفيق».
وما نسبه ابن رشد إلى القاضي عبد الوهاب البغدادي مخالف لما كتبه عبد الوهاب نفسه في كتابه المعونة، انظر نصه في الحاشية التالية.
[18] جاء في كتابه المعونة (2/1035) فإنه قال بعدما أن ذكر تحريم التسعير، قال: « فإذا ثبت ذلك – يعني من تحريم التسعير - فالذي يخاف ضرره بعقد التسعير: هو الزيادة فيه، وهذا يمكن حسمه، بأن يقال لمن حط السعر: إما أن تلحق بالناس، وإما أن تنصرف، ومثاله: أن يكون بيع الناس مثلاً للخبز عشرة أرطال بدرهم، فيبتدئ هو البيع على ثمانية، فيقال له: إنا لا نسعر عليك، ولا يلزمك البيع بما لا تختار، ولكن نأمرك بأن لا تضر بالناس تغلي الأثمان زيادة على بيع غيرك؛ لئلا يقتدي الباقون بك، فيضر ذلك بالناس، فإما بعه على بيعهم، وإلا أزلنا الأضرار عن الناس بصرفك عنهم، وقد روي أن عمر رضي الله عنه قال لحاطب بن أبي بلتعة مثل ذلك». اهـ
[19] قال ابن ناجي في شرح الجلاب (ورقة 120 ظ ) « ومن حط سعراً أمر بإلحاقه بسعر أهل السوق، فإن أبى أخرج منها. يعني: إذا نقص، كما إذا كان الناس يبيعون ثلاثة أرطال بدرهم، فباع هو رطلين بدرهم، وأما العكس فإنه جائز إذ لا يلام أحد على المسامحة في البيع » اهـ نقلاً من حاشية التفريع لابن الجلاب (2/168)، وانظر قول الونشريسي في المعيار المعرب (5/84).
[20] الاستذكار (20/73).
[21] المصنف (14906).
[22] جامع التحصيل (ص: 244).
[23] مختصر المزني (ص: 102).
[24] سنن ابن ماجه (2185).
[25] سبق تخريجه، انظر (ح43).
[26] سنن الدارقطني (3/77).
[27] سبق تخريجه، في كتابي المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، فالحمد لله، انظر (ح 243).
[28] الموطأ (2/651).
[29] اختلف في سماع سعيد من عمر، وقد سبق ذكر الخلاف فيه.
[30] المصباح المنير (1/ 277).
[31] مختصر المزني (ص: 92).
[32] المحلى (9/40).
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/52943/#ixzz3wJGs0GXl