كان أول توجه لجيش الفتح الإسلامي نحو الأندلس من أجل غزوها وفتحها سنة 91ه، تحت قيادة طريف بن زرعة، ثم غزوها في العام التالي 92ه، تحت قيادة طارق بن زياد، وكان عدد جيش المسلمين اثني عشر ألفاً، وتم الفتح العظيم، وانتشر المسلمون وجيشهم في قرطبة، وغرناطة، وطليطلة في الشمال، وأصبحت جميع الأرض الأندلسية خاضعة للمسلمين منذ ذلك التاريخ، وتعاقب على حكم الأندلس منذ ذلك الحين ستة عصور، وهي: عصر الولاة (95 – 138ه) وعصر الدولة الأموية (138 – 422ه) وعصر ملوك الطوائف (422 – 484ه) وعصر المرابطين (484 – 540ه) وعصر الموحدين (541 – 633ه) وعصر دولة بني الأحمر (636 – 897ه).
شاءت حكمة الله تعالى أن ينتشر الإسلام في الأندلس، وتسعد به أجيال كثيرة أراد الله لهم الهداية والخير، وكان السبب في هذا بعد الله تعالى يعود إلى صقر قريش عبدالرحمن الداخل سنة 138ه الذي ضبط الحكم فيها، وأعاد إليها النظام والوحدة، وأدارها بكل حكمة وقوة، مما أدى إلى استقرار الحكم فيها، لتكون بعد ذلك مدخلاً وسبباً في وصول الثقافة العربية الإسلامية إلى أوربا.
كما هو معلوم فقد تعاقب على حكم الأندلس الكثير من الأمراء والسلاطين، كان بعضهم قوياً، وبعضهم الآخر ضعيفاً، ومن السلاطين الأقوياء عبدالرحمن الناصر (300 - 350ه)، الذي يعرف بأنه الفاتح الثاني للأندلس، حيث استرد ما ضاع منها من الولايات، وبلغت قرطبة أوجها في عهده، ومنهم المنصور بن أبي عامر الذي أعاد فتحها مرة ثالثة، وأخضع القلاع المسيحية والمدن النصرانية لحكم الإسلام، وفتح برشلونة، ثم انفرط العقد من بعده، وقامت إمارات ودويلات، يغلب على معظم أمرائها الضعف والوهن، ويشغلهم اللهو، وبلغ عدد هذه الدويلات حولي (20) إمارة، توزعت على جميع الأندلس، ومنهم: بنو حمود، وبنو عباد، وبنو زيري، وبنو برزال، وبنو يحيى، وبنو جهور، وبنو ذي النون، وبنو هود، إلى غير ذلك، كل منهم استولت على ناحية منها.
اتفقت أهم قوى النصارى في ذلك الوقت وتوحدت دولة قشتالة وأراغون بعد زواج أميريهما فرديناند وإيزابلا، وكان نتيجة هذا الاتحاد أن توحيد القيادة، في الوقت الذي كانت قوة المسلمين في تشرذم، وقيادتهم في انقسام وتشتت، حيث ثار أبو عبدالله بن الأحمر على والده "أبي الحسن"، وتعاون مع المسيحيين على حرب والده، ثم على حرب عمه محمد الثاني المعروف بالزغل بعد موت أبيه، وبلغ به العداء لعمه أنه لما فتح فرديناند وأيزابلا مدينة مالقة الإسلامية أرسل إليهما أبو عبدالله بالتهاني، وأعطاهما عهداً إن هما استوليا على إمارة الزغل أن يسلم لهما غرناطة، فتم لهم ذلك عام 896هـ، وخرج الزغل إلى إفريقية، فطلب فرديناند من أبي عبدالله الوفاء بوعده، فتماطل وحاول الصمود، ولكن جيوش الصليبيين تقدمت إلى غرناطة مصممة على فتح آخر حصن للإسلام والمسلمين في إسبانيا. وتم لهم ذلك، فصالحهم أبو عبدالله، وخرج المسلمون من غرناطة في سنة 1492م في ذلة ومهانة. حيث بدأت محاكم التفتيش في التعذيب والقتل والنفي، وبدأت معاناة أهل الأندلس من المسلمين ومن اليهود، وكانوا يجبرونهم على التنصر أو الموت، وقد تمسك أهل الأندلس بالإسلام ورفضوا الاندماج مع المجتمع النصراني. ،وبقي المسلمون رغم هذا متمسكين بإسلامهم، يدافعون عنه بكل قوة.
ونظراً لطول هذا الموضوع وتشعبه، وصعوبة حصره في مقال أو مقالين، مما يحتم عليَّ في هذا المقام محاولة الوقوف على أهم ما فيه من الحكم والعبر، وهو محاولة الوقوف على أهم الأساب التي أدت إلى ضعف المسلمين، ووصولهم إلى ما وصلوا إليه، مما أدى إلى هزيمتهم أمام أعدائهم.
ويمكن إجمال أهم تلك الأسباب في عدة نقاط منها: ما تمثل في ضعف العقيدة الإسلامية عند معظم السلاطين وأهل القرار، أو أصحاب المال والجاه فيهم، وانحرافهم عن منهج الإسلام الحق، ومولاتهم للنصارى، والتحالف معهم؛ فيمكن أن نقول - وبكل أسف - أن تاريخ العرب والمسلمين في الأندلس مليء بمثل هذه التحالفات المهينة، مخالفين في ذلك قول الله تعالى: (لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ في شَيْءٍ) [آل عمران: 28]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَوثَقُ عُرَا الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحبُّ في الله، والبغض في الله) ومن الأمثلة على تلك التحالفات ما فعله المعتمد بن عباد وغيره الذين كانوا يطلبون المساعدة من ملك قشتالة في حربه ضد أقاربه من أمراء الطوائف من أجل استئصالهم، بدل أن يتحد معهم ضد النصارى من أجل تحقيق مصلحة المسلمين وأهدافهم التي باتت مهددة في الأندلس.
ومن تلك الأسباب المهمة أيضاً الانغماس في الشهوات، والركون إلى الترف، وعدم توجيه طاقات الأمة نحو معالي الأمور والجهاد بأنواعه، في الوقت الذي كانوا يرون فيه العدو وهو يجمع طاقاته ويوحد صفوفه لحربهم والتخلص منهم، ويرى بعض المؤرخين أن الأندلسيين خاصة الشباب منهم ألقوا بأنفسهم في أحضان الترف والمجون، حتى ذهبت أخلاقهم، وماتت فيهم حمية الإسلام ومظاهر العزة والكرامة، واهتمت نساؤهم بمظاهر الزينة والتربج، ويكفي للوقوف على مقدار هذا الترف ما فعله المُعْتَمِد في القصة المشهورة مع إحدى زوجاته، التي اشتهت أن تمشي في الطين فأمر أن يخلط الطين بالمسك والزعفران، لتخوض فيه وتحقق شهوتها.
ومن تلك الأسباب إلغاء الخلافة الأموية وإعلان بداية قيام عهد الطوائف، الذين كان غالبهم ليس مؤهلا لقيادة الأمة الإسلامية والنهوض بها وإعادتها إلى ما كانت عليه فيما مضى، مما أدى إلى ضعف المسلمين ووصولهم إلى تلك الحالة من المهانة، حيث أصبحت الأمة كما قال الشاعر:
مما يزهدني فـي أرض أَنْدَلُـس أسـماء معتمد فيهـا ومعتضــد
ألقاب مملكة في غيـر موضعهـا كالهرَّ يحكي انتفاخًا صولة الأسد
ومن تلك الأسباب وجود الفرقة والاختلاف بأنواعه بين المسلمين، حتى أصبح سمة من سمات عصر الطوائف، حتى كان بعضهم يضطر إلى عقد العهود مع النصارى ضد إخوانه وأقاربه من أجل السلطة، ولما سقطت طُلَيْطِلَة وقف بعض ملوك الطوائف صامتين عن نجدتها، وكأن الأمر لا يعنيهم، وتغافلوا عن أن ملك النصارى ألفونسو لا يفرِّق بين طليطلة وبين غيرها.
ومن الأسباب المهمة كذلك تخلي بعض علماء المسلمين أو معظمهم عن القيام بواجباتهم، ذلك أن الواجب الديني لا يقوم به إلا العلماء الربانيين، وكلَّما ابتعد العلماء عن الربَّانية تثاقلت نفوسهم، وازداد اهتامهم بمصالحهم الشخصية, وعدم الاهتمام بمصالح الأمة الحقيقية، كما هو الحال في أيامنا هذه، وهو ما يؤدي إلى ضعف الأمة، وتقهرقها، ثم هناك أمر آخر وهو عدم سماع ملوك الطوائف لنصائح العلماء الصادقين في ذلك الوقت، بل ومحاولة التضييق عليهم، كما هو حالنا هذه الأيام، فكانت نصائح العلماء لا تصادف أسماع السلاطين، حتى حلَّت بهم المصيبة، وهي سقوط طليطلة، وما بعدها.
ومن الأساب التي أدت إلى ذهاب دولة المسلمين في الأندلس أن النصارى استطاعوا أن يتفقوا ويوحدوا كلمتهم ويضعوا البرامج والمخططات التي تقوم على الغدر والخيانة، بالتعاون مع بعض الخونة، من أجل القضاء على ملوك الطوائف ببث الفتنة بينهم، فهم كما قال الله تعالى: (لاَ يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [التوبة: 14] حيث مارسوا كل الأساليب الممنوعة من أجل تحقيق أهدافهم كما هو معلوم في محاكم التفتيش. وكان من أكثر ملوك النصارى نشاطاً واهتماماً بهذا الأمر فرناندو ملك قشتالة.
من هنا أقول: ما أحرانا في هذه الأيام العصيبة، التي تشبه تلك الأيام كتشابه الماء بالماء أن نعي الدرس حقاً، ونفهم الواقع فهماً يؤهلنا إلى إجادة التعامل معه كما ينبغي، بعيداً عن الخيانة بأشكالها، والتي من أهمها أن نضع أيدينا بأيدي أعدائنا المعروفين بعدائهم وبغضهم للإسلام عبر التاريخ، وأن ننبذ تلك التحالفات التي يحاولون ترويجها بأنها لحرب الإرهاب والتطرف، وما هي في حقيقتها إلا لحرب الإسلام، اعترفوا بذلك أم لم يعترفوا، فحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
شاءت حكمة الله تعالى أن ينتشر الإسلام في الأندلس، وتسعد به أجيال كثيرة أراد الله لهم الهداية والخير، وكان السبب في هذا بعد الله تعالى يعود إلى صقر قريش عبدالرحمن الداخل سنة 138ه الذي ضبط الحكم فيها، وأعاد إليها النظام والوحدة، وأدارها بكل حكمة وقوة، مما أدى إلى استقرار الحكم فيها، لتكون بعد ذلك مدخلاً وسبباً في وصول الثقافة العربية الإسلامية إلى أوربا.
كما هو معلوم فقد تعاقب على حكم الأندلس الكثير من الأمراء والسلاطين، كان بعضهم قوياً، وبعضهم الآخر ضعيفاً، ومن السلاطين الأقوياء عبدالرحمن الناصر (300 - 350ه)، الذي يعرف بأنه الفاتح الثاني للأندلس، حيث استرد ما ضاع منها من الولايات، وبلغت قرطبة أوجها في عهده، ومنهم المنصور بن أبي عامر الذي أعاد فتحها مرة ثالثة، وأخضع القلاع المسيحية والمدن النصرانية لحكم الإسلام، وفتح برشلونة، ثم انفرط العقد من بعده، وقامت إمارات ودويلات، يغلب على معظم أمرائها الضعف والوهن، ويشغلهم اللهو، وبلغ عدد هذه الدويلات حولي (20) إمارة، توزعت على جميع الأندلس، ومنهم: بنو حمود، وبنو عباد، وبنو زيري، وبنو برزال، وبنو يحيى، وبنو جهور، وبنو ذي النون، وبنو هود، إلى غير ذلك، كل منهم استولت على ناحية منها.
اتفقت أهم قوى النصارى في ذلك الوقت وتوحدت دولة قشتالة وأراغون بعد زواج أميريهما فرديناند وإيزابلا، وكان نتيجة هذا الاتحاد أن توحيد القيادة، في الوقت الذي كانت قوة المسلمين في تشرذم، وقيادتهم في انقسام وتشتت، حيث ثار أبو عبدالله بن الأحمر على والده "أبي الحسن"، وتعاون مع المسيحيين على حرب والده، ثم على حرب عمه محمد الثاني المعروف بالزغل بعد موت أبيه، وبلغ به العداء لعمه أنه لما فتح فرديناند وأيزابلا مدينة مالقة الإسلامية أرسل إليهما أبو عبدالله بالتهاني، وأعطاهما عهداً إن هما استوليا على إمارة الزغل أن يسلم لهما غرناطة، فتم لهم ذلك عام 896هـ، وخرج الزغل إلى إفريقية، فطلب فرديناند من أبي عبدالله الوفاء بوعده، فتماطل وحاول الصمود، ولكن جيوش الصليبيين تقدمت إلى غرناطة مصممة على فتح آخر حصن للإسلام والمسلمين في إسبانيا. وتم لهم ذلك، فصالحهم أبو عبدالله، وخرج المسلمون من غرناطة في سنة 1492م في ذلة ومهانة. حيث بدأت محاكم التفتيش في التعذيب والقتل والنفي، وبدأت معاناة أهل الأندلس من المسلمين ومن اليهود، وكانوا يجبرونهم على التنصر أو الموت، وقد تمسك أهل الأندلس بالإسلام ورفضوا الاندماج مع المجتمع النصراني. ،وبقي المسلمون رغم هذا متمسكين بإسلامهم، يدافعون عنه بكل قوة.
ونظراً لطول هذا الموضوع وتشعبه، وصعوبة حصره في مقال أو مقالين، مما يحتم عليَّ في هذا المقام محاولة الوقوف على أهم ما فيه من الحكم والعبر، وهو محاولة الوقوف على أهم الأساب التي أدت إلى ضعف المسلمين، ووصولهم إلى ما وصلوا إليه، مما أدى إلى هزيمتهم أمام أعدائهم.
ويمكن إجمال أهم تلك الأسباب في عدة نقاط منها: ما تمثل في ضعف العقيدة الإسلامية عند معظم السلاطين وأهل القرار، أو أصحاب المال والجاه فيهم، وانحرافهم عن منهج الإسلام الحق، ومولاتهم للنصارى، والتحالف معهم؛ فيمكن أن نقول - وبكل أسف - أن تاريخ العرب والمسلمين في الأندلس مليء بمثل هذه التحالفات المهينة، مخالفين في ذلك قول الله تعالى: (لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ في شَيْءٍ) [آل عمران: 28]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَوثَقُ عُرَا الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحبُّ في الله، والبغض في الله) ومن الأمثلة على تلك التحالفات ما فعله المعتمد بن عباد وغيره الذين كانوا يطلبون المساعدة من ملك قشتالة في حربه ضد أقاربه من أمراء الطوائف من أجل استئصالهم، بدل أن يتحد معهم ضد النصارى من أجل تحقيق مصلحة المسلمين وأهدافهم التي باتت مهددة في الأندلس.
ومن تلك الأسباب المهمة أيضاً الانغماس في الشهوات، والركون إلى الترف، وعدم توجيه طاقات الأمة نحو معالي الأمور والجهاد بأنواعه، في الوقت الذي كانوا يرون فيه العدو وهو يجمع طاقاته ويوحد صفوفه لحربهم والتخلص منهم، ويرى بعض المؤرخين أن الأندلسيين خاصة الشباب منهم ألقوا بأنفسهم في أحضان الترف والمجون، حتى ذهبت أخلاقهم، وماتت فيهم حمية الإسلام ومظاهر العزة والكرامة، واهتمت نساؤهم بمظاهر الزينة والتربج، ويكفي للوقوف على مقدار هذا الترف ما فعله المُعْتَمِد في القصة المشهورة مع إحدى زوجاته، التي اشتهت أن تمشي في الطين فأمر أن يخلط الطين بالمسك والزعفران، لتخوض فيه وتحقق شهوتها.
ومن تلك الأسباب إلغاء الخلافة الأموية وإعلان بداية قيام عهد الطوائف، الذين كان غالبهم ليس مؤهلا لقيادة الأمة الإسلامية والنهوض بها وإعادتها إلى ما كانت عليه فيما مضى، مما أدى إلى ضعف المسلمين ووصولهم إلى تلك الحالة من المهانة، حيث أصبحت الأمة كما قال الشاعر:
مما يزهدني فـي أرض أَنْدَلُـس أسـماء معتمد فيهـا ومعتضــد
ألقاب مملكة في غيـر موضعهـا كالهرَّ يحكي انتفاخًا صولة الأسد
ومن تلك الأسباب وجود الفرقة والاختلاف بأنواعه بين المسلمين، حتى أصبح سمة من سمات عصر الطوائف، حتى كان بعضهم يضطر إلى عقد العهود مع النصارى ضد إخوانه وأقاربه من أجل السلطة، ولما سقطت طُلَيْطِلَة وقف بعض ملوك الطوائف صامتين عن نجدتها، وكأن الأمر لا يعنيهم، وتغافلوا عن أن ملك النصارى ألفونسو لا يفرِّق بين طليطلة وبين غيرها.
ومن الأسباب المهمة كذلك تخلي بعض علماء المسلمين أو معظمهم عن القيام بواجباتهم، ذلك أن الواجب الديني لا يقوم به إلا العلماء الربانيين، وكلَّما ابتعد العلماء عن الربَّانية تثاقلت نفوسهم، وازداد اهتامهم بمصالحهم الشخصية, وعدم الاهتمام بمصالح الأمة الحقيقية، كما هو الحال في أيامنا هذه، وهو ما يؤدي إلى ضعف الأمة، وتقهرقها، ثم هناك أمر آخر وهو عدم سماع ملوك الطوائف لنصائح العلماء الصادقين في ذلك الوقت، بل ومحاولة التضييق عليهم، كما هو حالنا هذه الأيام، فكانت نصائح العلماء لا تصادف أسماع السلاطين، حتى حلَّت بهم المصيبة، وهي سقوط طليطلة، وما بعدها.
ومن الأساب التي أدت إلى ذهاب دولة المسلمين في الأندلس أن النصارى استطاعوا أن يتفقوا ويوحدوا كلمتهم ويضعوا البرامج والمخططات التي تقوم على الغدر والخيانة، بالتعاون مع بعض الخونة، من أجل القضاء على ملوك الطوائف ببث الفتنة بينهم، فهم كما قال الله تعالى: (لاَ يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [التوبة: 14] حيث مارسوا كل الأساليب الممنوعة من أجل تحقيق أهدافهم كما هو معلوم في محاكم التفتيش. وكان من أكثر ملوك النصارى نشاطاً واهتماماً بهذا الأمر فرناندو ملك قشتالة.
من هنا أقول: ما أحرانا في هذه الأيام العصيبة، التي تشبه تلك الأيام كتشابه الماء بالماء أن نعي الدرس حقاً، ونفهم الواقع فهماً يؤهلنا إلى إجادة التعامل معه كما ينبغي، بعيداً عن الخيانة بأشكالها، والتي من أهمها أن نضع أيدينا بأيدي أعدائنا المعروفين بعدائهم وبغضهم للإسلام عبر التاريخ، وأن ننبذ تلك التحالفات التي يحاولون ترويجها بأنها لحرب الإرهاب والتطرف، وما هي في حقيقتها إلا لحرب الإسلام، اعترفوا بذلك أم لم يعترفوا، فحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.