ابو عمر البلدي
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 15 أكتوبر 2015
- المشاركات
- 323
- نقاط التفاعل
- 385
- نقاط الجوائز
- 13
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين وعلى اله صحبه اجمعين . وبعد باب في بيان أن الغرض من العبادة تطهير النفس واجتلاب صحتها
لم يكلف الله الناس عبادته لينتفع هو تعالى بها انتفاع المولى باستعباد عبيده واستخدام خدمه فإن الله غنيٌّ عن العالمين. ولا ليؤدبهم ليزيل أنجاسهم وأمراضهم النفسية، فبذلك يمكنهم أن يحصلوا حياةً أبديةً باقيةً سرمديةً فإن من وُلد يكون ميتاً بالإضافة إلى أصحاب الدار الآخرة وفاقداً للعين التي بها يعرفهم والسمع الذي به يسمع تحاورهم واللسان الذي به يخاطبونه ويخاطبهم والعقل الذي به يعقلهم، فليس تلكم الحياة والعين والسمع ما للإنسان في الحياة الدنيا. وكيف يكون كذلك وقد نفى الله ذلك عن الكفار وجعلهم أمواتاً وصُماًّ وبُكماًّ وعُمياًّ، فإن الإنسان له قوة على تحصيل تلك الأمور في ابتداءِ أمره، وإن أهمل نفسه فأتت عنه تلك القوة فلا يمكنه بعد قبول ذلك، كالفحم إذا صار رماداً فلا يقبل بعد ذلك ناراً، فمن استمرَّ في كفره وفسقه وتمادى فيه صار أما ميتاً أو مريضاً أو أصمَّ لا يقبل الشفاء، ولذلك قال الله تعالى فيمن ثكِل هذه القوة: (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصمَّ الدعاءَ إذا ولَّوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم). وقال تعالى: (صمٌّ بكمٌّ عميٌّ فهم لا يعقلون) وقال تعالى: (في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت). وقال تعالى: (إنما المشركون نَجَسٌ). وقال تعالى في المؤمنين: (لينذر من كان حياً). وقال فيهم: (أولي الأيدي والأبصار). فمن استفاد الحياة والصحة والطهارة قبل أن تبطل عنه هذه القوى أعني قبول ذلك فصار حياً سميعاً بصيراً طاهراً وحصل زاداً كما أمره الله تعالى بقوله: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور). وائتمر له تعالى بقوله: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم). واقتدى بالموصوفين بقوله سبحانه: (يسارعون في الخيرات). فجديرٌ أن يفلح فيحصل هذه السعادة كما قال الله تعالى: (لعلكم تفلحون).
الباب الرابع والعشرون
كما أن في بدن الإنسان عوارض وأموراً موجودة عند الولادة أو توجد حالاً فحالاً بحكمة تقتضي ذلك وهي تعد نجاسات لا بد من إماطتها كلها أو إماطة فضولاتها، وذلك كالسَّلى والسرَّة والقلفة والعقيقة الموجودة في الصبي عند الولادة وكالأوساخ والقمل والظفر وشعر العانة وشعر الإبط، كذلك في نفس الإنسان عوارض هي نجاسات وأمراض نفسانية يلزم إماطتها كالجهل والشره والعجلة والشح والظلم. ويدل على كون ذلك مخلوقاً فيه وأمره بإماطته وإماطة فضلاته ما ذكر الله تعالى في مواضع من كتابه بقوله: (خُلق الإنسان من عجل) فذكر أنه مخلوق منه كما ترى. ثم أمره أن ينحيه عن نفسه وأن لا يستعين به فقال: (سأُريكم آياتي فلا تستعجلون). وقوله تعالى: (إنه كان ظلوماً جهولا). ثم أمره بالعلم والعدل في غير موضع من كتابه. وقوله تعالى: (وأحضرت الأنفس الشحَّ). ثم قال: (وَمَنْ يوق شحَّ نفسه فاولئك هم المفلحون). فأمر باتقاء الشح مع إحضاره إياه. وقوله تعالى: (إن الإنسان خُلق هلوعا إذا مسه الشرُّ جزوعا وإذا مسه الخير منوعا). ووصفه بالكفور والقتور في قوله: (وكان الإنسان كفورا). وقوله تعالى: (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا). فأدخل عليه " كان " تنبيهاً على أن ذلك فيه غريزي موجود قبل لا هو شيءٌ طارئٌ عليه. وقوله تعالى: (وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلاً). ثم نهى عن أكثر الجدال فالإنسان يحتاج أن يستعمل هذه القوى في الدنيا كما يجب وفي وقت ما يجب وأن يميط فضولاتها قبل خروجه من الدنيا حسب ما وردت به الشريعة، فإنه متى لم يتطهر من النجاسة، ولم يُزل أمراض نفسه لم يجد سبيلاً إلى نعيم الآخرة، بل ولا إلى طيب الحياة الدنيا، وذلك من تطهر تجلى عن قلبه الغشاوة فيعلم الحق حقاً والباطل باطلاً فلا يشغله إلا ما يعنيه، ولا يتناول إلا ما يعنيه فيحيا حياة طيبة كما قال تعالى: (فلنحيينَّه حياة طيبة) ولا تصير قنياته في الدنيا وبالاً عليه وعذاباً كما قال الله تعالى في الكفار: (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون). ويصير قلبه إذا تطهر مقرَّ السكينة والأرواح الطيبة كما وصف الله تعالى المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم). وعرف الطريق التي بها التوصل إلى الحنة المأوى ومصاحبة الملأ الأعلى في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فيسارع في الخيرات ويسابق إلى مغفرة من ربه. ومتى بقيت نجاسته وتزايدت صار قلبه مقرَّ الشبه والآثام كما قال الله تعالى: (هل أنبئكم على من تَنَزَّلُ الشياطين تنزل على كل أفَّاك أثيم). ولا يجد سبيلاً إلى سعادة الدار الآخرة كما قال الله تعالى: (أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم كلاّ إنا خلقناهم مما يعلمون) فنبه على أنه لا يصلح لجنته ما لم تطهر ذاته عن أشياء هي مخلوقة فيها وعلى هذا دلَّ قوله تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب). فحق الإنسان أن يراعي هذه القوى فيصلحها ويستعملها على الوجه الذي يجب وكما يجب ليكون كمن وصفه الله تعالى بقوله: (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلامٌ عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون). وقد يقع للإنسان شبهة في أمر هذه النجاسات فيقول: أترى أن ذلك من عند غير الله؟ فإن كان من غيره فمن أين يوجده؟ ومن أين منبعه؟ وإن كان منه فما المعنى في أن أوجده في الإنسان ثم أمره بأن يزيله؟ فيقال لم يعرف ذلك البشر، لكن من الأشياء ما نفعه في وقت مخصوص أو إذا كان على قدر مخصوص، ثم إذا استغني عنه أو زاد على قدر ما يحتاج إليه يجب أن يزال وذلك إذ تؤمل ظاهر إذ من المعلوم أن السلا والسرة يحتاج إليهما لصيانة الولد في وقت ثم يستغني عنهما، فيكون إبقاءهما بعد نجاسة والشعر والظفر يحتاج إليهما إذا كان على حد وإذا زادا يجب إماطتهما.
والى غد ان شاء الله سننظر في القوى التي يجب إزالة أمراضها وأنجاسها والمعاني التي تحصل منها
لم يكلف الله الناس عبادته لينتفع هو تعالى بها انتفاع المولى باستعباد عبيده واستخدام خدمه فإن الله غنيٌّ عن العالمين. ولا ليؤدبهم ليزيل أنجاسهم وأمراضهم النفسية، فبذلك يمكنهم أن يحصلوا حياةً أبديةً باقيةً سرمديةً فإن من وُلد يكون ميتاً بالإضافة إلى أصحاب الدار الآخرة وفاقداً للعين التي بها يعرفهم والسمع الذي به يسمع تحاورهم واللسان الذي به يخاطبونه ويخاطبهم والعقل الذي به يعقلهم، فليس تلكم الحياة والعين والسمع ما للإنسان في الحياة الدنيا. وكيف يكون كذلك وقد نفى الله ذلك عن الكفار وجعلهم أمواتاً وصُماًّ وبُكماًّ وعُمياًّ، فإن الإنسان له قوة على تحصيل تلك الأمور في ابتداءِ أمره، وإن أهمل نفسه فأتت عنه تلك القوة فلا يمكنه بعد قبول ذلك، كالفحم إذا صار رماداً فلا يقبل بعد ذلك ناراً، فمن استمرَّ في كفره وفسقه وتمادى فيه صار أما ميتاً أو مريضاً أو أصمَّ لا يقبل الشفاء، ولذلك قال الله تعالى فيمن ثكِل هذه القوة: (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصمَّ الدعاءَ إذا ولَّوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم). وقال تعالى: (صمٌّ بكمٌّ عميٌّ فهم لا يعقلون) وقال تعالى: (في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت). وقال تعالى: (إنما المشركون نَجَسٌ). وقال تعالى في المؤمنين: (لينذر من كان حياً). وقال فيهم: (أولي الأيدي والأبصار). فمن استفاد الحياة والصحة والطهارة قبل أن تبطل عنه هذه القوى أعني قبول ذلك فصار حياً سميعاً بصيراً طاهراً وحصل زاداً كما أمره الله تعالى بقوله: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور). وائتمر له تعالى بقوله: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم). واقتدى بالموصوفين بقوله سبحانه: (يسارعون في الخيرات). فجديرٌ أن يفلح فيحصل هذه السعادة كما قال الله تعالى: (لعلكم تفلحون).
الباب الرابع والعشرون
كما أن في بدن الإنسان عوارض وأموراً موجودة عند الولادة أو توجد حالاً فحالاً بحكمة تقتضي ذلك وهي تعد نجاسات لا بد من إماطتها كلها أو إماطة فضولاتها، وذلك كالسَّلى والسرَّة والقلفة والعقيقة الموجودة في الصبي عند الولادة وكالأوساخ والقمل والظفر وشعر العانة وشعر الإبط، كذلك في نفس الإنسان عوارض هي نجاسات وأمراض نفسانية يلزم إماطتها كالجهل والشره والعجلة والشح والظلم. ويدل على كون ذلك مخلوقاً فيه وأمره بإماطته وإماطة فضلاته ما ذكر الله تعالى في مواضع من كتابه بقوله: (خُلق الإنسان من عجل) فذكر أنه مخلوق منه كما ترى. ثم أمره أن ينحيه عن نفسه وأن لا يستعين به فقال: (سأُريكم آياتي فلا تستعجلون). وقوله تعالى: (إنه كان ظلوماً جهولا). ثم أمره بالعلم والعدل في غير موضع من كتابه. وقوله تعالى: (وأحضرت الأنفس الشحَّ). ثم قال: (وَمَنْ يوق شحَّ نفسه فاولئك هم المفلحون). فأمر باتقاء الشح مع إحضاره إياه. وقوله تعالى: (إن الإنسان خُلق هلوعا إذا مسه الشرُّ جزوعا وإذا مسه الخير منوعا). ووصفه بالكفور والقتور في قوله: (وكان الإنسان كفورا). وقوله تعالى: (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا). فأدخل عليه " كان " تنبيهاً على أن ذلك فيه غريزي موجود قبل لا هو شيءٌ طارئٌ عليه. وقوله تعالى: (وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلاً). ثم نهى عن أكثر الجدال فالإنسان يحتاج أن يستعمل هذه القوى في الدنيا كما يجب وفي وقت ما يجب وأن يميط فضولاتها قبل خروجه من الدنيا حسب ما وردت به الشريعة، فإنه متى لم يتطهر من النجاسة، ولم يُزل أمراض نفسه لم يجد سبيلاً إلى نعيم الآخرة، بل ولا إلى طيب الحياة الدنيا، وذلك من تطهر تجلى عن قلبه الغشاوة فيعلم الحق حقاً والباطل باطلاً فلا يشغله إلا ما يعنيه، ولا يتناول إلا ما يعنيه فيحيا حياة طيبة كما قال تعالى: (فلنحيينَّه حياة طيبة) ولا تصير قنياته في الدنيا وبالاً عليه وعذاباً كما قال الله تعالى في الكفار: (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون). ويصير قلبه إذا تطهر مقرَّ السكينة والأرواح الطيبة كما وصف الله تعالى المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم). وعرف الطريق التي بها التوصل إلى الحنة المأوى ومصاحبة الملأ الأعلى في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فيسارع في الخيرات ويسابق إلى مغفرة من ربه. ومتى بقيت نجاسته وتزايدت صار قلبه مقرَّ الشبه والآثام كما قال الله تعالى: (هل أنبئكم على من تَنَزَّلُ الشياطين تنزل على كل أفَّاك أثيم). ولا يجد سبيلاً إلى سعادة الدار الآخرة كما قال الله تعالى: (أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم كلاّ إنا خلقناهم مما يعلمون) فنبه على أنه لا يصلح لجنته ما لم تطهر ذاته عن أشياء هي مخلوقة فيها وعلى هذا دلَّ قوله تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب). فحق الإنسان أن يراعي هذه القوى فيصلحها ويستعملها على الوجه الذي يجب وكما يجب ليكون كمن وصفه الله تعالى بقوله: (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلامٌ عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون). وقد يقع للإنسان شبهة في أمر هذه النجاسات فيقول: أترى أن ذلك من عند غير الله؟ فإن كان من غيره فمن أين يوجده؟ ومن أين منبعه؟ وإن كان منه فما المعنى في أن أوجده في الإنسان ثم أمره بأن يزيله؟ فيقال لم يعرف ذلك البشر، لكن من الأشياء ما نفعه في وقت مخصوص أو إذا كان على قدر مخصوص، ثم إذا استغني عنه أو زاد على قدر ما يحتاج إليه يجب أن يزال وذلك إذ تؤمل ظاهر إذ من المعلوم أن السلا والسرة يحتاج إليهما لصيانة الولد في وقت ثم يستغني عنهما، فيكون إبقاءهما بعد نجاسة والشعر والظفر يحتاج إليهما إذا كان على حد وإذا زادا يجب إماطتهما.
والى غد ان شاء الله سننظر في القوى التي يجب إزالة أمراضها وأنجاسها والمعاني التي تحصل منها