ابو عمر البلدي
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 15 أكتوبر 2015
- المشاركات
- 323
- نقاط التفاعل
- 385
- النقاط
- 13
الحمد لله على منة الإسلام والشكر له على نعمة السمع والبصر والكلام، وأستغفر الله من جميع الآثام، والصلاة والتسليم على محمد خير الأنام، وعلى آله وأصحابه الكرام.
أما بعد .في ارتداد الناس من طريق الخير والشر للإنسان فيما يتحراه من الخير والشر حالتان:
حالة يتمكن فيها من الارتداد على ادباره فيما يتعاطاه ان خيراً وان شراً وذلك قبل ان يمعن في سيره ويتناهى في ممره. وحالة يتعذر عليه الارتداد على ادباره بل لا يكون له سبيل الى الرجوع وذلك اذا امعن في سيره وتناهى في ممره. وذلك ان كل من كان متعاطياً لفعل خير فتكاسل عنه، ومتعاطياً لشرٍّ فلم يقلع عنه، اورثه كسله ضيق صدر بتحري الخير كما قال الله تعالى: (ومن يُرد ان يُضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً). وانشراح صدره بفعل الشر كما قال تعالى (فمن زُين له سوءُ عمله فرآه حسناً). فإن استمر على ذلك ولم يقلع، اورثه ذلك رَيْنا على قلبه كما قال الله تعالى: (كلاَّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون). فإن تمادى في ذلك واستمر اورثه ذلك غشاوة، كما قال تعالى: (فاغشيناهم فهم لا يبصرون) فإن ازداد اورثه ذلك طبعاً وختماً، كما قال تعالى: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم). وقوله: (أَفرأيت من اتخذ آلهه هواه واضله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون). فإن ازداد صار ذلك قُفلاً كما قال الله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها). ثم إذا تمادى صار قلبه موتاً قلما ترجى له حياة فلا تنفعه الآيات والنذر كما قال الله تعالى: (إنك لا تُسمع الموتى ولا تسمع لصم الدعاء إذا ما ينذرون). ومن حيث أن الله تعالى علم من أحوال من بلغ هذا المبلغ أنه لا يتوب ولا يؤوب قال الله تعالى: (الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون). فلم يرد تعالى أنهم إذا تابوا لم تقبل توبتهم بل نبه بذلك على أنهم لا يتوبون فتقبل توبتهم فدل منتهى الفعل على مبدأه وهذا من كلامهم كقول الشاعر: " ولا يرى الضبُّ بها ينجحر "
اي ليس بها ضب فينجحر فنفي انجحار الضب وهو في الحقيقة نفي لوجود الضب بها، وعلى هذا دل قوله تعالى: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا). أي لم يكونوا ليتوبوا فيغفر لهم، وعلى هذا قال تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب). تنبيهاً على أن هؤلاء هم الذين يرجى لهم التوبة. وعلى هذه الجملة المذكورة قال النبي ﷺ: " إذا أذنب الرجل نكُتت على قلبه نكتة سوداء فإذا أذنب ثانياً نكتت أخرى فلا يزال كذلك حتى يصير قلبه كلون الشاة الرمداء " . وفي خبر آخر: " الذنب على الذنب حتى يسود القلب فلا تُرجى له الإنابة " . وكذا حال الإنسان فيما يتعاطاه من فعل الخير فإن من صبر في اقتراف الحسنة أورثه صبره حسناً كما وصف الله به الصابرين في مواضع من كتابه قال تعالى: (ومن يقترف حسنة نزد له فيه حسناً). فإن استمر في ذلك بعض الاستمرار اهتز ونشط وانشرح به صدره كما قال تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام). فإن دام على ذلك امتحن وتطهر قلبه كما قال الله تعالى: (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى). ويكون كما وصفه في هذه السورة: (ولكن الله حبَّب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم). فإن تزايد في فعله إنضم إليه من الله تعالى باعثٌ يهزه وداع يبعثه عليه كما قال الله تعالى: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم). فحق الإنسان أن لا يسامح نفسه في الاجتهاد وأن لا يخلّ بخير تعوّده ولا يرخص لها في شر ارتكبه، فتعاطي صغير الذنب يفضي إلى ارتكاب الكبير، والإخلال بقليل الخير يؤدي إلأى الإخلال بكثير كما قال الشاعر:
وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه ... وأول الغيث قطر ثم ينسكب
وقد نبه الله تعالى على ذلك بقوله: (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر). فتبين أن قولهم للذين كرهوا ما نزل الله أدى بهم إلى الارتداد على أدبارهم وقال تعالى: (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استنزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا). فنبه على أن بعض ما كسبوا أدى بهم إلى الانهزام، فالمتدرب في فعل الخير المتقوي فيه يصير بحيث يكون له من الله تعالى واقية تحفظه عن الأفعال القبيحة وتحثه على الأفعال الحسنة. وهذا معنى العصمة وعلى ذلك نبه الله تعالى في صفة أولياءه بقوله: (أولئك كُتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ منه). وقال تعالى: (رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا أن حزب الله هم المفلحون). والمتدرب بفعل الشر المتقوي فيه قد يصير بحيث يكون له بما ارتكبه من القبائح باعث يبعثه على الأفعال القبيحة ويحثه على الأفعال السيئة ويسد عليه طرق الأفعال الحسنة، وعلى ذلك نبه الله تعالى بقوله في صفة أعدائه: (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سدّاً فأغشيناهم فهم لا يبصرون). وقال تعالى: (ومن يعيشُ عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرين وأنهم ليصدون عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون). وقال تعالى: (إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون). وقد نسب الله هداية العبد وضلاله جميعاً إلى نفسه من حيث أنه جعل خلقه وطبعه بحيث إذا تعاطى فعلاً إن خيراً وإن شراً فاستمر عليه يصير ذلك طبعاً له ملازماً لا يرجع عنه، ولم ينسب المنع من الإيمان إلى نفسه إلا بعد ذكر ما كان من إساءة العبد نحو قوله: (إنا جعلنا الشيطاين أولياء للذين لا يؤمنون). فخص الذين لا يؤمنون بأن جعل الشيطان أولياءهم وقال تعالى: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير). وقال تعالى: (إن الذين لا يؤمنو بالآخرة زيّنا لهم أعمالهم فهم يعمهون). قال الشاعر:
زُين في عينك القبيح كما ... زُين في عين غيرك الحسنُ
والى غد ان شاء الله سننظر في قدر ما في الوسع من اكتساب السعادة
أما بعد .في ارتداد الناس من طريق الخير والشر للإنسان فيما يتحراه من الخير والشر حالتان:
حالة يتمكن فيها من الارتداد على ادباره فيما يتعاطاه ان خيراً وان شراً وذلك قبل ان يمعن في سيره ويتناهى في ممره. وحالة يتعذر عليه الارتداد على ادباره بل لا يكون له سبيل الى الرجوع وذلك اذا امعن في سيره وتناهى في ممره. وذلك ان كل من كان متعاطياً لفعل خير فتكاسل عنه، ومتعاطياً لشرٍّ فلم يقلع عنه، اورثه كسله ضيق صدر بتحري الخير كما قال الله تعالى: (ومن يُرد ان يُضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً). وانشراح صدره بفعل الشر كما قال تعالى (فمن زُين له سوءُ عمله فرآه حسناً). فإن استمر على ذلك ولم يقلع، اورثه ذلك رَيْنا على قلبه كما قال الله تعالى: (كلاَّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون). فإن تمادى في ذلك واستمر اورثه ذلك غشاوة، كما قال تعالى: (فاغشيناهم فهم لا يبصرون) فإن ازداد اورثه ذلك طبعاً وختماً، كما قال تعالى: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم). وقوله: (أَفرأيت من اتخذ آلهه هواه واضله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون). فإن ازداد صار ذلك قُفلاً كما قال الله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها). ثم إذا تمادى صار قلبه موتاً قلما ترجى له حياة فلا تنفعه الآيات والنذر كما قال الله تعالى: (إنك لا تُسمع الموتى ولا تسمع لصم الدعاء إذا ما ينذرون). ومن حيث أن الله تعالى علم من أحوال من بلغ هذا المبلغ أنه لا يتوب ولا يؤوب قال الله تعالى: (الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون). فلم يرد تعالى أنهم إذا تابوا لم تقبل توبتهم بل نبه بذلك على أنهم لا يتوبون فتقبل توبتهم فدل منتهى الفعل على مبدأه وهذا من كلامهم كقول الشاعر: " ولا يرى الضبُّ بها ينجحر "
اي ليس بها ضب فينجحر فنفي انجحار الضب وهو في الحقيقة نفي لوجود الضب بها، وعلى هذا دل قوله تعالى: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا). أي لم يكونوا ليتوبوا فيغفر لهم، وعلى هذا قال تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب). تنبيهاً على أن هؤلاء هم الذين يرجى لهم التوبة. وعلى هذه الجملة المذكورة قال النبي ﷺ: " إذا أذنب الرجل نكُتت على قلبه نكتة سوداء فإذا أذنب ثانياً نكتت أخرى فلا يزال كذلك حتى يصير قلبه كلون الشاة الرمداء " . وفي خبر آخر: " الذنب على الذنب حتى يسود القلب فلا تُرجى له الإنابة " . وكذا حال الإنسان فيما يتعاطاه من فعل الخير فإن من صبر في اقتراف الحسنة أورثه صبره حسناً كما وصف الله به الصابرين في مواضع من كتابه قال تعالى: (ومن يقترف حسنة نزد له فيه حسناً). فإن استمر في ذلك بعض الاستمرار اهتز ونشط وانشرح به صدره كما قال تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام). فإن دام على ذلك امتحن وتطهر قلبه كما قال الله تعالى: (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى). ويكون كما وصفه في هذه السورة: (ولكن الله حبَّب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم). فإن تزايد في فعله إنضم إليه من الله تعالى باعثٌ يهزه وداع يبعثه عليه كما قال الله تعالى: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم). فحق الإنسان أن لا يسامح نفسه في الاجتهاد وأن لا يخلّ بخير تعوّده ولا يرخص لها في شر ارتكبه، فتعاطي صغير الذنب يفضي إلى ارتكاب الكبير، والإخلال بقليل الخير يؤدي إلأى الإخلال بكثير كما قال الشاعر:
وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه ... وأول الغيث قطر ثم ينسكب
وقد نبه الله تعالى على ذلك بقوله: (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر). فتبين أن قولهم للذين كرهوا ما نزل الله أدى بهم إلى الارتداد على أدبارهم وقال تعالى: (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استنزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا). فنبه على أن بعض ما كسبوا أدى بهم إلى الانهزام، فالمتدرب في فعل الخير المتقوي فيه يصير بحيث يكون له من الله تعالى واقية تحفظه عن الأفعال القبيحة وتحثه على الأفعال الحسنة. وهذا معنى العصمة وعلى ذلك نبه الله تعالى في صفة أولياءه بقوله: (أولئك كُتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ منه). وقال تعالى: (رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا أن حزب الله هم المفلحون). والمتدرب بفعل الشر المتقوي فيه قد يصير بحيث يكون له بما ارتكبه من القبائح باعث يبعثه على الأفعال القبيحة ويحثه على الأفعال السيئة ويسد عليه طرق الأفعال الحسنة، وعلى ذلك نبه الله تعالى بقوله في صفة أعدائه: (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سدّاً فأغشيناهم فهم لا يبصرون). وقال تعالى: (ومن يعيشُ عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرين وأنهم ليصدون عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون). وقال تعالى: (إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون). وقد نسب الله هداية العبد وضلاله جميعاً إلى نفسه من حيث أنه جعل خلقه وطبعه بحيث إذا تعاطى فعلاً إن خيراً وإن شراً فاستمر عليه يصير ذلك طبعاً له ملازماً لا يرجع عنه، ولم ينسب المنع من الإيمان إلى نفسه إلا بعد ذكر ما كان من إساءة العبد نحو قوله: (إنا جعلنا الشيطاين أولياء للذين لا يؤمنون). فخص الذين لا يؤمنون بأن جعل الشيطان أولياءهم وقال تعالى: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير). وقال تعالى: (إن الذين لا يؤمنو بالآخرة زيّنا لهم أعمالهم فهم يعمهون). قال الشاعر:
زُين في عينك القبيح كما ... زُين في عين غيرك الحسنُ
والى غد ان شاء الله سننظر في قدر ما في الوسع من اكتساب السعادة