- توفيق عمروني
إنَّ حادث غزَّة الأليم لم يكن ليمرَّ دون أن يكون للحماسة نصيبها، وللعواطف الجيَّاشة حظُّها منه، كما كان للألسن والأقلام سهمٌ كبير، فأنصفَ بعضهم، وقصَّر بعضهم، واعتدى آخرون، وإنَّ من الظُّلم المكشوف أن تثمَّن مواقف أُناس هم للكفر أقرب منهم للإيمان، وينظر بعين الشَّزر لموقف السَّلفيِّين الَّذين لا يصدرون إلاَّ عن شريعة ربِّ العالمين، مستضيئين بكلام العلماء الموثوقين، إذ موقفهم لا يخضع للحماسات والانفعالات، ولا لضغوط العامَّة والغوغائيِّين ولا للسِّياسات، فلم يرتضِ موقفَهم بعضُ من جار عليهم بقلمه، إذ لَمَّا وصل إلى موقفهم بعد سَرْدِه لمواقف غيرهم استخفَّ بقولهم ورأيهم، وانتقصه من طرفٍ خفيٍّ؛ وزعم أنَّ موقفهم شكَّل صدمةً لبعض الشَّرائح الجماهيريَّة؛ لأنَّهم في ظنِّه لم يتفاعلوا مع الحدث بإيجابيَّةٍ كافيةٍ، فهم لم يشاركوا في المظاهرات العارمة ولا في المسيرات الجارفة، ولم يحضروا التَّجمُّعات الحافلة، ولم يرفعوا اللاَّفتات المندِّدة، ولا الشِّعارات الرَّنَّانة المتَّعدِّدة، فهم ـ على حسبه ـ لم يبرحوا مكانهم، وردَّدوا علينا ما نسمعه منهم في كلِّ نازلة وواقعة، بل في كلِّ مناسبة مِنْ سلم أو حَرْبٍ، وهو أنَّ ما حلَّ بنا سببه ذنوبنا وتقصيرنا وتفريطنا في أمر الله تعالى، وأنَّ المخرج مِنْ كلِّ ضائقة إنَّما هو في العودة إلى الله والتَّوبة والإنابة وحسن القصد وصدق المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكأنَّ الكاتب يريد أن يقول هذا عهدناه منكم وسمعناه كثيرًا وكثيرًا، فلم تأتوا بجديد ولم تشفوا غليلَ هذه الحشود الغاضبة، وهذه السُّيول البشريَّة الثَّائرة، وكما جاء في تعبيره بالحرف: «في الأغلب الأعمِّ الاتِّجاه التَّقليدي الَّذي تتحدَّد مواقفه، كما في حالات مماثلة انطلاقًا من قراءة للمشهد، مفادها أنَّ كلَّ ما يحلُّ بالمسلمين من نكبات مَرَدُّهُ إلى تخلِّيهم عن النَّهج الإسلامي القويم، والضّعف الَّذي أصاب عقيدتهم وابتعادهم عن نهج السَّلف، ومن المنطقي وفق هذه القراءة أن يكون معكوس هذه العِلَل هو أساس كلِّ علاجٍ لواقع الأمَّة المتردِّي بشكل عامٍّ، وهو المدخل للتَّعامل مع هذه الأحداث».
وقال آخر: «وبشكلٍ عام يمكن القول رغم الفروقات الطَّفيفة بين مكوِّنات الاتِّجاه السَّلفي التَّقليدي تركزَ خطابه حول أنَّ المدخل الرَّئيسي لنصرة غزَّة يقوم على إصلاح النَّفس، والتَّخلي عن ارتكاب المعاصي والتَّوجُّه إلى الله بالدُّعاء لنصرة الشَّعب الفلسطيني».
فنقول: وإنْ لم يَرُقْكُم هذا الموقف القويم، وهذا الجواب السَّديد من السَّلفيِّين؛ فارجعوا إلى كُتُبِ أهل العلم لِتَقِفُوا على حقيقةٍ مُهِمَّة غاية في الأهميَّة، وهي:
أنَّ من المقرَّرات في عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة حسن الظنِّ بالله تعالى في جميع الأحوال، والعود على النَّفس بإساءة الظَّنِّ، وعدم الاغترار بما يكون عليه العبد من الصَّلاح في الأقوال والأفعال، لما قد يشوب ذلك من مفسدات في الباطن لا تظهر للعيان، أو ما يؤول إليه الحال في الختام، فالأولى بالعبد أن يشهد على نفسه بالتَّقصير في جميع الحالات، وأن يديم سؤالَ الله تعالى العفوَ والتَّجاوز عن الخطايا والزَّلاَّت، وعدم المؤاخذة بالذُّنوب والسَّيِّئات، وحسن العواقب والمآلات، قال ابن تيمية رحمه الله: «رؤية التَّقصير، وشهادة التَّأخير من نعمة الله على عبده المؤمن، الَّتي يسْتوجب بها التَّقدُّم، ويتمّ له بها النِّعمة، ويُكفى بها مؤنة شيطانه المزيِّن له سوء عمله، ومؤنة نفسه الَّتي تحبُّ أن تُحمد بما لم تفعل، وتفرح بما أتتْ» [«مجموع الفتاوى» 6/352].
وعليه؛ فإنَّ المصائب الَّتي تحلُّ بنا إنْ على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الدُّول، فلتقصيرٍ من عند أنفسنا، وهذا يجب أن يُفهم على أنَّه معادلةٌ صحيحةٌ سليمةٌ لا ينقضها شيء، وإلاَّ فما معنى أنْ يُطلق الله تعالى القول في كتابه: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ [الشورى 30]؛ «فما حصل للعبد حال مكروهة قطّ إلاَّ بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر» [«مدارج السَّالكين» (1/424)]؛ وقال تعالى مخاطبًا نبيَّه صلى الله عليه وسلم: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾[النساء 79]، وهذا خطاب له صلى الله عليه وسلم، وجميع الأمَّة داخلون في ذلك بطريق الأولى، كما يقول العلماء المحقِّقون.
قال ابن تيمية رحمه الله: «فبيَّن أنَّ النِّعم والمصائب من عند الله؛ فالنِّعمة من الله ابتداءً، والمصيبة بسبب من نفس الإنسان، وهي معاصيه» [«منهاج السُّنَّة» (3/147)].
فمصيبة تسلُّط اليهود والنَّصارى اليوم على المسلمين ليس سببه قوَّتهم فحسب، بل بما آلت إليه أنفس المسلمين من حبٍّ للدُّنيا وركونٍ إلى ملذَّاتها وشهواتها، وعزوفٍ عن طلب الآخرة وطلب مرضاة الله تعالى، وتفريطٍ في أداء الواجبات ظاهرًا وباطنًا، وتعدٍّ صارخ على حدود الله وشرعه ظاهرًا وباطنًا، قال الله تعالى: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران 165]، مع أنَّ المخاطَب يومئذ في غزوة أحدٍ هم خيار النَّاس وصفوة الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم، فأعلَمَهم أنَّ سببَ المُصيبة من عند أنفسهم ليحذروا.
لذا كان لزامًا أن تعود الأمَّة على نفسها باللاَّئمة وتوقظ هذا الشُّعور في جميع أفرادها، لينظر كلُّ فردٍ في حاله ويتفقَّد نفسه؛ لأنَّك لو تأمَّلت ما في هذه الآيات الكريمات لوجدتها تردُّ سبب المصائب والانهزامات إلى «الأنفس»، أي أنَّ السَّبب داخليٌّ قبل أن يكون خارجيًّا، فإذا كان الأمر كذلك عُلم أنَّ مدار الأمر على «النَّفس» البشريَّة، وهي حجر الزَّاوية ـ كما يقال اليوم ـ في عمليَّة الإصلاح، أو في أيِّ محاولة للخروج من مصيبة الذُّلِّ والهوان الَّذي نعانيه، وقد أرشد الله تعالى إلى ذلك صريحًا في قوله: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد 11].
هذا التَّغيير، أي تغيير الأوضاع، بأن نغيِّر المعصية بالطَّاعة، والكفر بالشُّكر، وأسباب سخط الله علينا بأسباب رضاه، هو الإصلاح المطلوب، حتَّى يُغيِّر الله علينا العقوبة بالعافية، وتسليط الأعداء بالنَّصر، والذُّلَّ بالعزِّ.
فيجب أن تتوجَّه العناية إلى إصلاح النُّفوس وتهذيبها وتنقيتها من شوائبها وشرورها، حتَّى تسعد الأمَّة بأفرادٍ صالحين ومتَّصفين بالصَّلاح الَّذي أراده الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا بالصَّلاح المستمد من نظريَّات الرِّجال، ومن أفكار الغرب وزبالة أذهان البشر، فالصَّالح من الرِّجال والنِّساء في لسان الشَّرع قرآنًا وسُنَّةً ـ كما قال الشَّيخ ابن باديس رحمه الله: «هو من استنار قلبه بالإيمان والعقائد الحقَّة، وزكت نفسُه بالفضيلة والأخلاق الحميدة، واستقامت أعمالُه وطابت أقوالُه، فكان مصدرَ خيرٍِ ونفعٍ لنفسه وللنَّاس، استقام نظامه في عقده وخلقه وقوله وعمله، فعظمت وزكت منفعته، وهذا هو معنى الصَّالحين حيثما جاء» [«تفسير ابن باديس» (ص207)].
وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله: «وجماع الصَّلاح للآدميِّين هو طاعة الله ورسوله، وهو فعل ما ينفعهم، وترك ما يضرُّهم؛ والفساد بالعكس؛ فصلاح الشَّيء هو حصول كماله الَّذي به تحصل سعادته، وفساده بالعكس؛ والخلق صلاحهم وسعادتهم في أن يكون الله هو معبودهم الَّذي تنتهي إليه محبَّتهم وإرادتهم، ويكون ذلك غاية الغايات ونهاية النِّهايات» [«درء تعارض العقل والنقل» (5/169)].
ومن أراد تفصيلاً ومزيدَ توضيحٍ لصفات الصَّلاح وأوصاف الصَّالحين؛ فليرجع إلى القرآن، فإنَّ فيه البيان الكافي والدَّواء الشَّافي، من ذلك قول الله جلَّ ذكره: ﴿مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران 113 ، 114].
ويجمع ذلك الإيمان والعمل الصَّالح، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِين﴾ [العنكبوت 9]، فالإيمان الصَّحيح والعمل الصَّالح عنوان على سعادة صاحبه، وأنَّه من الصَّالحين من عباد الله تعالى.
فلو انتبه كلُّ مَنْ أراد النَّصيحة لهذه الأمَّة وسعى في خيرها لسطَّر عمله على هذا الأساس وجعل دعوته على هذا المنوال، وصدق القول أمام أفراد الأمَّة بأنَّ انهزامنا وضعفنا وتمكُّن الأعداء منَّا مردّه إلى أنفسنا، فلنصلحها وليعمل كلُّ فردٍ منَّا على البلوغ بنفسه إلى درجة من الصَّلاح تجعله معتزًّا بدينه وبربِّه تعالى وبنبيِّه صلى الله عليه وسلم، لا همَّ له ولا غاية له إلاَّ مرضاة الله تعالى؛ وإننَّا إذا بلغنا بأنفسنا إلى هذه المراتب تحقَّق لنا وعد الله الَّذي لا يتأخَّر إذا وجدت أسبابه، ورفعت عنَّا الهزيمة والذّلة، وخلفها النَّصر والسَّعادة، وعاد إلينا ما سلب منَّا؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون﴾ [الأنبياء 105].
فلا تُنصر الأمَّة إلاَّ بمن سلِمَت عقائدهم وأعمالهم وأقوالهم من الشِّرك والبدع، وقلَّت معاصيهم وكثرت طاعاتهم، وليس تُنصر أبدًا بالطَّائفين والمتمسِّحين بالأضرحة والقبور، ولا بالمستهترين بسنَّة سيِّد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ولا بتاركي الصَّلاة، ومانعي الزَّكاة، وآكلي الرِّبا والرِّشوة ونحو هؤلاء من أتباع الأهواء والشَّهوات، ممَّن يسهل عليهم مخالفة أمر الله في أحكامه، وترك سنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، لكنَّهم في نفس الوقت يرفعون شعارَ الجهاد، ويزعمون أنَّهم ناصرون لإخوانِهم، والله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد 7]، فهؤلاء في حقيقة أمرهم لا يزيدون الأمَّة إلاَّ وهنًا على وهن، ويُوَسِّعون على الرَّاقع الخَرق؛ وهذا ما لا يريدُ أن يسمعَه كثيرٌ من المتحمِّسين والحركيِّين الَّذين قلَّ نصيبهم من العلم بالكتاب والسُّنَّة، ويلوي عنقَه معرِضًا، ويعدُّه ضربًا من التَّخذيل والتَّثبيط للهمم والعزائم، وعدم فقهٍ للواقع؛ هذا الواقع الَّذي أسلموا أمرهم له، فصاروا طوعَ أمر الواقع لا طوعَ أمر الشَّارع، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله؛ وامتطوا مناهج مستحدَثة ومسالكَ مبتدَعَة تستمدُّ موادَّها وتصوُّراتِها من بقايا فكرِ فِرقٍ وطوائفَ انحرفت عن أهل الحديث والسُّنَّة، ولم يلتفتوا إلى طريقة الأنبياء عليهم السلام في الإصلاح والتَّغيير؛ لأنَّها ـ في زعمهم ـ لا تتماشى وروح العصر والأساليب الحضارية، وما ذلك إلاَّ لأنَّهم استطالوا الطَّريق واستعظموا المشقَّة، واستعجلوا الثَّمرة، ورأوا أنَّ الإصلاح بهذه الطُّرق المحدَثة أسهل على النُّفوس، وأيسر على الرَّئيس والمرؤوس؛ ألا فليعلم هؤلاء أن تنكُّبَهم عن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم يستوجبُ العقوبةَ، ولا تجني الأمَّة منه إلاَّ تأخُّرا عن النَّصْر، وتعطُّلاً عن الظَّفَر، واسمع إلى كلام العالم الرَّبَّاني الَّذي فقه الكتاب والسُّنَّة وفَقِه واقعَه المرير، وعرف من أينَ وكيف يبدأُ الإصلاح الشَّيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله وهو يقول: «فإنَّ ممَّا نعلمُه، ولا يخفَى على غيرِنا أنَّ القَائدَ الَّذي يقول للأمَّة: (إنَّكِ مظلومَةٌ في حقوقِكِ، وإنَّني أريدُ إيصالَكِ إليها)، يجدُ منها ما لا يجدُ مَنْ يقول لها: (إنّكِ ضالَّةٌ عن أصولِ دينِك، وإنَّني أريدُ هِدايَتَك)، فذلك تُلبِّيه كلُّها، وهذا يقاومُه مُعظمُها أو شطرُها...» [«الصِّراط السَّوي»: (عدد15/1352هـ)].
وإذا لم يكن سعينا في هذا الاتِّجاه، ولم نعمل لتحقيق ما أراده الله منَّا وابتغاه، من تزكية النُّفوس وإصلاحها، وجعل أعمالنا كلّها في رضاه، ووفق سنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ومصطفاه، فإنَّنا سنجد أنفسنا لا محالة في الجهة الأخرى المقابلة للإصلاح وهو الإفساد، والله تعالى يقول: ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهاَ﴾[الأعراف 56]، قال الشَّيخ العلاَّمة ابن عثيمين : «قوله: ﴿ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾ من قِبَل المصلِحِين، ومن ذلك الوقوف ضدَّ دعوةِ أهل العلم، والوقوف ضدَّ دعوة السَّلَف، والوقوف ضدَّ من ينادي بأن يكون الحُكم بما في كتاب الله، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فَإِنَّ الله أَصْلَحَ الأَرْضَ برَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَدِينِهِ، وَبالأَمْرِ بالتَّوْحِيدِ، وَنَهَى عَنْ فَسَادِهَا بالشِّرْكِ بهِ ومخَالَفَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ؛ ومَنْ تَدَبَّرَ أَحْوَالَ العَالَمِ وَجَدَ كُلَّ صَلاحٍ في الأَرْضِ فَسَبَبُهُ تَوْحِيدُ الله وَعِبَادَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ وَكُلَّ شَرٍّ في العَالَمِ وَفِتْنَةٍ وَبَلاءٍ وَقَحْطٍ وَتَسْليطِ عَدُوٍّ وَغيرِ ذلكَ؛ فَسَبَبُهُ مخالَفَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَالدَّعوةُ إلى غيرِ الله، وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا حَقَّ التَّدَبُّرِ وجدَ هذَا الأمرَ كَذَلِكَ في خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَفي غَيْرِهِ عُمُومًا وَخُصُوصًا، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِالله» [«مجموع الفتاوى» (15/25)]، ولنفاسة هذا الكلام نقله ابن القيم رحمه الله في كتابه «بدائع الفوائد» بحروفه.
وكم هو جدير بنا نحن المسلمين اليوم أن نحتفَّ بهذا الكلام العظيم من هذا الإمام العالم النحرير، نحن الذين نعاني الفتن والبلايا والرزايا، في جميع أطراف بلادنا الإسلامية، بسبب مخالفة أمر رسول الله ح، والدَّعوة إلى غير الله وهو الشِّرك.
فيحسُن بنا ألا نكون أبناء أوهام وخيالات، بل أتباع ما جاء في الآيات المحكمات، التي فيها ضمان النصر والوعد بالتمكين لمن أتى بالإيمان وعمل الصالحات، ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور 55].
فإذا قصَّرنا في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم نجعل دعوة التوحيد شعارنا ودثارنا، ولم نعمل على إصلاح نفوس أفراد الأمة بجميع أطيافها، فلا ننتظر نصرا ولا رفعة ولا تمكينا، بل لن نزداد إلا ضعة وذلة وتقهقرا، ولن نسترد مغصوبا، ولن نسترجع مسلوبا، هذا هو الحق ليس به خفاء، وهذا هو الواقع ليس فيه مراء، ومن ابتغى دواء لهذه الأدواء، فعليه بشريعة الله الغراء، ولله الأمر في البدء والانتهاء.
المصدر ..موقع راية الاصلاح