- إنضم
- 13 أفريل 2013
- المشاركات
- 14,618
- نقاط التفاعل
- 54,537
- النقاط
- 1,756
- العمر
- 31
- محل الإقامة
- قسنطينة
- الجنس
- أنثى
تذآكِرُ مِن سينمآ الحيـــآة
التّذكرة الأولى: فيلم { خَلف قُضبآن النّدم }
التذكرة الثانية
فيلم { آخِرُ أُمنية }
تجلس تلك الطفلة الجميلة صاحبة السبع سنوات عند النافذة بهدوء وهي تمرّر عينيها السماويتين يمينا ويساراً متأثرة بحركة الأطفال خارجاً وهم يستمتعون باللعب، فتنعكس تصرفاتهم على ملامح وجهها لتبتسم تارة وتحزن تارة أخرى، ثم فجأة فتحت والدتها باب الغرفة ووجها شاحب ممتزج بملامح الحزن واليأس ولكن فور دخولها رسمت ابتسامة مزيفة من أجل ابنتها وقالت بهدوء {إذن لقد استيقظتِ يا صغيرتي؟}، {أجل .. ولكنكِ تأخرتِ} أجابت الصغيرة دون أن تبتعد عن النافذة فهي تعلم أنّ والدتها من فتحت الباب فقد لمحت قدومها من النافذة، اقتربت الأمّ من ابنتها وقبلتها بلطف على خدها وقالت { قد اعددت العشاء لوالدكِ وأختك لذلك تأخرت .. ما هذا؟؟ .. هل مازلتِ تراقبين الأطفال وهم يلعبون خارجا؟} سكتت الطفلة لبعض الوقت ثم قالت { أريد اللعب معهم} ، تنهدت والدتها وأجابتها بهدوء { أخبرتكِ بأنه لا يمكنكِ ذلك يا عزيزتي .. عندما تتحسن صحتك سأسمح لكِ باللعب معهم .. اتفقنا؟} ، { أعلم أن صحتي لن تتحسن } هذا ماكانت تُتمتم به تلك الصغيرة بتذمر ثم انسحبت بهدوء من أمام النافذة وجلست على سريرها وهي تحدّق بوجه أمّها جيدا ثم قالت { يبدو وجهكِ شاحباً .. هل أخبركِ الطبيب بأنّني سأموت عن قريب؟}، استغربت الأم من كلامها وجلست بجانبها وهمست بكلمات هادئة { ما هذا الكلام يا عزيزتي؟ .. صحيح أن صحتكِ تدهورت بسرعة ولذلك احضرناكِ للمستشفى .. ولكن هذا لا يعني أنكِ ستموتين .. فبفضل الأدوية واعتناء الأطباء بكِ ستشفين عن قريب } ابتسمت الصغيرة وملامح وجهها توحي بأنها لا تصدق كلام والدتها ثم أجابت قائلة { أنا أعلم أنكِ تأخرتِ لأنكِ كنت تتحدثين مع الطبيب .. و عيناكِ محمرتان وهذا يدل على أنك كنت تبكين .. كما أنني اليوم صباحاً وبينما كنت نائمة استيقظت على صوت الطبيب وهو يحدث الممرضة بصوت منخفض .. وقد اخبرها أنه لم يبقى الكثير على موتي .. لقد قالها ظنا منه أني نائمة }، استغربت الأم من كلام ابنتها فأمسكت يدها الصغيرة واخذت تمسح عليها بحنان وتقول { الطبيب لم يخبرني بشيء يا حبيبتي .. كما أنكِ لا تزالين صغيرة على هذا الكلام .. فبعد ايامٍ ستشفين وستخرجين من المستشفى وستعودين لمدرستكِ .. وستتعلمين وتكبرين وستصبحين أروع وأجمل طبيبة في الكون .. لذلك لا تذكري كلمة الموت مجددا .. اتفقنا؟}، بقيت الصغيرة تحدق بوالدتها وعلامات الاستغراب ظاهرة على وجهها ثم قالت { أمي .. لماذا الجميع يخاف من الموت؟ .. فعندما يموت أحدهم حتى يخيم الحزن على اهله .. فلا تتوقف دموعهم ولا تتوقف احزانهم .. مع انني اعتبر الموت شيئا جميلا} أجابت والدتها مستغربة { ما الذي تقولينه يا صغيرتي ؟}، واصلت الصغيرة كلامها قائلة { عندما توفيت جدتي العام الماضي أخبرني ابي أنها ذهبت للجنة .. والجنة كما كانت تصفها معلمتي فهي عبارة عن حدائق من الورود وأنهار طعمها حلو وثمار لذيذة واشجار طويلة مليئة بالحلوى وفيها تتحقق الامنيات .. ولذلك فإن الموت يأخذنا لمكان جميل .. وأجمل من عالمنا هذا .. لذلك يا أمي .. أنا أريد أن أموت .. أريد أن ألعب في تلك الحدائق.. فقد مللت من هذه الغرفة المغلقة .. مللت من هذا اللون الأبيض .. ستائر بيضاء و سرير أبيض ونوافذ بيضاء .. حتى ملابس الأطباء بيضاء .. مللت من تلك الادوية التي تؤلمني كلما وضع ذلك الطبيب الإبرة في جلدي .. مللت تناول الخضار واشتهي تناول الحلويات مثل باقي الأطفال .. أريد ان ألعب .. أريد أن أمرح .. أريد الذهاب للجنة يا أمي .. أريد أن أكون سعيدة } لم تستطع الأم التحكم بدموعها بعد سماع ما قالته ابنتها فاقتربت منها بهدوء واحتضنتها وهي تقول{ إذا ذهبتِ للجنة يا صغيرتي فسأبقى وحيدة } ابتسمت الصغيرة وقالت{ سآخذكِ معي يا أمي .. فالجنة واسعة وسآخذأبي واختي .. وسنعيش معاً } ابتسمت الأم و قبلت جبينها بحنان ثم مسحت دموعها وقالت{ اليوم سأبقى معكِ طول اليوم .. سنتناول العشاء معاً .. وسأحكي لكِ قصصا قبل النوم .. وسننام معاً .. أما الآن استلقي على سريركِ وارتاحي لبعض الوقت بينما أرتب الغرفة}، ظهرت ابتسامة بريئة على وجه الصغيرة ثم استلقت بهدوء على سريرها وبقيت تراقب حركات أمها حتى نامت.
بعدما أنهت الأم ترتيب الغرفة جلست بجانب ابنتها تتأمل وجهها البريء وهي تغط في نوم عميق وقد شرد فكرها بما قاله الطبيب لها صباحاً { ابنتك تزداد حالتها سوءاً يوماً بعد يوم .. لا أدري ما الذي يجب علي قوله ولكن يجب أن تكوني مستعدة لكل ما قد يحدث مستقبلا .. فربما لم يبقى سوى شهر أو شهرين على بقائها على قيد الحياة .. ونرجو من الله أن يرزقها الشفاء العاجل .. فالأعمار بيد الله وقد يرزقها الله عمراً جديدا } نزلت دمعة حارقة بللت وجه الأم المتعب بعدما تذكرت ما قاله الطبيب .. فهي لا يمكنها أن تتخيل فراق ابنتها الصغيرة صاحبة السبع سنوات .. لا يمكنها أن تتخيل كيف ستدخل غرفتها وتلامس لعبها بعد رحيلها وتتأمل ذلك السرير الفارغ والخالي من أي روح .. من سيشاغب من بعدها؟ .. ومن سيرسم لها تلك الخربشة في عيد الأم ويقدمها لها كهدية ؟.. ومن سيركض بين زوايا البيت ويخط رسومه على حيطانه؟ .. هي روح البيت وبهجته وبرحيلها سيصبح البيت اشبه بالمقبرة، تنهدت الأم بيأس شديد ثم رسمت قبلة هادئة على جبين ابنتها علها تطفئ لهيب الألم الذي يشتعل بصدرها، ثم خرجت من الغرفة لتتجول بعض الوقت في حدائق المستشفى وتستنشق بعض الهواء علّه يريح نفسها المضطربة.
بعدما أنهت الام جولتها عادت لغرفة ابنتها .. وما ان فتحت الباب حتى لمحت صغيرتها تجلس على السرير حاملة قلماً في يدها وتخط بعض الرسوم على ورقة بيضاء، اقتربت منها بهدوء حتى وقفت امامها ثم قالت { ما الذي ترسمينه يا عزيزتي؟}، تفاجأت الصغيرة وأخفت الرسمة بيديها الصغيرتين وقالت{ لا يمكنكِ رؤيتها فهي مفاجأة}، ابتسمت والدتها وقالت{ كما تريدين .. أما الآن اجمعي اقلامكِ ودعينا نتناول العشاء معاً}، وافقت الصغيرة على اقتراح والدتها وخبأت ورقة رسوماتها داخل درج خزانة تجاور سريرها ثم جهزت نفسها لتناول العشاء.
بالرغم من أن الأم لم تكن مريضة إلا أنها كانت تتناول نفس طعام صغيرتها حتى لا تشعر بالملل وتتوقف عن الأكل وعندما تلاحظ توقفها عن الأكل تتدخل بأحاديث طريفة ومشوقة حتى تشجعها على الأكل وهذا ما دفعها لمحاورتها قائلة { إن أكملت صحن طعامك اليوم فسأسرد لكِ قصة ليلى والذئب .. وكيف واجهت هذه الصغيرة العديد من المشاكل حتى تصل لبيت جدتها بأمان }، واصلت الطفلة تناول طعامها في صمت ثم قالت{ هل ليلى مصابة بالسرطان؟؟ .. إن لم تكن مصابة به فهي لا تملك مشاكل}، تفاجأت الأم من كلام ابنتها وأحست بألم يخترق صدرها مما افقدها الرغبة في الأكل .. فوضعت صحن الطعام جانبا وخرجت من الغرفة، وما أن أغلقت الباب خلفها حتى انفجرت باكية .. لم تستطع كتمان الألم الذي يسكن صدرها وخففت لوعته بتلك الدموع الحارقة.
يتبع ...
بقلمي لؤلؤة قسنطينة
ملاحظة: انتظر ردودكم مهما كانت، فانتقاداتكم تهمني
آخر تعديل: