- إنضم
- 19 ماي 2011
- المشاركات
- 7,673
- نقاط التفاعل
- 11,993
- النقاط
- 356
- محل الإقامة
- أرض الله الواسعة
- الجنس
- أنثى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا الحمد لله الذي له الخلق والأمر الحمد لله الذي نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده.
والصلاة والسلام على خير الخلق ومن لا نبي بعده بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله خير ما جزى نبيا عن أمته ورضي الله عن أزواجه وآله وصحبه خير ما جزى أتباع نبي عن اتباعه.
وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة عالم بها عامل بها رضيها من بين الأديان دينا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وبعد: هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليتذكر أولوا الألباب ()
لماذا أنا مسلم ؟ ولماذا اخترت الإسلام ؟ سؤالان يجب على كل مسلم أن يكون على علم بإجابتهما إذ هما الأصل الذي يقوم عليه العلم بـ لا إله إلا الله والمرء إما:
أن يكون مسلما عن علم واختيار.
وإما أن يكون مسلما عن جهل.
وإما أن يكون مسلما تقليدا.
وإما أن يكون مسلما بالإكراه.
فأما الإسلام عن إكراه فهذا لا يكون مسلما وخطره أعظم لقوله تعالى: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد أستمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم()، وهذه الآية العظيمة فيها فوائد منها:
نفي الإكراه عن الشخص ونفي الإسلام بالإكراه.
يجب أن يكون الإسلام عن اختيار وتبين واقتناع.
أن اختيار الإسلام لا يكون إلا بعد مقارنة بين الرشد والغي ولا تكون المقارنة والإختيار إلا بين معلومين ظاهرين وبعد تمحيص وتدقيق واقتناع وأن الإسلام هو الموافق للفطرة والعقل وهو الرشد.
أن الإسلام هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله.
أن الإسلام يتكون من ركنين هما النفي والإثبات.
أن النفي والإثبات يقتضي الاستمساك وليس المسك لأن الاستمساك لا يكون إلا بجهد وصبر وتيقظ.
أن اختيار الإسلام عن علم يجعل المسلم لا يتخلى عن دينه وإن حُرّق أو قطع أي:لا يمكن لمن دخل الإسلام عن علم واختيار أن يتخلى عنه أو يرتد عنه.
أن الدين الإسلامي عقدته لا تنحل بمعنى:لا يمكن لأي صاحب ملة أخرى أن تكون لديه الحجة التي تعلوا حجة الإسلام ولأنه مستند إلى قول الله تعالى الذي: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد().
وهذه الآية تنفي الإسلام تقليدا أو جهلا أما بخصوص من يدعي الإسلام وهو يجهله فهذا لا يعتبر إسلاما لأنه مناقض: لقوله تعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله.....الآية ولأن الجهل بالشيء يوقع في ضده فهو كعدمه، ومناقض لقوله تعالى: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب() وعدم التساوي بينه سبحانه وتعالى بقوله: لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون() فأولوا الألباب هم الذين يعلمون أي أصحاب العقول والعاقل لا يكون جاهلا كما أن الذين يعلمون هم الفائزون أي أصحاب الجنة والذين لا يعلمون هم الخاسرون أي: أصحاب النار ويؤكده قوله تعالى: أفنجعل المسلمين كالمجرمين () ما لكم كيف تحكمون()،والجهل مناف أيضا لقوله تعالى: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ()، فالشهادة لا تكون إلا عن علم والذي يشهد عن علم فقط هو من يملك الشفاعة عند الله تعالى والذي لا يملك الشفاعة عند الله هو الكافر لقوله تعالى: ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ()، فكل جاهل للإسلام لا بد أن يكون داعيا غير الله تعالى، بمعنى: أنه مشرك.
فقد قرر سبحانه وتعالى أن الجاهل لا يمكن أن يكون مسلما بقوله : ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون () وبناء على ذلك فقد تقرر الإجماع على أن من جهل الإسلام لا يحكم بإسلامه ولا يكون مسلما وأن الجاهل هو المشرك قال تعالى: قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون() ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين () بل الله فاعبد وكن من الشاكرين() ولاحظ نتيجة الشكر وارتباطها بقوله تعالى: وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون () وارتباطهما بقوله تعالى: اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور() وهذا هو معنى قوله تعالى: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين().
أما الإسلام تقليدا فهذا فرع عن الجهل ومناقض لقوله تعال: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين () أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون() فالتقليد من الجهل والجهل لا يكون إلا عن غفلة أي: عدم علم، وكذلك بين أن تقليد الآباء مذموم وغير مقبول لأنه لا يكون عن علم ويعتريه الشك والريب، بقوله تعالى: بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ()، وقوله تعالى: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون().
إذن لا بد أن يكون الإسلام عن علم واختيار وعليه يجب الإجابة عن السؤال المهم لماذا الإسلام؟.
الجواب: إن الإسلام دين العقل وهو الأداة التي جعلها الله في الإنسان التي بها يملك خاصية الاختيار والتي تميزه عن غيره من المخلوقات وعليها مناط التكليف الشرعي في الحياة الدنيا وهذا العقل له مداخل أي مداخل الإدراك وهما السمع والبصر ولذلك قال تعالى: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون() وقوله تعالى: وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون() ،وهذان المدخلان للعقل بيّنهما سبحانه بقوله:
أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون () هذا بخصوص السمع.
وأما بخصوص البصر فقوله تعالى: أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون() وهذا بخصوص البصر، والآيات كثيرة على هذا.
لذلك نبه سبحانه وتعالى على العقل في اختيار الإسلام وأنه الدال على التوحيد بقوله تعال: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون()، وقوله تعالى: وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون(). ولذلك كانت النجاة يوم القيامة لصنفين بيّنهما سبحانه بقوله: وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير() ولا يظنن ظان أن السمع منفصل عن العقل وقد بينا سابقا أن السمع وسيلة للعقل لأن التوحيد:
إما أن يستدل عليه بدلالة الآيات الكونية .
وإما بدلالة الآيات الشرعية .
فاستخدام العقل في الآيات الكونية معلوم أما الآيات الشرعية فإن الله تعالى جعل لها السمع وسيلة إيصالها إلى العقل بدليل قوله تعالى: وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون()، وبين ذلك أيضا بقوله: بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون()، فالنتيجة أن الآيات الشرعية لا بد أن تكون عن علم والعلم لا يكون إلا بوجود العقل والاستدلال به النقل( الآيات السمعية الصريحة) لا يمكن أن تناقض العقل الصريح لأن العقل من الله سبحانه والآيات السمعية من الله سبحانه فالكل من عند الله تعالى والله يقرر قاعدة عقلية صريحة : ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ()، وابن تيمية كغيره من العلماء الربانيين مدرك لهذه الحقيقة فوضع كتابا عظيما بعنوان ( درء تعارض النقل والعقل ).
قد يسأل سائل لماذا قال تعالى: وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ()، ولم يذكر البصر مع أنهما وسيلتي الإدراك العقلي ؟ .
الجواب :لأن السمع هو الأصل في الإدراك العقلي ولأن الآيات الشرعية ( قول الله تعالى ) لا تصل إلى العقل إلا عن طريق السمع ولأن النطق هو وسيلة البلاغ والتعبير المبينة للحقائق وتصويرها كأن السامع ينظر إليها فهو يؤدي مهمة البصر فالسمع هو أداة الإبصار للحقائق غير المنظورة ( المسموعة) فالله تعالى قد جعل السمع مرتبط بالعقل فمن ولد لا يسمع فهو غير عاقل بخلاف من ولد فاقدا للبصر وهذا معلوم بالاضطرار.
إن ما سبق كان مقدمة ضرورية ومدخلا أساسيا لفهم الإسلام لأن الإسلام قائم على إتباع ملة إبراهيم عليه السلام قال تعالى: ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين() وقال تعالى: ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين () إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين().فالله عز وجل ينبه إلى:
- أن الإسلام قائم على إتباع ملة إبراهيم وهذه الملة هي الدين ومعنى الدين: الطريقة() ولكن الفرق بين الدين والملة أن الملة لا تضاف إلا إلى النبي ولا يضاف إلى الله سبحانه بينما الدين يضاف إلى الله سبحانه وإلى النبي فيقال دين الله ودين محمد ولا يقال ملة الله بينما يقال ملة محمد فلفظ الملة خاص بالنبي وسبب خصوصيتها أن الذي يبلغ الدين هو النبي وهو الذي يتعامل مع البشر بكيفية معينة من ناحية تمام البلاغ الذي يكون بإقامة الحجة فهو المبين للطريقة العملية المنظور ة للبلا غ.
- إن ملة إبراهيم عليه السلام قائمة على أساس الإقناع العقلي بدليل قوله تعالى: وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم() وانظر إلى ارتباط الحجة بالعلم والحكمة ومعلوم بما قصه الله سبحانه علينا في القرآن من قصة إبراهيم عليه السلام الاستدلال العقلي وأن إقامة الحجة بموجبها بحيث يصل العقل إلى نقطة الإغلاق التي يجب أن يقر عندها بالحقيقة المعروضة عليه كما بين تعالى بقوله: قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم () أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون() وقوله هذا بعد المناظرة العقلية: قال بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون() فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون() وهنا عند نقطة الإغلاق العقلي التي تستلزم القبول والإذعان من كل البشر الذين يمتلكون العقل الصحيح : ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون() عندها قال لهم: قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم () أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون()،وهذا الأمر يتكرر معه عليه السلام: فلما جن عليه الليل رءا كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين() هنا العقل لا يقبل غياب المعبود عن عابديه الذي يستلزم عدم إحاطته بهم ورؤيته لهم وسماعه لهم، ثم قال: فلما رءا القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين () وهذه حقيقة عقلية أيضا ثم أردفه بقوله: فلما رءا الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون(), وهذه كلها مقدمات عقلية يقتضيها العقل فملة إبراهيم عليه السلام هي إقامة الحجة بالبرهان العقلي على توحيد الله عز وجل، وهذا الأمر مبين في مناظرة أخرى: قال هل يسمعونكم إذ تدعون () أو ينفعونكم أو يضرون () فلم يكن منهم إلا الإقرار بالجهل الذي هو الغفلة وأنهم ما اتخذوها آلهة( أطاعوها وعظموها واتبعوها وعملوا لها وتحاكموا إليها ولجئوا إليها) عن علم وإدراك وإنما هو الجهل والتقليد: قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون()، ثم تتكرر المناظرة في قصة أخرى: فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون() ما لكم لا تنطقون () فراغ عليهم ضربا باليمين() فاقبلوا إليه يزفون () وهنا شيء آخر يينه سبحانه وتعالى بالاستدلال العقلي أيضا بقوله: قال أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون () بأن العقل:
يستنكر أن يكون ما يصنعه ويعمله الإنسان له إدراك.
أن الصانع هو الذي يتحكم بصنعته وليس الصنعة تتحكم في صانعها.
أن الإنسان مخلوق وما يصدر عنه مخلوق.
أن ما يصدر عن الإنسان يتصف بعدم الحياة وأنه جماد.
فلا بد من استخدام العقل في التوصل إلى الإسلام بمعنى أن يكون عن علم يقيني وهو العلم الذي لا يناقضه شيء وهو عقد الإيمان :العقدة التي لا تنفك ( لا انفصام لها).
وعلى هذا فلا يوجد إلا خالق أو مخلوق ولا خالق إلا الله سبحانه وتعالى وهذا دل عليه الدليل العقلي الذي نبه عليه سبحانه وتعالى بقوله: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون() فإذا وجد الشرك فيوجد معه الفساد وهذا معلوم بالاضطرار، وقوله تعالى: قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا() فوجود إلهين يقتضي فساد الكون لأن كل واحد منهما سيكون مشغولا عن خلقه بالصراع على التفرد مما يؤدي إلى عدم تدبير وتصريف شؤون الخلق.فإذا تقرر هذا فكل ما في الوجود سوى الله تعالى فهو مخلوق.والمخلوق ينقسم إلى قسمين:
الأول: مخلوق غير منظور بوسائل الإدراك البصر وما يتبعها من مجهر ونحوه وهو الملائكة والجن وهذا لا يعلم وجوده إلا عن طريق السمع المترتب على أصل الإيمان مع أن هذا الأمر ( العلم بوجود الجن والملائكة) علم اضطراري علمه أبو البشر لأبنائه بالتوارث صدقه الوحي الإلهي.
الثاني: مخلوق منظور وهو أربعة أقسام لا خامس لها: الإنسان والحيوان والنبات والجماد فكل ما في الكون مخلوقات منظورة لا بد اضطرارا عقليا أن تكون أحد هذه الأربع فما يراه الإنسان فلا بد أن يكون: إما إنسانا،أو حيوانا،أو نباتا،أو جمادا، فأعلاها الإنسان ثم الحيوان ثم النبات وأدناها الجماد.
والتكليف متعلق بالإنسان من ربه فعلاقة الإنسان بربه علاقة عابد بمعبود وعلاقة مخلوق بخالق فيجب أن يكون الإنسان متعلق بربه لا يلفته عنه شيء وهذه هي العبودية.
إن الواقع ألكفري مرتبط ارتباطا إقتضائيا- بمعنى من لوازمه التي لا تنفك عنه –بالأوثان فأينما وجد الكفر وجدت الوثنية وهذا يعلم من خلال أول شرك حصل في البشر في قوم نوح عليه السلام بعبادتهم للأصنام كما بين إبراهيم عليه السلام هذه الحقيقة بقوله: رب أجنبني وبني أن نعبد الأصنام()، وقال مخاطبا قومه: إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا الآية وبين سبحانه وتعالى أن الإسلام يقوم على اجتناب الأوثان بقوله: فاجتنبوا الرجس من الأوثان() وبين عليه السلام أن كثير من أمته ستعود إلى عبادة الأوثان بقوله:وإنّما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبيٌّ، وأنا خاتم النَّبيِّين لا نبيَّ بعدي، ولا تزال طائفةٌ من أمتي على الحقِّ" قال ابن عيسى: "ظاهرين" ثم اتفقا "لايضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر اللّه تعالى"..
أولا: ما هي الأوثان؟ الجواب: هي كل جماد مصور ( صنم) أو غير مصور ينسب له الأمر والحكم والتدبير في حياة الإنسان كما بين إبراهيم عليه السلام أنها لا تنطق ولا تأكل ولا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر ولا تتحرك وبينها سبحانه بقوله: ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون().
ثانيا: كيف نعرف الواقع الوثني والأوثان المعبودة؟ الجواب: يجب علينا أن ننظر في هذا الواقع لنعلم من الذي يرد إليه: الأمر والحكم والتحاكم والتشريع ومن هو الذي يعمل من أجله ومن هو الذي ينصر ويطاع ومن هو المتبوع فإن كان فيه صفات الجماد فهو الوثن المعبود من دون الله تعالى مهما تغير شكله أو تغير اسمه لأن حقيقته ثابتة لا تتغير وعندها لا ينظر إلى كون أمره أو حكمه أو شرعه مخالف أو موافق للشرع لأن القول بهذا إقرار بالأوثان فما دامت أوثان فالعقل يقول أنا لا تنطق حتى تأمر فتطاع وأنها لا تنصر نفسها حتى تنصر غيرها وأنها لا تعقل فكيف يصدر عنها حكم وهي لا تتحرك فكيف تنفع أو تضر وبما أنها لا تسمع ولا تبصر فطاعتها لا تنفع ومعصيتها لا تضر على الواقع.
ثالثا: ما هي الأوثان في عصرنا؟ الجواب : إنها التي يسمونها- وما هي إلا أسماء كما قال تعالى: إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان() – الدستور والقانون أو النظام أو المادة، سواء كانت وطنية أو إقليمية أو دولية فهم ينسبون لها : الحكم والأمر والتشريع وهي التي ترد إليها تصريف علاقة البشر بالله تعالى والبشر والحيوان والنبات والجماد ومنه أخذت باقي الأوثان شرعيتها.
فأين قول الله تعالى أو قول رسوله عليه السلام بأن هناك قانون ودستور من صنع الإنسان له طاعة وحكم واتباع ونصرة وأنه يدبر حياة البشر ؟ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين .
فهم يقولون: أمر القانون حكم القانون نص القانون سمح القانون منع القانون بموجب القانون بقوة القانون وهذا القانون متفرع عن الوثن الأكبر الدستور،فهم يثبتون قولا وعلما وحكمة وإرادة وقوة لهذا القانون، فنقول لهم:
هل القانون والدستور هو الله سبحانه ؟ سيجيبون بالنفي .
هل القانون هو الخالق ؟ فسيجيبون بالنفي.
هل القانون هو الإنسان؟ فإن كابروا وقالوا نعم. نقول لهم لا يوجد إنسان إلا وله أب وأم ( سوى آد م وحواء وعيسى عليهم السلام):
فمن هو أبوه وأمه ؟ ومن هي قبيلته؟
هل هو ذكر أم أنثى؟
هل هو كبير أم صغير ؟ هل هو عاقل أم مجنون؟
هل هو مسلم أم نصراني أم يهودي ؟ ما دينه؟ سيكون الجواب بالنفي.
إذن فهو ليس بخالق وإله وليس مخلوق إنسي إذن يا قوم من هو ؟
هل هو حيوان ؟ سيجيبون قطعا بالنفي فلو كان الجواب نعم فمصيبة عظمى !!!!
هل هو نبات ؟ سيجيبون بالنفي. .
هل هو جماد ؟ هنا ستكون الإجابة مرتبكة وستظهر الحيرة والتردد.
هل هو لا شيء؟ فلم يبق إلا احتمالين إما أنه جماد أو لا شيء.
إذن من هو كسؤال أخير ؟ سيجيبون بأنه من وضع البشر. فنقول لهم: أي انه من صنع البشر ونحتهم هذا ما أقررتم به.فهل هو حي أم ماذا؟ وهل يصنع الإنسان أو يضع إلا الجماد فأنتم وضعتموه ونقول لكم من ملة إبراهيم: أتعبدون ما تنحتون() والله خلقكم وما تعملون() فمتى كانت صنعة الإنسان تتكلم ولها إرادة وحياة وحكمة وعلم بحيث تكون أعلى من الإنسان وهل هناك مخلوق على الأرض أعلى رتبة من الإنسان يتحكم به.الم يبين الله سبحانه أنه جعل ما في السموات والأرض مسخرا للإنسان بقوله: وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون().
فكيف تجعلون صنعتكم أعلى رتبة منكم وهي مسخرة لكم وصدق الله تعالى بقوله: وضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانك من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون() فما السبب ؟ الجواب : بينه تعالى في الآية التي تليها بقوله: بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين ().
فكيف يجعل من يعقل مرتبته دون الجماد وتقولون بمليء أفواهكم: القانون فوق الجميع أي فوق الناس والحيوان والنبات _ ولا أقول الجماد لأن ما ينطبق على القانون ينطبق على أي جماد لأن الحقيقة واحدة- فأنتم تساوون أنفسكم بالمخلوقات التي لا تعقل وهذا مصداقا للحقيقة القرآنية: أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا()، وقولكم هذا هو تأليه للقانون والدستور سواء صرحتم بهذا أم لم تصرحوا به لأن الألوهية كما قررها سبحانه وتعالى بقوله: وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم() وألوهية الله سبحانه في السماء لا تختلف عن ألوهيته في الأرض فقال عن ألوهيته في السماء – وهي بحق الملائكة-: ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون() يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون() وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون() فمن كانت له الفوقية فوق الجميع فهو الإله وهذه الفوقية تقتضي الأمر لأن الأمر لا يكون إلا لآمر والآمر لا بد أنم يكون الخالق قال تعالى: ألا له الخلق والأمر () وعليه: فالفوقية تأليه والآمر إله فالطاعة تأليه والتحاكم تأليه والإتباع تأليه والحب تأليه والنصرة تأليه والعمل بالشرع تأليه.
وقولكم: فوق الجميع، فيه طامة كبرة لأنه يعني العموم أي: فوق الخالق والمخلوق، والأنبياء والرسل من المخلوقات وهذا واقعيا صحيح فقد جعلتم من يقرر أمر الله وحكمه وشرعه الدستور والقانون فهما الأصل والفوقية لهما. فهل بعد هذا الكفر كفر ؟!!!!!.
إذن لا يكون المرء مسلما إلا إذا اجتنب(ترك) هذه الأوثان( القوانين) طاعة وحكما وتحاكما وإتباعا وعملا ومحافظة ،ترك القائمين عليها لأنهم يمثلونها فإذا كان الكاهن سادن بيت الأوثان بصورته الأولى يجلس في مبنى ويمثل هذا الوثن فإن هذه الأنظمة ممثلة بحكامها وملأها ومن يعمل فيها هم سدنتها كل يؤدي مهمته في خدمتها والمحافظة عليها ونصرتها وتعبيد الناس لها فكل مبنى لهذه الأنظمة هو بيت القانون( الوثن) بيت العبادة له ففيه يعبد ويعظم ويخضع له ويتبع ويطاع..فلا يتحقق إسلام المرء إلا باجتنابه.
فهذا هو الإسلام الذي يخلص الإنسان من التبعية لغيره من المخلوقات التي لا تعقل ويجعل تبعيته لمن خلق العقل ليتساوى مع غيره في الخضوع لجهة واحدة ومصدر واحد ليحقق التوحيد.
لهذا كله اخترت الإسلام لأني عاقل لأحافظ على نعمة العقل التي وهبها الله سبحانه لي لأتخلص من الجهل والتقليد والغفلة ولأكون السيد في الأرض الذي سخر الله سبحانه ما في السموات وما في الأرض له.
أنا اخترت الإسلام حتى أكون حرا كريما متعلقا بالخالق وليس متعلقا بالمخلوق.
أنا اخترت الإسلام لتتحقق لي كرامة الله سبحانه .
أنا اخترت الإسلام لأكون عزيزا.
لهذا أنا مسلم عرفت الإسلام واخترته عن علم وإدراك ولن أرجع عنه بإذن الله سبحانه أنا مسلم لا أطيع هذه القوانين, أنا مسلم لا أحكم بحكم هذه القوانين, أنا مسلم لا أتحاكم إلى هذه القوانين, أنا مسلم لا أعمل إلا يشرع الله سبحانه، أنا مسلم لا أعمل من أجل غير الله سبحانه سواء كان وطنا أم قبيلة أو غيره، أنا مسلم لا أنصر إلا من نصر الله تعالى, أنا مسلم لا أعمل في أنظمة تعمل من أجل المحافظة على الأوثان ( القوانين والدساتير) والإخلاص للمخلوقين أنا مسلم متبرئ من هذه القوانين والدساتير، أنا مسلم لا ألجأ إلى هذه الأنظمة لجلب نفع أو دفع ضر سواء كان مصلحة دنيوية أو أخروية،أنا مسلم أدعوا إلى إجتناب هذه الأوثان ( القوانين والدساتير والأنظمة وغيرها التي ما أنزل الله بها من سلطان)
أنا مسلم واخترت الإسلام لأفوز بالجنان وأنجو من النيران.
لهذا كله اخترت الإسلام ولهذا كله أنا مسلم.
فصل
لقد ثبت أننا مخلوقون والذي خلقنا هو الله سبحانه وتعالى،فلماذا خُلقنا؟
الجواب من الخالق سبحانه وتعالى بقوله: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون() أي ليوحدون
كيف يكون التوحيد يا من خلقتنا؟
الجواب من الخالق بقوله: وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين()،وقوله تعالى: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور() وقوله تعالى: إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا()
إذن فالتوحيد هو عبادة الله وحده وهو الإسلام الذي نص الله سبحانه بقول صريح أنه أحسن العمل فنحن خلقنا لنعمل أحسن العمل لأنه خلقنا في أحسن تقويم ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم()، فهو قد جعل ما على الأرض زينة اختبارا لنا هل نتخلى عن أحسن العمل لأجل الزينة وهذه الزينة هي ما بينه بقوله: زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب() فإذا تعارض أي شيء مع أحسن العمل ( عبادة الله وحده) فتقديمه يعني أننا عملنا أسوأ العمل وهو الشرك لأن قسيم الأحسن هو الأسوأ فإذا اخترنا الزينة فتكون قد زينت لنا ومن تُزين له الدنيا يكون كافرا قال الله تعالى: زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب () فاختيار الزينة هو استحباب للحياة الدنيا.
والله عز وجل خلق الموت والحياة ليختبرنا أينا أحسن عملا نعم لينظر هل نختار عبادته على الحياة أم أننا ممن استحب الحياة الدنيا على الآخرة ليختبرنا أينا يحيى على الإسلام ويموت عليه .
والله خلق الكون ليختبرنا أينا أحسن عملا أينا يأت بأحسن العمل أينا يوحده أينا يكون مسلما فيا لها من مهمة عظيمة لا يقوم بها إلا العظماء الذين تخلوا عن زينة الحياة الدنيا لأجل توحيد الله تعالى، الذين تخلوا عن حياتهم لأجل توحيد ربهم ، الذين طلبوا الموت على توحيد ربهم ، الذين تناسقت حياتهم مع الكون في توحيد ربهم .
فإذا كان الإسلام هو أحسن العمل فيجب أن يكون جزاءه أحسن الجزاء فما هو أحسن الجزاء يا ربنا؟ الجواب من رينا بقوله: للذين أحسنوا الحسنى وزيادة الآية نعم للذين عبدوا الله وحده الجنة وماذا أيضا يا ربنا؟ الجواب من ربنا: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان () نعم هل جزاء توحيد الله تعالى إلا الجنة؟
يا ربنا بين لنا أن الناس إما محسن أي مسلم وسواه الكافر، البيان من ربنا بقوله: أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين () أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين() أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين()،إذن فالكافر يتمنى أن يكون محسنا ، يا رب بين لنا أكثر من ذلك ، البيان بقوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين() نعم فالكافر يتمنى أن يكون محسنا أي مسلما وقال تعالى: ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين() نعم فمقابل الذين ظلموا أي أشركوا المسلمون ( المحسنون) وبين تعالى أن الإسلام هو الإحسان بقوله: إني تبت إليك وإني من المسلمين() أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون(9 فالمسلمون هم المحسنون.
يا رب كيف نكون محسنين أي موحدين وعكس ذلك نكون عبدة الطاغوت مشركون؟الجواب:
قوله تعالى: ومن أحسن ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين() أي أن عبادة الله وتوحيده يكون بالدعوة إلى الله تعالى قولا وعملا ( بطاعته وسؤاله واللجوء إليه لدفع الضر وجلب النفع وأن نعيش أسماءه الحسنى في حياتنا) وأن يكون هذا كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ننتسب إلى الإسلام بأن تكون أعمالنا ودعوتنا كوننا مسلمين وعليه فأسوأ العمل أن نطيع غير الله تعالى وأن نعمل الأعمال على غير هدى من الله وأن ننتسب في أعمالنا إلى غير الإسلام سواء إلى وطن أو قوم أو جنسية ما أنزل الله بها من سلطان فهذا كله أسوأ العمل أي عبادة غير الله تعالى..
قوله تعالى: أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون() إذن فحكم الله هو الأحسن وحكم غيره هو الأسوأ فمن حكم بغير حكم الله فقد عمل أسوأ العمل أي أشرك بالله سبحانه ومن تحاكم إلى غير حكم الله فقد عمل أسوأ العمل أي: أشرك بالله سبحانه أي أنه عبد غير الله تعالى.
قوله تعالى: اتبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون() فما هو أحسن ما أنزلت يا ربنا ؟ الجواب : قوله تعالى: الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد () .
إذن فأحسن الحديث هو كتاب ربنا سبحانه وسواه أسوأ الحديث فاتباع غير قول الله تعالى والاستناد إلى غير قول الله تعالى أسوأ العمل أي عبادة غير الله أي هو الشرك .
فالله خلقنا لنطيعه وحده ونلجأ إليه وحده ونطلب النفع منه وحده ونطلب دفع الضر منه وحده ونحكم بحكمه وحده ونتحاكم إلى حكمه وحده ونتبع شرعه وحده وننصره وحده ونعمل من أجله وحده وننفق أموالنا له وحده ونحبه وحده وأن يكون فوقنا هو وحده فلا آمر في حياتنا إلا هو وحده ولا حكم إلا هو وحده .
يا رب هل الإسلام بهذه الكيفية هو ما كان عليه الأنبياء ؟ الجواب : إن الأنبياء بعضهم من بعض وما ينطبق على أحدهم فهو يمثلهم جميعا فهذا يوسف عليه السلام:
الله سبحانه شهد له بأنه من المحسنين بقوله : ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين() فهو محسن أي مسلم قبل السجن.
شهد له صاحبيه في السجن: نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين() فهو محسن أي مسلم في السجن.
شهد له أخوته : إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين() فهو مسلم أي محسن بعد السجن إلى أن توفاه الله سبحانه يقول عن نفسه وأنها أمنيته وهدفه في هذه الحياة بقوله: توفني مسلما وألحقني بالصالحين().
كيف كان محسنا وهل ما سبق ذكره هو الإحسان ؟ الجواب:
أنه داع إلى الله وحده بقوله: أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ().
أنه لا يحكم ولا يتحاكم إلا إلى حكم الله سبحانه بقوله: إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون() نعم حقيقة الإسلام هذه أكثر الناس لا يعلمونها!!!!!.
أنه متبع لملة إبراهيم عليه السلام – شرع الله وحده- بقوله: واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون()، نعم إن اتباع غير شرع الله مهما كان( كونه منسوب إلى غير الله) هو الشرك .
أنه متبرىء من كل ملة وأمر وحكم وشرع غير ما يرد إلى الله تعالى بقوله : إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون() أي من دعا غير الله وحكم بغير حكم الله وتحاكم إلى غير حكم الله واتبع غير شرع الله وأنتسب إلى غير الإسلام قولا وعملا وجعل في حياته مسميات ما أنزل الله بها من سلطان( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان() فهو الذي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر وهم الكافرون، فإن هذا ما بينه تعالى بأنه استحباب الحياة الدنيا على الآخرة بقوله: ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين()، لأن الإنسان إما أن يكون طالب دنيا أو طالب آخرة لا ثالث لهما لقوله تعالى: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب () فإرادة الآخرة يكون بالتبرؤ من كل الأوثان ومن سدنتها وان تكون حياة المرء خالية من أي شيء يتعلق بها طاعة واتباعا وحكما وتحاكما ونصرة ومحبة وهذا هو الدين بأن يكون كله لله سبحانه.
إن إقامة دين الله تعالى ونصرته لا تكون إلا عن طريقه بالكيفية التي بينها وأرادها ولا يمكن أن تكون ‘ن طريق غيره بالكيفية التي يقررها غيره- مهما كانت بالرد إلى غير شرعه- من طواغيت بشرية أو وثنية لا بدعوى المخالفة ولا الموافقة وهل نصرة الله إلا بأن نكون من المحسنين.
سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
منقول للافادة
لا تنسونا من صالح دعائكم
الحمد لله رب العالمين الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا الحمد لله الذي له الخلق والأمر الحمد لله الذي نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده.
والصلاة والسلام على خير الخلق ومن لا نبي بعده بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله خير ما جزى نبيا عن أمته ورضي الله عن أزواجه وآله وصحبه خير ما جزى أتباع نبي عن اتباعه.
وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة عالم بها عامل بها رضيها من بين الأديان دينا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وبعد: هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليتذكر أولوا الألباب ()
لماذا أنا مسلم ؟ ولماذا اخترت الإسلام ؟ سؤالان يجب على كل مسلم أن يكون على علم بإجابتهما إذ هما الأصل الذي يقوم عليه العلم بـ لا إله إلا الله والمرء إما:
أن يكون مسلما عن علم واختيار.
وإما أن يكون مسلما عن جهل.
وإما أن يكون مسلما تقليدا.
وإما أن يكون مسلما بالإكراه.
فأما الإسلام عن إكراه فهذا لا يكون مسلما وخطره أعظم لقوله تعالى: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد أستمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم()، وهذه الآية العظيمة فيها فوائد منها:
نفي الإكراه عن الشخص ونفي الإسلام بالإكراه.
يجب أن يكون الإسلام عن اختيار وتبين واقتناع.
أن اختيار الإسلام لا يكون إلا بعد مقارنة بين الرشد والغي ولا تكون المقارنة والإختيار إلا بين معلومين ظاهرين وبعد تمحيص وتدقيق واقتناع وأن الإسلام هو الموافق للفطرة والعقل وهو الرشد.
أن الإسلام هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله.
أن الإسلام يتكون من ركنين هما النفي والإثبات.
أن النفي والإثبات يقتضي الاستمساك وليس المسك لأن الاستمساك لا يكون إلا بجهد وصبر وتيقظ.
أن اختيار الإسلام عن علم يجعل المسلم لا يتخلى عن دينه وإن حُرّق أو قطع أي:لا يمكن لمن دخل الإسلام عن علم واختيار أن يتخلى عنه أو يرتد عنه.
أن الدين الإسلامي عقدته لا تنحل بمعنى:لا يمكن لأي صاحب ملة أخرى أن تكون لديه الحجة التي تعلوا حجة الإسلام ولأنه مستند إلى قول الله تعالى الذي: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد().
وهذه الآية تنفي الإسلام تقليدا أو جهلا أما بخصوص من يدعي الإسلام وهو يجهله فهذا لا يعتبر إسلاما لأنه مناقض: لقوله تعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله.....الآية ولأن الجهل بالشيء يوقع في ضده فهو كعدمه، ومناقض لقوله تعالى: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب() وعدم التساوي بينه سبحانه وتعالى بقوله: لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون() فأولوا الألباب هم الذين يعلمون أي أصحاب العقول والعاقل لا يكون جاهلا كما أن الذين يعلمون هم الفائزون أي أصحاب الجنة والذين لا يعلمون هم الخاسرون أي: أصحاب النار ويؤكده قوله تعالى: أفنجعل المسلمين كالمجرمين () ما لكم كيف تحكمون()،والجهل مناف أيضا لقوله تعالى: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ()، فالشهادة لا تكون إلا عن علم والذي يشهد عن علم فقط هو من يملك الشفاعة عند الله تعالى والذي لا يملك الشفاعة عند الله هو الكافر لقوله تعالى: ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ()، فكل جاهل للإسلام لا بد أن يكون داعيا غير الله تعالى، بمعنى: أنه مشرك.
فقد قرر سبحانه وتعالى أن الجاهل لا يمكن أن يكون مسلما بقوله : ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون () وبناء على ذلك فقد تقرر الإجماع على أن من جهل الإسلام لا يحكم بإسلامه ولا يكون مسلما وأن الجاهل هو المشرك قال تعالى: قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون() ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين () بل الله فاعبد وكن من الشاكرين() ولاحظ نتيجة الشكر وارتباطها بقوله تعالى: وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون () وارتباطهما بقوله تعالى: اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور() وهذا هو معنى قوله تعالى: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين().
أما الإسلام تقليدا فهذا فرع عن الجهل ومناقض لقوله تعال: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين () أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون() فالتقليد من الجهل والجهل لا يكون إلا عن غفلة أي: عدم علم، وكذلك بين أن تقليد الآباء مذموم وغير مقبول لأنه لا يكون عن علم ويعتريه الشك والريب، بقوله تعالى: بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ()، وقوله تعالى: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون().
إذن لا بد أن يكون الإسلام عن علم واختيار وعليه يجب الإجابة عن السؤال المهم لماذا الإسلام؟.
الجواب: إن الإسلام دين العقل وهو الأداة التي جعلها الله في الإنسان التي بها يملك خاصية الاختيار والتي تميزه عن غيره من المخلوقات وعليها مناط التكليف الشرعي في الحياة الدنيا وهذا العقل له مداخل أي مداخل الإدراك وهما السمع والبصر ولذلك قال تعالى: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون() وقوله تعالى: وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون() ،وهذان المدخلان للعقل بيّنهما سبحانه بقوله:
أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون () هذا بخصوص السمع.
وأما بخصوص البصر فقوله تعالى: أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون() وهذا بخصوص البصر، والآيات كثيرة على هذا.
لذلك نبه سبحانه وتعالى على العقل في اختيار الإسلام وأنه الدال على التوحيد بقوله تعال: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون()، وقوله تعالى: وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون(). ولذلك كانت النجاة يوم القيامة لصنفين بيّنهما سبحانه بقوله: وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير() ولا يظنن ظان أن السمع منفصل عن العقل وقد بينا سابقا أن السمع وسيلة للعقل لأن التوحيد:
إما أن يستدل عليه بدلالة الآيات الكونية .
وإما بدلالة الآيات الشرعية .
فاستخدام العقل في الآيات الكونية معلوم أما الآيات الشرعية فإن الله تعالى جعل لها السمع وسيلة إيصالها إلى العقل بدليل قوله تعالى: وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون()، وبين ذلك أيضا بقوله: بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون()، فالنتيجة أن الآيات الشرعية لا بد أن تكون عن علم والعلم لا يكون إلا بوجود العقل والاستدلال به النقل( الآيات السمعية الصريحة) لا يمكن أن تناقض العقل الصريح لأن العقل من الله سبحانه والآيات السمعية من الله سبحانه فالكل من عند الله تعالى والله يقرر قاعدة عقلية صريحة : ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ()، وابن تيمية كغيره من العلماء الربانيين مدرك لهذه الحقيقة فوضع كتابا عظيما بعنوان ( درء تعارض النقل والعقل ).
قد يسأل سائل لماذا قال تعالى: وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ()، ولم يذكر البصر مع أنهما وسيلتي الإدراك العقلي ؟ .
الجواب :لأن السمع هو الأصل في الإدراك العقلي ولأن الآيات الشرعية ( قول الله تعالى ) لا تصل إلى العقل إلا عن طريق السمع ولأن النطق هو وسيلة البلاغ والتعبير المبينة للحقائق وتصويرها كأن السامع ينظر إليها فهو يؤدي مهمة البصر فالسمع هو أداة الإبصار للحقائق غير المنظورة ( المسموعة) فالله تعالى قد جعل السمع مرتبط بالعقل فمن ولد لا يسمع فهو غير عاقل بخلاف من ولد فاقدا للبصر وهذا معلوم بالاضطرار.
إن ما سبق كان مقدمة ضرورية ومدخلا أساسيا لفهم الإسلام لأن الإسلام قائم على إتباع ملة إبراهيم عليه السلام قال تعالى: ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين() وقال تعالى: ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين () إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين().فالله عز وجل ينبه إلى:
- أن الإسلام قائم على إتباع ملة إبراهيم وهذه الملة هي الدين ومعنى الدين: الطريقة() ولكن الفرق بين الدين والملة أن الملة لا تضاف إلا إلى النبي ولا يضاف إلى الله سبحانه بينما الدين يضاف إلى الله سبحانه وإلى النبي فيقال دين الله ودين محمد ولا يقال ملة الله بينما يقال ملة محمد فلفظ الملة خاص بالنبي وسبب خصوصيتها أن الذي يبلغ الدين هو النبي وهو الذي يتعامل مع البشر بكيفية معينة من ناحية تمام البلاغ الذي يكون بإقامة الحجة فهو المبين للطريقة العملية المنظور ة للبلا غ.
- إن ملة إبراهيم عليه السلام قائمة على أساس الإقناع العقلي بدليل قوله تعالى: وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم() وانظر إلى ارتباط الحجة بالعلم والحكمة ومعلوم بما قصه الله سبحانه علينا في القرآن من قصة إبراهيم عليه السلام الاستدلال العقلي وأن إقامة الحجة بموجبها بحيث يصل العقل إلى نقطة الإغلاق التي يجب أن يقر عندها بالحقيقة المعروضة عليه كما بين تعالى بقوله: قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم () أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون() وقوله هذا بعد المناظرة العقلية: قال بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون() فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون() وهنا عند نقطة الإغلاق العقلي التي تستلزم القبول والإذعان من كل البشر الذين يمتلكون العقل الصحيح : ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون() عندها قال لهم: قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم () أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون()،وهذا الأمر يتكرر معه عليه السلام: فلما جن عليه الليل رءا كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين() هنا العقل لا يقبل غياب المعبود عن عابديه الذي يستلزم عدم إحاطته بهم ورؤيته لهم وسماعه لهم، ثم قال: فلما رءا القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين () وهذه حقيقة عقلية أيضا ثم أردفه بقوله: فلما رءا الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون(), وهذه كلها مقدمات عقلية يقتضيها العقل فملة إبراهيم عليه السلام هي إقامة الحجة بالبرهان العقلي على توحيد الله عز وجل، وهذا الأمر مبين في مناظرة أخرى: قال هل يسمعونكم إذ تدعون () أو ينفعونكم أو يضرون () فلم يكن منهم إلا الإقرار بالجهل الذي هو الغفلة وأنهم ما اتخذوها آلهة( أطاعوها وعظموها واتبعوها وعملوا لها وتحاكموا إليها ولجئوا إليها) عن علم وإدراك وإنما هو الجهل والتقليد: قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون()، ثم تتكرر المناظرة في قصة أخرى: فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون() ما لكم لا تنطقون () فراغ عليهم ضربا باليمين() فاقبلوا إليه يزفون () وهنا شيء آخر يينه سبحانه وتعالى بالاستدلال العقلي أيضا بقوله: قال أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون () بأن العقل:
يستنكر أن يكون ما يصنعه ويعمله الإنسان له إدراك.
أن الصانع هو الذي يتحكم بصنعته وليس الصنعة تتحكم في صانعها.
أن الإنسان مخلوق وما يصدر عنه مخلوق.
أن ما يصدر عن الإنسان يتصف بعدم الحياة وأنه جماد.
فلا بد من استخدام العقل في التوصل إلى الإسلام بمعنى أن يكون عن علم يقيني وهو العلم الذي لا يناقضه شيء وهو عقد الإيمان :العقدة التي لا تنفك ( لا انفصام لها).
وعلى هذا فلا يوجد إلا خالق أو مخلوق ولا خالق إلا الله سبحانه وتعالى وهذا دل عليه الدليل العقلي الذي نبه عليه سبحانه وتعالى بقوله: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون() فإذا وجد الشرك فيوجد معه الفساد وهذا معلوم بالاضطرار، وقوله تعالى: قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا() فوجود إلهين يقتضي فساد الكون لأن كل واحد منهما سيكون مشغولا عن خلقه بالصراع على التفرد مما يؤدي إلى عدم تدبير وتصريف شؤون الخلق.فإذا تقرر هذا فكل ما في الوجود سوى الله تعالى فهو مخلوق.والمخلوق ينقسم إلى قسمين:
الأول: مخلوق غير منظور بوسائل الإدراك البصر وما يتبعها من مجهر ونحوه وهو الملائكة والجن وهذا لا يعلم وجوده إلا عن طريق السمع المترتب على أصل الإيمان مع أن هذا الأمر ( العلم بوجود الجن والملائكة) علم اضطراري علمه أبو البشر لأبنائه بالتوارث صدقه الوحي الإلهي.
الثاني: مخلوق منظور وهو أربعة أقسام لا خامس لها: الإنسان والحيوان والنبات والجماد فكل ما في الكون مخلوقات منظورة لا بد اضطرارا عقليا أن تكون أحد هذه الأربع فما يراه الإنسان فلا بد أن يكون: إما إنسانا،أو حيوانا،أو نباتا،أو جمادا، فأعلاها الإنسان ثم الحيوان ثم النبات وأدناها الجماد.
والتكليف متعلق بالإنسان من ربه فعلاقة الإنسان بربه علاقة عابد بمعبود وعلاقة مخلوق بخالق فيجب أن يكون الإنسان متعلق بربه لا يلفته عنه شيء وهذه هي العبودية.
إن الواقع ألكفري مرتبط ارتباطا إقتضائيا- بمعنى من لوازمه التي لا تنفك عنه –بالأوثان فأينما وجد الكفر وجدت الوثنية وهذا يعلم من خلال أول شرك حصل في البشر في قوم نوح عليه السلام بعبادتهم للأصنام كما بين إبراهيم عليه السلام هذه الحقيقة بقوله: رب أجنبني وبني أن نعبد الأصنام()، وقال مخاطبا قومه: إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا الآية وبين سبحانه وتعالى أن الإسلام يقوم على اجتناب الأوثان بقوله: فاجتنبوا الرجس من الأوثان() وبين عليه السلام أن كثير من أمته ستعود إلى عبادة الأوثان بقوله:وإنّما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبيٌّ، وأنا خاتم النَّبيِّين لا نبيَّ بعدي، ولا تزال طائفةٌ من أمتي على الحقِّ" قال ابن عيسى: "ظاهرين" ثم اتفقا "لايضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر اللّه تعالى"..
أولا: ما هي الأوثان؟ الجواب: هي كل جماد مصور ( صنم) أو غير مصور ينسب له الأمر والحكم والتدبير في حياة الإنسان كما بين إبراهيم عليه السلام أنها لا تنطق ولا تأكل ولا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر ولا تتحرك وبينها سبحانه بقوله: ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون().
ثانيا: كيف نعرف الواقع الوثني والأوثان المعبودة؟ الجواب: يجب علينا أن ننظر في هذا الواقع لنعلم من الذي يرد إليه: الأمر والحكم والتحاكم والتشريع ومن هو الذي يعمل من أجله ومن هو الذي ينصر ويطاع ومن هو المتبوع فإن كان فيه صفات الجماد فهو الوثن المعبود من دون الله تعالى مهما تغير شكله أو تغير اسمه لأن حقيقته ثابتة لا تتغير وعندها لا ينظر إلى كون أمره أو حكمه أو شرعه مخالف أو موافق للشرع لأن القول بهذا إقرار بالأوثان فما دامت أوثان فالعقل يقول أنا لا تنطق حتى تأمر فتطاع وأنها لا تنصر نفسها حتى تنصر غيرها وأنها لا تعقل فكيف يصدر عنها حكم وهي لا تتحرك فكيف تنفع أو تضر وبما أنها لا تسمع ولا تبصر فطاعتها لا تنفع ومعصيتها لا تضر على الواقع.
ثالثا: ما هي الأوثان في عصرنا؟ الجواب : إنها التي يسمونها- وما هي إلا أسماء كما قال تعالى: إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان() – الدستور والقانون أو النظام أو المادة، سواء كانت وطنية أو إقليمية أو دولية فهم ينسبون لها : الحكم والأمر والتشريع وهي التي ترد إليها تصريف علاقة البشر بالله تعالى والبشر والحيوان والنبات والجماد ومنه أخذت باقي الأوثان شرعيتها.
فأين قول الله تعالى أو قول رسوله عليه السلام بأن هناك قانون ودستور من صنع الإنسان له طاعة وحكم واتباع ونصرة وأنه يدبر حياة البشر ؟ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين .
فهم يقولون: أمر القانون حكم القانون نص القانون سمح القانون منع القانون بموجب القانون بقوة القانون وهذا القانون متفرع عن الوثن الأكبر الدستور،فهم يثبتون قولا وعلما وحكمة وإرادة وقوة لهذا القانون، فنقول لهم:
هل القانون والدستور هو الله سبحانه ؟ سيجيبون بالنفي .
هل القانون هو الخالق ؟ فسيجيبون بالنفي.
هل القانون هو الإنسان؟ فإن كابروا وقالوا نعم. نقول لهم لا يوجد إنسان إلا وله أب وأم ( سوى آد م وحواء وعيسى عليهم السلام):
فمن هو أبوه وأمه ؟ ومن هي قبيلته؟
هل هو ذكر أم أنثى؟
هل هو كبير أم صغير ؟ هل هو عاقل أم مجنون؟
هل هو مسلم أم نصراني أم يهودي ؟ ما دينه؟ سيكون الجواب بالنفي.
إذن فهو ليس بخالق وإله وليس مخلوق إنسي إذن يا قوم من هو ؟
هل هو حيوان ؟ سيجيبون قطعا بالنفي فلو كان الجواب نعم فمصيبة عظمى !!!!
هل هو نبات ؟ سيجيبون بالنفي. .
هل هو جماد ؟ هنا ستكون الإجابة مرتبكة وستظهر الحيرة والتردد.
هل هو لا شيء؟ فلم يبق إلا احتمالين إما أنه جماد أو لا شيء.
إذن من هو كسؤال أخير ؟ سيجيبون بأنه من وضع البشر. فنقول لهم: أي انه من صنع البشر ونحتهم هذا ما أقررتم به.فهل هو حي أم ماذا؟ وهل يصنع الإنسان أو يضع إلا الجماد فأنتم وضعتموه ونقول لكم من ملة إبراهيم: أتعبدون ما تنحتون() والله خلقكم وما تعملون() فمتى كانت صنعة الإنسان تتكلم ولها إرادة وحياة وحكمة وعلم بحيث تكون أعلى من الإنسان وهل هناك مخلوق على الأرض أعلى رتبة من الإنسان يتحكم به.الم يبين الله سبحانه أنه جعل ما في السموات والأرض مسخرا للإنسان بقوله: وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون().
فكيف تجعلون صنعتكم أعلى رتبة منكم وهي مسخرة لكم وصدق الله تعالى بقوله: وضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانك من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون() فما السبب ؟ الجواب : بينه تعالى في الآية التي تليها بقوله: بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين ().
فكيف يجعل من يعقل مرتبته دون الجماد وتقولون بمليء أفواهكم: القانون فوق الجميع أي فوق الناس والحيوان والنبات _ ولا أقول الجماد لأن ما ينطبق على القانون ينطبق على أي جماد لأن الحقيقة واحدة- فأنتم تساوون أنفسكم بالمخلوقات التي لا تعقل وهذا مصداقا للحقيقة القرآنية: أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا()، وقولكم هذا هو تأليه للقانون والدستور سواء صرحتم بهذا أم لم تصرحوا به لأن الألوهية كما قررها سبحانه وتعالى بقوله: وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم() وألوهية الله سبحانه في السماء لا تختلف عن ألوهيته في الأرض فقال عن ألوهيته في السماء – وهي بحق الملائكة-: ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون() يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون() وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون() فمن كانت له الفوقية فوق الجميع فهو الإله وهذه الفوقية تقتضي الأمر لأن الأمر لا يكون إلا لآمر والآمر لا بد أنم يكون الخالق قال تعالى: ألا له الخلق والأمر () وعليه: فالفوقية تأليه والآمر إله فالطاعة تأليه والتحاكم تأليه والإتباع تأليه والحب تأليه والنصرة تأليه والعمل بالشرع تأليه.
وقولكم: فوق الجميع، فيه طامة كبرة لأنه يعني العموم أي: فوق الخالق والمخلوق، والأنبياء والرسل من المخلوقات وهذا واقعيا صحيح فقد جعلتم من يقرر أمر الله وحكمه وشرعه الدستور والقانون فهما الأصل والفوقية لهما. فهل بعد هذا الكفر كفر ؟!!!!!.
إذن لا يكون المرء مسلما إلا إذا اجتنب(ترك) هذه الأوثان( القوانين) طاعة وحكما وتحاكما وإتباعا وعملا ومحافظة ،ترك القائمين عليها لأنهم يمثلونها فإذا كان الكاهن سادن بيت الأوثان بصورته الأولى يجلس في مبنى ويمثل هذا الوثن فإن هذه الأنظمة ممثلة بحكامها وملأها ومن يعمل فيها هم سدنتها كل يؤدي مهمته في خدمتها والمحافظة عليها ونصرتها وتعبيد الناس لها فكل مبنى لهذه الأنظمة هو بيت القانون( الوثن) بيت العبادة له ففيه يعبد ويعظم ويخضع له ويتبع ويطاع..فلا يتحقق إسلام المرء إلا باجتنابه.
فهذا هو الإسلام الذي يخلص الإنسان من التبعية لغيره من المخلوقات التي لا تعقل ويجعل تبعيته لمن خلق العقل ليتساوى مع غيره في الخضوع لجهة واحدة ومصدر واحد ليحقق التوحيد.
لهذا كله اخترت الإسلام لأني عاقل لأحافظ على نعمة العقل التي وهبها الله سبحانه لي لأتخلص من الجهل والتقليد والغفلة ولأكون السيد في الأرض الذي سخر الله سبحانه ما في السموات وما في الأرض له.
أنا اخترت الإسلام حتى أكون حرا كريما متعلقا بالخالق وليس متعلقا بالمخلوق.
أنا اخترت الإسلام لتتحقق لي كرامة الله سبحانه .
أنا اخترت الإسلام لأكون عزيزا.
لهذا أنا مسلم عرفت الإسلام واخترته عن علم وإدراك ولن أرجع عنه بإذن الله سبحانه أنا مسلم لا أطيع هذه القوانين, أنا مسلم لا أحكم بحكم هذه القوانين, أنا مسلم لا أتحاكم إلى هذه القوانين, أنا مسلم لا أعمل إلا يشرع الله سبحانه، أنا مسلم لا أعمل من أجل غير الله سبحانه سواء كان وطنا أم قبيلة أو غيره، أنا مسلم لا أنصر إلا من نصر الله تعالى, أنا مسلم لا أعمل في أنظمة تعمل من أجل المحافظة على الأوثان ( القوانين والدساتير) والإخلاص للمخلوقين أنا مسلم متبرئ من هذه القوانين والدساتير، أنا مسلم لا ألجأ إلى هذه الأنظمة لجلب نفع أو دفع ضر سواء كان مصلحة دنيوية أو أخروية،أنا مسلم أدعوا إلى إجتناب هذه الأوثان ( القوانين والدساتير والأنظمة وغيرها التي ما أنزل الله بها من سلطان)
أنا مسلم واخترت الإسلام لأفوز بالجنان وأنجو من النيران.
لهذا كله اخترت الإسلام ولهذا كله أنا مسلم.
فصل
لقد ثبت أننا مخلوقون والذي خلقنا هو الله سبحانه وتعالى،فلماذا خُلقنا؟
الجواب من الخالق سبحانه وتعالى بقوله: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون() أي ليوحدون
كيف يكون التوحيد يا من خلقتنا؟
الجواب من الخالق بقوله: وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين()،وقوله تعالى: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور() وقوله تعالى: إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا()
إذن فالتوحيد هو عبادة الله وحده وهو الإسلام الذي نص الله سبحانه بقول صريح أنه أحسن العمل فنحن خلقنا لنعمل أحسن العمل لأنه خلقنا في أحسن تقويم ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم()، فهو قد جعل ما على الأرض زينة اختبارا لنا هل نتخلى عن أحسن العمل لأجل الزينة وهذه الزينة هي ما بينه بقوله: زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب() فإذا تعارض أي شيء مع أحسن العمل ( عبادة الله وحده) فتقديمه يعني أننا عملنا أسوأ العمل وهو الشرك لأن قسيم الأحسن هو الأسوأ فإذا اخترنا الزينة فتكون قد زينت لنا ومن تُزين له الدنيا يكون كافرا قال الله تعالى: زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب () فاختيار الزينة هو استحباب للحياة الدنيا.
والله عز وجل خلق الموت والحياة ليختبرنا أينا أحسن عملا نعم لينظر هل نختار عبادته على الحياة أم أننا ممن استحب الحياة الدنيا على الآخرة ليختبرنا أينا يحيى على الإسلام ويموت عليه .
والله خلق الكون ليختبرنا أينا أحسن عملا أينا يأت بأحسن العمل أينا يوحده أينا يكون مسلما فيا لها من مهمة عظيمة لا يقوم بها إلا العظماء الذين تخلوا عن زينة الحياة الدنيا لأجل توحيد الله تعالى، الذين تخلوا عن حياتهم لأجل توحيد ربهم ، الذين طلبوا الموت على توحيد ربهم ، الذين تناسقت حياتهم مع الكون في توحيد ربهم .
فإذا كان الإسلام هو أحسن العمل فيجب أن يكون جزاءه أحسن الجزاء فما هو أحسن الجزاء يا ربنا؟ الجواب من رينا بقوله: للذين أحسنوا الحسنى وزيادة الآية نعم للذين عبدوا الله وحده الجنة وماذا أيضا يا ربنا؟ الجواب من ربنا: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان () نعم هل جزاء توحيد الله تعالى إلا الجنة؟
يا ربنا بين لنا أن الناس إما محسن أي مسلم وسواه الكافر، البيان من ربنا بقوله: أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين () أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين() أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين()،إذن فالكافر يتمنى أن يكون محسنا ، يا رب بين لنا أكثر من ذلك ، البيان بقوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين() نعم فالكافر يتمنى أن يكون محسنا أي مسلما وقال تعالى: ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين() نعم فمقابل الذين ظلموا أي أشركوا المسلمون ( المحسنون) وبين تعالى أن الإسلام هو الإحسان بقوله: إني تبت إليك وإني من المسلمين() أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون(9 فالمسلمون هم المحسنون.
يا رب كيف نكون محسنين أي موحدين وعكس ذلك نكون عبدة الطاغوت مشركون؟الجواب:
قوله تعالى: ومن أحسن ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين() أي أن عبادة الله وتوحيده يكون بالدعوة إلى الله تعالى قولا وعملا ( بطاعته وسؤاله واللجوء إليه لدفع الضر وجلب النفع وأن نعيش أسماءه الحسنى في حياتنا) وأن يكون هذا كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ننتسب إلى الإسلام بأن تكون أعمالنا ودعوتنا كوننا مسلمين وعليه فأسوأ العمل أن نطيع غير الله تعالى وأن نعمل الأعمال على غير هدى من الله وأن ننتسب في أعمالنا إلى غير الإسلام سواء إلى وطن أو قوم أو جنسية ما أنزل الله بها من سلطان فهذا كله أسوأ العمل أي عبادة غير الله تعالى..
قوله تعالى: أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون() إذن فحكم الله هو الأحسن وحكم غيره هو الأسوأ فمن حكم بغير حكم الله فقد عمل أسوأ العمل أي أشرك بالله سبحانه ومن تحاكم إلى غير حكم الله فقد عمل أسوأ العمل أي: أشرك بالله سبحانه أي أنه عبد غير الله تعالى.
قوله تعالى: اتبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون() فما هو أحسن ما أنزلت يا ربنا ؟ الجواب : قوله تعالى: الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد () .
إذن فأحسن الحديث هو كتاب ربنا سبحانه وسواه أسوأ الحديث فاتباع غير قول الله تعالى والاستناد إلى غير قول الله تعالى أسوأ العمل أي عبادة غير الله أي هو الشرك .
فالله خلقنا لنطيعه وحده ونلجأ إليه وحده ونطلب النفع منه وحده ونطلب دفع الضر منه وحده ونحكم بحكمه وحده ونتحاكم إلى حكمه وحده ونتبع شرعه وحده وننصره وحده ونعمل من أجله وحده وننفق أموالنا له وحده ونحبه وحده وأن يكون فوقنا هو وحده فلا آمر في حياتنا إلا هو وحده ولا حكم إلا هو وحده .
يا رب هل الإسلام بهذه الكيفية هو ما كان عليه الأنبياء ؟ الجواب : إن الأنبياء بعضهم من بعض وما ينطبق على أحدهم فهو يمثلهم جميعا فهذا يوسف عليه السلام:
الله سبحانه شهد له بأنه من المحسنين بقوله : ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين() فهو محسن أي مسلم قبل السجن.
شهد له صاحبيه في السجن: نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين() فهو محسن أي مسلم في السجن.
شهد له أخوته : إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين() فهو مسلم أي محسن بعد السجن إلى أن توفاه الله سبحانه يقول عن نفسه وأنها أمنيته وهدفه في هذه الحياة بقوله: توفني مسلما وألحقني بالصالحين().
كيف كان محسنا وهل ما سبق ذكره هو الإحسان ؟ الجواب:
أنه داع إلى الله وحده بقوله: أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ().
أنه لا يحكم ولا يتحاكم إلا إلى حكم الله سبحانه بقوله: إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون() نعم حقيقة الإسلام هذه أكثر الناس لا يعلمونها!!!!!.
أنه متبع لملة إبراهيم عليه السلام – شرع الله وحده- بقوله: واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون()، نعم إن اتباع غير شرع الله مهما كان( كونه منسوب إلى غير الله) هو الشرك .
أنه متبرىء من كل ملة وأمر وحكم وشرع غير ما يرد إلى الله تعالى بقوله : إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون() أي من دعا غير الله وحكم بغير حكم الله وتحاكم إلى غير حكم الله واتبع غير شرع الله وأنتسب إلى غير الإسلام قولا وعملا وجعل في حياته مسميات ما أنزل الله بها من سلطان( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان() فهو الذي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر وهم الكافرون، فإن هذا ما بينه تعالى بأنه استحباب الحياة الدنيا على الآخرة بقوله: ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين()، لأن الإنسان إما أن يكون طالب دنيا أو طالب آخرة لا ثالث لهما لقوله تعالى: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب () فإرادة الآخرة يكون بالتبرؤ من كل الأوثان ومن سدنتها وان تكون حياة المرء خالية من أي شيء يتعلق بها طاعة واتباعا وحكما وتحاكما ونصرة ومحبة وهذا هو الدين بأن يكون كله لله سبحانه.
إن إقامة دين الله تعالى ونصرته لا تكون إلا عن طريقه بالكيفية التي بينها وأرادها ولا يمكن أن تكون ‘ن طريق غيره بالكيفية التي يقررها غيره- مهما كانت بالرد إلى غير شرعه- من طواغيت بشرية أو وثنية لا بدعوى المخالفة ولا الموافقة وهل نصرة الله إلا بأن نكون من المحسنين.
سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
منقول للافادة
لا تنسونا من صالح دعائكم