عين الفوارة، المرأة التي يركع لأجلها الرجال.
فاتنة المرمر، التي تتربع في قلب مدينة سطيف، على أصفى منابع الماء، منذ عقود من الزمن، لا تزال شامخة بدون إعطاء أدنى اعتبار للمحبين، ولا للكارهين، تجلس في مكانها، قبالة المسجد العتيق، كأنها تتقصد بذلك إزعاج المصلين، وتتحدى المسجد بزوارها في كل يوم وفي كل وقت، ضاربة بعرض الحائط كل المقومات التاريخية والثقافية والدينية للمجتمع السطايفي، الذي بالرغم من كل ذلك، مجدها، وقرن إسمها باسم المدينة، لتصبح بذلك أكبر مستقطب للسواح بعاصمة الولاية، التي تستقبل بفضلها كل يوم، آلاف الأشخاص .
· روايات حول تاريخ عين الفوارة
لا أحد يجزم بمعرفة تاريخ عين الفوارة، ولا قصة المرأة الممثلة في التمثال، فكل يروي الحكاية على هواه، لتجتمع في الاخير على أنها منحوتة بكل اتقان على يد فرانسيس دو سانت فيدال، وكانت معروضة من قبل في متحف اللوفر الفرنسي قبل أن يتم نقلها إلى سطيف سنة 1898، وتقول أحد الروايات بأن التمثال كان لمحبوبة أحد الحكام الفرنسيين، والتي تزوجت من شخص آخر، فلم يكن يبد الحاكم الفرنسي إلا أن يطلب نحتها ووضعها على منبع الماء، تخليدا لحبه لها الذي سيبقى متدفقا الى الابد تماما كتدفق الماء. في حين تقول رواية اخرى بأن التمثال الذي كان معروضا في متحف اللوفر بفرنسا، وبمجرد أن لمحها الحاكم العسكري لسطيف آنذاك، اعجب بها أشد الاعجاب، فأهداه إياها النحات، ليتم وضعها بمنتصف مدينة سطيف، بعد رحلة عبر القطار من باريس إلى مرسيليا، ثم عبر الباخرة إلى ميناء سكيكدة، ليتم نقلها إلى سطيف في عربة محروسة تجرها الخيول في رحلة دامت أكثر من عشرة أيام، وكان في انتظارها وفود النبلاء الفرنسيين الذي أعجبوا باتقانها، ليقترحوا وضعها فوق منبع الماء. في حين تذكر الرواية الثالثة، أن الفوارة كانتتستقطب المئات من الناس الذين كانوا يتوقفون للاستراحة من أسفارهم بها، ويتوضؤون من المنبع ليقيموا صلواتهم، وهو المنظر الذي أزعج الحاكم الفرنسي لسطيف، الذي حاول بشتى الطرق ابعادهم عن المنبع، إلا أنهم كانوا يعودون ويتوضؤون في كل مرة، وهو ما جعله يطلب من فرانسيس دو سانت فيدال أن ينحت له تمثالا لامرأة عارية، حتى يضعه فوق المنبع، ليخدش حياء المصلين بها ويبعدهم عن أداء صلاتهم.
· المتشددون يفجرون تمثال المرأة الفاسقة في التسعينات.
منذ وضعها سنة 1898 وإلى حد الآن، لا يزال المتدينون والكثير من الناس ينظرون إلى التمثال على أنه وصمة عار في المجتمع السطايفي، حيث كانوا يحاولون في كثير من الأحيان تغطيتها لدرء مفاتنها عن العالم، وحتى يزول الأذى عن المارة بقربها، لا سيما النساء، إلا أن كل عملية تغطية منهم، كانت تقابلها عملية تعرية من مجهولين، إلى أن تم تفجيرها منتصف التسعينيات على يد الجماعات المسلحة، والتي كان تمثال -المرأة الفاسقة- هدفا لهم منذ بداياتهم الأولى، ليعاد بعثها مجددا بزمن قياسي لم يتعد 24 ساعة، وإحاطتها بحراس ومراقبين ليضمنوا سلامتها مستقبلا.
· عين الفوارة ملهمة الشعراء والمغنين
عين الفوارة، مزار العابرين، ومروية العاطشين، لا تزال تلهم في كل مرة كل من زارها من شعراء وفنانين ومغنين، كيف لا، وهي التي تغنى بها، وبنقاوة مياهها شعراء محليون وعرب، على غرار الشاعر العراقي محمود رزاق الحكيم، في إحدى قصائده، و التي قال فيها:
أيها السائرون في موكب النور هلموا إلى الهضاب العوالي
كل من زار مورد النبع فيها شرب الماء صافيا كالزلال
عين فوارة أسكبي من حواليكوفيضي فالضامؤون توال
قد قصدناك ننشد الحب يا عين فجودي بنضرة وسؤال
إضافة إلى العديد من المغنين المحليين على غرار المرحوم سمير السطايفي، الذي لطالما تغنى بها في مختلف المناسبات المحلية والعالمية، و بعض الشعراء الجزائريين، الذين أبوا إلا أن يتغنوا بما لقوه من جمال مدينة سطيف و سحر عين الفوارة كالشاعر الصادق غربي، الذي قال:
يا زاير سطيف قدم تحية وأهلا بيك اليوم في بلاد الهضاب
أتقدم وأرواح زاير بالنية وعامر لحرار للضيف أحباب
عين الفوارة والقطرة الحية تروي العطشان واللي جاها ما غاب
· النساء وطقوس التبرك بعين الفوارة
عين الفوارة التي تتوسط المدينة كعروس، أصبحت جزءا لا يتجزء منها، وأصبحت العديد من النساء بالمنطقة يتبركن بها على انها رمز للحياة المستمرة والخير الدائم المتدفق، اذا تزرنها بين الفينة والأخرى لتنلن تبريكات الحسناء الحجرية، وتقوم كل واحدة بطقوسها الخاصة، فمنهن من تقوم بإغتراف شربة ماء بعد غسل يديها ثلاث ملات ومسح وجهها بالماء، ومنهن من تقوم بالطواف حول المكان وتبخيره بأنواع البخور والعطور، لتغادر المكان بعد أن تملا حاجتها من مياه المنبع، حيث تقول احدى السيدات اللائي كن يمارسن طقوس التبرك بأنها تؤمن بأن المكان الذي وضع عليه التمثال هو مكان خير دائم وبركة باعتبار ان ينبوع الماء موجود منذ قديم الزمان ولم ينضب رغم مرور السنين، وهو ما يجعلها تأتي دوما للتبرك بالمكان، عل الخيرات تتدفق عليها كما يتدفق الماء. في حين تقول اخرى بأن عين الفوارة اصبحت جزء من سطيف، بحيث لا يمكن تخيل سطيف بدون تخيل عين الفوارة، وتضيف بانها تقوم بزيارتها دوريا، وكلما سنحت لها الفرصة، ذلك انها تستمتع بشرب مياه المنبع التي تتميز بذوقها عن مياه باقي المنابع، فماؤها فيه حلاوة، ومنظرها الجميل بين الاشجار يزيدها حلاوة.
· والمزيد من الخزعبلات مع الراغبات في الزواج
هذا وتقوم بعض الفتيات اللائي لم يحالفهن الحظ في الارتباط وايجاد شريك العمر، بالتوجه نحو عين الفوارة للحصول على بعض الحظ بدورهن، اذ تقمن في طقوس غريبة، بوضع خضاب الحناء المخلوطة بالسكر تحت المنابع الأربعة، ولا تغادرن حتى يذوب الخليط ويذهب مع الماء، أملا في الحصول على عريس قد شرب من أحد تلك المنابع، خاصة وأن العشرات من الشباب و من مختلف الولايات، يقومون يوميا بالتوجه نحو عين الفوارة، و الأكيد أنهم سيشربون من أحد تلك المنابع، وربما "يتحرك الزهر" على حد قول إحداهن، في حين أخبرتنا احدى السيدات انها تزور عين الفوارة تقريبا يوميا، ذلك أنها كانت في يوم من الأيام سببا في تعرفها بشاب كان في الجوار، والذي أصبح الآن زوجا لها، و تسترسل قائلة أنها لو لم تقترب لشرب القليل من الماء من عين الفوارة، لما إلتقت بشريك حياتها أبدا.
· المرأة التي يركع لأجلها الرجال
تلك المرأة الرخامية الحسناء، ذات القوام الرشيق، وخصلات الشعر المترامية على أطراف كتفيها، الجالسة منذ عقود في ذات المكان، بملامحها الغامضة غموض بسمة الموناليزا، تجعل كل من يزورها، سواء كانوا رجالا أو نساء، كبارا أو صغارا، ينحنونأمامها بطيبة نفس، لينالوا رشفة من ينبوعها الذي تحرسه منذ الأزل.ليتنافس الطامعون في أخذ الصور معها، على تسلق الرخام ليطالوا قامة الحسناء التي ترتفع لاجلها العيون، و تشرئب لها الأعناق، فضلا عن تحمل الكثيرين لمشاق السفر والترحال، فقط ليحضوا بشرف لقائها، لتكون جميلة سطيف المرأة الوحيدة التي ركع لأجلها العامل البسيط، والتاجر، الموظف، والمدير، وحتى رئيس الدولة، والوزير.
· خطوبة عين الفوارة تلغى في أخر دقيقة
في سابقة طريفة، وفريدة من نوعها، حصلت منذ سنوات بسطيف، قامت مجموعة من الشباب من مدينة العلمة المجاورة، بالتقدم لخطبة تمثال عين الفوارة، لتمثال الأمير عبد القادر، الذي يتوسط مدينة العلمة على صهوة حصانه، ليقبل شباب سطيف البادرة الطيبة، خوفا على الفتاة التي أصبحت تشكوا من الوحدة و العنوسة، كونها تقبع في نفس المكان منذ مدة طويلة، إضافة إلى أنها لن تجد عريسا أفضل من الأمير، لتحدث المفاجأة بعدما تم إبطال الخطبة في اللحظات الأخيرة، بعدما رفض أهل العروس أن ترتدي ابنتهم لباسا بألوان فريق مولودية العلمة. لتبقى حسناء سطيف تنتظر أميرا آخر يتقدم لها ، و يرضى بها كما هي.
· سهرات بنكهة شرقية في حضرة السيدة الرخامية
السهرات الصيفية أمام عين الفوارة لها طعم آخر، حيث تبعث الحياة كل ليلة في شارع الإستقلال، فاختلاط أصوات المارة والباعة، بصوت تدفق المياه، والروائح المختلفة المنبعثة من المقاهي ليلا،والأغاني التقليدية التي تصدح كل مساء، تضفي في اندماج رائع، نكهة شرقية على المكان الذي يعج بالناس، بمجرد انتهاء صلاة العشاء، وما يزيد من جمال المنطقة، هو وجود الباعة المتنقلين، فلا شيء يغيب هناك، شاي صحراوي ومكسرات، وقهوة طازجة ومثلجات، وحتى المجسمات الصغيرة، و الأكسسوارات للزوار في حال ما إن أرادوا تذكارا من السيدة الرخامية، التي أصبحت أكبر مستقطب للسواح بالمدينة، ولا أحد لحد الآن يدرك ما السر الذي يجعل الناس يختارون السهر في حضرتها، ولا الذي يجعل الزوار يقطعون مئات الكيلومترات، فقط لأجل التقاط صورة معها.
· العرس السطايفي ومياه الفوارة
بعض العائلات بمدينة سطيف، تصر على جعل عين الفوارة جزءا من تقاليد أفراحهم، و ذلك من خلال اصطحاب العريس ليلة الحناء، وقبل التوجه لبيت عروسه، إلى المنبع ليغترف منه بيديه، طلبا للحظ والخير الوفير، ليقوم أصدقاؤه بركن سياراتهم بشكل عشوائي بالمنطقة، ورفع أصوات الغناء، فيرقصون جميعا، ويغنون للعريس الذي يقضي آخر يوم له كعازب. لتتكرر الزيارة مجددا يوم اصطحاب العروس، حيث يتم توقيف الموكب بالقرب من عين الفوارة، ليقوم العريس باحضار بعض الماء ليقدمه بيديه لعروسه، متمنيا أن تكون حياتهما الجديدة سعيدة ومليئة بالخيرات والأفراح.
· و لتتويجات الوفاق نصيب...
كل أفراح المدينة لا بد أن تمر على عين الفوارة، خاصة ما تعلق بالرياضة والفريق المحلي السطايفي، الذي جعل ساحة الاستقلال محطة لمشاركة أفراح فوزه وتتويجاته مع الأنصار ومع جالبة الحظ، خاصة وأن أحد العادات التي ترسخت عند تتويج الوفاق، هو وضع الكأس تحت أحد منابع الماء وملئه ليشرب منه اللاعبون تباعا، ويتبركوا به بدورهم، حتى يعود مجددا إلى المدينة وتنحصر الأفراح المستقبلية على النسر الأسود.
· أسطورة المياه المباركة والشارب منها يعود
توجد العديد من الأساطير حول المنبع المائي الموجود تحت التمثال، حيث تقول أشهر اسطورة بالمنطقة، بأن الشارب من مياه عين الفوارة، لا بد له أن يعود مجددا إليها ولو بعد حين، ورغم أن هذه الكلمات المتداولة بكثرة بسطيف، ماهي سوى دعايات سياحية لا أكثر، إلا أن الكثيرين ممن قابلناهم، كانوا مصدقين بذلك لدرجة الإيمان، في حين يجمع البعض الأخر، لاسيما النساء المسنات، بأن مياه النبع مباركة، ذلك أنها موجودة منذ الأزل، وتتفجر من أعماق الأرض، فهي طبيعية ونقية جدا، وليس هناك ما يلوثها، بدليل طعمها العذب والحلو الذي لم يتغير منذ زمن بعيد.
· عين الفوارة تتعدى على حرمة المسجد العتيق وتزعج المصلين
رغم أن تمثال عين الفوارة، أصبح جزءا من المدينة، إلا أنها لا تلاقي استحسان الجميع سواء من سكان سطيف، أو من الزوار لها، فالكثير من الأشخاص، وخاصة النساء، يستاؤون من منظرها الجريء، خاصة و أنها تجلس بتحد مقابلةللمسجد العتيق الذي يستقطب معظم مصلي المدينة،الذين يجدون أنفسهم مجبرين على المرور أمامها كونها تتوسط الطريق، ليحاولوا تجاهل هذا المنكر العلني في كل مرة، وفي هذا الصدد يقول أحد المصلين الذين قابلناهم بالمسجد السابق أن الدين الاسلامي يحرم تشكيل ذوات الروح، فما بالك بتشكيل آدمي كامل وعار، مع التركيز على ابزار معالم جسده للجميع، و الأخطر من ذلك، هو جعله مقابلا لأكبر مسجد في المدينة، فهذا تعد صارخ على حرمة بيت الله، وتعد على حرمة المجتمع السطايفي المحافظ، ليضيف آخر بأنه يرى بأن تمثال عين الفوارة، هو أكبر المنكرات في المدينة، وبأنها لا ترمز للمرأة السطايفية كما يشاع عنها، فهذه الأخيرةامرأة مح**** ومحافظة وذات حياء، أما التمثال العاري فلا يرمز إلا لنفسه ولصانعه الذي تعمد نحتها عارية،ليتمنى أن يتم تهديمها مرة أخرى حتى يتخلصوا منها ومن الحرج الذي تسببه لهم كل مرة.
ورغم تباين الروايات والقصص حول تاريخ عين الفوارة، إلا أن الأكيد من كل ذلك، هو أن فرنسا لم تضع ذلك التمثال عبثا، فلا الموقع الذي أختير لوضعه، ولا الشكل الذي نحتت عليه قطعة المرمر، كان اعتباطا، كون تركيب تمثال لأمراة عارية مقابلا لمسجد فيه الكثير من النوايا السيئة، لعل أهمها هو خدش حياء الناس، والتعدي على حرمة الدين الإسلامي، وطمس جميع معالمه، وهو ما نجحت فيه، و لا تزال، بعدما أصبحت تسمية التمثال مقترنة بتسمية المدينة، وبعدما أصبح الناس يفضلون الذهاب إليها، على الذهاب الى المسجد الذي لا يبعد عنها سوى بضعة أمتار.
روبرتاج/ شيماء بوقري
فاتنة المرمر، التي تتربع في قلب مدينة سطيف، على أصفى منابع الماء، منذ عقود من الزمن، لا تزال شامخة بدون إعطاء أدنى اعتبار للمحبين، ولا للكارهين، تجلس في مكانها، قبالة المسجد العتيق، كأنها تتقصد بذلك إزعاج المصلين، وتتحدى المسجد بزوارها في كل يوم وفي كل وقت، ضاربة بعرض الحائط كل المقومات التاريخية والثقافية والدينية للمجتمع السطايفي، الذي بالرغم من كل ذلك، مجدها، وقرن إسمها باسم المدينة، لتصبح بذلك أكبر مستقطب للسواح بعاصمة الولاية، التي تستقبل بفضلها كل يوم، آلاف الأشخاص .
· روايات حول تاريخ عين الفوارة
لا أحد يجزم بمعرفة تاريخ عين الفوارة، ولا قصة المرأة الممثلة في التمثال، فكل يروي الحكاية على هواه، لتجتمع في الاخير على أنها منحوتة بكل اتقان على يد فرانسيس دو سانت فيدال، وكانت معروضة من قبل في متحف اللوفر الفرنسي قبل أن يتم نقلها إلى سطيف سنة 1898، وتقول أحد الروايات بأن التمثال كان لمحبوبة أحد الحكام الفرنسيين، والتي تزوجت من شخص آخر، فلم يكن يبد الحاكم الفرنسي إلا أن يطلب نحتها ووضعها على منبع الماء، تخليدا لحبه لها الذي سيبقى متدفقا الى الابد تماما كتدفق الماء. في حين تقول رواية اخرى بأن التمثال الذي كان معروضا في متحف اللوفر بفرنسا، وبمجرد أن لمحها الحاكم العسكري لسطيف آنذاك، اعجب بها أشد الاعجاب، فأهداه إياها النحات، ليتم وضعها بمنتصف مدينة سطيف، بعد رحلة عبر القطار من باريس إلى مرسيليا، ثم عبر الباخرة إلى ميناء سكيكدة، ليتم نقلها إلى سطيف في عربة محروسة تجرها الخيول في رحلة دامت أكثر من عشرة أيام، وكان في انتظارها وفود النبلاء الفرنسيين الذي أعجبوا باتقانها، ليقترحوا وضعها فوق منبع الماء. في حين تذكر الرواية الثالثة، أن الفوارة كانتتستقطب المئات من الناس الذين كانوا يتوقفون للاستراحة من أسفارهم بها، ويتوضؤون من المنبع ليقيموا صلواتهم، وهو المنظر الذي أزعج الحاكم الفرنسي لسطيف، الذي حاول بشتى الطرق ابعادهم عن المنبع، إلا أنهم كانوا يعودون ويتوضؤون في كل مرة، وهو ما جعله يطلب من فرانسيس دو سانت فيدال أن ينحت له تمثالا لامرأة عارية، حتى يضعه فوق المنبع، ليخدش حياء المصلين بها ويبعدهم عن أداء صلاتهم.
· المتشددون يفجرون تمثال المرأة الفاسقة في التسعينات.
منذ وضعها سنة 1898 وإلى حد الآن، لا يزال المتدينون والكثير من الناس ينظرون إلى التمثال على أنه وصمة عار في المجتمع السطايفي، حيث كانوا يحاولون في كثير من الأحيان تغطيتها لدرء مفاتنها عن العالم، وحتى يزول الأذى عن المارة بقربها، لا سيما النساء، إلا أن كل عملية تغطية منهم، كانت تقابلها عملية تعرية من مجهولين، إلى أن تم تفجيرها منتصف التسعينيات على يد الجماعات المسلحة، والتي كان تمثال -المرأة الفاسقة- هدفا لهم منذ بداياتهم الأولى، ليعاد بعثها مجددا بزمن قياسي لم يتعد 24 ساعة، وإحاطتها بحراس ومراقبين ليضمنوا سلامتها مستقبلا.
· عين الفوارة ملهمة الشعراء والمغنين
عين الفوارة، مزار العابرين، ومروية العاطشين، لا تزال تلهم في كل مرة كل من زارها من شعراء وفنانين ومغنين، كيف لا، وهي التي تغنى بها، وبنقاوة مياهها شعراء محليون وعرب، على غرار الشاعر العراقي محمود رزاق الحكيم، في إحدى قصائده، و التي قال فيها:
أيها السائرون في موكب النور هلموا إلى الهضاب العوالي
كل من زار مورد النبع فيها شرب الماء صافيا كالزلال
عين فوارة أسكبي من حواليكوفيضي فالضامؤون توال
قد قصدناك ننشد الحب يا عين فجودي بنضرة وسؤال
إضافة إلى العديد من المغنين المحليين على غرار المرحوم سمير السطايفي، الذي لطالما تغنى بها في مختلف المناسبات المحلية والعالمية، و بعض الشعراء الجزائريين، الذين أبوا إلا أن يتغنوا بما لقوه من جمال مدينة سطيف و سحر عين الفوارة كالشاعر الصادق غربي، الذي قال:
يا زاير سطيف قدم تحية وأهلا بيك اليوم في بلاد الهضاب
أتقدم وأرواح زاير بالنية وعامر لحرار للضيف أحباب
عين الفوارة والقطرة الحية تروي العطشان واللي جاها ما غاب
· النساء وطقوس التبرك بعين الفوارة
عين الفوارة التي تتوسط المدينة كعروس، أصبحت جزءا لا يتجزء منها، وأصبحت العديد من النساء بالمنطقة يتبركن بها على انها رمز للحياة المستمرة والخير الدائم المتدفق، اذا تزرنها بين الفينة والأخرى لتنلن تبريكات الحسناء الحجرية، وتقوم كل واحدة بطقوسها الخاصة، فمنهن من تقوم بإغتراف شربة ماء بعد غسل يديها ثلاث ملات ومسح وجهها بالماء، ومنهن من تقوم بالطواف حول المكان وتبخيره بأنواع البخور والعطور، لتغادر المكان بعد أن تملا حاجتها من مياه المنبع، حيث تقول احدى السيدات اللائي كن يمارسن طقوس التبرك بأنها تؤمن بأن المكان الذي وضع عليه التمثال هو مكان خير دائم وبركة باعتبار ان ينبوع الماء موجود منذ قديم الزمان ولم ينضب رغم مرور السنين، وهو ما يجعلها تأتي دوما للتبرك بالمكان، عل الخيرات تتدفق عليها كما يتدفق الماء. في حين تقول اخرى بأن عين الفوارة اصبحت جزء من سطيف، بحيث لا يمكن تخيل سطيف بدون تخيل عين الفوارة، وتضيف بانها تقوم بزيارتها دوريا، وكلما سنحت لها الفرصة، ذلك انها تستمتع بشرب مياه المنبع التي تتميز بذوقها عن مياه باقي المنابع، فماؤها فيه حلاوة، ومنظرها الجميل بين الاشجار يزيدها حلاوة.
· والمزيد من الخزعبلات مع الراغبات في الزواج
هذا وتقوم بعض الفتيات اللائي لم يحالفهن الحظ في الارتباط وايجاد شريك العمر، بالتوجه نحو عين الفوارة للحصول على بعض الحظ بدورهن، اذ تقمن في طقوس غريبة، بوضع خضاب الحناء المخلوطة بالسكر تحت المنابع الأربعة، ولا تغادرن حتى يذوب الخليط ويذهب مع الماء، أملا في الحصول على عريس قد شرب من أحد تلك المنابع، خاصة وأن العشرات من الشباب و من مختلف الولايات، يقومون يوميا بالتوجه نحو عين الفوارة، و الأكيد أنهم سيشربون من أحد تلك المنابع، وربما "يتحرك الزهر" على حد قول إحداهن، في حين أخبرتنا احدى السيدات انها تزور عين الفوارة تقريبا يوميا، ذلك أنها كانت في يوم من الأيام سببا في تعرفها بشاب كان في الجوار، والذي أصبح الآن زوجا لها، و تسترسل قائلة أنها لو لم تقترب لشرب القليل من الماء من عين الفوارة، لما إلتقت بشريك حياتها أبدا.
· المرأة التي يركع لأجلها الرجال
تلك المرأة الرخامية الحسناء، ذات القوام الرشيق، وخصلات الشعر المترامية على أطراف كتفيها، الجالسة منذ عقود في ذات المكان، بملامحها الغامضة غموض بسمة الموناليزا، تجعل كل من يزورها، سواء كانوا رجالا أو نساء، كبارا أو صغارا، ينحنونأمامها بطيبة نفس، لينالوا رشفة من ينبوعها الذي تحرسه منذ الأزل.ليتنافس الطامعون في أخذ الصور معها، على تسلق الرخام ليطالوا قامة الحسناء التي ترتفع لاجلها العيون، و تشرئب لها الأعناق، فضلا عن تحمل الكثيرين لمشاق السفر والترحال، فقط ليحضوا بشرف لقائها، لتكون جميلة سطيف المرأة الوحيدة التي ركع لأجلها العامل البسيط، والتاجر، الموظف، والمدير، وحتى رئيس الدولة، والوزير.
· خطوبة عين الفوارة تلغى في أخر دقيقة
في سابقة طريفة، وفريدة من نوعها، حصلت منذ سنوات بسطيف، قامت مجموعة من الشباب من مدينة العلمة المجاورة، بالتقدم لخطبة تمثال عين الفوارة، لتمثال الأمير عبد القادر، الذي يتوسط مدينة العلمة على صهوة حصانه، ليقبل شباب سطيف البادرة الطيبة، خوفا على الفتاة التي أصبحت تشكوا من الوحدة و العنوسة، كونها تقبع في نفس المكان منذ مدة طويلة، إضافة إلى أنها لن تجد عريسا أفضل من الأمير، لتحدث المفاجأة بعدما تم إبطال الخطبة في اللحظات الأخيرة، بعدما رفض أهل العروس أن ترتدي ابنتهم لباسا بألوان فريق مولودية العلمة. لتبقى حسناء سطيف تنتظر أميرا آخر يتقدم لها ، و يرضى بها كما هي.
· سهرات بنكهة شرقية في حضرة السيدة الرخامية
السهرات الصيفية أمام عين الفوارة لها طعم آخر، حيث تبعث الحياة كل ليلة في شارع الإستقلال، فاختلاط أصوات المارة والباعة، بصوت تدفق المياه، والروائح المختلفة المنبعثة من المقاهي ليلا،والأغاني التقليدية التي تصدح كل مساء، تضفي في اندماج رائع، نكهة شرقية على المكان الذي يعج بالناس، بمجرد انتهاء صلاة العشاء، وما يزيد من جمال المنطقة، هو وجود الباعة المتنقلين، فلا شيء يغيب هناك، شاي صحراوي ومكسرات، وقهوة طازجة ومثلجات، وحتى المجسمات الصغيرة، و الأكسسوارات للزوار في حال ما إن أرادوا تذكارا من السيدة الرخامية، التي أصبحت أكبر مستقطب للسواح بالمدينة، ولا أحد لحد الآن يدرك ما السر الذي يجعل الناس يختارون السهر في حضرتها، ولا الذي يجعل الزوار يقطعون مئات الكيلومترات، فقط لأجل التقاط صورة معها.
· العرس السطايفي ومياه الفوارة
بعض العائلات بمدينة سطيف، تصر على جعل عين الفوارة جزءا من تقاليد أفراحهم، و ذلك من خلال اصطحاب العريس ليلة الحناء، وقبل التوجه لبيت عروسه، إلى المنبع ليغترف منه بيديه، طلبا للحظ والخير الوفير، ليقوم أصدقاؤه بركن سياراتهم بشكل عشوائي بالمنطقة، ورفع أصوات الغناء، فيرقصون جميعا، ويغنون للعريس الذي يقضي آخر يوم له كعازب. لتتكرر الزيارة مجددا يوم اصطحاب العروس، حيث يتم توقيف الموكب بالقرب من عين الفوارة، ليقوم العريس باحضار بعض الماء ليقدمه بيديه لعروسه، متمنيا أن تكون حياتهما الجديدة سعيدة ومليئة بالخيرات والأفراح.
· و لتتويجات الوفاق نصيب...
كل أفراح المدينة لا بد أن تمر على عين الفوارة، خاصة ما تعلق بالرياضة والفريق المحلي السطايفي، الذي جعل ساحة الاستقلال محطة لمشاركة أفراح فوزه وتتويجاته مع الأنصار ومع جالبة الحظ، خاصة وأن أحد العادات التي ترسخت عند تتويج الوفاق، هو وضع الكأس تحت أحد منابع الماء وملئه ليشرب منه اللاعبون تباعا، ويتبركوا به بدورهم، حتى يعود مجددا إلى المدينة وتنحصر الأفراح المستقبلية على النسر الأسود.
· أسطورة المياه المباركة والشارب منها يعود
توجد العديد من الأساطير حول المنبع المائي الموجود تحت التمثال، حيث تقول أشهر اسطورة بالمنطقة، بأن الشارب من مياه عين الفوارة، لا بد له أن يعود مجددا إليها ولو بعد حين، ورغم أن هذه الكلمات المتداولة بكثرة بسطيف، ماهي سوى دعايات سياحية لا أكثر، إلا أن الكثيرين ممن قابلناهم، كانوا مصدقين بذلك لدرجة الإيمان، في حين يجمع البعض الأخر، لاسيما النساء المسنات، بأن مياه النبع مباركة، ذلك أنها موجودة منذ الأزل، وتتفجر من أعماق الأرض، فهي طبيعية ونقية جدا، وليس هناك ما يلوثها، بدليل طعمها العذب والحلو الذي لم يتغير منذ زمن بعيد.
· عين الفوارة تتعدى على حرمة المسجد العتيق وتزعج المصلين
رغم أن تمثال عين الفوارة، أصبح جزءا من المدينة، إلا أنها لا تلاقي استحسان الجميع سواء من سكان سطيف، أو من الزوار لها، فالكثير من الأشخاص، وخاصة النساء، يستاؤون من منظرها الجريء، خاصة و أنها تجلس بتحد مقابلةللمسجد العتيق الذي يستقطب معظم مصلي المدينة،الذين يجدون أنفسهم مجبرين على المرور أمامها كونها تتوسط الطريق، ليحاولوا تجاهل هذا المنكر العلني في كل مرة، وفي هذا الصدد يقول أحد المصلين الذين قابلناهم بالمسجد السابق أن الدين الاسلامي يحرم تشكيل ذوات الروح، فما بالك بتشكيل آدمي كامل وعار، مع التركيز على ابزار معالم جسده للجميع، و الأخطر من ذلك، هو جعله مقابلا لأكبر مسجد في المدينة، فهذا تعد صارخ على حرمة بيت الله، وتعد على حرمة المجتمع السطايفي المحافظ، ليضيف آخر بأنه يرى بأن تمثال عين الفوارة، هو أكبر المنكرات في المدينة، وبأنها لا ترمز للمرأة السطايفية كما يشاع عنها، فهذه الأخيرةامرأة مح**** ومحافظة وذات حياء، أما التمثال العاري فلا يرمز إلا لنفسه ولصانعه الذي تعمد نحتها عارية،ليتمنى أن يتم تهديمها مرة أخرى حتى يتخلصوا منها ومن الحرج الذي تسببه لهم كل مرة.
ورغم تباين الروايات والقصص حول تاريخ عين الفوارة، إلا أن الأكيد من كل ذلك، هو أن فرنسا لم تضع ذلك التمثال عبثا، فلا الموقع الذي أختير لوضعه، ولا الشكل الذي نحتت عليه قطعة المرمر، كان اعتباطا، كون تركيب تمثال لأمراة عارية مقابلا لمسجد فيه الكثير من النوايا السيئة، لعل أهمها هو خدش حياء الناس، والتعدي على حرمة الدين الإسلامي، وطمس جميع معالمه، وهو ما نجحت فيه، و لا تزال، بعدما أصبحت تسمية التمثال مقترنة بتسمية المدينة، وبعدما أصبح الناس يفضلون الذهاب إليها، على الذهاب الى المسجد الذي لا يبعد عنها سوى بضعة أمتار.
روبرتاج/ شيماء بوقري