- "وفرعون ذي الأوتاد"
- عذاب آسية وماشطة بنت فرعون
سمي بذلك لأنه كان يعذب الناس بالأوتاد. عن ابن عباس: أن فرعون إنما سمي ذي الأوتاد لأنه كانت امرأة، وهي امرأة خازن فرعون حزبيل، وكان مؤمناً كتم إيمانه مائة سنة، وكانت امرأته ماشطة بنت فرعون، فبينما هي ذات يوم تمشط رأس بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها، فقال: تعس من كفر بالله، فقالت بنت فرعون: وهل لك من إله غير أبي؟ فقالت: إلهي وإله أبيك وإله السموات والأرض واحد لا شريك له، فقامت فدخلت على أبيها وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: الماشطة امرأة خازنك تزعم أن إلهك وإلهها وإله السموات والأرض واحد لا شريك له. فأرسل إليها فسألها عن ذلك، فقالت: صدقت، فقال لها: ويحك اكفري بإلهك وأقري بأني إلهك، قالت: لا أفعل فمدها بين أربعة أوتاد، ثم أرسل عليها الحيات والعقارب، وقال لها: اكفري بإلهك وإلا عذبتك بهذا العذاب شهرين، فقالت له: ولو عذبتني سبعين شهراً ما كفرت بالله. وكان لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على قرب منها. وقال لها: اكفري بالله وإلا ذبحت الصغرى على قلبك، وكانت رضيعاً، فقالت: لو ذبحت من على وجه الأرض على في ما كفرت بالله عز وجل، فأتى بابنتها الصغرى فلما اضجعت على صدرها وأرادوا ذبحها جزعت المرأة، فأطلق الله لسان ابنتها فتكلمت، وهي من الأربعة الذين تكلموا أطفالاً، وقالت: يا أماه لا تجزعي فإن الله قد بنى لك بيتاً في الجنة. اصبري فإنك تفضين إلى رحمة الله وكرامته، فذبحت فلم تلبث أن ماتت فأسكنها الله في الجنة، قال: وبعث في طلب زوجها حزبيل فلم يقدروا عليه، فقيل لفرعون: إنه قد رئي في موضع كذا وكذا في جبل كذا، فبعث رجلين في طلبه فانتهيا إليه وهو يصلي ويليه صفوف من الوحوش خلفه يصلون، فلما رأيا ذلك انصرفا، فقال حزبيل: اللهم إنك تعلم أني كتمت إيماني مائة سنة، ولم يظهر علي أحد، فأيما هذين الرجلين كتم علي فاهده إلى دينك وأعطه من الدنيا سؤله، وأيما هذين الرجلين أظهر علي فعجل عقوبته في الدنيا واجعل مصيره في الآخرة إلى النار، فانصرف الرجلان إلى فرعون فأما أحدهما فاعتبر وآمن، وأما الآخر فأخبر فرعون بالقصة على رؤوس الملأ، فقال له فرعون: وهل كان معك غيرك؟ قال: نعم فلان، فدعا به فقالك أحق ما يقول هذا؟ قال: لا، ما رأيت مما قال شيئاً فأعطاه فرعون وأجزل، وأما الآخر فقتله، ثم صلبه. قال: وكان فرعون قد تزوج امرأة من نساء بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم فرأت ما صنع فرعون بالماشطة، فقالت: وكيف يسعني أن أصبر على ما يأتي به فرعون، وأنا مسلمة وهو كافر؟ فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريباً منها، فقالت: يا فرعون أنت شر الخلق وأخبثهم عمدت إلى الماشطة فقتلتها، قال: فلعل بك الجنون الذي كان بها قالت ما بي من جنون، وإن إلهي وإلهها وإلهك /وإله السموات والأرض واحد لا شريك له، فمزق عليها ثيابها وضربها وأرسل إلى أبويها فدعاهما، فقال لهما: ألا تريان أن الجنون الذي كان بالماشطة أصابها؟ قالت: أعوذ بالله من ذلك، إني أشهد أن ربي وربك ورب السموات والأرض واحد لا شريك له، فقال لها أبوها: يا آسية من خير نساء العماليق وزوجك إله العماليق؟ قالت أعوذ بالله من ذلك، إن كان ما يقول حقاً فقولا له أن يتوجني تاجاً تكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله، فقال لهما فرعون: اخرجا عني، فمدها بين أربعة أوتاد يعذبها، ففتح الله لها باباً إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون، فعند ذلك قالت: "رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله، ونجني من القوم الظالمين" (التحريم- 11)، فقبض الله روحها وأسكنها الجنة.
..........................
المرجع: كتاب التفسير : معالم التنزيل
المؤلف : محيي السنة ، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي (المتوفى : 510هـ)
- عذاب آسية وماشطة بنت فرعون
سمي بذلك لأنه كان يعذب الناس بالأوتاد. عن ابن عباس: أن فرعون إنما سمي ذي الأوتاد لأنه كانت امرأة، وهي امرأة خازن فرعون حزبيل، وكان مؤمناً كتم إيمانه مائة سنة، وكانت امرأته ماشطة بنت فرعون، فبينما هي ذات يوم تمشط رأس بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها، فقال: تعس من كفر بالله، فقالت بنت فرعون: وهل لك من إله غير أبي؟ فقالت: إلهي وإله أبيك وإله السموات والأرض واحد لا شريك له، فقامت فدخلت على أبيها وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: الماشطة امرأة خازنك تزعم أن إلهك وإلهها وإله السموات والأرض واحد لا شريك له. فأرسل إليها فسألها عن ذلك، فقالت: صدقت، فقال لها: ويحك اكفري بإلهك وأقري بأني إلهك، قالت: لا أفعل فمدها بين أربعة أوتاد، ثم أرسل عليها الحيات والعقارب، وقال لها: اكفري بإلهك وإلا عذبتك بهذا العذاب شهرين، فقالت له: ولو عذبتني سبعين شهراً ما كفرت بالله. وكان لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على قرب منها. وقال لها: اكفري بالله وإلا ذبحت الصغرى على قلبك، وكانت رضيعاً، فقالت: لو ذبحت من على وجه الأرض على في ما كفرت بالله عز وجل، فأتى بابنتها الصغرى فلما اضجعت على صدرها وأرادوا ذبحها جزعت المرأة، فأطلق الله لسان ابنتها فتكلمت، وهي من الأربعة الذين تكلموا أطفالاً، وقالت: يا أماه لا تجزعي فإن الله قد بنى لك بيتاً في الجنة. اصبري فإنك تفضين إلى رحمة الله وكرامته، فذبحت فلم تلبث أن ماتت فأسكنها الله في الجنة، قال: وبعث في طلب زوجها حزبيل فلم يقدروا عليه، فقيل لفرعون: إنه قد رئي في موضع كذا وكذا في جبل كذا، فبعث رجلين في طلبه فانتهيا إليه وهو يصلي ويليه صفوف من الوحوش خلفه يصلون، فلما رأيا ذلك انصرفا، فقال حزبيل: اللهم إنك تعلم أني كتمت إيماني مائة سنة، ولم يظهر علي أحد، فأيما هذين الرجلين كتم علي فاهده إلى دينك وأعطه من الدنيا سؤله، وأيما هذين الرجلين أظهر علي فعجل عقوبته في الدنيا واجعل مصيره في الآخرة إلى النار، فانصرف الرجلان إلى فرعون فأما أحدهما فاعتبر وآمن، وأما الآخر فأخبر فرعون بالقصة على رؤوس الملأ، فقال له فرعون: وهل كان معك غيرك؟ قال: نعم فلان، فدعا به فقالك أحق ما يقول هذا؟ قال: لا، ما رأيت مما قال شيئاً فأعطاه فرعون وأجزل، وأما الآخر فقتله، ثم صلبه. قال: وكان فرعون قد تزوج امرأة من نساء بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم فرأت ما صنع فرعون بالماشطة، فقالت: وكيف يسعني أن أصبر على ما يأتي به فرعون، وأنا مسلمة وهو كافر؟ فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريباً منها، فقالت: يا فرعون أنت شر الخلق وأخبثهم عمدت إلى الماشطة فقتلتها، قال: فلعل بك الجنون الذي كان بها قالت ما بي من جنون، وإن إلهي وإلهها وإلهك /وإله السموات والأرض واحد لا شريك له، فمزق عليها ثيابها وضربها وأرسل إلى أبويها فدعاهما، فقال لهما: ألا تريان أن الجنون الذي كان بالماشطة أصابها؟ قالت: أعوذ بالله من ذلك، إني أشهد أن ربي وربك ورب السموات والأرض واحد لا شريك له، فقال لها أبوها: يا آسية من خير نساء العماليق وزوجك إله العماليق؟ قالت أعوذ بالله من ذلك، إن كان ما يقول حقاً فقولا له أن يتوجني تاجاً تكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله، فقال لهما فرعون: اخرجا عني، فمدها بين أربعة أوتاد يعذبها، ففتح الله لها باباً إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون، فعند ذلك قالت: "رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله، ونجني من القوم الظالمين" (التحريم- 11)، فقبض الله روحها وأسكنها الجنة.
..........................
المرجع: كتاب التفسير : معالم التنزيل
المؤلف : محيي السنة ، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي (المتوفى : 510هـ)