:: أدب الهاتف النَّقَّال :: للشيخ عز الدين رمضاني حفظه الله

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,286
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
بسم الله الرحمن الرحيم
و السلام عليكم ورحمة الله وبركته


:: أدب الهاتف النَّقَّال ::

لا يخفى على ذي عقل ما وصل إليه النَّاس اليوم من سرعة التَّواصل والتَّخاطب والتَّحاور فيما بينهم، وكأنَّهم في قرية واحدة لا يمنعهم من ذلك طول المسافات وتنائي الأقطار، ولا اختلاف اللَّيل والنَّهار، فسبحان من سخَّر لعباده هذه النِّعم: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)﴾ [النور].

ومن الوسائل المحقِّقة لما ذُكِر: الاتِّصالات الحديثة من الشَّبكات العنكبوتيَّة والمواقع الالكترونيَّة والهواتف الثَّابتة والمنقولة، ومن أقوى وسائل الاتِّصال انتشارًا وذيوعًا «الهاتف الجوَّال» أو «النَّقال» أو «الهاتف المحمول»؛ لما تؤدِّيه هذه الآلة العجيبة من دور مهمٍّ في حياة النَّاس، إذ تعدُّ من أهمِّ وسائل الاتِّصال الشَّفويَّة وأسرعها، توفِّر على مستعمليها الجهد والوقت والمال، وتلبِّي المطلوب وترفع المشقَّة والحرج، بلا عَناءِ تنقُّل أو لقاء أو مكاتبة، وهذا من نِعَم الله على عباده الَّتي يجب شكرها والحفاظ عليها.

ومن شُكْرِها استخدامها فيما يُرضي الله ـ جلَّ وعلا ـ والحذر من استخدامها فيما يغضبه، ولا سبيل إلى الأمرين إلَّا بمعرفة الأحكام الفقهيَّة والسُّلوكيَّة لهذا الاستخدام والضَّوابط الشَّرعية المحدِّدة له.

وللتَّنبيه «فإنَّ آداب الهاتف الشَّرعيَّة مخرَّجة فقهًا من آداب الزِّيارة والاستئذان والكلام والحديث مع الآخرين في المقدار والزَّمان والمكان وجنس الكلام وصفته، وجميعُها معلومة أو في حكم المعلومة في نصوص الشَّرع المطهَّر، وجميعها أيضًا تأتي في قائمة الفضائل والمحاسن الَّتي دعا إليها الإسلام لبناء حياة المسلم على الفضل والفضيلة والأخلاق العالية الكريمة»([2]).

والهاتف فيه منافع جمَّة لو أُحسن استغلاله، وفي الخير يتمُّ إعمالُه، وقد سمَّاه العلَّامة بكر أبو زيد رحمه الله بالهاتف المنعش؛ لأنَّه هو الَّذي تصل فيه الرَّحم، لاسيما من قطعك([3])، وتسقي به شجرة الإخاء بينك وبين من تعرفه من المسلمين في التَّهاني الشَّرعيَّة والبشارة بالخير وقضاء حوائج الإخوان، وفي السَّلام على المريض والدُّعاء له والسُّؤال عن حاله بلا إملال([4])، وفي مواساة المصابين والتَّخفيف من الآلام والأحزان، والاتِّصال بأهل العلم والمفتين للاستفادة من فتوى أو توجيه، أو دفع شبهة ورفع إشكال، والتَّبليغ عن أهل الرَّيب والفساد للتَّضييق على عصابات الإجرام وسدِّ منافذ المجرمين، وما إلى ذلك ممَّا يدخل في حسن التَّعامل ونشر الإخاء والتَّوادد وحفظ العهود ورعاية الأمانات، وتنمية المصالح ودرء المفاسد، وكلُّ هذه الآداب من مقاصد الإسلام.

وكما للهاتف النَّقال هذه المنافع والفوائد؛ فإنَّ مضارَّه وشرورَه تكاد تطغى على خيره ونفعه، لاسيما إذا وقع في أيدي السُّفهاء والعابثين، وأهل البطالة والفجور؛ فإنَّه كما لا يخفى صيَّروه وسيلة للفساد والإفساد، وآلة تستخدم للإزعاج والإخافة والإرهاب، مراسلات مشبوهة، ومكالمات تستدرج الفتيات في عقر ديارهنَّ وعلى فرشهنَّ، وتنسيق بين عصابات الإجرام والنَّهب والسَّرقة والتَّهريب، وأذيَّة المسلمين في مساجدهم وفي حال صلاتهم بتلك الأصوات المزعجة والرَّنَّات الغنائيَّة الموسيقيَّة المحرَّمة، وتسلُّلات خفيَّة رهيبة إلى ذاكرة الهواتف الشَّخصيَّة عبر جهاز الوصل «البلوتوث» لسرقة ما يحلو للصوص الأعراض ومدنِّسي الشَّرف من صُوَر وأسرار؛ لاستخدامها وسيلةَ ضغط يُحقِّقون من خلالها مآربهم الدَّنيئة.
فيالله كَمْ جَنَتْ هذه الآلة على أصحابها من أضرار، وكم جلبت لهم من هموم وأكدار، وكم أشاعت في غير الخير من أخبار، وكشفت من أستار، وهتكت عِرض دِيار، وما زالت تضرب ـ لاسيما مع التَّطوُّر المذهل في عالم الاتِّصال ـ بمعاول الهدم والدَّمار في حمى أهل الإسلام وبيوتاتهم المستورة ما أدبر اللَّيل وأقبل النَّهار.
وآداب استعمال الهاتف النَّقَّال كآداب استعمال الهاتف الثَّابت وقد تزيد عليها بأشياء نظرًا لما أدخل على النَّقال من تطوُّرات وتقنيَّات حديثة.

فإلى مستعملي الجوَّالات نسوق هذه الآداب، وهي بين واجبة ومستحبَّة ومباحة؛ لأجل التَّحلِّي بها وتربية الأهل والأولاد عليها، حتَّى يعمَّ الخير وتثبت الفضيلة بين الأمَّة، وتصلح أخلاقها وينقطع فسادُها.
* فأوَّل ما يتعيَّن عليك ـ أيُّها المتَّصل ـ على غيرك أن تتأكَّد من صحَّة رقم المتَّصَل عليه؛ تجنُّبًا لأيِّ إحراج أو إزعاج من شأنه أن يجلب مضرَّة أو يفسد مسرَّة، وصفة ذلك أن تضبط ثبت أرقام بأسماء أصحابها مقرونة بألقاب أو كنى يميِّزها عن بعضها لكثرة الاتِّصالات بين النَّاس اليوم واشتباه الأسماء، واحذر من أخذ أرقام للاتِّصال بأصحابها إذا لم يأذنوا لك في تسجيلها على هاتفك، أو تعلم أنَّهم لا يرضون نشرها بين النَّاس، وإن وقع الخطأ في الاتِّصال ـ وهو محتَمل ـ فلا أنفع من الاعتذار على ذلك بلطف وأدب وحسن تحكُّم في الألفاظ والكلمات.
* ثمَّ ثاني ما يجب في حقِّ المتَّصل: تحرِّي واختيار الوقت المناسب للاتِّصال حسب الأشخاص المتَّصَل عليهم ومكانتهم ووظائفهم وأشغالهم وأوقاتهم، وحسب الموضوع الَّذي يراد الاتِّصال لأجله، فأخذ موعد أو إبلاغ نبأ أو إيصال دعوة، ليس كالحديث في قضيَّة تستدعي ذكر مقدِّمة وشرح أسباب ووصف أحوال.
فالأدب الشَّرعي يوجب على المسلم مراعاة أوقات النَّاس، لاسيما من كَثُرَ المتَّصلون عليه بسبب مكانة أو منصب أو جاه، وقبول أعذارهم إذا اعتذروا أو لم يجيبوا، مع تحسين الظَّنِّ بهم من غير تبرُّمٍ أو لوم.
* وثالث أدب في الاتِّصال: التزام الاعتدال والوسط في كلِّ ماله علاقة بسبب الاتِّصال ونوع الحديث، كعدد المكالمات والوقت المستغرق في التَّحادث ودقَّات الاتصال بما يغلب على الظَّنِّ سماع منبِّه الهاتف، من غير إفراط ومبالغة، حذرًا من الإطالة والإثقال، والاكتفاء بمقصود الاتصال دون ثرثرة وإملال.
فالحديث مع المرء عبر الهاتف ليس كالحديث معه مواجهة، يختلف وقتًا وطبيعة، ولكلِّ مقام مقال؛ لذا يتعيَّن التَّقليل من الحديث بالنَّقَّال حفظًا للمال من الضَّياع وصيانة للأسماع من الأدواء والأمراض.
*ومن آداب الاتِّصال: ما يتعلَّق بأدب الحديث بداية ونهاية، فلا حديث أطيب ولا كلام أعذب من أن يُفتتح بالسَّلام ويُختتم به، إذ هو شعار الإسلام ومفتاح الأمن والأمان، ولهج بذكر اسم من أسماء الله الحسنى، بدلًا من تحيَّة الأعاجم وما ألِفَته الألسن والأذان من كلمة الإفرنج «ألو».
* ومن الآداب المتعيِّنة على المتَّصل: تقديم نفسه ممَّا يجعله معروفًا عند المتَّصل عليه، والحذر من كلِّ ما فيه تكتُّم وتعتيم عن إظهار شخصه، كالاتِّصال برقم يتقصَّد إخفاءه، أو التَّحدُّث بلغة يحاكي فيها صوت غيره تمويهًا وتلبيسًا.
* ومن المواطن الَّتي يتعيَّن فيها لزوم الأدب، أن يحترم المرءُ جلساءَه والمشتغلين معه بترك التَّحدُّث بالهاتف مع المتَّصلين به إلا ما كان فيه بدٌّ، وحبَّذا لو استأذنهم عند إرادته المهاتفة أو الرَّدِّ عليها؛ توقيرًا لهم وجبرًا لخاطرهم، ولو اختصر الحديث كان أبلغ في الأدب وزيادة في مراعاة شعور الآخرين.

* * *

وكما للهاتف هذه الجملة من الآداب الَّتي يجب مراعاتها، فهناك أيضًا جملة من المناهي والمحاذير الَّتي يجب اجتنابها، وهذه أهمُّ، ومعرفتها ألزم؛ تجنُّبًا للمعرَّة والإثم، وصيانةً للمشاعر والقِيَم.

وأوَّل ما يلحظ من هذه المناهي رنَّات الهاتف وشغل الانتظار، فقد صار النَّاس في هذا على طرفي نقيض، فمنهم من يشغله بالغناء والموسيقى ونحوهما، وهذا محرَّم لا نزاع فيه، ومنهم من يشغله بقرآن أو أذان أو دعاء، وهذا مع نُبل غايته لا يجعله مُسوَّغًا؛ لأن القرآن ـ الَّذي هو كلام الله ـ لم يُنزَّل لمثل هذا الغرض المتنقِّص لقدره وعظمته وما ينبغي أن تحتلُّه مكانته في نفوس المؤمنين به، التَّالين له، المتدبِّرين لآياته، والعاملين بأحكامه؛ لقوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)﴾ [ص]، وقوله تعالى: ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)﴾ [طه]، وقوله: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)﴾ [طه]، ففي هذه الآيات وغيرها تذكير للعباد بمقصود إنزال القرآن على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فصرفُه عن هذا المقصود واستعماله في غير ما أنزل له امتهان له، والواجب صيانته عن الابتذال، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: «وليس لأحد استعمال القرآن لغير ما أنزله الله له»([5]).

ويتبع القرآن في الحكم الأذان والدُّعاء، ثمَّ إنَّ ما يعزِّز القول بتحريم استعمال القرآن أو الأذان أو الدُّعاء في شَغْلِ الانتظار، أنَّ التَّحكُّم في الوقوف على رؤوس آيات القرآن أو على المقطع المناسب من الحديث غير ممكن، فيقع وقوف غير مرضٍيٍّ شرعًا، ربَّما أدَّى إلى كفر في اللَّفظ، كالوقوف في ألفاظ الأذان على جملة «أشهد أن لا إله» دون إتمام، ومن ذلك الدُّعاء المخترع وما فيه من تقطيع وتلحين واعتداء.

وثاني هذه المنهيَّات: تسجيل المكالمات دون إذن صاحبها، مهما يكن نوع الكلام دينيًّا أو دنيويًّا، حتَّى وإن تعلَّق الأمر بفتوى، أو مباحثة علميَّة وما جرى مجرى ذلك؛ لأنَّه نوع من الخيانة، وفيه قلَّة حياء، لاسيما إن كان القصد فتن النَّاس أو التَّحريش بينهم بكلام وزرع للأحقاد والضَّغائن.

ومن المناهي تشغيل مكبِّر الصَّوت في الهواتف ـ ومثله جهاز التَّنصُّت ـ ليسمع الحضور حديث المكالمة دون علم المتَّصِل أو المتَّصَل عليه للإيقاع به والكيد له، وهذا عين المكر والخديعة، وهو أشبه بالتَّجسُّس والاستماع إلى حديث القوم دون علم أو استئذان، وفي الحديث عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «…وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ»([6]).

ومن هذه المناهي: التَّساهل مع الأولاد ـ لا سيما ـ الفتيات في حمل الهواتف إلى غرف النَّوم عند المبيت، وهنا يتعيَّن وجوبًا تسليط الرَّقابة البيتيَّة على الأولاد والأهل حفاظًا على أمور السِّتر والتَّصوُّن وحفظ المحارم.
ومن هذه المناهي: ما يحصل من حاملي الهواتف إلى المساجد من التَّشويش على المصلِّين في صلواتهم وسلب لخشوعهم وإهانة لبيوت الله وعدم المبالاة بتعظيمها وتشريفها، والله تعالى يقول: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)﴾ [الحج]، ويقول: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)﴾ [الأحزاب].

وإذا كان التَّالي للقرآن في المسجد يُنهى عن رفع الصَّوت به ويُغلَّظُ له في ذلك؛ لئلَّا يُشَوِّشَ على مَن هو مُشتغلٌ بصلاة أو ذِكر أو مُذاكرة علم، فكيف بمَن يُؤذيهم بمثل تلك الأصوات المزعجة المحرَّمة؛ مِن غناء ماجن، أو موسيقى صاخبة، وكلِّ ما تمجُّه الأسماع، قال الحافظ ابن عبد البرِّ رحمه الله: «وإذا لم يَجُزْ للتَّالي المصلِّي رفعُ صوته؛ لئلَّا يُغَلِّط ويخلِّط على مُصَلٍّ إلى جنبه، فالحديثُ في المسجد ممَّا يُخَلِّطُ على المصلِّي أولى بذلك وألزم، وأمنع وأحْرَم، واللهُ أعلم، وإذا نُهِيَ المسلمُ عن أذى أخيه المسلم في عملِ البرِّ وتلاوة الكتاب، فأذاه في غير ذلك أشدُّ تحريمًا»([7]).
وقد نتج مِن عدم إغلاق الهواتف وقت الصَّلاة وسماع خطبة الجمعة أنَّه يضطرُّ من رنَّ هاتفه وقت الخطبة إلى إغلاقه، وهو نوع من اللَّغو قد يتسبَّب في هدر أجر الجمعة كما جاء في الحديث: «وَمَنْ مسَّ الحَصَى فَقَدْ لَغَا»، وفُسِّر اللَّغو في الجمعة بأنَّه لا ثواب له، وإن صحَّت صلاتُه.
ومِن البلاء الَّذي تفاقم نتيجة تشغيل الهواتف في بيوت الله أن اضطرَّ القائمون عليها إلى استخدام جهاز التَّشويش على مجالات التَّغطية منعًا لوصول الذَّبذبات إلى جهاز الهواتف لتجنُّب سماع رنَّاتها، وقد أدَّى استخدام هذه الآلة إلى الإضرار بالمصابين بمرض القلب الحاملين لبطَّاريَّات تنشيط الدَّقَّات، وفي هذا أبلغ الأذى لأمثال هؤلاء المرضى وإن كانوا أقلَّ القليل، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَار».

ومن الاستخدام السَّيِّء للهاتف النَّقَّال: إجراء المكالمات أو الرَّدِّ عليها في حال سياقة السِّيارة؛ لاسيما مع السُّرعة المذهلة وفي المنعرجات الخطيرة، ممَّا نَجَم عنه وقوعُ حوادث مؤلمة أَودَت بحياة الرُّكاب والمارَّة في الطَّريق، وقد تفطَّن ولاةُ الأمر لهذا، فسَنُّوا قوانين ردعيَّة في مَنع استعمال الهاتف حال السِّياقة، ولا نراهم إلَّا أصابوا في ذلك.
وممَّا ينبَّه عليه ترك التَّنافس في اقتناء الهواتف والبحث عن الجديد الصَّادر منها بلهف وشغف، لاسيما إذا كان القصد في ذلك الفخر والمباهاة، هذا مع ما فيه من تبذير للأموال وهدر للأوقات في تتبُّع ومسايرة عالم الاتِّصال بوسائله وأدواته من غير حاجة تدعو إلى ذلك.
وممَّا يحذَّر منه أشدَّ التَّحذير ملء ذاكرة الهواتف بصور الأهل والأولاد من فيديوهات أو صور ثابتة والاحتفاظ بها، فربَّما ضاع الهاتف من صاحبه ووقع عند أهل السُّوء والخيانة، فاستغلُّوه لمآربهم الدَّنيئة.

كما يتأكَّد التَّحذير من إرسال رسائل تحمل صورًا خليعة أو مشاهد مرعبة أو كلامًا فاحشًا أو مؤذيًا، أو مخالفًا لهدي أهل الإسلام كالتَّهنئة بالأعياد الكفريَّة والمناسبات البدعيَّة لما في ذلك من أذيَّة للمسلمين وتَخوُّنهم وهتك حرماتهم، وكلُّ ذلك في حكم التَّحريم.
وحبَّذا لو اسْتُغِلَّت هذه الرَّسائل أحيانًا في نقل فوائد علميَّة أو حِكَم نثريَّة وشعريَّة من كلام السَّلف ومن كان على نهجهم من العلماء والحكماء والفقهاء، فإنَّ نفع ذلك لا يخفى، ويحصل به خير عميم، وتذكير من شأنه أن يبعث الهمَّة ويطرد الغفلة ويعين على بذل النُّصح ونشر العلم إفادةً واستفادة([8]).
فيجب على كلِّ مسلم رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمَّد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا أن يمتثل أوامر الله، وأن يجتنب نواهيه، وأن يعظِّم حرمات الله وشعائره، وأن يلتزم آداب الإسلام جملةً وتفصيلًا، وأن يتميَّز عن غيره بذلك في الاستعمال والانتفاع بهذه الأدوات والوسائل المستعملة في الخير والشَّرِّ، والنَّفع والضَّرِّ، قيامًا بالدِّين والتزامًا بأحكامه ونشرًا لآدابه وتعاليمه.
* * *

([1]) نشر في مجلَّة «الإصلاح»: العدد (32)/رجب ـ شعبان 1433هـ.
([2]) «أدب الهاتف» بكر أبو زيد (ص5).
([3]) المهاتفة تبقى إحدى الوسائل المحقِّقة للغرض المذكور، لكنَّها ليست المفضَّلة، فلا ينبغي أن تحجب الواصل عن سنَّة نقل الخطى إلى من يودُّ وصله، ولكن حيث تقصر به الحال عن الزِّيارة.
([4]) «أدب الهاتف» (ص27).
([5]) «مختصر الفتاوى المصريَّة» (ص578).
([6]) رواه البخاري (7042).
([7]) «التَّمهيد» (23/319).
([8]) ومن نفع هذه المراسلات أنَّ أحد فضلاء المعاصرين وهو من أهل العلم شارك بمحاضرة شرح فيها بعض حكم وأقوال السَّلف، جمعها وانتقاها من جملة رسائل هاتفه الَّتي كان يبعثها أحبَّاؤه وأصدقاؤه إليه.
الموقع الرسمي للشيخ عز الدين رمضاني حفظه الله
 

المواضيع المشابهة

لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top