الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ:
فبعض الناس يتحرج من قول أنا ويُعقب عند استخدامها في كلامه بقوله: وأعوذ بالله من كلمة أنا.
وهذا من الورع البارد ومن الورع المظلم الذي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا صحابته الكرام ولا سلفنا الأخيار.
وقد أنكرها العلامة محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله كما في ((آثاره)): ((أما أنا- ولا أعوذ بالله من كلمة أنا-)).
ومن يتتبع كتاب الله عز وجل يجد أن بعض الأنبياء استعملوا هذه الكلمة، وكذلك من طالع في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وآثار أصحابه رضي الله عنهم يجد أنهم استخدموا هذا الضمير، بل جاءت بعض الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم قالوا (أنا) وهم عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد أقرهم على قولها، إلا ما جاء عند الإستادان من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي فدققت الباب.
فقال: من ذا؟
فقلت: أنا.
فقال: أنا أنا كأنه كرهها.
وقد بين أهل العلم سبب كراهية ذلك:
قال المهلب رحمه الله كما في ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال: ((إنما كره عليه [الصلاة و] السلام قول جابر: لأنه ليس في ذلك بيان إلا عند من يعرف الصوت، وأما عند من يمكن أن يشتبه عليه فهو من التعنيت، فلذلك كرهه)).
وقال الداودي رحمه الله كما في ((فتح الباري)) لابن حجر: ((إنما كرهه لأنه أجابه بغير ما سأله عنه لأنه لما ضرب الباب عرف أن ثم ضاربا فلما قال أنا كأنه أعلمه أن ثم ضاربا فلم يزده على ما عرف من ضرب الباب)).
وقال ابن الجوزي رحمه الله في ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)): ((اعلم أن كراهية هذه الكلمة لوجهين:
أحدهما: أنها ليست بجواب قوله (( من ذا )) فبقي سؤال الرسول عليه [الصلاة و] السلام الذي انتظر جوابه بلا جواب.
ودق الباب يوما على بعض العلماء فقال: من؟ فقال الداق: أنا. فقال: هذا دق ثان.
والثاني: أن لفظة أنا من غير أن يضاف إليها فلان تتضمن نوع كبر كأنه يقول أنا الذي لا أحتاج أن أسمي نفسي أو أتكبر على تسميتها فيكره لهذا أيضا)) اهـ.
وأخرج الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) عن الحسن بن محبوب بن أبي أمية، قال: قدم علينا علي بن عاصم الواسطي ببغداد، فحدثنا في بعض مجالسه، قال: قدمت البصرة، فأتيت منزل شعبة، فدققت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا، فقال: يا هذا ما لي صديق يقال له: أنا ثم خرج إلي فقال: حدثني محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة لي فضربت عليه الباب فقال : ((من هذا ؟)) قلت : أنا، فقال: ((أنا أنا)) كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره قولي هذا أو قوله هذا.
وأخرج الخطيب البغدادي رحمه الله في ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) قال: سمعت علي بن المحسن القاضي، يحكي عن بعض الشيوخ، أنه كان إذا دق بابه، فقال: من ذا؟ فقال الذي على الباب: أنا، يقول الشيخ: أنا هم دق؟
وأخرج الخطيب البغدادي رحمه الله في ((الجامع لأخلاق الراوي)) عن أحمد بن يحيى، قال: دق رجل على رجل الباب، فقال: من ذا؟ قال: ها أنا ذا، قال: يا ها أنا ذا ادخل، قال: فبقي لقب الرجل ها أنا ذا.
ومما ينهي عنده، مَن يقول (أنا) على سبيل التفاخر والتكبر وهذا فيه تشبه بإبليس عندما تكبر على أبونا آدم عليه الصلاة والسلام بقوله: { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ } [الأعراف:12].
قال ابن القيم رحمه الله في ((زاد المعاد)): ((وليحذر كل الحذر من طغيان أنا ولي وعندي، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلي بها إبليس وفرعون وقارون، { فأنا خير منه } لإبليس، { ولي ملك مصر } لفرعون، { وإنما أوتيته على علم عندي} لقارون.
وأحسن ما وضعت أنا في قول العبد أنا العبد المذنب المخطىء المستغفر المعترف ونحوه ولي في قوله لي الذنب ولي الجرم ولي المسكنة ولي الفقر والذل وعندي في قوله اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي)) اهـ.
وهذا ما استعمله صاحب الجنة المتكبر، كما في قوله سبحانه تعالى: { فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا } [الكهف:34].
وجاء في السنة الصحيحة مشروعيتها كما في حديث أخرجه البخاري في ((صحيحه)) عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال سمعت معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وهو جالس على المنبر أذن المؤذن قال: الله أكبر الله أكبر، قال معاوية: الله أكبر الله أكبر، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال معاوية: وأنا، فقال: أشهد أن محمدا رسول الله، فقال معاوية: وأنا، فلما أن قضى التأذين، قال: يا أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المجلس حين أذن المؤذن يقول ما سمعتم مني من مقالتي.
وأخرج مسلم في ((صحيحه)) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قال: حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا غفر له ذنبه.
قال ابن رمح في روايته من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد ولم يذكر قتيبة قوله وأنا.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: وأنا وأنا.
أخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه والطبراني في المعجم الأوسط والبيهقي في السنن الكبرى والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب وفي صحيح أبي داود وأخرجه ابن أبي شيبة مصنفه من طريق هشام بن عروة، عن أبيه؛ مرسلا.
أما جوز استعمال هذا اللفظ في نصوص الكتاب والسنة وما جاء عن الصحابة رضوان الله عليهم فكثير جدا، فأقتصر على بعضها.
أولا: كتاب الله عز وجل:
وقال تعالى لنبيه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] و[فصلت: 6].
وقال تعالى : { قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [الأعراف: 188].
وقال تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [الحج: 49].
وقوله تعالى: { قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } [سورة الأنعام: 56].
وقال تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [الأنعام: 79].
وقول الله تعالى: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [يوسف : 108]
وقال تعالى: { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } [ص: 86]
قال تعالي: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162ـ163].
وقال تعالى: { أُبَلّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبّى وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } [الأعراف: 68].
وقوله تعالى {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:143] .
وقال تعالى: { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [ يونس : 41 ].
وقال تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} [هود:35].
وقال تعالى: { أَلاَ تَرَوْنَ أَنّى أُوفِى الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ } [يوسف: 59].
وقال تعالى : { وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } [ يوسف : 72 ].
وقال تعالى: عن موسى عليه الصلاة والسلام: ( قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء:20].
ثانيا: السنة:
عن البراء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)) أخرجه الشيخان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة وقال: ((أنا سيد الناس يوم القيامة)) متفق عليه وفي رواية أخرجها البخاري ((أنا سيد القوم يوم القيامة)).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه)) متفق عليه.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء عمر يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش ويقول يا رسول الله ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وأنا والله ما صليتها بعد)) أخرجه البخاري.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم)) متفق عليه.
وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ))أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع وأول مشفع)).
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين والله المعطي وأنا القاسم ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون)) أخرجه البخاري.
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان ... )) أخرجه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد)) أخرجه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)) أخرجه الشيخان.
ثالثا: بعض من أقرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصحابة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طريق المدينة وهو جنب فانخنست منه فذهب فاغتسل ثم جاء فقال: ((أين كنت يا أبا هريرة)) قال: كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة فقال: ((سبحان الله إن المسلم لا ينجس)) أخرجه الشيخان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصبح منكم اليوم صائما قال أبو بكر رضي الله عنه أنا قال فمن تبع منكم اليوم جنازة قال أبو بكر رضي الله عنه أنا قال فمن أطعم منكم اليوم مسكينا قال أبو بكر رضي الله عنه أنا قال فمن عاد منكم اليوم مريضا قال أبو بكر رضي الله عنه أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة)) أخرجه مسلم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال لهم أيكم محمد والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكئ فقال له الرجل يا ابن عبد المطلب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قد أجبتك فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك فقال سل عما بدا لك فقال أسألك بربك ورب من قبلك أالله أرسلك إلى الناس كلهم فقال اللهم نعم قال أنشدك بالله أالله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة قال اللهم نعم قال أنشدك بالله أالله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة قال اللهم نعم قال أنشدك بالله أالله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم نعم فقال الرجل آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر أخرجه البخاري.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها فقال يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها أينفعها شيء إن تصدقت به عنها قال نعم قال فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها، ، أخرجه البخاري.
وعن محمود بن الربيع الأنصاري رضي الله عنه أن عتبان بن مالك رضي الله عنه كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين تحب أن أصلي فأشار إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال ما لك قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها ... أخرجه الشيخان.
رابعا: أقول الصحابة رضي الله عنهم:
عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال: ((ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما)) أخرجه البخاري.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك ... أخرجه البخاري.
وقال أبو العباس احمد بن يحيى كما في ((تهذيب اللغة)): لم يختلف الرواة في أن هذه الأبيات لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أنا الذّي سَمَّتْنِ أُمِّيَ حَيْدَرَه ... كَلَيْثِ غاباتٍ غَليظِ القَصَرهْ
أَكِيلُكُم بالسَّيْفِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أقبلت راكبا على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف وأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي، أخرجه البخاري.
وعن محمود بن الربيع رضي الله عنه قال: عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو، أخرجه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض، متفق عليه.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة ... متفق عليه.
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد، أخرجه البخاري.
عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: حج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين، أخرجه البخاري.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل الساحل فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم ثلاث مائة وأنا فيهم ... أخرجه البخاري.
وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل أمامنا والقوم محرمون وأنا غير محرم فأبصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذنوني به وأحبوا لو أني أبصرته والتفت فأبصرته فقمت إلى الفرس فأسرجته ثم ركبت ... أخرجه البخاري.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني، أخرجه البخاري.
وعن سعد بن أبي وقاص قال: لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام، أخرجه البخاري.
وعن أم خالد بنت خالد رضي الله عنها قالت: قدمت من أرض الحبشة وأنا جويرية فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها أعلام فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الأعلام بيده ويقول سناه سناه، أخرجه البخاري.
وبعد سرد هذه الأدلة – وما تركته أكثر بكثير - أن أنقل كلاما نفسا للعلامة الملا علي القاري رحمه الله يقول في ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)): ((والحاصل أن قول أنا من حيث هو ليس بمذموم وإنما هو يذم باعتبار أخباره بما يفتخر به كقول إبليس: { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ } [الأعراف:12] ونحو ذلك من نحو أنا العالم وأنا الزاهد وأنا العابد بخلاف أنا الفقير الحقير العبد المذنب وأمثال ذلك)) اهـ.
ومما سبق يتلخص:
1) يكره قول أنا عند الإستئذان.
2) يحرم قول أنا على سبيل التكبر والتفاخر.
3) جواز قول أنا عند الإخبار عن النفس.
4) تستحب في المواضع التي جاءت بها السنة فيما يشرع من الأذكار.
5) قولهم وأعوذ بالله من كلمة أنا ليس له دليل.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: الجمعة 24 جمادى الآخر سنة 1437 هـ
الموافق لـ: 4 مارس سنة 2016 م
أما بعدُ:
فبعض الناس يتحرج من قول أنا ويُعقب عند استخدامها في كلامه بقوله: وأعوذ بالله من كلمة أنا.
وهذا من الورع البارد ومن الورع المظلم الذي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا صحابته الكرام ولا سلفنا الأخيار.
وقد أنكرها العلامة محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله كما في ((آثاره)): ((أما أنا- ولا أعوذ بالله من كلمة أنا-)).
ومن يتتبع كتاب الله عز وجل يجد أن بعض الأنبياء استعملوا هذه الكلمة، وكذلك من طالع في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وآثار أصحابه رضي الله عنهم يجد أنهم استخدموا هذا الضمير، بل جاءت بعض الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم قالوا (أنا) وهم عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد أقرهم على قولها، إلا ما جاء عند الإستادان من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي فدققت الباب.
فقال: من ذا؟
فقلت: أنا.
فقال: أنا أنا كأنه كرهها.
وقد بين أهل العلم سبب كراهية ذلك:
قال المهلب رحمه الله كما في ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال: ((إنما كره عليه [الصلاة و] السلام قول جابر: لأنه ليس في ذلك بيان إلا عند من يعرف الصوت، وأما عند من يمكن أن يشتبه عليه فهو من التعنيت، فلذلك كرهه)).
وقال الداودي رحمه الله كما في ((فتح الباري)) لابن حجر: ((إنما كرهه لأنه أجابه بغير ما سأله عنه لأنه لما ضرب الباب عرف أن ثم ضاربا فلما قال أنا كأنه أعلمه أن ثم ضاربا فلم يزده على ما عرف من ضرب الباب)).
وقال ابن الجوزي رحمه الله في ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)): ((اعلم أن كراهية هذه الكلمة لوجهين:
أحدهما: أنها ليست بجواب قوله (( من ذا )) فبقي سؤال الرسول عليه [الصلاة و] السلام الذي انتظر جوابه بلا جواب.
ودق الباب يوما على بعض العلماء فقال: من؟ فقال الداق: أنا. فقال: هذا دق ثان.
والثاني: أن لفظة أنا من غير أن يضاف إليها فلان تتضمن نوع كبر كأنه يقول أنا الذي لا أحتاج أن أسمي نفسي أو أتكبر على تسميتها فيكره لهذا أيضا)) اهـ.
وأخرج الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) عن الحسن بن محبوب بن أبي أمية، قال: قدم علينا علي بن عاصم الواسطي ببغداد، فحدثنا في بعض مجالسه، قال: قدمت البصرة، فأتيت منزل شعبة، فدققت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا، فقال: يا هذا ما لي صديق يقال له: أنا ثم خرج إلي فقال: حدثني محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة لي فضربت عليه الباب فقال : ((من هذا ؟)) قلت : أنا، فقال: ((أنا أنا)) كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره قولي هذا أو قوله هذا.
وأخرج الخطيب البغدادي رحمه الله في ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) قال: سمعت علي بن المحسن القاضي، يحكي عن بعض الشيوخ، أنه كان إذا دق بابه، فقال: من ذا؟ فقال الذي على الباب: أنا، يقول الشيخ: أنا هم دق؟
وأخرج الخطيب البغدادي رحمه الله في ((الجامع لأخلاق الراوي)) عن أحمد بن يحيى، قال: دق رجل على رجل الباب، فقال: من ذا؟ قال: ها أنا ذا، قال: يا ها أنا ذا ادخل، قال: فبقي لقب الرجل ها أنا ذا.
ومما ينهي عنده، مَن يقول (أنا) على سبيل التفاخر والتكبر وهذا فيه تشبه بإبليس عندما تكبر على أبونا آدم عليه الصلاة والسلام بقوله: { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ } [الأعراف:12].
قال ابن القيم رحمه الله في ((زاد المعاد)): ((وليحذر كل الحذر من طغيان أنا ولي وعندي، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلي بها إبليس وفرعون وقارون، { فأنا خير منه } لإبليس، { ولي ملك مصر } لفرعون، { وإنما أوتيته على علم عندي} لقارون.
وأحسن ما وضعت أنا في قول العبد أنا العبد المذنب المخطىء المستغفر المعترف ونحوه ولي في قوله لي الذنب ولي الجرم ولي المسكنة ولي الفقر والذل وعندي في قوله اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي)) اهـ.
وهذا ما استعمله صاحب الجنة المتكبر، كما في قوله سبحانه تعالى: { فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا } [الكهف:34].
وجاء في السنة الصحيحة مشروعيتها كما في حديث أخرجه البخاري في ((صحيحه)) عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال سمعت معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وهو جالس على المنبر أذن المؤذن قال: الله أكبر الله أكبر، قال معاوية: الله أكبر الله أكبر، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال معاوية: وأنا، فقال: أشهد أن محمدا رسول الله، فقال معاوية: وأنا، فلما أن قضى التأذين، قال: يا أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المجلس حين أذن المؤذن يقول ما سمعتم مني من مقالتي.
وأخرج مسلم في ((صحيحه)) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قال: حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا غفر له ذنبه.
قال ابن رمح في روايته من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد ولم يذكر قتيبة قوله وأنا.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: وأنا وأنا.
أخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه والطبراني في المعجم الأوسط والبيهقي في السنن الكبرى والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب وفي صحيح أبي داود وأخرجه ابن أبي شيبة مصنفه من طريق هشام بن عروة، عن أبيه؛ مرسلا.
أما جوز استعمال هذا اللفظ في نصوص الكتاب والسنة وما جاء عن الصحابة رضوان الله عليهم فكثير جدا، فأقتصر على بعضها.
أولا: كتاب الله عز وجل:
وقال تعالى لنبيه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] و[فصلت: 6].
وقال تعالى : { قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [الأعراف: 188].
وقال تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [الحج: 49].
وقوله تعالى: { قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } [سورة الأنعام: 56].
وقال تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [الأنعام: 79].
وقول الله تعالى: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [يوسف : 108]
وقال تعالى: { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } [ص: 86]
قال تعالي: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162ـ163].
وقال تعالى: { أُبَلّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبّى وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } [الأعراف: 68].
وقوله تعالى {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:143] .
وقال تعالى: { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [ يونس : 41 ].
وقال تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} [هود:35].
وقال تعالى: { أَلاَ تَرَوْنَ أَنّى أُوفِى الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ } [يوسف: 59].
وقال تعالى : { وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } [ يوسف : 72 ].
وقال تعالى: عن موسى عليه الصلاة والسلام: ( قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء:20].
ثانيا: السنة:
عن البراء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)) أخرجه الشيخان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة وقال: ((أنا سيد الناس يوم القيامة)) متفق عليه وفي رواية أخرجها البخاري ((أنا سيد القوم يوم القيامة)).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه)) متفق عليه.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء عمر يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش ويقول يا رسول الله ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وأنا والله ما صليتها بعد)) أخرجه البخاري.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم)) متفق عليه.
وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ))أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع وأول مشفع)).
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين والله المعطي وأنا القاسم ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون)) أخرجه البخاري.
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان ... )) أخرجه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد)) أخرجه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)) أخرجه الشيخان.
ثالثا: بعض من أقرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصحابة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طريق المدينة وهو جنب فانخنست منه فذهب فاغتسل ثم جاء فقال: ((أين كنت يا أبا هريرة)) قال: كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة فقال: ((سبحان الله إن المسلم لا ينجس)) أخرجه الشيخان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصبح منكم اليوم صائما قال أبو بكر رضي الله عنه أنا قال فمن تبع منكم اليوم جنازة قال أبو بكر رضي الله عنه أنا قال فمن أطعم منكم اليوم مسكينا قال أبو بكر رضي الله عنه أنا قال فمن عاد منكم اليوم مريضا قال أبو بكر رضي الله عنه أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة)) أخرجه مسلم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال لهم أيكم محمد والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكئ فقال له الرجل يا ابن عبد المطلب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قد أجبتك فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك فقال سل عما بدا لك فقال أسألك بربك ورب من قبلك أالله أرسلك إلى الناس كلهم فقال اللهم نعم قال أنشدك بالله أالله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة قال اللهم نعم قال أنشدك بالله أالله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة قال اللهم نعم قال أنشدك بالله أالله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم نعم فقال الرجل آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر أخرجه البخاري.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها فقال يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها أينفعها شيء إن تصدقت به عنها قال نعم قال فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها، ، أخرجه البخاري.
وعن محمود بن الربيع الأنصاري رضي الله عنه أن عتبان بن مالك رضي الله عنه كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين تحب أن أصلي فأشار إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال ما لك قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها ... أخرجه الشيخان.
رابعا: أقول الصحابة رضي الله عنهم:
عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال: ((ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما)) أخرجه البخاري.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك ... أخرجه البخاري.
وقال أبو العباس احمد بن يحيى كما في ((تهذيب اللغة)): لم يختلف الرواة في أن هذه الأبيات لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أنا الذّي سَمَّتْنِ أُمِّيَ حَيْدَرَه ... كَلَيْثِ غاباتٍ غَليظِ القَصَرهْ
أَكِيلُكُم بالسَّيْفِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أقبلت راكبا على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف وأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي، أخرجه البخاري.
وعن محمود بن الربيع رضي الله عنه قال: عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو، أخرجه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض، متفق عليه.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة ... متفق عليه.
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد، أخرجه البخاري.
عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: حج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين، أخرجه البخاري.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل الساحل فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم ثلاث مائة وأنا فيهم ... أخرجه البخاري.
وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل أمامنا والقوم محرمون وأنا غير محرم فأبصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذنوني به وأحبوا لو أني أبصرته والتفت فأبصرته فقمت إلى الفرس فأسرجته ثم ركبت ... أخرجه البخاري.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني، أخرجه البخاري.
وعن سعد بن أبي وقاص قال: لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام، أخرجه البخاري.
وعن أم خالد بنت خالد رضي الله عنها قالت: قدمت من أرض الحبشة وأنا جويرية فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها أعلام فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الأعلام بيده ويقول سناه سناه، أخرجه البخاري.
وبعد سرد هذه الأدلة – وما تركته أكثر بكثير - أن أنقل كلاما نفسا للعلامة الملا علي القاري رحمه الله يقول في ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)): ((والحاصل أن قول أنا من حيث هو ليس بمذموم وإنما هو يذم باعتبار أخباره بما يفتخر به كقول إبليس: { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ } [الأعراف:12] ونحو ذلك من نحو أنا العالم وأنا الزاهد وأنا العابد بخلاف أنا الفقير الحقير العبد المذنب وأمثال ذلك)) اهـ.
ومما سبق يتلخص:
1) يكره قول أنا عند الإستئذان.
2) يحرم قول أنا على سبيل التكبر والتفاخر.
3) جواز قول أنا عند الإخبار عن النفس.
4) تستحب في المواضع التي جاءت بها السنة فيما يشرع من الأذكار.
5) قولهم وأعوذ بالله من كلمة أنا ليس له دليل.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: الجمعة 24 جمادى الآخر سنة 1437 هـ
الموافق لـ: 4 مارس سنة 2016 م