وصايا لقمان الحكيم لابنه .. علِّمها لابنك

حمزة الدزيري

:: عضو منتسِب ::
إنضم
5 مارس 2016
المشاركات
42
نقاط التفاعل
63
نقاط الجوائز
2
آخر نشاط

بسم الله الرحمان الرحيم





السلام عليكم




عُرِف لقمان الحكيم بوصاياه ، إذ كان بعيد النظر ، عميق الفكر ، ذو حِكَمِِ جليلة ، و نصائح جميلة ، و مواعظ فريدة ، فأَنْعِم به من أبِِ واعظ ، و مربِِ نبيه ، و مرشد حكيم .

فهيَّا بنا نستعرض وصاياه الغالية ، علَّها تكون لأبنائنا سراجا يهتدون به في ظلمة الفتن و مغريات العصر .






الوصية الأولى





- قال الله تعالى : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) } (سورة لقمان 13)



تأمل معي أحسن الله إليك ، كيف بدأ لقمان الحكيم بإرشاد ابنه ، و انظر إلى أول وصية أوصاه بها " يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ" .


لقد حذره من الشرك ، و أوصاه ضمنيا بالتوحيد الخالص لربِّ العزة جلَّ في علاه .



إنه يعلمه عبادة الله وحده دون ما سواه ، يعلمه التوكل عليه سبحانه و حسن الظن به ، يعلمه الإلتجاء إليه و إخلاص النية و الإنقياد له وحده .



يعلمه أن الله تعالى هو الخالق و هو الرازق ، هو المنعم و هو المتفضل على خلقه ، هو المدبر لشؤونهم و المتصرف في أمورهم ، بيده مقاليد كل شيء ، و إليه يرجع الأمر كله ، لا رادَّ لفضله و لا ممسك لرحمته ، هو المعز و هو المذل ، هو الرافع و هو الخافض ، هو الهادي و هو المضل .



و ما بدأ لقمان الحكيم جملة وصاياه بهكذا وصية ، إلا لعلمه بأن ابنه و إن حقق التوحيد الخالص لربه جل و علا ، فإنه سيتوكل عليه في جميع حالاته ، و يستعين به ، و يدعوه رغبا و رهبا ، فيصون نفسه عن التذلل لمن لا يملك لنفسه ضرا و لا نفعا ، و لا موتا و لا حياة و لا نشورا .



و عندها سيعيش عزيزا كريما ، ذاكرا لربه ، خاشعا ، قانتا ، لاجئا إليه ، محتميا به ، إذا أصابته نائبة ، أو نزلت به نازلة ، فَزِعَ إلى الدعاء و التضرع لرب الأرض و السماء .



ثم أردف لقمان الحكيم كلامه " إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ".



فكيف يُعقل أن يُتَّخَذَ نِدٌّ لله ، و كيف يُعْبَدُ غيره ، و الأرض أرضه ، و السماء سماؤه ، و الخلق خلقه ، و كل شيء بيده ، ليس كمثله شيء و هو السميع البصير ، أوَّل بلا ابتداء ، و آخر بلا انتهاء ، لا شيء قبله و لا شيء بعده ، لا شيء فوقه و لا شيء دونه ، خالق كل شيء ، و ربُّ كل شيء ، و القادر على كل شيء ، لا يعجزه شيء و لا يخفى عليه شيء ، يدرك الأبصار و لا تدركه الأبصار، و هو الله الواحد القهار ، المتكبر الجبار ، لاتحويه الأقطار ، و لا يؤثر فيه تعاقب الليل و النهار .



فمن أشرك به شيئا ، فقد حكم على نفسه بالخلود الأبدي في النار ، و بئس القرار .



فكل الذنوب التي تعقبها توبة صادقة في الدنيا ، يغفرها الله تعالى ، لقوله : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) } (سورة الزمر 53) .



و المقصود بالآية السابقة ، الذنوب المُتاب منها لأنه أردفها تعالى بدعوة عباده إلى التوبة بقوله : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) } (سورة الزمر 54).



و اما الذنوب التي لم تعقبها توبة صادقة في الدنيا فهي معَلَّقة على المشيئة ، فإن شاء الله غفرها ، و إن لم يشأ لم يغفرها ، إلا الشرك فإنه لا يغفره إلا بتوبة صادقة منه ، ما لم تطلع الشمس من مغربها و ما لم يغرغر صاحب الشرك ( أي : لم يبلغ ساعة الإحتضار التي لا أمل في الحياة بعدها ) ، لقوله تعالى : { إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) } (سورة النساء 48) .



و ما تعلق بحقوق العباد فإن الله تعالى لا يغفره أيضا لأنه يستوجب القصاص ، و العملة حينها حسنات و سيئات ، فيا حسرة المفلسين يومها ، و يا سوء عاقبة المشركين عندها .



حقيقة الشرك :



قال الذهبي رحمه الله في الكبائر :" فأكبر الكبائر الشرك بالله تعالى ، و هو نوعان :



أحدهما : أن يجعل لله نِدّاً و يعبد غيره ، من حجر أو شجر أو شمس أو قمر أو نبي أو شيخ أو نجم أو ملك أو غير ذلك ، و هذا هو الشرك الأكبر الذي ذكره الله عز و جلَّ ، قال الله تعالى : { إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } (سورة النساء 48)" .


ثم يقول رحمه الله :



"فمن أشرك بالله ثم مات مشركا فهو من أصحاب النار قطعا ، كما أن من آمن و مات مؤمنا فهو من أصحاب الجنة و إن عُذِّب بالنار"




و النوع الثاني -الذي ذكره الذهبي- : الرياء بالأعمال ، كما قال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) } (سورة الكهف 110)

أي لا يرائي بأعماله أحدا " . - إنتهى كلامه رحمه الله -



قال الفضيل بن عياض : " ترك العمل لأجل الناس رياء ، و العمل لأجل الناس الشرك ، و الإخلاص أن يعافيك الله منهما " .







اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك شيئا و نحن نعلم و نستغفرك لما لا نعلم .
 
رد: وصايا لقمان الحكيم لابنه .. علِّمها لابنك

فصل




في قوله تعالى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) } (سورة لقمان 14 - 15)

أنظر هنا رعاك الله ، كيف قرن الله تعالى مجددا في كتابه العزيز بين أساس الدين ( وهو التوحيد – في الآية السابقة - ) و بين بِرِّ الوالدين و الإحسان إليهما و تجنب عقوقهما .


و الأمر ببِرِّ الوالدين ورد ذكره عقب الأمر بتوحيد الله تعالى في العبادة في مواطن عديدة أخرى كما جاء في سورة الإسراء : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) } (سورة الإسراء 23) ، وسورة الأنعام و غير ذلك من المواطن .


و قد اختلفت الأقوال في هاتين الآيتين على قولين ..


1- إما أن يكون لقمان الحكيم أوصى إبنه بهذه الوصية ، و نسبها الله إلى نفسه في الآية .


2- و إما أن لقمان الحكيم لم يوصِ بها ابنه ، و هذه الوصية مباشرة من رب العالمين إلى الإنسان و أوردها عقب وصية لقمان لابنه بعدم الشرك تأكيدا من الله تعالى على خطر العقوق .
قال القرطبي : " و الصحيح أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، و عليه جماعة المفسرين" ، و بناءا على قول القرطبي .. فإن الوصية بالإحسان للوالدين هي وصية رب العالمين لكل البشر .



قال النبي صلى الله عليه و سلم : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر – ثلاثا - ، قالواْ : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله ، و عقوق الوالدين ، و كان متكئا ، فجلس فقال : ألا و قول الزور ، ألا و شهادة الزور .. فما زال يكررها ، حتى قلنا ليته سكت " – متفق عليه –


قال ابن عباس رضي الله عنهما : ثلاث آيات مقرونة بثلاث ، لا تقبل واحدة بغير قرينتها .


الأولى : قوله تعالى : ( و أطيعواْ الله و أطيعواْ الرسول ) - سورة المائدة / الآية 92- ، فمن أطاع الله و لم يطع الرسول لم يقبل منه .


الثانية : قول الله تعالى : ( و أقيمواْ الصلاة و آتواْ الزكاة ) – سورة المجادلة / آية 13- ، فمن صلى و لم يزكِّ لم يقبل منه .


الثالثة : قول الله تعالى : ( أن اشكر لي و لوالديك ) – سورة لقمان / آية 14- ، فمن شكر لله و لم يشكر لوالديه لم يقبل منه .

لطيفة في الآيتين :


الآية (14) التي أوجب الله فيها بر الوالدين ، ختمها الله تعالى بقوله ( إليَّ المصير ) ، و في هذا إشارة لطيفة إلى أن مصير الإنسان يجب أن يكون مع والديه حتى يرعاهما .


و كلمة المصير تدل على بلوغ الأمر نهايته ، فلا حركة بعده ..



و منه قولنا في أذكار المساء " اللهم بك أمسينا و بك أصبحنا و بك نحيا و بك نموت و إليك المصير " ، لأن الليل وقت السكون و التزام البيوت .


و في الآية التي تليها و التي أشار فيها رب العزة إلى أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق جل و علا ، ختمها بقوله ( ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) ، و في هذا إشارة وجوب الهجرة و الفرار بالدين لمن أوذي في دينه .


كيف ذلك ؟


الجواب ..


في الآية حديث عن الرجوع إلى الله تعالى ، بمعنى .. النشور ، و منه قولنا في أذكار الصباح " اللهم بك أصبحنا و بك أمسينا و بك نحيا و بك نموت و إليك النشور " .


و كلمة النشور فيها دلالة على الحركة و النهار هو بلا ريب وقت الحركة و السعي .


موعظة :


يقول الذهبي في كتابه – الكبائر –



أيها المضيع لآكد الحقوق ، المعتاض من بر الوالدين العقوق ، الناسي لما يجب عليه ، الغافل عما بين يديه ، بر الوالدين عليك دين ، و أنت تتعاطاه باتباع الشين ، تطلب الجنة بزعمك ، و هي تحت أقدام أمك .
حملتك في بطنها تسعة أشهر كأنها تسع حجج ، و كابدت عند الوضع ما يذيب المهج ، و أرضعتك من ثديها لبنا ، و أطارت لأجلك وسنا ، و غسلت بيمينها عنك الأذى ، و آثرتك على نفسها بالغذاء ، و صيرت حجرها لك مهدا ، و أنالتك إحسانا و رفدا ، فإن أصابك مرض أو شكاية ، أظهرت من الأسف فوق النهاية ، و أطالت الحزن و النحيب ، و بذلت مالها للطبيب ، و لو خيرت بين حياتك و موتها ، لطلبت حياتك بأعلى صوتها ، هذا و كم عاملتها بسوء الخلق مرارا ، فدعت لك بالتوفيق سرا و جهارا .
فلما احتاجت عند الكبر إليك ، جعلتها من أهون الأشياء عليك ، فشبعت و هي جائعة ، و رويت و هي قانعة .
و قدمت عليها أهلك و اولادك عليها بالإحسان ، و قابلت أياديها بالنسيان ، و صعب لديك أمرها و هو يسير ، و طال عليك عمرها و هو قصير ، هجرتها و ما لها سواك نصير ، هذا و مولاك قد نهاك عن التأفف ، و عاتبك في حقها بعتاب لطيف ، ستعاقب في د**** بعقوق البنين ، و في أخراك بالبعد من رب العالمين ، يناديك بلسان التوبيخ و التهديد ( ذلك بما قدمت يداك و أن الله ليس بظلام للعبيد ) ..
لأمك حق لو علمت كثير *** كثيرك يا هذا لديه يسير
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي *** لها من جواها أنة و زفير
و في الوضع لو تدري عليها مشقة *** فمن غصص منها الفؤاد يطير
و كم غسلت عنك الأذى بيمينها *** و ما حجرها إلا لديك سرير
و تفديك مما تشتكيه بنفسها *** و من ثديها شرب لديك نمير
و كم مرة جاعت و أعطتك قوتها *** حنانا و إشفاقا و أنت صغير
فآهًا لذي عقل و يتبع الهوى *** و آهًا لأعمى القلب و هو بصير
فدونك فارغب في عميم دعائها *** فأنت لما تدعوه إليه فقير








و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


نلتقي مع وصية أخرى بإذن الرحمان .
 
العودة
Top