نجلاء القبيحة

قلم مضطرب

:: عضو مُشارك ::
إنضم
16 جوان 2014
المشاركات
126
نقاط التفاعل
256
النقاط
13
نجلاء القبيحة

نجلاء تلك الفتاة الريفية .. تلك الفتاة وحيدة أمها وأبيها .. تلك الفتاة القبيحة الشكل .. تلك الفتاة الساذجة المظهر .. تلك الفتاة السيئة الملبس .. تلك الفتاة التي تعيش بعيدا عن اضواء المدينة وصخبها وحداثتها .. تلك الفتاة التي لا تعرف شيئا عن الأناقة كبقية فتيات المدينة فهي لم تغادر أرياف عائلتها منذ الصغر ولم تُخالط سيدات المجتمع الراقي لتتعلم منهن آخر صيحات الموضة وأحدث ماركات الأزياء .

كانت تحلم كما تحلــم كل الأناث أن تتزوج بفارس أحلامها .. فارسً رسمته في مخيلتها .. فارس تركب معه الخيل بين النخيل , ألا أن حلمها ذاك مات كما ماتت قبله أحلام الآخرين .. فلقد مرت بها السنون وتصرمت ورأت نفسها فجأة قد بلغت ســن الـ 36 وبدأ الشيب يغــزوها ولا فارس أحلامها هو الذي أتى .. ولا خيله هو الذي وصل الباب .

تتقلب كل ليلة على فراشها وتحتضن وسادتها تتخيلها فارسها قريبا منها .. كانت تعيش حالة نفسية صعبة .. تفكر وتفكــــر :
- هل القطار مــر أم لا زال يسير ؟
- هل ظل هناك أمــــل أم ما آراه خيال ؟
- هل فات العمل أم هناك بقية ؟

تنقضي أيــام وأشهــر وهي تندب حظها النحس .. تندب ريفها .. تندب قبحهــا .. تندب عالمهــا , الأ أن ذات يــومً بدى من بزوغ فجــره أن شمسه تحمل نـــورً سيضيء حياتها إذ طرقت بابــهم سيدة تبحث لأخيها ذو الأربعين سنة عن زوجة .. لم تكــن في البيت أنثى غير نجـــلاء والتي بدورها لم تأخذ بالسيدة على محمـل الجد وكأنها تعلم مسبقا بأن هذه السيدة لن تزكيها لأخيها , ألا أنهـــا كانت مخطئة فالمرأة أخبرتها بأن شقيقها لا يهمه أن كانت من سيتزوجها جميلة أم قبيحة المهم أن تكون محافظة وتحترم زوجهـــا .

راحت نجلاء تتكلم معها وتتحدث وكأنهــا تريد أن تثير أعجابها لعلهــا تُقنع أخيها أن يتزوجها , وبعد تلك الجلسة بينهما أخبرتها السيدة بأنهــا ستمتدحها أمام شقيقها وستقول له كل صفاتها الجيدة ثم غادرت بعد أن أخذت منهم موعدا بعد أسبوعين لتعطيهم جوابــــا أم موافقة أخيها أو رفــضه .

الأيـــام التي تلت ذلك كانت كالدهـــر بالنسبة لنجــلاء لا تكاد حتى الدقيقة والثانية أن تنقضي , كانت تدعو ليلهــا ونهارها .. في الغسق وفي الشفق .. تنذر النذور .. وتقرء الأدعية عل القدر يستجيب , كانت الوساوس تتلاعب بــها ما أرهق ذهنها وجعلها تشك للحظة بأن ما حدث لــها طيف سرابً لم تلمحه جيدا , تقف أمام المــرآة تنظرُ لنفسها .. تتحسس بشرتها التي ترطبت من قطرات الدموع .. تمعن في ملامحها .. تمعن النظر جيدا في قبحها .. تتم في ذاتها :
- أعلم بأني لست جميلة , ولكنني لم أفقد الأمـــل بعد كل هذا العمــر وعرفت بأن أحدا مــا سيطرق بابي .. كنت أظنه مجرد حلــم لن يصبح واقع .. لكنه الآن تحـــقق , لا أدري هل سيقبل بي أم لا .. أخشى حينما يراني يتراجع .. أخشى حينما يصطدم بقبحي يهــرب .. أخشى قبل أن يعقــد الشيخ قرآنه يتركني .. يـــاه كم أني متعبة .. يــــاه ما أصعب تحقيق الأحلام .. يــاه على الصبر وما أعظم من الصبر ألا الأنتظار .. سأنتظر وأنتظـــر لربما المكتوب خــيرا مما سبق .

مضى أسبوعان وجاءت السيدة تحمل في جعبتها أخبار مفــرحة إذ أن شقيقهــا عزم أمـــره على الزواج من نجلاء والتي بدورها لــم تكن قد صدقت ما سمعته للتو .. جلست على الأريكة فلم تعد قادرة على الوقوف .. أخـــيرا أخيرا فارس الحلم وصل .. أخيرا كتبهـــا القدر .. أخيرا سترتدي فستانها الأبيض .. أخيرا ظهر النور في ذاك الظلام الموحش .. أخيرا ستتوقف موسيقاها عن العزف .. أخيرا دموعها ستجف .. أخيرا ضجيج حياتها سيهدء .. أخيرا الحـــــلم تحقق .

وبعد أن أنقضى شهـــر وعُقد قرآنهــما .. خرجــا معا لأول مــرة يتكلمون يتحدثــون يذهبون إلى المطاعـــم والمتنزهـــات ونجــلاء بدت كطفلة صغيرة تمسك بلعبتها سعيدة .. كانت تظــن نفسها جولييت .. تظن نفسها ملكة لأكبر أمبرطورية .. تظن نفسها سيدة ذاك القصر .. تظن نفسها القمــر في السماء , ورغم سعادتــها بحلمهـــا ألا أن هناك شيئا بداخلهـــا يبحث عن أجابة .. هناك لـــغز تريد حــل له .. معادلة لا تعرف جذرها , بينما زوجها منشغلٌ في قيادة السيارة أستجمعت نجلاء قواها وكسرت حاجز القلق وسألـــته :
- أريدك أن تُجيبني بصدق !

الرجل :
- ماذا هناك ؟

نجلاء :
- لما قبلت بي رغم أني لست جميلة .. وشقيقتك قالت بأنك لم تكن مهتم بالجمــال .. وقد كان بإمكانك أن تتزوج الأجمــــل ؟

ألا أن الرجل لم يـــرد بل ألتزم الصمت مما أخاف نجلاء وظنت بأنها تخطت الحدود وقد ينفصل عنهــا , لكنه ظل يسير بالسيارة حتى وصل السوق وتوقف وسط الـــزحام بينما هي متعجبة من تصرفه , باغتها بسؤال بعدما أشـــار بيديه نحو المتسوقين :
- قولِ لي , ما الذي ترينه هنــا ؟

نجلاء التي لم تفهم سؤاله جيدا , أجابته :
- أرى بشر .!

الرجل :
- نعــم , ولكن ما رأيك فيهم ؟ ماذا ترين ؟ هل هم وسيمون أم قبيحون ؟

نجلاء :
- الأثنان معـــا , لكن القبيحون أعدادهم أكثر !

الرجل :
- هل سألتي نفسك من قبل .. كيف يعيش هؤلاء القبيحون مع أُنــــاسهم ؟

نجلاء :
- ممممم .. ربما لأنهم أعتـــادوا رؤيتهم .!

الرجل :
- نعـــم , ولـهذا السبب أردت الزواج منك .. فكل شخص مهما كان جميلً أو قبيحا نهاية الأمـــر ستعتاد على رؤيته وستصبح ملامحه بالنسبة إليك مألوفة .. أن كان جميل لن تراه جميل .. وأن كان قبيح لــن تراه قبيح .

نجلاء :
- أنك محــق .!

الرجل :
- قبل وظيفتي الحالية كنت أعمل في محل "كافيه" وكل صباح كانت تأتي فتاة جميلة جدا إلى المحل وما أن تدخل من الباب الجميع كان يتوقف لــها والكل ينظـر إليها , ولكن بعد فترة قصيرة أصبحت كالبقية ولم تعد تُلفتُ الأنظار كما حدث بداية ترددها على المحـــل , ثم بعدها تأتـــي فتاة أخرى جميلة ويحصل لــها الأمر ذاته وبعدما يعتادون على رؤيتها تصبح شيئا ممــل مثل الجميع .

سكت قليلا .. ثم قــــال :
- صدقيني , الجميع جميل ومقبول الشكل ولكن ذلك يعتمد على الشخص نفسه .. فمثلا هناك فتاة قبيحة وعندما تقصُ شعرها تصبح جميلة .. فهنا يجب على الشخص نفسه أن يجد ما يناسب مظهره وملامحه فهو المسؤول عن جماله وقبحه , أو مثلا تجدين رجل قبيحً وحينما يطلق قليلا من شعر ذقنه يصبح جميلً .. إذا هو من يُسأل : لماذا أنت قبيح , أو كيف أصبحت جميل ؟ هناك فتاةٌ تعمل معي في المكتب تضع كل مساحيق التجميل في وجهها لكنها قبيحة جدا نكره حتى النظر إليها .. وذات يوم جاءت إلى المكتب دون أن تضع شيئا على وجــهها لكنها فقط وضعت الكثير من الكحــل في عينيها وغدت بين يومً وليلة أجمل سيدة في العمل .. هل تتخيلين ذلك مجرد هذا الأمـــر البسيط حولــها من قبيحة إلى جميلة وأي شخص سيراها سيُعجب بـــها بعدما كانوا يشمئزون منها , ولكــن كما أخبرتك من أعتـــاد رؤيتها ستصبح في نظره روتـــين ممــل حتى لو كانت حورية .. لذلك تزوجتك لأنك ستصبحين بعد فترة كالبقية !


قلم مضطرب​
 
رد: نجلاء القبيحة

السلام عليكم
سلمت يداك اخي على هذه الكلمات
صحيح فالجمال و القبح في المظهر شيء نسبي
اما جمال الروح و الاخلاق فهو الاساس.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top