فتاة روَّضت أخطبوط السمنة ...
فقدت من وزنها ستين كيلوغراما بطرق ذكية سهلة وسلسة فخرجت من السمنة إلى الصحة والرشاقة...
سأحكيها على لسانها، ليكون تعبيرها أفضل بقوة الله...
منذ نعومة أظافري وأنا أعاني من كيلوغرامات زائدة تعيق لعبي وتثير سخرية الآخرين لي واحتقارهم..
حاولت والدتي جاهدة حرماني من كل المأكولات المرتفعة السعرات الحرارية...فلا يزيدني ذلك إلا تفاقما، حيث أني أتحدى ذلك بالأكل في الخفاء، أو عند الجيران والأقارب.. حتى تضاعف وزني وزادت معاناتي واتسعت رقعة معدتي لتصيب باضطرابات أمعائي، والقولون العصبي أصبح لي رفيقا ثقيلا رغم صغر سني...
فتاة في سن السادسة عشرة قصيرة القامة ترافق ليل نهار خمسة وعشرون كيلوغراما زائدة عن وزنها الطبيعي من الدهون والشحوم واحتمالات كل الأمراض...
ناهيك عن انعدام ثقتي في نفسي وسخرية من حولي حتى أن الله سلط علي زميلة تدرس معي، تنغص علي حياتي يوميا ولمدة أربع سنوات بالسخرية والضحك مع صديقاتها علي على الملأ عند خروجنا من المدرسة، لأنتبه وأكف عن الإفساد في جسمي وأتقي الله في صحتي التي رزقني الله إياها فطمرتها في بحر شهيتي التي تسعر وتشتعل يوما بعد يوم، حتى يئس والداي مني وسلموا بالواقع وكفوا عن الضغط علي ولو بالكلام لأكف عن تدمير حياتي...
مرت سنوات وتخرجت من الجامعة بصعوبة وقد صار وزني 120 كيلوغراما...
أبكي حالي في صمت ولا أقوى على مواجهة نداءات معدتي الكثيرة فألبيها بسخاء ولا أمنع عنها شيئا ...
قررت التغيير مرارا، جربت انظمة غذائية كثيرة، أنقصت مرارا أكثر من عشرين كيلوغراما ثم عادت ريما لشحومها القديمة، وكأني أعاملها بوفاء لا أقوى على إنزالها من فوق كاهلي لأنعم بالخفة والراحة والهناء النفسي والاجتماعي، وأقر عيني والداي اللذان يعانيان بسببي ويبكيان لحالي ويخشيان موتهما وضياعي بعدهما، فمن يقوم على شؤوني وقد بطأت حركتي وبدأت تخذلني مفاصلي ويوجعني ظهري ويغلب علي الكسل والخمول والاكتئاب والابتعاد عن أعين الناس الفضولية والشامتة والمتفلسفة.....
حتى أكرمني الله بمخرج أحياني الله به وقضى على معاناتي وأبدلني صحة وخفة وحيوية...
ضقت ذرعا بحالي، وفي يوم من الأيام وأنا في الشارع أمشي الهوينا، رأيت سيدة في الستينات من عمرها، تتسول قابعة في كرسي متحرك، سمينة جدا منتفخة الرجلين، تشكو على المارة وجع مفاصلها وفقرها ومرضها...
فاقتربت منها في فضول، ووضعت في يدها بعض المال، فزكمت رائحة نتنة أنفي، ففهمت أنها لا تقوى على تنظيف جسمها وقد غرق بين الدهون...فأضعف يديها وسيطرتها عليه..
ثم سألتها بتردد عن حالها وما الذي أوصلها لهذا المآل، فأخبرتني أن زوجها تركها بعد ما تكالبت الشحوم على بدنها بسبب تناولها الأدوية نظرا لإصابتها بضعف القلب، وكسل الغدة الدرقية...
وطردها أخوها من بيت والديها واستولى عليه، فلم تجد سوى سؤال الناس ملجأ لتشتري ادويتها وطعامها....
دعوت لها بالشفاء وانطلقت بسرعة تناسب وزني حتى دلفت إلى بيتنا ثم إلى غرفتي ومشاعر مختلطة ترج فؤادي بين الحسرة والندم والتخوف قد حرضت دموعي لتمطر بقوة...
رأيت مصيري في تلك السيدة، واسود مستقبلي في عيني...
فقررت البحث عن حل حاسم لحالي ...
قمت لسجادتي أستلهم الصواب باستخارة ربي... سجدت بصعوبة باكية بين يديه أرجوه ان يرفع عني هذا العذاب....وأمسكت بين يدي مصحفي أقرأ سورة طه وكأني أقرأ الآيات لأول مرة، ما أكفرني لا ألجأ إلى ذي القوة المتين حتى تضيق بي الدنيا وما رحبت...
وبينما أنا أقرأ إذ فغرت فاي وكأني أرى هذه الآية لأول مرة في حياتي:
كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ۖ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ (82)
(سورة طه)
تسمرت في مكاني ولم أكن أر في الطعام سوى متعة حلال لا نحاسب عليها...
شعرت بقوة بمعنى الآية وأدركت أنه رسالة واضحة لي من الله...
بحثت على النت، فوجدت دكتورا قد أشار إليها وأعطى توصيات للتخلص من الوزن الزائد...
تساءلت بقوة صنعتها كل هذه العوامل داخلي:
وما الذي أحتاجه لأطبق هذا؟ بل لأستمر في هذا كنظام حياة؟
إني أحتاج إلى قوة الصد والصبر أمام إغراء الأكل، والقوة النفسية للمشي والحركة....
وما الذي سيعطيني هذه القوة؟
اتصلت بصديقة لي أحسبها على خير وكانت دائما تقول لي برفق أني أفسد في الأرض وأتعدى على جسمي وهو أمانة لدي وكنت أغضب وأتهمها بالتزمت وتعقيد الأمور...
رحبت باتصالي ونصحتني بالاستغفار وملازمته وتلت علي الآية التي تؤكد أنه قوة وهبها الله لعباده:
{ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}[هود: 50-52]
فقمت بالتخطيط للأمر
+ مرحلة استمداد القوة من الله بالاستغفار بنية أن الله يغفر لي إفسادي في صحتي ورفع هذا العذاب عني ( السمنة وأمراضها )..ومدتها شهر،،،
+ مرحلة تطبيق نظام غذائي متوازن:
- الأكل في أوقات الصلاة
- ومعلومة كانت فاصلة في نظامي الغذائي وهي تسلسل أنواع الأغذية..
الفاكهة أولا لأنها تنزل إلى الأمعاء لتهضم فيها وتسهل امتصاص الفيتامينات والأملاح المعدنية..وتزويد الأمعاء بالألياف الغذائية..
ثم الخضر لأنها أيضا تقوم بنفس المهمة ..
ثم النشويات والسكريات
ثم الدهون
ثم اللحوم بكل أنوعها..
ثم الماء
لماذا؟ لأن الأغذية التي تهضم بسرعة لها الأولوية لأنها تسهل الطريق للتي تهضم ببطء وبالتالي لا تتسع المعدة، يعني اكتفاء مبكر وشهية متوازنة وبالتالي لا سمنة ولا دهون..
تطبيق الأمر الرباني:
(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الآية 31 سورة الأعراف
أي كمية معقولة من الطعام وشرب الماء بعده...
- مشي مسافة قصيرة مع التدرج في الزيادة بشكل يومي او شبه يومي...أو على الأقل الحركة في البيت..
مع الحرص على ملازمة الاستغفار والدعاء بالتوفيق وتمام الأمر واستمراره..
+ مرحلة تثبيت الوزن والحفاظ عليه بالاستمرار على ما سبق..وليس فيها سوى الاستغفار والحفاظ على العادات الجديدة..
وبدأت بفضل الله...
وقد فوجئت ببداية البشائر في الأسبوع الثاني، بدأت شهيتي تقل وقدرتي على الصبر تكبر... فبدأت أصوم أحيانا شكرا لله على فضله وشعرت حقا بسهولة الأمر فلم أكن احتاج سوى اعترافا بذنبي وأن ما أصابني هو مما كسبت يدي ثم التوبة والأوبة لربي واستمداد القوة منه لاستعادة صحتي بتصحيح عبادتي، فقد علمني أن العبادة ليست مناسك فقط ولكنها عقيدة راسخة في القلب، وعمل يؤكد تلك العبودية لله في كل نواحي الحياة...
وبعد ستة أشهر، خرجت من ابتلاء دام سنوات أعذب به نفسي...
والآن لا أحرم نفسي من شيء، فقط التوازن وعدم الإسراف وأحيا بفضل الله في سعادة، صحة ورشاقة وحب من حولي وبر والداي وتزوجت وأنجبت ومازلت أحيا بالاستغفار والشكر في بركة الله...
مساؤكم راحة بال وصلاح حال من العلي المتعال..
نزهة إبراهيم الفلاح
آخر تعديل بواسطة المشرف: