كيف يمضي الأعسر حياته؟-
.................................
سائر بصمه جي
.....................
ربما تكون أنت أو أحد الأشخاص الذين يحيطون بك هو شخص أعسر.. فالأعسر هو من يستخدم اليد اليسرى بدلاً من اليمنى وخصوصاً أثناء الكتابة .وقد يسمى أيضاً (الأشول) أي الذي يكتب بيده اليسرى .فما هي حقيقة هذا الأمر، وماذا تنصحنا به هذه المقالة إذا شاء القدر أن نكون عُسراً؟
من بين 10 إلى 15 بالمئة من البشر هم عسر. فهذه النوعية من الناس اضطهدوا منذ قرون ونسبوا هذه النوعية إلى الشيطان ووسموها بالشر. الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليسرى عندما يقرؤون أو يسمعون الآن هذا الكلام يعتقدون بأن العالم بأسره يقتفيهم للإمساك بهم.
"الأشخاص العسر يموتون قبل تسع سنوات" كان هذا النبأ الإخباري لافتاً، عندما نشر العالمان النفسانيان ستانلي كورن وديان هالبرن اكتشافهما هذا وذلك في عام 1991 أن لدى الأشخاص العسر مدة حياة أقصر، واستنتج الباحثان أنه ليس بسبب كون الدنيا خُلِقَت على مبدأ اليمين والتي تجعل العسر عرضة للحوادث أكثر فحسب وإنما بسبب أن الوظائف العضوية للجسم بالنسبة للأشخاص العسر فهي أكثر تأثراً وعرضةً للمرض. مع أن الأشخاص العسر انفجروا غضباً من هذا الإعلان، فإن الجدل في هذا أدى إلى وعي جديد عن كثير من الأشخاص العسر. يطغى الأشخاص ذوو الاستخدام الأيمن على خبرات الأشخاص العسر والعلماء بدؤوا باستيعاب أن العسر هم حقاً مختلفون لكن ليس إلى ذلك الحد كما نتخيل وليس بذلك السوء.
سمعة سيئة ومشؤومة
كما لو لم تكن وسائل اليمينيين كافية بالنسبة لليساريين ليتعاملوا معها وبها، بل وهناك أيضاً مسألة السمعة. عبر التاريخ، كان الجانب اليساري من الجسم مرتبطاً بالظلمة والحظ العاثر والأرواح الشريرة، بينما ارتبط الجانب اليميني بالنور والحظ السعيد والفضيلة. إن التوراة والتلمود والإنجيل والقرآن مليئة بالفوارق والاختلافات بين اليمينيين الورعين الطاهرين وبين اليساريين الشريرين. وفي أساطير شرق آسيا أن بوذا أنزل مشايعه ونصراءه الذين هم على يمينيه إلى فردوس الخلود بينما جلس الشيطان إلى يسار الإله الذي غالباً ما يوصف بالأعسر.
تعكس اللغة أيضاً الفروق بين الجانب اليميني واليساري. ففي اللاتينية كلمة شرير تعني اليسار وبالنسبة للغة الإنكليزية والتي تشير إلى كلمة اليساري بأنها تعني الأنباء السيئة. فكلمة left مشتقة من الأنجلو سكسون lyft والتي تعني "ضعيف أو مكسور أو مهزوم أو خاسر" ويعدد معجم أكسفورد الإنكليزي عدداً لا حصر له من المرادفات لعبارة left-handed أي أعسر وتعني هذه المرادفات "ناقص أو متخلف ومريب والشاذ أو غير شرعي". حتى أن الغجر يستعملون الكلمة الرومانية للعسر وهي bongo والتي تدل على الشخص السيئ أو الشرير.
كذلك الإيحاءات والإيماءات والحركات الطقوسية للمجتمع تتبع الحركة اليمينية. فالمصافحة والتحية وإشارة الصليب والقَسَم على الكتب المقدسة كلها باليد اليمنى. ويمقت المسلمين اليد اليسرى وهذا منتشر في الشرق الأوسط وآسيا، بالإضافة إلى كون هذا الكره هو تقليد، فالناس يستخدمون يدهم اليسار للطهارة في بيت الخلاء.
تحامل العالم اليميني على الطرف اليساري وهو العجب بأن أي شخص أعسر سيبقى أعسرَ. لكن عدد العسر يبدو أنه ثابت خلال آلاف السنين بصرف النظر عن الضغوط الاجتماعية التي يتعرضون لها. احتار الناس تماماً لمدة طويلة حول وجود أشخاص يساريين ومن هؤلاء الناس ذوي عقول عظيمة ابتداءً من أفلاطون وانتهاءً بجان جاك روسو والذين يتفكرون فيما إذا كان الاستخدام اليدوي اليميني أو اليساري هو فطري أم مكتسب. وتكثر النظريات حول ذلك. في أواخر الأربعينيات لامَ بغضب الطبيب النفسي في مدينة نيويورك حالة عسر الأطفال الذين هم مابين السنة الأولى والثالثة لاستعمالهم يدهم اليسرى.
تعدّ الوراثة أحد العوامل لهذه الظاهرة لكنه ليس هو العامل المهيمن. فبين 90 بالمائة من الأطفال الذين يولدون يمينيين يوجد بالمقابل أطفال عسر يشكلون أقل من النصف لكل طفلين يكبران ليكونا أعسرين. حتى بالنسبة للتوائم المتماثلة والمتطابقة يمكن أن يكون لدى كل واحد منهما استخدام مهمين لليد عكس الآخر.
يمكن أن يكون تكيف جهازنا العصبي في وقت ما قرر أنه هو أكثر فعالية وكفاءة للتخصص لأداء مهارات الحركة كالذين يقذفون بالحجارة أو الذين يكتبون المقطوعات الموسيقية. وذلك التخصص يكون أيمن بشكل دائم تقريباً.
يعرف كل العسر أنهم مختلفون؛ مختلفون في الأساليب التي يمكن أن تتبع في الحياة اليومية العادية. وتبدو مثل رحلة إلى بلاد أجنبية بلا كتاب دليل. عند العسر تقريباً في السنة الأولى والثانية من عمرهم استعداد للعوائق والصعوبات التي سيلاقونها في مسار حياتهم حتى بالنسبة لأولئك الذين هم بعمر سنتين. يستخدم الأطفال الرضع كثيراً كلتا يديهما بشكل تبادلي وحينئذ يبدأ الأطفال بإتقان المهارات الحركية، هذه المهارات تطغى على إحدى اليدين وتكون هي المسيطرة والمتمكنة من الاستعمال.
أول ما يعترض أكثرية اليساريين الصغار حضارة المسلك اليميني وذلك عند دخولهم المدرسة. الصدمة الأولى عادة هي المقص. إذا أمسكت بالمقص ستلاحظ أنك تفتحه وتغلقه مع الاعتماد على الضغط باتجاه الأسفل وهناك دفع خفيف نحو الأمام من الإبهام ودفع خلفي من الأصابع الأخرى. تلك الضغوطات تدفع بنصل الإبهام إلى أمام نصل الأصابع عندما يتصالب هذان النصلان عند نقطة محور المقص يجعلهما يقصّان.
إذا وضعت المقص نفسه في اليد اليسرى واستعلمت الحركة بإبهامك نفسها وأصابعك فسيتنحى نصل الإبهام مبتعداً عن نصل الأصابع الأخرى وسينتج عن ذلك انفصال الورقة وينحني الجزء المنفصل بسهولة بين النصلين المتباعدين قليلاً عندما يتقاطعان. ولكي تحصل على مقص لتقص يتوجب عليك أن تدفع بأصابعك وإبهامك هذه الحركة صعبة نوعاً ما، بل هي كذلك. كل من في الصف يحدق بك وأنت تضغط بإبهامك المتألم والمصاحب لحركة المقص المتناغمة، وهنا ربما يتساءل الصغار ذوو الاستخدام الأيسر عن ورقتك التي قصصت لمَ هي بقالب ثلم وخشن؟ إنها ليست عملية.
يتذكر كبار السن العسر أن العقبة الأكبر التي واجهوها في المدرسة. خلال القرن العشرين، أجبرت المدارس الأمريكية التلاميذ العسر أن يكتبوا باليد اليمنى كطريقة للتوبيخ أو الإخضاع القسري. دفع ذوو الاستخدام الأيسر ثمن هذا الثبات. حصل العديد من العسر على علامة سيئة في السلوك لأوراقهم المكتوب عليها بشكل غير مرتب وقد تلطخت بالحبر، أو الذين قضوا ساعات عصيبة تقصم الظهر بأخذ التأنيب من أستاذ المدرسة الثانوية. وإلى اليوم، يذكر الكثير من الصغار العسر أن آبائهم لطالما أخذوهم إلى المتاجر الرياضية قبل أن يتمكنوا من اقتناء القفاز الملائم لممارسة لعبة البيسبول أو الغولف.
في الحقيقة، يتعلم العديد من اليساريين الألعاب الرياضية ذات الاستخدام اليميني لأنهم يريدون أن يجاروا الحركات اليمينية للمدرب. قضى الرياضي جون ديانا في جزيرة لونغ بمدينة نيويورك سنوات يبحث بحماسة عن كتيبات تعليمية للعسر وبذلك يعترف: "خربت كل كتب زوجتي عن الغولف" ففي كل موضع من الكتب الموجودة في المكتبة يوجد علامات أو إشارات صغيرة تشير إلى هذا يسار وهذا يمين.
مصمم الأثاث المنزلي كريس ويلاند هو أعسر وهو يعلم تقنيات النجارة والأعمال الخشبية في جامعة إنديانا بولاية بنسلفانيا. يقول ويلاند: "كنت أُري الطلاب كيفية استعمال الأدوات اليدوية اليمنى. ثم أنقل هذه الأدوات إلى يدي اليسرى المتمكنة وفي الواقع أنا أريهم كلا الأسلوبين في الاستخدام. أما الأدوات الكهربائية فأمرها مختلف فعليك أن تتعلم استخدامها لأن معظمها هي يمينية الاتجاه وذلك لأسباب سلمية. وعلى اليساريين أن يكونوا محترسين كثيراً جداً ولديهم نفاذ البصيرة وعمق الإدراك ومتسمين بالفهم". وبالتكلم عن مراقبة طلابه اليساريين الذين يعملون بآلات يمنى قال:"قد تعني أية حركة خاطئة فقدان إصبع".
قاتل صامت
أزعجت جداً تصريحات العالم النفسي ستانلي كورن بجامعة كولومبيا البريطانية في مدينة فانكوفر اليساريين التي مفادها أن موتهم سيكون مبكراً وذلك بسبب أنواع الأدوات المستخدمة والتي تجعل حياة اليساريين خطرة جداً. وهم على الأرجح معرضون للموت أكثر بخمس مرات من اليمينيين، ولأن العالم يرفض أن يتعايش معهم. يقول ستانلي: "ليس على اليساريين سوى التعلم فقط لأنهم ليسوا خارجين عن العوامل البشرية والناس".
أصبح كورن أولاً مفتوناً نوعاً ما حين دراسة الإدراك الحسي في السبعينيات. وعلى مر السنين، لاحظ أمراً ما غريباً، مع أن 13 بالمائة من السكان وهم بعمر 20 سنة كانوا عسراً وفقط خمسة بالمئة منهم في الخمسين وواحد بالمئة في الثمانيين من العمر، فأين من كان العسر الكبار السن؟
حللّ الاختصاصيان النفسيان كورن وديان هالبرن في عام 1988 في جامعة ولاية كاليفورنيا بمدينة سان بيرناردنيو فترات حياة 2271 من لاعبي البيسبول كما هو معروف في موسوعة البيسبول، وقد وجدا وسطياً أن اليمينيين يعيشون مدة ثمانية أشهر أطول من اليساريين وهذا فرق بسيط لكنه لافت ومثير. وفي عام 1991 أرسل العالمان دراستهما التي كتباها إلى مجلة نيو إنجلاند الطبية هذه الدراسة كانت الموضوع الخامس من المجلة مما جعل هذان العالمان سيئي السمعة وشائنين لدى اليساريين.
استطلع العالمان حوالي 2000 شخص كانوا أقارباً للعسر الذين ماتوا مؤخراً، وكان السؤال إن كان المتوفى أعسراً. دوّن الباحثان في جدول متوسط 75 متوفى من اليمينيين و 66 ميتاً من اليساريين وكان الفرق بين العمرين تسع سنوات! وبدت حالة العسر هذه وكأنها قاتل صامت. "لا تنتظر اليساري" وهو عنوان نشره العالمان في جريدة نيويورك تايمز وكذلك عنوان "مات". رن جرس هاتف الباحثين وكانت المكالمة عبارة عن توسلات وتضرعات من محددي المواعيد لبرنامج الحوار في الصحيفة عن تهديدات يساريين مهتاجين وغاضبين.
لكن يقول الباحثون الآخرون إن دراسة كورن وهالبرن أخذت صورة صغيرة جداً عن العسر لا يمكن الاعتماد عليها أو الوثوق بها. يقوم عالم الأوبئة مارسيل ساليف بالمعهد الوطني بدراسات عن الشيخوخة فقد أجرى على الحاسوب دراسة على كبار السن دامت ست سنوات وجاءت الأرقام والأعداد العمرية لليساريين مساوية لأعمار اليمينيين. ويعتقد ساليف أن نقص العمر بالنسبة للعسر يعود إلى التغير المفاجئ الذي حدث في أوائل القرن العشرين: "ذلك ما فكرنا به أولاً".
الملاحظ من حسابات كورن أن نسبة الدراسة عن اليساريين قد برهنت مدى تعنّت الفكر حولهم طوال القرون الماضية مع كل الانفتاح الثقافي الواسع. لكنه يقر – أي كورن- أن فارق تسع سنين قد تكون استثنائية وخارجة عن القاعدة. فعلى كورن وساليف أن يتقبلا مسألة: أن فترة حياة اليساريين تستحق نظرة أعمق.
يقول اليساريون: إنهم لديهم مشاكل، لكن تلك المشاكل هي إثارات مزعجة في أغلب الأحيان أكثر من الحوادث الخطرة. يقول كيس كيبرس المحرر في مجلة الأعسر- Lefthander: "لدينا الكثير من الشكاوي حول آلات التصوير الفيديو النقالة، ومجففات الشعر، والهواتف. إنما السيطرة أو التحكم على اليمين والسلك على اليسار".
بالنسبة لليساريين فإن الأعمال الحياتية اليومية يمكن أن تعود بالخطورة عليهم. يقول جون ديانا: "يمكن أن تشكل أعمال المطبخ كابوساً للأعسر" وهذا ما يجعل الأمر يتفاقم وأكثر سوءاً، فمقشرات البطاطس والمغارف ونازعات السدادات والسكاكين يمكن أن تكون كلها خطرة بشكل محض لأنها مثل المقص فالأمر ليس واضحاً. الطرف المسنن الحاد الموجود على سكين تميل نحو اليمين قليلاً وحين تقوم بتقطيع الفطيرة إلى شرائح باتجاه الأسفل فإن السكين تتجه بعيداً عن اليد التي تمسك بالفطيرة. ضع السكين نفسها في اليد اليسرى فستحاول هذه السكين ما بوسعها لتستقر في الإصبع الأوسط اليميني.
حتى حوض الزراعة يمكن أن يكون غير مأمون. الكاتب آلن لاسي الذي يصدر صحيفة تدعى"حديقة المنزل" تحدث عن استعماله لأدوات الحديقة حيث إنه بعد بضعة ضربات بمعول حاد ليجتز الأعشاب الضارة، أدرك لاسي الأعسر أنه يمكن لهذا المعول أن يشكل خطورة عليه أكثر من الأعشاب الضارة. فهو يقول: "إن المنجل ينحني ويتقوس إلى ناحية اليمين فقد تنتزع أحشاءك بنفسك دون أية متاعب أو جهد على الإطلاق".
أضف إلى ذلك قاطعة العشب الكهربائية التي هددت بقضم أصابع قدم لاسي عندما وقف على الجانب الأيمن للآلة ليسحب حبل التشغيل وهذا ضروري لكي يتمكن من السحب فاشتبك حبل النايلون بأنبوب العادم على اليمين. يقول لاسي: "حاولت به خمس دقائق وأدركت أنه خطر جداً. كان أنبوب العادم مباشرة بجانب جسمي".
لكن هل هذه المواجهات للأدوات كافية لتقتل اليساريين؟ تتصاعد النداءات إلى إدارة السلامة المهنية والصحة (OSHA) ومجموعة المؤسسات الاتحادية المسؤولة عن تأمين الصحة والسلامة لليساريين الذين يشوهون أو يموتون والحصول على دليل لهذا الحادث الذي يقع. من ناحية أخرى، يعترف المسؤولون أن هذا يمكن أن يكن لأنهم لا يسألون عما إذا كان ضحايا هذا الحادث هم يساريون أم لا؟.
فلماذا إذاً اليساريون غير مؤهلين وأكفاء؟ يقول سبرانغر: "في كثير من الأحيان يتكيف العسر مع العالم اليميني والحد الأدنى لهذا التأقلم هو أن الأشخاص العسر الذين يتأقلمون أكثر بكثير مع الأعمال والمهام أكثر منّا نحن اليمينيين، نحن المعطوبون وظيفياً في هذا العالم".
لقد تعلم اليساريون أن العالم يسلط الضوء عليهم. معلمو المدارس هم أقدر على الاحتمال وتساهلاً بالنسبة للكتَّـاب العسر والمقاعد ذات الاتجاه اليميني تصبح شيئاً من الماضي. وأصبح هناك محلات ومجلات مصورة متخصصة في استخدام مختلف الأدوات منها المقص المعقوف ومغارف ومقصات كبيرة للحدائق وربما أدوات أخرى للاستخدام اليساري.
يتعامل جون ديانا وهو لاعب غولف في لونغ آيلاند مع إحباطاته المتكررة بفتح النظام التجاري البريدي لليساريين الذي يعرض أدوات يسارية كنازعات السدادات والسكاكين من بين المنتجات الأخرى. وقد تواصل مع دليل اليساريين وإلى مصدِّري كتيبات مرجعية توضح بالصور طريقة اللعب بالغولف والبولينغ والتنس والبيسبول بالنسبة للعسر.
أدمغة مختلفة
حسب وجهة نظر كورن، حتى لو العالم امتنع عن استخدام الأدوات اليُمنى فإن اليساريين سيظلون يواجهون مخاطر أخرى وهي وظائفهم العضوية. نحن كما نعرف أنه منذ أكثر من مئة عام أن دماغ الإنسان يوزع الأوامر جانبياً وذلك بأن يتحكم الجانب الأيسر بالجانب الأيمن من الجسم وهو يشتمل مهارات اللغة، وأن نصف كرة الدماغ اليمنى تتحكم عادة بالجانب الأيسر من الجسم وتميل إلى التعامل مع المهام المكانية. اعتقد باحثو القرن التاسع عشر أن العسر لابد أن يكونوا ذوي أدمغة مختلفة يمينية مسيطرة كالصورة المعكوسة في مرآة اليمينيين.
مما يؤسف له، أن ذلك ليس بهذه البساطة والسهولة. نحن نعرف مع أن 97 بالمئة من اليمينيين هم ذوو أدمغة يسارية متحكمة بالنسبة للغة وكذلك 68 بالمئة من اليساريين أيضاً. إن كل 20 بالمئة من اليساريين هم ذوو أدمغة يمينية بالنسبة للغة. ولا يوجد دليل علمي على هذه الفكرة الشائعة بأن العسر أصلاً وفطرياً هم ذوو أدمغة ذات التحكم اليميني وهم أكثر حساسية وشاعرية وبارعون ومولعون بالفنون أو أن اليمينيين هم أكثر صلابة وواقعية وعقلانية ومنطقاً.
لكن العلماء يعرفون حقاً أن أدمغة العسر هي مختلفة عن اليمينيين ومع كل تخصص بين نصفي كرة الدماغ وأكثر تغييراً وعبوراً وانتقالاً بين النصفين. في السنوات الأخيرة، وثّق الباحثون أيضاً أن غير اليمينيين لديهم معاناة بالسقوط في مشاكل صحية معينة ومحددة منها صعوبة التعلم والصداع النصفي والكآبة والحساسية واضطرابات المناعة مثل التهاب المفاصل الروماتزمي والتهاب القولون التقرحي. والذي لم يستطع العلماء أن يكتشفوه وضعوا له أداة الاستفهام لماذا.
قدَّم نورمان جيسشونيد، الاختصاصي بعلم الأعصاب والبارز من جامعة هارفارد، نظريةً افترض فيها أن التوازن في هرمون التيستوسيترون أثناء فترة الحمل يمكن أن تؤثر في نظام مناعة الجنين وأيضاً تبطئ تطور نصف الكرة الدماغية اليسرى مما يجعل هذا النصف أقل تخصصاً. وهذا ما يفسر المشكلات الصحية وتزايد غير اليمنيين أي اليساريين، وحتى في واقع الأمر أن الرجال العسر غالباً يعانون صعوبات أكثر من النساء.
يعتقد العلماء بأن نصف العسر ربما هم يساريون إما لأن معايير الهرمون (أو بفعل ضغوطات) دفعتهم قليلاً وجعلتهم مختلفين عن اليمينيين مثل الخدج (أي المولودين قبل الأوان) وهذا ما يحلله علم الأمراض. لكن أن تدرك بأنك يساري أو طفلك كذلك هو حالة مرضية فليس بالأمر المروّع كما يبدو. يتوقع كورن اليوم حين يتعرف على الاختلافات لوظائف الأعضاء لليساريين فإنه سيقوم بالمعالجة حسب الطلب. يقول مارك هاليت المدير التحليلي والسريري للمعهد الوطني للاضطرابات والاعتلالات العصبية الحيوية: "هذا قد يفيد، فالمشكلات مثل صعوبة الكتابة والقراءة أو التكلم أحياناً هي مفتقدة عند الأطفال. ربما حالة العسر قد تكون إشارة إلى أنه يوجد خلل دماغي بسيط وهذا يستحق النظر والبحث فيه".
ويظن بعض الباحثين أن صفة الأعسر قد تكون نتيجة لبعض الخلل في التوازن والذي يؤثر في الدماغ قبل الولادة مثل ارتفاع مستوى الهرمون الذكوري التستوستيرون. وهذا قد يفسر سبب تأكيد بعض الدراسات بأن نسبة الذكور بين الأشخاص المعسرين أكثر من الإناث.
لكن توجد بعض الجوانب المحيّرة في حالة الأعسر فهي تسود بنسبة أكبر في الأطفال الذين يولدون ولادة غير مكتملة وبين الأشخاص الذين يتمتعون بمعدل ذكاء مرتفع خاصة الأطفال الذين لديهم قدرات قوية في الرياضيات والموسيقا والكلام.
وإحدى النظريات التي تفسر هذه الظاهرة أن العنصر الجيني الوراثي الذي في معظم الحالات يركز القدرات اللغوية في الأشخاص في الجانب الأيسر من دماغهم هو الذي يجعلهم أيضاً عاملين باليد اليمنى. وإذا كان هذا العنصر الجيني الوراثي غائباً (بغياب إحدى المورثات) تحصل صفة الأعسر بشكل عشوائي.
ووفقاً لبعض الباحثين يميل الشخص الذي يعمل بيمناه إلى استعمال الجانب الأيسر من دماغه على الجانب الأيمن منه، ودماغ الشخص الأعسر هو أقل تخصصاً في وظائفه على الجانبين.
الألعاب الرياضية الجيدة
لحسن الحظ، الأنباء ليست كلها سيئة بالنسبة لليساريين، يوجد بعض الأعمال حيث يمكن للأعسر أن يقوم بها يدوياً بشكل ملائم. في أي مكان يعدّ اليساريون أكثر غلاءً وتقديراً وخصوصاً في لعبة البيسبول. أعطى كُتاب الرياضة في القرن التاسع عشر الرماة لقب (كف الجنوب) وذلك بعد لقائهم واستحكامهم للاتجاه الغربي في لعبة أقيمت في منتزه الكرة بشيكاغو. تُفضل رياضة البيسبول الرماة اليساريين لأنهم يلتقون ويواجهون العدّاء الذي يجري على القاعدة الأولى وضاربو الكرة هم يساريون لأنهم يقفون على بعد خطوتين أقرب إلى الأولى.
مازالت تلك الفوائد لا تفسر الغموض الذي يحيط بلاعبي كرة البيسبول العسر. تيد وليم وتاي كوب وجو الحافي وجاكسون هم في الذاكرة ليس فقط كضاربي كرة عظماء بل كضاربي كرة يساريين عظماء. سُجِلَ بيب راث في اللعب الأعسر في المؤسسة المدرسية للصبيان في بالتيمور بمدينة مارلايلاند مع أنه فقير جداً بحيث لعب بقفاز يميني ثم خلعه ليحقق رمية يسارية.
الرماة العسر العظماء مثل ساندي كوفاكس وستيف كارلتون إلى ملاح سياتل راندي جونسون هم أكثر موضع تقدير واحترام وخصوصاً بالنسبة لقدرتهم الرائعة على الرمي وضرب الكرة باليد اليسرى. من بين فريق الرماة الواحد يوجد تقريباً الثلث منهم عسر. يرمي جونسون تقريباً إلى مسافة 150م إلى الضارب الأعسر وتبدو الكرة تنحني وتميل آتية مباشرة إلى الرأس قبل أن تغير اتجاهها إلى اليمين. الكثير من الفرق مضاربهم يستخدمونها باليسار عندما يتأهب جونسون للرمي.
يتقاضى أيضاً اليساريون أجوراً جيدة في ألعاب التنس والملاكمة والمبارزة هذا غير المكافآت والتقديرات التي ينالونها بشكل كبير لعنصر المفاجأة الذي يفعلونه أثناء اللعب وذلك بأنهم يقضون معظم الوقت يصدون انقضاض منافسيهم اليمينيين. إن رود ليفر وجيمي كونورس ومارتينا نافراتيولوفا وجون مكنروي هم فقط أقلية لعديد من لاعبي التنس العسر الذين قد تفوقوا وكانوا بارزين. لكن اليساريين ممنوعون من أداء رياضة كرة الماء والهوكي على الخيل فإن هاتين اللعبتين اعتبرتا كميناً خطراً جداً بالنسبة لليساريين.
ويعتقد علماء فرنسيون بأن الشخص الأعسر هو أكثر قدرة على المواجهة، وله ميزة قتالية تفوق الشخص الذي يتعامل بيده اليمنى. ففي دراسة أجراها فريق من العلماء الفرنسيين نُشرت في مطبوعة علمية قالوا إن الأعسر بطبيعته لديه قدرة أكبر على البقاء في المجتمع الذي يطغى عليه العنف. وأوضحوا أنه نظراً لأن الأعسر يعد~ نفسه من الأقلية تكون دائماً لديه ميزة استراتيجية عند القتال.
يساريون أسطوريون
إن اليساريين هم أيضاً يمكن أن يشار إليهم بالبنان بسرعة ويشكلون عدداً كبيراً لا يحصى من المهندسين المعماريين والمصممين وأسياد الشطرنج وعلماء الرياضيات وفنانين كلهم عسر مثل ليورنادو ورافاييل وهولبين وكيلي وبيكاسيو وكذلك الموسيقيين مثل بوب دايلن ورينغ ستار وبول ماكارتي هم أيضاً يساريون والمشهور طبعاً جيمي هندريكس كان أعسراً والذي صمم أوتار غيتاره بشكل عكسي. هاربو ماركس وشارلي شابلن كانا يساريين، عزف شابلن على كمان يساري مصنوع خصيصاً لهذا الغرض.
يبدو أن العسر لديهم نفوذ سياسي متزايد كالرؤساء ترومان وفورد وبوش كانوا جميعاً يساريين تماماً مثل الرئيس كلينتون وباراك أوباما. في عام 1992 ولأول مرة يلتقي كل مرشحي الرئاسة الرئيسيين بما فيهم اتش روس بيرو والذين كلهم كانوا جميعاً يساريين.
هنأ اليساريون ستانلي كورن لرؤيته الجديدة والواضحة لليساريين. فهو يتصور أن تكون كل الأدوات التي لا يمكن تصميمها بالنسبة لليساريين أو التي يستخدمها من يقدر على استعمال كلتا يديه أن تصبح في يوم متوفرة بشكل واسع بنماذج معدلة لكلا الاتجاهين اليميني واليساري بشكل منسق ومتناغم. يقول كورن: "إحدى الأمور التي قمت بها أنني أشرت إلى العسر بأنهم قاصرون وأنهم أقلية وأنهم يحتاجون إلى أدوات ذات نوعية عالية كي يستطيعوا مواكبة ومواصلة أعمالهم، وهم يحتاجون إلى سكين جيب ذي شق يساري الجانب محفور على طرف النصل لينفتح".
مستخدمو اليد اليسرى
ربما يجد مستخدمو اليد اليسرى مشكلات في حروف الكتابة التي يبدو أنها صُمّمت لتناسب مستخدمي اليد اليمنى. يجب ألا يغير الإنسان اليد المستخدمة في الكتابة إذا كان هو بطبيعته يستخدم اليد اليسرى؛ فقليل من الأفكار قد تجعل الحياة له أسهل، لذا قد يستفيد الأعسر من التالي: 1- كرسي مرتفع قليلاً. 2- قلم ذي رصاص ناعم لا يترك ثقوباً على الورقة، وبمرور الوقت يستخدم قلماً حديثًا لا يلطخ الورقة. 3- مسافة على الطاولة لوضع الورقة في الجهة اليسرى في مكان يريح اليد والعين. 4- عدم مسك القلم قريبـاً من السنّ. هذه التوجيهات العملية تساعد مستخدمي اليد اليسرى في الكتابة؛ وذلك في رؤية ما يكتبون، وكذلك الكتابة براحة من الجهة اليمنى إلى اليسرى.
قد يحتاج مستخدمو اليد اليسرى عند كتابة الحروف إلى مساعدة محددة مثل:
1- التوجيه في المراحل الأولى في الاتجاه عند كتابة الإنجليزية من اليسار إلى اليمين، وفي حركة الحروف المنفردة.
2- يجد بعض مستخدمي اليد اليسرى في الكتابة صعوبة في كتابة الحروف المائلة الإنجليزية إلى الأمام. وتُصبح هذه مشكلة فقط عندما يُطلب أو يُجبر مستخدمو اليد اليسرى على اتباع نموذج معين أو يُنتقدوا على كتابة الحروف مائلة إلى الخلف.
3- ربما يجد مستخدمو اليد اليسرى صعوبة في ربط بعض الحروف السهلة على مستخدمي اليد اليمنى. تؤدي قلة الربط بين الحروف، ورفع القلم عن الورقة غالبـاً إلى زيادة في راحة الكاتب وفاعلية الكتابة.
أخيراً
نقلت صحيفة "دايلي مايل" البريطانية عن عالم أسترالي استنتاجه الذي توصل إليه بعد دراسة مطولة والذي ينفي أن يكون الأعسر أكثر موهبة من الأيمن، كما كان يُفترض سابقاً. وقد أجرى مايك نيكولس البروفسور في جامعة فليندرس (والذي هو نفسه أعسر) دراسة شارك فيها 5 آلاف طفل عمرهم خمس سنوات. واطلع العالم على نتائج تقدمهم المدرسي، كما استفتى المدرسين بصدد سلوك الأطفال وقدرتهم على التخالط والتواصل. واستنتج نيكولس أن الأطفال العسر يتخلفون عن الذين يستخدمون يدهم اليمنى، كما أن الأوائل يتآلفون مع العمل في المجموعة بصورة أسوأ.
وقال نيكولس إنه "من غير الصحيح أن يصبح الإنسان أعسر جرّاء تطور جسمه قبل ولادته بأسلوب غير سليم، كما كان الكثير يعتقدون في السابق". وأضاف أن قدرة الأعسر المتدنية على التعلم يتناسب مع مستوى تنمية مَن ولد قبل أوانه.
وبحسب معطيات مختلفة، فان الأعسر يحقق النجاحات في ممارسة الرياضة وعلى وجه الخصوص في التنس والبيسبول والرياضات المائية. ولا يخلو عالم التكنولوجيا العالية من شخصيات موهوبة، حيث أن أربعة من أصل خمس من الاختصاصيين الأوائل عملوا على وضع موديلات لكومبيوتر "ماكنتوش" من هذا القبيل.
.................................
سائر بصمه جي
.....................
ربما تكون أنت أو أحد الأشخاص الذين يحيطون بك هو شخص أعسر.. فالأعسر هو من يستخدم اليد اليسرى بدلاً من اليمنى وخصوصاً أثناء الكتابة .وقد يسمى أيضاً (الأشول) أي الذي يكتب بيده اليسرى .فما هي حقيقة هذا الأمر، وماذا تنصحنا به هذه المقالة إذا شاء القدر أن نكون عُسراً؟
من بين 10 إلى 15 بالمئة من البشر هم عسر. فهذه النوعية من الناس اضطهدوا منذ قرون ونسبوا هذه النوعية إلى الشيطان ووسموها بالشر. الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليسرى عندما يقرؤون أو يسمعون الآن هذا الكلام يعتقدون بأن العالم بأسره يقتفيهم للإمساك بهم.
"الأشخاص العسر يموتون قبل تسع سنوات" كان هذا النبأ الإخباري لافتاً، عندما نشر العالمان النفسانيان ستانلي كورن وديان هالبرن اكتشافهما هذا وذلك في عام 1991 أن لدى الأشخاص العسر مدة حياة أقصر، واستنتج الباحثان أنه ليس بسبب كون الدنيا خُلِقَت على مبدأ اليمين والتي تجعل العسر عرضة للحوادث أكثر فحسب وإنما بسبب أن الوظائف العضوية للجسم بالنسبة للأشخاص العسر فهي أكثر تأثراً وعرضةً للمرض. مع أن الأشخاص العسر انفجروا غضباً من هذا الإعلان، فإن الجدل في هذا أدى إلى وعي جديد عن كثير من الأشخاص العسر. يطغى الأشخاص ذوو الاستخدام الأيمن على خبرات الأشخاص العسر والعلماء بدؤوا باستيعاب أن العسر هم حقاً مختلفون لكن ليس إلى ذلك الحد كما نتخيل وليس بذلك السوء.
سمعة سيئة ومشؤومة
كما لو لم تكن وسائل اليمينيين كافية بالنسبة لليساريين ليتعاملوا معها وبها، بل وهناك أيضاً مسألة السمعة. عبر التاريخ، كان الجانب اليساري من الجسم مرتبطاً بالظلمة والحظ العاثر والأرواح الشريرة، بينما ارتبط الجانب اليميني بالنور والحظ السعيد والفضيلة. إن التوراة والتلمود والإنجيل والقرآن مليئة بالفوارق والاختلافات بين اليمينيين الورعين الطاهرين وبين اليساريين الشريرين. وفي أساطير شرق آسيا أن بوذا أنزل مشايعه ونصراءه الذين هم على يمينيه إلى فردوس الخلود بينما جلس الشيطان إلى يسار الإله الذي غالباً ما يوصف بالأعسر.
تعكس اللغة أيضاً الفروق بين الجانب اليميني واليساري. ففي اللاتينية كلمة شرير تعني اليسار وبالنسبة للغة الإنكليزية والتي تشير إلى كلمة اليساري بأنها تعني الأنباء السيئة. فكلمة left مشتقة من الأنجلو سكسون lyft والتي تعني "ضعيف أو مكسور أو مهزوم أو خاسر" ويعدد معجم أكسفورد الإنكليزي عدداً لا حصر له من المرادفات لعبارة left-handed أي أعسر وتعني هذه المرادفات "ناقص أو متخلف ومريب والشاذ أو غير شرعي". حتى أن الغجر يستعملون الكلمة الرومانية للعسر وهي bongo والتي تدل على الشخص السيئ أو الشرير.
كذلك الإيحاءات والإيماءات والحركات الطقوسية للمجتمع تتبع الحركة اليمينية. فالمصافحة والتحية وإشارة الصليب والقَسَم على الكتب المقدسة كلها باليد اليمنى. ويمقت المسلمين اليد اليسرى وهذا منتشر في الشرق الأوسط وآسيا، بالإضافة إلى كون هذا الكره هو تقليد، فالناس يستخدمون يدهم اليسار للطهارة في بيت الخلاء.
تحامل العالم اليميني على الطرف اليساري وهو العجب بأن أي شخص أعسر سيبقى أعسرَ. لكن عدد العسر يبدو أنه ثابت خلال آلاف السنين بصرف النظر عن الضغوط الاجتماعية التي يتعرضون لها. احتار الناس تماماً لمدة طويلة حول وجود أشخاص يساريين ومن هؤلاء الناس ذوي عقول عظيمة ابتداءً من أفلاطون وانتهاءً بجان جاك روسو والذين يتفكرون فيما إذا كان الاستخدام اليدوي اليميني أو اليساري هو فطري أم مكتسب. وتكثر النظريات حول ذلك. في أواخر الأربعينيات لامَ بغضب الطبيب النفسي في مدينة نيويورك حالة عسر الأطفال الذين هم مابين السنة الأولى والثالثة لاستعمالهم يدهم اليسرى.
تعدّ الوراثة أحد العوامل لهذه الظاهرة لكنه ليس هو العامل المهيمن. فبين 90 بالمائة من الأطفال الذين يولدون يمينيين يوجد بالمقابل أطفال عسر يشكلون أقل من النصف لكل طفلين يكبران ليكونا أعسرين. حتى بالنسبة للتوائم المتماثلة والمتطابقة يمكن أن يكون لدى كل واحد منهما استخدام مهمين لليد عكس الآخر.
يمكن أن يكون تكيف جهازنا العصبي في وقت ما قرر أنه هو أكثر فعالية وكفاءة للتخصص لأداء مهارات الحركة كالذين يقذفون بالحجارة أو الذين يكتبون المقطوعات الموسيقية. وذلك التخصص يكون أيمن بشكل دائم تقريباً.
يعرف كل العسر أنهم مختلفون؛ مختلفون في الأساليب التي يمكن أن تتبع في الحياة اليومية العادية. وتبدو مثل رحلة إلى بلاد أجنبية بلا كتاب دليل. عند العسر تقريباً في السنة الأولى والثانية من عمرهم استعداد للعوائق والصعوبات التي سيلاقونها في مسار حياتهم حتى بالنسبة لأولئك الذين هم بعمر سنتين. يستخدم الأطفال الرضع كثيراً كلتا يديهما بشكل تبادلي وحينئذ يبدأ الأطفال بإتقان المهارات الحركية، هذه المهارات تطغى على إحدى اليدين وتكون هي المسيطرة والمتمكنة من الاستعمال.
أول ما يعترض أكثرية اليساريين الصغار حضارة المسلك اليميني وذلك عند دخولهم المدرسة. الصدمة الأولى عادة هي المقص. إذا أمسكت بالمقص ستلاحظ أنك تفتحه وتغلقه مع الاعتماد على الضغط باتجاه الأسفل وهناك دفع خفيف نحو الأمام من الإبهام ودفع خلفي من الأصابع الأخرى. تلك الضغوطات تدفع بنصل الإبهام إلى أمام نصل الأصابع عندما يتصالب هذان النصلان عند نقطة محور المقص يجعلهما يقصّان.
إذا وضعت المقص نفسه في اليد اليسرى واستعلمت الحركة بإبهامك نفسها وأصابعك فسيتنحى نصل الإبهام مبتعداً عن نصل الأصابع الأخرى وسينتج عن ذلك انفصال الورقة وينحني الجزء المنفصل بسهولة بين النصلين المتباعدين قليلاً عندما يتقاطعان. ولكي تحصل على مقص لتقص يتوجب عليك أن تدفع بأصابعك وإبهامك هذه الحركة صعبة نوعاً ما، بل هي كذلك. كل من في الصف يحدق بك وأنت تضغط بإبهامك المتألم والمصاحب لحركة المقص المتناغمة، وهنا ربما يتساءل الصغار ذوو الاستخدام الأيسر عن ورقتك التي قصصت لمَ هي بقالب ثلم وخشن؟ إنها ليست عملية.
يتذكر كبار السن العسر أن العقبة الأكبر التي واجهوها في المدرسة. خلال القرن العشرين، أجبرت المدارس الأمريكية التلاميذ العسر أن يكتبوا باليد اليمنى كطريقة للتوبيخ أو الإخضاع القسري. دفع ذوو الاستخدام الأيسر ثمن هذا الثبات. حصل العديد من العسر على علامة سيئة في السلوك لأوراقهم المكتوب عليها بشكل غير مرتب وقد تلطخت بالحبر، أو الذين قضوا ساعات عصيبة تقصم الظهر بأخذ التأنيب من أستاذ المدرسة الثانوية. وإلى اليوم، يذكر الكثير من الصغار العسر أن آبائهم لطالما أخذوهم إلى المتاجر الرياضية قبل أن يتمكنوا من اقتناء القفاز الملائم لممارسة لعبة البيسبول أو الغولف.
في الحقيقة، يتعلم العديد من اليساريين الألعاب الرياضية ذات الاستخدام اليميني لأنهم يريدون أن يجاروا الحركات اليمينية للمدرب. قضى الرياضي جون ديانا في جزيرة لونغ بمدينة نيويورك سنوات يبحث بحماسة عن كتيبات تعليمية للعسر وبذلك يعترف: "خربت كل كتب زوجتي عن الغولف" ففي كل موضع من الكتب الموجودة في المكتبة يوجد علامات أو إشارات صغيرة تشير إلى هذا يسار وهذا يمين.
مصمم الأثاث المنزلي كريس ويلاند هو أعسر وهو يعلم تقنيات النجارة والأعمال الخشبية في جامعة إنديانا بولاية بنسلفانيا. يقول ويلاند: "كنت أُري الطلاب كيفية استعمال الأدوات اليدوية اليمنى. ثم أنقل هذه الأدوات إلى يدي اليسرى المتمكنة وفي الواقع أنا أريهم كلا الأسلوبين في الاستخدام. أما الأدوات الكهربائية فأمرها مختلف فعليك أن تتعلم استخدامها لأن معظمها هي يمينية الاتجاه وذلك لأسباب سلمية. وعلى اليساريين أن يكونوا محترسين كثيراً جداً ولديهم نفاذ البصيرة وعمق الإدراك ومتسمين بالفهم". وبالتكلم عن مراقبة طلابه اليساريين الذين يعملون بآلات يمنى قال:"قد تعني أية حركة خاطئة فقدان إصبع".
قاتل صامت
أزعجت جداً تصريحات العالم النفسي ستانلي كورن بجامعة كولومبيا البريطانية في مدينة فانكوفر اليساريين التي مفادها أن موتهم سيكون مبكراً وذلك بسبب أنواع الأدوات المستخدمة والتي تجعل حياة اليساريين خطرة جداً. وهم على الأرجح معرضون للموت أكثر بخمس مرات من اليمينيين، ولأن العالم يرفض أن يتعايش معهم. يقول ستانلي: "ليس على اليساريين سوى التعلم فقط لأنهم ليسوا خارجين عن العوامل البشرية والناس".
أصبح كورن أولاً مفتوناً نوعاً ما حين دراسة الإدراك الحسي في السبعينيات. وعلى مر السنين، لاحظ أمراً ما غريباً، مع أن 13 بالمائة من السكان وهم بعمر 20 سنة كانوا عسراً وفقط خمسة بالمئة منهم في الخمسين وواحد بالمئة في الثمانيين من العمر، فأين من كان العسر الكبار السن؟
حللّ الاختصاصيان النفسيان كورن وديان هالبرن في عام 1988 في جامعة ولاية كاليفورنيا بمدينة سان بيرناردنيو فترات حياة 2271 من لاعبي البيسبول كما هو معروف في موسوعة البيسبول، وقد وجدا وسطياً أن اليمينيين يعيشون مدة ثمانية أشهر أطول من اليساريين وهذا فرق بسيط لكنه لافت ومثير. وفي عام 1991 أرسل العالمان دراستهما التي كتباها إلى مجلة نيو إنجلاند الطبية هذه الدراسة كانت الموضوع الخامس من المجلة مما جعل هذان العالمان سيئي السمعة وشائنين لدى اليساريين.
استطلع العالمان حوالي 2000 شخص كانوا أقارباً للعسر الذين ماتوا مؤخراً، وكان السؤال إن كان المتوفى أعسراً. دوّن الباحثان في جدول متوسط 75 متوفى من اليمينيين و 66 ميتاً من اليساريين وكان الفرق بين العمرين تسع سنوات! وبدت حالة العسر هذه وكأنها قاتل صامت. "لا تنتظر اليساري" وهو عنوان نشره العالمان في جريدة نيويورك تايمز وكذلك عنوان "مات". رن جرس هاتف الباحثين وكانت المكالمة عبارة عن توسلات وتضرعات من محددي المواعيد لبرنامج الحوار في الصحيفة عن تهديدات يساريين مهتاجين وغاضبين.
لكن يقول الباحثون الآخرون إن دراسة كورن وهالبرن أخذت صورة صغيرة جداً عن العسر لا يمكن الاعتماد عليها أو الوثوق بها. يقوم عالم الأوبئة مارسيل ساليف بالمعهد الوطني بدراسات عن الشيخوخة فقد أجرى على الحاسوب دراسة على كبار السن دامت ست سنوات وجاءت الأرقام والأعداد العمرية لليساريين مساوية لأعمار اليمينيين. ويعتقد ساليف أن نقص العمر بالنسبة للعسر يعود إلى التغير المفاجئ الذي حدث في أوائل القرن العشرين: "ذلك ما فكرنا به أولاً".
الملاحظ من حسابات كورن أن نسبة الدراسة عن اليساريين قد برهنت مدى تعنّت الفكر حولهم طوال القرون الماضية مع كل الانفتاح الثقافي الواسع. لكنه يقر – أي كورن- أن فارق تسع سنين قد تكون استثنائية وخارجة عن القاعدة. فعلى كورن وساليف أن يتقبلا مسألة: أن فترة حياة اليساريين تستحق نظرة أعمق.
يقول اليساريون: إنهم لديهم مشاكل، لكن تلك المشاكل هي إثارات مزعجة في أغلب الأحيان أكثر من الحوادث الخطرة. يقول كيس كيبرس المحرر في مجلة الأعسر- Lefthander: "لدينا الكثير من الشكاوي حول آلات التصوير الفيديو النقالة، ومجففات الشعر، والهواتف. إنما السيطرة أو التحكم على اليمين والسلك على اليسار".
بالنسبة لليساريين فإن الأعمال الحياتية اليومية يمكن أن تعود بالخطورة عليهم. يقول جون ديانا: "يمكن أن تشكل أعمال المطبخ كابوساً للأعسر" وهذا ما يجعل الأمر يتفاقم وأكثر سوءاً، فمقشرات البطاطس والمغارف ونازعات السدادات والسكاكين يمكن أن تكون كلها خطرة بشكل محض لأنها مثل المقص فالأمر ليس واضحاً. الطرف المسنن الحاد الموجود على سكين تميل نحو اليمين قليلاً وحين تقوم بتقطيع الفطيرة إلى شرائح باتجاه الأسفل فإن السكين تتجه بعيداً عن اليد التي تمسك بالفطيرة. ضع السكين نفسها في اليد اليسرى فستحاول هذه السكين ما بوسعها لتستقر في الإصبع الأوسط اليميني.
حتى حوض الزراعة يمكن أن يكون غير مأمون. الكاتب آلن لاسي الذي يصدر صحيفة تدعى"حديقة المنزل" تحدث عن استعماله لأدوات الحديقة حيث إنه بعد بضعة ضربات بمعول حاد ليجتز الأعشاب الضارة، أدرك لاسي الأعسر أنه يمكن لهذا المعول أن يشكل خطورة عليه أكثر من الأعشاب الضارة. فهو يقول: "إن المنجل ينحني ويتقوس إلى ناحية اليمين فقد تنتزع أحشاءك بنفسك دون أية متاعب أو جهد على الإطلاق".
أضف إلى ذلك قاطعة العشب الكهربائية التي هددت بقضم أصابع قدم لاسي عندما وقف على الجانب الأيمن للآلة ليسحب حبل التشغيل وهذا ضروري لكي يتمكن من السحب فاشتبك حبل النايلون بأنبوب العادم على اليمين. يقول لاسي: "حاولت به خمس دقائق وأدركت أنه خطر جداً. كان أنبوب العادم مباشرة بجانب جسمي".
لكن هل هذه المواجهات للأدوات كافية لتقتل اليساريين؟ تتصاعد النداءات إلى إدارة السلامة المهنية والصحة (OSHA) ومجموعة المؤسسات الاتحادية المسؤولة عن تأمين الصحة والسلامة لليساريين الذين يشوهون أو يموتون والحصول على دليل لهذا الحادث الذي يقع. من ناحية أخرى، يعترف المسؤولون أن هذا يمكن أن يكن لأنهم لا يسألون عما إذا كان ضحايا هذا الحادث هم يساريون أم لا؟.
فلماذا إذاً اليساريون غير مؤهلين وأكفاء؟ يقول سبرانغر: "في كثير من الأحيان يتكيف العسر مع العالم اليميني والحد الأدنى لهذا التأقلم هو أن الأشخاص العسر الذين يتأقلمون أكثر بكثير مع الأعمال والمهام أكثر منّا نحن اليمينيين، نحن المعطوبون وظيفياً في هذا العالم".
لقد تعلم اليساريون أن العالم يسلط الضوء عليهم. معلمو المدارس هم أقدر على الاحتمال وتساهلاً بالنسبة للكتَّـاب العسر والمقاعد ذات الاتجاه اليميني تصبح شيئاً من الماضي. وأصبح هناك محلات ومجلات مصورة متخصصة في استخدام مختلف الأدوات منها المقص المعقوف ومغارف ومقصات كبيرة للحدائق وربما أدوات أخرى للاستخدام اليساري.
يتعامل جون ديانا وهو لاعب غولف في لونغ آيلاند مع إحباطاته المتكررة بفتح النظام التجاري البريدي لليساريين الذي يعرض أدوات يسارية كنازعات السدادات والسكاكين من بين المنتجات الأخرى. وقد تواصل مع دليل اليساريين وإلى مصدِّري كتيبات مرجعية توضح بالصور طريقة اللعب بالغولف والبولينغ والتنس والبيسبول بالنسبة للعسر.
أدمغة مختلفة
حسب وجهة نظر كورن، حتى لو العالم امتنع عن استخدام الأدوات اليُمنى فإن اليساريين سيظلون يواجهون مخاطر أخرى وهي وظائفهم العضوية. نحن كما نعرف أنه منذ أكثر من مئة عام أن دماغ الإنسان يوزع الأوامر جانبياً وذلك بأن يتحكم الجانب الأيسر بالجانب الأيمن من الجسم وهو يشتمل مهارات اللغة، وأن نصف كرة الدماغ اليمنى تتحكم عادة بالجانب الأيسر من الجسم وتميل إلى التعامل مع المهام المكانية. اعتقد باحثو القرن التاسع عشر أن العسر لابد أن يكونوا ذوي أدمغة مختلفة يمينية مسيطرة كالصورة المعكوسة في مرآة اليمينيين.
مما يؤسف له، أن ذلك ليس بهذه البساطة والسهولة. نحن نعرف مع أن 97 بالمئة من اليمينيين هم ذوو أدمغة يسارية متحكمة بالنسبة للغة وكذلك 68 بالمئة من اليساريين أيضاً. إن كل 20 بالمئة من اليساريين هم ذوو أدمغة يمينية بالنسبة للغة. ولا يوجد دليل علمي على هذه الفكرة الشائعة بأن العسر أصلاً وفطرياً هم ذوو أدمغة ذات التحكم اليميني وهم أكثر حساسية وشاعرية وبارعون ومولعون بالفنون أو أن اليمينيين هم أكثر صلابة وواقعية وعقلانية ومنطقاً.
لكن العلماء يعرفون حقاً أن أدمغة العسر هي مختلفة عن اليمينيين ومع كل تخصص بين نصفي كرة الدماغ وأكثر تغييراً وعبوراً وانتقالاً بين النصفين. في السنوات الأخيرة، وثّق الباحثون أيضاً أن غير اليمينيين لديهم معاناة بالسقوط في مشاكل صحية معينة ومحددة منها صعوبة التعلم والصداع النصفي والكآبة والحساسية واضطرابات المناعة مثل التهاب المفاصل الروماتزمي والتهاب القولون التقرحي. والذي لم يستطع العلماء أن يكتشفوه وضعوا له أداة الاستفهام لماذا.
قدَّم نورمان جيسشونيد، الاختصاصي بعلم الأعصاب والبارز من جامعة هارفارد، نظريةً افترض فيها أن التوازن في هرمون التيستوسيترون أثناء فترة الحمل يمكن أن تؤثر في نظام مناعة الجنين وأيضاً تبطئ تطور نصف الكرة الدماغية اليسرى مما يجعل هذا النصف أقل تخصصاً. وهذا ما يفسر المشكلات الصحية وتزايد غير اليمنيين أي اليساريين، وحتى في واقع الأمر أن الرجال العسر غالباً يعانون صعوبات أكثر من النساء.
يعتقد العلماء بأن نصف العسر ربما هم يساريون إما لأن معايير الهرمون (أو بفعل ضغوطات) دفعتهم قليلاً وجعلتهم مختلفين عن اليمينيين مثل الخدج (أي المولودين قبل الأوان) وهذا ما يحلله علم الأمراض. لكن أن تدرك بأنك يساري أو طفلك كذلك هو حالة مرضية فليس بالأمر المروّع كما يبدو. يتوقع كورن اليوم حين يتعرف على الاختلافات لوظائف الأعضاء لليساريين فإنه سيقوم بالمعالجة حسب الطلب. يقول مارك هاليت المدير التحليلي والسريري للمعهد الوطني للاضطرابات والاعتلالات العصبية الحيوية: "هذا قد يفيد، فالمشكلات مثل صعوبة الكتابة والقراءة أو التكلم أحياناً هي مفتقدة عند الأطفال. ربما حالة العسر قد تكون إشارة إلى أنه يوجد خلل دماغي بسيط وهذا يستحق النظر والبحث فيه".
ويظن بعض الباحثين أن صفة الأعسر قد تكون نتيجة لبعض الخلل في التوازن والذي يؤثر في الدماغ قبل الولادة مثل ارتفاع مستوى الهرمون الذكوري التستوستيرون. وهذا قد يفسر سبب تأكيد بعض الدراسات بأن نسبة الذكور بين الأشخاص المعسرين أكثر من الإناث.
لكن توجد بعض الجوانب المحيّرة في حالة الأعسر فهي تسود بنسبة أكبر في الأطفال الذين يولدون ولادة غير مكتملة وبين الأشخاص الذين يتمتعون بمعدل ذكاء مرتفع خاصة الأطفال الذين لديهم قدرات قوية في الرياضيات والموسيقا والكلام.
وإحدى النظريات التي تفسر هذه الظاهرة أن العنصر الجيني الوراثي الذي في معظم الحالات يركز القدرات اللغوية في الأشخاص في الجانب الأيسر من دماغهم هو الذي يجعلهم أيضاً عاملين باليد اليمنى. وإذا كان هذا العنصر الجيني الوراثي غائباً (بغياب إحدى المورثات) تحصل صفة الأعسر بشكل عشوائي.
ووفقاً لبعض الباحثين يميل الشخص الذي يعمل بيمناه إلى استعمال الجانب الأيسر من دماغه على الجانب الأيمن منه، ودماغ الشخص الأعسر هو أقل تخصصاً في وظائفه على الجانبين.
الألعاب الرياضية الجيدة
لحسن الحظ، الأنباء ليست كلها سيئة بالنسبة لليساريين، يوجد بعض الأعمال حيث يمكن للأعسر أن يقوم بها يدوياً بشكل ملائم. في أي مكان يعدّ اليساريون أكثر غلاءً وتقديراً وخصوصاً في لعبة البيسبول. أعطى كُتاب الرياضة في القرن التاسع عشر الرماة لقب (كف الجنوب) وذلك بعد لقائهم واستحكامهم للاتجاه الغربي في لعبة أقيمت في منتزه الكرة بشيكاغو. تُفضل رياضة البيسبول الرماة اليساريين لأنهم يلتقون ويواجهون العدّاء الذي يجري على القاعدة الأولى وضاربو الكرة هم يساريون لأنهم يقفون على بعد خطوتين أقرب إلى الأولى.
مازالت تلك الفوائد لا تفسر الغموض الذي يحيط بلاعبي كرة البيسبول العسر. تيد وليم وتاي كوب وجو الحافي وجاكسون هم في الذاكرة ليس فقط كضاربي كرة عظماء بل كضاربي كرة يساريين عظماء. سُجِلَ بيب راث في اللعب الأعسر في المؤسسة المدرسية للصبيان في بالتيمور بمدينة مارلايلاند مع أنه فقير جداً بحيث لعب بقفاز يميني ثم خلعه ليحقق رمية يسارية.
الرماة العسر العظماء مثل ساندي كوفاكس وستيف كارلتون إلى ملاح سياتل راندي جونسون هم أكثر موضع تقدير واحترام وخصوصاً بالنسبة لقدرتهم الرائعة على الرمي وضرب الكرة باليد اليسرى. من بين فريق الرماة الواحد يوجد تقريباً الثلث منهم عسر. يرمي جونسون تقريباً إلى مسافة 150م إلى الضارب الأعسر وتبدو الكرة تنحني وتميل آتية مباشرة إلى الرأس قبل أن تغير اتجاهها إلى اليمين. الكثير من الفرق مضاربهم يستخدمونها باليسار عندما يتأهب جونسون للرمي.
يتقاضى أيضاً اليساريون أجوراً جيدة في ألعاب التنس والملاكمة والمبارزة هذا غير المكافآت والتقديرات التي ينالونها بشكل كبير لعنصر المفاجأة الذي يفعلونه أثناء اللعب وذلك بأنهم يقضون معظم الوقت يصدون انقضاض منافسيهم اليمينيين. إن رود ليفر وجيمي كونورس ومارتينا نافراتيولوفا وجون مكنروي هم فقط أقلية لعديد من لاعبي التنس العسر الذين قد تفوقوا وكانوا بارزين. لكن اليساريين ممنوعون من أداء رياضة كرة الماء والهوكي على الخيل فإن هاتين اللعبتين اعتبرتا كميناً خطراً جداً بالنسبة لليساريين.
ويعتقد علماء فرنسيون بأن الشخص الأعسر هو أكثر قدرة على المواجهة، وله ميزة قتالية تفوق الشخص الذي يتعامل بيده اليمنى. ففي دراسة أجراها فريق من العلماء الفرنسيين نُشرت في مطبوعة علمية قالوا إن الأعسر بطبيعته لديه قدرة أكبر على البقاء في المجتمع الذي يطغى عليه العنف. وأوضحوا أنه نظراً لأن الأعسر يعد~ نفسه من الأقلية تكون دائماً لديه ميزة استراتيجية عند القتال.
يساريون أسطوريون
إن اليساريين هم أيضاً يمكن أن يشار إليهم بالبنان بسرعة ويشكلون عدداً كبيراً لا يحصى من المهندسين المعماريين والمصممين وأسياد الشطرنج وعلماء الرياضيات وفنانين كلهم عسر مثل ليورنادو ورافاييل وهولبين وكيلي وبيكاسيو وكذلك الموسيقيين مثل بوب دايلن ورينغ ستار وبول ماكارتي هم أيضاً يساريون والمشهور طبعاً جيمي هندريكس كان أعسراً والذي صمم أوتار غيتاره بشكل عكسي. هاربو ماركس وشارلي شابلن كانا يساريين، عزف شابلن على كمان يساري مصنوع خصيصاً لهذا الغرض.
يبدو أن العسر لديهم نفوذ سياسي متزايد كالرؤساء ترومان وفورد وبوش كانوا جميعاً يساريين تماماً مثل الرئيس كلينتون وباراك أوباما. في عام 1992 ولأول مرة يلتقي كل مرشحي الرئاسة الرئيسيين بما فيهم اتش روس بيرو والذين كلهم كانوا جميعاً يساريين.
هنأ اليساريون ستانلي كورن لرؤيته الجديدة والواضحة لليساريين. فهو يتصور أن تكون كل الأدوات التي لا يمكن تصميمها بالنسبة لليساريين أو التي يستخدمها من يقدر على استعمال كلتا يديه أن تصبح في يوم متوفرة بشكل واسع بنماذج معدلة لكلا الاتجاهين اليميني واليساري بشكل منسق ومتناغم. يقول كورن: "إحدى الأمور التي قمت بها أنني أشرت إلى العسر بأنهم قاصرون وأنهم أقلية وأنهم يحتاجون إلى أدوات ذات نوعية عالية كي يستطيعوا مواكبة ومواصلة أعمالهم، وهم يحتاجون إلى سكين جيب ذي شق يساري الجانب محفور على طرف النصل لينفتح".
مستخدمو اليد اليسرى
ربما يجد مستخدمو اليد اليسرى مشكلات في حروف الكتابة التي يبدو أنها صُمّمت لتناسب مستخدمي اليد اليمنى. يجب ألا يغير الإنسان اليد المستخدمة في الكتابة إذا كان هو بطبيعته يستخدم اليد اليسرى؛ فقليل من الأفكار قد تجعل الحياة له أسهل، لذا قد يستفيد الأعسر من التالي: 1- كرسي مرتفع قليلاً. 2- قلم ذي رصاص ناعم لا يترك ثقوباً على الورقة، وبمرور الوقت يستخدم قلماً حديثًا لا يلطخ الورقة. 3- مسافة على الطاولة لوضع الورقة في الجهة اليسرى في مكان يريح اليد والعين. 4- عدم مسك القلم قريبـاً من السنّ. هذه التوجيهات العملية تساعد مستخدمي اليد اليسرى في الكتابة؛ وذلك في رؤية ما يكتبون، وكذلك الكتابة براحة من الجهة اليمنى إلى اليسرى.
قد يحتاج مستخدمو اليد اليسرى عند كتابة الحروف إلى مساعدة محددة مثل:
1- التوجيه في المراحل الأولى في الاتجاه عند كتابة الإنجليزية من اليسار إلى اليمين، وفي حركة الحروف المنفردة.
2- يجد بعض مستخدمي اليد اليسرى في الكتابة صعوبة في كتابة الحروف المائلة الإنجليزية إلى الأمام. وتُصبح هذه مشكلة فقط عندما يُطلب أو يُجبر مستخدمو اليد اليسرى على اتباع نموذج معين أو يُنتقدوا على كتابة الحروف مائلة إلى الخلف.
3- ربما يجد مستخدمو اليد اليسرى صعوبة في ربط بعض الحروف السهلة على مستخدمي اليد اليمنى. تؤدي قلة الربط بين الحروف، ورفع القلم عن الورقة غالبـاً إلى زيادة في راحة الكاتب وفاعلية الكتابة.
أخيراً
نقلت صحيفة "دايلي مايل" البريطانية عن عالم أسترالي استنتاجه الذي توصل إليه بعد دراسة مطولة والذي ينفي أن يكون الأعسر أكثر موهبة من الأيمن، كما كان يُفترض سابقاً. وقد أجرى مايك نيكولس البروفسور في جامعة فليندرس (والذي هو نفسه أعسر) دراسة شارك فيها 5 آلاف طفل عمرهم خمس سنوات. واطلع العالم على نتائج تقدمهم المدرسي، كما استفتى المدرسين بصدد سلوك الأطفال وقدرتهم على التخالط والتواصل. واستنتج نيكولس أن الأطفال العسر يتخلفون عن الذين يستخدمون يدهم اليمنى، كما أن الأوائل يتآلفون مع العمل في المجموعة بصورة أسوأ.
وقال نيكولس إنه "من غير الصحيح أن يصبح الإنسان أعسر جرّاء تطور جسمه قبل ولادته بأسلوب غير سليم، كما كان الكثير يعتقدون في السابق". وأضاف أن قدرة الأعسر المتدنية على التعلم يتناسب مع مستوى تنمية مَن ولد قبل أوانه.
وبحسب معطيات مختلفة، فان الأعسر يحقق النجاحات في ممارسة الرياضة وعلى وجه الخصوص في التنس والبيسبول والرياضات المائية. ولا يخلو عالم التكنولوجيا العالية من شخصيات موهوبة، حيث أن أربعة من أصل خمس من الاختصاصيين الأوائل عملوا على وضع موديلات لكومبيوتر "ماكنتوش" من هذا القبيل.