و إذا مرضت فهو يشفين

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

s80toufik

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
17 أوت 2006
المشاركات
1,883
نقاط التفاعل
8
النقاط
77
و إذا مرضت فهو يشفين



وصايا نبوية طبية نافعة 1


خلق الله الخلق لعبادته وطاعته ، وخلقهم من أرواح وأجساد ، وأنزل لهم من الأحكام الشرعية والتكاليف التعبدية ما يقيم أبدانهم ويهذب أرواحهم ، وأخرج لهم من طيبات الأرض ما يحفظ أبدانهم وأرواحهم

قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }.

1 - السلامة في التقليل من الطعام والشراب :

قال تعالى: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }

قال بعض الأطباء : إن هذه الآية اشتملت على نصف الطب .

فإن أكثر الأمراض من التخم ، وإدخال الطعام على الطعام قبل هضم الأول .

قلت: وأحذر طعاماً قبل هضم طعام
فمنــه دومــاً سائــر الأسقـام

وقد أوصى الرحمة المهداه - الرحيم بهم - أمته الاعتدال والاقتصاد في سائر شؤونهم ؛ حتى في عبادتهم ولم يفته أن يوصيهم بالاقتصاد في طعامهم
- الذي فيه سلامة أبدانهم - ، وإبعاد عطبهم وتلفهم وهلاكهم ؛ ذلك أن الإكثار من الطعام وما ينتج عنه من التخم والسمنة سبب رئيس لكثير من العلل القاتلة ؛ كالضغط والسكر ، وتصلب الشرايين ، والنقرس ، والأمراض السوداوية ، وكثرة السدد الكبدية والطحالية ، والعلل الرئوية والصدرية ، وغير ذلك مما هو معروف عند الأطباء مدون في كتبهم ونشراتهم الصحية .

ففي (( المسند )) وغيره ، قال صلى الله عليه وسلم : (( ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا بد فاعلاً ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه )) .
قلت : فلم يجز الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته أن يتجاوزوا قدر الثلث - والثلث كثير - ، والأفضل أن يقتصروا على لقيمات ؛ تكون دون الثلث بكثير لتقوى معدتهم على هضم الطعام ، والاستفادة منه ، ولكي تتمكن الأجهزة الأخرى من العمل ؛ كجهاز التنفس - الرئتين - ؛ لأن الإنسان إذا شبع ضغطت معدته على الحجاب الحاجز وهو بدوره يضغط على الرئتين ؛ فيمتنع النفس ويصبح صعباً ؛ مما يسبب له الكرب ، حيث يضعف القلب ويجهد ، وبالتالي لا يصل الأكسجين إلى الدم وإلى عروق الدماغ ، فلربما أدى إلى السكتات القلبية والدماغية ، وما يعقب ذلك من موت أو شلل .

قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في (( زاد المعاد )) (4/18) :
(( الأمراض نوعان : أمراض مادية تكون عن زيادة مادة أفرطت في البدن حتى أضرت بأفعاله الطبيعية ، وهي الأمراض الأكثرية ، وسببها إدخال الطعام على البدن ، قبل هضم الأول ، والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن وتناول الأغذية القليلة النفع ، البطيئة الهضم ، والإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة ، فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية واعتاد ذلك أورثته أمراضاً متنوعة منها : بطيء الزوال وسريعه . فإذا توسط في الغذاء وتناول منه قدر الحاجة ، وكان معتدلاً في كميته وكيفيته، كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير )) .

ومراتب الغذاء ثلاثة :

أحدهما : مرتبة الحاجة .

والثانية : مرتبة الكفاية .

والثالثة : مرتبة الفضلة .

فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم : أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه ، فلا تسقط قوته ، ولا تضعف معها، فإن تجاوزها ، فليأكل في ثلث بطنه ، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث لنفسه، وهذا من أنفع ما للبدن والقلب ؛ فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب ، فإذا ورد عليه الشراب ضاق النفس ، وعرض له الكرب والتعب بحمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل ، هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب ، وكسل الجوارح عن الطاعات ، وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع فامتلاء البطن من الطعام مضر للقلب والبدن .
هذا إذا كان دائماً أو أكثرياً ، وأما إذا كان في بعض الأحيان فلا بأس به ، فقد شرب أبو هريرة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم من اللبن حتى قال : والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكاً ، وأكل الصحابة بحضرته مراراً حتى شبعوا ، والشبع المفرط يُضعف القوى والبدن ، وإن أخصبه ، وإنما يقوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء لا بحسب كثرته .

2 - الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من دعا إلى الحجر الصحي وطبّقه .
عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد : ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون فقال أسامة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل ، وعلى من كان قبلكم ، فإذا سمعتم به بأرض، فلا تدخلوا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فراراً منه )) (1) .

قلت : فأين الغرب من هذا الحديث النبوي الصحيح ؟! الذي وضع فيه النبي صلى الله عليه وسلم أصول وقواعد (الحجر الصحي) قبل خمسة عشر قرناً من الزمان ، يوم أن كان الغرب في جهل دامس وتخلف طامس ، ولو أنصفوا لشهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة حق ؛ وأنه طبيب الدنيا بأسرها ، كما كان نبي العالمين بأسرهم .

.
 
قال الإمام ابن القيم في (( زاد المعاد )) : الطاعون هو عند أهل الطب : ورم رديء يخرج معه تلهب شديد مؤلم جداً يتجاوز المقدار في ذلك ، ويصير ما حوله في الأكثر أسود ، أو أخضر ، أو أكمد ، ويؤول أمره إلى التقرح سريعاً ، وفي الأكثر يحدث في ثلاثة مواضع : في الإبط ، وخلف الأذن، والأرنبة ، وفي اللحوم الرخوة .

وفي أثر عن عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال : (( غدة كغدة البعير يخرج في المراق والإبط )) (2) .

قال الأطباء : إذا وقع الخراج في اللحوم الرخوة والمغابن ، وخلف الأذن والأرنبة ، وكان من جنس فاسد سمي طاعوناً ، وسببه : دم رديء مائل إلى العفونة والفساد ، مستحيل إلى جوهر سمِّي ، يفسد العضو ويغير ما يلين ، وربما رشح دماً أو صديداً ، ويؤدي إلى القلب كيفية رديئة فيحدث القيء والخفقات والغشي .

وهذا الاسم وإن كان يعم كل ورم يؤدي إلى القلب كيفية رديئة ، حتى يصير لذلك قتالاً ، فإنه يختص به الحادث في اللحم الغددي ؛ لأنه لرداءته لا يقبله من الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطبع ، وأردؤه ما حدث في الإبط وخلف الأذن ؛ لقربهما من الأعضاء ؛ التي هي رأس ، وأسلمه الأحمر ، ثم الأصفر ؛ والذي إلى السواد ، فلا يفلت منه أحد .

... وهذه القروح والأورام والجراحات ، هي آثار الطاعون وليست نفسه ، ولكن الأطباء لما لم تدرك منه إلا الأثر الظاهر جعلوه نفس الطاعون .

والطاعون يعبر به عن ثلاثة أمور :
أحدهما : هذا الأثر الظاهر ، وهو الذي ذكره الأطباء .

والثاني : الموت الحادث عنه ، وهو المراد في الحديث الصحيح : (( أنه بقية رجز أرسل على بني إسرائيل ))(3) ، وورد فيه أنه (( وخز الجن ))(4) .

إن تأثير الأرواح في الطبيعة وأمراضها وهلاكها أمر لا ينكره إلا من هو أجهل الناس بالأرواح وتأثيراتها ، وانفعال الأجسام وطبائعها عنها ، والله سبحانه قد يجعل لهذه الأرواح تصرفاً في أجسام بني آدم عند حدوث الوباءوفساد الهواء ؛ كما يجعل لها تصرفاً عند بعض المواد الرديئة التي

تحدث للنفوس هيئة رديئة ، ولا سيما عند هيجان الدم ، والمرة السوداء ، وعند هيجان المني فإن الأرواح الشيطانية تتمكن ما لا تتمكن من غيره ، ما لم يدفعها دافع أقوى من هذه الأسباب من الذكر ، والدعاء ، والابتهال ، والتضرع ، والصدقة ، وقراءة القرآن ، فإنه يستنزل بذلك من الأرواح الملكية ما يقهر هذه الأرواح الخبيثة ، ويبطل شرها ، ويدفع تأثيرها ، وقد جربنا نحن وغيرنا هذا مراراً لا يحصيها إلا الله ، ورأينا لاستنزال هذه الأرواح الطيبة واستجلاب قربها تأثيراً عظيماً في تقوية الطبيعة ودفع المواد الرديئة ، وهذا يكون قبل استحكامها وتمكنها ، ولا يكاد ينخرم ، فمن وفقه الله بادر عند إحساسه بأسباب الشر إلى هذه الأسباب التي تدفعها عنه ، وهي له من أنفع الدواء ، وإذا أراد الله عز وجل إنفاذ قضائه وقدره ، أغفل قلب العبد عن معرفتها وتصورها وإرادتها ، فلا يشعر بها ، ولا يريدها ، ليقضي الله فيه أمراً كان مفعولاً .

قلت : لقد أدرك العالم كله أهمية (الحجر الصحي) خصوصاً بعد اكتشاف المجهر ؛ الذي يكبر الجراثيم والفيروسات مئات ؛ بل آلاف المرات وهذه الميكروبات تحدث أمراضاً فتاكة صعبة ، كميكروبات الكوليرا والطاعون ، والجدري والبلهارسيا ، ومرض آبولا والملاريا ، وغيرها من أمراض فتاكة .

ولقد رأينا قبل سنين كيف قاطعت كل دول العالم الهند عندما أشيع أن الطاعون قد انتشر فيها ، وكيف حجرت على المسافرين القادمين من الهند الدخول إلى أراضيها ، وقادت حملات ضخمة للتطعيم من هذا المرض ، وكذا تفعل الدول مع كل وباء مُعْدٍ ؛ منعاً لانتقال هذا الوباء إلى بلدانها السليمة ، مع حملة واسعة إعلامية من التوعية الصحية لمواطنيها ، فصلى الله على الرحمة المهداة الذي قال الله فيه :
{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }
قال الإمام ابن القيم في (( زاد المعاد )) (4/42-45) :
(( وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم للأمة في نهيه عن الدخول إلى الأرض التي هو بها ، ونهيه عن الخروج منها بعد وقوعه لكمال التحرز منه ؛ فإن في الدخول في الأرض التي هو بها تعرضاً للبلاء ، وموافاة له في محل سلطانه ، وإعانة للإنسان على نفسه ، وهذا مخالف للشرع والعقل ؛ بل تجنب الدخول إلى أرضه من باب الحمية التي أرشد الله سبحانه إليها ، وهي حمية من الأمكنة والأهوية المؤذية .

وأما نهيه عن الخروج من بلده ففيه قولان :
أحدهما : حمل النفوس على الثقة بالله ، والتوكل عليه ، والصبر على أقضيته والرضى بها .

والثاني : ما قاله أئمة الطب : (( أنه يجب على كل محترز من الوباء أن يخرج عن بدنه الرطوبات الفضيلة ، ويقلل الغذاء ، ويميل إلى التدبير المخفف من كل وجه إلا الرياضة والحمام ؛ فإنهما مما يجب أن يحذرا ؛ لأن البدن لا يخلو غالباً من فضل رديء كامن فيه ؛ فتثيره الرياضة والحمام ، ويخالطانه بالكيموس(5) الجيد ، وذلك يجلب علة عظيمة ، بل يجب عند وقوع الطاعون السكون والدعة(6) ، وتسكين هيجان الأخلاط ، ولا يمكن الخروج من أرض الوباء والسفر منها إلا بحركة شديدة ، وهي مضرة جداً ، هذا كلام أفضل الأطباء المتأخرين ، فظهر المعنى الطبي من الحديث النبوي وما فيه من علاج القلب والبدن وصلاحهما )) .

قلت : مع ما فيه من منع نشر العدوى إلى شعوب وبلدان أخرى والمطلوب شرعاً وعقلاً منع الشر ومحاصرته وتقليله ما استطاع العبد إلى ذلك سبيلاً .

وقد ذكر العلماء بعض الحكم في المنع من الدخول إلى الأرض التي وقع بها الطاعون ، منها :


1 - تجنب الأسباب المؤذية ، والبعد عنها .

2 - ومنها : الأخذ بالعافية التي هي مادة المعاش والمعاد .

3 - ومنها : أن لا يستنشقوا الهواء الذي عفن وفسد فيمرضون .

4 - ومنها : أن لا يجاوروا المرضى الذين قد مرضوا بذلك ، فيحصل لهم بمجاورتهم من جنس أمراضهم .

5 - ومنها : حمية النفوس عن الطيرة والعدوى ، فإنها تتأثر بهما ، فإن الطيرة على من تطير بها .

وبالجملة ففي النهي عن الدخول في أرضه الأمر بالحذر والحمية ، والنهي عن التعرض لأسباب التلف ، وفي النهي عن الفرار منه الأمر بالتوكل والتسليم ، والتفويض ، فالأول : تأديب وتعليم ، والثاني : تفويض وتسليم .

وهذا الحديث من عشرات الأحاديث التي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أمته حفظاً لصحتهم ، وسلامة دينهم ، وهي من الطب النبوي الوقائي ، ولي مصنف مفرد في ذلك .

نسأل الله التمام والقبول .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد طبيب القلوب والأرواح ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري (6/377) في الأنبياء : باب ما ذكر عن بني إسرائيل ، ومسلم (2218) في السلام : باب الطاعون والطيرة
(2) أخرجه أحمد (6/145 و255) ، وحسنه محققا الزاد .

(3) أخرجه البخاري (6/377) ، ومسلم (2218) من حديث أسامة بن زيد .

(4) أخرجه أحمد (4/395 و413 و417) ، والطبراني في (( المعجم الصغير )) (ص17) ، وصححه الحاكم (1/50) ووافقه الذهبي ، وهو كذلك .
(5) الحالة التي يكون عليها الطعام بعد هضمه في المعدة قبل أن يجري في العروق . والكلمة يونانية قديمة تستعمل كثيراً في كتب الطب القديم .

(6) وهذا نراه عند الحيوان كثيراً حينما يُصاب بالمرض ، يعتزل الطعام ويخلد للراحة والدعة تاركاً للطبيعة مقاومة المرض فقد خلق الله سبحانه وتعالى في الطبيعة مقاومة ذاتية للمرض ، بخلاف الإنسان الذي لا يعرف ما يصلح له عند مرضه
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top