الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و بعد
فهذه الحلقة الثانية من سلسلتنا شجرة الايمان تُعَد تتمة للحلقة الأولى التي جاءت في تعريف الايمان و بيان حده، و هي تعرض لخصال أهل الايمان و تُبين مراتبهم بحسب إلتزامهم بهذه الخصال، و أن الايمان يزيد و ينقص بحسب ذلك، فأترككم من دون إطالة مع تفصيل ذلك بالدليل.
.........................
قال تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( 1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ( 2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ( 3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ( 4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ( 5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ( 6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ( 7) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ( 8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ( 9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ( 10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ( 23/1-11) .
فهذه الحلقة الثانية من سلسلتنا شجرة الايمان تُعَد تتمة للحلقة الأولى التي جاءت في تعريف الايمان و بيان حده، و هي تعرض لخصال أهل الايمان و تُبين مراتبهم بحسب إلتزامهم بهذه الخصال، و أن الايمان يزيد و ينقص بحسب ذلك، فأترككم من دون إطالة مع تفصيل ذلك بالدليل.
.........................
قال تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( 1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ( 2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ( 3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ( 4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ( 5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ( 6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ( 7) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ( 8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ( 9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ( 10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ( 23/1-11) .
ففسر الله الإيمان –في هذه الآيات- بجميع هذه الخصال . فإنه أخبر بفلاح المؤمنين ، ثم وصفهم بقوله : ( الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) إلى آخر الآيات المذكورة . فمن استكمل هذه الأوصاف فهو المؤمن حقاً . ومضمونها : القيام بالواجبات الظاهرة والباطنة ، واجتناب المحرمات والمكروهات . وبتكميلهم للإيمان استحقوا وراثة جنات الفردوس التي هي أعلى الجنات ؛ كما أنهم قاموا بأعلى الكمالات .
وهذه صريحة في أن الإيمان يشمل عقائد الدين ، وأخلاقه ، وأعماله الظاهرة والباطنة ، ويترتب على ذلك : أنه يزيد بزيادة هذه الأوصاف والتحقق بها ، وينقص بنقصها ، وأن الناس في الإيمان درجات متفاوتة بحسب تفاوت هذه الأوصاف .
ولهذا كانوا ثلاث درجات : سابقون مقربون ، وهم : الذين قاموا بالواجبات والمستحبات ، وتركوا المحرمات والمكروهات ، وفضول المباحات ، ومقتصدون ، وهم : الذين قاموا بالواجبات ، وتركوا المحرمات ، وظالمون لأنفسهم ، وهم : الذين تركوا بعض واجبات الإيمان ، وفعلوا بعض المحرمات ، كما ذكرهم الله بقوله: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) ( 35/32) .
وقد يعطف الله على الإيمان ، الأعمال الصالحة أو التقوى أو الصبر ، للحاجة إلى ذكر المعطوف . لئلا يظن الظان : أن الإيمان يكتفي فيه بما في القلب . فكم في القرآن من قوله( [1]) : ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)؛ ثم يذكر خبراً عنهم .
و الأعمال الصالحات : من الإيمان ، ومن لوازم الإيمان . وهي التي يتحقق بها الإيمان . فمن ادعى أنه مؤمن -: وهو لم يعمل بما أمر الله به ورسوله : من الواجبات ، ومن ترك المحرمات.- فليس بصادق في إيمانه .
و الأعمال الصالحات : من الإيمان ، ومن لوازم الإيمان . وهي التي يتحقق بها الإيمان . فمن ادعى أنه مؤمن -: وهو لم يعمل بما أمر الله به ورسوله : من الواجبات ، ومن ترك المحرمات.- فليس بصادق في إيمانه .
كما يقرن بين الإيمان والتقوى ، في مثل قوله تعالى : ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( 62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) ( 10/62-63) .
فذكر الإيمان الشامل لما في القلوب : من العقائد والإرادات الطيبة ، والأعمال الصالحة ، ولا يتم للمؤمن ذلك حتى يتقي ما يسخط الله : من الكفر والفسوق والعصيان . ولهذا حقق ذلك بقوله: ( وَكَانُوا يَتَّقُونَ) كما وصف الله بذلك خيـار خلقــه ، بقولـه : ( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ( 7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)( 49/7-8) .
فهذه أكبر المنن : أن يحبب الإيمان للعبد ، ويزينه في قلبه ، ويذيقه حلاوته : وتنقاد جوارحه للعمل بشرائع الإسلام ؛ ويُبغِّض الله إليه أصناف المحرمات . والله عليم بمن يستحق أن يتفضل عليه بهذا الفضل ، حكيم في وضعه في محله اللائق به .
كما ثبت في الصحيح -من حديث أنس (رضي الله عنه)- أنه (صلى الله عليه و سلم) قال( [2]) :
( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يرجع عن دينه ، كما يكره أن يقذف في النار)
فذكر أصل الإيمان الذي هو : محبة الله ورسوله ؛ لا يكتفي بمطلق المحبة ، بل لابد أن تكون محبة الله مقدمة على جميع المحاب ، وذكر تفريعها : بأن يحب لله ، ويبغض لله . فيحب الأنبياء والصديقين، والشهداء والصالحين ؛ لأنهم قاموا بمحاب الله واختصهم من بين خلقه ، وذكر دفع ما يناقضه وينافيه ، وأنه يكره أن يرجع عن دينه أعظم كراهة ، بقدر أعظم من كراهة إلقائه في النار .
وأخبر في هذا الحديث : أن للإيمان حلاوة في القلب ، إذا وجدها العبد سَلَّتهُ عن المحبوبات الدنيوية ، وعن الأغراض النفسية ، وأوجبت له الحياة الطيبة ، فإن من أحب الله ورسوله لهج بذكر الله طبعاً – فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره- واجتهد في متابعة الرسول، وقدم متابعته على كل قول ، وعلى إرادة النفوس ، وأغراضها . من كان كذلك ؛ نفسه مطمئنة مستحلية للطاعات ، قد انشرح صدر صاحبها للإسلام ، فهو على نور من ربه . وكثير من المؤمنين لا يصل إلى هذه المرتبة العالية (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) ( [3]) .
وكذلك في الصحيحين –من حديث أبي هريرة أنه (صلى الله عليه و سلم) قال( [4]) : ( الإيمان بضع وسبعون شعبة ؛ أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق و الحياء شعبة من الإيمان ) .
وهذا صريح : أن الإيمان يشمل أقوال اللسان وأعمال الجوارح ، والاعتقادات والأخلاق ، والقيام بحق الله ، والإحسان إلى خلقه . فجمع في هذا الحديث بين أعلاه وأصله وقاعدته- وهو قول : لا إله إلا الله ؛ إعتقاداً ، وتألهاً ، وإخلاصاً لله- وبين أدناه ، وهو : إماطة العظم والشوكة وكل ما يؤذي عن الطريق فكيف بما فوق ذلك : من الإحسان ، وذكر الحياء و-الله أعلم- : لأن الحياء به حياة الإيمان، وبه يدع العبد كل فعل قبيح ، كما به يتحقق كل خلق حسن، وهذه الشعب –المذكورة في هذا الحديث- هي جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة .
وهذا -أيضاً – صريح : في أن الإيمان يزيد وينقص بحسب زيادة هذه الشرائع والشعب ، واتصاف العبد بها أو عدمه ، ومن المعلوم : أن الناس يتفاوتون فيها تفاوتاً كبيراً ، فمن زعم : أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص : فقد خالف الحس ، مع مخالفته لنصوص الشارع كما ترى.
وقد ذكر النبي - (صلى الله عليه و سلم)- الإسلام والإيمان في حديث جبريل المشهور( [5]) ، حيث سأله جبريل بحضرة الصحابة عن الإيمان ، فقال : ( أن تؤمن بالله وملائكته ، وكتبه ورسله ، واليوم الآخر والقدر) ؛ وفسر الإسلام بالشرائع الخمس الظاهرة .
لأنه –كما تقدم- إذا قرن بالإيمان غيره ، فسر الإيمان بما في القلب من العقائد الدينية ؛ والإسلام أو الأعمال الصالحة بالشرائع الظاهرة . وأما عند الإطلاق إذا أطلق الإيمان ، فقد تقدم أنه يشمل ذلك أجمع.
وفي الصحيحين –من حديث أنس- أن النبي (صلى الله عليه و سلم) قال( [6]) : ( لا يؤمن أحدكم ، حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين).
فأخبر (صلى الله عليه و سلم) : أنه إذا تعارضت المحبتان ؛ فإن قدم ما يحبه الرسول : كان صادق الإيمان ؛ وإلا : فهو ناقص الإيمان . كما قال تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ( 4/65) .
فأقسم تعالى : أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله، ولا يبقى في قلوبهم حرج وضيق من حكمه وينقادوا له انقياداً ، وينشرحوا لحكمه. وهذا شامل في تحكيمه في أصول الدين ، وفي فروعه ، وفي الأحكام الكلية ، والحكام الجزئية .
وفي الصحيحين( [7]) أيضاً –عن أنس مرفوعاً-: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) . وذلك يقتضي أن يقوم بحقوق إخوانه المسلمين الخاصة والعامة ؛ فإنه من الإيمان . ومن لم يقم بذلك ويحب لهم ما يحب لنفسه ، فإنه لم يؤمن الإيمان الواجب ، بل نقص إيمانه بقدر ما نقص من الحقوق الواجبة عليه .
وفي صحيح مسلم( [8])–من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه- قال : قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم) : ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً) .
يتبع بإذن الله تعالى.
.....................................................................................
( [1]) كما في سورة البقرة : ( 2/277) ويونس ( 10/9) ، وهود ( 11/23) ، والكهف : ( 18/30، 107) ، ومريم : ( 19/96) ، ولقمان : ( 31/8) ، وفصلت : ( 41/8) ، والبروج : ( 85/11) . والبينة : ( 98/7) .
( [2]) كما في صحيح البخاري : ( 1/8-9، 8/14، 9/20) ، ومسلم : ( 1/48) ، والترمذي : ( 10/91) ، والمصابيح : ( 1/3) ، ببعض اختلاف . وقد أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه ، كما في الفتح الكبير : ( 2/49) ، وأبو داود كما في هداية الباري ( 1/323) وانظر : سننه ( 4/198) .
( [3]) اقتباس من سورة الأنعام : ( 6/132) ، والأحقاف : ( 46/19) .
( [4]) كما في صحيح مسلم : ( 1/46) ، والمصابيح ( 1/3) ببعض اختلاف ، وورد في مسلم أيضاً مختصراً كما ورد في البخاري بلفظ ( وستون) . وقد أخرجه أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه . انظر : الجامع الصغير ( 1/122) ، والفتح الكبير ( 1/510) وهداية الباري ( 1/280) وسنن أبي داود ( 4/219) .
( [5]) المروي –باختلاف أو اختصار- من طريق أبي هريرة : في صحيح البخاري ( 1/15، 6/115) ، ومسلم ( 1/30-31) ومسند أحمد ، وسنن ابن ماجه ، ومن طريق عمر : في صحيح مسلم ( ص29) . والمصابيح ( 1/3) ، وسنن أبي داود ( 4/224) ، والترمذي والنسائي وشعب الإيمان للبيهقي . انظر : الجامع الصغير ( 1/123) ، والفتح الكبير ( 1/509-510) وهداية الباري ( 2/125) .
( [6]) كما في صحيح البخاري : ( 1/8) ومسلم : ( 1/49) والمصابيح ( 1/3) وهداية الباري : ( 2/308) ومسند أحمد وسنن النسائي وابن ماجه . كما في الجامع الصغير : ( 2/302) والفتح الكبير ( 3/35) . وقد أخرجه البخاري أيضا- من طريق أبي هريرة- باختصار من آخره ، وزيادة في أوله .
( [7]) والمصابيح ( 2/115) ومسند أحمد ، وسنن الترمذي وابن ماجه انظر: صحيح البخاري ( 1/8) ، ومسلم ( 1/49)– وقد ورد في لفظ ( أو لجاره) . وهداية الباري ( 2/308) ، والجامع الصغير ( 2/253) ، والفتح الكبير ( 3/351) .
( [8])( 1/46) ، والترمذي ( 10/61) والمصابيح : ( 1/3) ، ومسند أحمد كما في الجامع الصغير : ( 2/17) والفتح الكبير : ( 2/108) . وقوله ( نبيا) لفظ الترمذي . ولفظ مسلم وغيره : ( رسولا) .
آخر تعديل: