حكم الأغذية المصنوعة من جلاتين

أبو عبد السميع

:: عضو مثابر ::
أحباب اللمة
إنضم
20 ديسمبر 2014
المشاركات
514
نقاط التفاعل
653
نقاط الجوائز
73
الجنس
ذكر
آخر نشاط
في حكم الحلوى المصنوعة من مادة
«الجيلاتين» والأجبان المحتوية على «الإنفحة»
السـؤال:

ما حكمُ الحلويَّات المستورَدة مِن «إنجليترا» وغيرِها مِنَ البلدانِ الأوروبيةِ، والتي تحتوي على مادَّةِ «الجيلاتين» الموجودةِ في عظام ولحم الخنزير والبقر؟ وما حكمُ الأجبان المحتوِية على مادَّة «رينات» وهي مادَّةٌ مستخرَجةٌ مِنْ بطن الجَدْي أو الحَمَل الرضيع، وتسمَّى بالإنْفَحةِ؟ علمًا بأنَّ أهلَ هذه البلدانِ وغيرِها لا يذبحون غالبًا؟

الجـواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فلا مانعَ مِن جواز الحلويات والأجبان المستورَدة التي تحتوي على مادَّة «الجيلاتين» و«الإنفحة» إن كانتْ مستخرَجةً مِن حيواناتٍ مأكولةِ اللحم أو مِنْ موادَّ مباحةٍٍ تندرج ضِمْنَ ذبائح أهل الكتاب ممَّا لهم فيه ممارسةٌ وصناعةٌ، فهي طاهرةٌ لقوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ [المائدة: ٥]، أمَّا إذا كانتْ مادَّةُ «الجيلاتين» مستخرَجةً مِنَ الحيواناتِ المحرَّمةِ الأكلِ لنجاستِها وخُبْثِها وضررِها كجلد الخنزير وعظامِه وغيرِه مِنَ الحيواناتِ والموادِّ المحرَّمةِ؛ فإنَّ الحلويَّاتِ وسائرَ الأطعمةِ التي اختلطتْ بها مادَّةُ «الجيلاتين» يَحْرُمُ -شرعًا- استهلاكُها أو بيعُها أو استخدامها في الطعام أو اقتناؤُها للنصوص الواردة في تحريم الخنزير والمَيْتة وسائر الخبائث، إذ المعلومُ -فقهًا- أنَّ «التَّحْرِيمَ يَتْبَعُ الخُبْثَ وَالضَّرَرَ».

فإنْ كان في اختلاط هذه المستهلَكاتِ أو المبيعات بمادَّة «الجيلاتين» على وجهٍ يُدْخِلُ الشكَّ والرِّيبةَ لموضع الاشتباه؛ فإنَّ الواجبَ أن يتركَها تغليبًا لجانب التحريم، وعملاً بالاحتياط في قولِه صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ»(١)، ولقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ»(٢).

أمَّا الأجبانُ المحتوِيَةُ على «الإنفَحةِ» أو «رينات» فإنه ما دامتْ تُسْتَخْرَجُ مِنْ بطنِ الجَدْيِ أو الحَمَلِ الرضيع، وهما ممَّا يُؤْكَلُ لحمُه فلا إشكالَ فيما إذا ذُكِّيَ هذا الحيوانُ الذَّكاةَ الشرعية.

وإنما يَرِدُ الإشكالُ فيما إذا كانتْ هذه الحيواناتُ مَيْتَةً أو لم تُذَكَّ الذَّكاةَ الشرعيةَ على ما هو جارٍ في مُعْظَم بلاد الغرب الأوروبيِّ مِنْ أهل الكتاب، أو كانتْ مِن ذبائح المجوس، الأمرُ الذي أحدث خلافًا بين أهل العلم في الجواز والمنع، واختلافُهم ناشئٌ عنِ اختلافهم في لبن الميتة وإنفحتها: هل هما طاهران أم نَجِسان، فمن رأى نجاستَهما حكم بتحريم ما يُصْنَعُ بالإنفحة: حلوياتٍ كان أو أجبانًا، وهو مذهبُ مالكٍ والشافعيِّ وروايةٌ عن أحمد، ومن رأى طهارتَهما حكم بجوازهما وهو مذهبُ أبي حنيفة(٣) والروايةُ الأخرى عنِ الإمامِ أحمد ارتضاها شيخُ الإسلام ابنُ تيميةَ(٤)، حيث قال -رحمه الله-: «والأظهرُ أنَّ جُبْنَهم حلالٌ -يعني المجوسَ- وأنَّ إنفحةَ الميتة ولبنَها طاهرٌ»(٥)، وهو الظاهر مِنَ القولين عملاً بفعل الصحابة لَمَّا فتحوا بلادَ العراق: أكلوا جُبْنَ المجوسِ وشاع هذا بينهم مِنْ غير نكيرٍ، فضلاً عن أنَّ اللبنَ والإنفحة ليسا محلاًّ للموت، وإنما أُخِذَ حُكْمُ نجاستِهما عند من يقضي بنجاستِهما من كونِهما مستخرَجَيْنِ مِنْ ذاتِ الميتة وهي وعاءٌ نَجِسٌ، غيرَ أنه لا يتمُّ التسليمُ أنَّ المائعَ ينجسُ بملاقاةِ النجاسةِ لعموم حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ مرفوعًا: «المَاءُ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»(٦)، والمائعاتُ كُلُّها حكمُها حكمُ الماءِ قَلَّت أو كَثُرَت، وعليه يتقرَّر حكمُ بيعِ الحلويَّاتِ والأجبانِ وهو: الحِلُّ والجوازُ ما لم يُعْلَمِ احتواؤُهما على مادَّةٍ محرَّمةٍ كشحم الخنزير أو أحدِ أجزاء الميتة ممَّا تحلُّها الحياةُ، ففي هذه الحالِ تحرم قطعًا إذا لم تتغيَّرْ حقائقُها.

فإذا تقرَّر هذا الأصلُ في كلا المسألتين، فإنه يبقى الحكم على أفرادِها يُعْلَمُ بنوعٍ من تحقيق المناط.

والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٣ ربيع الثاني ١٤٣١ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٩ مارس ٢٠١٠م

(١) أخرجه البخاري في «الإيمان» باب فضل من استبرأ لدينه (١/ ١٩)، ومسلم في «المساقاة» (٢/ ٧٥٠) رقم (١٥٩٩)، من حديث النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما.

(٢) أخرجه الترمذي في «صفة القيامة والرقائق والورع» (٢٥١٧)، والنسائي في «الأشربة» باب الحثِّ على ترك الشبهات (٥٧١١)، وأحمد في «مسنده» (١/ ٢٠٠)، من حديث الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما، والحديث صحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (٣/ ١٦٩) والألباني في «الإرواء» (١/ ٤٤)، والوادعي في «الصحيح المسند» (٣١٨).

(٣) أجزاء الميتة الصلبة التي لا دمَ فيها كالقرن والسنِّ والحافر والخفِّ والإنفحة الصلبة طاهرةٌ عند الأحناف لأنَّ هذه الأشياء ليست بميتةٍ لعدم دخول الحياة فيها، والميتة من الحيوان اسمٌ لما زالت حياتُه، فالإنفحة الصلبة متَّفقٌ على طهارتها، أمَّا الإنفحة المائعة واللبن في ضرع الميتة فالأظهر طهارتها. [«البدائع» (١/ ٦٣)].

(٤) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢١/ ٦٠).

(٥) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢١/ ١٠٣).

(٦) أخرجه وأبو داود في «الطهارة» باب ما جاء في بئر بضاعة (٦٦)، والترمذي في «أبواب الطهارة» باب ما جاء أنَّ الماء لا ينجِّسه شيءٌ (٦٦)، وأحمد في «مسنده» (٣/ ٣١)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو صحيحٌ بطرقه وشواهده، انظر «التلخيص الحبير» لابن حجر (١/ ١٣، ١٤) و«إرواء الغليل» للألباني (١/ ٤٥).

شيخ فركوس حفظه الله
 
رد: حكم الأغذية المصنوعة من جلاتين

بارك الله فيك
 
رد: حكم الأغذية المصنوعة من جلاتين

بارك الله فيك ونفع بك
 
العودة
Top