- إنضم
- 14 جويلية 2011
- المشاركات
- 5,234
- نقاط التفاعل
- 5,403
- النقاط
- 351
- العمر
- 109
محمد الهادي الحسني
يمر الجمعة، خمسة وثمانون عاما على تأسيس أفضل وأشرف ما أسس الجزائريون من مؤسسات في ألعن عهودهم التاريخية، وهو العهد الفرنسي الصليبي، وهذه المؤسسة الشريفة المجاهدة هي "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"، التي أُسست على تقوى من الله في الخامس من شهر ماي من عام 1931. ظن الفرنسيون – "وإن الظن لا يُغني من الحق شيئا" – عندما احتفلوا في سنة 1930 بمرور قرن على تدنيسهم الجزائر، أنها أصبحت "فرنسية"، وظنوا – لسَفاهتهم وغبائهم – أن الإسلام فيها قد "قُبر"، فجاءت "الجمعية" لتقول للفرنسيين بلسانَي الحال والمقال: "ليس بأمانيّكم"، وأن الجزائر لن تكون إلا كما أرادها الله "إسلامية العقيدة، عربية اللسان، أمازيغية الأصول، عربية الانتماء والانتساب"، وأنها لن تكون فرنسية ولو التأم شاطئا البحر المتوسط، وصارت الجزائر ومرسيليا حيّين متجاورين...
أهم ما يهمني ذكره في هذه المناسبة هو أن ممّا علمته جمعية العلماء للجزائريين مبدأ الشورى والانتخاب الحر، وهو في رأي "صغيري العقول" من "بِدع" جمعية العلماء كبدعة درس الجمعة، ودفع نصف الزكاة لبناء المدارس والمساجد الحرة..
لقد انتخب رئيس الجمعية الأول، الإمام عبد الحميد ابن باديس وهو غائب، وذلك دليل على قيمة الرجل علميا وأخلاقيا، وما سمعنا ولا قرأنا أن رئيس جمعية أو رئيس حزب انتخب وهو غائب، بل رأينا "السفهاء" في الأحزاب يتراشقون بالكراسي من أجل الرئاسة... كما انتخب رئيسها الثاني، الإمام محمد البشير الإبراهيمي، في 1940 لرئاستها وهو منفيّ في آفلو من طرف فرنسا، التي يحتضن "سفهاؤنا" مسئوليها ويقبلونهم، ويحبونهم على مذهب الأعرابي القائل:
"وأحبها وتحبني حتى أحب لحبها سُود الكلاب"
وما سمعنا ولا قرأنا أن فرنسا حاولت أن تضار جمعية أو حزبا في الجزائر إلا جمعية العلماء عندما تبين لها أن هذه الجمعية لن تكون رهن إشارتها وأطوع لها من بنانها، فأوعزت إلى بعض من انضموا إلى الجمعية "حسابا" "لا احتسابا ليؤسسوا جمعية يضارون بها جمعية العلماء، فاستجابوا لما أمروا به، بعضهم "رغبا" وبعضهم "رهبا"، ولكن هذه الجمعية لم يَحُل عليها الحول حتى ذهبت "الجمعية" الضّرار وبقيت "السّنّة"، التي تموهوا تحت غطائها، وصدق الله العظيم، القائل في كتابه الناطق بالحق، والهادي إلى صراطه المستقيم: "فأما الزبد فيذهب جُفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
وقد يقول قائل إن حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية (MTLD) قد انشق، وأقول إن ذلك الانشقاق "ذاتيّ"، ولم يكن من فعل فرنسا اللعينة، وسببه عقدة إبليس "أنا"، حيث أراد رئيس الحزب أن "يخلد" في رئاسته، وأن يكون "ربّا"، لا يُسأل عما يفعل، ولكن بعض "مريديه" من اللجنة المركزية عصوه، فانشقوا عنه، وهذه هي الجريمة الوحيدة التي لم ترتكبها فرنسا في الجزائر.. بينما سعت ونجحت في شق الحزب الحر الدستوري الأصيل في تونس وكتلة العمل الوطني في المغرب الأقصى الإسلاميين بـ "ما" دسّته في صفوفهما من "أوليائها"، مثل "مادح نفسه يقرئك السلام"، الذي سمى نفسه، "وحوحو يشكر روحو"، "المجاهد الأكبر"، ناسيا – "وأنّى له الذكرى" – أن الله – سبحانه وتعالى – نهى عن تزكية النفس، فقال "فلا تزكوا أنفسكم"...
وأما عن محاولة فرنسا إخراج ابن باديس من الجمعية فقد "ضغط – جازميرانت على أبيه السيد محمد المصطفى وأخيه السيد الزبير، وهما من أحباب الإدارة، فكان مما قال ميرانت عندما اجتمع بعبد الحميد: لك الحرية التامة أن تعلم كما تشاء، ومتى تشاء، وأين تشاء، ولكن من العار أن يكون ابن باديس، ابن العائلة الماجدة في جمعية فيها أبناء القوّالين وسقاة الماء،.. فقال ابن باديس: إخواني أولوني ثقتهم، فلن أتخلى عنهم، فما كان من والده إلا أن تبرّأ منه" (1).
وأما المحاولة الثانية فقد تمت في سنة 1940، عندما توفى الله الإمام ابن باديس، فانتقل إلى قسنطينة ضابط فرنسي صحبة "جزائري" (بايع ملتو) واتصلا بمن حضر جنازة ابن باديس من أعضاء جمعية العلماء، وقاما بدور إبليس "يعدهم ويمنّيهم" بإطلاق سراح المسجونين من أعضاء الجمعية، والتوقف عن إغلاق مدارسها ونواديها، وعدم إرهاب معلميها، كل ذلك في مقابل صرف رئاسة الجمعية إلى غير الإمام الإبراهيمي، وإن أمكن صرفها إلى (فلان) فذلك ما كنّا نبغي.. فما كان جواب "إخوان الصفا وخلان الوفا" إلا أن قالوا بلسان حالهم ما كان لنا أن ننصر ابن باديس حيّا ونخونه ميتا، وهو الذي تركها كلمة باقية في إخوانه وتلاميذه وشعبه: "والله، لو طلبت مني فرنسا أن أقول: لا إله إلا الله، ماقلتها" (2). فسقط في يد فرنسا الآمرة بالمنكر، الناهية عن المعروف، وفي يد من اتبع هواها، وظن سرابها ماء زلالا.
لقد تساءل بعض "الأغرار" الذين يعلمون ظاهرا من الأمور عن سبب عودة جمعية العلماء، وقد "استقلت" الجزائر، ولهؤلاء نقول إن ضرورة عودة جمعية العلماء إلى النشاط هي للتنبيه إلى ما تفعله "بقايا فرنسا" من مكر بالليل والنهار ضد ثوابت الشعب الجزائري من دين ولسان ووطن، وإن هذه البقايا لأشد حقدا على هذه الثوابت، وأكثر مكرا من فرنسا نفسها، لينالوا رضاها..."ويمكرون، ويمكر الله، والله خير الماكرين"، "وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال"، "قل الله أسرع مكرا".
أنظر حمزة بكوشة: ما رَأيتُ وما رَويتُ ص 54، ومحمد الهادي الحسني: نجوم ورجوم ص 85-88.
أخبرني الشيخ عبد الرحمان شيبان أن الإمام ابن باديس قال هذه الكلمة للشيخ العربي التبسي، وقد سمعها منه الشيخ شيبان وغيره – رحم الله جميع علمائنا العاملين..
جاءت "الجمعية" لتقول للفرنسيين بلسانَيْ الحال والمقال: "ليس بأمانيّكم"، وأن الجزائر لن تكون إلا كما أرادها الله "إسلامية العقيدة، عربية اللسان، أمازيغية الأصول، عربية الانتماء والانتساب"، وأنها لن تكون فرنسية ولو التأم شاطئَا البحر المتوسط، وصارت الجزائر ومرسيليا حيّين متجاورين...