وَهَذِهِ حَالُ أَكْثَرِ الخَلْقِ، وَهِيَ التِي أَهْلَكَتْهُمْ!! موعظة بليغة فافتح لها قلبك

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,286
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
وَهَذِهِ حَالُ أَكْثَرِ الخَلْقِ، وَهِيَ التِي أَهْلَكَتْهُمْ!!
موعظة بليغة فافتح لها قلبك


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن موالاه، أما بعد:

فيقول ربنا تبارك وتعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: ١٦ ].

قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى:
{
وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ } أي: ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام، ثم لم يدوموا عليه، ولا ثبتوا، بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة، فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم، { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تذكر بما أنزل له الله، وتناطق بالحكمة، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك، فإن ذلك سبب لقسوة القلب وجمود العين. اهـ

وقد أسهب الإمام شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في الكلام عن هذا الداء العضال ( قسوة القلب ) والذي كانت بدايته ( طول الأمد ) فانتهى الأمر بـ ( المريض ) إلى استوحاش الطريق ثم النكوص على عقبيه والعياذ بالله.

قال رحمه الله:

« فلو عرف العبد كل شيء ولم يعرف ربه، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ شَيْئًا، ولو نال كل حظ من حظوظ الدنيا ولذاتها وشهواتها وَلَمْ يَظْفَرْ بِمَحَبَّةِ اللهِ، وَالشَّوْقِ إِلَيْهِ، وَالأُنْسِ بِهِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَظْفَرْ بِلَذَّةٍ وَلاَ نَعِيمٍ وَلاَ قُرَّةِ عَيْنٍ، بل إذا كان القلب خاليا عن ذلك عادت تلك الحظوظ واللذات عذابا له ولابد، فيصير معذبا بنفس ما كان منعما به من جهتين:
من جهة حسرة فوته، وأنه حيل بينه وبينه، مع شدة تعلق روحه به،
ومن جهة فوت ما هو خير له وأنفع وأدوم، حيث لم يحصل له، فالمحبوب الحاصل فات، والمحبوب الأعظم لم يظفر به.
وَكُلُّ مَنْ عَرَفَ اللهَ أَحَبَّهُ، وَأَخْلَصَ العِبَادَةَ لَهُ -وَلاَبُدَّ-، وَلَمْ يُؤْثِرْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ المَحْبُوبَاتِ، فمن آثر عليه شيئا من المحبوبات فقلبه مريض، كما أن المعدة إذا اعتادت أكل الخبيث وآثرته على الطيب سقطت عنها شهوة الطيب، وتعوضت بمحبة غيره.

وقد يمرض القلب ويشتد مرضه، ولا يعرف به صاحبه، لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وَعَلاَمَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ تُؤْلِمُهُ جِرَاحَاتُ القَبَائِحِ، ولا يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة، فإن القلب إذا كان فيه حياة تألم بورود القبيح عليه، وتألم بجهله بالحق بحسب حياته.

وَمَا لِجُرْحٍ بَمِّيتٍ إيلامُ

وقد يشعر بمرضه، وَلَكِنْ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ تَحَمُّلُ مَرَارَةِ الدَّوَاءِ وَالصَّبْرُ عَلَيْهَا، فهو يؤثر بقاء ألمه على مشقة الدواء، فإن دواءه في مخالفة الهوى، وَذَلِكَ أَصْعَبُ شَيْءٍ عَلَى النَّفْسِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْفَعُ مِنْهُ.

وَتَارَةً يُوَطِّنُ نَفْسَهُ عَلَى الصَّبْرِ، ثُمَّ يَنْفَسِخُ عَزْمُهُ، وَلاَ يَسْتَمِرُّ مَعَهُ لِضُعْفِ عِلْمِهِ وَبَصِيرَتِهِ وَصَبْرِهِ: كمن دخل في طريق مخوف مُفْضٍ إلى غاية الأمن، وهو يعلم أنه إن صبر عليه انقضى الخوف وأعقبه الأمن، فهو محتاج إلى قوة صبر، وقوة يقين بما يصير إليه، ومتى ضعف صبره ويقينه رجع من الطريق، ولم يتحمل مشقتها، ولا سيما إن عدم الرفيق، واستوحش من الوحدة، وجعل يقول: أين ذهب الناس؟ فلي بهم أسوة.

وَهَذِهِ حَالُ أَكْثَرِ الخَلْقِ، وَهِيَ التِي أَهْلَكَتْهُمْ، فالبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ولا من فقده، إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول، ﴿ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴾، فَتَفَرُّدُ العَبْدِ فِي طَرِيقِ طَلَبِهِ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِ الطَّلَبِ. » ( إغاثة اللهفان: ١١٢-١١٣ )

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

والحمد لله رب العالمين.

البُلَيْـــدِي، نقلا عن منتديات التصفية و التربية.
 
رد: وَهَذِهِ حَالُ أَكْثَرِ الخَلْقِ، وَهِيَ التِي أَهْلَكَتْهُمْ!! موعظة بليغة فافتح لها قلبك

بارك الله فيك اخي
و جعلها في ميزان حسناتك
 
رد: وَهَذِهِ حَالُ أَكْثَرِ الخَلْقِ، وَهِيَ التِي أَهْلَكَتْهُمْ!! موعظة بليغة فافتح لها قلبك

بارك الله فيك وجزاك الله كل خير اخي
 
رد: وَهَذِهِ حَالُ أَكْثَرِ الخَلْقِ، وَهِيَ التِي أَهْلَكَتْهُمْ!! موعظة بليغة فافتح لها قلبك

أحسن الله اليكما.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top